تفسير سورة فاطر

حاشية الصاوي على تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب حاشية الصاوي على تفسير الجلالين .
لمؤلفه الصاوي . المتوفي سنة 1241 هـ

قوله: ﴿ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ ﴾ نعت ثاني للفظ الجلالة، و ﴿ جَاعِلِ ﴾ وإن كان بمعنى المضي، إلا أنه للاستمرار، فباعتبار دلالته على المضي، تكون إضافته محضة، فيصلح لوصف المعرفة به، وباعتبار دلالته على الحال والاستقبال، يصلح للعمل في ﴿ رُسُلاً ﴾.
قوله: (إلى الأنبياء) أي بالوحي، وحينئذ فيراد بعض الملائكة لا كلهم، وعبارة البيضاوي أوضح من هذه وأولى، ونصها: جاعل الملائكة رسلاً وسائط بين الله تعالى، وبين أنبيائه والصالحين من عباده، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإلهام والرؤيا الصالحة، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه. قوله: ﴿ أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ ﴾ يصح أن يكون صفة لرسلاً، وهو إن كان صحيحاً من جهة اللفظ لتوافقهما تنكير، إلا أنه يوهم أن الأجنحة لخصوص الرسل، مع أنها لكل الملائكة، فالأحسن جعله صفة أو حالاً من الملائكة، نظراً لأن الجنسية. قوله: ﴿ مَّثْنَىٰ ﴾ بدل من ﴿ أَجْنِحَةٍ ﴾ مجرور بفتح مقدرة، نيابة عن الكسرة المقدرة، لأن اسم لا ينصرف، والمانع له من الصرف الوصفية الوصفية والعدل، لكونه معدولاً عن اثنين اثنين. قوله: ﴿ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ ﴾ إن قلت: في أي محل يكون الجناح الثالث لذي الثلاثة؟ قلت: لعله يكون في وسط الظهر بين الجناحين يمدهما بالقوة. قوله: ﴿ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ ﴾ جملة مستأنفة سيقيت لبيان باهر قدرته تعالى. (في الملائكة) أي في صورهم، فقد قال الزمخشري: رأيت في بعض الكتب، أن صنفاً من الملائكة لهم ستة أجنهة، فجناحان يلفون بهما أجسادهم، وجناحان للطير يسيرون بهما في الأمر من أمور الله، وجناحان على وجوههم حياء من الله تعالى، وفي الحديث:" رأيت جبريل عند سدرة المنتهى، وله ستمائة جناح، يتناثر من رأس الدر والياقوت "وروى أنه سأل جبريل أن يتراءى له في صورته فقال: إنك لن تطيق ذلك: فقال: إني أحب أن تفعل، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مقمرة، فأتاه جبريل في صورته، فغشي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أفاق وجبريل عليه السلام مسنده، وإحدى يديه على صدره، والأخرى بين كتفيه، فقال: سبحان الله ما كنت أرى شيئاً من الخلق هكذا، فقال جبريل: فكيف لو رأيت إسرافيل، له اثنا عشر ألف جناح، جناح منها بالمشرق، وجناح بالمغرب، وإن العرش على كاهله، وإنه ليتضاءل الأحايين، أي تصاغر الأزمان لعظمة الله، حتى يعود مثل الوصع، وهو العصفور الصغير. قوله: (وغيرها) أي من جميع الخلق، كطول القائمة، واعتدال الصورة، وتمام الأعضاء، وقوة البطش، وحسن الصوت، والشعر، والخط، وغير ذلك من الكمالات التي أعطاها الله لخلقه. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ كالتعليل لما قبله. قوله: ﴿ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ ﴾ ﴿ مَّا ﴾ إما شرطية، و ﴿ يَفْتَحِ ﴾ فعل الشرط، وقوله: ﴿ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ﴾ جواب الشرط، أو موصولة مبتدأ، وقوله: ﴿ يَفْتَحِ ﴾ صلتها، وقوله: ﴿ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ﴾ خبر المبتدأ، وقرن بالفاء لما في المبتدأ من العموم، وقوله: ﴿ مِن رَّحْمَةٍ ﴾ بيان لما. قوله: (كرزق) أي دنيوي أو أخروي، وعبر في جانب الرحمة بالفتح، إشارة إلى أنها شيء عزيز نفيس، شأنه أن يوضع في خزائن، وأتى بها منكرة، لتعم كل رحمة دنيوية أو أخروية. قوله: ﴿ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا ﴾ أنث مراعاة لمعنى ﴿ مَّا ﴾ وهو الرحمة. قوله: ﴿ وَمَا يُمْسِكْ ﴾ يصح أن يبقى على عمومه، فالتذكير في قوله ظاهر، ويصح أن يكون قد حذف من الثاني، لدلالة الأول عليه، والتذكير مرعاة اللفظ، وقد أشار المفسر لهذا الثاني بقوله: (من ذلك) يعني من الرحمة. قوله: (أي أهل مكة) تفسير للناس باعتبار سبب النزول، وإلا فالعبرة بعموم اللفظ.
قوله: ﴿ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ أي اشكروه على تلك النعم التي أسداها إليكم. قوله: (بإسكانكم) إلخ، أشار بذلك إلى أن النعمة بمعنى الإنعام، ويصح أن تكون بمعنى المنعم به. قوله: (وخالق مبتدأ) أي مرفوع بضمة مقدرة على آخره، منع من ظهورها اشتغال المحل بحركة حرف الجر الزائد. قوله: (بالجر والرفع) أي فهما قراءتان سبعيتان، وقوله: (لفظاً أو محلاً) لف ونشر مرتب، وفي بعض النسخ بتقديم الرفع، فيكون ألفاً ونشراً مشوشاً، وقرئ شذوذاً بالنصب على الاستثناء. قوله: (والاستفهام للتقرير) أي والتوبيخ. قوله: (أي لا خالق رازق غيره) هذا حل معنى لا حل إعراب، وإلا لقال: لا خالق غيره رازق لكم. قوله: ﴿ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ﴾ كلام مستأنف لتقرير النفي المتقدم. قوله: ﴿ فَأَنَّىٰ تُؤْفَكُونَ ﴾ من الإفك بالفتح وهو الصرف، وبابه ضرب، ومنه قوله تعالى:﴿ قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا ﴾[الأحقاف: ٢٢] وأما الإفك بالكسر فهو الكذب. قوله: (من أين تصرفون عن توحيده) أي كيف تعبدون غيره. مع أنه ليس في ذلك الغير وصف يقتضي عبادته من دون الله. قوله: ﴿ وَإِن يُكَذِّبُوكَ ﴾ أي يدوموا على تكذيبك، وهذا تسلية له صلى الله عليه وسلم. قوله: (فاصير كما صبروا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف، والمعنى فتأسى بمن قبلك ولا تحزن. قوله: (فيجازي المكذبين) أي بإدخالهم النار، وقوله: (وينصر المرسلين) أي بقبول شفاعتهم وإدخالهم دار الكرامة. قوله: (وغيره) أي كالحساب والعقاب. قوله: ﴿ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا ﴾ المراد نهيهم عن الاغترار بها، والمعنى فلا تغتروا بالدنيا، فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها. قوله: (في حلمه) أي بسببه، والمعنى لا تجعلوا حلمه وامهاله سبباً في اتباعكم الشيطان. قوله: ﴿ ٱلْغَرُورُ ﴾ هو بالفتح في قراءة العامة كالصبور والشكور، وقرئ شذوذاً بضمها، إما جمع غار كقاعد وقعود، أو مصدر كالجلوس.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾ أي عظيم، فإن عداوته قديمة مؤسسة من عهد آدم، قوله: ﴿ فَٱتَّخِذُوهُ عَدُوّاً ﴾ أي فكونوا منه على حذر في جميع أحوالكم، ولا تأمنوا له في السر والعلانية، ولا تقبلوا منه صرفاً ولا عدلاً، قال البوصيري: وخالف النفس والشيطان واعصهما   وإن هما محضاك النصح فاتهمولا تطع منهما خصماً ولا حكما   فأنت تعرف كيد الخصم والحكمقوله: ﴿ إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ ﴾ إلخ بيان لوجه عداوته وتحذير من طاعته. قوله: (هذا) أي قوله: ﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ إلى آخره، والمعنى من كفر من أول الزمان إلى آخره، فله العذاب الشديد، ومن آمن من أول الزمان إلى آخره، فله المغفرة والأجر الكبير. قوله: (ونزل في أبي جهل وغيره) أي من مشركي مكة، كالعاص بن وائل، والأسود بن المطلب، وعقبة بن أبي معيط وأضرابهم، ويؤيد هذا القول آيات منها:﴿ لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ ﴾[البقرة: ٢٧٢].
ومنها:﴿ وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ ﴾[آل عمران: ١٧٦].
ومنها:﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَسَفاً ﴾[الكهف: ٦] وغير ذلك. ففي هذه الآيات تسلية له صلى الله عليه وسلم على كفر قومه، وقيل: هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة، ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم، استحوذ عليهم الشيطان، فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون، نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم. وقيل: نزلت في اليهود والنصارى. وقيل: نزلت في الشيطان، حيث زين له أنه العابد التقي، وآدم العاصي، فخالف ربه لاعتقاده أنه على كل شيء. قوله: ﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ ﴾ أي زين له الشيطان ونفسه الأمارة عمله السيئ، فهو من اضافة الصفة للموصوف. قوله: (بالتمويه) أي التحسين ظاهراً بأن غلبه وهمه على عقله، فرأى الحق باطلاً، والباطل حقاً، وأما من هداه الله، فقد رأى الحق حقاً فاتبعه، ورأى الباطل باطلاً فاجتنبه. قوله: (لا) أشار بذلك إلى أن الاستفهام انكاري. قوله: (دل عليه) أي على تقدير الخبر، والمعنى حذف الخبر لدلالة قوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ﴾ إلخ عليه، وفي هذه الآية رد على المعتزلة الذين يزعمون أن العبد يخلق أفعال نفسه، فلو كان كذلك، ما أسند الاضلال والهدى لله تعالى. قوله: ﴿ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ ﴾ عامة القراء على فتح التاء والهاء، ورفع نفس على الفاعلية، ويكون المعنى: لا تتعاط أسباب ذلك، وقرئ شذوذاً بضم الناء وكسر الهاء، و ﴿ نَفْسُكَ ﴾ مفعول به، ويكون المعنى: لا تهلكها على عدم إيمانهم. قوله: ﴿ حَسَرَاتٍ ﴾ مفعول لأجله، جمع حسرة، وهي شدة التلهف على الشيء الفائت. قوله: (فيجازيهم عليه) أي إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. قوله: (وفي قراءة الريح) أي وهي سبعية أيضاً. قوله: (لحكاية الحال الماضية) أي استحضاراً لتلك الصورة العجيبة التي تدل على كمال قدرته تعالى. قوله: (أي تزعجه) أي تحركه وتثيره. قوله: (فيه التفات عن الغيبة) أي الكائنة في قوله: ﴿ وَٱللَّهُ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ﴾.
قوله: ﴿ إِلَىٰ بَلَدٍ مَّيِّتٍ ﴾ البلد يذكر ويؤنث، يطلق على القطعة من الأرض، عامرة أو خالية. قوله: (بالتشديد والتخفيف) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (لا نبات بها) أي فالمراد بالموت وعدم النبات والمرعى، وبالحياة وجودهما. قوله: (من البلد) (من) بيانية. قوله: ﴿ كَذَلِكَ ٱلنُّشُورُ ﴾ أي كمثل احياء الأرض بالنبات احياء الأموات، ووجه الشبه، أن الأرض الميتة لما قبلت الحياة اللائقة بها، كذلك الأعضاء تقبل الحياة اللائقة بها، فإن البلد الميت تساق إليها المياة فتحيا بها، والأجساد تساق إليها الأرواح فتحيا بها. قوله: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْعِزَّةَ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ ﴿ مَن ﴾ من شرطية مبتدأ، وجوابها محذوف، قدره المفسر بقوله: (فليطعمه) وقوله: ﴿ فَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ ﴾ تعليل للجواب، واختلف في هذه الآية فقيل: المراد من كان يريد أن يسأل عن العزة لمن هي؟ فقل له: لله العزة جميعاً. وقيل: المراد من أراد العزة لنفسه فليطلبها من الله، فإن له لا لغيره، وطلبها بكون بطاعته والالتجاء إليه، والوقوف على بابه، لما ورد في الحديث: " من أراد عز الدارين فليطع العزيز، ومن طلب العزة من غيره تعالى كسي من وصفه، ومن التجأ إلى العبد كساه الله من وصف ذلك العبد، لما ورد: من استعز بقوم أورثه الله ذلهم، وقال الشاعر: وإذا تذللت الرقاب تواضعاً   منا إليك فعزها في ذلهاقوله: (يعلمه) أشار بذلك إلى أن في الكلام مجازاً، فالصعود مجاز عن العلم، كما يقال: ارتفع الأمر إلى القاضي، يعني علمه، وعبر عنه بالصعود، إشارة لقبوله؛ لأن موضع الثواب فوق، وموضع العذاب أسفل، وقيل: المعنى يصعد إلى سمائه، وقيل: يحتمل الكتاب الذي كتب فيه طاعة العبد إلى السماء. قوله: (ونحوها) أي من الأذكار والتسبيح وقراءة القرآن. قوله: ﴿ وَٱلْعَمَلُ ٱلصَّالِحُ ﴾ أي كالصلاة والصوم، وغير ذلك من الطاعات. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ يَمْكُرُونَ ﴾ بيان لحال الكلم الخبيث والعمل السيء، بعد بيان حال الكلم الطيب والعمل الصالح. قوله: (المكرات) قدره إشارة إلى أن السيئات. صفة لموصوف محذوف مفعول مطلق ليمكرون، لأن مكر لازم لا ينصب المفعول، والمكر: الحيلة والخديعة. قوله: (في دار الندوة) أي وهي التي بناها قصي بن كلاب للتحدث والمشاورة. قوله: (كما في الأنفال) أي في قوله تعالى:﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾[الأنفال: ٣٠] الآيات، وقد فصلت هناك. قوله: ﴿ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ ﴾ أتى باسم الاشارة البعيد، اشارة لبعدهم عن الرحمة واشتهارهم بالبغي والفساد. قوله: ﴿ هُوَ يَبُورُ ﴾ مبتدأ ثان، و ﴿ يَبُورُ ﴾ خبره، والجملة خبر الأول، ويصح أن يكون ضمير فصل لا محل له من الاعراب، وقولهم: إن الفصل لا يقع قبل الخبر إذا كان فعلاً مردود بجواز ذلك. قوله: (بخلق أبيكم آدم منه) ويصح أن يراد ﴿ خَلَقَكُمْ مِّن تُرَاب ﴾ بواسطة أن النطفة من الغذاء وهو من التراب. قوله: ﴿ أَزْوَاجاً ﴾ أي أصنافاً. قوله: ﴿ مِنْ أُنْثَىٰ ﴾ ﴿ مِنْ ﴾ زائدة في الفاعل. قوله: (حال) أي من أنثى. قوله: ﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ ﴾ بفتح الميم في قراءة العامة. قال ابن عباس: ما يعمر من معمر، إلا كتب عمره، كم هو سنة؟ وكم هو شهراً؟ وكم هو يوماً؟ وكم هو ساعة؟ ثم يكتب في كتاب آخر: نقص من عمره يوم، نقص شهر، نقص سنة، حتى يستوفي أجله، فما مضى من أجله فهو النقصان، وما يستقبله فهو الذي يعمره، وهذا هو الأحسن، وقيل: إن الله كتب عمر الإنسان مائة سنة إن أطاع، وتسعين إن عصى، فأيهما بلغ فهو كتاب، وهذا مثل قوله عليه السلام:" من أحب أن يبسط الله في رزقه، وينسأ له في أثره، أي يؤخر في عمره، فليصل رحمه "أي إنه يكتب في اللوح المحفوظ: عمر فلان كذا سنة، فإن وصل رحمه يزيد في عمره كذا سنة، فبين ذلك في موضع آخر من اللوح المحفوظ، أنه سيصل رحمه، فمن أطلع على الأول دون الثاني، ظن أنه زيادة أو نقصان. قوله: (أو معمر آخر) أي على حد: عندي درهم ونصفه، أي فالمعنى: ما يزاد في عمر شخص بأن يكون أجله طويلاً، ولا ينقص من عمر آخر بأن يكون عمره قصيراً إلا في كتاب. قوله: ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ أي كتابة الأعمار والآجال، قوله: ﴿ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي سهل غير متعذر.
قوله: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلْبَحْرَانِ ﴾ هذا مثل المؤمن والكافر، وقوله: (شديد العذوبة) أي يكسر وهج العطش، وقوله: ﴿ سَآئِغٌ ﴾ أي يسهل الحرارة. قوله: (شربه) إنما فسر الشراب بالشرب، لأن الشراب هو المشروب، فيلزم إضافة الشيء لنفسه. قوله: ﴿ أُجَاجٌ ﴾ أي يحرق الحلق بملوحته. قوله: ﴿ وَمِن كُلٍّ تَأْكُلُونَ ﴾ إلخ، يحتمل أنه استطراد لبيان صفة البحرين وما فيهما من المنافع، والمثل قد تم بما قبله وهو الأظهر، وقيل: هو من تمام التمثيل، يعني أنهما وإن اشتركا في بعض الأوصاف، لا يستويان في جميعها كالبحرين، فإنهما وإن اشتركا في بعض المنافع، لا يستويان في جميعها. قوله: (وهو السمك) المراد به حيوانات البحر كلها، فيجوز أكلها. قوله: (وقيل منهما) أي ووجهه أن في البحر الملح عيوناً عذبة تمتزج بالملح، فيخرج اللؤلؤ منهما عند الامتزاج. قوله: (والمرجان) هو عروق حمر، تطلع من البحر كأصابع الكف، وقيل: هو صغار اللؤلؤ. قوله: ﴿ لِتَبْتَغُواْ ﴾ متعلق بمواخر. قوله: (بالتجارة) أي وغيرها كالغزو والحج. قوله: (على ذلك) أي على ما أسداه إليك من تلك النعم. قوله: ﴿ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ ﴾ أي فيطول النهار، حتى يصير من طلوع الشمس لغروبها، أربع عشرة ساعة كأيام الصيف، وقوله: ﴿ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ ﴾ أي فيطول الليل، حتى يكون من الغروب للطلوع أربع عشرة ساعة كأيام الشتاء، فالدائر بين الليل والنهار أربع ساعات، تارة تكون في الليل وتارة تكون في النهار. قوله: ﴿ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ﴾ معطوف على ﴿ يُولِجُ ﴾ وعبر بالمضارع في جانب الليل والنهار، لأن إيلاج أحدها في الآخر يتجدد كل عام، وأما الشمس والقمر، فتسخيرهما من يوم خلقهما الله، فلا تجدد فيه، وإنما التجدد في آثارهما، فلذا عبر في جانبهما بالماضي. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ ﴾ إلخ، هذا من جملة الأدلة على انفراده تعالى بالألوهية. قوله: (لفافة النواة) بكسر اللام، وهي القشرة الرقيقة الملتفة على النواة. واعلم أن النواة أربعة أشياء، ويضرب بها المثل في القلة: الفتيل: وهو ما في شق النواة، والقطمير: وهو اللفافة، والنقير: وهو ما في ظهرها، والثفروق: وهو ما بين القمع والنواة. قوله: (ما أجابوكم) أي يجلب نفع، ولا دفع ضر. قوله: (بإشراككم إياهم) أشار بذلك إلى أن المصدر مضاف للفاعل قوله: (أي يتبرؤون منكم) أي بقولهم:﴿ مَا كَانُوۤاْ إِيَّانَا يَعْبُدُونَ ﴾[القصص: ٦٣].
قوله: ﴿ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ أي لا يخبرك أحد مثلي، لأني عالم بالأشياء وغيري لا يعلمها، وهذا الخطاب يحتمل أن يكون عاماً غير مختص بأحد، ويحتمل أن يكون خطاباً له صلى الله عليه وسلم.
قوله: ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ إنما خاطب الناس بذلك، وإن كان كل ما سوى الله فقيراً، لأن الناس هم الذين يدعون الغنى وينسبونه لأنفسهم. والمعنى: يا أيها الناس، أنتم أشد الخلق افتقاراً واحتياجاً إلى الله، في أنفسكم وعيالكم وأموالكم، وفيما يعرض لكم من سائر الأمور، فلا غنى لكم عنه طرفة عين، ولا أقل من ذلك، ومن هنا قول الصديق رضي الله عنه: من عرف نفسه عرف ربه، أي من عرف نفسه، بالفقر والذل والعجز والمسكنة، عرف ربه بالغنى والعز والقدرة والكمال. قوله: (بكل حال) أي في حالة الفقر والغنى والضعف والقوة والذل والعز، فالعبد مفتقر لربه في أي حاله كان بها ذلك العبد. قوله: ﴿ ٱلْحَمِيدُ ﴾ إنما ذكره بعد الغنى، لدفع توهم أنه غناه تعالى تارة ينفع وتارة لا، فأفاد أنه كما أنه غني، وهم منعم جواد محمود على إنعامه، لكونه يعطي النوال قبل السؤال، للبر والفاجر. قوله: ﴿ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُـمْ ﴾ هذا بيان لغناه المطلق، يعني أن إذهابكم ليس متوفقاً على شيء، إلا على مشيئته، فإبقاؤكم من محض فضله. قوله: ﴿ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ﴾ أي بعالم آخر غير ما تعرفونه. قوله: (شديد) أي متعذر ومتعسر.
قوله: ﴿ وَازِرَةٌ ﴾ فاعل ﴿ تَزِرُ ﴾ وهو صفة لموصوف محذوف قدره المفسر بقوله: (نفس) والمعنى لا تحمل نفس وازرة وزر نفس أخرى، وأما غير الوزارة، فتحصل وزر الوزارة، بمعنى تشفع لها في غفرانه، لا بمعنى أنه ينتقل من الوزارة لغيرها. إن قلت: ما الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى:﴿ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ ﴾[العنكبوت: ١٣] الآية؟ أجيب: بأن تلك الآية محمولة على من ضل، وتسبب في الضلال لغيره، فعليه وزر ضلالة، ووزر تسببه، لأن تسببه من فعله، فلم يحمل إلا أثقال نفسه، فرجع الأمر إلى أن الإنسان لا يحمل وزر غيره أصله، بل كل نفس بما كسبت رهينة. قوله: ﴿ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا ﴾ أي وإن تدع نفس مثقلة بالذنوب نفساً إلى حملها، وهو بالكسر ما يحمل على ظهر أو رأس، وبالفتح ما كان في البطن أو على رأس شجرة. قوله: ﴿ لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ العامة على قراءة يجمل مبيناً للمفعول، و ﴿ شَيْءٌ ﴾ نائب الفاعل، وقرئ شذوذاً تحمل، بفتح التاء وكسر الميم، مسنداً إلى ضمير النفس المحذوفة، وشيئاً مفعول تحمل. قوله: ﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ﴾ العامة على قراءة ﴿ ذَا ﴾ بالنصب خبر ﴿ كَانَ ﴾ واسمها ضمير يعود على (المدعو) كما قدره المفسر، وقرئ شذوذاً بالرفع على أن ﴿ كَانَ ﴾ تامة، والمعنى وإن تدع نفس مذنبة مذنبة نفساً أخرى، إلى حمل شيء من ذنبها، لا يحمل منه شيء، ولو كانت تلك النفس الأخرى قريبة للداعية، كابنها أو أبيها، لما ورد: يلقى الأب والأم فيقولان له: يا بني احمل عنا بعض، فيقول: لا أستطيع حسبي ما علي. قوله: (وفي الشقين) أي الحمل القهري والاختياري. قوله: (حكم من الله تعالى) أي وهو لا يخلو عن حكمة عظيمة. قوله: ﴿ إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ﴾ ﴿ إِنَّمَا ﴾ أداة حصر، والمعنى أن إنذارك مقصور على الذين يخشون ربهم، وقوله: ﴿ بِٱلْغَيْبِ ﴾ حال من فاعل قوله: ﴿ يَخْشَوْنَ ﴾ أي يخشونه، حال كونهم غائبين عنه، فالغيبة وصف العبيد لا وصف الرب، فإن وصف الرب قرب، قال تعالى:﴿ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ﴾[ق: ١٦] ووصف العبيد الغيبة والحجاب، فالعبيد محجوبون عن ربهم بصفات جلاله، ويصح أن يكون حالاً من المفعول، أي يخشونه، والحال أنه غائب عنهم، أي محتجب بجلاله فلا يرونه، وإلى هذا أشار المفسر بقوله: (وما رأوه) فعدم رؤية الله تعالى، إنما هو من تحجبه بصفات الجلال، فإذا تجلى بالجمال رأته الأبصار، وذلك يحصل في الآخرة لأهل الإيمان، وقد حصل في الدنيا لسيد الخلق على الإطلاق، وقد يتجلى بالجمال للقلوب في الدنيا فتراه، وهي الجنة المعجلة لأهل الله المقربين. قوله: (لأنهم المنتفعون بالإنذار) جواب عما يقال: كيف قصر الإنذار على أهل الخشية، مع أنه لجميع المكلفين. فأجاب: بأنه وجه قصره عليهم انتفاعهم به، فكأنه قال: إنما ينفع إنذارك أهل الخشية. قوله: (أداموها) أي واظبوا عليها، بأركانها وشروطها وآدابها، وفي نسخة أدوها. قوله: (وغيره) أي كالمعاصي. قوله: (فصلاحه مختص به) أي فهو قاصر عليه لا يتعداه، فيجزى بالعمل في الآخرة، أي الخير والشر. قوله: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ ﴾ إلخ، مثل ضربه الله المؤمن والكافر، وأفاد أولاً الفرق بين ذاتيهما، وثانيهما وصفيهما، وثالثاً بين داريهما في الآخرة، وأما قوله: ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ ﴾ إلخ، فهو مثل آخر على أبلغ وجه، لأن الأعمى ربما يكون فيه بعض نفع، بخلاف الميت. قوله: ﴿ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ ﴾ جمع ﴿ ٱلظُّلُمَاتُ ﴾ باعتبار أنواع الكفر، فإنه أنواعه كثيرة، بخلاف الإيمان، فهو نوع واحد. قوله: ﴿ وَلاَ ٱلْحَرُورُ ﴾ هي الريح الحارة، خلاف السموم، فالحرور تكون بالنهار، والسموم بالليل، وقيل: الحرور والسموم: الليل والنهار. قوله: (وزيادة لا في الثلاثة) أي في الجمل الثلاث التي أولها ﴿ وَلاَ ٱلظُّلُمَاتُ وَلاَ ٱلنُّورُ ﴾ وثانيها ﴿ وَلاَ ٱلْحَرُورُ ﴾ وثالثها ﴿ وَمَا يَسْتَوِي ٱلأَحْيَآءُ وَلاَ ٱلأَمْوَاتُ ﴾ وإنما زيدت للتأكيد في الجميع، لأن نفي المساواة معلوم من ما النافية. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ ﴾ من هنا إلى قوله: ﴿ نَكِيرِ ﴾ تسلية له. قوله: (شبههم بالموتى) أي في عدم التأثر بدعوته. قوله: ﴿ إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ ﴾ أي فليس عليك إلا التبليغ، والهدى بيد الله يؤتيه من يشاء. قوله: ﴿ بِٱلْحَقِّ ﴾ حال من الكاف، بدليل قول المفسر (بالهدى) كأنه قال: أرسلناك حال كونك هادياً. ﴿ وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ ﴾ أي تعلمها، وقوله: (نبي ينذرها) أي يخوفها من عقاب الله، وتنقضي شريعته بموته، فما بين الرسولين من أهل الفترة، وهم ناجون من أهل الجنة، وإن غيروا وبدلوا وعبدوا غير الله، بنص قوله تعالى:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾[الإسراء: ١٥] وأما ما ورد من تعذيب بعض أهل الفترة، كعمرو بن لحي، وامرئ القيس، وحاتم الطائي، فقيل: إن ذلك لحكمة يعلمها الله لا لكفرهم، والتحقيق أنه خبر آحاد، وهو لا يعارض النص القطعي، وتقدم الكلام في ذلك عند قوله تعالى:﴿ وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً ﴾[الإسراء: ١٥].
قوله: ﴿ وَبِٱلزُّبُرِ ﴾ اسم لكل ما يكتب. قوله: (كصحف إبراهيم) أي وهي ثلاثون، وكصحف موسى قبل التوراة وهي عشرة، وكصحف شيث وهي ستون، فجملة الصحف مائة، تضم لها الكتب الأربعة، فجملة الكتب السماوية مائة وأربعة. قوله: (فاصبروا كما صبروا) قدره إشارة إلى أن جواب الشرط محذوف. قوله: (أي هو واقع موقعه) أشار بذلك إلى أن الاستفهام تقريري. قوله: ﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ خطاب لمن تتأتى منه الرؤية، وهو كلام مستأنف، سيق لبيان باهر قدرته تعالى وكمال حكمته. قوله: (فيه التفات) أي وحكمته أن المنة في الإخراج، أبلغ من إنزال الماء، ولما في الإخراج من الصنع البديع الدال على كمال قدرته الإلهية. قوله: ﴿ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ﴾ أي في أصل اللون، كالأخضر والأصفر والأحمر، وفي شدة اللون الواحد وضعفه. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلْجِبَالِ جُدَدٌ ﴾ قرأ العام بضم الجيم وفتح الدال، جمع جدة وهي الطريق، وقرئ شذوذاً بضم الجيم والدال جمع جديدة، وبفتحهما. قوله: ﴿ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ﴾ مختلف صفة لجدود، و ﴿ أَلْوَانُهَا ﴾ فاعل به، و ﴿ مُّخْتَلِفٌ ﴾ خبر مقدم، و ﴿ أَلْوَانُهَا ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة صفة لجدد. قوله: ﴿ وَغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ الغربيب تأكيد للأسود، كالقاني تأكيد للأحمر، وإنما قدمه عليه للمبالغة. قوله: (يقال كثيراً) أي بتقديم الموصوف على الصفة، وهذا هو الأصل، وقوله: (وقليلاً) أي بتقديم الصفة على الموصوف، وهذا خلاف الأصل، ويرتكب للمبالغة. قوله: ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ خبر مقدم، وقوله: ﴿ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ صفة لموصوف محذوف هو المبتدأ، أي صنف مختلف ألوانه من الناس، وقوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ صفة لمصدر محذوف، أي اختلافاً كذلك. قوله: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى ٱللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ ٱلْعُلَمَاءُ ﴾ أي أن خشية الله، شرطها العلم والمعرفة به، فمن اشتدت معرفته لربه، كان أخشاهم له، ولذا ورد في الحديث:" أنا أخشاكم لله وأتقاكم له "وقرئ شذوذاً برفع الجلالة ونصب العلماء، والمعنى إنما يعظم الله من العباد العلماء، وإنما كان كذلك، لكونهم أعرف الناس بربهم وأتقاهم له، فالواجب على الناس تعظيمهم واحترامهم، اقتداء بالله تعالى، فإن الله أخبر أنه يعظمهم ويجلهم. قوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ﴾ تعليل لوجوب الخشية كأن قيل: يجب على كل إنسان، أن يخشى الله تعالى، لأنه عزيز قاهر لما سواه، غفور للمذنبين.
قوله: ﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ ﴾ أي يقرؤونه على طهارة أو لا، على ظهر قلب أو في المصحف، وفضل الله واسع. قوله: (زكاة أو غيرها) لف ونشر مشوش، وهو تحضيض على الإنفاق كيفما تيسر. قوله: ﴿ يَرْجُونَ تِجَارَةً ﴾ خبر ﴿ إِنَّ ﴾ أي يرجون ثواب تجارة. قوله: ﴿ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ ﴾ اللام للعاقبة والصيرورة. قوله: ﴿ شَكُورٌ ﴾ أي يثيبهم على طاعتهم. ﴿ مِنَ ٱلْكِتَابِ ﴾ ﴿ مِنَ ﴾ لبيان الجنس أو للتبعيض. قوله: ﴿ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ هو إما ضمير فصل أو مبتدأ، و ﴿ ٱلْحَقُّ ﴾ خبر، والجملة خبر ﴿ وَٱلَّذِيۤ ﴾ و ﴿ مُصَدِّقاً ﴾ حال مؤكدة. قوله: (عالم بالبواطن والظواهر) لف ونشر مرتب. قوله: ﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا ﴾ أتى بثم إشارة لبعد رتبتهم عن رتبة غيرهم من الأمة. قوله: (أعطينا) أشار بذلك إلى أن المراد بالتوريث الإعطاء، ووجه تسميته ميراثاً، أن الميراث يحصل للوارث بلا تعب ولا نصب، وكذلك إعطاء الكتاب حاصل بلا تعب ولا نصب، قوله: ﴿ مِنْ عِبَادِنَا ﴾ بيان للمصطفين. قوله: (وهم أمتك) أي أمة الإجابة، سواء حفظوه كلاً أو بعضاً، أو لا، وإلا فليس المراد بإعطاء الكتاب حفظه، بل الاهتداء بهديه والاقتداء به. قوله: ﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ إلخ، أي من غلبت سيئاته على حسناته، والمقتصد من غلبت حسناته على سيئاته، والسابق من لا تقع منه سيئة أصلاً، ولذا ورد في الحديث في تفسير هذه الآية: " سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له ". وقيل: الظالم هو راجح السيئات، والمقتصد هو الذي تساوت سيئاته وحسناته، والسابق هو الذي رجحت حسناته، وقيل الظالم على من بعده، ليقوى رجاؤه في ربه، ولئلا يعجب الطائع بعمله فيهلك، وهذا على حد ما قيل في قوله تعالى:﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[البقرة: ٢٢٢].
قوله: ﴿ بِإِذُنِ ٱللَّهِ ﴾ متعلق بقوله سابق، وإنما خص مع أن الكل بإذن الله، تنبيهاً على عزة هذه المرتبة، فأضيفت لله.
قوله: ﴿ يَدْخُلُونَهَا ﴾ إلخ، أتى بضمير جماعة الذكور في تلك الآيات، تغليباً للمذكر على المؤنث، وإلا فلا خصوصية للذكور. قوله: (بالبناء للفاعل وللمفعول) أي فهما قراءتان سبعيتان. قوله: (مرصع بالذهب) تقدم أنه أحد قولين، وقيل: إنهم يحلون فيها أسورة من ذهب، وأسورة من فضة، وأسورة من لؤلؤ. قوله: ﴿ وَقَالُواْ ﴾ عبر بالماضي لتحقق وقوعه. قوله: (جميعه) أي كخوف الأمراض والفقر والموت وزوال النعم، وغير ذلك من آفات الدنيا وهمومها. قوله: ﴿ ٱلَّذِيۤ أَحَلَّنَا ﴾ أي أدخلنا وأسكننا. قوله: ﴿ دَارَ ٱلْمُقَامَةِ ﴾ مفعول ثان لأحلنا، والمراد بها الجنة التي تقدم ذكرها. قوله: ﴿ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾ حال من ضمير أحلنا البارز. قوله: (تعب) أي فلا نوم في الجنة لعدم التعب بها. قوله: (إعياء من التعب) أي فإذا اشتهى الشخص من أهل الجنة، أين يسير وينظر ويتمتع بجميع ما أعطاه الله، من الحور والغرف والقصور، في أقل زمن فعل، ولا يحصل له إعياء ولا مشقة، وبالجملة فأحوال الجنة، لا تقاس على أحوال الدنيا، وهذه الآية فيها أعظم بشرى لهذه الأمة المحمدية. قوله: (وذكر الثاني) جواب عما يقال: ما الفائدة في نفي اللغوب، مع أن انتفاءه يعلم من انتفاء النصب، لأن انتفاء السبب، يستلزم انتفاء المسبب. قوله: ﴿ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾ إلخ، هذا مقابل قوله:﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ ٱللَّهِ ﴾[فاطر: ٢٩] على حكم عادته سبحانه وتعالى في كتابه، إذا ذكر أوصاف المؤمنين، أعقبه بذكر أوصاف الكفار. قوله: ﴿ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ ﴾ أي لا يحكم عليهم بالموت، وقوله: ﴿ فَيَمُوتُواْ ﴾ مسبب على قوله: ﴿ لاَ يُقْضَىٰ ﴾ وهو منفي أيضاً، لأنه يلزم من انتفاء السبب انتفاء المسبب. إن قلت: إن في هذه الآية دليلاً على أن أهل النار لا يموتون، وفي آية أخرى﴿ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَىٰ ﴾[طه: ٧٤] فيقتضي أن أهل النار حالة بين الحالتين، مع أنه لا واسطة. وأجيب: بأن المعنى لا يموتون فيستريحون من العذاب، ولا يحيون حياة طيبة. قوله: ﴿ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ أي بحيث ينقطع عنهم زمناً ما، وبهذا اندفع ما قيل: إن بعض أهل النار يخفف عنه، كأبي طالب، وأبي لهب، لما ورد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تشفع في أبي طالب، فنقل من ضحضاح من نار، ينتعل بنعلين يغلي منهما دماغه، وورد: أن أبا لهب يسقى في نقرة إبهامه ماء، كل ليلة اثنين، لعتقه جاريته ثوبية حين بشرته بولادته صلى الله عليه وسلم، فتحصل أن المراد بعدم التخفيف، عدم انقطاعه عنهم، وإن كان يحصل لبعضهم بعض تخفيف فيه. قوله: (بالياء) أي المضمومة مع فتح الزاي ورفع ﴿ ﴾، وقوله: (والنون المفتوحة) أي فهما قراءتان سبعيتان.
قوله: ﴿ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾.
أي يصيحون فيها. قوله: (وعويل) العويل رفع الصوت بالبكاء. قوله: (يقولون) قدره إشارة إلى أن قوله: ﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا ﴾ إلخ. مقول لقول محذوف معطوف على قوله: ﴿ يَصْطَرِخُونَ ﴾.
قوله: (منها) قدره هنا لدلالة الآية الأخرى عليه. قوله: ﴿ صَالِحاً ﴾ صفة لموصوف محذوف تقديره عملاً صالحاً. قوله: (فيقال لهم) أي على سبيل التوبيخ والتبكيت. قوله: ﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف تقديره: أتعتذرون وتقولون ﴿ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا ﴾ إلخ، ولم نؤخركم ونمهلكم ونعطكم عمراً، يتمكن فيه مريد التذكر والتفكر قوله: ﴿ مَّا يَتَذَكَّرُ ﴾ ﴿ مَّا ﴾ نكرة موصوفة بمعنى وقت، ولذا قدره المفسر. قوله: ﴿ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ ﴾ عطف على معنى الجملة الاستفهامية، كأنه قال: قروا بأننا عمرناكم وجاءكم النذير. قوله: (الرسول) أي رسول كان، لأن هذا الكلام مع عموم الكفار، من أول الزمان لآخره. قوله: ﴿ فَذُوقُواْ ﴾ مرتب على محذوف قدره المفسر بقوله: (فما أجبتم) فاندفع ما يقال: إن ظاهر الآية، ربما يوهم أن إذاقتهم العذاب، مرتبة على مجيء الرسول، مع أنه ليس كذلك. قوله: ﴿ مِن نَّصِيرٍ ﴾ ﴿ مِن ﴾ زائدة و ﴿ نَّصِيرٍ ﴾ مبتدأ خبره الجار والمجرور قبله. قوله: ﴿ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ ﴾ أي ما غاب عنا فيهما. قوله: ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ تعليل لما قبله، كأن قيل: إذا علم ما خفي في الصدور، كأن أعلم بغيرها، من باب أولى، وقوله: (بالنظر إلى حال الناس) جواب عما يقال: علم الله لا تفاوت فيه، بل جميع الأشياء مستوية في علمه، لا فرق بين ما خفي منها على الخالق، وما ظهر لهم، فأجاب بما ذكر، أي أن الأولوية من حيث عادة الناس الجارية، أن من علم الخفي، يعلم الظاهر بالأولى. قوله: ﴿ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ ﴾ أي رعاة مسؤولين عن رعاياكم، من أنفسكم وأزواجكم وأولادكم وخدمكم، فكل إنسان خليفة في الأرض وهو راع، وكل راع مسؤول عم رعيته. قوله: (جمع خليفة) كذا في بعض النسخ بالتاء، وفي بعض النسخ بلا تاء، والأولى أولى، لأن خليفاً جمعه خلفاء، وأما خليفة فجمعه خلائف. قوله: (أي وبال كفره) أي فلا يضر إلا نفسه. قوله: ﴿ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ ﴾، بيان لوبال كفرهم وعاقبته.
قوله: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ ﴾ إلخ، رأى بصرية تتعدى لمفعول واحد إن كانت بلا همز، وبالهمز كما هنا تتعدى لمفعولين، الأول قوله: ﴿ شُرَكَآءَكُمُ ﴾ والثاني قوله: ﴿ مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ ﴾ على سبيل التنازع لأن كل من أرأيتم وأروني، طالب ماذا خلقوا من الأرض على أنه مفعول له قوله: ﴿ شُرَكَآءَكُمُ ﴾ أضافهم لهم من حيث إنهم جعلوهم شركاء، أو من حيث إنهم أشركوهم في أموالهم فإنهم كانوا يعينون شيئاً من أموالهم لآلهتهم، وينفقونه على خدمتها، ويذبحون عندها. قوله: ﴿ مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ ﴾ أي أي شيء خلقه من الأمور التي في الأرض، كالحيوانات والنباتات والأشجار وغير ذلك. قوله: ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ ﴾ ﴿ أَمْ ﴾ في الموضعين منقطعة تفسر ببل والهمزة. قوله: ﴿ آتَيْنَاهُمْ ﴾ أي الشركاء. قوله: ﴿ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ ﴾ بالإفراد والجمع، قراءتان سبعيتان. قوله: (لا شيء من ذلك) جواب الاستفهام في الجمل الثلاث وهو إنكاري. قوله: ﴿ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ لما ذكر نفي الحجج، أضرب عنه بذكر الأمر الحامل للرؤساء على الشرك وإضلال الأتباع، وهو قولهم لهم إنهم شفعاء عند الله. قوله: ﴿ بَعْضُهُم ﴾ بدل من ﴿ ٱلظَّالِمُونَ ﴾ قوله: (بقولهم) أي الرؤساء للأتباع. قوله: (أي يمنعهما من الزوال) أشار بذلك إلى أن الإمساك بمعنى المنع، وقوله: ﴿ أَن تَزُولاَ ﴾ ﴿ أَن ﴾ وما دخلت عليه، في تأويل مصدر مفعول ثان على اسقاط من. قوله: ﴿ وَلَئِن زَالَتَآ ﴾ اجتمع قسم وشرط، فقوله: ﴿ إِنْ أَمْسَكَهُمَا ﴾ جواب الأول، وحذف جواب الثاني على القاعدة المعروفة. قوله: ﴿ مِنْ أَحَدٍ ﴾ ﴿ مِنْ ﴾ زائدة في الفاعل، وقوله: ﴿ مِّن بَعْدِهِ ﴾ ﴿ مِّن ﴾ ابتدائية، والتقدير: ما أمسكهما أجحد مبتدأ وناشئاً من غيره. قوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ تعليل لقوله: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ أي فإمساكهما حاصل بحلمه وغفرانه، وإلا فكانتا جديرتين بأن تزولا، كما قال تعالى﴿ تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ ﴾[مريم: ٩٠] الآية، فحلم الله تعالى من أكبر النعم على العباد، إذ لولاه لما بقي شيء من العالم، فقول العامة: حلم الله يفتت الكبود، إساءة أدب. قوله: (أي كفار مكة) أي قبل أن يبعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فلعنوا من كذب نبيه منهم، وأقسموا بالله تعالى، لئن جاءهم نبي ينذرهم،﴿ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَىٰ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ ﴾[فاطر: ٤٢].
قوله: ﴿ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ ﴾ الجهد بالفتح بلوغ الغاية في الاجتهاد، وأما بالضم فهو الطاقة، وإنما كان الحلف بالله غاية أيمانهم، لأنهم كانوا يخلفون بآبائهم وأصنامهم، فإذا أرادوا التأكيد والتشديد حلفوا بالله. قوله: ﴿ لَّيَكُونُنَّ ﴾ هذه حكاية لكلامهم بالمعنى، وإلا فلفظه لنكونن إلخ. قوله: ﴿ مِنْ إِحْدَى ٱلأُمَمِ ﴾ المراد من إحدى الأحد الدائرة، فالمعنى من كل الأمم، فقول المفسر (أي أي واحدة منها) الأوضح أن يقول: أي كل واحدة منها. قوله: ﴿ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً ﴾ جواب لما، وفيه اشعار بأن فيهم أصل النفور، لكونهم جاهلية لم يأتهم نذير من عهد إسماعيل. قوله: (مفعول له) أي لأجل الاستكبار، وصح أن يكون بدلاً من نفوراً، أو حالاً من ضمير زادهم، أي حال كونهم مستكبرين. قوله: قوله: (ووصف المكر بالسيئ) أي في قوله: ﴿ وَلاَ يَحِيقُ ٱلْمَكْرُ ٱلسَّيِّىءُ ﴾ وقوله: (أصل) أي جاء على الأصل من استعمال الصفة تابعة للموصوف. قوله: (وإضافته إليه قبل) أي في قوله: ﴿ وَمَكْرَ ٱلسَّيِّىءِ ﴾.
قوله: (استعمال آخر) أي جاء على خلاف الأصل حيث أضيف فيه الموصوف للصفة. قوله: (قدر فيه مضاف) أي مضاف إليه، وقوله: (حذراً من الإضافة إلى الصفة) أي من اضافة المكر، الذي هو الموصوف إلى السيئ، الذي هو الصفة، فيجعل المكر مضافاً لمحذوف، والسيئ صفة لذلك المحذوف، وتلك الإضافة من اضافة العام للخاص، لأن المكر يشمل الاعتقاد والعمل، فإضافته للعمل تخصيص له. قوله: ﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ إلا فلا ينتظرون إلا تعذيبهم كمن قبلها. قوله: (سنة الله فيهم) أشار بذلك إلى أن قوله: ﴿ سُنَّتَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ مصدر مضاف لمفعوله، وسيأتي اضافته لفاعله في قوله: ﴿ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ ﴾.
قوله: ﴿ فَلَن تَجِدَ ﴾ الفاء للتعليل كأنه قيل: لا ينتظرون إلا تعذيبهم كمن قبلهم، لأنك أيها العاقل لن تجد إلخ. قوله: (أي لا يبدل بالعذاب غيره ولا يحول إلى غير مستحقه) أشار بذلك إلى أن المراد بالتبديل، تغيير العذاب يغيره، والتحويل نقله لغير مستحقه، وجمع بينهما للتهديد والتقريع. قوله: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُواْ ﴾ الهمزة داخلة على محذوف، والتقدير أتركوا السفر ولم يسيروا، وهو استشهاد على أن سنة الله لا تبديل لها ولا تحويل، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي، ونفي النفي إثبات. والمعنى: بل ساروا في الأرض، ومروا على ديار قوم صالح، وقوم لزط، وقوم شعيب وغيرهم، فنظرو آثار ديارهم. قوله: ﴿ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ﴾ أي على حالة كانت، ليعلموا أنهم ما أخذوا إلا بتكذيب رسلهم، فيخافوا أن يفعل بهم مثل ذلك. قوله: ﴿ وَكَانُوۤاْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾ أي أطول أعماراً، والجملة حالية أو معطوفة على قوله: ﴿ مِن قَبْلِهِمْ ﴾.
قوله: ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعْجِزَهُ ﴾ إلخ، تقرير لما فهم من استئصال الأمم السابقة. قوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً ﴾ تعليل لما قبله.
قوله: ﴿ بِمَا كَسَبُواْ ﴾ الباء سببية، وما مصدرية أو موصولة، أي بسبب كسبهم أو الذي كسبوه. قوله: (من المعاصي) بيان لما. قوله: ﴿ مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ ﴾ أي من جميع ما دب على وجهها من الحيوانات العاقلة وغيرها، وذلك بأن يمسك عنها ماء السماء مثلاً، فينقطع عنهم النبات، فيموتون جوعاً، فالظالم لظلمه، وغيره لشؤم الظالم، وعبر بالظهر تشبيهاً للأرض بالدابة من حيث التمكن عليها، ويعبر تارة بوجه الأرض، من حيث أن ظاهرها كالوجه للحيوان، وغيره كالبطن، وهو الباطن منها، فتحصل أنه يقال لما عليه الخلق من الأرض وجه الأرض وظهرها، فهو من قبيل اطلاق الضدين على شيء واحد. قوله: (نسمة) من التنسم وهو التنفس، أي ذوي روح. قوله: (فيجازيهم بأعمالهم) أشار بذلك إلى أن جواب الشرط محذوف، وقوله: ﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ ﴾ إلخ، تعليل له.
Icon