تفسير سورة فاطر

تفسير ابن أبي زمنين
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين .
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿الْحَمد لله﴾ حَمَدَ نَفْسَهُ وَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ ﴿فاطر﴾ خَالق ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض جَاعل الْمَلَائِكَة رسلًا﴾ جعل من شَاءَ مِنْهُم لرسالته إِلَى الْأَنْبِيَاء ﴿أولي﴾ ذَوي ﴿أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ تَفْسِير قَتَادَة: مِنْهُم من لَهُ جَنَاحَانِ، وَمِنْهُم من لَهُ ثَلَاثَة أَجْنِحَة، وَمِنْهُم من لَهُ أَرْبَعَة أَجْنِحَة.
قَالَ محمدٌ: (وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) فِي مَوضِع خفض، وَكَذَلِكَ (مَثْنَى) إِلَّا أَنَّهُ فتح ثَلَاث وَربَاع؛ لِأَنَّهُ ينْصَرف لعلّتين: إِحْدَاهمَا: أَنَّهُ معدول عَن ثَلَاثَة ثَلَاثَة، وَأَرْبَعَة أَرْبَعَة، واثنين اثْنَيْنِ، فَهَذِهِ عِلّة، وَالثَّانيَِة: أَن عدْله وَقع فِي حَال النكرَة.
﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاء﴾ تَفْسِير الْحَسَن: يزِيد فِي أَجْنِحَة الْمَلَائِكَة مَا يَشَاء
﴿مَا يفتح الله للنَّاس﴾ تَفْسِير الْكَلْبِيّ: مَا يقسِمٌ اللَّه للنَّاس ﴿من رَحْمَة﴾ من الْخَيْر والرزق ﴿فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ أَي: لَا أحد يَسْتَطِيع أَن يمسك مَا يقسم من
23
رَحْمَة ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ من بعده﴾ يَعْنِي: نَفسه، تبَارك اسْمُه.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿يفتح﴾ فِي مَوضِع جزْم عَلَى معنى الشَّرْط وَالْجَزَاء، وَجَوَاب الْجَزَاء ﴿فَلا مُمْسك لَهَا﴾.
سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٣ إِلَى آيَة ٤
24
﴿يَا أَيهَا النَّاس اذْكروا نعْمَة اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض﴾ يَعْنِي: مَا ينزل من السَّمَاء من الْمَطَر، وَمَا ينْبت فِي الأَرْض من النَّبَات ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ يَقُوله للْمُشْرِكين يحْتَج بِهِ عَلَيْهِم، وَهُوَ اسْتِفْهَام؛ أَي: لَا خَالق وَلَا رَازِق غَيره، وَأَنْتُم تقرون بذلك وتعبدون من دونه الْآلهَة ﴿
قَالَ مُحَمَّد: تقْرَأ {غير﴾
بِالرَّفْع والكسْر؛ فَمن قَرَأَ بِالرَّفْع فعلى معنى: هَلْ خالقٌ غيرُ اللَّه وَتَكون ﴿من﴾ مُؤَكدَة، وَمن كسر جعله صفة للخالق.
﴿فَأَنَّى تؤفكون﴾ يَقُول: فَكيف تُصرف عقولكم فتعبدون غير الله؟}
24
﴿ يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض ﴾ يعني : ما ينزل من السماء من المطر، وما ينبت في الأرض من النبات ﴿ لا إله إلا هو ﴾ يقوله للمشركين يحتج به عليهم، وهو استفهام ؛ أي لا خالق ولا رازق غيره، وأنتم تقرون بذلك وتعبدون من دونه الآلهة !
قال محمد : تقرأ ﴿ غير ﴾ بالرفع والكسر ؛ فمن قرأ بالرفع فعلى معنى : هل خالق غير الله وتكون ﴿ من ﴾ مؤكدة، ومن كسر جعله صفة للخالق. ﴿ فأنى تؤفكون ﴾ يقول : فكيف تصرف عقولكم فتعبدون غير الله ؟ !.
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ من قبلك﴾ يعزيه بذلك، ويأمره بِالصبرِ.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٥ إِلَى آيَة ٨
﴿يَا أَيهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ يَعْنِي: مَا وعد من الثَّوَاب وَالْعِقَاب ﴿فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرنكُمْ بِاللَّه الْغرُور﴾ الشَّيْطَان
﴿إِنَّمَا يَدْعُو حزبه﴾ يَعْنِي: الَّذين أضلّ ووسوس إِلَيْهِم بِعبَادة الْأَوْثَان ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ وَالسَّعِيرُ اسْمُ مِنْ أَسْمَاءِ جَهَنَّم
﴿أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حسنا﴾ كمن آمن وَعمل صَالحا؛ أَي: لَا يستويان، وَفِيه إضمارٌ ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حسرات﴾ يَقُول: لَا تتحسر عَلَيْهِم إِذْ لم يُؤمنُوا.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٩ إِلَى آيَة ١١
﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سحابا فسقناه﴾ يَعْنِي: سقنا المَاء فِي السَّحَاب ﴿إِلَى بلد ميت﴾ أَي: إِلَى أَرض لَيْسَ فِيهَا نَبَات.
وَلما قَالَ: ﴿إِلَى بَلَدٍ﴾ قَالَ: ﴿ميت﴾؛ لِأَن الْبَلَد مذكّرٌ، وَالْمعْنَى عَلَى الأَرْض ﴿كَذَلِك النشور﴾ أَي: (هَكَذَا) تحْيَوْن بعد الْمَوْت بِالْمَاءِ يَوْم
25
الْقِيَامَة كَمَا تحْيا الأَرْض بِالْمَاءِ فتنبت، يُرْسل اللَّه مَطَرا منيًّا كَمَنِيِّ الرِّجَالِ؛ فَتَنْبُتُ بِهِ جُسْمَانُهُمْ وَلُحْمَانُهُمْ كَمَا تَنْبُتُ الْأَرْضُ مِنَ الثرى يقوم ملك بالصور بَين السَّمَاء وَالْأَرْض فينفخ فِيهِ، فَينْطَلق كل روح (ل ٢٨٠) إِلَى جسده حَتَّى يدْخل فِيهِ، فيجيبوا إِجَابَة رَجُل وَاحِد سرَاعًا إِلَى صَاحب الصُّور إِلَى بَيت الْمُقَدّس
26
﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ يُرِيد الْعِزَّة؛ فليتعزّزْ بِطَاعَة اللَّه ﴿إِلَيْهِ يصعد الْكَلم الطّيب﴾ هُوَ التَّوْحِيد ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ التَّوْحِيد؛ لَا يرْتَفع الْعَمَل إِلَّا بِالتَّوْحِيدِ ﴿وَالَّذين يمكرون السَّيِّئَات﴾ أَي: يعملونها ﴿ومكر أُولَئِكَ﴾ أَي: عمل أُولَئِكَ ﴿هُوَ يَبُورُ﴾ أَي: يفْسد عِنْد اللَّه؛ لِأَنَّهُ لَا يقبل الْعَمَل الصَّالح إِلَّا من الْمُؤمن
﴿وَالله خَلقكُم من تُرَاب﴾ يَعْنِي: خلق آدم ﴿ثمَّ من نُطْفَة﴾ يَعْنِي: نسْل آدم ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ يَعْنِي: ذكرا وَأُنْثَى؛ وَالْوَاحد: زوج ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا ينقص من عمره﴾ تَفْسِير الْحَسَن: وَمَا يعمر من معمر؛ حَتَّى يبلغ أرذل الْعُمر، وَلَا ينقص من آخر عُمَر المعمر فَيَمُوت قبل أَن يبلغ أرذل الْعُمر ﴿إِلا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ هيِّن.
قَالَ سَعِيد بْن جُبَيْر: كتب فِي أول الصفحة أَجله، ثمَّ كُتب أسْفل من ذَلِكَ ذَهَبَ يَوْمُ كَذَا، وَذَهَبَ يَوْمُ كَذَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى أَجله.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ١٢ إِلَى آيَة ١٤
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فرات﴾ أَي: حُلْو ﴿سَائِغٌ شَرَابُهُ﴾ ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أَي: مالحٌ مرٌّ ﴿وَمِنْ كُلٍّ﴾ يَعْنِي: من العَذْب والمالح ﴿تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ يَعْنِي: اللؤلؤَ.
قَالَ محمدٌ: وَإِنَّمَا تستخرج الحليةُ من الْملح دون العذب، إِلَّا أَنَّهُمَا لما كَانَا مختلطيْن جَازَ أَن يُقَال: تستخرجون الْحِلْية مِنْهُمَا؛ كَقَوْلِه ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان﴾.
﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا من فَضله﴾ يَعْنِي: طَلَبَ التِّجَارَةِ فِي السُّفُنِ
﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَار فِي اللَّيْل﴾ هُوَ أَخذ أَحدهمَا من الآخر ﴿وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِلأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ لَا يعدوه، قَالَ السُّدي: وَهُوَ مطالع الشَّمْس وَالْقَمَر إِلَى غَايَة لَا يجاوزانها فِي شتاءٍ وَلَا صيف ﴿وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ﴾ يَقُوله للْمُشْرِكين يَعْنِي: أوثانهم ﴿مَا يملكُونَ من قطمير﴾ قَالَ مُجَاهِد: القِطْمير: لفافة النّواة.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: لِفَافةٌ وفُوفَة، والفوفة أفْصح.
﴿إِن تدعوهم﴾ يَعْنِي: تنادوهم ﴿لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ يَعْنِي: بعبادتكم إيَّاهُم ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مثل خَبِير﴾ يَعْنِي: نَفسه تبَارك وَتَعَالَى.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ١٥ إِلَى آيَة ١٨
﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ بِعَذَاب الإستئصال (وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ هُوَ أطوع لَهُ مِنْكُم
﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ أَي: لَا يشق عَلَيْهِ.
﴿ولاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ أَي: لَا تحمل حاملةٌ ذَنْب نفس أُخْرَى ﴿وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ﴾ أَي: من الذُّنُوب ﴿إِلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ أَي: لَا يحمل قريبٌ عَن قَرِيبه شَيْئا من ذنُوبه.
قَالَ محمدٌ: الْمَعْنى وَلَو كَانَ المدْعُو ذَا قربى.
﴿إِنَّمَا تُنذِرُ﴾ أَي: إِنَّمَا يقبل نذارتك ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ﴾ فِي السِّرّ حَيْثُ لَا يطلع عَلَيْهِم أحد ﴿وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ﴾ الْمَفْرُوضَة ﴿وَمَن تَزَكَّى﴾ أَي: عمل صَالحا ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ أَي: يجد ثَوَابه.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ١٩ إِلَى آيَة ٢٦
﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى والبصير﴾ وَهَذَا تبعٌ لقَوْله: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾،
﴿وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَات﴾ هَذَا كُله مثل الْمُؤمن وَالْكَافِر؛ أَي: كَمَا لَا يَسْتَوِي مَا ذكر؛ فَكَذَلِك لَا يَسْتَوِي الْمُؤمن وَالْكَافِر.
قَالَ محمدٌ: الحرُور: (استيقاد) الْحر ولفحه بِاللَّيْلِ وَالنَّهَار.
﴿إِنَّ الله يسمع من يَشَاء﴾ أَي: يهديه للْإيمَان ﴿وَمَا أَنْتَ بمسمع من فِي الْقُبُور﴾ أَي: وَمَا أَنْت بمسمع الْكفَّار سَمِعَ قبُول؛ كَمَا أَن الَّذين فِي الْقُبُور لَا يسمعُونَ.
﴿ ولا الظل ولا الحرور( ٢١ ) ﴾( تفسيره في الآية : ٢٢ ).
﴿ وما يستوي الأحياء ولا الأموات ﴾ هذا كله مثل المؤمن والكافر ؛ أي : كما لا يستوي ما ذكر ؛ فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر ؛ قال محمد : الحرور :( استيقاد ) الحر ولفحه بالليل والنهار.
﴿ إن الله يسمع من يشاء ﴾ أي : يهديه للإيمان ﴿ وما أنت بمسمع من في القبور( ٢٢ ) ﴾ أي : وما أنت بمسمع الكفار سمع قبول ؛ كما أن الذين في القبور لا يسمعون.
﴿وَإِنَّ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خلا فِيهَا نَذِير﴾ أَي: من أمة ممَّن أهلكها إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير، يحذر الْمُشْركين أَن ينزل بهم مَا نزل بهم إِن كذبُوا النَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ قَالَ السّديّ: يَعْنِي الْآيَات (ل ٢٨١) الَّتِي كَانَت تَجِيء بهَا الْأَنْبِيَاء ﴿وبالزبر﴾ يَعْنِي أَحَادِيث [الْكتاب] مَا كَانَ [من قبلهم] من المواعظ ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِير﴾ البيِّن، يَعْنِي: الْكتاب الَّذِي يَجِيء بِهِ النَّبِيّ مِنْهُم إِلَى قومه
﴿فَكيف كَانَ نَكِير﴾ أَي: كَانَ شَدِيدا.
29
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٢٧ إِلَى آيَة ٣٠.
30
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَات مُخْتَلفا ألوانها﴾ [وطعمها فِي الْإِضْمَار] ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جدد بيض﴾ أَي: [طرائق] بيض ﴿وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ ألوانها وغرابيب سود﴾ والغربيب: الشَّديد السّواد.
قَالَ محمدٌ: قَالُوا: أسْوَدُ غرْبيبٌ يؤكدون السوَاد، والجدد وَاحِدهَا: جدة.
﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ ألوانه كَذَلِك﴾ أَي: كَمَا اخْتلفت ألوان مَا ذكر من الثِّمَار وَالْجِبَال ثمَّ انْقَطع الْكَلَام، ثمَّ اسْتَأْنف فَقَالَ: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعلمَاء﴾ وهم الْمُؤْمِنُونَ.
قَالَ ابْن عَبَّاس: يعلمُونَ أَن اللَّه عَلَى كل شَيْء قدير
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاة﴾ الْمَفْرُوضَة ﴿وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً﴾ السِّر: التَّطَوُّع؛ وَالْعَلَانِيَة:
30
الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة، يستحبُّ أَن تُعْطى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة عَلَانيَة، والتطوُّع سرًّا ﴿يرجون تِجَارَة لن تبور﴾ أَي: تفْسد
31
﴿ليوفيهم أُجُورهم﴾ يَعْنِي: ثوابهم فِي الْجنَّة ﴿وَيَزِيدَهُمْ من فَضله﴾ يُضَاعف لَهُم الثَّوَاب.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٣١ إِلَى آيَة ٣٢.
﴿مُصدقا لما بَين يَدَيْهِ﴾ يَعْنِي: التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل
﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا﴾ اخترنا ﴿مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لنَفسِهِ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿يدْخلُونَهَا﴾.
يَحْيَى: عَنِ النَّضْرِ بْنِ بِلَالٍ، عَنْ أَبَانَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ وَذَكَرَ حَدِيثًا فِيهِ: أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِي اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿جنَّات عدن يدْخلُونَهَا﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ، قَالَ: فَيَجِيءُ هَذَا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلا حِسَابٍ، وَيَجِيءُ هَذَا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنْهُ، وَيَجِيءُ هَذَا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُوقَفُ وَيُعَيَّرُ وَيُوَبَّخُ وَيُعَرَّفُ ذُنُوبَهُ، ثُمَّ يُدْخِلُهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفضل رَحمته، فهم الَّذِي قَالُوا: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شكور﴾ غَفَرَ الذَّنْبَ الْكَبِيرَ، وَشَكَرَ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ ".
31
يَحْيَى: عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، عَنْ شَهْرِ بن حَوْشَب؛ أَن عمر ابْن الْخَطَّابِ قَالَ: " سَابِقُنَا سَابِقٌ، وَمُقْتَصِدُنَا نَاجٍ، وَظَالِمُنَا مَغْفُورٌ لَهُ ".
وَمن حَدِيث يحيى بْن مُحَمَّد، عَن إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ صَالِحٍ مولى التوءمة، عَن أَبِي الدَّرْدَاء قَالَ: " قَرَأَ رَسُول الله هَذِه الْآيَة، فَقَالَ: أما السَّابِق فَيدْخل الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، والمقتصد يُحَاسب حسابا يَسِيرا، وَأما الظَّالِم لنفْسه فَيحْبس فِي طول الْمَحْشَر، ثمَّ يتَجَاوَز اللَّه عَنهُ ".
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٣٣ إِلَى آيَة ٣٨.
32
﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَحَدٌ إِلَّا وَفِي يَدَيْهِ ثَلَاثَة أَسْوِرة: سوار من ذهب، وسوارٌ من فضَّة، وسوارٌ من لُؤْلُؤ. وَقَالَ هَا هُنَا: ﴿مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا﴾ وَقَالَ فِي آيَة أُخْرَى ﴿وَحُلُّوا أساور من فضَّة﴾.
قَالَ مُحَمَّدٌ: مَنْ قَرَأَ: (وَلُؤْلُؤًا) فعلى معنى: (يحلَّوْن لؤلؤًا) وأساور جمع: أسورة، وَاحِدهَا: سِوَارٌ.
﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾
يَحْيَى: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَزَّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: " دَارُ الْمُؤْمِنِ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ فِي وَسَطِهَا شَجَرَةٌ تُنْبِتُ الْحُلَلَ، وَيَأْخُذُ بِأُصْبُعِهِ - أَوْ قَالَ:
33
بِأَصَابِعِهِ - سَبْعِينَ حُلَّةً مُنَظَّمَةً بِاللُّؤْلُؤِ والمرجان ".
34
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٢:﴿ ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا ﴾ اخترنا ﴿ من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ﴾ إلى قوله ﴿ يدخلونها ﴾.
يحيى : عن النضر بن بلال، عن أبان بن أبي عياش، عن جعفر بن زيد وذكر حديثا فيه : أن أبا الدرداء قال :( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية ﴿ ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا من عبادنا ﴾ إلى قوله :﴿ جنات عدن يدخلونها ﴾ إلى آخر الآية، قال : فيجيء هذا السابق بالخيرات فيدخل الجنة بلا حساب، ويجيء هذا المقتصد فيحاسب حسابا يسيرا ثم يتجاوز الله عنه، ويجيء هذا الظالم لنفسه فيوقف ويعير ويوبخ ويعرف ذنوبه، ثم يدخله الله الجنة بفضل رحمته، فهم الذي قالوا :﴿ الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ﴾[ فاطر : ٣٤ ] غفر الذنب الكبير، وشكر العمل اليسير١.
يحيى : عن أبي أمية، عن ميمون بن سياه، عن شهر بن حوشب، أن عمر ابن الخطاب قال :( سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له )٢.
ومن حديث يحيى بن محمد، عن إبراهيم بن محمد، عن صالح مولى التوءمة، عن أبي الدرداء قال :( قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقال : أما السابق فيدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد يحاسب حسابا يسيرا، وأما الظالم لنفسه فيحبس في طول المحشر، ثم يتجاوز الله عنه ).
١ رواه أحمد في مسنده (٥/١٩٤، ١٩٨١)، (٦/٤٤٤)، وابن جرير في تفسيره (٢٩٠١٨)، والبغوي في معالم التنزيل(٦/٤١)، والحاكم في المستدرك (٢/٤٢٦) والبيهقي في البعث (٥٨) من طريق سفيان الأعمش قال: ذكر أبو ثابت أن أبا الدرداء فذكره بنحوه..
٢ رواه سعيد بن منصور في سننه (٢٣٠٨)، والرافعي في التدوين (٣/٣٣١)، والعقيلي في الضعفاء (٣/٤٤٣) والبغوي في معالم التنزيل (٦/٤٢١)، عن عمر بن الخطاب مرفوعا.
وفيه الفضل بن عمير الطفاوي ضعفه الحافظ وهو لا يتابع على حديثه، وميمون بن سياه أرسل الحديث عن عمر، فهو منقطع..


﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يمسنا فِيهَا لغوب﴾ إعْيَاء.: قَالَ محمدٌ: المُقَامة والإِقَامة واحدٌ.
﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يقْضى عَلَيْهِم فيموتوا﴾.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ (فَيَمُوتُوا) يَجعله جَوَاب الْفَاء للنَّفْي فِي أَوله.
﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نعمل﴾ أَي: ارْدُدْنا فِي الدُّنْيَا نعملْ صَالحا! قَالَ الله: ﴿أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ﴾ يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم. [قَالَ قَتَادَة] (ل ٢٨٢) نزلت هَذِه الْآيَة وفيهَا ابْن ثَمَانِي عشرَة.
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٣٩ إِلَى آيَة ٤٠.
﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الأَرْض﴾ أَي: خلفا بعد خلف
﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ﴾ قَالَ السُّدّي: يَعْنِي: فِي الأَرْض ﴿أم لَهُم شرك فِي السَّمَاوَات﴾ أَي: لم يخلقوا مِنْهَا مَعَ اللَّه شَيْئا ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا﴾ بِمَا هُم عَلَيْهِ من الشّرك ﴿فَهُمْ عَلَى بَيِّنَات مِّنْهُ﴾ أَي: لم يفعل ﴿بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا﴾ يَعْنِي: الشَّيَاطِين الَّتِي دعتهم إِلَى عبَادَة الْأَوْثَان، وَالْمُشْرِكين الَّذين دَعَا بَعضهم بَعْضًا إِلَى ذَلكَ.
قَالَ محمدٌ: (الْغرُور) الأباطيل الَّتِي تغرُّ، وَمعنى (إِنْ يَعِدُ): مَا يعد و (بَعضهم) بدل من (الظَّالِمين).
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٤١ إِلَى آيَة ٤٣.
﴿إِن الله يمسك السَّمَاوَات وَالْأَرْض أَن تَزُولَا﴾ [يَعْنِي: لِئَلَّا تَزُولَا] ﴿وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بعده﴾ وَهَذِه صفةٌ؛ يَقُولُ: إِن زالتا، وَلنْ تَزُولَا
﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُم نَذِير﴾ نبيٌّ ﴿لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَم﴾ كَقَوْلِه: ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأَوَّلِينَ لَكنا عباد الله المخلصين﴾.
قَالَ اللَّه: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ مُحَمَّد ﴿مَا زادهم﴾ ذَلِك ﴿إِلَّا نفورا﴾ عَن الْإِيمَان
﴿استكبارا فِي الأَرْض﴾ عَن عبَادَة اللَّه ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ يَعْنِي: الشّرك وَمَا يمكرون برَسُول اللَّه وبدينه ﴿وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَ بِأَهْلِهِ﴾ وَهَذَا وعيدٌ لَهُم.
قَالَ محمدٌ: (استكباراً) منصوبٌ مفعولٌ لهُ؛ الْمَعْنى: مَا زادهم إِلَّا نفورًا للاستكبارُ.
﴿فَهَلْ ينظرُونَ﴾ ينتظرون ﴿إِلَّا سنة الْأَوَّلين﴾ أَي: سُنَّة اللَّه فِي الأوّلين أَنهم إِذا كذبُوا رسلهم أهلكهم ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً﴾ لَا يُبدل اللَّه بهَا غَيرهَا ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا﴾ أَي: لَا تحول؛ وَأخر عَذَابَ كُفَّارِ آخِرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى النفخة الأولى بالاستئصال؛ بهَا يكون هلاكهم، وَقد عذب أَوَائِل مُشْركي هَذِه الْأمة بِالسَّيْفِ يَوْم بدر.
36
تَفْسِير سُورَة فاطر الْآيَات من آيَة ٤٤ إِلَى آيَة ٤٥.
37
﴿أَو لم يَسِيرُوا فِي الأَرْض﴾ أَي: بلَى قد سَارُوا ﴿فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قبلهم﴾ كَانَ عاقبتهم أَن دمر الله عَلَيْهِم ثمَّ صيرهم إِلَى النَّار؛ يُحَذِّرُهُمْ أَنْ يُنَزِّلَ بِهِمْ مَا نزل بهم ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ ليعجزه﴾ ليسبقه ﴿مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَات وَلَا فِي الأَرْض﴾ حَتَّى لَا يقدر عَلَيْهِ
﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كسبوا﴾ بِمَا عمِلُوا ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظهرهَا من دَابَّة﴾ يَقُول: لَحَبَسَ عَنْهُمُ القَطْر فَهَلَك مَا فِي الأَرْض من دَابَّة ﴿وَلَكِن يؤخرهم﴾ يَعْنِي: الْمُشْركين ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ السَّاعَة بهَا يكون هلاكُ كفَّار آخر هَذِه الْأمة ﴿فَإِذَا جَاءَ أَجلهم﴾ السَّاعَة ﴿فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصيرًا﴾.
37
تَفْسِير سُورَة يس وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة يس الْآيَات من آيَة ١ إِلَى آيَة ٩.
38
Icon