تفسير سورة الطور

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الطور من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ وَٱلطُّورِ ﴾ الخ. أقسم الله سبحانه وتعالى بخمسة أقسام تعظيماً للمقسم عليه، وهو قوله:﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾[الطور: ٧] وتعظيماً به أيضاً، فإن تلك الأشياء الخمسة عظيمة، والواو في كل إما للقسم أو للعطف، فيما عد الأول. قوله: (أي الجبل الذي كلم الله عليه موسى) أي والمراد به طور سيناء، وهو أحد جبال الجنة، وأقسم الله به تشريفاً له وتكريماً. قوله: ﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴾ أي متفق الكتابة بسطور مصفوفة في حروف مرتبة جامعة لكلمات متفقة، قوله: ﴿ فِي رَقٍّ مَّنْشُورٍ ﴾ الرق الجلد الرقيق الذي يكتب فيه، وقيل: ما يكتب فيه جلداً كان أو غيره، وهو بفتح الراء في قراءة العامة، وقرئ شذوذاً بكسرها، ومعنى المنشور المبسوط، أي أنه غير مطوي وغير محجور عليه. قوله: (أي التوراة أو القرآن) هذان قولان من جملة أقوال كثيرة في تفسير الكتاب المسطور، وقيل: هو صحائف الأعمال، قال تعالى:﴿ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً ﴾[الإسراء: ١٣] وقيل: سائر الكتب المنزلّة على الأنبياء، وقيل غير ذلك: قوله: (هو في السماء الثالثة) وقيل هو في الأولى، وقيل هو في الرابعة، وقيل هو تحت العرش فوق السابعة، وقيل هو الكعبة نفسها، وعمارتها بالحجاج والزائرين لها، لما ورد: أن الله يعمره كل سنة بستمائة ألف، فإن عجز الناس عن ذلك، أتمه الله بالملائكة. قوله: (بحيال الكعبة) أي مقابلاً لها بإزائها على كل قول. قوله: (يزوره) الخ، بيان لتسميته معموراً. قوله: (أي السماء) أي لأنها كالسقف للأرض، وقيل هو العرش، وهو سقف الجنة. قوله: ﴿ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ ﴾ أي وهو البحر المحيط، ومعنى المسجور: الممتلئ ماء، وقيل البحر المسجور هو الممتلئ ناراً، لما ورد: أن الله تعالى يجعل البحار كلها يوم القيامة ناراً فيزاد بها في نار جهنم، وقيل هو بحر تحت العرش عمقه كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، فيه ماء غليظ يقال له بحر الحيوان، يمطر العباد بعد النفخة الأولى منه أربعين صباحاً، فينبتون من قبورهم.
قوله: (معمول لواقع) أي والجملة المنفية معترضة بين العامل ومعموله. قوله: (تتحرك وتدور) أي كدوران الرحى، وتذهب ويدخل بعضها في بعض، وتختلف أجزاؤها، وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة. قوله: (تصير هباءً منثوراً) ليس تفسيراً لتسير كما توهمه عبارته، بل معناه أنها تنتقل عن مكانها، وتطير في الهواء، ثم تقع على الأرض متفتتة كالرمل، ثم تصير كالعهن، أي الصوف المندوف، ثم تطيرها الرياح فتصير هباءً منثوراً، والحكمة في مور السماء وسير الجبال، الإعلام بأنه لا رجوع ولا عود إلى الدنيا، وذلك لأن الأرض والسماء ومابينهما، إنما خلقت لعمارة الدنيا، وانتفاع بني آدم ذلك، فلما لم يبق لهم عود إليها، أزالها الله لخراب الدنيا وعمارة الآخرة، فيحصل للمؤمنين مزيد السرور وطمأنينته، وللكافرين غاية الحزن والكرب. قوله: ﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم تمور السماء موراً، وتسير الجبال سيراً، وهو يوم القيامة. قوله: ﴿ فِي خَوْضٍ ﴾ هو في الأصل الدخول في كل شيء، ثم غلب على الدخول في الباطل، فلذا فسره به. قوله: ﴿ يُدَعُّونَ ﴾ العامة على فتح الدال وتشديد العين من دعّه، دفعه في صدره بعنف وشدة، وقرئ شذوذاً بسكون الدال وتخفيف العين المفتوحة من الدعاء، أن يقال لهم: هلموا فادخلوا النار. قوله: (يدفعون بعنف) أي وذلك بأن تغل أيديهم إلى أعناقهم، وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم، فيدفعون إلى النار. قوله: (كما كنتم تقولون في الوحي) أي القرآن الجاثي بالعذاب. قوله: ﴿ أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ﴾ يصح أن تكون ﴿ أَمْ ﴾ متصلة معادلة للهمزة. والمعنى: هل في أمرنا سحر؟ أم هل في بصركم خلل؟ والاستفهام إنكاري وتهكم، أي ليس واحد منهما ثابتاً، ويصح أن تكون ﴿ أَمْ ﴾ منقطعة تفسر ببل والهمزة، والمعنى: أبل أنتم عمي من العذاب المخبر، كما كنتم عمياً عن الخبر.
قوله: ﴿ ٱصْلَوْهَا ﴾ أي ذوقوا حرارتها. قوله: (صبركم وجزعكم) ﴿ سَوَآءٌ ﴾ أشار بذلك إلى أن ﴿ سَوَآءٌ ﴾ خبر لمحذوف، ويصح أن يكون مبتدأ خبره محذوف، والتقدير سواء الصبر والجزع، والأول أولى، لأن جعل النكرة خبراً أولى من جعلها مبتدأ. قوله: (لأن صبركم لا ينفعكم) أي لا ينزعكم من ديوان الرحمة، بخلاف الدنيا، فإن الصبر فيها على المكاره، من أعظم موجبات الرحمة. قوله: ﴿ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ تعليل لاستواء الصبر وعدمه. قوله: (أي جزاءه) أشار بذلك إلى أن الكلام على حذف مضاف. قوله: ﴿ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ ﴾ الخ، مقابل قوله:﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾[الطور: ١١] إنما أتى بأوصاف المتقين عقب أوصاف المكذبين، ليحصل الترغيب والترهيب، كما هو عادته سبحانه وتعالى. قوله: ﴿ وَنَعِيمٍ ﴾ أي تنعم بتلك الجنات، إذ لا يلزم من كونه في جنات أنه يتنعم بها، فأفاد أنهم مع كونهم في جنات يتنعمون ويتفكهون بها. قوله: ﴿ فَاكِهِينَ ﴾ العامة على قراءته بالألف، أي ذوي فاكهة كثيرة، كما يقال لابن وتامر، أي ذو لبن وذو تمر، وقرئ شذوذاً فكهين بغير ألف، أي متنعمين متلذذين، إذا علمت ذلك، فالمناسب للمفسر تفسيره بذوي فاكهة لا بمتلذذين. قوله: (أي بإتيانهم ووقايتهم) إنما جعلها مصدرية في المعطوف والمعطوف عليه، لما يلزم عليه من خلو الصلة في المعطوف عن العائد لو جعلت موصولة، والأحسن أن تجعل موصولة، ويجعل قوله: ﴿ وَقَاهُمْ ﴾ معطوفاً على قوله: ﴿ فِي جَنَّاتٍ ﴾.
قوله: ﴿ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ ما مصدرية والباء سببية. والمعنى: أن الملائكة تقول لأهل الجنة: كلوا واشربوا متهنئين بسبب عملكم، وهذا من مزيد السرور والتكرمة، على حسب عادة الكرام في منازلهم، وإلا فذلك من فضل الله وإحسانه. قوله: ﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ ﴾ جمع سرير، قال ابن عباس: هي سرر من ذهب، مكللة بالدر والزبرجد والياقوت، والسرير كما بين مكة وأيلة، وورد أن ارتفاع السرر خمسمائة عام، فإذا أراد العبد أن يجلس عليها قربت منه، فإذا جلس عليها عادت إلى حالها، وفي الكلام حذف تقديره على نمارق على سرر. قوله: (أي قرناهم) أي جعلناهم مقارنين لهن، وفي ذلك إشارة إلى جواب سؤال مقدر تقديره: إن الحور العين في الجنات مملوكات بملك اليمين لا بعقد النكاح، فأجاب: بأن التزويج ليس بمعنى عقد النكاح، بل بمعنى المقاربة. قوله: (عظام الأعين) تفسير لعين جمع عيناء، وأما الحور فهو من الحور، وهو شدة البياض.
قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾ مبتدأ وخبره قوله: ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾ والذرية تطلق على الأصول والفروع، قال تعالى:﴿ وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾[يس: ٤١] والمعنى: أن المؤمن إذا كان عمله أكثر، ألحق به من دونه في العمل إبناً كان أو أباً، ويلحق بالذرية من النسب الذرية بالسبب وهو المحبة، فإن حصل مع المحبة تعليم علم أو عمل، كان أحق باللحوق كالتلامذة، فإنهم يحلقون بأشياخهم، وأشياخ الأشياخ يلحقون بالأشياخ، إن كانوا دونهم في العمل، والأصل في ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم:" إذا دخل أهل الجنة الجنة سأل أحدهم عن أبويه وعن زوجته وولده فيقال: إنهم لم يدركوا ما أدركت، فيقول: يا رب إني عملت لي ولهم، فيؤمر بإلحاقهم به ". قوله: (بفتح اللام وكسرها) أي فهما قراءتان سبعيتان، فالأولى من باب علم، والثانية من باب ضرب. قوله: ﴿ مِّنْ ﴾ (زائدة) أي في المفعول الثاني. قوله: (يزداد في عمل الأولاد) أي لم نأخذ من عمل الآباء شيئاً نجعله للأولاد، فيستحقون به هذا الإكرام، بل عمل الآباء باق لهم بتمامه، وإلحاق الذرية بهم بمحض الفضل والكرم. قوله: ﴿ رَهَينٌ ﴾ أي مرهون عند الله تعالى، كأن نفس العبد مرهونة عند الله بعمله الذي هو مطالب به، فإن عمل صالحاً فكها من الرهن وإلا أهلكها، كما يرهن الرجل رقبة عبده بدين عليه، فإن وفى ما عليه، خلص رقبته من الرهن، وإلا استمر مرهوناً. قوله: (في وقت بعد وقت) أخذه من لفظ الإمداد. قوله: (وإن لم يصرحوا بطلبه) أي بل بمجرد ما يخطر ببالهم يقدم إليهم، لما ورد:" أن الرجل يشتهي الطير في الجنة، فيخر مثل البختي حتى يقع على خوانه، لم يصبه دخان، ولم تمسه نار، فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير ". قوله: (يتعاطون بينهم) أي يتجاذب بعضهم الكأس من بعض، ويناول بعضهم بعضاً تلذذاً وتأنساً، وهو المؤمن وزوجاته وخدمه في الجنة. قوله: ﴿ كَأْساً ﴾ الكأس هو إناء الخمر، وكل كأس مملوء بشراب أو غيره، فإذا فرغ لم يسم كأساً. قوله: ﴿ غِلْمَانٌ ﴾ (أرقاء) ﴿ لَّهُمْ ﴾ أي كالأرقاء في الحيازة والاستيلاء، وهؤلاء الغلمان يخلقهم الله في الجنة كالحور، وقيل: هم الأولاد من أطفالهم الذين سبقوهم، فأقر الله تعالى أعنيهم بهم، وقيل: هم أولاد المشركين، وليس في الجنة نصب ولا حاجة إلى خدمة، بل هو من مزيد التنعم، قال عبد الله بن عمر: ما من أحد من أل الجنة، إلا يسعى عليه ألف غلام، وكل غلام على عمل غير ما عليه صاحبه، وروي" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تلا هذه الآية قالوا: يا رسول الله، الخادم كاللؤلؤ المكنون فيكف المخدوم؟ قال: فضل المخدوم على الخادم، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ". وروي أن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه، فيجيبه ألف ببابه: لبيك لبيك، وطواف الغلمان عليهم بالفواكه والتحف والشراب، قال تعالى:﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ ﴾[الزخرف: ٧١]﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ ﴾[الصافات: ٤٥] قوله: (مصون في الصدف) جمع صدفة وهي غشاء الدر. قوله:(عمّا كانوا عليه) أي في الدنيا قوله: (وما وصلوا إليه) أي من نعيم الجنة. قوله: ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ أي قال المسؤول للسائل. قوله: (إيماء) إشارة. وقوله: (إلى علة الوصول) أي محطها. قوله:﴿ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا ﴾[الطور: ٢٧].
قوله: ﴿ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا ﴾ الخ، أي وشأن من كان من أهله وغزوته أن يكون آمناً، فخوفهم من الله في تلك الحالة، دليل على خوفهم في غيرها بالأولى، فهم دائماً خائفون، ويحتمل أن قوله: ﴿ مُشْفِقِينَ ﴾ من الشفقة وهي الرفق، أي نرفق بأهلنا وغيرهم. قوله: (لدخلوها في المسام) هذا بيان لوجه تسميتها سموماً، فالسموم من أسماء جهنم، وهي في الأصل الريح الحارة التي تتخلل المسام. قوله: (وقالوا إيما أيضاً) أي إلى علة وصولهم إلى النعيم، ومحط العلة قوله: ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ ﴾.
قوله: (أي نعبده) أي أو نسأله الوقاية من النار، ودخول دار القرار. قوله: (وبالفتح تعليلاً لفظاً) أي والقراءتان سبعيتان. قوله: ﴿ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ﴾ الباء سببية مرتبطة بالنفي المستفاد من ما، والمعنى: انتفى كونك كاهناً أو مجنوناً، بسبب إنعام الله عليك، بكمال العقل وعلو الهمة والعصمة. قوله: ﴿ بِكَاهِنٍ ﴾ أي مخبر بالأمور المغيبة من غير وحي. قوله: (خبر ما) أي فهي حجازية، والياء زائدة في خبرها. قوله: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ ﴾ اعلم أن ﴿ أَمْ ﴾ ذكرت في هذه الآيات خمس عشرة مرة، وكلها تقدر ببل والهمزة. فهي للاستفهام الإنكاري التوبيخي، إذا علمت ذلك، فالمناسب للمفسر أن يقدرها في الجميع ببل والهمزة. قوله: (حوادث الدهر) في الكلام استعارة تصريحية، حيث شبهت حوادث الدهر بالريب الذي هو الشك بجامع التحير، وعدم البقاء على حالة واحدة في كل، وقيل: المنون المنية لأنها تنقص العدد و تقطع المدد. قوله: ﴿ قُلْ تَرَبَّصُواْ ﴾ أمر تهديد على حد اعملوا ما شئتم.
قوله: ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ ﴾ جمع حلم، يطلق على الأناة وعلى العقل، وهو المراد هنا. قوله: (أي قولهم له ساحر كاهن شاعر مجنون) أي وهذا تناقض، فإن شأن الكاهن أن يكون ذا فطنة ورأي، وشأن الشاعر والساحر كذلك، ونسبتهم الجنون له بعد ذلك مناقضة. قوله: (أي لا تأمرهم) أشار بذلك إلى أن الاستفهام المستفاد من ﴿ أَمْ ﴾ إنكاري، وفيه توبيخ إيضاً. قوله: ﴿ أَمْ ﴾ (بل) ﴿ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾ المناسب للمفسر أن يقدر ﴿ أَمْ ﴾ ببل والهمزة، ليوافق قوله فيما يأتي، والاستفهام بأم في مواضعها الخ، والمعنى: لا ينبغي منهم هذا الطغيان. قوله: (لم يختلقه) أشار به إلى أن الاستفهام إنكاري بمعنى النفي. قوله: ﴿ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ ﴾ جواب شرط مقدر قدره المفسر بقوله: (فإن قالوا اختلقه) والأمر للتعجيز. (ولا يعقل مخلوق بدون خالق) راجع لقوله: ﴿ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾ وقوله: (ولا معدوم يخلق) راجع لقوله: ﴿ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ ﴾ والمعنى: أنهم لو كانوا هم الخالقين لأنفسهم، وأنفسهم كانت معدومة أولاً، لزم أن يكونوا في حالة العدم، وجدوا أنفسهم أو أخرجوها من العدم، فيكون المعدوم خالقاً، وهذا لا يعقل. قوله: (وإلا لآمنوا بنبيه) أي فحيث لم يترتب على إيقافهم بالله، إقبال على توحيد وتصديق نبيه، جعل إيقانهم كالعدم، وفيه تسلية له صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ ﴾ لم يبين أن الاستفهام إنكاري، مع أنه كذلك. والمعنى: ليس عندهم خزائن ربك، والمراد بخزائنه مقدوراته، شبهت بها لأن خزائنه الملوك بيت مهيؤ لجمع أنواع مختلفة من الذخائر التي يحتاج إليها. قوله: ﴿ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ ﴾ اعلم أنه لم يأت على وزن مفيعل إلا خمسة ألفاظ، أربعة صفة اسم فاعل: مهيمن ومبيقر ومبيطر ومسيطر، وواحد اسم جبل وهو محيمر. قوله: (المتسلطون) أي الغالبون على الأشياء، يدبرونها كيف شاؤوا. قوله: (ومثله بيطر) أي عالج الدواب ومنه البيطار، وقوله: (وبيقر) أي أفسد وأهلك، فالحاصل أن معنى المهيمن الرقيب والمبيقر المفسد، والمسيطر المتسلط الجبار، والمبيطر المعالج للدواب. قوله: (أي عليه كلام الملائكة) أشار بذلك إلى أن مفعول ﴿ يَسْتَمِعُونَ ﴾ محذوف، وفي بمعنى على. قوله: (بزعمهم) متعلق بقوله: ﴿ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ﴾.
قوله: (إن ادعوا ذلك) أي الاستماع من الملائكة، والمعنى: إن فرض أنهم ادعوه فليأت مستمعهم الخ.
قوله: (ولشبه هذا الرغم) الخ، أشار بذلك إلى وجه المناسبة بين الآيتين، ووجه الشبه بين الزعمين، أن كلاً منهما فاسد، وإن كان الزعم الأول فرضياً، والثاني تحقيقياً لوقوعه منهم. قوله: (أي بزعمكم) أي دعواكم واعتقادكم. قوله: ﴿ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ ﴾ أي لتكونوا أقوى منه، فإذا كذبتم رسله، تكونون آمنين لقوتكم بالبنين، وزعمكم ضعفه بالبنات. قوله: (تعالى الله عما زعموه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام إنكاري. قوله: ﴿ مُّثْقَلُونَ ﴾ أي متعبون ومغتمون، لأن العادة من غرم شخصاً ما، لا يكون المأخوذ منه كارهاً للآخذ ومغتماً منه. قوله: ﴿ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ ﴾ جواب لقولهم:﴿ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ ﴾[الطور: ٣٠] والمعنى أعندهم علم الغيب بأن الرسول يموت قبلهم؟ فهم يكتبون ذلك. قوله: ﴿ أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾ أي مكراً وتحيلاً في هلاكك. قوله: (في دار الندوة) إن قلت: السورة مكية، والاجتماع بدار الندوة كان ليلة الهجرة، فالتقييد بها مشكل، فالأوضح حذف قوله في دار الندوة، لأن إرادة الكيد حاصلة منهم من يوم بعثته صلى الله عليه وسلم. قوله: ﴿ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ أوقع الظاهر موقع المضمر، تشنيعاً وتقبيحاً عليهم بصفة الكفر. قوله: (ثم أهلكهم ببدر) أي أهلك رؤساءهم وهم سبعون. قوله: ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ أي تنزه الله عما ينسبونه له من الشركة في الألوهية. قوله: (والاستفهام بأم) أي المقدرة ببل والهمزة أو بالهمزة وحدها، وقوله: (في مواضعها) وهي خمسة عشر. قوله: (للتقبيح والتوبيخ) أي والإنكار. قوله: ﴿ وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً ﴾ أي على فرض حصوله، فإنه لم يحصل لقوله تعالى:﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾[الأنفال: ٣٣] والمعنى: لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء عليهم، لم ينتهوا ولم يرجعوا، ويقولون في هذا النازل عناداً واستهزاءً وإغاظة لمحمد إنه سحاب مركوم. قوله: (فأسقط علينا كسفاً) هذه الآية إنما وردت في قوم شعيب، كما ذكر في سورة الشعراء، فكان الأولى للمفسر أن يستدل بما نزل في قريش في سورة الإسراء وهو قوله:﴿ أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً ﴾[الإسراء: ٩٢].
قوله: ﴿ فَذَرْهُمْ ﴾ جواب شرط مقدر، والمعنى: إذا بلغوا في العناد إلى هذا الحد، وتبيّن أنهم لا يرجعون عن الكفر، فدعهم ولا تلفت لهم. قوله: ﴿ يُصْعَقُونَ ﴾ هكذا ببنائه للفاعل والمفعول، قراءتان سبعيتان. قوله: (ويموتون) أي بانقضاء آجالهم في بدر أو غيرها، هذا هو الأحسن. قوله: (من العذاب في الآخرة) المراد به العذاب الذي يأتي بعد الموت. قوله: ﴿ دُونَ ذَلِكَ ﴾ أي قبل العذاب الذي يأتيهم بعد الموت، وذلك صادق كما قال المفسر: بالجوع والقحط والقتل يوم بدر. قوله: ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أي لتزيين الشيطان له ما هم عليه، والمراد بالأكثر من سبق في علم الله شقاؤه. قوله: (بمرأى منا) أي فأطلقت الأعين وأريد لازمها، وهو إبصار الشيء والإحاطة به علماً وقرباً، فيلزم منه مزيد منه مزيد الحفظ للمرئي الذي هو المراد، وعبر هنا بالجمع لمناسبة نون العظمة، بخلاف ما ذكر في سورة طه في قوله:﴿ وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ ﴾[طه: ٣٩].
قوله: (من منامك) أي فقد ورد عن عائشة قالت:" كان إذا قام أي استيقظ من منامه، كبر عشراً، وحمد الله عشراً، وسبّح عشراً، وهلّل عشراً، واستغفر عشراً، وقال: اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، وكان يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة "وفي رواية" كان صلى الله عليه وسلم إذا استيقظ من منامه قرأ العشر الآيات من آخر آل عمران ". قوله: (أو من مجلسك) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من جلس مجلساً فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كان كفارة لما بينهما "وفي رواية:" كان كفارة له ". قوله: (أي عقب غروبها) المراد بغروبها ذهاب ضوئها لغلبة ضوء الصبح عليه، وإن كانت باقية في السماء وذلك بطلوع الفجر. قوله: (أو صلّ في الأول) أي الليل، فهذا راجع لقوله: ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ ﴾ وأما ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ فالمراد به حقيقة التسبيح على كل حال. قوله: (وفي الثاني الفجر) أي الركعتين اللتين هما سنة الصبح، وقوله: (وقيل الصبح) أي فريضة صلاة الصبح.
Icon