تفسير سورة ص

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة ص من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: فإذا نزل بساحتهم معناه: بهم. والعرب تجتزىء بالسَّاحة والعَقوة «١» من القوم.
ومعناهما وَاحدٌ: نزل بك العذاب وبساحتك سوَاء.
وقوله: (فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) يريد: بئس صَبَاحُ. وهي فِي قراءة عبد الله (فَبئس صَبَاحُ المنذرينَ) وَفِي قراءة عبد الله آذنتكم بإذانة المرسلين لتسألن عَن هَذَا النبأ العظيم، قيل لَهُ إنما هي وأذنت لكم فقال هكذا عندى.
ومن سورة ص
قوله ص، وَالْقُرْآنِ [١] جَزَمَها القراء، إِلَّا الْحَسَن فإنه خفضها بلا نون لاجتماع السَّاكنين.
كانت بمنزلة من قرأ (ن وَالْقَلَمِ) و (يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ) جُعلت بمنزلة الأداة كقول العرب:
تركته (حاث «٢» باث) و (خاز باز «٣» ) يخفضان لأن الذي بلى آخر الحرف ألف. فالخفض مع الألف، والنصبُ مع غير الألف. يقولون: تركته حَيْثَ بَيْثَ، ولأجعلنّك حَيْصَ «٤» بَيْصَ إِذَا ضُيّق عَلَيْهِ.
وقال الشاعر:
لَمْ يَلتحِصني حَيْص بَيْصَ الحاصي «٥»
يريدُ الحائص فقلبَ كَمَا قَالَ: (عاقِ «٦» ) يريد: عائق.
وص فى معناها «٧» كقولك: / ١٦١ ب وجب والله، ونزل والله، وحَقّ والله. فهي جواب
(١) عقوة الدار ساحتها وما حولها.
(٢) أي إذا تركته مختلط الأمر كما فى التاج.
(٣) من معانى الخازباز أنه ذباب يكون فى الروض. [.....]
(٤) الذي فى كتب اللغة أن يقال: تركته فى حيص بيص.
(٥) الذي فى اللسان بيت لأمية بن أبى عائذ الهذلي هو:
قد كنت خراجا ولو جا صيرفا لم تلتحصتى حيص بيص الحاص
وهو من قصيدة فى ديوان الهذليين ٢/ ١٩٢. و «لم تلتحصنى» : لم تثبطنى. والحاص من أسماء الشدة والداهية.
والرواية هنا: «يلتحصنى» و «الحاصى» يريد كما يقول الفراء-: الحائص كأنه قال: لم يثبطنى المثبط:
(٦) أي فى قول الشاعر:
فلو أَنِّي رميتك من بَعيد لَعاقَكَ عَن دعاء الذئب عاقى
(٧) ا: «معناهما».
لقوله (وَالْقُرْآنِ) كما تَقُولُ: نزلَ والله. وقد زعم قوم أنّ جَوَاب (وَالْقُرْآنِ) (إِنَّ ذلِكَ «١» لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ) وَذَلِكَ كلام قد تأخّر تأخُّرًا كثيرًا عَن قوله (والقرآن) وجرت بينهما قِصص مختلفة، فلا نَجد ذَلِكَ مُستقيمًا فِي العربية والله أعلم.
ويُقال: إن قوله (وَالْقُرْآنِ) يمين اعترض كلام دون مَوقع جوابها، فصَار جوابها جوابًا للمعترضِ ولها، فكأنه أراد: والقرآن ذى الذكر لَكَمْ أهلكنا، فلمّا اعترض قوله: بَلِ الَّذِينَ كفروا فى عزّة وشقاق: صارت (كم) جَوَابًا للعزة ولليمين. ومثله قوله (وَالشَّمْسِ «٢» وَضُحاها) اعترض دون الجواب قوله (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها) فصارت (قَدْ أَفْلَحَ) تابعة لقوله (فَأَلْهَمَها) وكفى من جَواب القسم، وكأنه كَانَ: وَالشَّمْسِ وضحاها لقد أفلح.
وقوله: فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ [٣] يقول: لَيْسَ بحين فِرار. والنَوْص: التأخّر فِي كلام العرب، والبَوْص: التقدم وقد بُصْته.
وقال امرؤ القيس:
أمِن ذكر ليلى إذ نَأَتكَ تَنُوص وتَقْصُر عنها خُطوةً وتَبُوص
فمناص مَفْعَل مثل مقام. ومن العرب من يضيف لات فيخفض. أنشدوني:
... لات ساعةِ مَنْدَمِ «٣»
ولا أحفظ صَدره. والكلام أن ينصب بِهَا لأنها فِي معنى لَيْسَ. أنشدني المفضل:
تذكّرَ حبّ ليلى لاتَ حينا وأضحى الشيب قد قطعَ القرينَا
(١) فى الآية ٦٤.
(٢) صدر سورة الشمس.
(٣) روى ابن السكيت فى كتاب الأضداد بيتا هو:
ولتعرفن خلائقا مشمولة ولتندمن ولات ساعة مندم
ويحتمل أن يكون ما يعنيه الفراء. وانظر الخزانة ٢/ ١٤٧.
فهذا نصب. وأنشدني بعضهم:
طلبوا صُلحنا ولاتَ أوانِ... فأجبنَا أن لَيْسَ حِينَ بقَاءِ «١»
فخفض (أوانِ) فهذا خَفْض.
قَالَ الفراء: أقف عَلَى (لاتَ) بالتاء، وَالْكِسَائي يقف بالهاء.
قوله: لَشَيْءٌ عُجابٌ [٥]، وقرأ أَبُو عبد الرحمن السُّلمي (لشيء عُجَّابٌ) والعربُ تَقُولُ:
هَذَا رجل كريم وكُرَّام وَكُرَام، والمعنى كله واحدٌ مثله قوله تعالى (وَمَكَرُوا «٢» مَكْراً كُبَّاراً) معناه: كبيرًا فشدّد. وقال الشاعر.
كحلفة من أبي رياح... يسمعها الْهِمَّةُ الْكُبار
الهمّ والهمةُ الشيخ الفاني.
وأنشدني الْكِسَائي:
يسمعها الله والله كبار
وقال الآخر «٣» :
وآثرت إدلاجي عَلَى ليل حُرَّة... هَضيم الْحَشَا حُسّانَة المتجرَّد
وقال آخر:
نَحن بذلنا دونَها الضِّرَابا... إنا وجدنا ماءها طُيّابَا
يريد: طَيِّبًا وقال فِي طويل، طُوَال الساعدين أشم.
طوال الساعدين أشمّ «٤»
(١) من قصيدة لأبى زبيد الطائي. وانظر الخزانة ٢/ ١٥٣.
(٢) الآية ٢٢ سورة نوح.
(٣) هو الحطيئة كما فى اللسان (دلج) والإدلاج سير الليل كله. وهضيم الحشا: ضامرة البطن، وذلك مما يستحسن فى النساء. وحسانة المتجرد أي حسنة عند تجردها من ثيابها وعريها.
(٤) لم أقف على تكملة هذا. وفى اللسان (طول) البيت الآتي لطفيل:
طوال الساعدين يهز لدنا... يلوح سنانه مثل الشهاب
وقال الآخر:
جاء بصيد عَجَب من العجب أزيرق العينين طُوَّالِ الذَّنَبْ «١»
فشدّ الواو عَلَى ذَلِكَ المجرى. فكلّ نعت نعتّ بِهِ اسمًا ذكرًا أو أنثى أتاكَ عَلَى فُعَّال مُشَدَّدًا ومُخَفَّفًا فهو صَواب.
وقوله. وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا [٦] انطلقوا بِهذا القول. فأن فِي موضع نصب لفقدها الخافض، كأنك قلت: انطلقوا مشيًا ومُضِيًا ١٦٢ اعلى دينكم. وهي فِي قراءة عبد الله (وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا عَلَى آلهتكم) ولو لَمْ تكن (أن) لكان صوابًا كما قال (وَالْمَلائِكَةُ «٢» باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا) ولم يقل: أَنْ أخرجوا لأن النية مضمر فيها القول.
وقوله: مَا سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ [٧] يعني اليهودية والنصرانية.
وقوله: أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ [٨] وهي فِي قراءة عبد الله (أَمْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذكر) وهذا مما وصفت لك فِي صدر الكتاب: أن الاستفهام إِذَا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم. وإذا لَمْ يسبقه كلام لَمْ يكن إلا بالألف أو بهل.
وقوله: فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ [١٠] يريد: فليصعدوا فِي السموات، وليسوا «٣» بقادرين عَلَى ذلك أي لم يصدقوك وليسوا بقادرين عَلَى الصعود إلى السموات فما هم! فأين يذهبون.
وقوله: جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ [١١] يقول مغلوب «٤» عَن أن يصعد إلى السّماء.
و (مَا) هاهنا صلة. والعرب تجعل (ما) صلة فِي المواضع التي دخولها وخروجها فيها سواء، فهذا من ذلك.
(١) ا: «جاءا» فى مكان «جاء».
(٢) الآية ٩٣ سورة الأنعام.
(٣) سقط حرف الواو فى ا. [.....]
(٤) ا: «على».
وقوله (عَمَّا قَلِيلٍ «١» لَيُصْبِحُنَّ نادِمِينَ) من ذلك.
وقوله (فَبِما «٢» نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ) من ذَلِكَ لأن دخولها وخروجها لا يغير المعنى.
وأمّا قوله (إِلَّا الَّذِينَ «٣» آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ) فإنه قد يكون عَلَى هَذَا المعنى.
ويكون أن تجعل (ما) اسمًا وتجعل (هم) صلة لِمَا ويكون المعنى: وقليل ما تجدّنَّهم فتوجّه (ما) والاسم إلى المصدر ألا ترى أنك تَقُولُ: قد كنت أراك أعقل مما أنت فجعلت (أنت) صلةً لِمَا والمعنى. كنت أرى عقلك أكثر مِما هُوَ، ولو لَمْ ترد المصدر لَمْ تجعل (ما) للناس، لأن من هي التي تكون للناس وأشباههم. والعرب تَقُولُ: قد كنت أراك أعقل منك ومعناهما «٤» واحد، وكذلك قولهم: قد كنت أراهُ غير ما هُوَ المعنى: كنت أراهُ عَلَى غير ما رأيتُ منه.
وقوله: إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ [١٤] وَفِي قراءة عبد الله (إِنْ كُلُّهُم لَمّا كَذَب الرُّسُلَ).
وقوله: مَا لَها مِنْ فَواقٍ [١٥] من راحةٍ ولا إفاقة. وأصْله من الإفاقة فِي الرضاع إِذَا ارتضعت الْبَهْمَةُ أمَّها ثُمَّ تركتها حَتَّى تُنْزل شيئًا من اللبن، فتلك الإفاقة والفُواق بغير همزٍ. وجاء عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: العيادة قدر فواق ناقة. وقرأها الْحَسَن وأهل المدينة وَعَاصِم بن أبى النجود (فواق) بالفتح وهي لغة جَيّدة عالية، وضم «٥» حَمْزَةُ وَيَحْيَى والأعمش وَالْكِسَائي.
وقوله: عَجِّلْ لَنا قِطَّنا [١٦] الْقِطّ: الصَّحيفة المكتوبة. وإنما قالوا ذَلِكَ حِينَ نزل (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ «٦» بِيَمِينِهِ) فاستهزءوا بذلك، وقالوا: عَجِّل لنا هَذَا الكتاب قبل يوم الحساب. والقِطّ فِي كلام العرب. الصكّ وهو الخط والكتاب.
(١) الآية ٤٠ سورة المؤمنين.
(٢) الآية ١٥٥ سورة النساء، والآية ١٣ سورة المائدة.
(٣) الآية ٢٤ سورة ص.
(٤) أي معنى قوله: «كنت أراك أعقل مما أنت» وقوله: «كنت أراك أعقل منك».
(٥) ا: «الضم».
(٦) الآية ١٩ سورة الحاقة، والآية ٧ سورة الانشقاق.
وقوله: ذَا الْأَيْدِ [١٧] يريد: ذا القوّة.
وقوله: وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً [١٩] ذكروا أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَبَّح أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إِلَيْهِ الطير فسبحت. فذلك حشرها ولو كانت: والطير محشورة بالرفع لَمَّا لَمْ يظهر الفعل مَعَها كَانَ صوابًا.
تكون مثل قوله (خَتَمَ «١» اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ) وقال الشاعر:
ورأيتم لمجاشعٍ نَعَمًا وبني أبيه جَامل رُغُب
ولم يقل: جَاملًا رُغبًا والمعنى: ورأيتم لَهم جاملًا رُغُبًا. فلمّا لَمْ يظهر الفعل جاز رفعه.
وقوله: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ [٢٠] اجتمعت القراء عَلَى تَخفيفها ولو قَرَأ قارئ (وَشَدَّدنا) بالتشديد كَانَ وجهًا حسنًا. ومعنى التشديد أن محرابه كَانَ يحرسه ثلاثة وثلاثون ألفًا.
وقوله: وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ [٢٠].
قَالَ الفراء: حَدَّثَنِي عَمْرو بن أبي المقدام عَن الحكم بن عتيبَة عَن مُجاهد فِي قوله (وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ) قَالَ: الشهود والأيمان. وقال بعضُ المفسرين: فصْل الخطاب أمّا بعد.
وقوله: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ [٢١] إذ دخلوا [٢٢] قد يُجاء بإذ مرّتين، (وَقَد) «٢» يكون معناهما كالواحد كقولك: ضَربتك إذ دخلت عَليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما «٣» عَلَى مذهب لِمَا، فكأنه قَالَ: إذ تسَوَّرُوا المحراب لَمَّا دخلوا. وإن شئت جعلت لِمَا فِي الأول. فإذا كانت لَمّا أولًا وآخرًا فهي بعد صاحبتها كما تَقُولُ: أعطيته لمَّا سألني. فالسؤال قبل الإعطاء فِي تقدّمه وتأخّره.
وقوله: (خَصْمانِ) رفعته بإضمار (نحن خصمان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلّم المخاطب ما يرفع
(١) الآية ٧ سورة البقرة.
(٢) ش، ب: «فقد».
(٣) ا: «إحداهما» وكلاهما جائز باعتبار اللفظ أو الكلمة.
401
فِعْله. ولا يَكادونَ يفعلونَ ذَلِكَ بغير المخاطب أو المتكلم. من ذَلِكَ أن تَقُولَ للرجل: أذاهب، أو أنْ يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وَذَلِكَ أن المتكلم والمكلَّم حاضِران، فتعرف معنى أسمائهما إِذَا تركت. وأكثره فِي الاستفهام يقولون: أجادّ، أمنطلق. وقد يكون فى غير الاستفهام.
فقوله (خَصْمانِ) من ذَلِكَ. وقال الشاعر:
وَقولًا إِذَا جاوزتما أرض عَامِرٍ وجاوزتما الحيَّيْنِ نَهْدًا وَخَثْعما
نَزيعانِ من جَرْم بن زَبَّان إنهم أبوا أن يميروا فِي الهزاهز مِحجَما
وقال الآخر:
تَقُولُ ابنَة الْكَعبيّ يوم لقيتُها أمُنْطلق فِي الجيش أم متثاقِلُ
وقد جاء فِي الآثار للراجع من سَفر: تائبونَ آئبونَ، لربنا حامدون. وقال: من أمثال العرب:
مُحسنَة فِهيلي.
قَالَ الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومَعه جِرابُ دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسها، فلمّا أقبل أخذت من جِرابها إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك من دقيقي. قَالَ: محسنة فهيلي. أي أَلْقِي. وجاء فِي الآثار: مَن أعانَ عَلَى قتل مؤمنٍ بشَطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبًا «١» بَيْنَ عينيه:
يائس من رحمة الله. وكلّ هَذَا بضمير ما أنباتك بِهِ.
ولو جاء فِي الكتاب: خصْمَين بغى بعضُنَا لكان صَوَابًا بضمير أتيناكَ خصمين، جئناكَ خَصْمين فلا تَخفنا. ومثله قول الشاعر:
وقالت ألا يا اسمع نِعظك بخُطَّةٍ فقلت سَميعًا فانطقى وأصيبى
١٦٣ اأي سميعًا أسمعُ منك، أو سميعًا وَعَظْتِ. والرفعُ فيه جائز على الوجوه الاول.
(١) فى ش، ب بعده: «ومكتوب» وكتب هذا فى افوقه. ومعنى هذا أنهما روايتان.
402
وقوله (وَلا تُشْطِطْ) يقول: ولا تَجُر: وقد يقول بعضُ العرب: شططتَ عليّ فِي السَّوم، وأكثر الكلام أشططت. فلو قرأ قارئ (وَلَا تَشْطِطْ) كأنه يذهب به إلى معنى التباعد و (تَشْطُطْ) أيضًا. العرب تَقُولُ: شطَّت الدار فهي تَشِطّ وتَشُطّ.
وقوله (وَاهْدِنا إِلى سَواءِ الصِّراطِ) إلى قَصْدِ الصراط. وهذا مِمَّا تدخل فِيهِ (إلى) وتخرج منه.
قَالَ الله (اهْدِنَا»
الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) وقال (وَهَدَيْناهُ «٢» النَّجْدَيْنِ) وقال (إِنَّا هَدَيْناهُ «٣» السَّبِيلَ) ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هَذَا. ثُمَّ قَالَ فِي موضع آخر (أَفَمَنْ «٤» يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ) وقال (يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ «٥» وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) ويُقال هديتك للحق وَإِلَيْهِ قَالَ الله (الَّذِي «٦» هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) وكأن قوله (اهْدِنَا الصِّراطَ) أعلمنا الصراط، وَكَأنَّ قوله (اهدنا إلى الصراط) أرشِدْنَا إِلَيْهِ والله أعلم بذَلِكَ.
وقوله: إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً [٢٣] وَفِي قراءة عبد الله (كانَ لَهُ) وربّما أدخلت العرب (كَانَ) عَلَى الخبر الدائم الَّذِي لا ينقطع. ومنه قول الله فِي غير موضع (وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً) (وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) فهذا دائم. والمعنى البيّن أن تُدخل (كَانَ) عَلَى كل خبر قد كَانَ ثُمَّ انقطع كما تَقُولُ للرجل: قد كنت موسرًا، فمعنى هَذَا: فأنت الآن مُعْدِم.
وَفِي قراءة عبد الله (نَعْجةً أُنْثَى) والعربُ تؤكد التأنيث بأُنثاه، والتذكير بمثل ذَلِكَ، فيكون كالفضل «٧» فِي الكلام فهذا من ذَلِكَ. ومنه قولك للرجل: هَذَا والله رجل ذكر. وإنما يدخل هذا
(١) الآية ٦ سورة الفاتحة
(٢) الآية ١٠ سورة البلد.
(٣) الآية ٣ سورة الإنسان. [.....]
(٤) الآية ٣٥ سورة يونس.
(٥) الآية ٣٠ سورة الأحقاف.
(٦) الآية ٤٣ سورة الأعراف.
(٧) أي كالزيادة.
403
فِي المؤنث الَّذِي تأنيثه «١» فِي نفسه مثل المرأة والرجل والجمل والناقة. فإذا عَدَوت ذَلِكَ لَمْ يَجز.
فخطأ أن تَقُولَ: هَذِه دارٌ أنثى، ومِلحفة أنثى لأن تأنيثها فِي اسمها لا فِي معناها. فابن عَلَى هَذَا.
وقوله (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ) أي غلبني. ولو قرئت (وَعَازَّني) يريد: غَالبني كَانَ وَجْهًا.
وقوله: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ [٢٤] المعنى فِيهِ: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الْهَاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة. ومثله قوله (لا يَسْأَمُ «٢» الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ومعناهُ من دعائه بالخير: فلمّا ألقى الْهَاء أضاف الفعل إلى الخير وألقى من الخير الباء، كقول الشاعر:
ولستُ مُسَلِّمًا ما دمتُ حيًّا عَلَى زَيْدٍ بتَسليم الأمِير «٣»
إنّما معناهُ: بتسليمي عَلَى الأمير. ولا يصلح أن تذكر الفاعل بعد المفعول بِهِ فيما ألقيت منه الصفة. فمن قَالَ: عجبتُ من سؤال نعجتك صاحبك لَمْ يَجز لَهُ أن يقول: عجبت من دعاء الخير الناس، لأنك إِذَا أظهرت الآخر مرفوعًا فإنَّما رَفعُه بنيَّةِ أن فَعل أو أن يفعل، فلا بُدَّ من ظهور الباء وما أشبهَهَا من الصفات. فالقول فِي ذَلِكَ أن تَقُولَ عَجِبْتُ من دعاءٍ بالخير زَيْدٌ، وعجبتُ من تسليمٍ عَلَى الأمير زيدٌ. وجازَ فِي النعجة لأن الفعل يقع عليها بلا صفة فتقول: سألتك نعجة، ولا تَقُولُ: سالتك بنعجة. فابن عَلَى هَذَا.
وقوله (وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ) أي علمَ. وكل ظنٍّ أدخلته عَلَى خبر فجائز أن تجعله عِلْمًا إلا أَنَّهُ علم ١٦٣ ب مالا يعاين.
وقوله: الصَّافِناتُ الْجِيادُ [٣١] يعني الخيل، كَانَ غَنِمَها سُلَيْمَان بن داود من جيش قاتله فظفر بِهِ. فلما صَلَّى الظهر دعا بِهَا، فلم يزل يعرضها حَتَّى غابت الشمس ولم يصلّ العصر. وَكَانَ عندهم مهيبًا. لا يبتدأ بشيء حَتَّى يَأمر بِهِ، فلم يذكر الْعَصْر. ولم يَكُن ذَلِكَ عَن تجبّر منه،
(١) يريد ما يعرف بالمؤنث الحقيقي:
(٢) الآية ٤٩ سورة فصلت:
(٣) ا: «فلست»
فلمّا ذكرها قَالَ (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) يقول: آثرت حُبّ الخيل، والخير فِي كلام العرب:
الخيل. والصافناتِ- فيما ذكر الكلبي بإسناده- القائِمة عَلَى ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى عَلَى طرف الحافر من يدٍ أو رجلٍ. وهي فِي قراءة عبد الله (صَوَافِنَ «١» فإذا وَجَبَتْ) يريد:
معقولة عَلَى ثلاث. وقد رأيتُ العرب تجعل الصَّافِن القائم عَلَى ثلاث، أو عَلَى غير ثلاث. وأشعارهم تدل عَلَى أنها القيام خاصة والله أعلم بصوابه: وَفِي قراءة عبد الله (إني أحببت) بغير (قَالَ) ومثله ممّا حذفت فِي قراءتنا منه القول وأثبت فِي قراءة عبد الله (وَإِذْ «٢» يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ من البيتِ وإسْمَاعيلَ وَيَقُولانِ) وليسَ فِي قراءتنا ذَلِكَ. وكلّ صواب.
وقوله: فَطَفِقَ [٣٣] يريد أقبل يمسح: يضرب سوقها وأعناقها. فالمسحُ القطع.
وقوله: عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [٣٤] يريدُ: صَنَمًا. ويُقال: شيطان.
وقوله: لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [٣٥] فيريد سُخرة الريح والشياطين.
وقوله: رُخاءً حَيْثُ أَصابَ [٣٦] والرُخَاء: الريح اللينة التي لا تعصف. وقوله (حَيْثُ أَصابَ) :
حَيْثُ أراد.
وقوله: هَذَا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ [٣٩]. يقول فمُنّ بِهِ أي أعط، أو أمسك، ذاك إليك. وَفِي قراءة عبد الله: (هَذَا فامنن أو أمسك عطاؤنا بغير حساب) مقدّم ومؤخّر.
وقوله: بِنُصْبٍ وَعَذابٍ [٤١]. اجتمعت القراء عَلَى ضم النون من (نُصْبٍ) وتخفيفها «٣».
وذكروا أن أبا جَعْفَر «٤» المدني قَرأ (بِنَصَبٍ وعذابٍ) ينصب النون والصاد. وكلاهما فِي التفسير واحد.
(١) الآية ٣٦ سورة الحج وقراءة الجمهور: «صواف فإذا وجبت»
(٢) الآية ١٢٧ سورة البقرة
(٣) يريد تخفيف الصاد أي تسكينها.
(٤) فى الإتحاف أن هذه قراءة يعقوب والحسن. وأما قراءة أبى جعفر فضم النون والصاد معا.
وذكروا أَنَّهُ المرض وما أصابه من الْعَناء فِيهِ. والنُّصْبُ والنَّصَبُ بمنزلة الْحُزن والْحَزَن، والْعُدْمِ والْعَدَمِ، والرُّشْد والرَشَد، والصُّلْب والصَّلَب: إِذَا خُفِّفَ ضُمّ أوله ولم يثقل لأنهم جعلوهما عَلَى سَمْتين «١» : إِذَا فتحُوا «٢» أوّله ثقّلوا، وإذا ضَمُّوا أوله خَفَّفُوا، قَالَ: وأنشدني.
بعض العرب:
لئِن بعثت أم الْحُميدَينِ مَائِرا لقد غنِيت فِي غير بؤسٍ ولا جُحد «٣»
والعرب تَقُولُ: جَحِد عيشُهم جحَدًا إِذَا ضاق واشتدّ، فلمّا قَالَ: جُحْد وضمّ أوله خَفَّف. فابن عَلَى ما رأيت من هاتين اللغتين.
وقوله: ضِغْثاً [٤٤] والضِّغْث: ما جمعته من شيء مثل حُزمة الرَّطْبَة «٤»، وما قام عَلَى ساقٍ واستطالَ ثُمَّ جمعته فهو ضغث.
وقوله: وَاذْكُرْ عِبادَنا [٤٥]. قرأت القراء (عبادنا) يريدونَ: إِبْرَاهِيم وولده وقرأ «٥» ابن عباس:
(واذكر عَبْدنا إِبْرَاهِيم) وقال: إنما ذكر إِبْرَاهِيم. ثُمَّ ذكرت ذرِّيّتُه من بعده. ومثله:
(قالوا «٦» نَعْبُدُ إلهَكَ وَإِلَهَ أبيِك) عَلَى هَذَا المذهب فِي قراءة ابن عباس. والعامّة (آبائِكَ) وكلّ صواب.
وقوله (أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ) يريد: أولي القوَّة والبصر فِي أمر الله. وهي فِي قراءة عبد الله: (أولِي الْأَيْدِ) بغير ياء، فقد يكون لَهُ وجهان. إن أراد: الأيدى وحذف الياء
(١) السمت: الطريق والمذهب.
(٢) فى الأصول: «وإذا فتحوا» والمناسب ما أثبت.
(٣) ورد هذا البيت فى اللسان عن الفراء فى اللسان (جحد) من غير عزو. [.....]
(٤) الرطبة: ما تأكله الدابة ما دام رطبا.
(٥) وهى قراءة ابن كثير.
(٦) الآية ١٣٣ سورة البقرة وقراءة الإفراد (أبيك) مروية عن الحسن كما فى الإتحاف.
فهو صواب مثل: الجوار «١» والمناد «٢». وأشباه ذاك. وقد يكون فِي قراءة عبد الله من القوة من التأييد.
وقوله: إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [٤٦] فردّ (ذِكْرَى الدَّارِ) وهى معرفة على (خالصة) وهى نكرة. وهى كقراءد مسروق (بِزِينَةٍ «٣» الْكَواكِبِ] ومثله/ ١٦٤ اقوله (هَذَا «٤» وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها) فردّ جهنّم وهى معرفة على (لَشَرَّ مَآبٍ) وهي نكرة. وكذلك قوله: (وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ «٥» لَحُسْنَ مَآبٍ جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً) والرفعُ فِي المعرفة كلها جائز عَلَى الابتداء.
أنشدني بعضُ العرب:
لعمرك ما نخلي بدارِ مَضِيعَةٍ ولا ربُّهَا إن غاب عنها بخائفِ
وإن لَهَا جَارين لن يَغْدِرا بِهَا رَبيبُ النَّبِيّ وابن خير الخلائفِ
فرفع عَلَى الابتداء.
وقد قرأ أهلُ الحجاز (بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) أضافوها. وهو وجهٌ حسنٌ. ومنه:
(كَذلِكَ «٦» يَطْبَعُ اللَّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ومن قَالَ (قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) جَعَلَ القلب هُوَ المتكبّر.
وقوله: وَاذْكُرْ إِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ [٤٨] قرأه أصحاب «٧» عبد الله بالتشديد. وقرأه العوام (اليسع) بالتخفيف. والأوَّل أشبه بالصواب وبأسماء الأنبياء من بنى إسرائيل. حدّثنا أبو العباس
(١) فى الآية ٣٢ سورة الشورى.
(٢) الآية ٤١ سورة ق.
(٣) الآية ٦ سورة الصافات.
(٤) الآيتان ٥٥، ٥٦ سورة ص.
(٥) الآيتان ٤٩، ٥٠ سورة ص.
(٦) الآية ٣٥ سورة غافر. وقراءة تنوين قلب قراءة أبى عمرو.
(٧) وهى قراءة حمزة والكسائي وسلف.
قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّد بن عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّيْمِيّ عَن مُغيرة عَن إِبْرَاهِيم أَنَّهُ قرأ (واللَّيْسَع) بالتشديد. وأما قولهم (وَالْيَسَعَ) فإن العرب لا تُدخل عَلَى يفعَل إِذَا كَانَ فِي معنى فلانٍ ألفًا ولامًا. يقولون: هَذَا يَسَع، وهذا يَعْمر، وهذا يزيد. فهكذا الفصيح من الكلام. وقد أنشدني بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركًا شديدًا بأحناء الْخِلافة كاهلُهْ
فلمَّا ذَكَر الوليد فِي أول الكلمة بالألف واللام أتبعه يزيد بالألف واللام وكلّ صواب.
وقوله (وَذَا الْكِفْلِ) يُقال إنه سُمي ذا الكفل أن مائة من بني إسرائيل انفلتوا من القتل فآواهم وَكَفَلَهُمْ. ويُقال: إنه كَفَلَ لله بشيء فوفى بِهِ. والْكِفْلُ فِي كلام العرب: الْجَدّ والحَظّ فلو مُدح بذلك كَانَ وَجْهًا عَلَى غير المذهبين الأوّلين.
وقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ [٥٠] ترفع (الْأَبْوابُ) لأن المعنى: مفتَّحَةً لَهم أبْوابها.
والعربُ تجعل الألف واللام خَلفا من الإضافة فيقولون: مررتُ عَلَى رجلٍ حَسَنَةٍ الْعَيْنُ قَبِيحٍ الأنفُ والمعنى: حسنةٍ عَيْنُه قَبِيحٍ أنفهُ. ومنه قوله (فَإِنَّ الْجَحِيمَ «١» هِيَ الْمَأْوى) فالمعنى- والله أعلم-:
مأواهُ. ومثله قول الشاعر:
ما ولدتكم حيّة بنة مالك سِفَاحًا وَمَا كانت أحاديث كاذب
ولكن نرى أقدامنا فِي نعالكم وآنُفَنا بين اللحى والْحَواجِبِ
ومعناهُ: ونرى آنفنا بين لِحاكم وحواجبكم فِي الشبة. ولو قَالَ: (مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ) عَلَى أن تجعل المفتحة فِي اللفظ للجنات وَفِي المعنى للأبواب، فيكون مثل قول الشاعر «٢».
ومَا قَوْمِي بثعلبة بن سَعْدٍ ولا بفزارة الشعر الرقابا
(١) الآية ٣٩ سورة النازعات.
(٢) هو الحارث بن ظالم المري، كما فى كتاب سيبويه ١/ ١٠٣. وهو من قصيدة مفضلية ينتفى فيها من نسبه فى بغيض بن ريث بن غطفان ويعلن التحاقه بقريش وكان قد فر لحدث أحدثه وفى ا: «فما قومى» والشعر جمع أشعر وهو الكثير الشعر. والشعرى مؤنث أشعر.
408
والشُعْرى رقابا. ويروى: الشُّعْر الرقابا.
وقال عَدِيّ:
مِن وَلِيٍّ أوْ أخي ثِقَةٍ والبعيد الشاحِط الدّارا «١»
وكذلك تجعل معنى الأبواب فِي نَصْبها، كأنك أردت: مفتَّحة الأبواب ثُمَّ نوَّنت فنصبت.
وقد يُنشَد بيت النابغة:
ونأخذ بعده بذُناب دَهْرٍ أجبَّ الظهرَ ليسَ لَهُ سَنَامُ «٢»
وأَجَبِّ الظهر.
١٦٤ ب وقوله: وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ أَتْرابٌ [٥٢] مرفوعة لأن (قاصِراتُ) نكرة وإن كانت مضافة إلى معرفة ألا ترى أن الألف واللام يحسنان فيها كقول الشاعر: «٣»
من القاصرات الطَّرْفِ لو دَبّ مُحْوِلِ من الذَّرّ فوق الإتْب منها لأثَّرا
(الإتب «٤» : المئزر) فإذا حسنت الألف واللام فِي مثل هَذَا ثُمَّ ألقيتهما فالاسم نكرة. وربما شبَّهت العرب لفظه بالمعرفة لِمَا أضيف إلى الألف واللام، فينصبونَ نعته إِذَا كَانَ نكرة فيقولون:
هَذَا حَسَن الوجه قائمًا وذاهبًا. ولو وضعت مكان الذاهب والقائم نكرة فيها مدح أو ذمّ آثرت الإتباع، فقلتُ: هَذَا حَسَنُ الوجه موسر، لأنَّ الْيَسَارة مدح. ومثله قول الشاعر:
ومَنْ يُشوِه يوم فإن وراءه تباعة صيّاد الرّجال غشوم «٥»
(١) ا: «وأخى» فى مكان «أو أخى».
(٢) هذا من مقطوعة فى النعمان بن المنذر حين كان مريضا. وقبله.
فإن يهلِك أَبُو قابوسَ يهِلِك ربيعُ الناسِ والشهر الحرام
وأبو قابوس كنية النعمان. وذناب دهر: ذيله. وفى ابعد (دهر) :«عيش» وهو إشارة إلى رواية أخرى و «أجب الظهر» مقطوعه. وهذا على تمثيل الدهر أو العيش الضيق ببعير لا سنام له ولا خير فيه. وانظر الخزانة ٤/ ٩٥. [.....]
(٣) هو امرؤ القيس. والمحول: الذي أتى عليه حول أي عام.
(٤) سقط ما بين القوسين فى ا.
(٥) يريد أن الشيب أخذه ونال منه. ويريد بصياد الرجال الموت.
409
قَالَ الفراء: (وَمَنْ يُشوِه) أي يأخذ شَوَاه وأطايبه. فخفض الغشوم لأنه مدح، ولو نصب لأن لفظه نكرة ولفظ الَّذِي هُوَ نعت لَهُ معرفة كَانَ صوابًا كما قالوا: هَذَا مِثْلك قائِمًا، ومثلك جَميلًا.
وقوله عَزَّ وَجَلَّ: فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ [٥٧] رفعت الحميم والغسّاق بِهذا مقدّمًا ومؤخرًا.
والمعنى هَذَا حميم وغسَّاق فليذوقوه. وإن شئت جعلته مستأنفًا، وجعلت الكلام قبله مكتفيًا كأنك قلت: هذا فليذوقوه، ثُمَّ قلت: منه حميم ومنه غسّاق كقول الشاعر:
حَتَّى إِذَا ما أضاءَ الصُّبْحُ فِي غَلَسٍ وغودر البقلُ مَلْوِيّ ومحصودُ
ويكون (هَذَا) فِي موضع رفعٍ، وموضع نصبٍ. فمن نصب أضمرَ قبلها ناصِبًا كقول الشاعر «١» :
زيادتنا نُعمان لا تَحْرِمَنَّها تَقِ الله فينا والكتابَ الَّذِي تتلو
ومن رفع رفع بالهاء التي فِي قوله: (فَلْيَذُوقُوهُ) كما تَقُولُ فِي الكلام: اللَّيْلَ فبادرُوه واللَّيْلُ.
والغساق تشدّد سينُه وتُخفف «٢» شددها يَحْيَى بن وثاب وعامّة أصحاب عبد الله، وخففها الناس بَعْدُ. وذكروا أن الغساق بارد يُحرق كإحراق الحميم «٣». ويُقال: إنه ما يَغْسِق ويسيل من صديدهم وجلودهم.
وقوله: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ [٥٨] قرأ الناس (وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ) إلّا مجاهدا «٤» فإنه قرأ
(١) هو عبد الله بن همام السلولي. وانظر اللسان (وفى).
(٢) وهى قراءة حفص وحمزة والكسائي وخلف.
(٣) هو الحار.
(٤) وهى قراءة أبى عمرو ويعقوب.
(وَأُخَرُ) كأنه ظنّ أن الأزواج لا تكون من نعتٍ وَاحِدٍ «١». وإذا كَانَ الاسم فعلًا جاز أن ينعت بالاثنين والكثير كقولك فِي الكلام: عذاب فلان ضروب شتّى وضربان مختلفان. فهذا بيّن.
وإن شئت جعلت الأزواج نعتًا للحميم وللغساق ولآخر، فهنّ ثلاثة، وأن تجعله صفة لواحد أشبهُ، والذي قَالَ مجاهد جائز، ولكني لا أستحبّه لاتّباع الْعَوَامّ وبيانه فِي العربيّة.
وقوله: هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ [٥٩] هي الأمَّة تدخل بعد الأمة النار.
ثُمَّ قال: (لا مَرْحَباً بِهِمْ) الكلام متصل، كأنه قول واحد، وإنما قوله: لا مرحبا بهم) من قول «٢» أهل النار، وهو كقوله: (كُلَّما دَخَلَتْ «٣» أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) وهو فِي اتّصاله كقوله: (يُرِيدُ «٤» أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَماذا تَأْمُرُونَ) فاتصل قول فرعون بقولِ أصحابه.
وقوله: قالُوا رَبَّنا مَنْ قَدَّمَ لَنا هذا [٦١] معناه: من شرع لنا وسنّه (فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً/ ١٦٥ ب فِي النَّارِ).
وقوله: أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا [٦٣] قَالَ زهير عَن أبان عَن مجاهد- قَالَ الفراء ولم أسمعه من زهير- (أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا) ولم يكونوا كذلك. فقرأ أصحابُ عبد الله بغير استفهامٍ، واستفهم الْحَسَن وَعَاصِم وأهل المدينة، وهو من الاستفهام الَّذِي معناه التعجب «٥» والتوبيخ فهو يَجوز بالاستفهام وبطرحِهِ.
وقوله: إِنْ يُوحى إِلَيَّ إِلَّا أَنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ [٧٠] إن شئت جعلت (أَنَّما) فِي موضع رفع،
(١) ا: «الواحد».
(٢) أي وقوله: «هذا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ» من كلام الملائكة. وهذا أحد أوجه الآية.
(٣) الآية ٣٨ سورة الأعراف.
(٤) الآية ١١٠ سورة الأعراف.
(٥) ا: «أو».
كأنك قلت: ما يوحى إلي إلا الإنذار. وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إليّ إلا لأني نذير ونبي فإذا ألقيتَ اللام كَانَ موضع (أنَّما) نصبًا. ويكون فِي هَذَا الموضع: ما يوحى إليّ إلا أنك نذير مبين لأن المعنى حكاية، كما تَقُولُ فِي الكلام: أخبروني أني مسيء وأخبروني أنك مسيء، وهو كقوله:
رَجُلانِ من ضَبَّةَ أَخبرانا إِنَّا رأينا رجلًا عُرْيَانَا
والمعنى: أخبرانا أنهما رأيا، فجازَ ذَلِكَ لأن أصله الحكاية.
وقوله: بيدَيّ اسْتكبرت اجتمع القراء عَلَى التثنية ولو قرأ قارئ (بيدي) يريد يدًا عَلَى واحدة كَانَ صدابا كقول الشاعر:
أيها المبتغى فناء قريشٍ بيد الله عُمرها والفناء
والواحد من هَذَا يكفي من الاثنين، وكذلك العينان والرجلان واليدان تكتفي إحداهما من الأخرى لأن معناهما واحد.
وقوله: قالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ [٨٤] قرأ الْحَسَن وأهل الحجاز بالنصب قيهما. وقرأ الأعمش وَعَاصِم وأكبر منهم «١» : ابن عباس ومجاهد بالرفع فِي الأولى والنصب فِي الثانية.
حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهرام- وَكَانَ شيخًا يقرىء فِي مسجد المطمورة ومسجد الشعبيين- عَن أبان بن تَغْلِب عَن مجاهد أَنَّهُ قرأ (فالحقُّ مني والحقَّ أقولُ) : وأقول الحقَّ. وهو وجه: ويكون رفعه عَلَى إضمار: فهو الحقّ.
وذُكِرَ عَن ابن عباس أَنَّهُ قَالَ: فأنا الحقُّ. وأقولُ الْحَقَّ. وقد يكون رفعه بتأويل جَوابَه لأن العرب تَقُولُ: الحقُّ لأقومَنَّ، ويقولون: عَزْمَةٌ صادقة لآتينَّك لأن فِيهِ تأويل: عَزْمة صادقة أن آتيك.
(١) كذا: والأولى «منهما».
ويبين ذَلِكَ قوله: (ثُمَّ بَدا لَهُمْ «١» مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ) أَلَا ترى أَنَّهُ لا بد لقوله (بَدا لَهُمْ) من مرفوع مضمر فهو فِي المعنى يكون رفعًا ونصبًا. والعربُ تنشد بيت امرئ القيس:
فقلتُ يَمينَ الله أبرحُ قاعدًا ولو قطّعوا رَأْسِي لديكِ وَأوصالِي
والنصبُ فِي يمين أكثر. والرفعُ عَلَى ما أنبَأتُك بِهِ من ضمير (أن) وَعَلى قولك عَلَيّ يمين.
وأنشدونا:
فإنّ عليّ الله إن يحملونني عَلَى خُطّة إلا انطلقتُ أسيرها
ويروى لا يحملونني.
فلو ألقيت إن لقلت عَليّ الله لأضربنك أي عليّ هَذِه اليمين. ويكون عَلَيّ الله أن أضربك فترفع (الله) بالجواب. ورفعه بعلى أحبُّ إليَّ. ومن نَصَب (الحقَّ والحقَّ) فعلى معنى قولك حقًّا لآتينّك، والألف واللام وطرحهما سواء. وهو بمنزلة قولك حَمْدًا لله والحمدُ لله. ولو خفض الحق الأول خافِضٌ يجعله الله تعالى يعني فِي «٢» الإعراب فيقسم بِهِ كَانَ صوابًا والعربُ تُلقي الواو من القسم ويخفضونه سمعناهم يقولون: الله لتفعلنّ فيقول/ ١٦٥ ب المجيب: أَلله لأفعلنّ لأن المعنى مستعمل والمستعمل يَجوز فِيهِ الحذف، كما يقول القائل للرجل: كيف أصبحت؟ فيقول: خيرٍ يريد بِخَيْرٍ، فلما كثرت فِي الكلام حذفت.
وقوله: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ [٨٨] نبأ القرآن أَنَّهُ حَقّ، ونبأ مُحَمَّد عَلَيْهِ السلام أنه نبىّ.
وقوله: (بَعْدَ حِينٍ) يقول: بعد الموت وقبله: لَمّا ظهر الأمر غلموه، ومن مات علمه يقينا.
(١) الآية ٣٥ سورة يوسف. [.....]
(٢) سقط فى ا.
Icon