تفسير سورة سورة النساء من كتاب جامع البيان في تأويل آي القرآن
المعروف بـالطبري
.
لمؤلفه
الطبري
.
المتوفي سنة 310 هـ
ﰡ
﴿القول في تفسير السورة التي يذكر فيها النساء﴾
* * *
القول في تأويل قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، احذروا، أيها الناس، ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم وفيما نهاكم، فيحلّ بكم من عقوبته ما لا قِبَل لكم به.
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحِّد بخلق جميع الأنام من شخص واحد، مُعَرِّفًا عباده كيف كان مُبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، (١) ومنبِّهَهم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة= وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجبٌ وجوبَ حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة= وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض، وإن بَعُدَ التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب
بسم الله الرحمن الرحيم
رَبِّ يسِّرْ* * *
القول في تأويل قوله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله تعالى ذكره:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، احذروا، أيها الناس، ربكم في أن تخالفوه فيما أمركم وفيما نهاكم، فيحلّ بكم من عقوبته ما لا قِبَل لكم به.
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحِّد بخلق جميع الأنام من شخص واحد، مُعَرِّفًا عباده كيف كان مُبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة، (١) ومنبِّهَهم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة= وأن بعضهم من بعض، وأن حق بعضهم على بعض واجبٌ وجوبَ حق الأخ على أخيه، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة= وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض، وإن بَعُدَ التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب
(١) في المطبوعة والمخطوطة وعرف عباده... "، واستظهرت من نهج أبي جعفر في بيانه، ومن قوله بعد: "ومنبههم" ثم قوله: "وعاطفًا"، على أن الصواب"ومعرفًا"، وهو مقتضى سياق الكلام بعد ذلك كله.
512
الأدنى= (١) وعاطفًا بذلك بعضهم على بعض، ليتناصفوا ولا يتظالموا، وليبذُل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له، فقال:"الذي خلقكم من نفس واحدة"، يعني: من آدم، كما:-
٨٤٠٠ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا"خلقكم من نفس واحدة"، فمن آدم عليه السلام. (٢)
٨٤٠١ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، يعني آدم صلى الله عليه. (٣)
٨٤٠٢ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد:"خلقكم من نفس واحدة"، قال: آدم.
* * *
ونظير قوله:"من نفس واحدة"، والمعنيُّ به رجل، قول الشاعر.
فقال،"ولدته أخرى"، وهو يريد"الرجل"، فأنّث للفظ"الخليفة". وقال تعالى ذكره:"من نفس واحدة" لتأنيث"النفس"، والمعنى: من رجل واحد. ولو قيل:"من نفس واحد"، وأخرج اللفظ على التذكير للمعنى، كان صوابًا. (٥)
* * *
٨٤٠٠ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: أمّا"خلقكم من نفس واحدة"، فمن آدم عليه السلام. (٢)
٨٤٠١ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة"، يعني آدم صلى الله عليه. (٣)
٨٤٠٢ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن رجل، عن مجاهد:"خلقكم من نفس واحدة"، قال: آدم.
* * *
ونظير قوله:"من نفس واحدة"، والمعنيُّ به رجل، قول الشاعر.
أَبُوكَ خَلِيفَةٌ وَلدَتْهُ أُخْرَى | وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ، ذَاكَ الكَمَالُ (٤) |
* * *
(١) قوله: "وعاطفًا"، عطف على قوله: "معرفًا عباده... ومنبههم... ".
(٢) في المطبوعة: "صلى الله عليه وسلم"، وأثبت ما فيه المخطوطة.
(٣) في المطبوعة: "صلى الله عليه وسلم"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٤) سلف البيت وتخريجه في ٦: ٣٦٢.
(٥) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٢٥٢.
(٢) في المطبوعة: "صلى الله عليه وسلم"، وأثبت ما فيه المخطوطة.
(٣) في المطبوعة: "صلى الله عليه وسلم"، وأثبت ما في المخطوطة.
(٤) سلف البيت وتخريجه في ٦: ٣٦٢.
(٥) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٢٥٢.
514
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"وخلق منها زوجها"، وخلق من النفس الواحدة زوجها= يعني بـ"الزوج"، الثاني لها. (١) وهو فيما قال أهل التأويل، امرأتها حواء.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٠٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وخلق منها زوجها"، قال: حواء، من قُصَيري آدم وهو نائم، (٢) فاستيقظ فقال:"أثا"= بالنبطية، امرأة.
٨٤٠٤ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٨٤٠٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وخلق منها زوجها"، يعني حواء، خلقت من آدم، من ضِلَع من أضلاعه.
٨٤٠٦ - حدثني موسى بن هارون قال، أخبرنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أسكن آدمَ الجنة، فكان يمشي فيها وَحْشًا ليس له زوج يسكن إليها. (٣) فنام نومةً، فاستيقظ، فإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه:"وخلق منها زوجها"، وخلق من النفس الواحدة زوجها= يعني بـ"الزوج"، الثاني لها. (١) وهو فيما قال أهل التأويل، امرأتها حواء.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٠٣ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وخلق منها زوجها"، قال: حواء، من قُصَيري آدم وهو نائم، (٢) فاستيقظ فقال:"أثا"= بالنبطية، امرأة.
٨٤٠٤ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٨٤٠٥ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"وخلق منها زوجها"، يعني حواء، خلقت من آدم، من ضِلَع من أضلاعه.
٨٤٠٦ - حدثني موسى بن هارون قال، أخبرنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: أسكن آدمَ الجنة، فكان يمشي فيها وَحْشًا ليس له زوج يسكن إليها. (٣) فنام نومةً، فاستيقظ، فإذا عند رأسه امرأة قاعدة، خلقها
(١) انظر تفسير"الزوج" فيما سلف ١: ٥١٤ / ٢: ٤٤٦، وأراد بقوله في تفسير"الزوج""الثاني لها"، أن"الزوج" هو"الفرد الذي له قرين"، فكل واحد من القرينين، يقال له: "زوج"، ثم قيل لامرأة الرجل، وللرجل صاحب المرأة: "زوج".
(٢) القصرى (بضم القاف وسكون الصاد وفتح الراء) والقصيري (بضم القاف وفتح الصاد، على التصغير) : أسفل الأضلاع، أو هي الضلع التي تلي الشاكلة، بين الجنب والبطن.
(٣) قوله: "وحشا"، أي وحده ليس معه غيره.
(٢) القصرى (بضم القاف وسكون الصاد وفتح الراء) والقصيري (بضم القاف وفتح الصاد، على التصغير) : أسفل الأضلاع، أو هي الضلع التي تلي الشاكلة، بين الجنب والبطن.
(٣) قوله: "وحشا"، أي وحده ليس معه غيره.
515
الله من ضلعه، فسألها ما أنت؟ قالت: امرأة. قال: ولم خلقت؟ قالت: لتسكن إليّ. (١)
٨٤٠٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ألقي على آدم ﷺ السَّنة -فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم، عن عبد الله بن العباس وغيره- ثم أخذ ضِلَعًا من أضلاعه، من شِقٍّه الأيسر، ولأم مكانه، (٢) وآدم نائمٌ لم يهبَّ من نومته، حتى خلق الله تبارك وتعالى من ضِلَعه تلك زوجته حواء، فسوَّاها امرأة ليسكن إليها، فلما كُشِفت عنه السِّنة وهبَّ من نومته، رآها إلى جنبه، فقال -فيما يزعمون، والله أعلم-: لحمي ودمي وزوجتي! فسكن إليها. (٣)
٨٤٠٨ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وخلق منها زوجها". جعل من آدم حواء.
* * *
وأما قوله:"وبثَّ منهما رجالا كثيرًا ونساء"، فإنه يعني: ونشر منهما، يعني من آدم وحواء="رجالا كثيرًا ونساء"، قد رآهم، كما قال جل ثناؤه: (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) [سورة القارعة: ٤]. (٤)
* * *
يقال منه:"بثَّ الله الخلق، وأبثهم". (٥)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
٨٤٠٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: ألقي على آدم ﷺ السَّنة -فيما بلغنا عن أهل الكتاب من أهل التوراة وغيرهم من أهل العلم، عن عبد الله بن العباس وغيره- ثم أخذ ضِلَعًا من أضلاعه، من شِقٍّه الأيسر، ولأم مكانه، (٢) وآدم نائمٌ لم يهبَّ من نومته، حتى خلق الله تبارك وتعالى من ضِلَعه تلك زوجته حواء، فسوَّاها امرأة ليسكن إليها، فلما كُشِفت عنه السِّنة وهبَّ من نومته، رآها إلى جنبه، فقال -فيما يزعمون، والله أعلم-: لحمي ودمي وزوجتي! فسكن إليها. (٣)
٨٤٠٨ - حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وخلق منها زوجها". جعل من آدم حواء.
* * *
وأما قوله:"وبثَّ منهما رجالا كثيرًا ونساء"، فإنه يعني: ونشر منهما، يعني من آدم وحواء="رجالا كثيرًا ونساء"، قد رآهم، كما قال جل ثناؤه: (كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) [سورة القارعة: ٤]. (٤)
* * *
يقال منه:"بثَّ الله الخلق، وأبثهم". (٥)
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(١) الأثر: ٤٨٠٦- مضى هذا الأثر مطولا برقم: ٧١٠، وكان في المطبوعة هنا: "لتسكن إلي" باللام في أولها، وأثبت نص المخطوطة، وما سلف في الأثر: ٧١٠.
(٢) لأم الشيء لأمًا، ولاءمه، فالتأم: أصلحه حتى اجتمع وذهب ما كان فيه من الصدع. وفي روايته في الأثر رقم: ٧١١: "ولأم مكانه لحما".
(٣) الأثر: ٨٤٠٧- مضى هذا الأثر برقم: ٧١١، وتخريجه هناك.
(٤) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٢.
(٥) انظر تفسير"بث" فيما سلف ٣: ٢٧٥.
(٢) لأم الشيء لأمًا، ولاءمه، فالتأم: أصلحه حتى اجتمع وذهب ما كان فيه من الصدع. وفي روايته في الأثر رقم: ٧١١: "ولأم مكانه لحما".
(٣) الأثر: ٨٤٠٧- مضى هذا الأثر برقم: ٧١١، وتخريجه هناك.
(٤) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٢.
(٥) انظر تفسير"بث" فيما سلف ٣: ٢٧٥.
516
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٠٩ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء"، وبثَّ، خلق.
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة والبصرة:"تَسَّاءَلونَ" بالتشديد، بمعنى: تتساءلون، ثم أدغم إحدى"التاءين" في"السين"، فجعلهما"سينًا" مشددة.
* * *
وقرأه بعض قرأة الكوفة:"تَسَاءَلُونَ"، بالتخفيف، على مثال"تفاعلون"،
* * *
وهما قراءتان معروفتان، ولغتان فصيحتان= أعني التخفيف والتشديد في قوله:"تساءلون به"= وبأيِّ ذلك قرأ القارئ أصابَ الصواب فيه. لأن معنى ذلك، بأيّ وجهيه قرئ، غير مختلف.
* * *
وأما تأويله: واتقوا الله، أيها الناس، الذي إذا سأل بعضكم بعضًا سأل به، فقال السائل للمسئول:"أسألك بالله، وأنشدك بالله، وأعزِم عليك بالله"، وما أشبه ذلك. يقول تعالى ذكره: فكما تعظّمون، أيها الناس، رّبكم بألسنتكم حتى تروا أنّ من أعطاكم عهده فأخفركموه، (١) فقد أتى عظيمًا. فكذلك فعظّموه بطاعتكم إياه فيما أمركم،
٨٤٠٩ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل، قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"وبث منهما رجالا كثيرًا ونساء"، وبثَّ، خلق.
* * *
القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾
قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.
فقرأه عامة قرأة أهل المدينة والبصرة:"تَسَّاءَلونَ" بالتشديد، بمعنى: تتساءلون، ثم أدغم إحدى"التاءين" في"السين"، فجعلهما"سينًا" مشددة.
* * *
وقرأه بعض قرأة الكوفة:"تَسَاءَلُونَ"، بالتخفيف، على مثال"تفاعلون"،
* * *
وهما قراءتان معروفتان، ولغتان فصيحتان= أعني التخفيف والتشديد في قوله:"تساءلون به"= وبأيِّ ذلك قرأ القارئ أصابَ الصواب فيه. لأن معنى ذلك، بأيّ وجهيه قرئ، غير مختلف.
* * *
وأما تأويله: واتقوا الله، أيها الناس، الذي إذا سأل بعضكم بعضًا سأل به، فقال السائل للمسئول:"أسألك بالله، وأنشدك بالله، وأعزِم عليك بالله"، وما أشبه ذلك. يقول تعالى ذكره: فكما تعظّمون، أيها الناس، رّبكم بألسنتكم حتى تروا أنّ من أعطاكم عهده فأخفركموه، (١) فقد أتى عظيمًا. فكذلك فعظّموه بطاعتكم إياه فيما أمركم،
(١) أخفر الذمة والعهد: نقضه وغدره وخاس به، ولم يف بعهده.
517
واجتنابكم ما نهاكم عنه، واحذروا عقابه من مخالفتكم إياه فيما أمركم به أو نهاكم عنه، كما:-
٨٤١٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به"، قال يقول: اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به.
٨٤١١ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"واتقوا الله الذي تساءلون به"، يقول: اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون.
٨٤١٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس مثله.
٨٤١٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرنا حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس:"تساءلون به"، قال: تعاطفون به.
* * *
وأما قوله:"والأرحام"، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول:"أسألك به وبالرّحِم"
ذكر من قال ذلك:
٨٤١٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم:"اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، يقول: اتقوا الله الذي تعاطفون به والأرحام. يقول: الرجل يسأل بالله وبالرَّحم.
٨٤١٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: هو كقول الرجل:"أسألك بالله، أسألك بالرحم"، يعني قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام".
٨٤١٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به"، قال يقول: اتقوا الله الذي تعاقدون وتعاهدون به.
٨٤١١ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"واتقوا الله الذي تساءلون به"، يقول: اتقوا الله الذي به تعاقدون وتعاهدون.
٨٤١٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع بن أنس مثله.
٨٤١٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، أخبرنا حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس:"تساءلون به"، قال: تعاطفون به.
* * *
وأما قوله:"والأرحام"، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله. فقال بعضهم: معناه: واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول:"أسألك به وبالرّحِم"
ذكر من قال ذلك:
٨٤١٤ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عمرو، عن منصور، عن إبراهيم:"اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، يقول: اتقوا الله الذي تعاطفون به والأرحام. يقول: الرجل يسأل بالله وبالرَّحم.
٨٤١٥ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: هو كقول الرجل:"أسألك بالله، أسألك بالرحم"، يعني قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام".
518
٨٤١٦ - حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم:"اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول:"أسألك بالله وبالرحم".
٨٤١٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: هو كقول الرجل:"أسألك بالرحم".
٨٤١٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول:"أسألك بالله وبالرحم".
٨٤١٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن منصور -أو مغيرة- عن إبراهيم في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال: هو قول الرجل:"أسألك بالله والرحم".
٨٤٢٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الحسن قال: هو قول الرجل:"أنشدك بالله والرحم".
* * *
قال محمد: (١) وعلى هذا التأويل قول بعض من قرأ قوله:"وَالأرْحَامِ" بالخفض عطفًا بـ"الأرحام"، على"الهاء" التي في قوله:"به"، كأنه أراد: واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام= فعطف بظاهر على مكنيّ مخفوض. وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب، لأنها لا تَنسُق بظاهر على مكني في الخفض، (٢)
٨٤١٧ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: هو كقول الرجل:"أسألك بالرحم".
٨٤١٨ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:" اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول:"أسألك بالله وبالرحم".
٨٤١٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن منصور -أو مغيرة- عن إبراهيم في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال: هو قول الرجل:"أسألك بالله والرحم".
٨٤٢٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك، عن معمر، عن الحسن قال: هو قول الرجل:"أنشدك بالله والرحم".
* * *
قال محمد: (١) وعلى هذا التأويل قول بعض من قرأ قوله:"وَالأرْحَامِ" بالخفض عطفًا بـ"الأرحام"، على"الهاء" التي في قوله:"به"، كأنه أراد: واتقوا الله الذي تساءلون به وبالأرحام= فعطف بظاهر على مكنيّ مخفوض. وذلك غير فصيح من الكلام عند العرب، لأنها لا تَنسُق بظاهر على مكني في الخفض، (٢)
(١) قوله: "قال محمد"، يعني محمد بن جرير الطبري، أبا جعفر صاحب التفسير. وهذه أول مرة يكتب فيها الطبري، أو أحد تلامذته، أو بعض ناسخي تفسيره"قال محمد"، دون كنيته قال"أبو جعفر". وانظر ما سيأتي ص: ٥٦٩، تعليق: ٢.
(٢) قوله: "تنسق"، أي تعطف. و"النسق" العطف، انظر فهارس المصطلحات في هذه الأجزاء من التفسير، و"المكني" الضمير، انظر فهارس المصطلحات.
(٢) قوله: "تنسق"، أي تعطف. و"النسق" العطف، انظر فهارس المصطلحات في هذه الأجزاء من التفسير، و"المكني" الضمير، انظر فهارس المصطلحات.
519
إلا في ضرورة شعر، وذلك لضيق الشعر. (١) وأما الكلام، فلا شيء يضطر المتكلم إلى اختيار المكروه من المنطق، والرديء في الإعراب منه. ومما جاء في الشعر من ردّ ظاهر على مكنيّ في حال الخفض، قول الشاعر: (٢)
فعطف بـ"الكعب" وهو ظاهر، على"الهاء والألف" في قوله:"بينها" وهي مكنية.
* * *
وقال آخرون: تأويل ذلك:"واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
نُعَلِّقُ فِي مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفَنَا | وَمَا بَيْنَهَا والكَعْبِ غُوطٌ نَفَانِفُ (٣) |
* * *
وقال آخرون: تأويل ذلك:"واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها.
(١) هذه مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٢٥٢، ٢٥٣، وقد ذكر هذه القراءة بإسنادها إلى إبراهيم بن يزيد النخعي، وهي قراءة حمزة وغيره.
(٢) هو مسكين الدارمي.
(٣) معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٣، الحيوان ٦: ٤٩٣، ٤٩٤، الإنصاف: ١٩٣، الخزانة، ٢: ٣٣٨، العيني (بهامش الخزانة) ٤: ١٦٤، وهو من أبيات ذكرها الجاحظ، وأتمها العيني، يمجد نفسه وقومه، قال:
في أبيات أخر، ورواية الحيوان: "والكعب منا تنائف"، وفي الطبري ومعاني القرآن والخزانة"نعلق" بالنون، وكلتاهما صواب. و"السواري" جمع سارية، وهي الأسطوانة. و"الغوط" جمع غائط، وهو المطمئن من الأرض. و"النفانف" جمع نفنف: وهو الهواء بين شيئين، وكل شيء بينه وبين الأرض مهوي بعيد فهو نفنف.
(٢) هو مسكين الدارمي.
(٣) معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٣، الحيوان ٦: ٤٩٣، ٤٩٤، الإنصاف: ١٩٣، الخزانة، ٢: ٣٣٨، العيني (بهامش الخزانة) ٤: ١٦٤، وهو من أبيات ذكرها الجاحظ، وأتمها العيني، يمجد نفسه وقومه، قال:
لَقَدْ عَلِمَتْ قَيْسٌ وَخِنْدِفُ أنَّني | بِثَغْرِهِمُ مِنْ عَارِمِ النَّاسِ وَاقِفُ |
وَقَدْ عَلِمُوا أَنْ لَنْ يُبقَّى عَدُوُّهُمْ | إِذَا قَذَفَتْه في يَدَيّ القَوَاذِفُ |
وأنَّ أبَانَا بِكرُ آدَمَ، فَاعْلَمُوا، | وَحَوَّاءَ، قَرْمٌ ذُو عَثَانينَ شَارِفُ |
كَأَنَّ عَلَى خُرْطُومِهِ مُتَهافِتًا | مِنَ القُطْنِ هَاجَتْهُ الأكُفُ النَّوَادِفُ |
وَللَصَّدَأُ المُسْوَدُّ أَطْيبُ عِنْدَنَا | مِنَ المِسْكِ، دَافَتْهُ الأَكُفُّ الدَّوَائِفُ |
تُعَلَّقُ في مِثْلِ السَّوَارِي سُيُوفُنَا | وما بَيْنَها والكَعْبِ غُوطٌ نفانِفُ |
وَتَضْحَكُ عِرْفَانَ الدرُوع جُلُودُنَا | إِذَا جَاء يَوْمٌ مُظْلِمُ اللَّوْن كاسِفُ |
520
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٢١ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، يقول: اتقوا الله، واتقوا الأرحام لا تقطعوها.
٨٤٢٢ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا"، ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول: اتقوا الله، وصلُوا الأرحام، فإنه أبقى لكم في الدنيا، وخير لكم في الآخرة.
٨٤٢٣ - حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قول الله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الله في الأرحام فصِلُوها.
٨٤٢٤ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن منصور، عن الحسن في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الذي تساءلون به، واتقوه في الأرحام.
٨٤٢٥ - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
٨٤٢٦ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال: هو قول الرجل:"أنشدك بالله والرَّحم".
٨٤٢٧ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة أنّ النبي ﷺ قال: اتقوا الله، وصلوا الأرحام.
٨٤٢١ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، يقول: اتقوا الله، واتقوا الأرحام لا تقطعوها.
٨٤٢٢ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إنّ الله كان عليكم رقيبًا"، ذكر لنا أن نبي الله ﷺ كان يقول: اتقوا الله، وصلُوا الأرحام، فإنه أبقى لكم في الدنيا، وخير لكم في الآخرة.
٨٤٢٣ - حدثني علي بن داود قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قول الله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، يقول: اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الله في الأرحام فصِلُوها.
٨٤٢٤ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا هشيم، عن منصور، عن الحسن في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الذي تساءلون به، واتقوه في الأرحام.
٨٤٢٥ - حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
٨٤٢٦ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال: هو قول الرجل:"أنشدك بالله والرَّحم".
٨٤٢٧ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة أنّ النبي ﷺ قال: اتقوا الله، وصلوا الأرحام.
521
٨٤٢٨ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
٨٤٢٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول: اتقوا الله في الأرحام فصلوها.
٨٤٣٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول: واتقوا الله في الأرحام فصلوها.
٨٤٣١ - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي حماد، وأخبرنا أبو جعفر الخزاز، عن جويبر، عن الضحاك: أن ابن عباس كان يقرأ:"والأرحام"، يقول: اتقوا الله لا تقطعوها.
٨٤٣٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: اتقوا الأرحام.
٨٤٣٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال،"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، أن تقطعوها.
٨٤٣٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به"، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= وقرأ: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) [سورة الرعد: ٢١].
* * *
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبًا بمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب
٨٤٢٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثني أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك في قوله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول: اتقوا الله في الأرحام فصلوها.
٨٤٣٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع:"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، قال يقول: واتقوا الله في الأرحام فصلوها.
٨٤٣١ - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق، عن عبد الرحمن بن أبي حماد، وأخبرنا أبو جعفر الخزاز، عن جويبر، عن الضحاك: أن ابن عباس كان يقرأ:"والأرحام"، يقول: اتقوا الله لا تقطعوها.
٨٤٣٢ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: اتقوا الأرحام.
٨٤٣٣ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع قال،"واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام"، أن تقطعوها.
٨٤٣٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"واتقوا الله الذي تساءلون به"، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= وقرأ: (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) [سورة الرعد: ٢١].
* * *
قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبًا بمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب
522
على اسم الله تعالى ذكره.
قال: والقراءة التي لا نستجيز لقارئٍ أن يقرأ غيرها في ذلك، (١) النصب: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ)، بمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيّ في حال الخفض، إلا في ضرورة شعر، على ما قد وصفت قبل. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: إنّ الله لم يزل عليكم رقيبًا.
* * *
ويعني بقوله:"عليكم"، على الناس الذين قال لهم جل ثناؤه:"يا أيها الناس اتقوا ربكم"، والمخاطب والغائب إذا اجتمعا في الخبر، فإن العرب تخرج الكلام على الخطاب، فتقول: إذا خاطبتْ رجلا واحدًا أو جماعة فعلتْ هي وآخرون غُيَّبٌ معهم فعلا"فعلتم كذا، وصنعتم كذا".
ويعني بقوله:"رقيبًا"، حفيظًا، مُحصيًا عليكم أعمالكم، متفقدًا رعايتكم حرمةَ أرحامكم وصلتكم إياها، وقطعكموها وتضييعكم حرمتها، كما:-
٨٤٣٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إن الله كان عليكم رقيبًا"، حفيظًا.
٨٤٣٥م - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد في قوله:"إن الله كان عليكم رقيبًا"، على أعمالكم، يعلمها ويعرفها.
ومنه قول أبي دُؤاد الإيادِيّ:
قال: والقراءة التي لا نستجيز لقارئٍ أن يقرأ غيرها في ذلك، (١) النصب: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ)، بمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيّ في حال الخفض، إلا في ضرورة شعر، على ما قد وصفت قبل. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (١) ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: إنّ الله لم يزل عليكم رقيبًا.
* * *
ويعني بقوله:"عليكم"، على الناس الذين قال لهم جل ثناؤه:"يا أيها الناس اتقوا ربكم"، والمخاطب والغائب إذا اجتمعا في الخبر، فإن العرب تخرج الكلام على الخطاب، فتقول: إذا خاطبتْ رجلا واحدًا أو جماعة فعلتْ هي وآخرون غُيَّبٌ معهم فعلا"فعلتم كذا، وصنعتم كذا".
ويعني بقوله:"رقيبًا"، حفيظًا، مُحصيًا عليكم أعمالكم، متفقدًا رعايتكم حرمةَ أرحامكم وصلتكم إياها، وقطعكموها وتضييعكم حرمتها، كما:-
٨٤٣٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"إن الله كان عليكم رقيبًا"، حفيظًا.
٨٤٣٥م - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد في قوله:"إن الله كان عليكم رقيبًا"، على أعمالكم، يعلمها ويعرفها.
ومنه قول أبي دُؤاد الإيادِيّ:
(١) في المخطوطة والمطبوعة: "لا نستجيز القارئ أن يقرأ" بتعريف"القارئ"، وهو خطأ صوابه ما أثبت.
(٢) انظر ما سلف قريبا ص: ٥١٩، ٥٢٠.
(٢) انظر ما سلف قريبا ص: ٥١٩، ٥٢٠.
523
كَمَقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ لِلضُّرَبَاءِ أَيْدِيهمْ نَوَاهِدْ (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره أوصياءَ اليتامى. يقول لهم: وأعطوا يا معشر أوصياء اليتامى: [اليتامى] أموالهم إذا هم بلغوا الحلم، (٢) وأونس منهم الرشد (٣)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره أوصياءَ اليتامى. يقول لهم: وأعطوا يا معشر أوصياء اليتامى: [اليتامى] أموالهم إذا هم بلغوا الحلم، (٢) وأونس منهم الرشد (٣)
(١) تهذيب الألفاظ: ٤٧٥، المعاني الكبير: ١١٤٨، مجاز القرآن ١: ١١٣، الميسر والقداح: ١٣٣، وغيرها، وهو من أبيات جياد في نعت الثور الأبيض، لم أجدها مجتمعة، منها:
يصف قوائم هذا الثور، "خذف" جمع خذوف، وهي السريعة السير والعدو، تخذف الحصى بقوائمها. أي تقذفه. و"الزمع" جمع زمعة، وهي هنة زائدة ناتئة فوق ظلف الشاة والثور، مدلاة فيها شعر. ثم وصف هذه الزمع الناتئة خلف أظلاف الثور، وشبه إشرافها على الأظلاف بالرقباء المشرفين على الضرباء، وقد مدوا أيديهم. وهذا وصف في غاية البراعة والحسن. و"الرقباء" جمع رقيب، وهو أمين أصحاب الميسر، يحفظ ضربهم بالقداح ويرقبهم. و"الضرباء" جمع ضريب، وهو الضارب بالقداح. وزعم ابن قتيبة أن قوله: "أيديهم" أي: أيدي الضرباء، وأخطأ، إنما عنى أيدي الرقباء لا الضرباء. وقوله: "لهق" هو البياض، يعني بياض الثور، فشبه بياضه بياض النار على رأس رابية مشرقة، تذكي لهيبها العبيد. ثم وصف الثور عند الارتياع، فقال إنه يصيخ -أي ينصت مميلا رأسه ناحية من الفزع- و"المضل" الذي أضاع شيئًا فهو يترقب أن يجده."والناشد"، هو الذي ينشد ضالة، أي يعرفها ويصفها. فهو يصغي لصوت المنشد المعرف إصغاء من يرجو أن تكون هي ضالته. وهذا من جيد الشعر وبارعه.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة، أسقط ما وضعته بين القوسين، ولكن السياق يقتضي إثباتها، وكأن الناسخ غره التكرار، فأسقط إحداهما، فأساء.
(٣) انظر تفسير"آتى" في فهارس اللغة، وتفسير"اليتامى" فيما سلف ٢: ٢٩٢ / ٣: ٣٤٥ / ٤: ٢٩٥.
وَقَوَائِمٌ خُذُفٌ، لَهَا مِنْ | خَلْفِهَا زَمَعٌ زَوَائِدْ |
كَمقَاعِدِ الرُّقَبَاءِ لِلضُّرَ | بَاءِ أَيْدِيهِمْ نَوَاهِدْ |
لَهَقٌ كَنَارِ الرَّأْسِ بِالـ | عَلْيَاءِ تُذْكِيهَا الأَعَابِدْ |
وَيُصِيخُ أَحْيَانًا كَمَا اسْـ | ـتَمَعَ المُضِلُّ لِصَوْتِ نَاشِدْ |
(٢) في المخطوطة والمطبوعة، أسقط ما وضعته بين القوسين، ولكن السياق يقتضي إثباتها، وكأن الناسخ غره التكرار، فأسقط إحداهما، فأساء.
(٣) انظر تفسير"آتى" في فهارس اللغة، وتفسير"اليتامى" فيما سلف ٢: ٢٩٢ / ٣: ٣٤٥ / ٤: ٢٩٥.
524
= "ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، يقول: ولا تستبدلوا الحرام عليكم من أموالهم بأموالكم الحلال لكم، كما:-
٨٤٣٦ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: الحلال بالحرام.
٨٤٣٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٨٤٣٨ - حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: الحرام مكان الحلال.
* * *
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث كان بالطيب، الذي نهوا عنه، ومعناه. (١)
فقال بعضهم: كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيِّد من ماله والرفيعَ منه، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٣٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: لا تعط زيفًا وتأخذ جيِّدًا.
٨٤٤٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي= وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب= ومعمر عن الزهري، قالوا: يعطي مهزولا ويأخذ سمينًا.
٨٤٤١ - وبه عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك قال: لا تعط فاسدًا، وتأخذ جيدًا.
٨٤٣٦ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله تعالى:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: الحلال بالحرام.
٨٤٣٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٨٤٣٨ - حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: الحرام مكان الحلال.
* * *
قال أبو جعفر: ثم اختلف أهل التأويل في صفة تبديلهم الخبيث كان بالطيب، الذي نهوا عنه، ومعناه. (١)
فقال بعضهم: كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيِّد من ماله والرفيعَ منه، ويجعلون مكانه لليتيم الرديء والخسيس، فذلك تبديلهم الذي نهاهم الله تعالى عنه.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٣٩ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن مغيرة، عن إبراهيم:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: لا تعط زيفًا وتأخذ جيِّدًا.
٨٤٤٠ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن السدي= وعن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب= ومعمر عن الزهري، قالوا: يعطي مهزولا ويأخذ سمينًا.
٨٤٤١ - وبه عن سفيان، عن رجل، عن الضحاك قال: لا تعط فاسدًا، وتأخذ جيدًا.
(١) في المطبوعة: "في صفة تبديلهم الخبيث بالطيب"، أسقط الناشر"كان" لأن عربيته أنكرت عربية أبي جعفر!! وهي الصواب المحض، فأثبتها.
525
٨٤٤٢ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، كان أحدهم يأخذ الشاة السمينة من غنم اليتيم ويجعل مكانها الشاة المهزولة، ويقول:"شاة بشاة"! ويأخذ الدرهم الجيد ويطرح مكانه الزيف، ويقول:"درهم بدرهم"!!
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قُدِّر لك من الحلال.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٤٣ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: لا تعجِّل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدِّر لك.
٨٤٤٤ - وبه عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح مثله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، كالذي:-
٨٤٤٥ - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: كان أهل الجاهلية لا يورِّثون النساءَ ولا يورِّثون الصغار، يأخذه الأكبر= وقرأ (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) قال: إذا لم يكن لهم شيء: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) [سورة النساء: ١٢٧]، لا يورثونهم. (١) قال: فنصيبه من الميراث طيِّب، وهذا الذي أخذه خبيث.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال: تأويل ذلك: ولا تتبدلوا أموال أيتامكم -أيها الأوصياء- الحرامَ عليكم الخبيثَ لكم،
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: لا تستعجل الرزق الحرام فتأكله قبل أن يأتيك الذي قُدِّر لك من الحلال.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٤٣ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا ابن يمان، عن سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: لا تعجِّل بالرزق الحرام قبل أن يأتيك الحلال الذي قدِّر لك.
٨٤٤٤ - وبه عن سفيان، عن إسماعيل، عن أبي صالح مثله.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك، كالذي:-
٨٤٤٥ - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، قال: كان أهل الجاهلية لا يورِّثون النساءَ ولا يورِّثون الصغار، يأخذه الأكبر= وقرأ (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) قال: إذا لم يكن لهم شيء: (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ) [سورة النساء: ١٢٧]، لا يورثونهم. (١) قال: فنصيبه من الميراث طيِّب، وهذا الذي أخذه خبيث.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية، قول من قال: تأويل ذلك: ولا تتبدلوا أموال أيتامكم -أيها الأوصياء- الحرامَ عليكم الخبيثَ لكم،
(١) في المطبوعة والمخطوطة: "لا يورثوهم"، والصواب ما أثبت.
526
فتأخذوا رفائعها وخيارَها وجيادَها. بالطيب الحلال لكم من أموالكم= [أي لا تأخذوا] الرديء الخسيس بدلا منه. (١)
وذلك أنّ"تبدل الشيء بالشيء" في كلام العرب: أخذ شيء مكان آخر غيره، يعطيه المأخوذ منه أو يجعله مكان الذي أخذ. (٢)
* * *
فإذْ كان ذلك معنى"التبدل" و"الاستبدال"، (٣) فمعلوم أنّ الذي قاله ابن زيد= من أن معنى ذلك: هو أخذ أكبرِ ولد الميت جميع مال ميِّته ووالده، دون صغارهم، إلى ماله- قولٌ لا معنى له. لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم، فلم يستبدل مما أخذ شيئًا. فما"التبدل" الذي قال جل ثناؤه:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، ولم يتبدَّل الآخذ مكان المأخوذ بدلا؟
* * *
وأما الذي قاله مجاهد وأبو صالح من أن معنى ذلك: لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال= فإنهما أيضًا، إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال:"إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها"، ففساده نظير فساد قول ابن زيد. لأن من استعجل الحرام فأكله، ثم آتاه الله رزقه الحلال، فلم يبدِّل شيئًا مكان شيء. وإن كانا قد أرادا بذلك، (٤) أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال، فيكون أكلُهم ذلك
وذلك أنّ"تبدل الشيء بالشيء" في كلام العرب: أخذ شيء مكان آخر غيره، يعطيه المأخوذ منه أو يجعله مكان الذي أخذ. (٢)
* * *
فإذْ كان ذلك معنى"التبدل" و"الاستبدال"، (٣) فمعلوم أنّ الذي قاله ابن زيد= من أن معنى ذلك: هو أخذ أكبرِ ولد الميت جميع مال ميِّته ووالده، دون صغارهم، إلى ماله- قولٌ لا معنى له. لأنه إذا أخذ الأكبر من ولده جميع ماله دون الأصاغر منهم، فلم يستبدل مما أخذ شيئًا. فما"التبدل" الذي قال جل ثناؤه:"ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب"، ولم يتبدَّل الآخذ مكان المأخوذ بدلا؟
* * *
وأما الذي قاله مجاهد وأبو صالح من أن معنى ذلك: لا تتعجل الرزق الحرام قبل مجيء الحلال= فإنهما أيضًا، إن لم يكونا أرادا بذلك نحو القول الذي روي عن ابن مسعود أنه قال:"إن الرجل ليحرم الرزق بالمعصية يأتيها"، ففساده نظير فساد قول ابن زيد. لأن من استعجل الحرام فأكله، ثم آتاه الله رزقه الحلال، فلم يبدِّل شيئًا مكان شيء. وإن كانا قد أرادا بذلك، (٤) أن الله جل ثناؤه نهى عباده أن يستعجلوا الحرام فيأكلوه قبل مجيء الحلال، فيكون أكلُهم ذلك
(١) هذا الذي زدته بين القوسين، استظهار من تأويله الآتي. والجملة بغير هذه الزيادة لا تكاد تستقيم.
ثم انظر تفسير"الخبيث" فيما سلف ٥: ٥٥٩ / ٧: ٤٢٤ = وتفسير"الطيب" فيما سلف ٣: ٣٠١ / ٥: ٥٥٥ / ٦: ٣٦١ / ٧: ٤٢٤.
(٢) انظر تفسير"تبدل" و"استبدل" فيما سلف ٢: ١١٢، ١٣٠، ٤٩٤.
(٣) في المطبوعة: "التبديل"، وأثبت الصواب من المخطوطة.
(٤) في المطبوعة: "وإن كانا أراد بذلك" بحذف"قد" وفي المخطوطة: "وإن كان قال أراد بذلك" وهو فساد من عجلة الناسخ، ولكن صواب قراءتها ما أثبت.
ثم انظر تفسير"الخبيث" فيما سلف ٥: ٥٥٩ / ٧: ٤٢٤ = وتفسير"الطيب" فيما سلف ٣: ٣٠١ / ٥: ٥٥٥ / ٦: ٣٦١ / ٧: ٤٢٤.
(٢) انظر تفسير"تبدل" و"استبدل" فيما سلف ٢: ١١٢، ١٣٠، ٤٩٤.
(٣) في المطبوعة: "التبديل"، وأثبت الصواب من المخطوطة.
(٤) في المطبوعة: "وإن كانا أراد بذلك" بحذف"قد" وفي المخطوطة: "وإن كان قال أراد بذلك" وهو فساد من عجلة الناسخ، ولكن صواب قراءتها ما أثبت.
527
سببًا لحرمان الطيِّب منه فذلك وجه معروف، ومذهب معقول. يحتمله التأويل. غير أن أشبه [القولين] في ذلك بتأويل الآية، ما قلنا؛ (١) لأن ذلك هو الأظهر من معانيه، لأن الله جل ثناؤه إنما ذكر ذلك في قصة أموال اليتامى وأحكامها، فلأن يكون ذلك من جنس حُكمِ أول الآية وآ خرها، [أولى] من أن يكون من غير جنسه. (٢)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ولا تخلِطوا أموالهم -يعني: أموال اليتامى بأموالكم- فتأكلوها مع أموالكم، (٣) كما:-
٨٤٤٦ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم"، يقول: لا تأكلوا أموالكم وأموالهم، تخلطوها فتأكلوها جميعًا.
٨٤٤٧ - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن مبارك، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى، كرهوا أن يخالطوهم، وجعل وليُّ اليتيم يعزل مالَ اليتيم عن ماله، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ﴾
قال أبو جعفر: يعني بذلك تعالى ذكره: ولا تخلِطوا أموالهم -يعني: أموال اليتامى بأموالكم- فتأكلوها مع أموالكم، (٣) كما:-
٨٤٤٦ - حدثنا ابن بشار قال، حدثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم"، يقول: لا تأكلوا أموالكم وأموالهم، تخلطوها فتأكلوها جميعًا.
٨٤٤٧ - حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو زهير، عن مبارك، عن الحسن قال: لما نزلت هذه الآية في أموال اليتامى، كرهوا أن يخالطوهم، وجعل وليُّ اليتيم يعزل مالَ اليتيم عن ماله، فشكوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
(١) في المطبوعة: "غير أن الأشبه في ذلك بتأويل الآية ما قلنا"، وهو غير جيد، وفي المخطوطة: "غير أن أشبه في ذلك بتأويل الآية ما قلنا"، وبين أن الناسخ عاد فسها، فأسقط"القولين" وهو ما أثبته ما بين القوسين.
(٢) في المطبوعة: "فلا يكون ذلك من جنس حكم أول الآية، فأخرجها من أن يكون من غير جنسه" جعل"وآخرها"، "فأخرجها"، فأنزل الكلام منزلة من الفساد لا مخرج منها. وأما المخطوطة فكان سياقها: "فلا يكون ذلك من جنس حكم أول الآية وآخرها من أن يكون من غير جنسه"، وهو سهو من الناسخ وعجلته أفسد الجملة، صواب"فلا يكون""فلأن يكون"، والصواب أيضًا زيادة"أولى" التي وضعتها بين القوسين.
(٣) انظر تفسير"أكل الأموال" فيما سلف ٣: ٥٤٨، ٥٤٩ = وتفسير"إلى" بمعنى"مع" فيما سلف ١: ٢٩٩ / ٦: ٤٤٣، ٤٤٤.
(٢) في المطبوعة: "فلا يكون ذلك من جنس حكم أول الآية، فأخرجها من أن يكون من غير جنسه" جعل"وآخرها"، "فأخرجها"، فأنزل الكلام منزلة من الفساد لا مخرج منها. وأما المخطوطة فكان سياقها: "فلا يكون ذلك من جنس حكم أول الآية وآخرها من أن يكون من غير جنسه"، وهو سهو من الناسخ وعجلته أفسد الجملة، صواب"فلا يكون""فلأن يكون"، والصواب أيضًا زيادة"أولى" التي وضعتها بين القوسين.
(٣) انظر تفسير"أكل الأموال" فيما سلف ٣: ٥٤٨، ٥٤٩ = وتفسير"إلى" بمعنى"مع" فيما سلف ١: ٢٩٩ / ٦: ٤٤٣، ٤٤٤.
528
فأنزل الله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) [سورة البقرة: ٢٢٠] قال: فخالطوهم واتقوا. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره [بقوله] :(٢) "إنه كان حوبًا كبيرًا"، إن أكلكم أموال أيتامكم، حوبٌ كبير.
* * *
و"الهاء" في قوله:"إنه" دالة على اسم الفعل، أعني"الأكل".
* * *
وأما"الحوب"، فإنه الإثم، يقال منه:"حاب الرجل يَحُوب حَوبًا وحُوبًا وحِيَابة"، ويقال منه:"قد تحوَّب الرجل من كذا"، إذا تأثم منه، ومنه قول أمية بن الأسكر الليثي: (٣)
ومنه قيل:"نزلنا بحَوبة من الأرض، وبحِيبَةٍ من الأرض"، إذا نزلوا بموضع سَوْءٍ منها.
* * *
و"الكبير" العظيم. (٥)
* * *
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) ﴾
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره [بقوله] :(٢) "إنه كان حوبًا كبيرًا"، إن أكلكم أموال أيتامكم، حوبٌ كبير.
* * *
و"الهاء" في قوله:"إنه" دالة على اسم الفعل، أعني"الأكل".
* * *
وأما"الحوب"، فإنه الإثم، يقال منه:"حاب الرجل يَحُوب حَوبًا وحُوبًا وحِيَابة"، ويقال منه:"قد تحوَّب الرجل من كذا"، إذا تأثم منه، ومنه قول أمية بن الأسكر الليثي: (٣)
وَإنَّ مُهَاجِرَيْنِ تَكنَّفَاهُ | غَدَاتَئِذٍ لقَدْ خَطَئَا وحَابَا (٤) |
* * *
و"الكبير" العظيم. (٥)
* * *
(١) الأثر: ٨٤٤٧- هذا الأثر لم يروه أبو جعفر في تفسير آية سورة البقرة ٤: ٣٤٩- ٣٥٥، وهو من الدلائل على اختصاره تفسيره هذا.
(٢) الذي بين القوسين زيادة لا يستقيم الكلام بغيرها.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "بن الأسكن"، وهو خطأ صرف.
(٤) مضى البيت وتخريجه في ٢: ١١٠، وسيأتي في ١٣: ٣٧ (بولاق)، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٣، ولم أثبتت هناك، مواضع تكراره في التفسير، فليقيد هناك، وروايته هناك: "لعمر الله قد خطئا وخابا" بالخاء، وأرجح أن أجود الروايتين، روايته في هذا الموضع، بالحاء المهملة؛ وإن كانت أكثر الكتب قد أثبتها بالخاء المعجمة، وأرجح أيضًا أنه تصحيف قديم، ومعنى رواية أبي جعفر أشبه بسياق الشعر إن شاء الله.
(٥) انظر تفسير"كبير" فيما سلف ٢: ١٥ / ٣: ١٦٦ / ٤: ٣٠٠.
(٢) الذي بين القوسين زيادة لا يستقيم الكلام بغيرها.
(٣) في المطبوعة والمخطوطة: "بن الأسكن"، وهو خطأ صرف.
(٤) مضى البيت وتخريجه في ٢: ١١٠، وسيأتي في ١٣: ٣٧ (بولاق)، وانظر مجاز القرآن لأبي عبيدة ١: ١٣، ولم أثبتت هناك، مواضع تكراره في التفسير، فليقيد هناك، وروايته هناك: "لعمر الله قد خطئا وخابا" بالخاء، وأرجح أن أجود الروايتين، روايته في هذا الموضع، بالحاء المهملة؛ وإن كانت أكثر الكتب قد أثبتها بالخاء المعجمة، وأرجح أيضًا أنه تصحيف قديم، ومعنى رواية أبي جعفر أشبه بسياق الشعر إن شاء الله.
(٥) انظر تفسير"كبير" فيما سلف ٢: ١٥ / ٣: ١٦٦ / ٤: ٣٠٠.
529
فمعنى ذلك: إنّ أكلكم أموال اليتامى مع أموالكم، إثم عند الله عظيم.
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٤٨ - حدثني محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"حوبًا كبيرًا" قال: إثمًا.
٨٤٤٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٨٤٥٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"إنه كان حوبًا كبيرًا"، قال: إثمًا عظيما.
٨٤٥١ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"كان حوبًا" أما"حوبا" فإثمًا.
٨٤٥٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:"حوبًا"، قال: إثمًا.
٨٤٥٣ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"إنه كان حوبًا كبيرًا" يقول: ظلمًا كبيرًا.
٨٤٥٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله:"إنه كان حوبًا كبيرًا" قال: ذنبا كبيرًا= وهي لأهل الإسلام.
٨٤٥٥ - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا قرة بن خالد قال، سمعت الحسن يقول:"حوبًا كبيرًا"، قال: إثمًا والله عظيمًا.
* * *
* * *
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٤٨ - حدثني محمد بن عمرو وعمرو بن علي قالا حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"حوبًا كبيرًا" قال: إثمًا.
٨٤٤٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
٨٤٥٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"إنه كان حوبًا كبيرًا"، قال: إثمًا عظيما.
٨٤٥١ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي:"كان حوبًا" أما"حوبا" فإثمًا.
٨٤٥٢ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، في قوله:"حوبًا"، قال: إثمًا.
٨٤٥٣ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"إنه كان حوبًا كبيرًا" يقول: ظلمًا كبيرًا.
٨٤٥٤ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، سمعت ابن زيد يقول في قوله:"إنه كان حوبًا كبيرًا" قال: ذنبا كبيرًا= وهي لأهل الإسلام.
٨٤٥٥ - حدثنا عمرو بن علي قال، حدثنا يحيى بن سعيد قال، حدثنا قرة بن خالد قال، سمعت الحسن يقول:"حوبًا كبيرًا"، قال: إثمًا والله عظيمًا.
* * *
530
القول في تأويل قوله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتم، يا معشر أولياء اليتامى، أن لا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنَّ صدقات أمثالهنّ، فلا تنكحوهن، ولكن انكحوا غيرَهن من الغرائب اللواتي أحلّهن الله لكم وطيبهن، من واحدة إلى أربع، وإن خفتم أن تجوروا= إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة= فلا تعدلوا، فانكحوا منهن واحدة، أو ما ملكت أيمانكم.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٥٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:"وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طابَ لكم من النساء"، فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حِجر ولِّيها، فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بأدنى من سُنة صداقها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما سواهُنَّ من النساء. (١)
٨٤٥٧ - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم: معنى ذلك: وإن خفتم، يا معشر أولياء اليتامى، أن لا تقسطوا في صداقهن فتعدلوا فيه، وتبلغوا بصداقهنَّ صدقات أمثالهنّ، فلا تنكحوهن، ولكن انكحوا غيرَهن من الغرائب اللواتي أحلّهن الله لكم وطيبهن، من واحدة إلى أربع، وإن خفتم أن تجوروا= إذا نكحتم من الغرائب أكثر من واحدة= فلا تعدلوا، فانكحوا منهن واحدة، أو ما ملكت أيمانكم.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٥٦ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة:"وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طابَ لكم من النساء"، فقالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حِجر ولِّيها، فيرغب في مالها وجمالها، ويريد أن ينكحها بأدنى من سُنة صداقها، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في إكمال الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما سواهُنَّ من النساء. (١)
٨٤٥٧ - حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني يونس بن يزيد، عن ابن شهاب قال، أخبرني عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة
(١) الحديث: ٨٤٥٦- روى الطبري هذا الحديث- مطولا ومختصرًا- بسبعة أسانيد: ٨٤٥٦- ٨٤٦١، ٨٤٧٧. وهو ثابت صحيح، في الصحيحين وغيرهما.
وهذا الإسناد: هو من رواية عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري. وسيأتي: ٨٤٦٠، من رواية عبد الرزاق، عن معمر، دون ذكر لفظه، إحالة على هذه الرواية.
وقد رواه البخاري في صحيحه اثنتي عشرة مرة، سنشير إليها، إن شاء الله.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ١٤١- ١٤٢، بأسانيد، من أوجه متعددة.
وهذا الإسناد: هو من رواية عبد الله بن المبارك، عن معمر، عن الزهري. وسيأتي: ٨٤٦٠، من رواية عبد الرزاق، عن معمر، دون ذكر لفظه، إحالة على هذه الرواية.
وقد رواه البخاري في صحيحه اثنتي عشرة مرة، سنشير إليها، إن شاء الله.
ورواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ١٤١- ١٤٢، بأسانيد، من أوجه متعددة.
531
زوج النبي ﷺ عن قول الله تبارك وتعالى:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طابَ لكم من النساء"، قالت: يا ابن أختي، هذه اليتيمة، تكون في حجر ولِّيها تُشاركه في ماله، فيعجبه مالها وجمالها. فيريد وليها أن يتزوَّجها بغير أن يُقسِط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن، ويبلغوا بهن أعلى سُنتَّهن في الصداق، وأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن= قال يونس بن يزيد قال ربيعة في قول الله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال يقول: اتركوهنّ، فقد أحللت لكم أربعًا. (١)
٨٤٥٨ - حدثنا الحسن بن الجنيد وأخبرنا سعيد بن مسلمة قالا. أنبأنا إسماعيل بن أمية، عن ابن شهاب، عن عروة قال: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: يا أم المؤمنين، أرأيت قول الله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء"؟ قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها، فنهوا عن ذلك: أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيكمِّلوا لهن الصداق، ثم أمروا أن ينكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق. (٢)
٨٤٥٨ - حدثنا الحسن بن الجنيد وأخبرنا سعيد بن مسلمة قالا. أنبأنا إسماعيل بن أمية، عن ابن شهاب، عن عروة قال: سألت عائشة أم المؤمنين فقلت: يا أم المؤمنين، أرأيت قول الله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء"؟ قالت: يا ابن أختي، هي اليتيمة تكون في حجر وليها، فيرغب في جمالها ومالها، ويريد أن يتزوجها بأدنى من سنة صداق نسائها، فنهوا عن ذلك: أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا فيكمِّلوا لهن الصداق، ثم أمروا أن ينكحوا سواهن من النساء إن لم يكملوا لهن الصداق. (٢)
(١) الحديث: ٨٤٥٧- وهذا من رواية ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن الزهري.
وسيأتي: ٨٤٥٩، من رواية الليث بن سعد، عن يونس، عن الزهري، دون ذكر لفظه، إحالة على هذه الرواية. ورواه البخاري ٥: ٩٤- ٩٥ (فتح)، من طريق الليث، عن يونس، عن الزهري.
وقد رواه مسلم ٢: ٣٩٨- ٣٩٩، من طريق ابن وهب، عن يونس- أطول مما هنا. لكن ليس فيه ما ذكر في آخره هنا، من كلام ربيعة الذي رواه عنه يونس. وليس هذا من صلب الحديث.
ورواه البخاري ٩: ٩١ (فتح)، من رواية حسان بن إبراهيم، عن يونس، عن الزهري- بنحو مما هنا، مع اختصار قليل. وليس فيه كلمة ربيعة.
وقوله: "أعلى سنتهن في الصداق"- هذا هو الثابت في صحيح مسلم أيضًا. وفي المخطوطة"سبيلهن" بدل"سنتهن". والظاهر أنه تصحيف من الناسخ.
(٢) الحديث: ٨٤٥٨- الحسن بن الجنيد بن أبي جعفر البزار البغدادي: ثقة. أخرج عنه ابن خزيمة في صحيحه. وترجمه ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٤، فلم يذكر فيه جرحًا والخطيب ٧: ٢٩٢، كلاهما في ترجمة"الحسن". وترجمه الحافظ المزي في التهذيب الكبير باسم"الحسين". وتبعه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، تبعًا لترتيب الكتاب، ولكنه صرح بأنه"بفتح الحاء والسين"، يعني"الحسن"، وهو الصواب. سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان: ضعيف. قال البخاري في الكبير ٢ / ١ / ٤٧٣: "فيه نظر". وذكر أن عنده"مناكير". وقال في الضعفاء، ص١٥: "منكر". وقال ابن معين: "ليس بشيء". وقال أبو حاتم: "هو ضعيف الحديث، منكر الحديث"- ابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٦٧.
ووقع في المطبوعة هنا: "الحسن بن جنيد وأبو سعيد بن مسلمة"، وهو خطأ، كتب"وأبو" بدل"وأنا" اختصار"وأخبرنا".
إسماعيل بن أمية الأموي: مضت ترجمته في: ٢٦١٥. وضعف هذا الإسناد، من أجل سعيد بن مسلمة، لا يمنع صحة الحديث في ذاته من أوجه أخر، كما مضى، وكما سيأتي.
وسيأتي: ٨٤٥٩، من رواية الليث بن سعد، عن يونس، عن الزهري، دون ذكر لفظه، إحالة على هذه الرواية. ورواه البخاري ٥: ٩٤- ٩٥ (فتح)، من طريق الليث، عن يونس، عن الزهري.
وقد رواه مسلم ٢: ٣٩٨- ٣٩٩، من طريق ابن وهب، عن يونس- أطول مما هنا. لكن ليس فيه ما ذكر في آخره هنا، من كلام ربيعة الذي رواه عنه يونس. وليس هذا من صلب الحديث.
ورواه البخاري ٩: ٩١ (فتح)، من رواية حسان بن إبراهيم، عن يونس، عن الزهري- بنحو مما هنا، مع اختصار قليل. وليس فيه كلمة ربيعة.
وقوله: "أعلى سنتهن في الصداق"- هذا هو الثابت في صحيح مسلم أيضًا. وفي المخطوطة"سبيلهن" بدل"سنتهن". والظاهر أنه تصحيف من الناسخ.
(٢) الحديث: ٨٤٥٨- الحسن بن الجنيد بن أبي جعفر البزار البغدادي: ثقة. أخرج عنه ابن خزيمة في صحيحه. وترجمه ابن أبي حاتم ١ / ٢ / ٤، فلم يذكر فيه جرحًا والخطيب ٧: ٢٩٢، كلاهما في ترجمة"الحسن". وترجمه الحافظ المزي في التهذيب الكبير باسم"الحسين". وتبعه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب، تبعًا لترتيب الكتاب، ولكنه صرح بأنه"بفتح الحاء والسين"، يعني"الحسن"، وهو الصواب. سعيد بن مسلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان: ضعيف. قال البخاري في الكبير ٢ / ١ / ٤٧٣: "فيه نظر". وذكر أن عنده"مناكير". وقال في الضعفاء، ص١٥: "منكر". وقال ابن معين: "ليس بشيء". وقال أبو حاتم: "هو ضعيف الحديث، منكر الحديث"- ابن أبي حاتم ٢ / ١ / ٦٧.
ووقع في المطبوعة هنا: "الحسن بن جنيد وأبو سعيد بن مسلمة"، وهو خطأ، كتب"وأبو" بدل"وأنا" اختصار"وأخبرنا".
إسماعيل بن أمية الأموي: مضت ترجمته في: ٢٦١٥. وضعف هذا الإسناد، من أجل سعيد بن مسلمة، لا يمنع صحة الحديث في ذاته من أوجه أخر، كما مضى، وكما سيأتي.
532
٨٤٥٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني الليث قال، حدثني يونس، عن ابن شهاب قال، حدثني عروة بن الزبير: أنه سأل عائشة زوجَ النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثل حديث يونس، عن ابن وهب.
٨٤٦٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، مثل حديث ابن حميد، عن ابن المبارك. (١)
٨٤٦١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: نزل= تعني قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، الآية= في اليتيمة تكون عند الرجل، وهي ذات مال، فلعله ينكحها لمالها، وهي لا تعجبه، ثم يضربها، ويسيء صحبتها، فوُعظ في ذلك. (٢)
* * *
٨٤٦٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، مثل حديث ابن حميد، عن ابن المبارك. (١)
٨٤٦١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: نزل= تعني قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، الآية= في اليتيمة تكون عند الرجل، وهي ذات مال، فلعله ينكحها لمالها، وهي لا تعجبه، ثم يضربها، ويسيء صحبتها، فوُعظ في ذلك. (٢)
* * *
(١) الحديثان: ٨٤٥٩، ٨٤٦٠- هما تكرار للحديثين: ٨٤٥٧، ٨٤٥٦. وقد أشرنا إلى كل منهما في موضعه.
(٢) الحديث: ٨٤٦١- القاسم: هو ابن الحسن. و"الحسين": هو ابن داود الملقب"سنيد". انظر ما مضى في الإسناد: ٨٣٩٨.
حجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور. مضت ترجمته في: ١٦٩١. وترجم له أخي السيد محمود، في ج٦ ص٥٤٨، تعليق: ٣.
والحديث -من هذا الوجه- رواه البخاري ٨: ١٧٩ (فتح). من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج، به، نحوه. ولكن سياقه يوهم أنها نزلت في شخص معين. فقال الحافظ: "والمعروف عن هشام بن عروة التعميم. وكذلك أخرجه الإسماعيلي، من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج. ولفظه: أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة، إلخ".
أقول: ورواية حجاج، هي هذه التي في الطبري أيضًا.
ورواه البخاري أيضًا ٨: ١٩٩ (فتح)، من طريق أبي أسامة، عن هشام بن عروة، على الصواب.
وكذلك رواه مسلم، بنحوه ٢: ٣٩٩، من طريق أبي أسامة، عن هشام.
ورواه البخاري أيضًا، بنحوه ٩: ١١٩، من طريق عبدة، وهو ابن سليمان، عن هشام ابن عروة.
وسيأتي: ٨٤٧٧، من رواية وكيع، عن هشام. ونخرجه هناك، إن شاء الله.
ونحن ذاكرون هنا باقي طرقه في الصحيحين -عدا رواية وكيع تتمة للفائدة:
فرواه البخاري ٥: ٩٤- ٩٥ (فتح)، ومسلم ٢: ٣٩٩ = كلاهما من طريق صالح، عن الزهري، عن عروة.
ورواه البخاري ٥: ٢٩٢ (فتح)، و ٩: ١٦٩- ١٧٠ و ١٢: ٢٩٨ = من طريق شعيب، عن الزهري.
ورواه أيضًا ٩: ١١٧، ١٦٩- ١٧٠= من طريق عقيل، عن الزهري.
ورواه أيضًا ٩: ١٦٢، من طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة، مختصرًا.
وابن كثير ذكر حديث عائشة ٢: ٣٤٢- ٣٤٣، من روايتين من روايات البخاري. ولم يزد في تخريجه شيئا.
والسيوطي ذكره بثلاثة ألفاظ، مطولا ومختصرًا ٢: ١١٨. وزاد نسبته لعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) الحديث: ٨٤٦١- القاسم: هو ابن الحسن. و"الحسين": هو ابن داود الملقب"سنيد". انظر ما مضى في الإسناد: ٨٣٩٨.
حجاج: هو ابن محمد المصيصي الأعور. مضت ترجمته في: ١٦٩١. وترجم له أخي السيد محمود، في ج٦ ص٥٤٨، تعليق: ٣.
والحديث -من هذا الوجه- رواه البخاري ٨: ١٧٩ (فتح). من طريق هشام بن يوسف، عن ابن جريج، به، نحوه. ولكن سياقه يوهم أنها نزلت في شخص معين. فقال الحافظ: "والمعروف عن هشام بن عروة التعميم. وكذلك أخرجه الإسماعيلي، من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج. ولفظه: أنزلت في الرجل يكون عنده اليتيمة، إلخ".
أقول: ورواية حجاج، هي هذه التي في الطبري أيضًا.
ورواه البخاري أيضًا ٨: ١٩٩ (فتح)، من طريق أبي أسامة، عن هشام بن عروة، على الصواب.
وكذلك رواه مسلم، بنحوه ٢: ٣٩٩، من طريق أبي أسامة، عن هشام.
ورواه البخاري أيضًا، بنحوه ٩: ١١٩، من طريق عبدة، وهو ابن سليمان، عن هشام ابن عروة.
وسيأتي: ٨٤٧٧، من رواية وكيع، عن هشام. ونخرجه هناك، إن شاء الله.
ونحن ذاكرون هنا باقي طرقه في الصحيحين -عدا رواية وكيع تتمة للفائدة:
فرواه البخاري ٥: ٩٤- ٩٥ (فتح)، ومسلم ٢: ٣٩٩ = كلاهما من طريق صالح، عن الزهري، عن عروة.
ورواه البخاري ٥: ٢٩٢ (فتح)، و ٩: ١٦٩- ١٧٠ و ١٢: ٢٩٨ = من طريق شعيب، عن الزهري.
ورواه أيضًا ٩: ١١٧، ١٦٩- ١٧٠= من طريق عقيل، عن الزهري.
ورواه أيضًا ٩: ١٦٢، من طريق أبي معاوية، عن هشام بن عروة، مختصرًا.
وابن كثير ذكر حديث عائشة ٢: ٣٤٢- ٣٤٣، من روايتين من روايات البخاري. ولم يزد في تخريجه شيئا.
والسيوطي ذكره بثلاثة ألفاظ، مطولا ومختصرًا ٢: ١١٨. وزاد نسبته لعبد بن حميد، والنسائي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
533
قال أبو جعفر: فعلى هذا التأويل، جواب قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا"، قوله:"فانكحوا".
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: النهي عن نكاح ما فوق الأربع، حِذارًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم. (١) وذلك أن قريشًا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل، فإذا صار معدمًا، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به. فنهوا عن ذلك، وقيل لهم: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها= فلا تعدلوا فيها، من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مُؤن نسائكم،
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: النهي عن نكاح ما فوق الأربع، حِذارًا على أموال اليتامى أن يتلفها أولياؤهم. (١) وذلك أن قريشًا كان الرجل منهم يتزوج العشر من النساء والأكثر والأقل، فإذا صار معدمًا، مال على مال يتيمه الذي في حجره فأنفقه أو تزوج به. فنهوا عن ذلك، وقيل لهم: إن أنتم خفتم على أموال أيتامكم أن تنفقوها= فلا تعدلوا فيها، من أجل حاجتكم إليها لما يلزمكم من مُؤن نسائكم،
(١) في المطبوعة: "حذرًا على أموال اليتامى"، وأثبت ما في المخطوطة.
534
فلا تجاوزوا فيما تنكحون من عدد النساء على أربعٍ= وإن خفتم أيضًا من الأربع أن لا تعدلوا في أموالهم، فاقتصروا على الواحدة، أو على ما ملكت أيمانكم.
ذكر من قال ذلك:
٨٤٦٢ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال، سمعت عكرمة يقول في هذه الآية:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال: كان الرجل من قريش يكون عنده النِّسوة، ويكون عنده الأيتام، فيذهب ماله، فيميل على مال الأيتام، قال: فنزلت هذه الآية:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء".
٨٤٦٣ - حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"، قال: كان الرجل يتزوج الأربع والخمس والستَّ والعشر، فيقول الرجل:"ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان"؟ فيأخذ مال يتيمه فيتزوج به، فنهوا أن يتزوجوا فوق الأربع.
٨٤٦٤ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قصر الرجال على أربعٍ من أجل أموال اليتامى.
٨٤٦٥ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، فإن الرجل كان يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن القوم كانوا يتحوّبون في أموال اليتامى أن لا يعدلوا فيها، ولا يتحوبون في النساء أن لا يعدِلوا فيهن، فقيل لهم: كما خفتم أن
ذكر من قال ذلك:
٨٤٦٢ - حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن سماك قال، سمعت عكرمة يقول في هذه الآية:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال: كان الرجل من قريش يكون عنده النِّسوة، ويكون عنده الأيتام، فيذهب ماله، فيميل على مال الأيتام، قال: فنزلت هذه الآية:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء".
٨٤٦٣ - حدثنا هناد بن السري قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن عكرمة في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"، قال: كان الرجل يتزوج الأربع والخمس والستَّ والعشر، فيقول الرجل:"ما يمنعني أن أتزوج كما تزوج فلان"؟ فيأخذ مال يتيمه فيتزوج به، فنهوا أن يتزوجوا فوق الأربع.
٨٤٦٤ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قصر الرجال على أربعٍ من أجل أموال اليتامى.
٨٤٦٥ - حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، فإن الرجل كان يتزوج بمال اليتيم ما شاء الله تعالى، فنهى الله عن ذلك.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أن القوم كانوا يتحوّبون في أموال اليتامى أن لا يعدلوا فيها، ولا يتحوبون في النساء أن لا يعدِلوا فيهن، فقيل لهم: كما خفتم أن
535
لا تعدلوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء أن لا تعدلوا فيهن، ولا تنكحوا منهن إلا من واحدة إلى الأربع، ولا تزيدوا على ذلك. وإن خفتم أن لا تعدلوا أيضًا في الزيادة على الواحدة، فلا تنكحوا إلا ما لا تخافون أن تجوروا فيهن من واحدة أو ما ملكت أيمانكم.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٦٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال، كان الناس على جاهليتهم، إلا أن يؤمروا بشيء أو يُنهوا عنه، قال: فذكروا اليتامى، فنزلت:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"، قال: فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء.
٨٤٦٧ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) إلى:"أيمانكم"، كانوا يشددون في اليتامى، ولا يشددون في النساء، ينكح أحدُهم النسوة، فلا يعدل بينهن، فقال الله تبارك وتعالى: كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى، فخافوا في النساء، فانكحوا واحدة إلى الأربع. فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم.
٨٤٦٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء" حتى بلغ"أدنى ألا تعولوا"، يقول: كما خفتم الجور في اليتامى وهمَّكم ذلك، فكذلك فخافوا في جمع النساء، (١) وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٦٦ - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال، كان الناس على جاهليتهم، إلا أن يؤمروا بشيء أو يُنهوا عنه، قال: فذكروا اليتامى، فنزلت:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم"، قال: فكما خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في النساء.
٨٤٦٧ - حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) إلى:"أيمانكم"، كانوا يشددون في اليتامى، ولا يشددون في النساء، ينكح أحدُهم النسوة، فلا يعدل بينهن، فقال الله تبارك وتعالى: كما تخافون أن لا تعدلوا بين اليتامى، فخافوا في النساء، فانكحوا واحدة إلى الأربع. فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم.
٨٤٦٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء" حتى بلغ"أدنى ألا تعولوا"، يقول: كما خفتم الجور في اليتامى وهمَّكم ذلك، فكذلك فخافوا في جمع النساء، (١) وكان الرجل في الجاهلية يتزوج العشرة
(١) في المخطوطة: "جميع النساء"، والصواب ما في المطبوعة.
536
فما دون ذلك، فأحل الله جل ثناؤه أربعًا، ثم صيَّرهن إلى أربع قوله: (١) "مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة"، يقول، إن خفت أن لا تعدل في أربع فثلاث، وإلا فثنتين، وإلا فواحدة. وإن خفت أن لا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
٨٤٦٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، يقول: ما أحل لكم من النساء="مثنى وثلاث ورباع"، فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى: أن لا تقسطوا فيهنَّ.
٨٤٧٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: جاء الإسلام والناس على جاهليتهم، إلا أن يؤمروا بشيء فيتّبعوه، أو ينهوا عن شيء فيجتنبوه، حتى سألوا عن اليتامى، فأنزل الله تبارك وتعالى:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".
٨٤٧١ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال، بعث الله تبارك وتعالى محمدًا ﷺ والناس على أمر جاهليتهم، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه، وكانوا يسألونه عن اليتامى فأنزل الله تبارك وتعالى:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، قال: فكما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى، فخافوا أن لا تقسطوا وتعدِلوا في النساء.
٨٤٧٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشرًا من النساء الأيامى، وكانوا
٨٤٦٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، يقول: ما أحل لكم من النساء="مثنى وثلاث ورباع"، فخافوا في النساء مثل الذي خفتم في اليتامى: أن لا تقسطوا فيهنَّ.
٨٤٧٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا الحجاج بن المنهال قال، حدثنا حماد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال: جاء الإسلام والناس على جاهليتهم، إلا أن يؤمروا بشيء فيتّبعوه، أو ينهوا عن شيء فيجتنبوه، حتى سألوا عن اليتامى، فأنزل الله تبارك وتعالى:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع".
٨٤٧١ - حدثنا المثنى قال، حدثنا أبو النعمان عارم قال، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير قال، بعث الله تبارك وتعالى محمدًا ﷺ والناس على أمر جاهليتهم، إلا أن يؤمروا بشيء أو ينهوا عنه، وكانوا يسألونه عن اليتامى فأنزل الله تبارك وتعالى:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، قال: فكما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى، فخافوا أن لا تقسطوا وتعدِلوا في النساء.
٨٤٧٢ - حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال: كانوا في الجاهلية ينكحون عشرًا من النساء الأيامى، وكانوا
(١) في المطبوعة: "ثم الذي صيرهن إلى أربع"، زاد"الذي"، وما في المخطوطة صواب جيد.
537
يعظمون شأن اليتيم، فتفقدوا من دينهم شأن اليتيم، وتركوا ما كانوا ينكحون في الجاهلية، فقال:"وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، ونهاهم عما كانوا ينكحون في الجاهلية. (١)
٨٤٧٣ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، كانوا في جاهليتهم لا يرزأون من مال اليتيم شيئا، وهم ينكحون عشرًا من النساء، وينكحون نساء آبائهم، فتفقدوا من دينهم شأن النساء، فوعظهم الله في اليتامى وفي النساء، فقال في اليتامى: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) إلى (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) ووعظهم في شأن النساء فقال:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء" الآية، وقال: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [سورة النساء: ٢٢].
٨٤٧٤ - حدثت عن عمار عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى" إلى"ما ملكت أيمانكم"، يقول: فإن خفتم الجور في اليتامى وغمَّكم ذلك، فكذلك فخافوا في جمع النساء، (٢) قال:
٨٤٧٣ - حدثت عن الحسين بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ قال، حدثنا عبيد بن سليمان قال، سمعت الضحاك يقول في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، كانوا في جاهليتهم لا يرزأون من مال اليتيم شيئا، وهم ينكحون عشرًا من النساء، وينكحون نساء آبائهم، فتفقدوا من دينهم شأن النساء، فوعظهم الله في اليتامى وفي النساء، فقال في اليتامى: (وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ) إلى (إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا) ووعظهم في شأن النساء فقال:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء" الآية، وقال: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) [سورة النساء: ٢٢].
٨٤٧٤ - حدثت عن عمار عن ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى" إلى"ما ملكت أيمانكم"، يقول: فإن خفتم الجور في اليتامى وغمَّكم ذلك، فكذلك فخافوا في جمع النساء، (٢) قال:
(١) الحديث: ٨٤٧٢- عبد الله بن صالح، كاتب الليث بن سعد: مضت ترجمته وتوثيقه في: ١٨٦.
معاوية بن صالح الحضرمي: سبق توثيقه في: ١٨٦. وهو مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ١ / ٣٣٥، والصغير، ص: ١٩٣، وابن سعد ٧ / ٢ / ٢٠٧، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٣٨٢- ٣٨٣. وتاريخ قضاة قرطبة، ص: ٣٠- ٤٠، وقضاة الأندلس للنباهي، ص: ٤٣.
علي بن أبي طلحة: قد بينا في: ١٨٣٣ أنه لم يسمع من ابن عباس. فيكون هذا الإسناد منقطعًا، ضعيف الإسناد لانقطاعه.
والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ١٥٠، من طريق عثمان بن سعيد، عن عبد الله بن صالح، بهذا الإسناد.
وأشار إليه الحافظ في الفتح ٨: ١٧٩- ١٨٠؛ في شرح حديث عائشة؛ قال: "تأويل عائشة هذا؛ جاء عن ابن عباس مثله. أخرجه الطبري".
وذكره السيوطي ٢: ١١٨، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم، فقط.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة هنا"في جميع النساء"، والصواب ما أثبت، وانظر التعليق السالف ص: ٥٣٦، تعليق: ١.
معاوية بن صالح الحضرمي: سبق توثيقه في: ١٨٦. وهو مترجم في التهذيب، والكبير للبخاري ٤ / ١ / ٣٣٥، والصغير، ص: ١٩٣، وابن سعد ٧ / ٢ / ٢٠٧، وابن أبي حاتم ٤ / ١ / ٣٨٢- ٣٨٣. وتاريخ قضاة قرطبة، ص: ٣٠- ٤٠، وقضاة الأندلس للنباهي، ص: ٤٣.
علي بن أبي طلحة: قد بينا في: ١٨٣٣ أنه لم يسمع من ابن عباس. فيكون هذا الإسناد منقطعًا، ضعيف الإسناد لانقطاعه.
والحديث رواه البيهقي في السنن الكبرى ٧: ١٥٠، من طريق عثمان بن سعيد، عن عبد الله بن صالح، بهذا الإسناد.
وأشار إليه الحافظ في الفتح ٨: ١٧٩- ١٨٠؛ في شرح حديث عائشة؛ قال: "تأويل عائشة هذا؛ جاء عن ابن عباس مثله. أخرجه الطبري".
وذكره السيوطي ٢: ١١٨، ونسبه لابن جرير، وابن أبي حاتم، فقط.
(٢) في المخطوطة والمطبوعة هنا"في جميع النساء"، والصواب ما أثبت، وانظر التعليق السالف ص: ٥٣٦، تعليق: ١.
538
وكان الرجل يتزوج العشر في الجاهلية فما دون ذلك، وأحل الله أربعًا، وصيَّرهم إلى أربع، يقول:"فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، وإن خفت أن لا تعدل في واحدة، فما ملكت يمينك.
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فكما خفتم في اليتامى، فكذلك فتخوفوا في النساء أن تَزْنُوا بهن، ولكن انكحوا ما طاب لكم من النساء.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٧٥ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، يقول: إن تحرَّجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانًا وتصديقًا، فكذلك فتحرّجوا من الزّنا، وانكحوا النساء نكاحًا طيبًا="مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم".
٨٤٧٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم وُلاتهن، فلا تنكحوهن، وانكحوا أنتم ما حل لكم منهن.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٧٧ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال: نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل، هو وليها، ليس لها ولي غيره، وليس أحد ينازعه فيها، ولا ينكحها لمالها، فيضربها، ويسيء صحبَتها. (١)
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فكما خفتم في اليتامى، فكذلك فتخوفوا في النساء أن تَزْنُوا بهن، ولكن انكحوا ما طاب لكم من النساء.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٧٥ - حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، أخبرنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، يقول: إن تحرَّجتم في ولاية اليتامى وأكل أموالهم إيمانًا وتصديقًا، فكذلك فتحرّجوا من الزّنا، وانكحوا النساء نكاحًا طيبًا="مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم".
٨٤٧٦ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى اللاتي أنتم وُلاتهن، فلا تنكحوهن، وانكحوا أنتم ما حل لكم منهن.
* ذكر من قال ذلك:
٨٤٧٧ - حدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"، قال: نزلت في اليتيمة تكون عند الرجل، هو وليها، ليس لها ولي غيره، وليس أحد ينازعه فيها، ولا ينكحها لمالها، فيضربها، ويسيء صحبَتها. (١)
(١) الحديث: ٨٤٧٧- هذا إسناد ضعيف، لضعف سفيان بن وكيع، وقد بينا ضعفه مرارًا، أولها في: ١٤٢، ١٤٣.
ولكن الحديث في ذاته صحيح، كما مضى في: ٨٤٥٦- ٨٤٦١، وفي الروايات التي خرجناها من الصحيحين.
ثم هو ثابت صحيح من رواية وكيع، من غير رواية ابنه سفيان عنه.
فرواه البخاري ٩: ١٦٠ (فتح)، بأطول مما هنا= عن يحيى، عن وكيع، بهذا الإسناد.
ويحيى -شيخ البخاري في هذا الإسناد- قال الحافظ في الفتح: "هو ابن موسى، أو ابن جعفر. كما بينته في المقدمة". والذي في مقدمة الفتح، ص: ٢٣٦، أن ابن السكن نسبه"يحيى بن موسى".
ولكن الحديث في ذاته صحيح، كما مضى في: ٨٤٥٦- ٨٤٦١، وفي الروايات التي خرجناها من الصحيحين.
ثم هو ثابت صحيح من رواية وكيع، من غير رواية ابنه سفيان عنه.
فرواه البخاري ٩: ١٦٠ (فتح)، بأطول مما هنا= عن يحيى، عن وكيع، بهذا الإسناد.
ويحيى -شيخ البخاري في هذا الإسناد- قال الحافظ في الفتح: "هو ابن موسى، أو ابن جعفر. كما بينته في المقدمة". والذي في مقدمة الفتح، ص: ٢٣٦، أن ابن السكن نسبه"يحيى بن موسى".
539
٨٤٧٨ - حدثنا حميد بن مسعدة قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا يونس، عن الحسن في هذه الآية:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم" أي: ما حَلّ لكم من يتاماكم من قراباتكم="مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم".
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: تأويلها:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء، فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجورُوا فيه منهن، من واحدة إلى الأربع، فإن خفتم الجورَ في الواحدة أيضًا، فلا تنكحوها، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن".
وإنما قلنا إنّ ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها وخَلطها بغيرها من الأموال، فقال تعالى ذكره: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا). ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرّجوا فيه، فالواجب عليهم من اتقاء الله والتحرّج في أمر النساء، مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى، وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن، (١) كما عرّفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى، فقال: انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم، ما أبحت لكم منهن وحلّلته، مثنى وثُلاث ورباع، فإن خفتم أيضًا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة، بأن لا تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها،
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بتأويل الآية، قول من قال: تأويلها:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فكذلك فخافوا في النساء، فلا تنكحوا منهن إلا ما لا تخافون أن تجورُوا فيه منهن، من واحدة إلى الأربع، فإن خفتم الجورَ في الواحدة أيضًا، فلا تنكحوها، ولكن عليكم بما ملكت أيمانكم، فإنه أحرى أن لا تجوروا عليهن".
وإنما قلنا إنّ ذلك أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه افتتح الآية التي قبلها بالنهي عن أكل أموال اليتامى بغير حقها وخَلطها بغيرها من الأموال، فقال تعالى ذكره: (وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا). ثم أعلمهم أنهم إن اتقوا الله في ذلك فتحرّجوا فيه، فالواجب عليهم من اتقاء الله والتحرّج في أمر النساء، مثل الذي عليهم من التحرج في أمر اليتامى، وأعلمهم كيف التخلص لهم من الجور فيهن، (١) كما عرّفهم المخلص من الجور في أموال اليتامى، فقال: انكحوا إن أمنتم الجور في النساء على أنفسكم، ما أبحت لكم منهن وحلّلته، مثنى وثُلاث ورباع، فإن خفتم أيضًا الجور على أنفسكم في أمر الواحدة، بأن لا تقدروا على إنصافها، فلا تنكحوها،
(١) لعل الأجود أن يقول: "وأعلمهم كيف المخلص لهم"، كالتي تليها.
540
ولكن تسرَّوا من المماليك، فإنكم أحرى أن لا تجوروا عليهن، لأنهن أملاككم وأموالكم، ولا يلزمكم لهن من الحقوق كالذي يلزمكم للحرائر، فيكون ذلك أقرب لكم إلى السلامة من الإثم والجور.
ففي الكلام -إذ كان المعنى ما قلنا- متروك استغنى بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره. وذلك أن معنى الكلام: وإن خفتم أن لا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم، فلا تتزوجوا منهنّ إلا ما أمنتم معه الجور مثنى وثلاث ورباع، وإن خفتم أيضًا في ذلك فواحدة. وإن خفتم في الواحدة، فما ملكت أيمانكم= فترك ذكر قوله:"فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء"، بدلالة ما ظهر من قوله تعالى:"فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم".
* * *
فإن قال قائل: فأين جواب قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"؟
قيل: قوله"فانكحوا ما طاب لكم"، غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا قوله:"فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا".
* * *
وقد بينا فيما مضى قبلُ أن معنى"الإقساط" في كلام العرب: العدل والإنصاف= وأن"القسط": الجور والحيف، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وأما"اليتامى"، فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم في هذا الموضع. (٢)
* * *
ففي الكلام -إذ كان المعنى ما قلنا- متروك استغنى بدلالة ما ظهر من الكلام عن ذكره. وذلك أن معنى الكلام: وإن خفتم أن لا تقسطوا في أموال اليتامى فتعدلوا فيها، فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء التي أوجبها الله عليكم، فلا تتزوجوا منهنّ إلا ما أمنتم معه الجور مثنى وثلاث ورباع، وإن خفتم أيضًا في ذلك فواحدة. وإن خفتم في الواحدة، فما ملكت أيمانكم= فترك ذكر قوله:"فكذلك فخافوا أن لا تقسطوا في حقوق النساء"، بدلالة ما ظهر من قوله تعالى:"فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم".
* * *
فإن قال قائل: فأين جواب قوله:"وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى"؟
قيل: قوله"فانكحوا ما طاب لكم"، غير أن المعنى الذي يدل على أن المراد بذلك ما قلنا قوله:"فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا".
* * *
وقد بينا فيما مضى قبلُ أن معنى"الإقساط" في كلام العرب: العدل والإنصاف= وأن"القسط": الجور والحيف، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. (١)
* * *
وأما"اليتامى"، فإنها جمع لذكران الأيتام وإناثهم في هذا الموضع. (٢)
* * *
(١) انظر ما سلف ٦: ٧٧، ٢٧٠.
(٢) انظر تفسير"اليتامى" فيما سلف قريبًا ص: ٥٢٤، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير"اليتامى" فيما سلف قريبًا ص: ٥٢٤، تعليق: ٣، والمراجع هناك.
541
وأما قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، فإنه يعني: فانكحوا ما حلَّ لكم منهن، دون ما حُرِّم عليكم منهنّ، كما:-
٨٤٧٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ما حلّ لكم.
٨٤٨٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، يقول: ما حلَّ لكم.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ولم يقل:"فانكحوا مَنْ طاب لكم"؟ وإنما يقال:"ما" في غير الناس.
قيل: معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبتَ إليه، وإنما معناه: فانكحوا نكاحًا طيبًا، كما:-
٨٤٨١ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، فانكحوا النساء نكاحًا طيبًا.
٨٤٨١م - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
فالمعنيّ بقوله:"ما طاب لكم"، الفعل، دون أعيان النساء وأشخاصهنَّ، فلذلك قيل"ما" ولم يقل"من"، كما يقال:"خذ من رقيقي ما أردت"، إذا عنيت: خذ منهم إرادتك. ولو أردت: خذ الذي تريد منهم، لقلت:"خذ من رقيقي من أردت منهم". (١) وكذلك قوله:"أو ما ملكت أيمانكم"، بمعنى: أو ملك أيمانكم.
* * *
٨٤٧٩ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي مالك قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ما حلّ لكم.
٨٤٨٠ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن أيوب، عن سعيد بن جبير في قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، يقول: ما حلَّ لكم.
* * *
فإن قال قائل: وكيف قيل:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، ولم يقل:"فانكحوا مَنْ طاب لكم"؟ وإنما يقال:"ما" في غير الناس.
قيل: معنى ذلك على غير الوجه الذي ذهبتَ إليه، وإنما معناه: فانكحوا نكاحًا طيبًا، كما:-
٨٤٨١ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء"، فانكحوا النساء نكاحًا طيبًا.
٨٤٨١م - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله.
* * *
فالمعنيّ بقوله:"ما طاب لكم"، الفعل، دون أعيان النساء وأشخاصهنَّ، فلذلك قيل"ما" ولم يقل"من"، كما يقال:"خذ من رقيقي ما أردت"، إذا عنيت: خذ منهم إرادتك. ولو أردت: خذ الذي تريد منهم، لقلت:"خذ من رقيقي من أردت منهم". (١) وكذلك قوله:"أو ما ملكت أيمانكم"، بمعنى: أو ملك أيمانكم.
* * *
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٣، ٢٥٤.
542
وإنما معنى قوله:"فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع"، فلينكح كل واحد منكم مثنى وثلاث ورباع، كما قيل: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) [سورة النور: ٤].
* * *
وأما قوله:"مثنى وثلاث ورباع"، فإنما تُرك إجراؤهن، لأنهن معدولات عن"اثنين" و"ثلاث" و"أربع"، كما عدل"عمر" عن"عامر"، و"زُفرَ" عن"زافِر" فترك إجراؤه، وكذلك،"أحاد" و"ثناء" و"مَوْحد" و"مثنى" و"مَثْلث" و"مَرْبع"، لا يجري ذلك كله للعلة التي ذكرت من العدول عن وجوهه. ومما يدلّ على أن ذلك كذلك، وأن الذكر والأنثى فيه سواء، ما قيل في هذه السورة و"سورة فاطر"، [١] :"مثنى وثلاث ورباع" يراد به"الجناح"، و"الجناح" ذكر= وأنه أيضًا لا يضاف إلى ما يضاف إليه"الثلاثة" و"الثلاث" وأن"الألف واللام" لا تدخله= فكان في ذلك دليل على أنه اسم للعدد معرفة، ولو كان نكرة لدخله"الألف واللام"، وأضيف كما يضاف"الثلاثة" و"الأربعة". (١) ومما يبين في ذلك قول تميم بن أبيّ بن مقبل:
* * *
وأما قوله:"مثنى وثلاث ورباع"، فإنما تُرك إجراؤهن، لأنهن معدولات عن"اثنين" و"ثلاث" و"أربع"، كما عدل"عمر" عن"عامر"، و"زُفرَ" عن"زافِر" فترك إجراؤه، وكذلك،"أحاد" و"ثناء" و"مَوْحد" و"مثنى" و"مَثْلث" و"مَرْبع"، لا يجري ذلك كله للعلة التي ذكرت من العدول عن وجوهه. ومما يدلّ على أن ذلك كذلك، وأن الذكر والأنثى فيه سواء، ما قيل في هذه السورة و"سورة فاطر"، [١] :"مثنى وثلاث ورباع" يراد به"الجناح"، و"الجناح" ذكر= وأنه أيضًا لا يضاف إلى ما يضاف إليه"الثلاثة" و"الثلاث" وأن"الألف واللام" لا تدخله= فكان في ذلك دليل على أنه اسم للعدد معرفة، ولو كان نكرة لدخله"الألف واللام"، وأضيف كما يضاف"الثلاثة" و"الأربعة". (١) ومما يبين في ذلك قول تميم بن أبيّ بن مقبل:
تَرَى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِهِ | أُحَادَ وَمَثْنَى أَصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُهْ (٢) |
(١) انظر معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٤، ٢٥٥.
(٢) من قصيدة له طويلة نقلتها قديمًا، ومعاني القرآن للفراء ١: ٢٥٥، ٣٤٥ والحيوان ٧: ٢٣٣. واللسان (نعر) (فرد) (صعق) (ثنى)، وغيرها، وسيأتي في التفسير ٧:
ويروى البيت: "النعرات الخضر"، و"أحاد ومثنى" و"فراد ومثنى". والنعرات جمع نعرة (بضم النون وفتح العين والراء) : وهو ذباب ضخم، أزرق العين، أخضر، له إبرة في طرف ذنبه يلسع بها ذوات الحافر فيؤذيها، وربما دخل أنف الحمار فيركب رأسه، فلا يرده شيء.
و"اللبان": الصدر من ذي الحافر: و"أصعقتها": قتلتها. و"صواهله" جمع صاهلة، وهو مصدر على"فاعلة"، بمعنى"الصهيل"، كما يقال، "رواغي الإبل"، أي رغاءها. وقوله في البيت الثاني: "فريسًا"، أي قتيلا، قد افترسه ودقه وأهلكه، و"الخيوطة" جمع خيط، كالفحولة والبعولة، جمع فحل وبعل."والماري": الثوب الخلق. يصف الذباب المغشى عليه، كأنه من لينه في تهالكه، خيوط لواه لاو من ثوب خلق.
(٢) من قصيدة له طويلة نقلتها قديمًا، ومعاني القرآن للفراء ١: ٢٥٥، ٣٤٥ والحيوان ٧: ٢٣٣. واللسان (نعر) (فرد) (صعق) (ثنى)، وغيرها، وسيأتي في التفسير ٧:
١٨٤ (بولاق). يصف فرسه، وبعد البيت. فَرِيسًا ومَغْشِيًّا عَلَيْه، كأَنَّه | خُيُوطَةُ مَارِيٍّ لَوَاهُنَّ فَاتِلُهْ |
و"اللبان": الصدر من ذي الحافر: و"أصعقتها": قتلتها. و"صواهله" جمع صاهلة، وهو مصدر على"فاعلة"، بمعنى"الصهيل"، كما يقال، "رواغي الإبل"، أي رغاءها. وقوله في البيت الثاني: "فريسًا"، أي قتيلا، قد افترسه ودقه وأهلكه، و"الخيوطة" جمع خيط، كالفحولة والبعولة، جمع فحل وبعل."والماري": الثوب الخلق. يصف الذباب المغشى عليه، كأنه من لينه في تهالكه، خيوط لواه لاو من ثوب خلق.
543
فرد"أحاد ومثنى"، على"النعرات" وهي معرفة. وقد تجعلها العرب نكرة فتجريها، كما قال الشاعر: (١)
وَإنَّ الغُلامَ المُسْتَهَامَ بذِكْرِهِ... قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بين مَثْنًى وَمَوْحَدِ (٢) بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ وَآخَرَ خَامِسٍ... وَسَادٍ مَعَ الإظْلامِ فِي رُمْح مَعْبَدِ
ومما يبين أن"ثناء" و"أحاد" غير جاريةٍ، قول الشاعر: (٣)
وَإنَّ الغُلامَ المُسْتَهَامَ بذِكْرِهِ... قَتَلْنَا بِهِ مِنْ بين مَثْنًى وَمَوْحَدِ (٢) بِأَرْبَعَةٍ مِنْكُمْ وَآخَرَ خَامِسٍ... وَسَادٍ مَعَ الإظْلامِ فِي رُمْح مَعْبَدِ
ومما يبين أن"ثناء" و"أحاد" غير جاريةٍ، قول الشاعر: (٣)
وَلَقَدْ قَتَلْتُكُمُ ثُنَاءَ وَمَوْحَدًا | وَتَرَكْتُ مُرَّةَ مِثْلَ أَمْسِ المُدْبِرِ (٤) |
(١) لم أعرف قائلهما.
(٢) معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٤، وقد كان البيت في المطبوعة والمخطوطة:
وهو كما ترى ملفق من البيتين اللذين أثبتهما من معاني القرآن، والذي قاله الطبري هنا، هو نص مقالة الفراء في معاني القرآن. وقوله: "وساد" أي: سادس، يقولون: "جاء سادسًا وساديًا وساتًا".
(٣) هو صخر بن عمرو السلمي، أخو الخنساء.
(٤) مجاز القرآن ١: ١١٥، والأغاني ١٣: ١٣٩، والمخصص ٧: ١٢٤، وشرح أدب الكاتب للجواليقي: ٣٩٤، والبطليوسي: ٤٦٦، والخزانة ٤: ٤٧٤. وسيأتي في التفسير ٢٢: ٧٦ (بولاق) وغيرها، إلا أن ابن قتيبة في أدب الكاتب رواه"كأمس الدابر" وتابعه ناشر التفسير في هذا الموضع فكتب"كأمس الدابر"، ولكنه في المخطوطة، وفي الموضع الآخر من التفسير، قد جاء على الصواب. وهما بيتان قالهما في قتله دريد بن حرملة المري، في خبر مذكور، وبعده:
والطعنة النجلاء: الواسعة. و"أزغلت" الطعنة بالدم: دفعته زغلة زغلة، أي دفعة دفعة. وعط الثوب عطًا: شقه. والمنحر: هو نحر البعير، أي أعلى صدره، حيث ينحر، أي: يطعن في نحره، فيتفجر منه الدم.
وأما رواية"كأمس الدابر" فقد ذكر الجواليقي أبياتًا ليزيد بن عمرو الصعق الكلابي هي:
(٢) معاني القرآن للفراء ١: ٢٥٤، وقد كان البيت في المطبوعة والمخطوطة:
قتلنا بِه مِنْ بين مَثْنًى وموْحَدٍ | بأربعةٍ مِنْكُمْ وآخر خامِسِ |
(٣) هو صخر بن عمرو السلمي، أخو الخنساء.
(٤) مجاز القرآن ١: ١١٥، والأغاني ١٣: ١٣٩، والمخصص ٧: ١٢٤، وشرح أدب الكاتب للجواليقي: ٣٩٤، والبطليوسي: ٤٦٦، والخزانة ٤: ٤٧٤. وسيأتي في التفسير ٢٢: ٧٦ (بولاق) وغيرها، إلا أن ابن قتيبة في أدب الكاتب رواه"كأمس الدابر" وتابعه ناشر التفسير في هذا الموضع فكتب"كأمس الدابر"، ولكنه في المخطوطة، وفي الموضع الآخر من التفسير، قد جاء على الصواب. وهما بيتان قالهما في قتله دريد بن حرملة المري، في خبر مذكور، وبعده:
وَلقَدْ دَفَعْتُ إلى دُرَيْدٍ طَعْنَةً | نَجْلاءَ تُزْغُلُ مِثْلَ عَطَّ المَنْحَرِ |
وأما رواية"كأمس الدابر" فقد ذكر الجواليقي أبياتًا ليزيد بن عمرو الصعق الكلابي هي: