تفسير سورة النساء

تفسير البغوي
تفسير سورة سورة النساء من كتاب معالم التنزيل المعروف بـتفسير البغوي .
لمؤلفه البغوي . المتوفي سنة 516 هـ

مُرَابِطًا جَرَى لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ الأجر، وأجري عليه الرِّزْقِ، وَأَمِنَ مِنَ الْفَتَّانِ»، وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ:
لم يكن فِي زَمَنِ [١] النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوٌ يُرَابَطُ فِيهِ، ولكنه انتظار الصلاة بعد [٢] الصَّلَاةِ، وَدَلِيلُ هَذَا التَّأْوِيلِ مَا:
«٥١٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ الْفَقِيهُ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أنا أبو مصعب أنا مالك أَخْبَرَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ [بِهِ] [٣] الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ» وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، قَالَ بَعْضُ أَرْبَابِ اللِّسَانِ: اصْبِرُوا عَلَى النَّعْمَاءِ وَصَابِرُوا عَلَى الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَرَابِطُوا فِي دَارِ الْأَعْدَاءِ وَاتَّقُوا إِلَهَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ فِي دَارِ الْبَقَاءِ.
تفسير سورة النساء
[سورة النساء (٤) : آيَةً ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ، يَعْنِي: آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها، يَعْنِي: حَوَّاءَ، وَبَثَّ مِنْهُما، نَشَرَ وَأَظْهَرَ، رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ، أي: تتساءلون به، قرأ أَهْلُ الْكُوفَةِ بِتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَعاوَنُوا [المائدة: ٢]، وَالْأَرْحامَ، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالنَّصْبِ، أَيْ: وَاتَّقُوا الْأَرْحَامَ أَنْ تَقْطَعُوهَا، وَقَرَأَ حَمْزَةُ بِالْخَفْضِ، أَيْ: بِهِ وَبِالْأَرْحَامِ كَمَا يُقَالُ: سَأَلْتُكَ بِاللَّهِ وَالْأَرْحَامِ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى أَفْصَحُ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تَكَادُ تُنَسِّقُ بِظَاهِرٍ عَلَى مكنّى إلا بعد أَنْ تُعِيدَ الْخَافِضَ فَتَقُولُ: مَرَرْتُ بِهِ وَبِزَيْدٍ، إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ مَعَ قِلَّتِهِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ
٥١٧- إسناده صحيح على شرط مسلم، عبد الرحمن والد العلاء هو ابن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» (١٤٩) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق مالك ١/ ١٦١ عن العلاء بهذا الإسناد.
ومن طريق ما لك أخرجه مسلم ٢٥١ والنسائي ١/ ٨٩ وابن خزيمة ٥ وابن حبان ١٠٣٨ والبيهقي ١/ ٨٢.
- وأخرجه مسلم ٢٥١ والترمذي ٥١ و٥٢ وأحمد ٢/ ٢٣٥ و٣٠١ و٤٣٨ من طرق عن العلاء به.
- وورد من حديث جابر عند ابن حبان ١٠٣٩ والبزار ٤٤٩ وفي إسناده شرحبيل بن سعيد، وهو صدوق قد اختلط بأخرة كما في «التقريب».
- ومن حديث أبي سعيد الخدري دون قوله «فذلكم الرباط» عند ابن خزيمة ١٧٧ و٣٥٧ وابن حبان ٤٠٢ والحاكم ١/ ١٩١ و١٩٢ وابن أبي شيبة ١/ ٧ وأحمد ٣/ ٣ وابن ماجه ٤٢٧ والدارمي ١/ ١٧٨.
(١) في المطبوع وط «زمان». [.....]
(٢) في المخطوط وحده «خلف».
(٣) زيادة عن المخطوط.
عَلَيْكُمْ رَقِيباً، أي: حافظا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢ الى ٤]
وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً (٢) وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلاَّ تَعُولُوا (٣) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ.
ع «٥١٨» قَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ غَطَفَانَ كَانَ مَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لِابْنِ أَخٍ [لَهُ] يَتِيمٍ، فَلَمَّا بَلَغَ الْيَتِيمُ طَلَبَ الْمَالَ فَمَنَعَهُ عَمُّهُ فَتَرَافَعَا إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، فَلَمَّا سَمِعَهَا [١] الْعَمُّ قَالَ: أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَ نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحُوبِ الْكَبِيرِ، فَدَفَعَ إِلَيْهِ مَالَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ وَيُطِعْ رَبَّهُ هَكَذَا فَإِنَّهُ يَحُلُّ دَارَهُ».
يَعْنِي: جَنَّتَهُ، فَلَمَّا قَبَضَ الْفَتَى ماله أنفقه فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثَبَتَ الْأَجْرُ وَبَقِيَ الْوِزْرُ» [فَقَالُوا: كَيْفَ بَقِيَ الْوِزْرُ؟ فَقَالَ: «ثَبَتَ الْأَجْرُ لِلْغُلَامِ وَبَقِيَ الْوِزْرُ] [٢] عَلَى وَالِدِهِ».
وَقَوْلُهُ: وَآتُوا خِطَابٌ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ، وَالْيَتَامَى: جَمْعُ يَتِيمٍ، وَالْيَتِيمُ: اسْمٌ لِصَغِيرٍ لَا أَبَ لَهُ وَلَا جَدَّ، وَإِنَّمَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَسَمَّاهُمْ يَتَامَى هَاهُنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَامَى، وَلا تَتَبَدَّلُوا، [أَيْ] [٣] : لَا تَسْتَبْدِلُوا، الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ، أَيْ: مَالُهُمُ الَّذِي هُوَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ بِالْحَلَالِ مِنْ أموالكم، واختلفوا في هذا التبديل، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَالسُّدِّيُّ: كَانَ أَوْلِيَاءُ الْيَتَامَى يَأْخُذُونَ الْجَيِّدَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ويجعلونه مكانه الرديء، فربّما كان أحدهم [٤] يَأْخُذُ الشَّاةَ السَّمِينَةَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَيَجْعَلُ مَكَانَهَا الْمَهْزُولَةَ، وَيَأْخُذُ الدِّرْهَمَ الْجَيِّدَ وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ الزَّيْفَ، وَيَقُولُ: دِرْهَمٌ بِدِرْهَمٍ، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ، وَقِيلَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يُوَرِّثُونَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَيَأْخُذُ الْأَكْبَرُ الْمِيرَاثَ، فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمِيرَاثِ طيّب، وهذا الذي يأخذه من نصيب غيره خَبِيثٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا تَتَعَجَّلِ الرِّزْقَ الْحَرَامَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ الْحَلَالُ. وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ، أَيْ: مَعَ أَمْوَالِكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ [آل عمران: ٥٢] أَيْ: مَعَ اللَّهِ، إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً، [أَيْ] : إِثْمًا عَظِيمًا.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ، اختلفوا في تأويلها [٥]، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ إِنْ خِفْتُمْ يَا أَوْلِيَاءَ الْيَتَامَى أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِيهِنَّ إِذَا نَكَحْتُمُوهُنَّ فَانْكِحُوا غَيْرَهُنَّ مِنَ الْغَرَائِبِ مَثْنَى وَثُلَاثَ ورباع.
٥١٨- ع ضعيف جدا، عزاه المصنف لمقاتل والكلبي، وإسناده إليهما مذكور أول الكتاب. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٩١) بدون إسناد عن مقاتل والكلبي، وعزاه ابن حجر في «تخريج الكشاف» (١٩٩٩) للثعلبي، وقال:
وسنده إليهما مذكور أول الكتاب- أي كتاب الثعلبي- وسكت الحافظ عليه، وهو معضل، والكلبي متروك متهم، وكذا مقاتل.
(١) في المطبوع وحده «سمع».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «أحد».
(٥) في المطبوع «تأويلهم».
562
«٥١٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [عَنِ قوله] [١] : وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنَ النِّسَاءِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النساء: ١٢٧].
فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ أَوْ مَالٍ، رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا [٢] بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنَ النِّسَاءِ، قَالَ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلَّا أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الْأَوْفَى مِنَ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا.
قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الرجل من أهل الجاهلية [٣] يَكُونُ عِنْدَهُ الْأَيْتَامُ وَفِيهِنَّ مَنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُهَا فَيَتَزَوَّجُهَا لِأَجْلِ مَالِهَا وَهِيَ لَا تُعْجِبُهُ كَرَاهِيَةَ أن يدخل غَرِيبٌ فَيُشَارِكُهُ فِي مَالِهَا، ثُمَّ يسيء صحبتها ويتربص أَنْ تَمُوتَ وَيَرِثَهَا، فَعَابَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: كَانَ الرَّجُلُ مِنْ قُرَيْشٍ يَتَزَوَّجُ الْعَشْرَ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَكْثَرَ فَإِذَا صَارَ مُعْدَمًا مِنْ مُؤَنِ نِسَائِهِ مَالَ إِلَى مَالِ [يَتِيمِهِ الَّذِي] [٤] فِي حِجْرِهِ فَأَنْفَقَهُ، فَقِيلَ لَهُمْ: لَا تَزِيدُوا عَلَى أَرْبَعٍ حَتَّى لَا يُحْوِجَكُمْ إِلَى أَخْذِ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَهَذِهِ رواية طاوس عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانُوا يَتَحَرَّجُونَ عَنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَيَتَرَخَّصُونَ فِي النساء، فيتزوجون ما شاؤوا وَرُبَّمَا عَدَلُوا وَرُبَّمَا لَمْ يَعْدِلُوا، فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ أَنْزَلَ هَذِهِ الْآيَةَ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى، يَقُولُ كَمَا خِفْتُمْ أَنْ لَا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَكَذَلِكَ خَافُوا فِي النِّسَاءِ أَنْ لَا تَعْدِلُوا فِيهِنَّ فَلَا تَتَزَوَّجُوا أَكْثَرَ مِمَّا يُمْكِنُكُمُ الْقِيَامَ بِحَقِّهِنَّ [٥]، لِأَنَّ النِّسَاءَ فِي الضَّعْفِ كَالْيَتَامَى، وَهَذَا قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ، ثُمَّ رَخَّصَ فِي نِكَاحِ أَرْبَعٍ فَقَالَ: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَعْنَاهُ إِنْ تَحَرَّجْتُمْ مِنْ وِلَايَةِ الْيَتَامَى وَأَمْوَالِهِمْ إِيمَانًا فَكَذَلِكَ تَحَرَّجُوا مِنَ الزِّنَا فَانْكِحُوا النِّسَاءَ الْحَلَالَ نِكَاحًا طَيِّبًا ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ عَدَدًا، وَكَانُوا يَتَزَوَّجُونَ ما شاؤوا من غير عدد، فنزل قَوْلُهُ تَعَالَى: فَانْكِحُوا مَا طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ أَيْ: مَنْ طَابَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) [الشمس: ٥]،
٥١٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار.
- أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٧٦٣) عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٤٩٤ و٤٥٧٣ و٤٥٧٤ و٤٦٠٠ و٥٠٦٤ و٥٠٩٢ و٥٠٩٨ و٥١٢٨ و٥١٣١ و٥١٤٠ و٦٩٦٥ ومسلم ٣٠١٨ والنسائي في «التفسير» (١١٠) والطبري ٨٤٥٩ والواحدي في «أسباب النزول» (٢٩٢) من طرق عن هشام بن عروة به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المخطوط «بنسبها».
(٣) في المخطوط «المدينة».
(٤) في المطبوع «يتيمته التي» والمثبت عن المخطوط والطبري.
(٥) في المطبوع وحده «بحقوقهن». [.....]
563
وقوله تَعَالَى: قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) [الشُّعَرَاءِ: ٢٣] وَالْعَرَبُ تَضَعُ «مَنْ» وَ «مَا» كَلَّ وَاحِدَةٍ مَوْضِعَ الْأُخْرَى، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ [النُّورِ: ٤٥]، وَطَابَ أَيْ: حَلَّ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ، مَعْدُولاتٍ عَنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ، وَلِذَلِكَ لَا يصرفن، وَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ، لِلتَّخْيِيرِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى [سبأ: ٤٦] وقوله تعالى: أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ [فاطر: ١] وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْأُمَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا مُشَارَكَةَ مَعَهُ لِأَحَدٍ مِنَ الْأُمَّةِ فِيهَا.
ع «٥٢٠» وَرُوِيَ أَنَّ قَيْسَ بْنَ الْحَارِثَ كَانَ تَحْتَهُ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ لَهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«طَلِّقْ أَرْبَعًا وَأَمْسِكْ أَرْبَعًا» فجعل يقول للمرأة التي لم تلد [منه] [١] يا فلانة أدبري وللتي قَدْ وَلَدَتْ يَا فُلَانَةُ أَقْبِلِي.
ع «٥٢١» وَرُوِيَ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمْسِكْ أَرْبَعًا وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ».
وَإِذَا جَمَعَ الْحُرُّ بَيْنَ أربع نسوة حرائر فإنه يَجُوزُ، فَأَمَّا الْعَبْدُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أَكْثَرَ مِنِ امْرَأَتَيْنِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لِمَا:
«٥٢٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ [٢] الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ [بْنِ] [٣] أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى أَبِي طَلْحَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يَنْكِحُ العبد امرأتين، ويطلق تطليقتين [٤] وَتَعْتَدُّ الْأَمَةُ بِحَيْضَتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَحِيضُ فَبِشَهْرَيْنِ أَوْ شَهْرٍ وَنِصْفٍ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: يَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ كَالْحُرِّ.
٥٢٠- ع أخرجه أبو داود ٢٢٤١ و٢٢٤٢ وابن ماجه ١٩٥٢ والبيهقي ٧/ ١٨٣ من حديث الحارث بن قيس.
وفيه مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبي ليلى، وهو صدوق لكنه سيئ الحفظ إلا أن للحديث شواهد يحسن بها إن شاء الله.
وحسنه ابن كثير في «التفسير» (١/ ٤٦١). وانظر تفسير الشوكاني ٥٩٦ بتخريجي.
٥٢١- ع جيد. أخرجه الترمذي ١١٢٨ وابن ماجه ١٩٥٣ والدارقطني ٣/ ٢٦٩ والشافعي ٢/ ١٦ وابن أبي شيبة ٤/ ٣١٧ وأحمد ٢/ ١٤ و٤٤ و٨٣ والحاكم ٢/ ١٩٢- ١٩٣ والبيهقي ٧/ ١٤٩ و١٨١ والبغوي ٢٢٨١ من طرق عن مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عن ابن عمر أن غيلان بن سلمة.... وهذا إسناد على شرطهما، لكن أعله البخاري كما نقل الترمذي، ومع ذلك هو حديث قوي بشواهده.
وجاء في «تلخيص الحبير» (٣/ ١٦٨) ما ملخصه: صوّب البخاري ومسلم فيه الإرسال، وقال ابن عبد البر: طرقه كلها معلولة. قال ابن حجر: لكن رواه النسائي والدارقطني من طريق غير طريق الزهري، ورجاله ثقات، وقد استدل القطان بهذه الطريق على صحة الحديث اهـ.
وله شاهد قد تقدم- وأما المرسل فقد أخرجه مالك ٢/ ٥٨٢ وعبد الرزاق ١٢٦٢١، وانظر «تفسير الشوكاني» (٥٩٥).
٥٢٢- موقوف صحيح. إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم خلا محمد بن عبد الرحمن، فإنه من رجال مسلم، سفيان هو ابن عيينة، عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مسعود الهذلي. ابن أخي عبد الله بن مسعود. وهو صحابي صغير، وهذا الوارد عن عمر، عليه جمهور الفقهاء.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) تصحف في المطبوع «أحمد».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في المطبوع «طلقتين».
564
فَإِنْ خِفْتُمْ، خَشِيتُمْ، وَقِيلَ: عَلِمْتُمْ، أَلَّا تَعْدِلُوا، بَيْنَ الْأَزْوَاجِ الْأَرْبَعِ، فَواحِدَةً أَيْ: فَانْكِحُوا وَاحِدَةً. وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ فَواحِدَةً بِالرَّفْعِ، أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، يَعْنِي: السَّرَارِيَّ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ فِيهِنَّ مِنَ الْحُقُوقِ مَا يَلْزَمُ فِي الْحَرَائِرِ، وَلَا قَسْمَ لَهُنَّ وَلَا وَقْفَ فِي عَدَدِهِنَّ، وَذِكْرُ الْأَيْمَانِ بَيَانٌ تَقْدِيرُهُ: أَوْ مَا مَلَكْتُمْ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، أَيْ: مَا يَنْفُذُ فِيهِ إِقْسَامُكُمْ، جَعَلَهُ مِنْ يَمِينِ الْحَلِفِ، لَا يَمِينَ الْجَارِحَةِ، ذلِكَ أَدْنى، أقرب، أَلَّا تَعْدِلُوا أَيْ: لَا تَجُورَوا وَلَا تَمِيلُوا، يُقَالُ: مِيزَانٌ عَائِلٌ، أَيْ: جَائِرٌ مَائِلٌ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَنْ لَا تَضِلُّوا، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَنْ لَا تُجَاوِزُوا مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، وَأَصْلُ الْعَوْلِ: الْمُجَاوَزَةُ، وَمِنْهُ عَوْلُ الْفَرَائِضِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَنْ لَا تَكْثُرَ عِيَالُكُمْ، وَمَا قَالَهُ أَحَدٌ، إِنَّمَا يُقَالُ: [مِنْ كَثْرَةِ الْعِيَالِ] [١] أَعَالَ يُعِيلُ إِعَالَةً إِذَا كَثُرَ عِيَالُهُ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: كَانَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أعلم بلسان العرب منّا [فله بلغة، وَيُقَالُ: هِيَ] [٢] لُغَةُ حِمْيَرَ، وَقَرَأَ طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ أَنْ لَا تُعِيلُوا وَهِيَ حُجَّةٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (٤) وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً، قَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ [٣] : هَذَا الْخِطَابُ لِلْأَوْلِيَاءِ، وَذَلِكَ أَنَّ وَلِيَّ الْمَرْأَةِ كَانَ إِذَا زَوَّجَهَا فَإِنْ كَانَتْ مَعَهُمْ فِي الْعَشِيرَةِ لَمْ يُعْطِهَا مِنْ مَهْرِهَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا غَرِيبًا حَمَلُوهَا إِلَيْهِ عَلَى بَعِيرٍ وَلَمْ يُعْطُوهَا مِنْ مَهْرِهَا غَيْرَ ذَلِكَ، فنهاهم عَنْ ذَلِكَ وَأَمْرَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا الحق إلى أهله [و] قال الحضرمي: وكان أَوْلِيَاءُ النِّسَاءِ يُعْطِي هَذَا أُخْتَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْآخَرُ أُخْتَهُ، وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا، فَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَأُمِرُوا بِتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ فِي الْعَقْدِ.
«٥٢٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ [٤] نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الشِّغَارِ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يُزَوَّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يزوجه الْآخَرُ ابْنَتَهُ، وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ.
وقال آخرون [٥] : الْخِطَابُ لِلْأَزْوَاجِ أُمِرُوا بِإِيتَاءِ نِسَائِهِمُ الصَّدَاقَ، وَهَذَا أَصَحُّ، لِأَنَّ الْخِطَابَ فِيمَا قَبْلُ [٦] مَعَ النَّاكِحِينَ، وَالصَّدُقَاتُ: الْمُهُورُ، وَاحِدُهَا صَدُقَةٌ، نِحْلَةً قَالَ قتادة: فريضة، وقال ابن
٥٢٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، نافع هو مولى ابن عمر.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٨٤) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٥٣٥) ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٥١١٢ ومسلم ١٤١٥ ح ٥٧ والترمذي ١١٢٤ وأبو داود ٢٠٧٤ والنسائي ٦/ ١١٢ وابن حبان ٤١٥٢ والدارمي ٢/ ١٣٦ والبيهقي ٧/ ١٩٩.
- أخرجه البخاري ٦٩٦٠ ومسلم ١٤١٥ ح ٥٨ وأبو داود ٢٠٧٤ والنسائي ٦/ ١١٠ والبيهقي ٧/ ١٩٩- ٢٠٠ من طرق عن عبيد الله، عن نافع به.
- أخرجه مسلم ١٤١٥ ح ٥٩ و٦٠ من طريق نافع به.
- وورد من حديث أبي هريرة عند مسلم ١٤١٦ والنسائي ٦/ ١١٢ ومن حديث جابر عند مسلم ١٤١٧.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) ما بين المعقوفتين في المخطوط «لعله» وفي- ط «ولعله لغة، ويقال هي».
(٣) في المخطوط وحده «وجماعة».
(٤) في الأصل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وعن «كتب التخريج».
(٥) في المطبوع وط «الآخرون».
(٦) تصحف في المخطوط «قيل». [.....]
565
جُرَيْجٍ: فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ، قَالَ أَبُو عبيد: وَلَا تَكُونُ النِّحْلَةُ إِلَّا مُسَمَّاةً مَعْلُومَةً، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: عَطِيَّةً وَهِبَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: عَنْ طِيبِ نَفْسٍ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: تَدَيُّنًا.
«٥٢٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ».
فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً يَعْنِي: فَإِنْ طَابَتْ نُفُوسُهُنَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَوَهَبْنَ مِنْكُمْ، فَنَقَلَ الْفِعْلَ مِنَ النُّفُوسِ إلى أصحابها فخرجت النفس مفسرة، فَلِذَلِكَ وَحَّدَ النَّفْسَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً [العنكبوت: ٣٣] وقرئ: (عينا) وَقِيلَ: لَفْظُهَا وَاحِدٌ وَمَعْنَاهَا جَمْعٌ، فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً، سَائِغًا طَيِّبًا، يقال: [هنأ في] [١] الطعام يهنئ بِفَتْحِ النُّونِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا في الحاضر [٢]، وقيل: الهنيء:
الطَّيِّبُ الْمُسَاغُ الَّذِي لَا يُنَغِّصُهُ شَيْءٌ، وَالْمَرِيءُ: الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ التَّامُّ الْهَضْمِ الَّذِي لَا يَضُرُّ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ «هَنِيًّا مَرِيًّا» بِتَشْدِيدِ الياء فيهما من غير همزة، وَكَذَلِكَ «بَرِيٌّ» «وَبَرِيُّونَ» «وَبَرِيًّا» «وَكَهَيَّةِ» والآخرون يهمزونها.
[سورة النساء (٤) : آية ٥]
وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً وَارْزُقُوهُمْ فِيها وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً، اخْتَلَفُوا فِي هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ فَقَالَ قَوْمٌ: هُمُ النِّسَاءُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: النِّسَاءُ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَهَى الرِّجَالَ أَنْ يُؤْتُوا النِّسَاءَ أَمْوَالَهُمْ وَهُنَّ سفهاء سواء كُنَّ أَزْوَاجًا أَوْ بَنَاتٍ أَوْ أُمَّهَاتٍ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُمُ الْأَوْلَادُ، قَالَ الزُّهْرِيُّ:
يَقُولُ لَا تُعْطِ وَلَدَكَ السَّفِيهَ مَالَكَ الَّذِي هُوَ قِيَامُكَ بَعْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَيُفْسِدُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هِيَ امْرَأَتُكَ السَّفِيهَةُ وَابْنُكَ السَّفِيهُ [٣]، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَعْمَدْ إِلَى مَالِكَ الَّذِي خَوَّلَكَ اللَّهُ وَجَعَلَهُ لَكَ مَعِيشَةً فتعطيه امرأتك وبنيك فيكونوا هم الذين ينفقون [٤] عَلَيْكَ، ثُمَّ تَنْظُرُ إِلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَلَكِنْ أَمْسِكْ مَالَكَ وَأَصْلِحْهُ وَكُنْ أَنْتَ الَّذِي تُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فِي رِزْقِهِمْ وَمُؤْنَتِهِمْ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِذَا عَلِمَ الرَّجُلُ أَنَّ امْرَأَتَهُ سَفِيهَةٌ مُفْسِدَةٌ وَأَنَّ وَلَدَهُ سفيه مفسد فلا ينبغي له أَنْ يُسَلِّطَ وَاحِدًا مِنْهُمَا عَلَى مَالِهِ فَيُفْسِدَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعِكْرِمَةُ: هُوَ مَالُ الْيَتِيمِ يَكُونُ عِنْدَكَ، يَقُولُ لَا تُؤْتِهِ إيّاه وأنفقه عَلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ، وَإِنَّمَا أَضَافَ إِلَى الْأَوْلِيَاءِ فَقَالَ: أَمْوالَكُمُ لِأَنَّهُمْ قِوَامُهَا وَمُدَبِّرُوهَا، وَالسَّفِيهُ الَّذِي لَا
٥٢٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، تفرد البخاري عن عبد الله بن يوسف، وهو التّنّيسي الكلاعي، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، أبو الخير هو مرثد بن عبد الله.
- وهو في «صحيح البخاري» (٢٧٢١) عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥١٥١ وأبو داود ٢١٣٩ والنسائي ٦/ ٩٢- ٩٣ وعبد الرزاق ١٠٦١٣ وأحمد ٤/ ١٥٠ وابن حبان ٤٠٩٢ والطبراني في «الكبير» (١٧/ (٧٥٢)) من طرق عن الليث به.
- وأخرجه مسلم ١٤١٨ والترمذي ١١٢٧ والنسائي ٦/ ٩٣ وابن ماجه ١٩٥٤ وعبد الرزاق ١٠٦١٣ وأحمد ٤/ ١٤٤ و١٥٢ والدارمي ٢/ ١٤٣ وأبو يعلى ١٧٥٤ والطبراني ١٧/ ٧٥٣ و٧٥٦ و٧٥٨ والبيهقي ٧/ ٢٤٨ والبغوي ٢٢٧٠ من طرق عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ به.
(١) في المطبوع والمخطوط «هنأني» والمثبت عن- ط.
(٢) في المطبوع «الغابر» وفي- ط «الباقي».
(٣) في المطبوع وحده «وابنتك السفيهة».
(٤) في المطبوع وط «يقومون».
يَجُوزُ لِوَلِيِّهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ مَالَهُ هو المستحق الحجر عَلَيْهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُبَذِّرًا فِي مَالِهِ أَوْ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ، أَيْ: الْجُهَّالَ بِمَوْضِعِ [١] الْحَقِّ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا، قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عامر «قيّما» بِلَا أَلِفٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ قِياماً وَأَصْلُهُ: قِوَامًا، فَانْقَلَبَتِ الْوَاوُ يَاءً لِانْكِسَارِ مَا قَبْلَهَا، وَهُوَ مَلَاكُ الْأَمْرِ وَمَا يَقُومُ بِهِ الْأَمْرُ. وَأَرَادَ هَاهُنَا قِوَامَ عَيْشِكُمُ الَّذِي تَعِيشُونَ بِهِ. قَالَ الضَّحَّاكُ: بِهِ يُقَامُ الْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَأَعْمَالُ الْبِرِّ وَبِهِ فَكَاكُ الرِّقَابِ مِنَ النَّارِ. وَارْزُقُوهُمْ فِيها أَيْ: أَطْعِمُوهُمْ، وَاكْسُوهُمْ، لِمَنْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُ وَمُؤْنَتُهُ، وَإِنَّمَا قَالَ فِيها وَلَمْ يَقُلْ: مِنْهَا، لِأَنَّهُ أَرَادَ [اجْعَلُوا] [٢] لَهُمْ فيها رزقا فالرزق مِنَ اللَّهِ الْعَطِيَّةُ مِنْ غَيْرِ حدّ، ومن العباد أجر مؤقت مَحْدُودٌ. وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً عدة جميلة، وقال عطاء: [يقول] [٣] إِذَا رَبِحْتُ أَعْطَيْتُكَ وَإِنْ غَنِمْتُ فلك فيه حظ، وَقِيلَ: هُوَ الدُّعَاءُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يجب عليك نفقته، فقل له: عافانا الله وإيّاك بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، وَقِيلَ: قَوْلًا [لينا] [٤] تطيب به نفوسهم [٥].
[سورة النساء (٤) : آية ٦]
وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَابْتَلُوا الْيَتامى، الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ رِفَاعَةَ وَفِي عَمِّهِ، وَذَلِكَ أَنَّ رِفَاعَةَ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ ابْنَهُ ثَابِتًا وَهُوَ صَغِيرٌ، فَجَاءَ عَمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: إِنَّ ابْنَ أَخِي يَتِيمٌ فِي حِجْرِي، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْ مَالِهِ وَمَتَى أَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية [٦] وَابْتَلُوا الْيَتامى أي: اخْتَبِرُوهُمْ فِي عُقُولِهِمْ وَأَدْيَانِهِمْ وَحِفْظِهِمْ أَمْوَالَهُمْ، حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ، أَيْ: مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، فَإِنْ آنَسْتُمْ، أبصرتم، مِنْهُمْ رُشْداً، قال الْمُفَسِّرُونَ يَعْنِي: عَقْلًا وَصَلَاحًا فِي الدِّينِ وَحِفْظًا لِلْمَالِ وَعِلْمًا بِمَا يصلحه. قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: لَا يَدْفَعُ إِلَيْهِ مَالَهُ وَإِنْ كَانَ شَيْخًا حَتَّى يُؤْنِسَ مِنْهُ رُشْدَهُ، وَالِابْتِلَاءُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَصَرَّفُ فِي السُّوقِ فَيَدْفَعُ الْوَلِيُّ إِلَيْهِ شَيْئًا يَسِيرًا مِنَ الْمَالِ وَيَنْظُرُ فِي تَصَرُّفِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لا يتصرف في السوق فيختبره فِي نَفَقَةِ دَارِهِ، وَالْإِنْفَاقِ عَلَى عَبِيدِهِ وَأُجَرَائِهِ، وَتُخْتَبَرُ الْمَرْأَةُ فِي أَمْرِ بَيْتِهَا وَحِفْظِ مَتَاعِهَا وَغَزْلِهَا وَاسْتِغْزَالِهَا، فَإِذَا رَأَى حُسْنَ تَدْبِيرِهِ، وَتَصَرُّفِهِ فِي الْأُمُورِ مِرَارًا يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ رُشْدُهُ، دَفَعَ الْمَالَ إِلَيْهِ. وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَّقَ زَوَالَ الْحَجْرِ عَنِ الصَّغِيرِ وَجَوَازَ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بِشَيْئَيْنِ: بالبلوغ والرّشد، والبلوغ يَكُونُ بِأَحَدِ أَشْيَاءَ أَرْبَعَةٍ: اثْنَانِ يَشْتَرِكُ فِيهِمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَاثْنَانِ مختصان [٧] بِالنِّسَاءِ [فَمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ الرِّجَالُ والنساء أمران] [٨] أَحَدُهُمَا السِّنُّ، وَالثَّانِي الِاحْتِلَامُ، أَمَّا السِّنُّ فَإِذَا اسْتَكْمَلَ الْمَوْلُودُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً حُكِمَ بِبُلُوغِهِ غُلَامًا كان أو جارية، لما:
(١) في المخطوط «الموضع».
(٢) العبارة في المطبوع «أنهم جعلوا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «أنفسهم».
(٦) أخرجه الطبري ٨٦٤٠ عن قتادة مرسلا وذكره الواحدي في «أسبابه» (٢٩٤) بدون إسناد.
(٧) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «تختص» وفي- ط «تختصان».
(٨) زيادة عن المخطوط وط.
567
«٥٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ [١] الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [٢] بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
عُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَدَّنِي، ثُمَّ عُرِضْتُ عَلَيْهِ عَامَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي، قَالَ نَافِعٌ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، فَقَالَ: هذا فرق ما بَيْنَ الْمُقَاتَلَةِ وَالذُّرِّيَّةِ، وَكَتَبَ أَنْ يُفْرَضَ لِابْنِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً [فِي] [٣] الْمُقَاتَلَةِ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْهَا فِي الذُّرِّيَّةِ.
وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بُلُوغُ الْجَارِيَةِ باستكمال سبع عشرة [سنة] [٤]، وَبُلُوغُ الْغُلَامِ بِاسْتِكْمَالِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَأَمَّا الِاحْتِلَامُ فَنَعْنِي [٥] بِهِ نُزُولَ الْمَنِيِّ سَوَاءً كَانَ بِالِاحْتِلَامِ أَوْ بِالْجِمَاعِ، أَوْ غَيْرِهِمَا، فَإِذَا وجد ذَلِكَ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ مِنْ أَيِّهِمَا كَانَ حُكْمٌ بِبُلُوغِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا [النور: ٥٩].
ع «٥٢٦» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُعَاذٍ فِي الْجِزْيَةِ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا» وَأَمَّا الْإِنْبَاتُ، وَهُوَ نَبَاتُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ حَوْلَ الْفَرَجِ، فَهُوَ بُلُوغٌ فِي أَوْلَادِ المشركين، لما:
ع «٥٢٧» رُوِيَ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ: كُنْتُ مِنْ سَبْيِ قُرَيْظَةَ، فَكَانُوا يَنْظُرُونَ فَمَنْ أُنْبِتَ الشَّعْرَ قُتِلَ،
(١) في «شرح السنة» «محمد» وهو خطأ. [.....]
(٢) في الأصل «عبد الله» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط «فيعين».
٥٢٥- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٣٩٤) عن عبد الوهّاب بن محمد، عن عبد العزيز بن محمد الخلال بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ١٢٨) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٦٦٤ و٤٠٩٧ ومسلم ١٨٦٨ وأبو داود ٤٤٠٦ و٤٤٠٧ والترمذي ١٧١١ والنسائي ٦/ ١٥٥- ١٥٦ وابن ماجه ٢٥٤٣ وأحمد ٢/ ١٧ وابن سعد في «الطبقات» (٤/ ١٤٣) وابن حبان ٤٧٢٨ والبيهقي ٣/ ٨٣ و٦/ ٥٤- ٥٥ وفي «الدلائل» (٣/ ٣٩٥) من طرق عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ به.
٥٢٦- ع حسن. هو قطعة من حديث، أخرجه أبو داود ١٥٧٨ والترمذي ٦٢٣ والنسائي ٥/ ٢٥ و٢٦ وابن ماجه ١٨٠٣ وعبد الرزاق ٦٨٤١ والطيالسي ٥٦٧ وأحمد ٥/ ٢٣٠ والدارمي ١/ ٣٨٢ وابن حبان ٤٨٨٦ والحاكم ١/ ٣٩٨ والبيهقي ٤/ ٩٨ و٩/ ١٩٣ من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْيَمَنِ فأمرني أن آخذ من كل أربعين مسنة، ومن كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة ومن كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عِدْلَهُ معافر».
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد رواه بعضهم عن مسروق مرسلا، وهو أصح اهـ.
قلت: مسروق بن الأجدع تابعي مخضرم رواه عنه الجماعة، وهو ثقة، ولقاؤه لمعاذ محتمل والمعاصرة واقعة لا محالة، والحديث حسن، وانظر «صحيح أبي داود» ١٤٥٩. والله أعلم.
٥٢٧- ع حسن. أخرجه أبو داود ٤٤٠٤ والترمذي ١٥٨٤ والنسائي ٦/ ١٥٥ وابن ماجه ٢٥٤١ و٢٥٤٢ وعبد الرزاق ١٨٧٤٣ وابن أبي شيبة ١٢/ ٥٣٩- ٥٤٠ والحميدي ٨٨٨ وابن سعد ٢/ ٧٦- ٧٧ والطبراني في «الكبير» (١٧/ (٤٢٨) و (٤٣٢) والحاكم ٤/ ٣٩٠ وابن حبان ٤٧٨٢ والبيهقي ٦/ ٥٨ و٩/ ٦٣ من طرق عن سفيان سمع عبد الملك بن عمير، عن عطية القرظي به. واللفظ لأبي داود وغيره.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وهو كما قال، رجاله رجال البخاري ومسلم، وفي عبد الملك كلام لا يضر، وعطية القرظي روى عنه أصحاب السنن، وهو صحابي صغير.
568
وَمَنْ لَمْ يُنْبَتْ لَمْ يُقْتَلْ، فَكُنْتُ مِمَّنْ لَمْ يُنْبَتْ.
وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ [١] بُلُوغًا فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَكُونُ بُلُوغًا كَمَا فِي أَوْلَادِ الْكُفَّارِ، وَالثَّانِي: لَا يَكُونُ بُلُوغًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى مَوَالِيدِ الْمُسْلِمِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى آبَائِهِمْ، وَفِي الْكُفَّارِ لَا يُوقَفُ عَلَى مَوَالِيدِهِمْ، وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ آبَائِهِمْ فِيهِ لِكُفْرِهِمْ، فَجُعِلَ الْإِنْبَاتُ الَّذِي هُوَ أَمَارَةُ البلوغ بلوغا في حقهم، [و] أما مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ فَالْحَيْضُ وَالْحَبَلُ، فَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا وَلَدَتْ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا قَبْلَ الْوَضْعِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَأَمَّا الرُّشْدُ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ مُصْلِحًا فِي دِينِهِ وماله، والصلاح فِي الدِّينِ هُوَ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْمَعَاصِي الَّتِي تُسْقِطُ الْعَدَالَةَ، وَالصَّلَاحُ فِي الْمَالِ هُوَ أَنْ لَا يَكُونَ مُبَذِّرًا، وَالتَّبْذِيرُ: هُوَ أَنْ يُنْفِقَ مَالَهُ فِيمَا لَا يَكُونُ فِيهِ مَحْمَدَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ وَلَا مَثُوبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ، أَوْ لَا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهَا، فَيَغِبْنُ فِي الْبُيُوعِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَهُوَ مُفْسِدٌ فِي دِينِهِ وَغَيْرُ مُصْلِحٍ لِمَالِهِ، دَامَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، وَلَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَالُهُ [٢] وَلَا يُنْفَذُ تَصَرُّفُهُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا كَانَ مُصْلِحًا لِمَالِهِ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ، وَإِذَا كَانَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ قَالَ: لَا يُدْفَعُ إِلَيْهِ الْمَالُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، غَيْرَ أَنَّ تَصَرُّفَهُ يَكُونُ نَافِذًا قَبْلَهُ، وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لِمَنِ اسْتَدَامَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: حَتَّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ، أَمْرَ بِدَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَإِينَاسِ الرُّشْدِ، وَالْفَاسِقُ لَا يَكُونُ رَشِيدًا وَبَعْدَ بُلُوغِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً وَهُوَ مُفْسِدٌ لِمَالِهِ بِالِاتِّفَاقِ [٣] غَيْرُ رَشِيدٍ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الْمَالِ إِلَيْهِ كَمَا قَبْلَ بُلُوغِ هَذَا السَّنِّ، وَإِذَا بَلَغَ وَأُونِسَ مِنْهُ الرُّشْدُ زَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ، وَدُفِعَ إِلَيْهِ الْمَالُ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً تَزَوَّجَ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ، وَعِنْدَ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنْ كَانَتِ امْرَأَةً لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، فَإِذَا تَزَوَّجَتْ دُفِعَ إِلَيْهَا، وَلَكِنْ لَا يَنَفُذُ تَصَرُّفُهَا إِلَّا بِإِذْنِ الزَّوْجِ، مَا لَمْ تَكْبُرْ وَتُجَرِّبُ، وإذا بَلَغَ الصَّبِيُّ رَشِيدًا وَزَالَ الْحَجْرُ عَنْهُ ثُمَّ عَادَ سَفِيهًا نُظِرَ فَإِنَ عَادَ مُبَذِّرًا لِمَالِهِ حُجِرَ عَلَيْهِ، وَإِنْ عَادَ مُفْسِدًا فِي دِينِهِ فَعَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: يُعَادُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ كَمَا يُسْتَدَامُ الْحَجْرُ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ، وَالثَّانِي: لَا يُعَادُ لِأَنَّ حُكْمَ الدَّوَامِ أَقْوَى مِنْ حُكْمِ الِابْتِدَاءِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَا حَجْرَ عَلَى الْحَرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ بِحَالٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى إِثْبَاتِ الْحَجْرِ مِنِ اتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، مَا رُوِيَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ ابْتَاعَ أَرْضًا سَبْخَةٍ بِسِتِّينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَآتِيَنَّ عُثْمَانَ فَلَأَحْجُرُنَّ عَلَيْكَ فَأَتَى ابْنُ جَعْفَرٍ الزُّبَيْرَ فَأَعْلَمَهُ بِذَلِكَ [فَقَالَ الزبير: أنا شريكك في بيعك فَأَتَى عَلِيٌّ عُثْمَانَ وَقَالَ احْجُرْ عَلَى هَذَا] [٤] فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا شَرِيكُهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: كَيْفَ أَحْجُرُ عَلَى رَجُلٍ فِي بَيْعٍ شَرِيكُهُ فِيهِ الزُّبَيْرُ، فَكَانَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ حَتَّى [٥] احْتَالَ الزُّبَيْرُ فِي دَفْعِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَأْكُلُوها، يَا مَعْشَرَ الْأَوْلِيَاءِ إِسْرافاً، بِغَيْرِ حَقٍّ، وَبِداراً أي:
مبادرة، أَنْ يَكْبَرُوا وأَنْ في محل نصب، يَعْنِي: لَا تُبَادِرُوا كِبَرَهُمْ وَرُشْدَهُمْ حَذَرًا مِنْ أَنْ يَبْلُغُوا فَيَلْزَمَكُمْ تَسْلِيمَهَا إِلَيْهِمْ، ثُمَّ بَيَّنَ مَا يحل لهم ومن مَالِهِمْ فَقَالَ: وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ، أَيْ: لِيَمْتَنِعْ مِنْ مَالِ اليتيم فلا يرزؤه قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، وَالْعِفَّةُ الِامْتِنَاعُ مِمَّا لَا يَحِلُّ، وَمَنْ كانَ فَقِيراً مُحْتَاجًا إِلَى مَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ يَحْفَظُهُ وَيَتَعَهَّدُهُ، فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ.
(١) تصحف في المطبوع «لذلك».
(٢) في المطبوع «المال».
(٣) في المخطوط وحده «بالإنفاق».
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «حين».
569
«٥٢٨» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ [١] أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ [٢] أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ [٣] دَاسَّةَ التَّمَّارُ أَخْبَرَنَا أَبُو داود السِّجِسْتَانِيُّ أَخْبَرَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْحَارِثِ حَدَّثَهُمْ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ يَعْنِي الْمُعَلِّمَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عن جده رضي الله عنهم:
أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي فَقِيرٌ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَلِيَ يَتِيمٌ، فَقَالَ: «كُلْ مِنْ مَالِ يَتِيمِكَ غَيْرَ مُسْرِفٍ وَلَا مبذّر وَلَا مُتَأَثِّلٍ» ].
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هل يلزمه القضاء، فذهب قوم [٥] إلى أن يَقْضِي إِذَا أَيْسَرَ وَهُوَ الْمُرَادُ من قوله:
فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ، والمعروف الْقَرْضُ، أَيْ: يَسْتَقْرِضُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا احْتَاجَ إِلَيْهِ، فَإِذَا أَيْسَرَ قَضَاهُ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ.
قَالَ عُمَرُ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي أَنْزَلْتُ نَفْسِي مِنْ مَالِ الله تعالى بمنزلة وليّ [٦] الْيَتِيمِ: إِنِ اسْتَغْنَيْتُ اسْتَعْفَفَتُ وَإِنِ افْتَقَرَتُ أَكَلَتُ بِالْمَعْرُوفِ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قضيت. وقال الشافعي: لا يأكله إلا أن
(١) في «شرح السنة» :«الميربند كشائي».
(٢) في الأصل «السنجري» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط». [.....]
(٣) في الأصل «أبو بكر داسة» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٤) قال المصنف في «شرح السنة» : قوله «غير متأثل» أي: غير متخذ منه أصل مال، وأثلة الشيء: أصله اهـ.
وقال ابن الأثير في «النهاية» : غير متأثل مالا: أي غير جامع.
(٥) في المطبوع وط «بعضهم» والمثبت هو الصواب.
(٦) تصحف في المطبوع «مال».
٥٢٨- حديث جيد بشواهده وطرقه. إسناده حسن للاختلاف المعروف في عمرو بن شعيب، عن آبائه، واستقر أهل الحديث على أنها سلسلة الحسن، الحسين المعلم هو ابن ذكوان.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٩٨) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق أبي داود ٢٨٧٢ عن حميد بن مسعدة بهذا الإسناد.
- وأخرجه النسائي ٦/ ٢٥٦ وابن ماجه ٢٧١٨ وابن الجارود ٩٥٢ وأحمد ٢/ ١٨٦ و٢١٥ والبيهقي ٦/ ٢٨٤ من طرق عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أبيه، عن جده.
قال الحافظ في «فتح الباري» (٨/ ٢٤١) : إسناده قوي اهـ.
- وله شاهد من حديث جابر أخرجه ابن حبان ٤٢٤٤ والطبراني في «الصغير» (٢٤٤).
وفيه معلى بن مهدي وثقه ابن حبان، وأورده ابن أبي حاتم في «العلل» (٨/ ٣٣٥) وقال: سألت أبي عنه فقال: شيخ موصلي أدركته، ولم أسمع منه، يحدث أحيانا بالحديث المنكر اهـ.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨٠٠/ ١٦٣) (١٣٥٢٨) وقال: وفيه معلى بن مهدي، وثقه ابن حبان وغيره، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات اهـ.
- ورواه أبو نعيم في «الحلية» (٣/ ٣٥١) وابن عدي في «الكامل» (٤/ ٧٢) من طريق صالح بن رستم أبو عامر الخزاز، عن عمرو بن دينار، عن جابر مرفوعا.
وفي إسناده صالح بن رستم قال عنه ابن عدي: هو عندي لا بأس به، ولم أر له حديثا منكرا جدا اهـ.
وقال أبو نعيم: تفرد به الخزاز، وهو من ثقات البصريين اهـ. وله شاهد آخر.
أخرجه الثعلبي كما في «تخريج الكشاف» (١/ ٤٧٥) من طريق الحسن العرني، عن ابن عباس.
- وورد عن الحسن العرني مرسلا أخرجه الطبري ٨٦٥٠ وابن المبارك في «البر والصلة» (٢١١) وعبد الرزاق في «تفسيره» (٥١٩) والبيهقي ٦/ ٢٨٥، وله شاهد آخر من مرسل قتادة أخرجه الطبري ٨٦٤٠، فالحديث حسن صحيح بشواهده وطرقه، وانظر «أحكام القرآن» (٣٩١) بتخريجي، ولله الحمد والمنة.
570
يُضْطَرَّ إِلَيْهِ كَمَا يُضْطَرُّ إِلَى الْمَيْتَةِ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ هَذَا الْأَكْلِ بِالْمَعْرُوفِ، فَقَالَ عَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ: يَأْكُلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، وَلَا يسرف ولا يكتسي منه، [وقال النخعي] [١] : لا يَلْبَسُ الْكَتَّانَ وَلَا الْحُلَلَ، وَلَكِنْ مَا سَدَّ الْجَوْعَةَ وَوَارَى الْعَوْرَةَ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَجَمَاعَةٌ: يَأْكُلُ مِنْ تمر نَخِيلِهِ وَلَبَنِ مَوَاشِيهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ فَلَا فَإِنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ فعليه رَدَّهُ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
الْمَعْرُوفُ رُكُوبُ الدَّابَّةِ وَخِدْمَةُ الْخَادِمِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا.
«٥٢٩» أخبرنا أبو إسحاق السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنَّ لِي يَتِيمًا وَإِنَّ لَهُ إِبِلًا أَفَأَشْرَبُ مِنْ لَبَنِ إِبِلِهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ تَبْغِي ضَالَّةَ إِبِلِهِ وَتَهْنَأُ جَرْبَاهَا وَتَلِيطُ [٢] حَوْضَهَا وَتَسْقِيهَا يوم ورودها فَاشْرَبْ غَيْرَ مُضِرٍّ بِنَسْلٍ وَلَا نَاهِكٍ فِي الْحَلْبِ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَالْمَعْرُوفُ أَنْ يَأْخُذَ [مِنْ جَمِيعِ] [٣] مَالِهِ بِقَدْرِ قِيَامِهِ وَأُجْرَةِ عَمَلِهِ، وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَائِشَةَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ، هذا أمر وإرشاد، وليس بِوَاجِبٍ، أَمَرَ الْوَلِيَّ بِالْإِشْهَادِ عَلَى دفع المال إلى اليتيم بعد ما بَلَغَ لِتَزُولَ عَنْهُ التُّهْمَةُ وَتَنْقَطِعَ الْخُصُومَةُ، وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً مُحَاسِبًا ومجازيا وشاهدا.
[سورة النساء (٤) : آية ٧]
لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ الآية.
ع «٥٣٠» نَزَلَتْ فِي أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ كُجَّةَ وَثَلَاثَ بَنَاتٍ له منها،
٥٢٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، يحيى بن سعيد هو الأنصاري.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٩٩) بهذا الإسناد، وأخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٣٤) عن يحيى بهذا الإسناد.
وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» (٥١٠ و٥١١) من طريقين عن القاسم بن محمد.
٥٣٠- ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٩٥) بدون إسناده، وأخرجه الطبري ٨٦٥٨ عن عكرمة مرسلا لكن باختصار.
ونسبه السيوطي في «الدر» (٢/ ٢١٧) لأبي الشيخ عن ابن عباس وكذا ذكره الواحدي في «الوسيط» (٢/ ١٤) عن ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ الْكَلْبِيِّ باختصار، وبدون إسناد.
- وورد مختصرا من حديث جابر أخرجه أبو نعيم وأبو موسى كما في «الإصابة» (٤/ ٤٨٧) قال أبو موسى: كذا قال:
ليس لهما شيء وأراد ليس يعطيان شيئا من ميراث أبيهما، قال ابن حجر: قلت: روايه عن سفيان هو إبراهيم بن هراسة ضعيف، وقد خالفه بشر بن المفضل، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ، عن جابر أخرجه أبو داود من طريقه قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.... اهـ.
وانظر «الإصابة في تمييز الصحابة» (٤/ ٤٨٧- ٤٨٨) ترجمة أم كجة، وهو عند أبي داود ٢٨٩١ و٢٨٩٢ والترمذي ٢٠٩٢ وابن ماجه ٢٧٢٠ وأحمد ٣/ ٣٥٢ والحاكم ٤/ ٣٣٤ والواحدي ٢٩٨ والبيهقي ٦/ ٢٢٩ من حديث جابر بنحو سياق المصنف، وليس فيه تسمية المرأة، بل فيه: أن امرأة سعد بن الربيع، والحديث حسن الإسناد.
(١) سقط من المخطوط وط وهو مثبت في المطبوع والطبري (٨٦٢٨ و٨٦٢٩ و٨٦٣٠ و٨٦٣١ و٨٦٣٢).
(٢) قال المصنف في «شرح السنة» (٤/ ٤٣٣) :«تهنأ جرباها» أي: تطليها بالقطرن- والهناء: القطران- وقوله: «وتليط حوضها» الصواب: وتلوط حوضها. أي: تطينه وتصلحه- واللط: المنع. يقال: لط الغريم وألط: إذا منع الحق.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
فَقَامَ رَجُلَانِ هُمَا ابْنَا عَمِّ الْمَيِّتِ وَوَصِيَّاهُ، سُوَيْدٌ وَعَرْفَجَةُ، فَأَخْذَا مَالَهُ وَلَمْ يُعْطِيَا امْرَأَتَهُ وَلَا بَنَاتِهِ شَيْئًا، وَكَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ لا يورّثون النساء ولا الصغير، وَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ ذَكَرًا، وَإِنَّمَا كَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ، وَيَقُولُونَ: لَا نُعْطِي إِلَّا مَنْ قَاتَلَ وَحَازَ الْغَنِيمَةَ، فَجَاءَتْ أُمُّ كُجَّةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَوْسَ بْنَ ثَابِتٍ مَاتَ وَتَرَكَ عَلَيَّ ثلاث بَنَاتٍ وَأَنَا امْرَأَتُهُ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا أُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ، وَقَدْ تَرَكَ أَبُوهُنَّ مَالًا حَسَنًا، وَهُوَ عِنْدَ سُوَيْدٍ وَعَرْفَجَةَ، وَلَمْ يُعْطِيَانِي وَلَا بناته [١] شَيْئًا وَهُنَّ فِي حِجْرِي، لَا يُطْعَمْنَ وَلَا يُسْقَيْنَ [٢]، فَدَعَاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَدَهَا لَا يَرَكَبُ فَرَسًا وَلَا يَحْمِلُ [كلّا ولا ينكي] [٣] عَدُوًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلرِّجالِ.
يَعْنِي: لِلذُّكُورِ مِنْ أَوْلَادِ الْمَيِّتِ وَأَقْرِبَائِهِ نَصِيبٌ حَظٌّ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِنَ الْمِيرَاثِ، وَلِلنِّساءِ، وللإناث مِنْهُمْ، نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ، أَيْ: مِنَ الْمَالِ، أَوْ كَثُرَ مِنْهُ نَصِيباً مَفْرُوضاً، نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ، وَقِيلَ: جَعَلَ ذَلِكَ نَصِيبًا فَأَثْبَتَ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى سُوَيْدٍ وَعَرْفَجَةَ: لَا تُفَرِّقَا مِنْ مَالِ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ شَيْئًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعْلَ لِبَنَاتِهِ نَصِيبًا مِمَّا تَرَكَ، وَلَمْ يُبَيِّنْ كَمْ هُوَ حَتَّى أَنْظُرَ مَا يَنْزِلُ فِيهِنَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء: ١١]. فِلْمَا نَزَلَتْ أَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ إلى سويد وعرفجة: «أن ادفعا إِلَى أُمِّ كُجَّةَ الثُّمُنَ [مِمَّا تَرَكَ] [٤] وَإِلَى بَنَاتِهِ الثُّلُثَيْنِ، وَلَكُمَا باقي المال».
[سورة النساء (٤) : آية ٨]
وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ، يَعْنِي: قسمة المواريث، أُولُوا الْقُرْبى، الَّذِينَ لَا يَرِثُونَ، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ، أَيْ: فَارْضَخُوا لَهُمْ مِنَ الْمَالِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفاً.
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فقال قوم: هي منسوخة [٥]، قال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ [٦] وَالضَّحَّاكُ:
كَانَتْ هَذِهِ قَبْلَ آيَةِ الْمِيرَاثِ [فَلَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الْمِيرَاثِ] [٧] جَعَلَتِ الْمَوَارِيثَ لِأَهْلِهَا، وَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ آخرون: هِيَ مُحْكَمَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ الْمِيرَاثِ مَا طَابَتْ بِهِ أَنْفُسُهُمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانُوا يُعْطُونَ التَّابُوتَ وَالْأَوَانِيَ وَرَثَّ الثِّيَابِ وَالْمَتَاعَ وَالشَّيْءَ الَّذِي يُسْتَحْيَا مِنْ قِسْمَتِهِ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ طِفْلًا فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَغَيْرُهُ: إِنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ كِبَارًا رَضَخُوا لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ صِغَارًا اعْتَذَرُوا إِلَيْهِمْ، فيقول الولي أو الوصي: إِنِّي لَا أَمَلِكُ هَذَا الْمَالَ إِنَّمَا هُوَ لِلصِّغَارِ، وَلَوْ كَانَ لِي مِنْهُ شَيْءٌ لَأَعْطَيْتُكُمْ، وَإِنْ يَكْبُرُوا فَسَيُعْرَفُونَ حُقُوقَكُمْ، هَذَا هُوَ الْقَوْلُ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ، فَإِنْ كَانُوا كِبَارًا تَوَلَّوْا إِعْطَاءَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا صِغَارًا أَعْطَى وَلِيُّهُمْ. رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ أَنَّ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ قَسَّمَ أَمْوَالَ أَيْتَامٍ فَأَمَرَ بِشَاةٍ فَذُبِحَتْ فَصَنَعَ طعاما لأجل هَذِهِ الْآيَةِ، وَقَالَ: لَوْلَا هَذِهِ الْآيَةُ لَكَانَ هَذَا مِنْ مَالِي.
وَقَالَ قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ [٨] : ثَلَاثُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ مَدَنِيَّاتٍ تَرَكَهُنَّ النَّاسُ، هَذِهِ الْآيَةُ وَآيَةُ الِاسْتِئْذَانِ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ [النُّورِ: ٥٨] الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ
(١) في المطبوع «بناتي».
(٢) في «أسباب النزول» جاء بلفظ المثنى.
(٣) في المطبوع «كلأ ولا ينكأ» والمثبت عن «أسباب النزول».
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) زيد في النسخ «و» وليس بشيء.
(٦) تصحف في المطبوع «جبير».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) تصحف في المطبوع «معمر».
مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى [الْحُجُرَاتِ: ١٣] الْآيَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَهُوَ أَوْلَى الْأَقَاوِيلِ: إِنَّ هَذَا عَلَى النَّدْبِ وَالِاسْتِحْبَابِ، لا على الحتم والإيجاب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٩ الى ١٠]
وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً خافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٩) إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً (١٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعافاً، أَوْلَادًا صِغَارًا، خافُوا عَلَيْهِمْ، الْفَقْرَ، هَذَا فِي الرَّجُلِ يَحْضُرُهُ الْمَوْتُ، فَيَقُولُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ: انْظُرْ لِنَفْسِكَ فَإِنَّ أَوْلَادَكَ وَوَرَثَتَكَ لَا يُغْنُونَ عَنْكَ شَيْئًا، قَدِّمْ لِنَفْسِكَ أَعْتِقْ وَتَصَدَّقْ وَأَعْطِ فُلَانَا كَذَا وَفُلَانًا كَذَا، حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى عَامَّةِ مَالِهِ، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْمُرُوهُ أَنْ يَنْظُرَ لِوَلَدِهِ وَلَا يَزِيدَ فِي وَصِيَّتِهِ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُجْحِفَ بِوَرَثَتِهِ كَمَا أنه لَوْ كَانَ هَذَا الْقَائِلُ هُوَ الموصي لسره أَنْ يَحُثَّهُ مَنْ بِحَضْرَتِهِ عَلَى حفظ ماله لولده، ولا [أن] [١] يَدَعَهُمْ عَالَةً مَعَ ضَعْفِهِمْ وَعَجْزِهِمْ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هَذَا الْخِطَابُ لِوُلَاةِ اليتامى يقول: من كان [منهم] [٢] فِي حِجْرِهِ يَتِيمٌ فَلْيُحْسِنْ إِلَيْهِ وليأت في حقه ما يحب أَنْ يُفْعَلَ بِذَرِّيَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيداً، أَيْ: عَدْلًا، وَالسَّدِيدُ: الْعَدْلُ، وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ، وَهُوَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا دون الثّلث ويخلّف الباقي لورثته.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً، قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي غَطْفَانَ، يُقَالُ لَهُ مَرْثَدُ بْنُ زَيْدٍ وَلِيَ مَالَ ابْنِ أَخِيهِ وَهُوَ يَتِيمٌ صَغِيرٌ فَأَكَلَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ [٣] إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً أي: حَرَامًا بِغَيْرِ حَقٍّ، إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا، أَخْبَرَ عَنْ مَآلِهِ، أَيْ عَاقِبَتُهُ تَكُونُ كَذَلِكَ، وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِفَتْحِ الْيَاءِ، أَيْ: يَدْخُلُونَهَا [٤]، يُقَالُ:
صَلِيَ النار يصلاها صلا وصلاء [٥]، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣) [الصَّافَّاتِ: ١٦٣]، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ بِضَمِّ الْيَاءِ، أَيْ: يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيُحْرَقُونَ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [النِّسَاءِ: ٣٠] سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (٢٦) [الْمُدَّثِّرِ: ٢٦] وَفِي الْحَدِيثِ:
ع «٥٣١» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي قَوْمًا لَهُمْ مَشَافِرُ كَمَشَافِرِ الْإِبِلِ، إِحْدَاهُمَا قَالِصَةٌ عَلَى مِنْخَرَيْهِ وَالْأُخْرَى عَلَى بَطْنِهِ، وَخَزَنَةُ النَّارِ يُلَقِّمُونَهُمْ جَمْرَ جَهَنَّمَ وَصَخْرَهَا، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ:
الَّذِينَ يأكلون أموال اليتامى ظلما»
.
٥٣١- ع ضعيف جدا. أخرجه الطبري ٨٧٢٥ من حديث أبي سعيد الخدري وفي إسناده أبي هارون العبدي، واسمه عمارة بن جوين، قال الذهبي في «الميزان» : لين بمرة. قال أحمد: ليس بشيء، وسيأتي في مطلع سورة الإسراء إن شاء الله تعالى.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٢٩٦) عن مقاتل بن حيان بدون إسناد.
(٤) في المطبوع وحده «يدخلونه».
(٥) العبارة في المطبوع «يصلوها صليا وصلاء» والمثبت عن «الوسيط» (٢/ ١٧) وانظر «القرطبي» (٥/ ٥٤).

[سورة النساء (٤) : آية ١١]

يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الْآيَةَ، اعْلَمْ أَنَّ الْوِرَاثَةَ كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِالذُّكُورَةِ وَالْقُوَّةِ فَكَانُوا يُوَرِّثُونَ الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانَ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ الْآيَةَ، وَكَانَتْ أَيْضًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ بِالْمُحَالَفَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النِّسَاءِ: ٣٣] ثُمَّ صَارَتِ الْوِرَاثَةُ بِالْهِجْرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا [الأنفال: ٧٢] فنسخ [الله] [١] ذَلِكَ كُلُّهُ وَصَارَتِ الْوِرَاثَةُ بِأَحَدِ الأمور الثلاثة: بالنسب والنكاح أو الولاء، والمعنيّ بِالنَّسَبِ أَنَّ الْقَرَابَةَ يَرِثُ بَعْضُهُمْ من بعض، لقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال: ٧٥]، وَالْمَعْنِيُّ بِالنِّكَاحِ: أَنَّ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ يَرِثُ صَاحِبَهُ، وَبِالْوَلَاءِ: أَنَّ الْمُعْتِقَ وَعَصَبَاتِهِ يَرِثُونَ الْمُعْتَقَ، فَنَذْكُرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَصْلًا وَجِيزًا فِي بَيَانِ مَنْ يَرِثُ مِنَ الْأَقَارِبِ. وَكَيْفِيَّةِ تَوْرِيثِ الْوَرَثَةِ فَنَقُولُ: إِذَا مَاتَ مَيِّتٌ وَلَهُ مَالٌ فَيُبْدَأُ [٢] بِتَجْهِيزِهِ ثُمَّ بِقَضَاءِ دُيُونِهِ ثُمَّ بِإِنْفَاذِ وَصَايَاهُ فَمَا فَضُلَ يُقَسَّمُ بين الْوَرَثَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مِنْهُمْ، مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ [وَمِنْهُمْ] مَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ بِهِمَا جَمِيعًا، فَمَنْ يَرِثُ بِالنِّكَاحِ لَا يَرِثُ إِلَّا بِالْفَرْضِ، وَمَنْ يَرِثُ بِالْوَلَاءِ لَا يَرِثُ إِلَّا بالتعصيب، وأمّا مَنْ يَرِثُ بِالْقَرَابَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ بِالْفَرْضِ كَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْجَدَّاتِ، وَأَوْلَادِ الْأُمِّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ كَالْبَنِينِ وَالْإِخْوَةِ وَبَنِي [الإخوة و] [٣] الأعمام وبنيهم، و [منهم] [٤] مَنْ يَرِثُ بِهِمَا كَالْأَبِ يَرِثُ بِالتَّعْصِيبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ ولد، وإن كان للميت ولد ابن فيرث الْأَبُ بِالْفَرْضِ السُّدُسَ، وَإِنْ كَانَ للميت بنت يرث الْأَبُ السُّدُسَ بِالْفَرْضِ وَيَأْخُذُ الْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْبِنْتِ بِالتَّعْصِيبِ، وَكَذَلِكَ الْجَدُّ، وَصَاحِبُ التَّعْصِيبِ مَنْ يَأْخُذُ جميع المال عن الِانْفِرَادِ وَيَأْخُذُ مَا فَضُلَ عَنْ أَصْحَابِ الْفَرَائِضِ، وَجُمْلَةُ الْوَرَثَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ: عَشَرَةٌ مِنَ الرِّجَالِ وَسَبْعٌ مِنَ النِّسَاءِ، فَمِنَ الرِّجَالِ الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْأَبُ وَالْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ سَوَاءٌ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، وَابْنُ الأخ للأم أَوْ لِلْأَبِ وَإِنْ سَفَلَ وَالْعَمُّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ وَأَبْنَاؤُهُمَا وَإِنْ سَفَلُوا، وَالزَّوَجُ وَمَوْلَى الْعِتَاقِ، وَمِنَ النِّسَاءِ الْبِنْتُ وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَتْ [وَالْأُمُّ] [٥]، وَالْجَدَّةُ أُمُّ الأم [أو] أم الْأَبِ، وَالْأُخْتُ سَوَاءٌ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ، والزوجة ومولاة العتاقة [٦]، وَسِتَّةٌ مِنْ هَؤُلَاءِ لَا يَلْحَقُهُمْ حَجْبُ الْحِرْمَانِ بِالْغَيْرِ: الْأَبَوَانِ وَالْوَلَدَانِ، وَالزَّوْجَانِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمَيِّتِ وَاسِطَةٌ، وَالْأَسْبَابُ الَّتِي تُوجِبُ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ أَرْبَعَةٌ: اخْتِلَافُ الدِّينِ وَالرِّقُّ وَالْقَتْلُ وَعَمِّيُّ الْمَوْتِ، وَنَعْنِي بِاخْتِلَافِ الدِّينِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمَ لَا يَرْثُ الْكَافِرَ، لِمَا:
«٥٣٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكِسَائِيُّ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أنا أبو العباس
٥٣٢- إسناده صحيح رجاله ثقات، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، عمرو بن عثمان هو ابن عفان، علي بن الحسين، هو زين العابدين.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط وحده «يبدأ».
(٣) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) في المطبوع «العتاق».
574
الْأَصَمُّ [أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ] [١] أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عن علي بن الحسين عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ».
فَأَمَّا الْكُفَّارُ فَيَرِثُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ مَعَ اخْتِلَافِ مِلَلِهِمْ، لِأَنَّ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ [الأنفال: ٧٣]، وَذَهَبَ [بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ] [٢] إِلَى أَنَّ اخْتِلَافَ الْمِلَلِ فِي الْكُفْرِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ حَتَّى لَا يَرِثَ الْيَهُودِيُّ النَّصْرَانِيَّ وَلَا النَّصْرَانِيُّ الْمَجُوسِيَّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وإسحاق:
ع «٥٣٣» لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى»، وَتَأَوَّلَهُ الْآخَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ مع الكفر، أمّا الْكُفْرِ فَكُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ فَتَوْرِيثُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ لَا يَكُونُ فِيهِ إِثْبَاتُ التَّوَارُثِ بَيْنَ أَهْلِ مِلَّتَيْنِ شَتَّى، وَالرَّقِيقُ لَا يَرِثُ أَحَدًا وَلَا يَرِثُهُ أَحَدٌ لِأَنَّهُ لا ملك له [و] لا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْمُكَاتَبِ وَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالْقَتْلُ يَمْنَعُ الْمِيرَاثَ عَمْدًا كَانَ أَوْ خَطَأً لما:
ع «٥٣٤» رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «القاتل لا يرث».
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٢٤) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق الشافعي ٢/ ١٩٠ وهو في «مسنده» (٢/ ١٩٠) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٦١٤ وأبو داود ٢٩٠٩ والترمذي ٢١٠٧ وابن الجارود ٩٥٤ وسعيد بن منصور ١٣٥ وأحمد ٥/ ٢٠٠ والدارمي ٢/ ٣٧١ وابن حبان ٦٠٣٣ والبيهقي ٦/ ٢١٨ من طرق عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٧٦٤ والنسائي في «الكبرى» (٦٣٧٦ و٦٣٧٧) وعبد الرزاق ٩٨٥٢ والطيالسي ٦٣١ وأحمد ٥/ ٢٠٨ و٢٠٩ والدارمي ٢/ ٣٧٠ والدارقطني ٤/ ٦٩ والطبراني في «الكبير» (٣٩١) والبيهقي ٦/ ٢١٧ من طرق عن الزهري به.
٥٣٣- ع جيد بشواهده. أخرجه أبو داود ٢٩١١ والنسائي في «الكبرى» (٦٣٨٣ و٦٣٨٤) وابن ماجه ٢٧٣١ وأحمد ٢/ ١٧٨ و١٩٥ والدارقطني ٤/ ٧٢- ٧٣ وابن الجارود ٩٦٧ وسعيد بن منصور ١٣٧ والبغوي في «شرح السنة» (٢٢٢٥) من طرق عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو، وسنده حسن للخلاف المعروف في رواية عمرو عن آبائه.
- وله شاهد من حديث أبي الزبير عن جابر، أخرجه الترمذي ٢١٠٨ والبيهقي ٦/ ٢١٧ وأخرجه الدارقطني ٤/ ٧٢ والبيهقي ٦/ ٢١٧ موقوفا على جابر وقال الدارقطني: وهو المحفوظ اهـ.
وأخرجه الدارمي ٢/ ٣٦٩- ٣٧٠ من وجه آخر عن الحسن، عن جابر مرفوعا.
- وله شاهد آخر من حديث عائشة، أخرجه أبو يعلى ٤٧٥٧ وفي إسناد مالك بن أبي الرجال قال الهيثمي في «المجمع» (٦/ ٢٩٢) : قد وثقه ابن حبان، ولم يضعفه أحد اهـ.
وذكره الحافظ في «المطالب العالية» مختصرا (١٤٨٦) ونقل حبيب الرحمن قول البوصيري: فيه مالك بن محمد بن عبد الرحمن، وهو مجهول، وله شواهد اهـ.
- وله شاهد آخر أيضا من حديث أسامة بن زيد أخرجه النسائي في «الكبرى» (٦٣٨١ و٦٣٨٢) والحاكم ٢/ ٢٤٠ من طريقين.
٥٣٤- ع حسن. أخرجه الترمذي ٢١٠٩ وابن ماجه ٢٦٤٥ والدارقطني ٤/ ٩٦ والبيهقي ٦/ ٩٦ والبيهقي ٦/ ٢٢٠ من حديث أبي هريرة بلفظ «القاتل لا يرث» لكن مداره على إسحاق بن أبي فروة.
قال الترمذي: هذا حديث لا يصح، وإسحاق تركه بعض أهل الحديث، العمل على هذا عند أهل العلم اهـ.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «شرح السنة».
(٢) ما بين المعقوفتين في المطبوع «بعضهم».
575
وَنَعْنِي بِعَمِّيِّ الْمَوْتِ أَنَّ الْمُتَوَارِثَيْنِ إِذَا عَمِيَ مَوْتُهُمَا بِأَنْ غَرِقَا فِي مَاءٍ أَوِ انْهَدَمَ عَلَيْهِمَا بِنَاءٌ فَلَمْ يُدْرَ أَيُّهُمَا سَبَقَ مَوْتُهُ فَلَا يُوَرَّثُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْآخَرِ بَلْ مِيرَاثُ كُلِّ وَاحِدٍ منهما لمن كان حَيَاتُهُ يَقِينًا بَعْدَ مَوْتِهِ مِنْ وَرَثَتِهِ. وَالسِّهَامُ الْمَحْدُودَةُ فِي الْفَرَائِضِ سِتَّةٌ: النِّصْفُ وَالرُّبُعُ وَالثُّمُنُ وَالثُّلُثَانِ وَالثُّلُثُ وَالسُّدُسُ، فَالنِّصْفُ فَرْضُ ثَلَاثَةٍ: فَرْضُ الزَّوْجِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَلَدِ وَفَرْضُ الْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ لِلصُّلْبِ أَوْ لبنت الِابْنِ عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ الصُّلْبِ، وَفَرْضُ الْأُخْتِ الْوَاحِدَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَالرُّبُعُ فَرْضُ [اثنين:
فرض] [١] الزوج إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَفَرْضُ الزَّوْجَةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَالثُّمُنُ: فَرْضُ الزَّوْجَةِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ الْبِنْتَيْنِ لِلصُّلْبِ فَصَاعِدًا وَلِبِنْتَيِ الِابْنِ فَصَاعِدًا عِنْدَ عَدَمِ وَلَدِ الصُّلْبِ، وَفَرْضُ الْأُخْتَيْنِ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِلْأَبِ فَصَاعِدًا، وَالثُّلُثُ فَرْضُ ثَلَاثَةٍ: فَرْضُ الْأُمِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ للميت ولد، والاثنان من الإخوة والأخوات، إِلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا زَوْجٌ وَأَبَوَانِ، وَالثَّانِيَةُ: زَوْجَةٌ وَأَبَوَانِ، فَإِنَّ لِلْأُمِّ فِيهِمَا ثُلُثُ مَا بَقِيَ بعد نصيب الزوج والزوجة، وَفَرْضُ الِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ أَوْلَادِ الْأُمِّ، ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ، وفرض الجد مع الإخوة إذا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَكَانَ الثُّلُثُ خَيْرًا لِلْجَدِّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ مَعَ الْإِخْوَةِ. وَأَمَّا السُّدُسُ فَفَرْضُ سَبْعَةٍ: فَرْضُ الْأَبِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، وَفَرْضُ الْأُمِّ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ، أَوِ اثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ الْجَدِّ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ وَلَدٌ وَمَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ إِذَا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَكَانَ السُّدُسُ خَيْرًا لِلْجَدِّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَفَرْضُ الْجَدَّةِ وَالْجَدَّاتِ وَفَرْضُ الْوَاحِدِ مِنْ أَوْلَادِ الأم ذكرا كان أَوْ أُنْثَى، وَفَرْضُ بَنَاتِ الِابْنِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ وَاحِدَةٌ للصلب تكملة للثلثين، وَفَرْضُ الْأَخَوَاتِ لِلْأَبِ إِذَا كَانَ لِلْمَيِّتِ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ لِأَبٍ وَأُمٍّ تكملة للثلثين.
«٥٣٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٢] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف أنا
وقال البيهقي: إسحاق لا يحتج به إلا أن شواهد تقوّيه اهـ.
وللحديث شواهد منها:
- حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده أخرجه أبو داود ٤٥٦٤ مطوّلا. والدارقطني ٤/ ٩٦ والبيهقي ٦/ ٢٢٠.
- وحديث ابن عباس أخرجه الدارقطني ٤/ ٩٦ والبيهقي ٦/ ٢٢٠ وفيه: «قضى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليس لقاتل ميراث» وأخرجه البيهقي عن ابن المسيب مرسلا. وقال البيهقي بعد أن ذكر المراسيل عن عمرو بن شعيب: هذه مراسيل جيدة يقوي بعضها بعضا.
- وحديث عمرو بن شعيب «أن أبا قتادة رجل من بني مدلج قتل ابنه فأخذ عمر مائة من الإبل وقال عمر: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يقول: ليس لقاتل ميراث» أخرجه ابن ماجه ٢٦٤٦ ومالك ٢/ ٨٦٧ وأحمد ١/ ٤٩ والبيهقي ٦/ ٢١٩ ورواية مالك «ليس لقاتل شيء» وكذا رواه الشافعي في الرسالة فقرة: ٤٧٦ بتحقيق أحمد شاكر.
قال البوصيري في الزوائد: إسناده حسن اهـ.
لكنه منقطع عمرو بن شعيب لم يدرك عمر، وكذا قال الحافظ في «التلخيص» (١/ ٨٤) اهـ.
فهذا بمجموع طرقه يرقى إلى درجة الحسن، ولا سيما العمل عليه عند عامة الفقهاء.
٥٣٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، مسلم بن إبراهيم هو الأزدي الفراهيدي، وهيب هو ابن خالد بن عجلان، ابن طاوس هو عبد الله بن طاوس بن كيسان.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٠٩) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٧٣٥) عن مسلم بن إبراهيم بهذا الإسناد.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وكتب التراجم.
576
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا مُسْلِمُ بن إبراهيم أنا وهيب [أخبرنا] ابن [١] طَاوُوسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَهُوَ لِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ».
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ يَحْجُبُ الْبَعْضَ، وَالْحَجْبُ نَوْعَانِ: حَجْبُ نُقْصَانٍ وَحَجْبُ حِرْمَانٍ، فَأَمَّا حَجْبُ النُّقْصَانِ فهو أن الولد أو ولد الِابْنِ يَحْجُبُ الزَّوْجَ مِنَ النِّصْفِ إِلَى الرُّبُعِ وَالزَّوْجَةَ مِنَ الرُّبُعِ إِلَى الثُّمُنِ، وَالْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إلى السدس، وكذلك الاثنان من الإخوة [والأخوات فصاعدا] [٢] يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ. وَحَجْبُ الْحِرْمَانِ هُوَ أَنَّ الأم تسقط الجدات كلهن وأولاد الأم وهم الأخوة للأم والأخوات يَسْقُطُونَ بِأَرْبَعَةٍ: بِالْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، وَبِالْوَلَدِ وَوَلَدِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَأَوْلَادُ الْأَبِ وَالْأُمِّ يَسْقُطُونَ بِثَلَاثَةٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَابْنِ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلُوا، وَلَا يَسْقُطُونَ بِالْجَدِّ عَلَى مَذْهَبِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَالَأَوْزاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَأَوْلَادُ الْأَبِ يَسْقُطُونَ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَبِالْأَخِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْإِخْوَةَ جَمِيعًا يَسْقُطُونَ بِالْجَدِّ كَمَا يَسْقُطُونَ بِالْأَبِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ [رَضِيَ اللَّهُ عنه] [٣] وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَأَقْرَبُ الْعَصِبَاتِ يُسْقِطُ الْأَبْعَدَ مِنَ الْعُصُوبَةِ، وَأَقْرَبُهُمْ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ أَبُو الْأَبِ وَإِنْ عَلَا، فَإِنْ كَانَ مَعَ الْجَدِّ أَحَدٌ مِنَ الإخوة والأخوات لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ فَيَشْتَرِكَانِ فِي الْمِيرَاثِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَدٌّ فَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُمْ سَوَاءٌ كَانَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ فَالَّذِي هُوَ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُمْ عَلَى تَرْتِيبِ بَنِي الْإِخْوَةِ، ثُمَّ عُمُّ الْأَبِ ثُمَّ عُمُّ الْجَدِّ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِ النَّسَبِ وَعَلَى الْمَيِّتِ وَلَاءٌ فَالْمِيرَاثُ لِلْمُعَتِقِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَيًّا فَلِعَصِبَاتِ الْمُعَتِقِ وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الذُّكُورِ يَعْصِبُونَ الْإِنَاثَ، الِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ وَالْأَخُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ وَالْأَخُ لِلْأَبِ حتى لو ماتت عَنِ ابْنٍ وَبِنْتٍ أَوْ عَنْ أَخٍ وَأُخْتٍ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْ لِأَبٍ فَإِنَّهُ يَكُونُ الْمَالُ بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَلَا يُفْرَضُ لِلْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَكَذَلِكَ ابْنُ الِابْنِ يَعْصِبُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ مِنَ الْإِنَاثِ، وَمَنْ فَوْقَهُ إِذَا لم تأخذ مِنَ الثُّلُثَيْنِ شَيْئًا حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ وَبِنْتِ ابْنٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَلَا شَيْءَ لَبَنَتِ الِابْنِ، فَإِنْ كَانَ فِي دَرَجَتِهَا [٤] ابْنُ ابْنٍ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهَا ابن ابن ابن
- وأخرجه البخاري ٦٧٣٢ و٦٧٣٧ ومسلم ١٦١٥ ح ٢ والترمذي ٢٠٩٨ وأبو يعلى ٢٣٧١ والطحاوي ٤/ ٣٩٠ وابن الجارود ٩٥٥ والدارقطني ٤/ ٧١ وأحمد ١/ ٢٩٢ و٣٢٥ وابن أبي شيبة ١١/ ٢٦٥- ٢٦٦ والدارمي ٢/ ٣٦٨ والطيالسي ٢٦٠٩ والطبراني في «الكبير» (١٠٩٠٤) والبيهقي ٦/ ٢٣٤ و٢٣٩ و١٠/ ٣٠٦ من طرق عن وهيب بن خالد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٦١٥ وأبو داود ٢٨٩٨ والترمذي ٢٠٩٨ وابن ماجه ٢٧٤٠ والدارقطني ٤/ ٧٠- ٧١ وأحمد ١/ ٣١٣ وابن حبان ٦٠٢٩ والطبراني في «الكبير» (١٠٩٠٢) من طرق عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عن ابن طاووس به.
وهو في «مصنف عبد الرزاق» برقم (١٩٠٠٤).
- وأخرجه البخاري ٦٧٤٦ ومسلم ١٦١٥ ح ٣ وابن حبان ٦٠٢٨ والطحاوي ٤/ ٣٩٠ والبيهقي ٦/ ٢٣٩ من طرق عن يزيد بن زريع، عن روح بن القاسم، عن ابن طاووس به.
(١) في الأصل «وهيب بن طاووس» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وكتب التخريج والتراجم. [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط وحده «درجتهما».
577
كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أو للأب تَكُونُ عَصَبَةً مَعَ الْبِنْتِ حَتَّى لَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتٍ وَأُخْتٍ كَانَ النِّصْفُ لِلْبِنْتِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ، فَلَوْ مَاتَ عَنْ بِنْتَيْنِ وَأُخْتٍ فَلِلْبِنْتَيْنِ الثُّلُثَانِ وَالْبَاقِي لِلْأُخْتِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«٥٣٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [١] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا آدَمُ أَنَا شُعْبَةُ أَنَا أَبُو قَيْسٍ قَالَ: سمعت هزيل بْنَ شُرَحْبِيلَ قَالَ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى عَنِ ابْنَةٍ وَبِنْتِ ابْنٍ وَأُخْتٍ فَقَالَ: لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، وَائْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ فَسَيُتَابِعُنِي فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لِلْبِنْتِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةُ الثُّلْثَيْنِ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ، فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ.
رَجَعْنَا إِلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا:
«٥٣٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٢] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا أَبُو الْوَلِيدِ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المنكدر قال:
سَمِعْتُ [جَابِرًا يَقُولُ: جَاءَ] [٣] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ فتوضأ وصبّ عليّ من
٥٣٦- إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرد البخاري عن آدم، وهو ابن عبد الرحمن العسقلاني، وقد توبع هو ومن دونه، شعبة هو ابن الحجاج، أبو قيس هو الأودي اسمه عبد الرحمن بن مروان، أبو موسى هو عبد الله بن قيس.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢١١) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٧٣٦) عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٧٤٢ وأبو داود ٢٨٩٠ والترمذي ٢٠٩٣ وابن ماجه ٢٧٢١ وعبد الرزاق ١٩٠٣١ و١٩٠٣٢ والطيالسي ٣٧٥ وابن أبي شيبة ١١/ ٢٤٥ و٢٤٦ وسعيد بن منصور ٢٩ وأحمد ١/ ٣٨٩ و٤٢٨ و٤٤٠ و٤٦٣ والدارمي ٢/ ٣٤٨- ٣٤٩ وابن حبان ٦٠٣٤ والطبراني في «الكبير» (٩٨٦٩) و (٩٨٧٠) و (٩٨٧١) و (٩٨٧٢) و (٩٨٧٣) و (٩٨٧٤) و (٩٨٧٥) و (٩٨٧٦) و (٩٨٧٧) والدارقطني ٤/ ٧٩ و٨٠ وابن الجارود ٩٦٢ والطحاوي ٤/ ٣٩٢ والحاكم ٤/ ٣٣٤ و٣٣٥ والبيهقي ٦/ ٢٢٩ و٢٣٠ من طرق عن أبي قيس به.
٥٣٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الوليد هو الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢١٢) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (١٩٤) عن أبي الوليد بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارمي ١/ ١٨٧ وابن حبان ١٢٦٦ والبيهقي ١/ ٢٣٥ من طريق أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١/ ١٨٧ وابن حبان ١٢٦٦ والبيهقي ١/ ٢٣٥ من طريق أبي الوليد الطيالسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٦٧٦ و٦٧٤٣ ومسلم ١٦١٦ ح ٨ وأحمد ٣/ ٢٩٨ والدارمي ١/ ١٨٧ والطبري ٨٧٣٢ من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري ٥٦٥١ و٦٧٢٣ و٧٣٠٩ ومسلم ١٦١٦ وأبو داود ٢٨٨٦ والترمذي ٢٠٩٧ و٣٠١٥ وابن ماجه ٢٧٢٨ والحميدي ١٢٢٩ وأحمد ٣/ ٣٠٧ وابن خزيمة ١٠٦ من طرق عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر به.
- وأخرجه البخاري ٤٥٧٧ ومسلم ١٦١٦ ح ٦ والطبري ٨٧٣٣ وابن الجارود ٩٥٦ والواحدي في «أسباب النزول» (٢٩٧) من طرق عن ابن جريج، عن ابن المنكدر به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن «صحيح البخاري» ومن «شرح السنة».
578
وَضُوئِهِ فَعَقَلَتُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَنِ الْمِيرَاثُ إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةً؟ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي أُمِّ كُجَّةَ امْرَأَةِ أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ وبناته [١].
ع «٥٣٨» وَقَالَ عَطَاءٌ: اسْتُشْهِدَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ النَّقِيبُ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ امْرَأَةً وَبِنْتَيْنِ وَأَخًا، فَأَخَذَ الْأَخُ الْمَالَ فَأَتَتِ امْرَأَةُ سَعِدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِابْنَتَيْ سَعِدٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَاتَيْنِ ابْنَتَا سَعْدٍ وَإِنَّ سَعْدًا قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا، وَإِنَّ عَمَّهُمَا أَخَذَ مَالَهُمَا وَلَا تُنْكَحَانِ إِلَّا وَلَهُمَا مَالٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعِي فَلَعَلَّ اللَّهَ سَيَقْضِي فِي ذَلِكَ»، فَنَزَلَ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ إِلَى آخِرِهَا، فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّهُمَا فَقَالَ لَهُ: «أَعْطِ ابْنَتَيْ سَعِدٍ الثُّلُثَيْنِ وَأَمَّهُمَا الثُّمُنُ وَمَا بَقِيَ فهو لك»، فهو أَوَّلُ مِيرَاثٍ قُسِّمَ فِي الْإِسْلَامِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ أَيْ: يَعْهَدُ إِلَيْكُمْ وَيَفْرِضُ عَلَيْكُمْ فِي أَوْلَادِكُمْ، أَيْ:
فِي أَمْرِ أَوْلَادِكُمْ إِذَا مِتُّمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. فَإِنْ كُنَّ، يَعْنِي: الْمَتْرُوكَاتِ مِنَ الْأَوْلَادِ، نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ، أي: اثنتين فصاعدا وفَوْقَ صِلَةٍ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ [الْأَنْفَالِ:
١٢]، فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ، يَعْنِي: الْبِنْتَ، واحِدَةً، قِرَاءَةُ الْعَامَّةِ [بِالنَّصْبِ] [٢] عَلَى خبر كان، رفعها أَهْلُ الْمَدِينَةِ عَلَى مَعْنَى إِنْ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ، فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ، يَعْنِي لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ، لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ، أَرَادَ أَنَّ الْأَبَ وَالْأُمَّ يَكُونُ لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سُدُسُ الْمِيرَاثِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الِابْنِ، وَالْأَبُ يَكُونُ صَاحِبَ فَرْضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «فَلِأُمِّهِ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ اسْتِثْقَالًا [٣] لِلضَّمَّةِ بَعْدَ الْكَسْرَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْأَصْلِ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ، اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي يَكُونُ لِلْأَبِ إِنْ كَانَ مَعَهَا أَبٌ، وَالْإِخْوَةُ لَا مِيرَاثَ لَهُمْ مَعَ الْأَبِ، وَلَكِنَّهُمْ يَحْجُبُونَ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَا يَحْجُبُ الْإِخْوَةُ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إِلَى السُّدُسِ إِلَّا أَنْ يَكُونُوا ثلاثة لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ، وَلَا يُقَالُ لِلِاثْنَيْنِ إِخْوَةٌ، فَنَقُولُ اسْمُ الْجَمْعِ قَدْ يَقَعُ عَلَى التَّثْنِيَةِ لِأَنَّ الْجَمْعَ ضَمُّ شَيْءٍ إلى شيء فهو مَوْجُودٌ فِي الِاثْنَيْنِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما [التَّحْرِيمِ: ٤] ذَكَرَ الْقَلْبُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ، وأضافه إلى اثنين، قَوْلُهُ تَعَالَى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ «يُوصِي» بِفَتْحِ الصَّادِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَكَذَلِكَ الثَّانِيَةُ وَوَافَقَ حَفْصَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِكَسْرِ الصَّادِ لِأَنَّهُ جَرَى ذِكْرُ الْمَيِّتِ مِنْ قَبْلُ، بدليل قوله تعالى: يُوصِينَ، وتُوصُونَ.
ع «٥٣٩» قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ الْوَصِيَّةَ قَبْلَ الدَّيْنِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(١) انظر الحديث المتقدم برقم: ٥٣٠.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «استقلالا».
٥٣٨- ع لم أره عن عطاء. وأخرجه أبو داود ٢٨٩١ و٢٨٩٢ والترمذي ٢٠٩٢ وابن ماجه ٢٧٢٠ وأحمد ٣/ ٣٥٢ والحاكم ٤/ ٣٣٤ و٣٤٢ والبيهقي ٦/ ٢٢٩ والواحدي ٢٩٨ من حديث جابر.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح اهـ.
قلت: ومداره على عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عقيل، وهو لين الحديث فالإسناد لا بأس به.
٥٣٩- ع أخرجه الترمذي ٢١٢٢ وابن ماجه ٢٧١٥ والطيالسي ١٧٩ والحميدي ٥٦ وابن الجارود ٩٥٠ وأحمد ١/ ٧٩ والحاكم ٤/ ٣٣٦ والطبري ٨٧٣٨ و٨٧٣٩ والبيهقي ٦/ ٦٦٧ من حديث علي، وفيه الحارث الأعور، وهو ضعيف
579
بِالدَّيْنِ قَبْلَ الْوَصِيَّةِ.
وَهَذَا إِجْمَاعٌ أَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ الْجَمْعُ لَا التَّرْتِيبُ، وَبَيَانُ أَنَّ الْمِيرَاثَ مُؤَخَّرٌ عَنِ الدَّيْنِ وَالْوَصِيَّةِ جَمِيعًا، [مَعْنَاهُ] [١] مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ إِنْ كَانَتْ أَوْ دين إن كان، والإرث مُؤَخَّرٌ عَنْ كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ، يَعْنِي: الَّذِينَ يَرِثُونَكُمْ [آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ] [٢]، لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً، أَيْ: لَا تعلمون أيهم [٣] أَنْفَعُ لَكُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا فَمِنْكُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْأَبَ أَنْفَعُ لَهُ، فَيَكُونُ الِابْنُ أَنْفَعَ، وَمِنْكُمْ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الِابْنَ أَنْفَعُ لَهُ فَيَكُونُ الْأَبُ أَنْفَعَ لَهُ، وَأَنَا الْعَالِمُ بِمَنْ هُوَ أَنْفَعُ لَكُمْ، وَقَدْ دَبَّرْتُ [٤] أَمْرَكُمْ عَلَى مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ فَاتَّبِعُوهُ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَطْوعُكُمْ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنَ الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ أرفعكم درجة يوم القيامة، فالله تَعَالَى يُشَفِّعُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضَهُمْ فِي بَعْضٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَالِدُ أَرْفَعَ درجة يوم القيامة فِي الْجَنَّةِ رُفِعَ إِلَيْهِ وَلَدُهُ وَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ أَرْفَعَ دَرَجَةً رُفِعَ إِلَيْهِ وَالِدُهُ لِتَقَرَّ بِذَلِكَ أَعْيُنُهُمْ، فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ، أَيْ ما قدّر الله مِنَ الْمَوَارِيثِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً، بِأُمُورِ الْعِبَادِ، حَكِيماً، بِنُصُبِ الأحكام.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢]
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (١٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْواجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أَوْ دَيْنٍ، هذا [فِي] [٥] مِيرَاثِ الْأَزْوَاجِ، وَلَهُنَّ الرُّبُعُ، يَعْنِي: لِلزَّوْجَاتِ الرُّبُعُ، مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِها أَوْ دَيْنٍ، هَذَا [فِي] [٦] مِيرَاثِ الزَّوْجَاتِ وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَهُنَّ يَشْتَرِكْنَ فِي الرُّبُعِ وَالثُّمُنِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ تُورَثُ كَلَالَةً، وَنَظْمُ الْآيَةِ: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ يُورَثُ كَلَالَةً وَهُوَ نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقِيلَ:
عَلَى خَبَرُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، تقديره: وإن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ مَالُهُ كَلَالَةً، وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَلَالَةِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ
لكنه إمام في الفرائض وقال الترمذي: والعمل عليه عند أهل العلم.
وقال الحافظ في «التلخيص» (٣/ ٩٥) : والحارث وإن كان ضعيفا فإن الإجماع منعقد على وفق ما روى اهـ.
- وتوبع فقد أخرجه الدارقطني ٤/ ٩٧ والبيهقي ٦/ ٢٦٧ من وجه آخر، وفيه يحيى بن أبي أنيسة، وهو ضعيف، وبه أعله البيهقي.
- وله شاهد أخرجه ابن ماجه ٢٤٣٣ وأحمد ٤/ ١٣٦ من حديث سعد بن الأطول، وصححه البوصيري في «الزوائد» فالحديث حسن إن شاء الله. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) زيد في المطبوع وط.
(٣) تصحف في المطبوع وط «أنهم».
(٤) تصحف في المطبوع «دبر».
٥ زيادة عن المخطوط وط.
٦ زيادة عن المخطوط وط.
580
الصَّحَابَةِ إِلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ لَهُ. وَرُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سُئِلَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: إِنِّي سأقول فيها بِرَأْيِي فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، أَرَاهُ مَا خَلَا الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ، فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إِنِّي لِأَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَهَبَ طَاوُسٌ إِلَى أَنَّ الْكَلَالَةَ مَنْ لَا وَلَدَ لَهُ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَأَحَدُ [١] الْقَوْلَيْنِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [النساء: ١٧٦]، وَبَيَانُهُ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ يَوْمَ نُزُولِهَا أَبٌ وَلَا ابْنٌ، لِأَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَرَامٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَآيَةُ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي آخِرِ عُمْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَارَ شَأْنُ جَابِرٍ بَيَانًا لِمُرَادِ الْآيَةِ لِنُزُولِهَا فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْكَلَالَةَ اسْمٌ لمن؟ فمنهم مَنْ قَالَ: اسْمٌ لِلْمَيِّتِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، لِأَنَّهُ مَاتَ عَنْ ذَهَابِ طَرَفَيْهِ، فَكَلَّ عَمُودُ نَسَبِهِ، ومنه مَنْ قَالَ: اسْمٌ لِلْوَرَثَةِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، لِأَنَّهُمْ يَتَكَلَّلُونَ الْمَيِّتَ مِنْ جَوَانِبِهِ، وَلَيْسَ فِي عَمُودِ نَسَبِهِ أَحَدٌ، كَالْإِكْلِيلِ يُحِيطُ بِالرَّأْسِ وَوَسَطَ الرَّأْسِ مِنْهُ خَالٍ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ حَدِيثُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ قَالَ: إِنَّمَا يَرِثُنِي كَلَالَةً [٢]، أَيْ:
يَرِثُنِي وَرَثَةٌ لَيْسُوا بِوَلَدٍ وَلَا وَالِدٍ، قال النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ: الْكَلَالَةُ اسْمٌ لِلْمَالِ، وَقَالَ أَبُو الْخَيْرِ: سَأَلَ رَجُلٌ عُقْبَةَ عَنِ الْكَلَالَةِ فَقَالَ: أَلَا تَعْجَبُونَ مِنْ هَذَا يَسْأَلُنِي عَنِ الْكَلَالَةِ، وَمَا أَعْضَلَ بِأَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْضَلَتْ بِهِمُ الْكَلَالَةُ، وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ثَلَاثٌ لِأَنْ [٣] يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَّنَهُنَّ لَنَا أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا: الكلالة والخلافة وأبواب الربا [٤].
ع «٥٤٠» وَقَالَ مَعْدَانُ بْنُ أَبِي [٥] طَلْحَةَ: خَطَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَدَعُ بَعْدِي شَيْئًا أَهَمَّ عِنْدِي مِنَ الْكَلَالَةِ، مَا رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مَا رَاجَعْتُهُ فِي الكلالة، وما أغلظ فِي شَيْءٍ مَا أَغْلَظَ لِي فِي الْكَلَالَةِ، حَتَّى طَعَنَ بِأُصْبُعِهِ في صدري فقال: «يَا عُمَرُ أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ الَّتِي فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ»، وَإِنِّي إِنْ أَعِشْ أَقْضِ بِقَضِيَّةٍ يَقْضِي بِهَا مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَمَنْ لَا يَقْرَأُ [الْقُرْآنَ] [٦].
فقوله: «أَلَا تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ» ؟ أَرَادَ: أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْزَلَ فِي الْكَلَالَةِ آيَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا فِي الشِّتَاءِ وَهِيَ الَّتِي فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ وَالْأُخْرَى فِي الصَّيْفِ، وَهِيَ الَّتِي فِي آخِرِهَا، وَفِيهَا مِنَ الْبَيَانِ مَا لَيْسَ فِي آيَةِ الشِّتَاءِ، فَلِذَلِكَ أَحَالَهُ عَلَيْهَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ أَرَادَ بِهِ الْأَخَ وَالْأُخْتَ مِنَ الأم بالاتفاق [و] قَرَأَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ «وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ مِنْ أُمٍّ» وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا مَعَ ذِكْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ مِنْ قَبْلُ، عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ إِذَا ذَكَرَتِ اسْمَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَتْ عَنْهُمَا، وَكَانَا في الحكم سواء،
(١) في المطبوع وحده «وآخر».
(٢) انظر ما تقدم برقم ٥٣٧.
(٣) في الأصل «لا» والتصويب عن «ط» وعن «كتب التخريج».
(٤) خبر عمر أخرجه الحاكم ٢/ ٣٠٤ وعبد الرزاق ١٠/ ٣٠٢ والبيهقي ٦/ ٢٢٥ وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبي وانظر «صحيح البخاري» (٧٣٣٧) ومسلم ٣٠٣٢.
(٥) في الأصل «معد بن طلحة» والتصويب من «ط» ومن «كتب التخريج».
(٦) زيادة عن المخطوط.
٥٤٠- ع صحيح. أخرجه مسلم ٥٦٧ و١٦١٧ والنسائي في «الكبرى» «١١١٣٥» وأحمد ١/ ١٥ و٢٧- ٢٨ وأبو يعلى ١٨٤ عَنْ مَعْدَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ به. ويأتي في آخر سُورَةِ النِّسَاءِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى.
581
رُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَى أَحَدِهِمَا، وَرُبَّمَا أَضَافَتْ إِلَيْهِمَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ [الْبَقَرَةِ: ٤٥]، فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ، فِيهِ إِجْمَاعٌ أَنَّ [أَوْلَادَ] [١] الْأُمِّ إِذَا كَانُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا يَشْتَرِكُونَ فِي الثُّلُثِ ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خُطْبَتِهِ:
أَلَا إِنَّ الْآيَةَ الَّتِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ النِّسَاءِ فِي شَأْنِ [٢] الْفَرَائِضِ أَنْزَلَهَا فِي الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ والأم، وَالْآيَةُ الثَّانِيَةُ فِي الزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ والإخوة والأخوات مِنَ الْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ النِّسَاءِ فِي الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَالْآيَةُ الَّتِي خَتَمَ بِهَا سُورَةَ الْأَنْفَالِ أَنْزَلَهَا فِي أُولِي الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ أَيْ: غَيْرَ مُدْخَلٍ الضَّرَرَ عَلَى الْوَرَثَةِ بمجاوزة الثُّلُثَ فِي الْوَصِيَّةِ، قَالَ [٣] الْحَسَنُ: هُوَ أَنْ يُوصِيَ بِدَيْنٍ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ، قَالَ قَتَادَةُ: كَرِهَ اللَّهُ الضِّرَارَ فِي الْحَيَاةِ وَعِنْدَ الْمَوْتِ، وَنَهَى عَنْهُ وَقَدَّمَ فِيهِ.
[سورة النساء (٤) : آية ١٣]
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣)
تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، يَعْنِي: مَا ذَكَرَ مِنَ الْفُرُوضِ [٤] الْمَحْدُودَةِ، وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤ الى ١٥]
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤) وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً (١٥)
وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ (١٤)، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ «نُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ»، و «ندخله نَارًا»، وَفِي سُورَةِ الْفَتْحِ نُدْخِلْهُ [الفتح: ١٧] ونُعَذِّبُهُ [الفتح: ١٧] وفي سورة التغابن يُكَفِّرْ [التغابن: ٩] ويُدْخِلْهُ [التغابن: ٩] وفي سورة الطلاق يُدْخِلْهُ [الطلاق: ١١] بِالنُّونِ فِيهِنَّ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ، يَعْنِي: الزِّنَا، مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، يَعْنِي: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا خِطَابٌ لِلْحُكَّامِ، أَيْ: فَاطْلُبُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنَ الشهود، [فيه بَيَانُ أَنَّ الزِّنَا لَا يَثْبُتُ إِلَّا بِأَرْبَعَةٍ مِنَ الشُّهُودِ] [٥] فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ، فَاحْبِسُوهُنَّ، فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، وَهَذَا كَانَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ نُزُولِ الحدود، فكانت الْمَرْأَةُ إِذَا زَنَتْ حُبِسَتْ فِي الْبَيْتِ [٦] حَتَّى تَمُوتَ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْبِكْرِ بِالْجَلْدِ وَالتَّغْرِيبِ، وَفِي حَقِّ الثَّيِّبِ بِالْجَلْدِ والرجم.
(١) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٢) في المطبوع وحده «بيان».
(٣) تصحف في المطبوع «فإن».
(٤) في المطبوع «الفرائض».
(٥) سقط من المخطوط.
(٦) في المطبوع «البيوت».
«٥٤١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يُونُسَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خُذُوا عَنِّي خُذُوا عَنِّي: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ».
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَقَدْ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ أَنَّ الْحَسَنَ كَانَ يُدْخِلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُبَادَةَ حَطَّانَ الرقاشي، فلا أدري أدخله عبد الوهّاب [فَنَزَلَ عَنْ] [١] كِتَابِي أَمْ لَا. قَالَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ: الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمَثْنَى عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ حِطَّانَ بْنِ عبد الله عن عبادة [بن الصامت] [٢]، ثُمَّ نُسِخَ الْجِلْدُ فِي حَقِّ الثَّيِّبِ وَبَقِيَ الرَّجْمُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا. رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ الهَمْدَانِيَّةَ يَوْمَ الْخَمِيسِ مِائَةً ثُمَّ رَجَمَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [٣]. وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْلَدُ مَعَ الرَّجْمِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا [٤]. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: التَّغْرِيبُ أَيْضًا مَنْسُوخٌ فِي حَقِّ الْبِكْرِ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ.
ع «٥٤٢» رَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ وَغَرَّبَ، وَأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ضَرَبَ وَغَرَّبَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي الْبَيْتِ كَانَ حَدًّا فَنُسِخَ أَمْ كَانَ حَبْسًا لِيَظْهَرَ الْحَدُّ، على قولين.
[سورة النساء (٤) : آية ١٦]
وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ فَآذُوهُما فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً (١٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ، يَعْنِي الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ، وَالْهَاءُ رَاجِعَةٌ إِلَى الْفَاحِشَةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ (اللَّذَانِ، وَاللَّذَيْنِ، وَهَاتَانِ، وَهَذَانَ) مُشَدِّدَةُ النُّونِ لِلتَّأْكِيدِ، وَوَافَقَهُ أهل البصرة في (فذانك)
٥٤١- حديث صحيح إسناده ضعيف لانقطاعه بين الحسن وعبادة بن الصامت، لكن وصله مسلم وغيره، وهو حديث صحيح.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٧٤) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ٧٧) عن عبد الوهّاب بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٦٩٠ وأبو داود ٤٤١٦ والترمذي ١٤٣٤ والنسائي في «الكبرى» (٧١٤٢- ٧١٤٣) وابن أبي شيبة ١٠/ ١٨٠ وأحمد ٥/ ٣١٣ و٣٢٠ والطحاوي ٣/ ١٣٤ وابن حبان ٤٤٢٥- ٤٤٢٧ وابن الجارود ٨١٠ والدارمي ٢/ ١٨١ والبيهقي ٨/ ٢٢٢ من طرق عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ حِطَّانَ بْنِ عبد الله الرقاشي، عن عبادة بن الصامت به.
٥٤٢- ع صحيح. أخرجه الترمذي ١٤٣٨ والنسائي في «الكبرى» (٧٣٤٢) والحاكم ٤/ ٣٦٩ والبيهقي ٨/ ٢٢٣ من طرق عن عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به. وصححه الحاكم على شرطهما، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث غريب، رواه غير واحد عن عبد الله بن إدريس فرفعوه، ورواه بعضهم عن ابن إدريس، عن عبيد الله، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أن أبا بكر....» لم يذكروا فيه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم، وقد صح ذكر النفي في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ قلت: الإسناد الموصول على شرطهما، وله شاهد صحيح.
(١) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «فترك من».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) أثر علي، أخرجه البخاري ٦٨١٢ وأحمد ١/ ١٠٧ عن الشعبي أن عليا فذكره، وهذا مرسل، الشعبي لم يدرك عليا.
(٤) يأتي ذكره إن شاء الله.
583
و [قرأ] [١] الآخرون بالتخفيف. قال أبو عبيدة [٢] : خَصَّ أَبُو عَمْرٍو (فَذَانِكَ) بِالتَّشْدِيدِ لِقِلَّةِ الْحُرُوفِ فِي الِاسْمِ فَآذُوهُما قَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: فَعَيِّرُوهُمَا بِاللِّسَانِ: أما خفت الله؟ أما استحيت مِنَ اللَّهِ حَيْثُ [٣] زَنَيْتَ؟ قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: سُبُّوهُمَا وَاشْتُمُوهُمَا [٤]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ بِاللِّسَانِ وَالْيَدِ يُؤْذَى بِالتَّعْيِيرِ وَضَرْبِ النِّعَالِ، فَإِنْ قِيلَ: ذُكِرَ الْحَبْسُ فِي الْآيَةِ الْأُولَى وَذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِيذَاءُ، فَكَيْفَ وَجْهُ الْجَمْعِ؟ قِيلَ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي النِّسَاءِ وَهَذِهِ فِي الرِّجَالِ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَقِيلَ: الْآيَةُ الْأُولَى فِي الثَّيِّبِ وَهَذِهِ فِي الْبِكْرِ، فَإِنْ تَابَا، مِنَ الْفَاحِشَةِ وَأَصْلَحا، الْعَمَلَ فِيمَا بَعْدُ، فَأَعْرِضُوا عَنْهُما، فَلَا تُؤْذُوهُمَا، إِنَّ اللَّهَ كانَ تَوَّاباً رَحِيماً، وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْحُدُودِ، فَنُسِخَتْ بالجلد والرجم، والجلد فِي الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَالرَّجْمُ فِي السُّنَّةِ.
«٥٤٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ [بْنُ عَبْدِ اللَّهِ] [٥] بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا أَخْبَرَاهُ:
أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: اقْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَقَالَ الْآخَرُ وَكَانَ أَفْقَهَهُمَا: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَائْذَنْ لِي أَنْ أَتَكَلَّمَ، فقال: «تَكَلَّمْ»، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عسيفا [أي: أجيرا] [٦] عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَبِجَارِيَةٍ لِي، ثُمَّ إِنِّي سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا [٧] عَلَى ابْنِي جَلْدُ مائة وتغريب عام، وإنما الرجم
٥٤٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، عبد الله بن عتبة هو ابن أخي عبد الله بن مسعود.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٧٣) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٨٢٢) عن ابن شهاب بهذا الإسناد. ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٦٦٣٣ و٦٨٤٢ وأبو داود ٤٤٤٥ والترمذي بإثر ١٤٣٣ والنسائي ٨/ ٢٤٠- ٢٤١ والشافعي ٢/ ٧٨- ٧٩ والطبراني ٥١٩٠ والطحاوي ٣/ ١٣٥.
- وأخرجه البخاري ٢٧٢٤ ومسلم ١٦٩٧ والنسائي في «الكبرى» (٧١٩٢) وابن حبان ٤٤٣٧ والطبراني ٥١٩٣ من طرق عن الليث، عن الزهري به.
- وأخرجه البخاري ٢٦٩٥ و٦٨٣٥ و٧١٩٣ و٧٢٥٨ ومسلم ١٦٩٧ وعبد الرزاق ١٣٣٠٩ و١٣٣١٠ وأحمد ٤/ ١١٥ والطحاوي ٣/ ١٣٥ والطبراني ٥١٨٨ و٥١٨٩ و٥١٩٥ و٥١٩٦ و٥١٩٩ من طرق عن الزهري به.
- وأخرجه الترمذي ١٤٣٣ والنسائي ٨/ ٢٤١- ٢٤٢ وابن ماجه ٢٥٤٩ والحميدي ٨١١ وأحمد ٤/ ١١٥- ١١٦ والدارمي ٢/ ١٧٧ والطحاوي ٣٠/ ١٣٤- ١٣٥ وابن الجارود ٨١١ والطبراني ٥١٩٢ والبيهقي ٨/ ٢١٩ و٢٢٢ من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزهري به. وزاد سفيان فيه مع زيد وأبي هريرة «شبلا». لكن الترمذي قال: وهم فيه سفيان بن عيينة أدخل حديثا في حديث... اهـ. ومراد الترمذي أن سفيان وهم بزيادة- شبل- في الإسناد، وشبل بن خالد لم يدرك النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انظر كلام الترمذي حول هذا.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) كذا في المطبوع والمخطوط، وفي- ط «عبيد». [.....]
(٣) في المخطوط وحده «حين».
(٤) كلا القولين ورد عن ابن عباس، والأولى العطف بالواو.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وحده، وهي زيادة تفسيرية مدرجة في الحديث. وقد جعلها الإمام مالك في آخر الحديث.
(٧) في المطبوع «أن» والمثبت عن المخطوط وكتب التخريج.
584
عَلَى امْرَأَتِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لِأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا غَنَمُكَ وَجَارِيَتُكَ فَرَدٌّ عَلَيْكَ»، وَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ أَنْ يَأْتِيَ امْرَأَةَ الْآخَرِ فَإِنِ اعْتَرَفَتْ رَجَمَهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَرَجَمَهَا [١].
«٥٤٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ اللَّهَ تعالى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آية الرجم فقر أناها وعقلناها وو عيناها، رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم، ورجمنا بعده، وأخشى إِنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ: وَاللَّهِ مَا نَجِدُ آيَةَ الرَّجْمِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَيَضِلُّوا بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا الله تعالى في كتابه، وَالرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى حَقٌ عَلَى مَنْ زَنَى إِذَا أَحْصَنَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، إِذَا قَامَتِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوِ الِاعْتِرَافُ.
وَجُمْلَةُ حَدِّ الزِّنَا: أَنَّ الزَّانِيَ إِذَا كَانَ مُحْصَنًا وهو الذي اجتمعت فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْصَافٍ: الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالْإِصَابَةُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَحَدُّهُ الرَّجْمُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الثَّيِّبِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ، وَذَهَبَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ مِنْ شَرَائِطَ الإحصان، ولا يرجم الذمي.
ع «٥٤٥» وَقَدْ صَحَّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا، وَكَانَا قَدْ أَحْصَنَا.
وَإِنْ كَانَ الزَّانِي غَيْرَ مُحْصَنٍ بِأَنْ لَمْ تَجْتَمِعْ فِيهِ هَذِهِ الْأَوْصَافُ نَظَرَ إِنْ كَانَ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا غَيْرَ أَنَّهُ لم يحصن بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا فَعَلَيْهِ جَلْدُ خَمْسِينَ وَفِي تَغْرِيبِهِ قَوْلَانِ، إِنْ قُلْنَا يُغَرَّبُ فِيهِ قَوْلَانِ، أَصَحُّهُمَا نِصْفُ سَنَةٍ كَمَا يجلد خمسين على [النصف من] [٢] الحرّ.
[سورة النساء (٤) : آية ١٧]
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ قَالَ الْحَسَنُ: [يَعْنِي التَّوْبَةَ التي يقبلها] [٣]، فيكون- على-
٥٤٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، صالح هو ابن كيسان، وابن شهاب هو الزهري.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٧٦) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٨٢٩) عن عبد العزيز بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٦٩١ وأبو داود ٤٤١٨ والنسائي في «الكبرى» (٧١٥٨) و (٧١٥٩) والترمذي ١٤٣٢ وابن ماجه ٢٥٥٣ وأحمد ١/ ٢٩ و٤٠ و٤٧ و٥٠ و٥٥ وعبد الرزاق ٧/ ١٣٣٢٩ والحميدي ٢٥ والدارمي ٢/ ٩٩- ١٠٠ والبيهقي ٨/ ٢١١ من طريق عن الزهري به.
٥٤٥- ع صحيح. أخرجه ابن ماجه ٢٥٥٦ وابن أبي شيبة ١٠/ ١٤٩ و١٤/ ١٤٩ وأحمد ٢/ ١٧ وابن حبان ٤٤٣١ و٤٤٣٢ من طرق عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا بنحوه.
وأخرجه مسلم ١٦٩٩ ح ٢٦ مطوّلا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مرفوعا. ويأتي في مطلع سورة النور إن شاء الله تعالى.
(١) لفظ هذا الحديث مثبت عن «الموطأ» و «شرح السنة» وط، وفي المخطوط اختلاف يسير، أما المطبوع ففيه زيادات وتغييرات.
(٢) العبارة في المطبوع وط «نصف حد».
(٣) العبارة في المخطوط «التوبة يقبلها».
585
بِمَعْنَى عِنْدَ، وَقِيلَ: مِنَ اللَّهِ، لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، قَالَ قَتَادَةُ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا عُصِيَ بِهِ اللَّهُ فَهُوَ جَهَالَةٌ عَمْدًا كَانَ أَوْ لَمْ يَكُنْ، وَكُلَّ مَنْ عَصَى اللَّهَ فَهُوَ جَاهِلٌ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ: الْعَمْدُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَمْ يَجْهَلْ أَنَّهُ ذنب ولكنه جَهِلَ عُقُوبَتَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَى الْجَهَالَةِ:
اخْتِيَارُهُمُ اللَّذَّةَ الْفَانِيَةَ عَلَى اللَّذَّةِ الْبَاقِيَةِ. ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ، قِيلَ: مَعْنَاهُ قَبْلَ أَنْ يُحِيطَ السُّوءُ بِحَسَنَاتِهِ فَيُحْبِطُهَا، وَقَالَ السُّدِّيُّ وَالْكَلْبِيُّ: الْقَرِيبُ أَنْ يَتُوبَ فِي صِحَّتِهِ قَبْلَ مَرَضِ مَوْتِهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ:
قَبْلَ الْمَوْتِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَبْلَ مُعَايَنَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ.
«٥٤٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا ابْنُ ثَوْبَانَ وَهُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ [١] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ ما لم يغزغر».
«٥٤٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ المليحي أنا أبا مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سمعان [أنا أبو جعفر بن
٥٤٦- حسن صحيح بشواهده. إسناده لين لأجل عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثوبان، فقد ضعفه جماعة ووثقه آخرون، وباقي الإسناد ثقات، مكحول هو أبو عبد الله الدمشقي.
- وهو في «شرح السنة» (١٣٠٠) بهذا الإسناد.
خرجه المصنف من طريق علي بن الجعد وهو في «مسنده» برقم (٣٥٢٩) عن ابن ثوبان بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٥٣٧ وابن ماجه ٤٢٥٣ وأحمد ٢/ ١٣٢ و١٣٥ وابن حبان ٦٢٨ والحاكم ٤/ ٢٥٧ وأبو نعيم في «الحلية» (٥/ ١٩٠) من طرق عن عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ ثوبان بهذا الإسناد.
- وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت أخرجه الطبري ٨٨٥٩ والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٠٨٥) وفيه انقطاع بين قتادة وعبادة.
- وله شاهد عن رجل من الصحابة أخرجه أحمد ٣/ ٤٢٥ وإسناده ضعيف. لضعف عبد الرحمن البيلماني، لكن يصلح للاعتبار بحديثه.
(١) في الأصل «نفير» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» و «كتب التخريج».
٥٤٧- إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة، واسمه عبد الله، ودراج أيضا ضعيف في روايته عن أبي الهيثم، وهو دراج بن سمعان، أبو الهيثم هو سليمان بن عمرو.
هو في «شرح السنة» (١٢٨٦) بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي في «الأسماء والصفات» (٢٦٥) من طريق ابن لهيعة بهذا الإسناد وبهذا اللفظ.
وذكره الذهبي في «العلو» ص (٧٢) من هذه الطريق وبهذا اللفظ وقال: فيه دراج، وهو واه اهـ.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٧٦ وأبو يعلى ١٣٩٩ من طريق ابن لهيعة به دون قوله «وارتفاع مكاني» وهذا إسناد ضعيف. لكن ورد من طرق أخرى دون قوله «وارتفاع مكاني».
- فقد أخرجه الحاكم ٤/ ٢٦١ من طريق عمرو بن الحارث، عن دراج به دون هذه الزيادة وصححه، وسكت الذهبي، وهو من رواية دراج عن أبي الهيثم، وهي واهية.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٢٩ و٤١ وأبو يعلى ١٢٧٣ من طريق ليث عن يزيد بن الهاد، عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطالب. عن أبي سعيد الخدري مرفوعا دون هذه الزيادة وإسناده منقطع بين عمرو وأبي سعيد.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٢٠٧) وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في «الأوسط» وأحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح، وكذا أحد إسنادي أبي يعلى! قلت: هو منقطع بين عمرو بن أبي عمرو وأبي سعيد الخدري، فإنه لا رواية له عنه كما في «تهذيب الكمال» و «تهذيب التهذيب».
586
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ [١] أَنَا حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ أَنَا أَبُو الْأُسُودِ] [٢] أَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ دَرَّاجٍ عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: وَعِزَّتِكَ يَا رَبِّ لَا أَبْرَحُ أُغْوِي عِبَادَكَ مَا دَامَتْ أَرْوَاحُهُمْ فِي أَجْسَادِهِمْ، فَقَالَ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي وَارْتِفَاعِ مَكَانِي لَا أَزَالُ أَغْفِرُ لَهُمْ مَا اسْتَغْفَرُونِي».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٨ الى ١٩]
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً (١٩)
وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ، يَعْنِي: الْمَعَاصِي حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ، وَوَقَعَ فِي النَّزْعِ، قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، وهي حال السّوق حين [٣] يساق بروحه، لَا يُقْبَلُ مِنْ كَافِرٍ إِيمَانٌ وَلَا مِنْ عَاصٍ تَوْبَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا [غَافِرِ: ٨٥]، وَلِذَلِكَ لَمْ يَنْفَعُ إِيمَانُ فِرْعَوْنَ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ. وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولئِكَ أَعْتَدْنا، أَيْ: هَيَّأْنَا وَأَعْدَدْنَا، لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً:
ع «٥٤٨» نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَلَهُ امْرَأَةٌ جَاءَ ابْنُهُ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ قَرِيبُهُ مِنْ [٤] عَصَبَتِهِ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ على تلك المرأة أو على خِبَائِهَا فَصَارَ أَحَقَّ بِهَا مِنْ نَفْسِهَا وَمِنْ غَيْرِهِ، فَإِنْ شَاءَ تَزَوُّجَهَا بِغَيْرِ صَدَاقٍ إِلَّا الصَّدَاقَ الْأَوَّلَ الَّذِي أَصْدَقَهَا الْمَيِّتُ، وَإِنْ شَاءَ زَوَّجَهَا غَيْرَهُ وَأَخَذَ صَدَاقَهَا، وَإِنْ شَاءَ عَضَلَهَا وَمَنَعَهَا مِنَ الْأَزْوَاجِ يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ بِمَا وَرِثَتْهُ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ تَمُوتَ هِيَ فَيَرِثُهَا فَإِنْ ذَهَبَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى أَهْلِهَا قَبْلَ أَنْ يُلْقِيَ عَلَيْهَا وَلِيُّ زَوْجِهَا ثَوْبَهُ فَهِيَ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا، فَكَانُوا عَلَى هَذَا حَتَّى تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسِ بْنُ الْأَسْلَتِ الْأَنْصَارِيُّ وَتَرَكَ امْرَأَتَهُ كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ الْأَنْصَارِيَّةَ، فَقَامَ ابْنٌ لَهُ مِنْ غَيْرِهَا يُقَالُ لَهُ حصن- وقال
٥٤٨- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٠٠) بهذا السياق بدون إسناد نقلا عن المفسرين.
وأخرجه بنحوه الطبري ٨٨٧٤ من حديث ابن عباس في قَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً الآية قال: كان الرجل إذا مات أبوه.... فيذهب بمالها» قال ابن جريج فأخبرني عطاب بن أبي رباح: أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا هلك الرجل.... فنزلت....» قال ابن جريج ومجاهد: كان الرجل إذا توفي أبوه، كان أحق بامرأته....» قال ابن جريج: وقال عكرمة: نزلت في كبيشة بنت معن بن عاصم....».
وانظر «فتح الباري» (٨/ ٢٤٧) وله شاهد من حديث أبي أمامة سهل بن حنيف أخرجه الطبري ٨٨٧١ وحسّن إسناده الحافظ في «الفتح» (٨/ ٢٤٧). [.....]
(١) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «ط» وعن «الأنساب» و «شرح السنة».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) تصحف في المطبوع «حتى».
(٤) زيد في المطبوع «ذوي».
مقاتل بن حبان: اسْمُهُ قَيْسُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ- فَطَرَحَ ثَوْبَهُ عَلَيْهَا فَوَرِثَ نِكَاحَهَا، ثم تركها فلم يقربها وَلَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ مِنْهُ، فَأَتَتْ كُبَيْشَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا قَيْسٍ تُوُفِّيَ وَوَرِثَ نِكَاحِي ابْنُهُ فَلَا [هُوَ] [١] يُنْفِقُ عَلَيَّ وَلَا يَدْخُلُ بِي وَلَا يُخَلِّي سَبِيلِي، فَقَالَ: «اقْعُدِي فِي بَيْتِكِ حَتَّى يَأْتِيَ فِيكِ أَمْرُ اللَّهِ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً.
قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ [كُرْهًا] [٢] بِضَمِّ [الْكَافِ هَاهُنَا وفي سورة التَّوْبَةِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَتْحِ قَالَ الكسائي هما] [٣] لغتان وقال الْفَرَّاءُ: الْكَرْهُ بِالْفَتْحِ مَا أُكْرِهُ عَلَيْهِ، وَبِالضَّمِّ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ مِنَ الْمَشَقَّةِ، وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ، أَيْ: لَا تَمْنَعُوهُنَّ مِنَ الْأَزْوَاجِ ليضجرن فيفتدين ببعض مالهن، قِيلَ: هَذَا خِطَابٌ لِأَوْلِيَاءِ الْمَيِّتِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هَذَا فِي الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْمَرْأَةُ وَهُوَ كَارِهٌ لِصُحْبَتِهَا وَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرٌ فَيُضَارُّهَا لِتَفْتَدِيَ وَتَرُدَّ إِلَيْهِ مَا سَاقَ إِلَيْهَا مِنَ الْمَهْرِ، فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ قَالَ: إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَحِينَئِذٍ يَحِلُّ لَكُمْ إِضْرَارُهَنَّ لِيَفْتَدِينَ مِنْكُمْ، وَاخْتَلَفُوا في الفاحشة، فقال ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَتَادَةُ: هِيَ النُّشُوزُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ: هِيَ الزِّنَا، يَعْنِي: الْمَرْأَةُ إِذَا نَشَزَتْ، أَوْ زَنَتْ حَلَّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْأَلَهَا الْخُلْعَ، وَقَالَ عَطَاءٌ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا أَصَابَتِ امْرَأَتُهُ فَاحِشَةً أَخَذَ مِنْهَا مَا سَاقَ إِلَيْهَا وَأَخْرَجَهَا [فَنَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِالْحُدُودِ] [٤] وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وأبو بكر (مبينة)، و (مبينات) بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَوَافَقَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْبَصْرَةِ فِي (مُبَيَّنَاتٍ) وَالْبَاقُونَ بِكَسْرِهَا [٥]، وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، قال الحسن: راجع إِلَى أَوَّلِ الْكَلَامِ، يَعْنِي: وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً [النساء: ٤] وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، والمعاشرة بالمعروف: هو [٦] الْإِجْمَالُ فِي الْقَوْلِ وَالْمَبِيتِ وَالنَّفَقَةِ، وَقِيلَ: هُوَ [٧] أَنْ يَتَصَنَّعَ [٨] لَهَا كَمَا تَتَصَنَّعُ [٩] لَهُ، فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً، قِيلَ: هُوَ وَلَدٌ صَالِحٌ، أَوْ يَعْطِفُهُ الله عليها.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٠ الى ٢٢]
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٢٠) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٢١) وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلاً (٢٢)
وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ، أراد بالزوج الزوجة إذا لم يَكُنْ مِنْ قِبَلِهَا نُشُوزٌ وَلَا فاحشة، وَآتَيْتُمْ [أعطيتم] [١٠] إِحْداهُنَّ قِنْطاراً، وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ صداقا، فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ، [أي] [١١] :
مِنَ الْقِنْطَارِ، شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ، اسْتِفْهَامٌ [نهي] [١٢] بِمَعْنَى التَّوْبِيخِ، بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً، انْتِصَابُهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا بِنَزْعِ الْخَافِضِ، وَالثَّانِي: بِالْإِضْمَارِ تَقْدِيرُهُ: تُصِيبُونَ فِي أَخْذِهِ بُهْتَانًا وَإِثْمًا ثُمَّ قال:
وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ، عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعْظَامِ، وَقَدْ أَفْضى بَعْضُكُمْ إِلى بَعْضٍ، أَرَادَ بِهِ الْمُجَامَعَةَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَيِيٌّ يُكَنِّي، وَأَصْلُ الْإِفْضَاءِ: الْوُصُولُ إِلَى الشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ، وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) العبارة في المطبوع «فنسخ في ذلك في الحدود».
(٥) في المخطوط وحده «بكسرهما».
(٦) في المطبوع وط «هي».
(٧) في المطبوع «هي».
(٨) في المطبوع «يصنع».
(٩) في المطبوع «تصنع» والمثبت عن المخطوط وط والقرطبي.
(١٠) سقط من المطبوع وط. [.....]
(١١) زيادة عن المخطوط.
(١٢) زيادة عن المخطوط. وسقط لفظ «بمعنى» من المخطوط.
588
غَلِيظاً، قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: هُوَ قَوْلُ الْوَلِيِّ عِنْدَ الْعَقْدِ: زَوَّجْتُكَهَا عَلَى مَا أَخَذَ اللَّهُ لِلنِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ مِنْ إِمْسَاكٍ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٍ بإحسان.
ع «٥٤٩» وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ: هُوَ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ، كَانَ أَهْلُ الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم.
ع «٥٥٠» قال أشعث بْنُ سَوَّارٍ: تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ فَخَطَبَ ابْنُهُ قَيْسٌ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَقَالَتْ: إِنِّي اتَّخَذْتُكَ وَلَدًا وَأَنْتَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ، وَلَكِنِّي آتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرْهُ، فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، قِيلَ: بَعْدَ مَا سَلَفَ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ لَكِنْ مَا سَلَفَ، أَيْ: مَا مَضَى فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً أَيْ: إِنَّهُ فَاحِشَةٌ، وكانَ فِيهِ صِلَةٌ، وَالْفَاحِشَةُ أَقْبَحُ الْمَعَاصِي، وَمَقْتاً أَيْ: يُورِثُ مَقْتَ اللَّهِ، وَالْمَقْتُ: أَشَدُّ الْبُغْضِ، وَساءَ سَبِيلًا، وَبِئْسَ ذَلِكَ طَرِيقًا وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَقُولُ لِوَلَدِ الرَّجُلِ مِنِ امْرَأَةِ أَبِيهِ: مَقِيتٌ وَكَانَ مِنْهُمُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَأَبُو مُعِيطِ بْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ.
«٥٥١» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ السِّجْزِيُّ أَنَا الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَضْرَمِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ الْعُطَارِدِيُّ عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مَرَّ بِي خَالِي وَمَعَهُ لِوَاءٌ فَقُلْتُ: أَيْنَ تَذْهَبُ؟ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ آتِيهِ برأسه.
٥٤٩- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٢١٨ وأبو داود ١٩٠٥ وابن ماجه ٣٠٧٤ والدارمي ١٧٩٣ في أثناء حديث جابر في صفة حَجَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم. وتقدم.
٥٥٠- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٠٢) بهذا السياق.
وأخرجه البيهقي ٧/ ١٦١ من طريق أَشْعَثَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ عَدِيِّ بن ثابت الأنصاري به. وقال البيهقي: هذا مرسل وبمعناه ذكره غير واحد من أهل التفسير اهـ.
وأشعث بن سوار ضعيف كما في «التقريب». وانظر الحديث ٥٤٨.
٥٥١- حديث قوي بطرقه. إسناده ضعيف لضعف أحمد بن عبد الجبار، وأشعث بن سوّار، لكن تابعهما غير واحد، وباقي الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٨٦) بهذا الإسناد.
لكن ورد من وجه آخر فقد.- أخرجه أبو داود ٤٤٥٧ والترمذي ١٣٦٢ والنسائي ٦/ ١٠٩- ١١٠ وابن ماجه ٢٦٠٧ وعبد الرزاق ١٠٨٠٤ وأحمد ٤/ ٢٩٢ و٢٩٥ والحاكم ٢/ ١٩١ والدارقطني ٣/ ١٩٦ من طرق عن البراء بن عازب به، صححه الحاكم ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن غريب اهـ. وهو قوي لمجيئه من طرق عن عدي بن ثابت، وعدي ثقة روى له الستة.
- وورد بنحوه من حديث مطرّف عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب.
أخرجه أبو داود ٤٤٥٦ والدارقطني ٣/ ١٩٦ والحاكم ٢٧٧٨ وسكت عنه، وقال الذهبي: إسناده مليح اهـ.
وقال المنذري: قد اختلف فيه اختلافا كثيرا، وللحديث أسانيد كثيرة، منها ما رجاله رجال الصحيح اهـ. «التعليق المغني» للآبادي.
589

[سورة النساء (٤) : آية ٢٣]

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٣)
قَوْلُهُ تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [إلى آخر] [١] الْآيَةَ، بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْمُحَرَّمَاتِ بِسَبَبِ الْوُصْلَةِ، وَجُمْلَةُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ: سَبْعٌ بِالنَّسَبِ، وَسَبْعٌ بِالسَّبَبِ، فَأَمَّا السَّبْعُ بِالسَّبَبِ فَمِنْهَا اثْنَتَانِ بِالرِّضَاعِ وَأَرْبَعٌ بِالصِّهْرِيَّةِ وَالسَّابِعَةُ الْمُحْصَنَاتُ، وَهُنَّ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، وَأَمَّا السَّبْعُ بِالنَّسَبِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَهِيَ جَمْعُ أمّ فيدخل فيه الْجَدَّاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ مِنْ قِبَلِ الأم أو من قبل الأب، وَبَناتُكُمْ، [وهي] [٢] جَمْعُ: الْبِنْتِ، فَيَدْخُلُ فِيهِنَّ بَنَاتُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَأَخَواتُكُمْ، جَمْعُ الْأُخْتِ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ مِنْ قِبَلِ أَحَدِهِمَا، وَعَمَّاتُكُمْ جَمْعُ الْعَمَّةِ، وَيَدْخُلُ فِيهِنَّ جَمِيعُ أَخَوَاتِ آبَائِكَ وَأَجْدَادِكَ وإن علوا، وَخالاتُكُمْ جَمْعُ خَالَةٍ، وَيَدْخُلُ فِيهِنَّ أَخَوَاتِ أُمَّهَاتِكَ وَجَدَّاتِكَ، وَبَناتُ الْأَخِ وَبَناتُ الْأُخْتِ، فيدخل فِيهِنَّ بَنَاتَ أَوْلَادِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَإِنْ سَفَلْنَ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أُصُولُهُ وَفُصُولُهُ وَفُصُولُ أَوَّلِ أُصُولِهِ وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كل أصل بعده، والأصول هن الْأُمَّهَاتُ وَالْجَدَّاتُ، وَالْفُصُولُ الْبَنَاتُ وَبَنَاتُ الأولاد، وفصول أول أصوله هن [٣] الْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَأَوَّلُ فَصْلٍ مِنْ كُلِّ أَصْلٍ بَعْدَهُ هُنَّ الْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ، وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ.
«٥٥٢» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زاهر بْنِ أَحْمَدَ [الْخَلَّالِ] [٤] أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ».
«٥٥٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ قال: أخبرنا أبو مصعب
٥٥٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٧٢) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٦٠٧) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ به.
- ومن طريق مالك أخرجه أبو داود ٢٠٥٥ والترمذي ١١٤٧ والنسائي ٦/ ٩٩ والشافعي ٢/ ١٩- ٢٠ وأحمد ٦/ ٤٤ و٥١ والدارمي ٢/ ١٩٦ وابن حبان ٤٢٢٣ والبيهقي ٦/ ٢٧٥.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم.... اهـ.
٥٥٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٧١) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٦٠١) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به. ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢٦٤٦ و٣١٠٥ ومسلم ١٤٤٤ والنسائي ٦/ ٩٩ وأحمد ٦/ ١٧٨ والدارمي ٢/ ١٥٥ و١٥٦ والبيهقي ٧/ ١٥٩.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيد في المطبوع وحده.
(٣) في المطبوع «هي».
(٤) زيادة عن المخطوط.
590
عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهَا:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ رَجُلٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [هَذَا رجل يستأذن في بيتك، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «أراه فلانا» - لعم حفصة من الرضاعة- فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ] [١] لَوْ كَانَ فُلَانٌ حَيًّا- لِعَمِّهَا مِنَ الرَّضَاعَةِ- أَيَدْخُلُ عَلَيَّ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَعَمْ إِنَّ الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنَ الْوِلَادَةِ».
وَإِنَّمَا تَثْبُتُ حُرْمَةُ الرَّضَاعِ بِشَرْطَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَوْلُودِ حَوْلَيْنِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [البقرة: ٢٣٣].
ع «٥٥٤» وَرُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُحَرِّمُ مِنَ الرَّضَاعِ إِلَّا ما فتق الأمعاء».
ع «٥٥٥» وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا رَضَاعَ إِلَّا مَا أَنْشَزَ الْعَظْمَ وَأَنْبَتَ اللَّحْمَ».
وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا فِي حَالِ الصِّغَرِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُدَّةَ الرِّضَاعِ ثَلَاثُونَ شَهْرًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الْأَحْقَافِ: ١٥]، وَهُوَ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لِأَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ، وَأَكْثَرِ مُدَّةِ الرِّضَاعِ، وَأَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالشَّرْطُ الثَّانِي أَنْ يُوجَدَ خَمْسُ رَضَعَاتٍ مُتَفَرِّقَاتٍ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ قليل الرضاع وكثيره محرم، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْقَلِيلَ لَا يُحَرِّمُ بِمَا:
«٥٥٦» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا
- وأخرجه مسلم ١٤٤٤ ح ٢ وعبد الرزاق ٣٩٥٢ والبيهقي ٧/ ٤٥١ من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به.
٥٥٤- ع جيد. أخرجه الترمذي ١١٥٢ والنسائي في «الكبرى» (٥٤٦٥) وابن حبان ٤٢٢٤ من طريق أبي عوانة، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة به. وزاد الترمذي في آخره «في الثدي وكان قبل الفطام» قال: هذا حديث حسن صحيح اهـ. وإسناده صحيح على شرط مسلم.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البزار ١٤٤٤ والبيهقي ٧/ ٤٥٦ في إسناده محمد بن إسحاق مدلس، وقد عنعن وقال البيهقي: رواه الزهري، عن عروة موقوفا على أبي هريرة ببعض معناه اهـ.
- ومن حديث عبد الله بن الزبير أخرجه ابن ماجه ١٩٤٦ وقال البوصيري في «الزوائد» إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة فيه ما فيه اهـ. وانظر «أحكام القرآن» (٤٣٥) بتخريجي، والله الموفق.
٥٥٥- ع ضعيف. أخرجه أبو داود ٢٠٦٠ وأحمد ١/ ٤٣٢ والدارقطني ٤/ ٧٢- ١٧٣ والبيهقي ٧/ ٤٦٠- ٤٦١ من حديث ابن مسعود، وعنه الهلالي وعنه ابنه أبو موسى الهلالي.
قال ابن حجر في «التلخيص» (٤/ ٤) : في إسناده أبو موسى الهلالي عن أبيه، وهما مجهولان اهـ.
قلت: ولذا أخرجه أبو داود أيضا ٢٠٥٩ عن ابن مسعود موقوفا وزاد في إسناده عن الهلالي، عن ابن لعبد الله بن مسعود، وهذا يعني أن الحديث المرفوع فيه انقطاع بين الهلالي وابن مسعود أيضا، فالراجح فيه الوقف. [.....]
٥٥٦- حديث صحيح، إسناده حسن، مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الحكم ومن دونه ثقات وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٧٧) بهذا الإسناد.
وأخرجه البيهقي ٧/ ٤٥٤ عن أبي العباس الأصم به وأخرجه الشافعي ٢/ ٢١ من طريق أنس بن عياض به.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من- ط.
591
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تُحَرِّمُ الْمَصَّةُ مِنَ الرَّضَاعِ وَالْمَصَّتَانِ». هَكَذَا رَوَى بَعْضُهُمْ هذا الحديث.
ع «٥٥٧» وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
«٥٥٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ [بْنِ] [١] مُحَمَّدِ بْنِ عمرو [٢] بْنِ حَزَمٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قالت: كان فيما أنزل فِي الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يحرمن، ثم نسخن [٣] بخمس
- وأخرجه النسائي ٦/ ١٠١ وأحمد ٤/ ٤ و٥ وابن حبان ٤٢٢٥ من طريق هشام بن عروة به.
- وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٤٥٧) وابن حبان ٤٢٢٦ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عن الزبير مرفوعا.
قال الترمذي بإثر ١١٥٠: وزاد فيه محمد بن دينار البصري «عن الزبير، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم» وهو غير محفوظ، والصحيح عند أهل الحديث حديث ابن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن الزبير، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلّم اهـ. وانظر الحديث الآتي.
٥٥٧- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٤٥٠ وأبو داود ٢٠٦٣ والترمذي ١١٥٠ والنسائي ٦/ ١٠١ وابن ماجه ١٩٤١ وأحمد ٦/ ٩٥ و٩٦ و٢١٦ والدارقطني ٤/ ١٧٢ وابن حبان ٤٢٢٨ والبيهقي ٧/ ٤٥٤ و٤٥٥ من طرق عن ابن أبي مليكة به.
- وأخرجه أحمد ٦/ ٦٤٧ والدارمي ٢١٦٩ وابن حبان ٤٢٢٧ من طريق عروة، عن عائشة دون ذكر ابن الزبير بينهما.
وانظر ما تقدم، وما يأتي.
٥٥٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٧٦) بهذا الإسناد.
- وهو في «الموطأ» (٢/ ٦٠٨) عن عبد الله بن أبي بكر به.
ومن طريق مالك أخرجه مسلم ١٤٥٢ ح ٢٤ وأبو داود ٢٠٦٢ والترمذي بإثر ١١٥٠ (٣/ ٤٥٦) والنسائي ٦/ ١٠٠ والشافعي ٢/ ٢١ والدارمي ٢/ ١٥٧ وابن حبان ٤٢٢١ والبيهقي ٧/ ٤٥٤.
- وأخرجه مسلم ١٤٥٢ ح ٢٥ والشافعي ٢/ ٢١ والبيهقي ٧/ ٤٥٤ من طرق، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو، عن عائشة بنحوه.
قال المصنف في «شرح السنة» (٥/ ٦٤) : اختلف أهل العلم فيما تثبت به الحرمة من الرضاع، فذهب جماعة من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم وغيرهم إلى أنه لا تثبت بأقل من خمس رضعات متفرقات، وبه كانت تفتي عائشة وبعض أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو قول عبد الله بن الزبير، وإليه ذهب الشافعي وإسحاق. وقال أحمد: إن ذهب ذاهب إلى قول عائشة في خمس رضعات، فهو مذهب قوي.
- وذهب أكثر أهل العلم إلى أن قليل الرضاع وكثيره محرّم، يروى ذلك عن ابن عباس، وابن عمر، وبه قال سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير والزهري، وهو قول سفيان الثوري، ومالك والأوزاعي وعبد الله بن المبارك ووكيع وأصحاب الرأي.
- وذهب أبو عبيد وأبو ثور، وداود إلى أنه لا يحرم أقل من ثلاث رضعات لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تحرّم المصة والمصتان» ويحكى عن بعضهم أن التحريم لا يقع بأقل من عشر رضعات، وهو قول شاذ.
- وقول عائشة: فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهن فيما يقرأ في القرآن: أرادت به قرب عهد النسخ من وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتى كان بعض من لم يبلغه النسخ يقرؤه على الرسم الأول، لأن النسخ لا يتصور بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويجوز بقاء الحكم مع نسخ التلاوة كالرجم في حكمه باق مع ارتفاع التلاوة في القرآن، لأن الحكم يثبت بأخبار الآحاد، ويجب العمل به والقرآن لا يثبت بأخبار الآحاد، فلم تجز كتابته بين الدفتين اهـ.
(١) زيادة عن كتب التراجم والتخريج.
(٢) في الأصل «عمر» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب «التخريج».
(٣) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «نسخ» وفي «شرح السنة»، «نسخت».
592
مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الْمُحَرَّمَاتُ بِالصِّهْرِيَّةِ فَقَوْلُهُ: وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ، وَجُمْلَتُهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَقَدَ النِّكَاحَ على امرأة فتحرم عَلَى النَّاكِحِ أُمَّهَاتُ الْمَنْكُوحَةِ وَجَدَّاتُهَا وَإِنْ عَلَوْنَ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَالنَّسَبِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ، الربائب جَمْعُ: رَبِيبَةٍ، وَهِيَ بِنْتُ الْمَرْأَةِ، سُمِّيَتْ رَبِيبَةٌ لِتَرْبِيَتِهِ إِيَّاهَا، وَقَوْلُهُ: فِي حُجُورِكُمْ أَيْ: فِي تَرْبِيَتِكُمْ، يُقَالُ: فَلَانٌ فِي حِجْرِ فُلَانٍ إِذَا كَانَ فِي تَرْبِيَتِهِ، دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أَيْ: جَامَعْتُمُوهُنَّ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَنَاتُ الْمَنْكُوحَةِ وَبَنَاتُ أَوْلَادِهَا، وَإِنْ سَفَلْنَ مِنَ الرَّضَاعِ وَالنَّسَبِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالْمَنْكُوحَةِ، حَتَّى لَوْ فَارَقَ الْمَنْكُوحَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا أَوْ مَاتَتْ جَازَ لَهُ أَنْ ينكح ابنتها، وَلَا يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُمَّهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ تَحْرِيمَ الْأُمَّهَاتِ وَقَالَ فِي تَحْرِيمِ الرَّبَائِبِ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ، يَعْنِي: فِي نِكَاحِ بَنَاتِهِنَّ إِذَا فَارَقْتُمُوهُنَّ أَوْ مِتْنَ.
وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَمُّ الْمَرْأَةِ لَا تُحَرَّمُ إِلَّا بِالدُّخُولِ بِالْبِنْتِ كَالرَّبِيبَةِ، وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ، يَعْنِي: أَزْوَاجَ أَبْنَائِكُمْ، وَاحِدَتُهَا: حَلِيلَةٌ، وَالذَّكَرُ حَلِيلٌ، سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلَالٌ لِصَاحِبِهِ، وَقِيلَ: سُمِّيَا بِذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ حَيْثُ يَحِلُّ صَاحِبُهُ مِنَ الْحُلُولِ وَهُوَ النُّزُولُ، وقيل: لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَحِلُّ إِزَارَ صَاحِبِهِ مِنَ الْحَلِّ وَهُوَ ضِدُّ الْعَقْلِ، وَجُمْلَتُهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ حَلَائِلُ أَبْنَائِهِ وَأَبْنَاءِ أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا مِنَ الرِّضَاعِ وَالنَّسَبِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا قَالَ: مِنْ أَصْلابِكُمْ لِيُعْلِمَ أَنَّ حَلِيلَةَ الْمُتَبَنَّى لَا تَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي تَبَنَّاهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ [١]، وَكَانَ زَيْدٌ قد تَبَنَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالرَّابِعُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ بِالصِّهْرِيَّةِ حَلِيلَةُ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَإِنْ عَلَا، فَيَحْرُمُ عَلَى الْوَلَدِ وَوَلَدِ الْوَلَدِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ مِنَ الرِّضَاعِ أَوْ مِنَ النَّسَبِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ [النِّسَاءِ: ٢٢]، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ، وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْكَ بِعَقْدِ النِّكَاحِ تَحْرُمُ بِالْوَطْءِ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْوَطْءُ بِشُبْهَةِ النِّكَاحِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالشُّبْهَةِ أَوْ جَارِيَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَتَحْرُمُ عَلَى الْوَاطِئِ أُمُّ الْمَوْطُوءَةِ وَابْنَتُهَا وَتَحْرُمُ الْمَوْطُوءَةُ عَلَى أَبِ الْوَاطِئِ وَعَلَى ابْنِهِ.
وَلَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ فيه أهل العلم فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَحْرُمُ عَلَى الزَّانِي أُمُّ الْمَزْنِي بها وابنتها، ولا تحرم الزَّانِيَةُ عَلَى أَبِ الزَّانِي وَابْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ [٢] وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ سعيد بن المسيب وعروة [بن الزبير] وَالزُّهْرِيُّ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيٌّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى التَّحْرِيمِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالْحَسَنُ وَهُوَ قول أصحاب الرأي. ولو مسّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ قَبَّلَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ ذَلِكَ كَالدُّخُولِ فِي إِثْبَاتِ حرمة المصاهرة وكذلك لو مسّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ فَهَلْ يُجْعَلُ كَالْوَطْءِ فِي تَحْرِيمِ الرَّبِيبَةِ؟ فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ تَثْبُتُ بِهِ الْحُرْمَةُ، وَالثَّانِي: لَا تَثْبُتُ كَمَا لَا تَثْبُتُ بِالنَّظَرِ بِالشَّهْوَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي النِّكَاحِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْأُخُوَّةُ بَيْنَهُمَا بِالنَّسَبِ أَوْ بِالرِّضَاعِ، فَإِذَا نَكَحَ امْرَأَةً ثُمَّ طَلَّقَهَا بَائِنًا جَازَ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ مَلَكَ أُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ، فَإِذَا وَطِئَ إِحْدَاهُمَا لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْءُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى
(١) يأتي في سورة الأحزاب إن شاء الله.
(٢) زيد في المطبوع «وابن مسعود».
593
عَلَى نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا [لِمَا] [١] :
«٥٥٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلَا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ، يَعْنِي: لَكِنْ مَا مَضَى فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ عَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ: إِلَّا مَا كَانَ مِنْ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهُ جَمَعَ [٢] بَيْنَ لَيَّا أَمِّ يَهُوذَا وَرَاحِيلَ أَمِّ يُوسُفَ، وَكَانَتَا أُخْتَيْنِ. إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
[سورة النساء (٤) : آية ٢٤]
وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (٢٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، يَعْنِي: ذَوَاتَ الْأَزْوَاجِ، لَا يَحِلُّ لِلْغَيْرِ نِكَاحُهُنَّ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْأَزْوَاجِ، وَهَذِهِ السَّابِعَةُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتي حرمن بالسبب.
ع «٥٦٠» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: نَزَلَتْ في نساءكنّ يُهَاجِرْنَ [٣] إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فيتزوجهنّ [٤] بعض المسلمين، ثم يقدم [٥] أَزْوَاجُهُنَّ مُهَاجِرِينَ فَنَهَى اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ عَنْ نِكَاحِهِنَّ.
ثُمَّ اسْتَثْنَى فَقَالَ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، يَعْنِي: السَّبَايَا اللَّوَاتِي سُبِينَ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ في دار
٥٥٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، والأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.
وهو في «شرح السنة» (٢٢٧٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان ٤١١٣ من طريق أبي مُصْعَبٍ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ به.
ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٥٣٢) عن أبي الزناد به.
- وأخرجه البخاري ٥١٠٩ ومسلم ١٤٠٨ والنسائي ٦/ ٩٦ والشافعي ٢/ ١٨ وأحمد ٢/ ٤٦٢ والبيهقي ٧/ ١٦٥.
- وأخرجه سعيد بن منصور ٦٥٤ من طريق عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه به.
- وأخرجه النسائي ٦/ ٩٧ من طريق جعفر بن ربيعة، عن الأعرج.
- وورد من وجه آخر من حديث أبي هريرة بنحوه أخرجه البخاري ٥١١٠ ومسلم ١٤٠٨ ح ٣٥ و٣٦ وأبو داود ٢٠٦٦ والنسائي ٦/ ٩٦- ٩٧ والبيهقي ٧/ ١٦٥ من طريق قبيصة بن ذؤيب عنه.
- وورد من طريق مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هريرة بنحوه أخرجه مسلم ١٤٠٨ ح ٣٨ والترمذي ١١٢٥ والنسائي ٦/ ٩٨ وابن ماجه ١٩٢٩ وعبد الرزاق ١٠٧٥٣ وأحمد ٢/ ٤٣٢ و٤٧٤ و٤٨٩ و٥٠٨ و٥١٦ وابن حبان ٤٠٦٨ والبيهقي ٥/ ٣٤٥ و٧/ ١٦٥.
٥٦٠- ع إسناده ضعيف. أخرجه الطبري ٩٠١٣ عن حجاج بن أرطأة، عن ابن جريج قال: حدثني حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أبي سعيد الخدري قال: كان النساء يأتيننا ثم يهاجر أزواجهن، فمنعناهن يعني بقوله وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ.... وفيه حجاج بن أرطأة، وهو مدلس، وقد عنعن، وكذا حبيب بن أبي ثابت.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المطبوع «يجمع». [.....]
(٣) في المطبوع «هاجرن».
(٤) في المطبوع «فتزوجهن».
(٥) في المطبوع «قدم».
594
الْحَرْبِ فَيَحِلُّ لِمَالِكِهِنَّ وَطْؤُهُنَّ بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، لِأَنَّ بِالسَّبْيِ يَرْتَفِعُ النِّكَاحُ بينهما وبين زوجها.
ع «٥٦١» قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: بَعَثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ جَيْشًا إِلَى أَوَطَاسٍ فَأَصَابُوا سَبَايَا لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَكَرِهُوا غَشَيَانَهُنَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: أَرَادَ بِقَوْلِهِ: إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أَنْ تَكُونَ أَمَتُهُ [١] فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ فَيَجُوزُ أَنْ ينزعها منه [وقال ابن مسعود: أراد أن يبيع الجارية المزوجة فتقع الفرقة بينها [٢] وبين زوجها، ويكون بيعها طلاقا فيحل للمشتري وطؤها] [٣]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُحْصَنَاتِ الْحَرَائِرَ وَمَعْنَاهُ: أن ما فوق الأربع منهن حرام إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّهُ لَا عَدَدَ عَلَيْكُمْ فِي الْجَوَارِي. قَوْلُهُ تَعَالَى: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، أَيْ: كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ [كِتَابَ اللَّهِ] [٤] وَقِيلَ: نُصِبَ عَلَى الْإِغْرَاءِ، أَيْ: الْزَمُوا [كِتَابَ اللَّهِ] [٥] عَلَيْكُمْ أَيْ: فَرْضُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وحمزة والكسائي وحفص وَأُحِلَّ بِضَمِّ الْأَوَّلِ وَكَسْرِ الْحَاءِ، لِقَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ، أَيْ: أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ مَا وراء ذلكم، مَا سِوَى ذَلِكُمُ الَّذِي ذَكَرْتُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، أَنْ تَبْتَغُوا، تَطْلُبُوا بِأَمْوالِكُمْ، أن تَنْكِحُوا بِصَدَاقٍ أَوْ تَشْتَرُوا بِثَمَنٍ، مُحْصِنِينَ، أَيْ: مُتَزَوِّجِينَ [أَوْ] [٦] مُتَعَفِّفِينَ، غَيْرَ مُسافِحِينَ، أَيْ:
غَيْرُ زَانِينَ، مَأْخُوذٌ مِنْ سَفْحِ الْمَاءِ وَصَبِّهِ وَهُوَ الْمَنِيُّ، فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ، اخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ مَا انْتَفَعْتُمْ وَتَلَذَّذْتُمْ بِالْجِمَاعِ مِنَ النِّسَاءِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ، فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، أَيْ:
مُهُورُهُنَّ، وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ وهو أن تنكح امْرَأَةً إِلَى مُدَّةٍ فَإِذَا انْقَضَتْ تِلْكَ الْمُدَّةُ بَانَتْ مِنْهُ بِلَا طلاق، ويستبرئ رَحِمهَا وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مِيرَاثٌ، وَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، ثُمَّ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«٥٦٢» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ أَنَا أَبِي أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ الْجُهَنِيُّ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي كُنْتُ أَذِنْتُ لَكُمْ فِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النِّسَاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ فَلْيُخَلِّ سَبِيلَهُ وَلَا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئا»
٥٦١- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٤٥٦ وأبو داود ٢١٥٥ والترمذي ١١٣٢ والنسائي ٦/ ١١٠ وفي «التفسير» (١١٦ و١١٧) وعبد الرزاق في «تفسيره» (٥٤٩) وأحمد ٣/ ٨٤ والطيالسي ٢٢٣٩ وأبو يعلى ١٣١٨ والبيهقي ٧/ ١٦٧ من طرق من حديث أبي سعيد- وله شاهد حسن من حديث ابن عباس أخرجه النسائي في «التفسير» (١١٨). وانظر «أحكام القرآن» (٤٤١) بتخريجي، والله الموفق.
٥٦٢- إسناده صحيح على شرط مسلم، سبرة والد الربيع هو ابن معبد الجهني.
أخرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (١٤٠٦) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن نمير بهذا الإسناد. وأخرجه عبد الرزاق ١٤٠٤١ وابن أبي شيبة ٤/ ٢٩٢ والحميدي ٨٤٧ وأحمد ٣/ ٤٠٤ و٤٠٥ وابن ماجه ١٩٩٢ والدارمي ٢/ ١٤٠ وأبو يعلى ٩٣٩ وابن حبان ٤١٤٧ وابن الجارود ٦٩٩ والطحاوي ٣/ ٣٥ والطبراني ٦٥١٤ و٦٥١٥- ٦٥٢٠ والبيهقي ٧/ ٢٠٣ من طرق عن عبد العزيز بن عمر به، وفيه قصة.
(١) في المطبوع وحده «أمة».
(٢) في المطبوع «بينهما».
(٣) سقط من- ط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) ما بين المعقوفتين في المطبوع «كتب الله».
(٦) زيد في المطبوع وحده.
595
«٥٦٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَالْحَسْنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ.
وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ حَرَامٌ، وَالْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ. وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَذْهَبُ إلى أن الآية محكمة، وترخّص في نكاح المتعة.
ع «٥٦٤» روي عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ سَأَلَتُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: أَمَا تَقْرَأُ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ: «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى» ؟ قلت: لا أقرأها هكذا فقال ابْنُ عَبَّاسٍ: هَكَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. وَقِيلَ: إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رَجَعَ عن ذلك [١].
ع «٥٦٥» وَرَوَى سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ صَعَدَ الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْكِحُونَ هَذِهِ الْمُتْعَةَ؟ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، لَا أَجِدُ رَجُلًا [٢] نَكَحَهَا إِلَّا رَجَمْتُهُ بِالْحِجَارَةِ، وَقَالَ:
هَدْمُ الْمُتْعَةِ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ.
قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ: سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: لَا أَعْلَمُ فِي الْإِسْلَامِ شَيْئًا أُحِلَّ ثُمَّ حُرِّمَ ثُمَّ أُحِلُّ ثُمَّ حُرِّمَ غَيْرَ الْمُتْعَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أَيْ: مُهُورَهُنَّ، فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ، فَمَنْ حَمَلَ مَا قَبْلَهُ [٣] عَلَى نِكَاحِ الْمُتْعَةِ أَرَادَ أنهما إذا عقدا [٤] إلى
٥٦٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن شهاب هو الزهري محمد بن مسلم، ومحمد بن علي هو ابن الحنفية، وعلي هو ابْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه.
وهو في «شرح السنة» (٢٢٨٥) بهذا الإسناد.
رواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٥٤٢) عن الزهري بهذا الإسناد.
- ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٤٢١٦ و٥٥٢٣ ومسلم ١٤٠٧ والنسائي ٦/ ١٢٦ و٧/ ٢٠٣ والترمذي ١٧٩٤ وابن ماجه ١٩٦١ وابن حبان ٤١٤٠ و٤١٤٣ و٤١٤٥ والبيهقي ٧/ ٢٠١.
- وأخرجه البخاري ٥١١٥ ومسلم ١٤٠٧ ح ٣٠ والنسائي ٧/ ٢٠٢ والترمذي ١١٢١ وأحمد ١/ ٧٩ وسعيد بن منصور ٨٤٨ والحميدي ٣٧ والدارمي ٢/ ١٤٠ وأبو يعلى ٥٧٦ وابن أبي شيبة ٤/ ٢٩٢ والبيهقي ٧/ ٢٠١ و٢٠٢ من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزهري به.
٥٦٤- ع موقوف صحيح. أخرجه الطبري ٩٠٣٩ من طريق شعبة، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي نضرة به و٩٠٣٧ و٩٠٣٨ عن داود، عن أبي نضرة نحوه، وإسناده صحيح لمجيئه من طرق، عن ابن عباس وهي طرق جياد.
٥٦٥- ع أخرجه البيهقي ٧/ ٢٠٦ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عمر، عن أبيه به. وقال البيهقي: فهذا إن صح عن عمر يبين إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنما نهى عن نكاح المتعة لأنه علم نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عنه، وكرره البيهقي من وجهين بنحوه وهو قوي عن عمر.
- ويشهد له ما أخرجه مسلم ١٢١٧ والبيهقي ٧/ ٢٠٦ عن قتادة يحدث عن أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة، وكان ابن الزبير ينهى عنها قال: فذكرت ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يديّ دار الحديث تمتعنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فلما قام عمر قال: إن الله كان يحل لرسوله ما شاء.... الحديث.
- ويشهد له حديث عبد الله بن الزبير عند مسلم برقم: ١٤٠٦ ح ٢٧. [.....]
(١) انظر «سنن البيهقي» (٧/ ٢٠٥) و «الدر المنثور» (٢/ ٢٥٢) و «تخريج الكشاف» (١/ ٤٩٨).
(٢) في المخطوط وحده «أحدا».
(٣) في المخطوط «قبلها».
(٤) في المطبوع وط «عقد».
596
أَجَلٍ بِمَالٍ فَإِذَا تَمَّ الْأَجَلُ فَإِنْ شَاءَتِ الْمَرْأَةُ زَادَتْ فِي الأجل وزاد الرجل في المال، وَإِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا فَارَقَهَا، وَمَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ. قَالَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ من الْإِبْرَاءُ عَنِ الْمَهْرِ وَالِافْتِدَاءُ وَالِاعْتِيَاضُ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.
[فَصَلٌ فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ وَفِيمَا [١] يُسْتَحَبُّ مِنْهُ]
اعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَكْثَرِ الصَّدَاقِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يغالى فيه:
ع «٥٦٦» قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَا لا تغالوا في صَدُقَةَ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا وَتَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا عَلِمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَكَحَ شَيْئًا مِنْ نِسَائِهِ وَلَا أَنْكَحَ شَيْئًا مِنْ بَنَاتِهِ عَلَى أَكْثَرِ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
«٥٦٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُفْلِسُ [٢] أَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ أنا يحيى بن محمد الجاري [٣] أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ [٤] عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ:
سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَمْ كَانَ صَدَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لِأَزْوَاجِهِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشًّا، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النَّشُّ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، هَذَا صَدَاقُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَزْوَاجِهِ.
أَمَّا أَقَلُّ الصَّدَاقِ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّهِ بَلْ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، وَهُوَ قَوْلُ رَبِيعَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ، قال عمر بن الخطاب: ثَلَاثِ قَبَضَاتِ زَبِيبٍ مَهْرٌ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: لَوْ أَصْدَقَهَا سَوْطًا جَازَ، وَقَالَ قَوْمٌ: يَتَقَدَّرُ
٥٦٦- ع جيد. أخرجه أبو داود ٢١٠٦ والترمذي ١١١٤ والنسائي ٦/ ١١٧ وأحمد ١/ ٤٠ و٤٨ والدارمي ٢١٢٠ والحاكم ٢/ ١٧٥ والبيهقي ٧/ ٢٣٤ وأخرجه ابن ماجه ١٨٨٧ مطوّلا كلهم من حديث أبي العجفاء السلمي قال: سمعت عمر، ورواية: خطبنا عمر. زاد الترمذي: والأوقية أربعون درهما. وإسناده حسن لأجل أبي العجفاء واسمه هرم بن نسيب صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حسن صحيح اهـ.
وله شاهد مرسل أخرجه عبد الرزاق ١٠٤٠١ عن نافع، ويشهد له ما بعده.
تنبيه: وما شاع على الألسنة من مراجعة المرأة لعمر وهو على المنبر في هذا الشأن فهو ضعيف. أخرجه البيهقي ٧/ ٢٣٣ وقال: هذا منقطع اهـ. وانظر «أحكام القرآن» (٤١٩) بتخريجنا.
٥٦٧- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٩٧) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٤٢٦ والشافعي ٢/ ٥ من طريق عبد العزيز بن محمد به وهذا خبر صحيح، وهو يشهد لحديث عمر المتقدم عن أبي العجفاء.
(١) في المطبوع «وما».
(٢) في «شرح السنة» المغلّس.
(٣) في الأصل «الحارثي» والتصويب من كتاب «الأنساب» و «شرح السنة».
(٤) في الأصل «الهادي» والتصويب من كتب «التخريج» و «شرح السنة».
597
بِنِصَابِ السَّرِقَةِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ، غَيْرَ أَنَّ نِصَابَ السَّرِقَةِ عِنْدَ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَقَدَّرُ مَا:
«٥٦٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي [قَدْ] [١] وَهَبْتُ نَفْسِي لَكَ، فَقَامَتْ [قِيَامًا] [٢] طَوِيلًا فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تكن لَكَ فِيهَا حَاجَةٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا» ؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي هَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَعْطَيْتهَا إيّاه جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شيئا»، فقال: ما أجده، فَقَالَ: «فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، فَالْتَمَسَ فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْءٌ» ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا [لِسُورٍ سَمَّاهَا] [٣]، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «قد زوجتها بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ».
وَفِيهِ دليل على أن لَا تَقْدِيرَ لِأَقَلِّ الصَّدَاقِ، لِأَنَّهُ قال: «التمس شيئا» وهذا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ أَيِّ شَيْءٍ كان من المال، و [لأنه] [٤] قال: «وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ»، وَلَا قِيمَةَ لِخَاتَمِ الْحَدِيدِ إِلَّا الْقَلِيلَ التَّافِهَ، وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يجوز تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ صَدَاقًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكُلُّ عَمَلٍ جَازَ الِاسْتِئْجَارُ عَلَيْهِ مِثْلُ [٥] الْبِنَاءِ وَالْخِيَاطَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَعْمَالِ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ صَدَاقًا، وَلِمَ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنْ يُجْعَلَ مَنْفَعَةُ الْحُرِّ صَدَاقًا، والحديث حجة لمن جوّزه بعد ما أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَيْثُ زَوَّجَ ابْنَتَهُ من موسى عليه السَّلَامُ عَلَى الْعَمَلِ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ [القصص: ٢٧].
٥٦٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو حازم هو سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» (٢٢٩٥) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٥٢٦) عن أبي حازم به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢٣١٠ و٥١٣٥ و٧٤١٧ وأبو داود ٢١١١ والترمذي ١١١٤ والشافعي ٢/ ٧ و٨ وأحمد ٥/ ٣٣٦ وابن حبان ٤٠٩٣ والطحاوي ٣/ ١٦- ١٧ والبيهقي ٧/ ١٤٤ و٢٣٦ و٢٤٢.
- وأخرجه البخاري ٥٠٢٩ و٥١٢١ و٥١٣٢ و٥١٤١ و٥١٤٩ و٥٨٧١ ومسلم ١٤٤٥ والنسائي ٦/ ١١٣ وابن ماجه ١٨٨٩ وعبد الرزاق ٧٥٩٢ والحميدي ٩٩٨ وأحمد ٥/ ٣٣٠ وابن الجارود ٧١٦ والطحاوي ٣/ ١٧ والطبراني ٦/ (٥٧٥٠) و (٥٧٨١١) و (٥٩٠٧) و (٥٩١٥) و (٥٩٩٣) والبيهقي ٧/ ١٤٤ و٢٣٦ و٢٤٢ من طرق عن أبي حازم به.
(١) زيادة عن «شرح السنة».
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) زيادة عن «شرح السنة» ولفظ «سماها» زيد في المخطوط أيضا. [.....]
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «من».
598

[سورة النساء (٤) : آية ٢٥]

وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٥)
قَوْلُهُ تَعَالِي: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا، أَيْ: فَضْلًا وَسَعَةً، أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ، الْحَرَائِرَ الْمُؤْمِناتِ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ الْمُحْصَناتِ بكسر الصاد حيث جاء [١] إِلَّا قَوْلَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ جَمِيعِهَا، فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ، إِمَائِكُمْ الْمُؤْمِناتِ، أَيْ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَهْرِ الْحُرَّةِ الْمُؤْمِنَةِ، فَلْيَتَزَوَّجِ الْأَمَةَ الْمُؤْمِنَةَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَجِدَ مَهْرَ حُرَّةٍ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ خَائِفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنَ الْعَنَتِ، وَهُوَ الزِّنَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ: ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وَهُوَ قَوْلُ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْحُرِّ نِكَاحُ الْأَمَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي نِكَاحِهِ حرة [و] أَمَّا الْعَبْدُ فَيَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ كَانَ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، كَمَا يَقُولُ فِي الْحُرِّ، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهُ قَالَ: فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ، جَوَّزَ نِكَاحَ الْأَمَةِ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ مُؤْمِنَةً، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ [الْمَائِدَةِ: ٥] أَيْ: الْحَرَائِرُ جَوَّزَ نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ، بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ حُرَّةً، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحَ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَبِالِاتِّفَاقِ يَجُوزُ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِكُمْ، أَيْ: لَا تَتَعَرَّضُوا لِلْبَاطِنِ فِي الْإِيمَانِ وَخُذُوا بِالظَّاهِرِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ، بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، قِيلَ: بَعْضُكُمْ إِخْوَةٌ لِبَعْضٍ، وَقِيلَ: كُلُّكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَلَا تَسْتَنْكِفُوا مِنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ، فَانْكِحُوهُنَّ، يَعْنِي: الْإِمَاءَ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ، أَيْ: مَوَالِيهِنَّ، وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، مُهُورَهُنَّ، بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ مَطْلٍ وَضِرَارٍ، مُحْصَناتٍ، عَفَائِفَ بِالنِّكَاحِ، غَيْرَ مُسافِحاتٍ، أَيْ:
غَيْرَ زَانِيَاتٍ، وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ، أَيْ: أَحْبَابٍ تَزْنُونَ بِهِنَّ فِي السِّرِّ، قَالَ الْحَسَنُ: الْمُسَافِحَةُ هِيَ أَنَّ كُلَّ مَنْ دعاها تبعته، وذات الخدن: أن [٢] تَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ لَا تَزْنِي إِلَّا مَعَهُ، وَالْعَرَبُ كَانَتْ تُحَرِّمُ الْأُولَى وَتُجَوِّزُ الثَّانِيَةِ، فَإِذا أُحْصِنَّ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَالصَّادِ، أَيْ: حَفِظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: أَسْلَمْنَ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: أُحْصِنَّ بِضَمِّ الْأَلْفِ وَكَسْرِ الصاد، أي:
تزويجهن، فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ، يَعْنِي: الزِّنَا، فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ، أَيْ: مَا عَلَى الْحَرَائِرِ الْأَبْكَارِ إِذَا زَنَيْنَ، مِنَ الْعَذابِ، يَعْنِي: الْحَدَّ فَيُجْلَدُ الرَّقِيقُ إِذَا زَنَى خَمْسِينَ جَلْدَةً، وَهَلْ يُغَرَّبُ؟ فِيهِ قَوْلَانِ، فَإِنْ قُلْنَا يُغَرَّبُ فَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ عَلَى الْقَوْلِ الْأَصَحِّ وَلَا رَجْمَ عَلَى الْعَبِيدِ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ [٣] بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي فِتْيَةٍ [٤] مِنْ قُرَيْشٍ فَجَلَدْنَا وَلَائِدَ [مِنْ وَلَائِدِ الْإِمَارَةِ خمسين خمسين] [٥] في الزنا.
(١) في المطبوع «كان».
(٢) في المطبوع وط «أي».
(٣) في الأصل «عباس» والتصويب من «ط» و «شرح السنة» و «الموطأ» (٢/ ٨٢٧).
(٤) في الأصل «فئة» والتصويب من «شرح السنة» و «الموطأ» و «سنن البيهقي» (٨/ ٢٤٢).
(٥) في الأصل «فجلدنا ولائد الإماء خمسين في الزنا» والتصويب عن «شرح السنة» و «الموطأ» و «سنن البيهقي» (٨/ ٢٤٢).
ومعنى الولائد: الإماء.
وَلَا فَرْقَ فِي حَدِّ الْمَمْلُوكِ بَيْنَ مَنْ تَزَوَّجَ أَوْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ عَلَى مَنْ [لَمْ] [١] يَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَمَالِيكِ إِذَا زَنَى، لِأَنَّ الله تعالى قال: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ، وَرَوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ طَاوُسٌ، وَمَعْنَى الْإِحْصَانُ عِنْدَ الْآخَرِينَ الْإِسْلَامُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّزْوِيجَ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّزْوِيجَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الْحَدِّ عَلَيْهِ، بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمَمْلُوكَ وَإِنْ كَانَ مُحْصَنًا بِالتَّزْوِيجِ فَلَا رَجْمَ عَلَيْهِ، إِنَّمَا حَدُّهُ الْجِلْدُ بِخِلَافِ الْحُرِّ، فَحَدُّ الْأَمَةِ ثَابِتٌ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَبَيَانُ [أنه بالجلد في الخبر، و] [٢] هو مَا:
«٥٦٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدٍ يَعْنِي الْمُقْبُرِيَّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيِّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، [ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ وَلَا يُثَرِّبْ عَلَيْهَا] [٣]، ثُمَّ إِنْ زنت الثالثة فتبين زناها فليبغها وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذلِكَ، يَعْنِي: نِكَاحَ الْأَمَةِ عِنْدَ عَدَمِ الطَّوْلِ، لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، يَعْنِي:
الزِّنَا، يُرِيدُ المشقة بغلبة الشَّهْوَةِ، وَأَنْ تَصْبِرُوا، عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ مُتَعَفِّفِينَ، خَيْرٌ لَكُمْ، لِئَلَّا يُخْلَقُ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٢٦ الى ٢٩]
يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٢٦) وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً (٢٧) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً (٢٨) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩)
٥٦٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هو ابن يحيى القرشي الأويسي روى له البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، سعيد المقبري هو ابن أبي سعيد واسم أبي سعيد كيسان.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٨٢) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٢٣٤) عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢١٥٢ و٦٨٣٩ ومسلم ١٧٠٣ ح ٣٠ و٣١ وأبو داود ٤٤٧٠ و٤٤٧١ من طرق عن سعيد المقبري به.
- وهو في «الموطأ» (٢/ ٨٢٦) من طريق الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خالد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢١٥٣ و٦٨٣٧ ومسلم ١٧٠٤ ح ٣٣ وأبو داود ٤٤٦٩ وابن الجارود ٨٢١ وابن حبان ٤٤٤٤ والبيهقي ٨/ ٢٤٢ و٢٤٤.
- وأخرجه البخاري ٢٢٣٢ و٢٥٥٥ ومسلم ١٧٠٤ وعبد الرزاق ١٣٥٩٨ والطيالسي ١٣٣٤ و٢٥١٣ من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خالد.
- وأخرجه ابن ماجه ٢٥٦٥ وابن أبي شيبة ٩/ ٥١٣ والشافعي ٢/ ٢٠٠ والحميدي ٨١٢ وأحمد ٤/ ١١٦ والبيهقي ٨/ ٢٤٤ من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عن عبيد الله، عن أبي هريرة وزيد وشبل.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) العبارة في المطبوع وحده «أنها تجلد في الحد».
(٣) سقط من- ط.
600
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ، أَيْ: أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ [الشُّورَى: ١٥] أَيْ: أَنَّ أَعْدَلَ، وَقَوْلُهُ: وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ [الْأَنْعَامِ: ٧١]، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ [غَافِرٍ: ٦٦]، وَمَعْنَى الْآيَةِ: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، أَيْ: يُوَضِّحَ لَكُمْ شَرَائِعَ دِينِكُمْ وَمَصَالِحَ أُمُورِكُمْ، قَالَ عَطَاءٌ: يُبَيِّنُ لَكُمْ مَا يُقَرِّبُكُمْ مِنْهُ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يُبَيِّنُ لَكُمْ أَنَّ الصَّبْرَ عَنْ نِكَاحِ الْإِمَاءِ خَيْرٌ لَكُمْ، وَيَهْدِيَكُمْ، يرشدكم، سُنَنَ، شَرَائِعَ، الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، فِي تَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ مُحَرَّمَةً عَلَى مَنْ قَبِلَكُمْ، وَقِيلَ: وَيَهْدِيَكُمُ الْمِلَّةَ الْحَنِيفِيَّةَ وَهِيَ مِلَّةُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ، وَيَتَجَاوَزَ عَنْكُمْ مَا أَصَبْتُمْ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَكُمْ، وَقِيلَ: يَرْجِعُ بِكُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ الَّتِي كُنْتُمْ عَلَيْهَا إِلَى طَاعَتِهِ، وقيل: يوفقكم التوبة وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَصَالِحِ عِبَادِهِ فِي أَمْرِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ، حَكِيمٌ، فِيمَا دَبَّرَ مِنْ أُمُورِهِمْ.
وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، إِنْ وَقْعَ منكم تقصير في أمر دينكم [١] وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا، عَنِ الْحَقِّ، مَيْلًا عَظِيماً بِإِتْيَانِكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
وَاخْتَلَفُوا في الموصوفين باتّباع الشهوات، فقال السُّدِّيُّ: هُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمُ الْمَجُوسُ لِأَنَّهُمْ يُحِلُّونَ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَالْأُخْتِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الزُّنَاةُ يُرِيدُونَ أَنْ تَمِيلُوا عَنِ الْحَقِّ فَتَزْنُونَ كَمَا يَزْنُونَ، وَقِيلَ: هُمْ جَمِيعُ أَهْلِ الْبَاطِلِ.
يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ، يسهل عليكم أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَقَدْ سَهَّلَ كَمَا قَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ [الأعراف: ١٥٧] ع «٥٧٠» وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ» [٢].
٥٧٠- ع جيد. أخرجه أحمد ٥/ ٢٦٦ والطبراني في «الكبير» (٧٨٦٨) والخطيب في «الفقيه والمتفقه» (٢/ ٢٠٤) من حديث أبي أمامة بأتم منه وفيه: «إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة....». وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ٢٧٩ (٩٤٤١) وقال: وفيه علي بن يزيد الألهاني، وهو ضعيف اهـ. وورد من وجه آخر من حديث أبي أمامة أخرجه الطبراني ٧٧١٥ وفيه عفير بن معدان، وهو ضعيف كما في «المجمع» (٤/ ٣٠٢) (٧٦١٣).
وله شواهد منها:
- حديث عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عن أبيه قال: قال لي عروة: إن عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ: «لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني أرسلت بحنيفية سمحة».
أخرجه أحمد ٦/ ١١٦ و٢٣٣ وإسناده جيد.
وأخرجه الحميدي ٢٥٩ من طريق يعقوب بن زيد التيمي، عن عائشة وإسناده منقطع وانظر «فتح الباري» (٢/ ٤٤٤).
- وحديث جابر أخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (٧/ ٢٠٩) بأتم منه وإسناده ضعيف.
- ومرسل حبيب بن أبي ثابت عند ابن سعد في «الطبقات» (١/ ١٥١).
- وفي الباب من حديث أبي هريرة «إن أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة» أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٧٣٤٧).
وفي إسناده عبد الله بن إبراهيم الغفاري، منكر الحديث كما في «المجمع» (١/ ٦٠) (٢٠٥).
وليس في أي رواية من هذه الروايات قوله «السهلة» وانظر «المقاصد الحسنة» (١٩٣).
الخلاصة: هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
(١) في- ب «دينه».
(٢) في الأصل «السلهة» وهو تصحيف. [.....]
601
وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً، قال طاووس وَالْكَلْبِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي أَمْرِ النِّسَاءِ: لَا يُصْبَرُ عَنْهُنَّ، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً يَسْتَمِيلُهُ هَوَاهُ وَشَهْوَتُهُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ، بَيَانُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ [الرُّومِ: ٥٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ يعني [١] بالحرام، بِالرِّبَا وَالْقُمَارِ وَالْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَنَحْوَهَا، وَقِيلَ: هُوَ الْعُقُودُ الْفَاسِدَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً، [قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ] [٢] تِجارَةً نُصِبَ عَلَى خَبَرِ كَانَ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَمْوَالُ تِجَارَةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ، أَيْ: إِلَّا أَنْ تَقَعَ تِجَارَةٌ، عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ، أَيْ بطيب [٣] نَفْسِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يُجِيزَ [٤] كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ صَاحِبَهُ بَعْدَ الْبَيْعِ، فَيَلْزَمُ وَإِلَّا فَلَهُمَا الْخِيَارُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا لِمَا:
«٥٧١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُتَبَايِعَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ».
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، قال أبو عبيدة: لَا تُهْلِكُوهَا، كَمَا قَالَ: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [الْبَقَرَةِ: ١٩٥]، وَقِيلَ: لَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ قَتْلَ الْمُسْلِمِ نَفْسَهُ.
«٥٧٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الربيع
٥٧١- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٠٤٠) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق مالك وهو في «الموطأ» (٢/ ٦٧١) عن نافع به.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢١١١ ومسلم ١٥٣١ وأبو داود ٣٤٥٤ والنسائي ٧/ ٢٤٨ والشافعي ٣/ ٤ وأحمد ١/ ٥٦ وابن حبان ٤٩١٦ والدارقطني ٣/ ٦ والبيهقي ٥/ ٢٦٨.
- وورد من وجه آخر بنحوه عن الليث بن سعد، عن نافع به أخرجه البخاري ٢١١٢ ومسلم ١٥٣١ ح ٤٤ وابن حبان ٤٩١٧ والدارقطني ٣/ ٥ وابن الجارود ٦١٨ والبيهقي ٥/ ٢٦٩.
- وأخرجه البخاري ٢١١٣ ومسلم ١٥٣١ والنسائي ٧/ ٢٥٠- ٢٥١ وعبد الرزاق ١٤٢٦٥ وابن أبي شيبة ٧/ ١٢٤ وأحمد ٢/ ٩ وابن حبان ٤٩١٣ وابن الجارود ٦١٧ والبيهقي ٥/ ٢٦٩ من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عن ابن عمر مرفوعا.
٥٧٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن عيينة هو سفيان، أيوب هو ابن أبي تميمة السّختياني، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥١٨) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ٩٧) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦١٠٥ و٦٦٥٢ ومسلم ١١٠ ح ١٧٧ وعبد الرزاق ١٥٩٧٢ والحميدي ٨٥٠ وأحمد ٤/ ٣٣ والطبراني ١٣٢٤- ١٣٣٠ والبيهقي ٨/ ٢٣ من طرق عن أيوب السختياني به.
- وأخرجه البخاري ١٣٦٣ ومسلم ١١٠ والنسائي ٧/ ٥- ٦ وابن ماجه ٢٠٩٨ وأحمد ٤/ ٣٣ و٣٤ وابن حبان ٤٣٦٦ والطبراني ١٣٣٨ و١٣٣٩ من طرق عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قلابة به.
- وأخرجه البخاري ٦٠٤٧ ومسلم ١١٠ وأبو داود ٣٢٥٧ والترمذي ١٥٤٣ والطيالسي ١١٩٧ وعبد الرزاق ١٥٩٨٤ وأحمد ٤/ ٣٣ وأبو يعلى ١٥٣٥ وابن حبان ٤٣٧٦ وابن الجارود ٩٢٤ والطبراني ١٣٣١ و١٣٣٢- ١٣٣٥ والبيهقي
(١) في المخطوط لفظ «يعني» قبل «بالحرام».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) في المطبوع وط «طيبة».
(٤) في المخطوط وحده «يخبر».
602
أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»، «٥٧٣» حَدَّثَنَا أَبُو الْفَضْلِ زِيَادُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَنَفِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاذٍ [الشَّاهُ بْنُ] [١] عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو مُوسَى الزَّمِنُ أَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ أَخْبَرَنَا أَبِي قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ: أَخْبَرَنَا جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [ «خَرَجَ بِرَجُلٍ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ أَرَابٌ فَجَزِعَ مِنْهُ فَأَخْرَجَ] [٢] سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ فَحَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ يَعْنِي: إِخْوَانَكُمْ، أَيْ: لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً «٥٧٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ بْنَ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ:
قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: «اسْتَنْصَتَ [٣] النَّاسَ» ثُمَّ قَالَ: «لَا تَرْجِعُنَّ بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ».
١٠/ ٣٠ من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عن أبي قلابة به.
٥٧٣- إسناده صحيح، أبو موسى الزمن فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، جرير والد وهب هو ابن حازم بن زيد. الحسن هو البصري ابن يسار.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥١٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو يعلى ١٥٢٧ وابن حبان ٥٩٨٨ من طريق محمد بن المثنى الزمن به.
- وأخرجه مسلم ١١٣ ح ١٨١ وابن مندة في «الإيمان» (٦٤٧) عن وهب بن جرير به.
- وأخرجه البخاري ١٣٦٤ و١٤٦٣ وأبو عوانة ١/ ٤٦- ٤٧ وابن مندة ٦٤٧ والطبراني ١٦٦٤ والبيهقي ٨/ ٢٤ من طرق عن جرير بن حازم به.
- وأخرجه مسلم ١١٣ ح ١٨٠ وابن مندة ٦٤٨ وابن حبان ٥٩٨٩ من طريق محمد بن رافع، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ شَيْبَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ الحسن به.
٥٧٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٤٤) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وفي «صحيحه» (٧٠٨٠) عن سليمان بن حرب به.
وأخرجه البخاري ٤٤٠٥ و٦٨٦٩ ومسلم ٦٥ والنسائي ٧/ ١٢٧- ١٢٨ وابن ماجه ٣٩٤٢ والطيالسي ٦٦٤ وابن أبي شيبة ١٥/ ٣٠- ٣١ وأحمد ٤/ ٣٥٨ و٣٦٣ و٣٦٦ والدارمي ٢/ ٦٩ وابن حبان ٥٩٤٠ والطبراني ٢٤٠٢ وابن مندة ٦٥٧ والطحاوي في «المشكل» (٣/ ١٩٤) من طرق عن شعبة به.
وأخرجه النسائي ٧/ ١٢٨ وابن أبي شيبة ١٥/ ٣٠ وأحمد ٤/ ٣٦٦ والطبراني ٢٢٧٧ من طريق عبد الله بن نمير، عن إسماعيل، عن قيس، عن جرير.
(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٢) ما بين المعقوفتين مثبت من «شرح السنة» ونسخة «ط» وهو الذي يقتضيه سياق مسلم وغيره وهو في الأصل «جرح رجل فيمن كان قبلكم فألم ألما شديدا، ولم يبرأ فجزع منه فأخذ».
(٣) في الأصل «استنصب» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب «التخريج».
603

[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٠ الى ٣١]

وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً (٣١)
وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ، يَعْنِي: مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ، عُدْواناً وَظُلْماً، فَالْعَدُوَّانُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَالظُّلْمُ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، فَسَوْفَ نُصْلِيهِ، نُدْخِلُهُ فِي الْآخِرَةِ، نَارًا، يُصْلَى فِيهَا، وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، هَيِّنًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ، اخْتَلَفُوا فِي الْكَبَائِرِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ اجْتِنَابَهَا تَكْفِيرًا لِلصَّغَائِرِ:
«٥٧٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ أَنَا فِرَاسٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [١] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْكَبَائِرُ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [٢] وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْيَمِينُ الْغَمُوسِ».
«٥٧٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ] [٣] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ [٤] أَنَا الْجَرِيرِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
٥٧٥- إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن محمد بن مقاتل الكسائي، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، النضر هو ابن شميل، شعبة هو ابن الحجاج، وفراس هو ابن يحيى الهمداني.
- وهو في «شرح السنة» (٤٤) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٦٧٥) عن محمد بن مقاتل به.
- وأخرجه البخاري ٦٨٧٠ والترمذي ٣٠٢١ والنسائي ٧/ ٨٩ و٨/ ٦٣ وأحمد ٢/ ٢٠١ والدارمي ٢/ ١٩١ وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ٢٠٢) من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري ٦٩٢٠ وابن حبان ٥٥٦٢ والبيهقي ١٠/ ٣٥ من طريق عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، عَنْ شيبان، عن فراس به.
- وورد مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أنيس أخرجه الترمذي ٣٠٢٠ وأحمد ٣/ ٤٩٥ والحاكم ٤/ ٢٩٦ والطحاوي في «المشكل» (٨٩٣) من طريق الليث بن سعد، عن هشام بن سعد، عن محمد بن زيد، عن أبي أمامة عنه. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن غريب اهـ.
٥٧٦- إسناده صحيح على شرط البخاري، مسدد هو ابن مسرهد روى له البخاري دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الجريري هو سعيد بن إياس.
- وهو في «شرح السنة» بإثر (٤٣) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٦٥٤) عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٩٧٦ و٦٢٧٣ و٦٢٧٤ و٦٩١٩ ومسلم ٨٧ والترمذي ١٩٠١ و٣٠١٩ وأبو عوانة ١/ ٥٤ والطحاوي في «المشكل» (٨٩٢) والبيهقي ١٠/ ١٢١ من طرق عن سعيد بن إياس الجريري به. [.....]
(١) في الأصل «عمر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التخريج».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٤) وقع في الأصل «الفضل» وهو تصحيف.
604
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَّا أُنْبِئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» [ثَلَاثًا] [١] قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَالَ: أَلَّا وَقَوْلُ الزُّورِ»، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ.
«٥٧٧» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ محمد عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ [بْنُ مُحَمَّدِ] [٢] بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [٣] أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَمَنْصُورٍ، وَوَاصِلٍ الْأَحْدَبِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟
قَالَ: «أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ»، قُلْتُ: ثُمَّ أيّ؟ قال: «أن تزني بحليلة جَارِكَ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [تَصْدِيقَ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [٤] وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان: ٦٨] الْآيَةُ.
«٥٧٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الغيث أنا أَبُو هُرَيْرَةَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمُ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذَفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الغافلات».
٥٧٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، سفيان هو ابن سعيد الثوري، الأعمش هو سليمان بن مهران، منصور هو ابن المعتمر، واصل هو ابن حيان، أبو وائل هو شقيق بن سلمة.
- وهو في «شرح السنة» (٤٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٤٧٧ و٧٥٢٠ ومسلم ٨٦ والنسائي في «الكبرى» (٣٤٧٦) و (٣٤٧٧) و (٧١٢٤) و (١٠٩٨٧) و (١١٣٦٨) وابن حبان ٤٤١٥ من طريق عن جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ منصور، عن أبي وائل به.
وأخرجه أحمد ١/ ٤٣٤ من طريق منصور به.
- وأخرجه الترمذي ٣١٨٣ وأحمد ١/ ٤٣٤ من طريق شعبة، عن واصل، عن أبي وائل، عن ابن مسعود به، وقال الترمذي: حديث سفيان، عن منصور والأعمش أصح من حديث واصل، لأنه زاد في إسناده رجلا اهـ.
- وأخرجه البخاري بإثر ٦٨١١ والنسائي ٧/ ٩٠ عن سفيان، عن واصل به وأحمد ١/ ٤٦٢ من طريق مهدي عن واصل به.
٥٧٨- إسناده صحيح على شرط البخاري، عبد العزيز هو الأويسي روى له البخاري، وقد توبع، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، سليمان هو ابن بلال، وثور هو ابن زيد المدني، أبو الغيث، اسمه سالم وهو مولى ابن مطيع.
- وهو في «شرح السنة» (٤٥) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٧٦٦) عن عبد العزيز بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٥٧٦٤ و٦٨٥٧ وابن حبان ٥٥٦١ والبيهقي ٨/ ٢٤٩ من طريق عبد العزيز الأويسي بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٨٩ وأبو داود ٦٨٧٤ والنسائي ٦/ ٢٥٧ وأبو عوانة ١/ ٥٤- ٥٥ والطحاوي في «المشكل» (٨٩٤) من طرق عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ به.
(١) زيادة عن المخطوط و «صحيح البخاري».
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «الأنساب».
(٣) في الأصل «البرني» والتصويب من «شرح السنة» و «الأنساب».
(٤) ما بين المعقوفتين في المطبوع «تصديقها».
605
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ: الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللَّهِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ.
«٥٧٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الجعد أنا شعبة عن سعد [١] بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ حُمَيْدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو [٢] قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «من [أكبر] [٣] الْكَبَائِرِ أَنْ يَسُبَّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ»، قالوا: يا رسول الله وَكَيْفَ يَسُبُّ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نعم يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أباه ويسبّ أمه [فيسب أُمَّهُ] [٤] ».
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ الْكَبَائِرِ: أسبع هي؟ قال: هي إِلَى السَّبْعِمِائَةِ أَقْرَبُ إِلَّا أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ، وَقَالَ: كُلُّ شَيْءٍ عُصِيَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ، فَمَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْهَا فَلْيَسْتَغْفِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُخَلِّدُ فِي النَّارِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَّا رَاجِعًا عَنِ الْإِسْلَامِ أَوْ جَاحِدًا فَرِيضَةً أَوْ مُكَذِّبًا بِقَدَرٍ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِلَى قَوْلِهِ:
إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ، فهو كبيرة، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ: [عن ابن عباس] [٥] هِيَ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ أَوْ غَضِبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ عَذَابٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَا أَوْعَدَ اللَّهُ عَلَيْهِ حَدًّا فِي الدُّنْيَا أَوْ عَذَابًا فِي الْآخِرَةِ. وقال الحسين [٦] بْنُ الْفَضْلِ: مَا سَمَّاهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ كَبِيرًا أَوْ عَظِيمًا نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً [النِّسَاءِ: ٢]، إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيراً [الْإِسْرَاءِ: ٣١]، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لُقْمَانَ: ١٣]، إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ [يُوسُفَ: ٢٨]، سُبْحانَكَ هَذَا بُهْتانٌ عَظِيمٌ [النُّورِ: ١٦]، إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [الْأَحْزَابِ: ٥٣]، قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: الْكَبَائِرُ مَا كَانَ فِيهِ الْمَظَالِمُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْعِبَادِ [٧]، وَالصَّغَائِرُ مَا كَانَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يَعْفُو، وَاحْتَجَّ بِمَا:
«٥٨٠» أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْكِرْمَانِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ [بْنُ مُحَمَّدِ] [٨] بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ
٥٧٩- إسناده على شرط البخاري، علي بن الجعد تفرد عنه البخاري، وقد توبع. ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (٣٣٢١) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٩٠ والطيالسي ٢٢٦٩ وأحمد ٢/ ١٩٥ وأبو عوانة ١/ ٥٥ وابن حبان ٤١٢ من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه البخاري ٥٩٧٣ ومسلم ٩٠ وأبو داود ٥١٤١ والترمذي ١٩٠٢ وأحمد ٢/ ١٦٤ و٢١٤ و٢١٦ وابن حبان ٤١١ وأبو نعيم في «الحلية» (٣/ ١٧٢) من طرق عن سعد بن إبراهيم به.
٥٨٠- باطل. رجال الإسناد ثقات غير الحسين بن داود، فإنه ساقط، ذكره الذهبي في «الميزان» (١/ ٥٣٤) بحديث غير هذا، وقال: قال الخطيب: ليس بثقة، وحديثه موضوع. وزاد ابن حجر في «اللسان» (٢/ ٢٨٢) عن الخطيب قوله: روى نسخة عن يزيد، عن حميد، عن أنس أكثرها موضوع، وقال الحاكم: روى عن جماعة لا يحتمل سنة السماع منهم، وله عندنا عجائب يستدل بها على حاله اهـ. قلت: وهذا الحديث رواه عن يزيد بن هارون، عن حميد، وهذه نسخة
(١) في الأصل «سعيد» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التخريج».
(٢) في الأصل «عمر» والتصويب من «شرح السنة» وكتب «التخريج» و «ط». [.....]
(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيادة عن الطبري ٩٢١٣.
(٦) في المطبوع «الحسن».
(٧) في المطبوع وحده «عبد الله تعالى» بدل «العباد».
(٨) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
606
أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا الْحُسَيْنُ بن داود الْبَلْخِيُّ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُنَادِي مُنَادٍ مِنْ بُطْنَانِ الْعَرْشِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَفَا عَنْكُمْ جَمِيعًا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، تَوَاهَبُوا الْمَظَالِمَ وَادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي».
وَقَالَ مَالِكُ بْنِ مِغْوَلٍ: الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَالسَّيِّئَاتُ ذُنُوبُ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقِيلَ: الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ الْعَمْدِ وَالسَّيِّئَاتُ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، وَحَدِيثُ النَّفْسِ الْمَرْفُوعُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقِيلَ:
الْكَبَائِرُ ذُنُوبُ الْمُسْتَحِلِّينَ مِثْلَ ذَنْبِ إِبْلِيسَ وَالصَّغَائِرُ ذُنُوبُ الْمُسْتَغْفِرِينَ مِثْلَ ذَنْبٍ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْكَبَائِرُ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مِنَ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ، وَالسَّيِّئَاتُ مقدّماتها وتوابعها [وما يَجْتَمِعُ] [١] فِيهِ الصَّالِحُ وَالْفَاسِقُ، مِثْلَ النظرة واللمسة والقبلة وأشباهها.
ع «٥٨١» قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ»، وَقِيلَ: الْكَبَائِرُ مَا يَسْتَحْقِرُهُ الْعِبَادُ، وَالصَّغَائِرُ مَا يَسْتَعْظِمُونَهُ فَيَخَافُونَ مُوَاقَعَتَهُ، كَمَا:
«٥٨٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا [أَبُو] [٢] الْوَلِيدِ أَنَا مهدي بن ميمون عن [٣] غَيْلَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا نعدّهم عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٢]
وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٣٢)
موضوعة وهذا الحديث دليل على ذلك، فإن القصاص واقع على جميع الأمم.
- وهو في «شرح السنة» (٤٢٦١) بهذا الإسناد.
وذكره العراقي في «تخريج الإحياء» (٤/ ٥٤٥) وقال: رويناه في سباعيات أبي الأسعد القشيري من حديث أنس، وفيه الحسين بن داود البلخي. قال الخطيب: ليس بثقة اهـ.
٥٨١- ع صحيح. أخرجه أحمد ٣/ ٤١١ وابن حبان ٤٤١٩ والطحاوي في «المشكل» (٢٧١٢ و٢٧١٤) والبغوي في «شرح السنة» (٧٥) من طرق عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وإسناده حسن. وقال البغوي: هذا حديث صحيح.
- وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه البخاري بإثر ٦٢٤٣ و٦٦١٢ ومسلم ٢٦٥٧ وأحمد ٢/ ٢٧٦ وابن حبان ٤٤٢٠ والبيهقي ٧/ ٨٩ و١٠/ ١٨٥- ١٨٦.
٥٨٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الوليد هو الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك، غيلان هو ابن جرير.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٩٧) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٤٩٢) عن الوليد الإسناد.
وأخرجه أحمد ٣/ ١٥٧ وأبو يعلى ٤٢٠٧ و٤٣١٤ من طريق مهدي بن ميمون به، وورد من وجه آخر لكنه ضعيف.
أخرجه أحمد ٣/ ٢٨٥ من طريق علي بن زيد قال سمعت أنس.... فذكره وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف لكن يصلح للاستشهاد به.
(١) في المطبوع «مما يجمع».
(٢) زيادة عن «صحيح البخاري».
(٣) في الأصل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب «التخريج».
607
وَقِيلَ: الْكَبَائِرُ الشِّرْكُ، وَمَا يُؤَدِّي إليه، وما دون الشكر فهو من السَّيِّئَاتُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء: ٤٨]. نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ أَيْ: مِنَ الصَّلَاةِ إِلَى الصَّلَاةِ وَمِنَ الْجُمُعَةِ إِلَى الْجُمُعَةِ وَمِنْ رَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ.
«٥٨٣» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَيْلِيُّ [١] أَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ أَبِي صَخْرٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ حَدَّثَهُ عَنْ [أَبِيهِ عَنْ] [٢] أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتُنِبَ الْكَبَائِرُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً، أَيْ: حَسَنًا وَهُوَ الْجَنَّةُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُدْخَلًا بِفَتْحِ الْمِيمِ هَاهُنَا وَفِي الْحَجِّ، وَهُوَ مَوْضِعُ الدُّخُولِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالضَّمِّ عَلَى الْمَصْدَرِ بمعنى الإدخال.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ الآية.
ع «٥٨٤» قَالَ مُجَاهِدٌ: قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الرِّجَالَ يَغْزُونَ وَلَا نَغْزُو وَلَهُمْ ضِعْفُ مَا لَنَا مِنَ الْمِيرَاثِ، فَلَوْ كُنَّا رِجَالًا غَزَوْنَا كَمَا غَزَوْا وَأَخَذْنَا مِنَ الْمِيرَاثِ مِثْلَ مَا أَخَذُوا. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقِيلَ: لَمَّا جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فِي الْمِيرَاثِ قَالَتِ النِّسَاءُ: نَحْنُ أَحَقُّ وَأَحْوَجُ إِلَى الزِّيَادَةِ مِنَ الرِّجَالِ، لأننا ضعيفات [٣] وَهُمْ أَقْوَى وَأَقْدَرُ عَلَى طَلَبِ المعاش، فأنزل الله تعالى:
٥٨٣- إسناده على شرط مسلم، حميد بن زياد أبو صخر صدوق، وفيه ضعف لكن توبع، ابن وهب هو عبد الله.
- خرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (٢٣٣) ح ١٦ عن هارون بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البيهقي ١٠/ ١٨٧ من طريق هارون بن سعيد به وأحمد ٢/ ٤٠٠ من طريق هارون بن معروف، عن ابن وهب به، وابن معروف ثقة روى له الشيخان وأما هارون بن سعيد، فإنه من رجال مسلم.
- وأخرجه مسلم ٢٣٣ والترمذي ٢١٤ وابن خزيمة ٣١٤ و١٨١٤ وابن حبان ١٧٣٣ والبيهقي ٢/ ٤٦٧ و١٠/ ١٨٧ والبغوي في «شرح السنة» (٣٤٦) من طرق عن إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْعَلَاءِ به.
- وأخرجه مسلم ١٣٣ ح ١٥ وأحمد ٢/ ٣٥٩ والبيهقي ٢/ ٤٦٦ من طريق هشام بن حسان، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبي هريرة.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٤٨٤ من طريق زهير، عن العلاء به.
- وأخرجه الطيالسي ٢٤٧٠ وأحمد ٢/ ٤١٤ من طريق الحسن، عن أبي هريرة. وهذا ضعيف لانقطاعه، فالحسن لم يسمع من أبي هريرة.
٥٨٤- ع إسناده ضعيف. أخرجه الترمذي ٣٠٢٢ والحاكم ٢/ ٣٠٥ والواحدي ٣٠٦ من طريق مجاهد عن أم سلمة. قال الترمذي: هذا حديث مرسل اهـ.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين، إن كان سمع مجاهد من أم سلمة. ووافقه الذهبي، وتقدم أنه منقطع فيما ذكر الترمذي، وسيأتي في الأحزاب. [.....]
(١) في الأصل «الأبلي» والتصويب عن «ط» وكتب التخريج.
(٢) زيادة عن المخطوط و «صحيح مسلم».
(٣) في المطبوع «لأنا ضعيفات» وفي المخطوط «لأننا ضعفاء» وفي- ط «لأنا ضعفاء».
608
تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ والسدي: لمّا أنزل الله قَوْلُهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ [النساء: ١١] قَالَ الرِّجَالُ [١] إِنَّا لِنَرْجُوَ أَنْ نُفَضَّلَ عَلَى النِّسَاءِ بِحَسَنَاتِنَا فِي الْآخِرَةِ فَيَكُونُ أَجْرُنَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ أَجْرِ النِّسَاءِ كَمَا فُضِّلْنَا عَلَيْهِنَّ فِي الْمِيرَاثِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنَ الْأَجْرِ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ مَعْنَاهُ: أَنَّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ فِي الْأَجْرِ فِي الْآخِرَةِ سَوَاءٌ، وذلك أن الحسنة تكون بعشرة أَمْثَالِهَا يَسْتَوِي فِيهَا [٢] الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، وَإِنْ فُضِّلَ الرِّجَالُ فِي الدُّنْيَا عَلَى النِّسَاءِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا مِنْ أَمْرِ الْجِهَادِ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ مِنْ طَاعَةِ الْأَزْوَاجِ وَحِفْظِ الْفُرُوجِ. [يَعْنِي: إِنْ كَانَ لِلرِّجَالِ فَضْلُ الْجِهَادِ فَلِلنِّسَاءِ فَضْلُ طَاعَةِ الْأَزْوَاجِ وحفظ الفروج] [٣] قوله تعالى:
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، قَرَأَ ابْنُ كثير والكسائي (وسلوا، وسل، فسل)، إِذَا كَانَ قَبْلَ السِّينِ وَاوٌ أَوْ فَاءٌ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَنَقْلِ حَرَكَةِ الْهَمْزَةِ إِلَى السِّينِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِ السِّينِ مَهْمُوزًا. فَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ التَّمَنِّي لِمَا فِيهِ مِنْ دَوَاعِي الْحَسَدِ، وَالْحَسَدُ أَنْ يَتَمَنَّى [٤] زَوَالَ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهِ [سواء تمناها لنفسه أم لا] [٥]، وَهُوَ حَرَامٌ، وَالْغِبْطَةُ أَنْ يَتَمَنَّى لِنَفْسِهِ مِثْلَ مَا لِصَاحِبِهِ وَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: لَا يَتَمَنَّى الرَّجُلُ مَالَ أَخِيهِ وَلَا امْرَأَتِهِ وَلَا خَادِمِهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي مِثْلَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ فِي التوراة وذلك في القرآن. وقوله:
وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ أَيْ: مِنْ رزقه، [و] قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: مِنْ عِبَادَتِهِ، فَهُوَ سُؤَالُ التَّوْفِيقِ لِلْعِبَادَةِ، وقال سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَمْ يَأْمُرْ بِالْمَسْأَلَةِ إِلَّا لِيُعْطِيَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٣]
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٣٣)
وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ أَيْ: وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَعَلْنَا مَوَالِيَ، أَيْ: عُصْبَةً يُعْطُونَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ هُمُ الْمُوَرِّثُونَ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ أَيْ:
وَرَثَةً مِمَّا تَرَكَ أَيْ: مِنَ الَّذِينَ تَرَكَهُمْ وَيَكُونُ (مَا) بِمَعْنَى مِنْ، ثُمَّ فَسَّرَ الْمَوَالِيَ فَقَالَ: الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ أي: هم الوالدان والأقربون، [فعلى هذا القول: الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ] [٦] هُمُ الْوَارِثُونَ، وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ: عَقَدَتْ بِلَا أَلْفٍ، أَيْ: عَقَدَتْ لَهُمْ أَيْمَانُكُمْ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ، وَالْمُعَاقَدَةُ: الْمُحَالَفَةُ وَالْمُعَاهَدَةُ، وَالْأَيْمَانُ جَمْعُ يَمِينٍ، مِنَ الْيَدِ وَالْقَسَمِ، وذلك أنهم كانوا عند المخالفة يَأْخُذُ بَعْضُهُمْ بِيَدِ بَعْضٍ عَلَى الوفاء والتمسّك بالعهد. ومخالفتهم أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَاقِدُ الرَّجُلَ فَيَقُولُ: دَمِي دَمُكَ [وَهَدْمِي هَدْمُكَ] [٧] وَثَأْرِي ثَأْرُكَ وَحَرْبِي حَرْبُكَ وَسِلْمِي سِلْمُكَ وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ وَتَعْقِلُ عَنِّي وَأَعْقِلُ عَنْكَ فَيَكُونُ لِلْحَلِيفِ السُّدُسُ مِنْ مَالِ الْحَلِيفِ، وَكَانَ ذَلِكَ [ثَابِتًا] [٨] فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ أَيْ: أَعْطُوهُمْ حَظَّهُمْ مِنَ الْمِيرَاثِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ [الأنفال:
٧٥]، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ: أَرَادَ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النَّصْرِ وَالرِّفْدِ وَلَا ميراث لهم، وَعَلَى هَذَا تَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة: ١].
(١) تصحف في المطبوع «الرجل».
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «فيه».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) زيد في المطبوع وحده «الرجل».
(٥) العبارة في المخطوط وط «ويتمناها لنفسه».
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) زيادة عن المخطوط وط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
ع «٥٨٥» وقال رسول لله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خطبته [١] يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ: «لَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ، وَمَا كَانَ مِنْ حِلْفٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَمَسَّكُوا فِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً».
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الَّذِينَ آخَى بَيْنَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَكَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِتِلْكَ الْمُؤَاخَاةِ دُونَ الرَّحِمِ، فَلَمَّا نَزَلَتْ: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ نُسِخَتْ ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ من النَّصْرُ وَالرِّفَادَةُ وَالنَّصِيحَةُ، وَقَدْ ذَهَبَ الْمِيرَاثُ فَيُوصِي لَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِالتَّبَنِّي وَهَذِهِ الْآيَةُ فِيهِ ثُمَّ نُسِخَ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٤]
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً (٣٤)
الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ، الْآيَةُ ع «٥٨٦» نَزَلَتْ فِي سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ وَكَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ وَفِي امْرَأَتِهِ حَبِيبَةَ بِنْتِ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ- قَالَهُ مُقَاتِلٌ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: امْرَأَتُهُ حَبِيبَةُ بِنْتُ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ- وَذَلِكَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ فَلَطَمَهَا، فَانْطَلَقَ أَبُوهَا مَعَهَا إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَفْرَشْتُهُ كَرِيمَتِي فَلَطَمَهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لِتَقْتَصَّ مِنْ زَوْجِهَا»، فَانْصَرَفَتْ مَعَ أبيها لتقتصّ منه
٥٨٥- ع هو مركب من حديثين: الأول: أخرجه الطبري ٩٢٩٢ وأحمد ٥/ ٦١ والطبراني ١٨/ (٨٦٥) عن قيس بن عاصم أنه سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم عن الحلف فقال: ما كان حلف في الجاهلية فتمسكوا به، ولا حلف في الإسلام» وإسناده لين، فيه شعبة بن التوأم وثقه ابن حبان وحده، لكن له شواهد كثيرة.
الثاني: أخرجه الطبري ٩٢٩٥ من حديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ، عن جده أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم قال في خطبته يوم فتح مكة:
«فوا بالحلف، فإنه لا يزيده الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام». وإسناده حسن، وله شاهد من حديث أم سلمة أخرجه الطبري ٩٢٩٤ وفيه علي بن زيد حديثه حسن في الشواهد.
- وله شاهد من حديث جبير بن مطعم أخرجه مسلم ٢٥٣٠ وأبو داود ٢٩٢٥ وأحمد ٤/ ٨٣ وابن حبان ٤٣٧١ والطبري ٩٢٩٥ والطبراني ١٥٩٧ والبيهقي ٦/ ٢٦٢.
- ومن حديث ابن عباس أخرجه أحمد ١/ ٣١٧ و٣٢٩ والدارمي ٢/ ٢٤٣ والطبري ٩٢٩١ والطبراني ١١٧٤٠ وإسناده على شرط مسلم. وللحديث شواهد كثيرة.
٥٨٦- ع ضعيف بهذا اللفظ.
ذكره الواحدي في «أسبابه» (٣١٠) عن مقاتل بدون إسناد بهذا اللفظ، وكذا عزاه الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٠٦) للثعلبي- وورد مختصرا بمعناه عند الواحدي ٣١١ و٣١٢ والطبري ٩٢٠٥ و٩٣٠٦ عن الحسن مرسلا.
- وورد أيضا عند الطبري ٩٣٠٧ عن قتادة مرسلا و٩٣٠٩ عن ابن جريج مرسلا، فلعل هذه المراسيل تتأيد بمجموعها والله أعلم. لكن ليس في المراسيل المسندة ذكر اللفظ المرفوع. ولا ذكر أسماء.
- وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٠٦) : ولابن مردويه عن علي بإسناده نحوه ولم يقل «القصاص» وزاد:
«أردت أمرا، وأراد الله غيره» اهـ.
وانظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية بتخريجي.
(١) في المطبوع وط «خطبة». [.....]
610
فَجَاءَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ارْجِعُوا هَذَا جِبْرِيلُ أَتَانِي بِشَيْءٍ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَرَدْنَا أَمْرًا وَأَرَادَ اللَّهُ أَمْرًا، وَالَّذِي أَرَادَ اللَّهُ خَيْرٌ»، وَرَفَعَ الْقِصَاصَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ أَيْ: مُسَلَّطُونَ عَلَى تَأْدِيبِهِنَّ، وَالْقَوَّامُ وَالْقَيِّمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَالْقَوَّامُ أَبْلَغُ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْمَصَالِحِ وَالتَّدْبِيرِ وَالتَّأْدِيبِ، بِما فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ، يَعْنِي: فَضَّلَ الرِّجَالَ عَلَى النِّسَاءِ بِزِيَادَةِ الْعَقْلِ وَالدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، وَقِيلَ: بِالشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ [الْبَقَرَةِ: ٢٨٢] وَقِيلَ: بِالْجِهَادِ، وَقِيلَ: بِالْعِبَادَاتِ مِنَ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ، وَقِيلَ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَنْكِحُ أَرْبَعًا وَلَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ إِلَّا زَوْجٌ وَاحِدٌ، وَقِيلَ: بِأَنَّ الطَّلَاقَ بِيَدِهِ، وَقِيلَ:
بِالْمِيرَاثِ، وَقِيلَ: بِالدِّيَةِ، وَقِيلَ: بِالنُّبُوَّةِ، وَبِما أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوالِهِمْ، يَعْنِي: إِعْطَاءَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ.
«٥٨٧» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الصَّيْرَفِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أبو عبد الله
٥٨٧- حديث صحيح. إسناده ضعيف لانقطاعه، أبو ظبيان واسمه حصين بن جندب- بفتح الظاء- ثقة لكن لم يسمع من معاذ، سفيان هو ابن سعيد الثوري، الأعمش هو سليمان بن مهران.
- وهو في «شرح السنة» (٢٣٢٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد ٥/ ٢٢٧- ٢٢٨ (٢١٤٨٠) من طريق الأعمش به.
- وأخرجه ابن ماجه ١٨٥٣ وأحمد ٤/ ٣٨١ وابن حبان ٤١٧١ والبيهقي ٧/ ٢٩٢ من طريق أيوب عن القاسم بن عوف الشيباني، عن ابن أبي أوفى قال: لما قدم معاذ بن جبل من الشام سجد لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم:.....
فذكره.
- وأخرجه عبد الرزاق ٢٠٥٩٦ من طريق القاسم الشيباني أن معاذ بن جبل.... فذكره.
- وأخرجه الحاكم ٤/ ١٧٢ عن القاسم قال: حدثنا معاذ بن جبل.... فذكره. وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي!!؟.
- وأخرجه البزار ١٤٦١ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عن أبيه، عن معاذ....
- وأخرجه البزار ١٤٧٠ والطبراني ٧٢٩٤ عن القاسم، عن ابن أبي ليلى، عن أبيه، عن صهيب أن معاذ.... فذكره وفيه النهاس بن قهم، وهو ضعيف.
- وأخرجه البزار ١٤٦٨ و١٤٦٩ والطبراني ٥١١٦ و١١٧ عن قتادة، عن القاسم، عن زيد بن أرقم قال: بعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم معاذا.... فذكره قلت: مداره على القاسم بن عوف الشيباني قال عنه الذهبي في «الميزان» : مختلف فيه، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث وقال الحافظ في «التقريب» : صدوق يغرب اهـ.
وله شواهد منها:
- حديث أبي هريرة أخرجه الترمذي ١١٥٩ وابن حبان ٤١٦٢ والبيهقي ٧/ ٢٩١ من طريق النضر بن شميل، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة عنه وفي إسناده محمد بن عمرو بن علقمة، وهو حسن الحديث.
وأخرجه الحاكم ٤/ ٧١- ٧٢ والبزار ١٤٦٦ من طريق سليمان بن أبي سليمان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة عنه، وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: بل سليمان هو اليمامي ضعفوه اهـ.
- وحديث أنس أخرجه النسائي في «الكبرى» (٩١٤٧) وأحمد ٣/ ١٥٨ والبزار ٢٤٥٤. وذكره الهيثمي في «المجمع» (٩/ ٤) وقال: ورجاله رجال الصحيح غير حفص ابن أخي أنس، وهو ثقة اهـ.
- وحديث ابن عباس أخرجه الطبراني ١٢٠٠٢ وفي إسناده الحكم بن طهمان وهو ضعيف.
- وحديث عائشة أخرجه ابن ماجه ١٨٥٢ وابن أبي شيبة في «المصنف» (٤/ ٣٠٦) وأحمد ٦/ ٧٦ وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف.
- وفي الباب من حديث قيس بن سعد أخرجه أبو داود ٢١٤٠ والحاكم ٢/ ١٨٧ والبيهقي ٧/ ٢٩١، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، وتقدم برقم ٢٥٩.
611
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْبَرْتِيُّ [١] أَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أبي ظبيان عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ أَمَرْتُ أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْجِهَا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَالصَّالِحاتُ قانِتاتٌ، أَيْ: مُطِيعَاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ، أَيْ: حَافِظَاتٌ لِلْفُرُوجِ فِي غَيْبَةِ الْأَزْوَاجِ، وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ لِسِرِّهِمْ بِما حَفِظَ اللَّهُ، قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ بِمَا حَفِظَ اللَّهَ بِالنَّصْبِ، أَيْ: يَحْفَظْنَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ، وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِالرَّفْعِ، أَيْ: بِمَا حَفِظَهُنَّ اللَّهُ بِإِيصَاءِ الْأَزْوَاجِ بِحَقِّهِنَّ وَأَمْرِهِمْ بِأَدَاءِ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ. وَقِيلَ: حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِحِفْظِ اللَّهِ.
«٥٨٨» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ [مُحَمَّدُ] [٢] بْنُ فَنْجَوَيْهِ أَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْمُسُوحِيُّ [٣] أَنَا الْحَارِثُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا أَبُو مَعْشَرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ النِّسَاءِ امْرَأَةٌ إِنْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا سَرَّتْكَ وَإِنْ أَمَرْتَهَا أَطَاعَتْكَ وَإِذَا غِبْتَ عَنْهَا حَفِظَتْكَ فِي مَالِهَا وَنَفْسِهَا»، ثُمَّ تَلَا: الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ الآية.
(١) في الأصل «البرني» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) كذا في المطبوع وط وفي المخطوط «السرخسي».
٥٨٨- حديث صحيح دون ذكر الآية. إسناده ضعيف لأجل نجيح بن عبد الرحمن السندي أبي معشر، فقد ضعفه غير واحد، ووثقه آخرون، والحارث بن عبد الله لم أجد له ترجمة، وقد توبع هو ومن دونه.
وأخرجه الطيالسي ٢٣٢٥ والطبري ٩٣٢٩ من طريق أبي معشر بهذا الإسناد، وقد صح هذا الحديث بدون ذكر الآية.
- فقد أخرجه النسائي في «الكبرى» (٨٩٦١) والحاكم ٢/ ١٦١ (٢٦٨٢) من طريق آخر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سعيد المقبري بهذا الإسناد. وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وحسّن إسناده الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٠٦) وهو كما قال.
وله شواهد منها:
- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «لَمَّا نَزَلَتْ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ... » الحديث، وفيه «ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته».
وفي إسناده أبو اليقظان عثمان بن عمير، وهو ضعيف، والحديث صححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: عثمان لا أعرفه، والخبر عجيب اهـ.
قلت: الغريب فيه ذكر الآية.
- وحديث عبد الله بن سلام أخرجه الطبراني في «الكبير» (٧٨٢٨) وفي زريك بن أبي زريك قال الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٢٧٣) : ولم أعرفه اهـ.
- وحديث أبي أمامة عند ابن ماجه ١٨٥٧ وفي إسناده علي بن يزيد قال البوصيري في «الزوائد» : قال البخاري: منكر الحديث وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه، والحديث رواه النسائي من حديث أبي هريرة، وسكت عليه، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمر اهـ.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» : وفي الباب عن أبي أمامة عند ابن ماجه وإسناده ساقط، وعن عبد الله بن سلام عند الطبراني، وعن ثوبان وغيرهم اهـ.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، لكن دون ذكر الآية، فقد تفرد بذكر الآية أبو معشر، وهو غير قوي، وعنه الحارث بن عبد الله، ولم أجد له ترجمه.
612
وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ، عِصْيَانَهُنَّ، وَأَصْلُ النُّشُوزِ: التَّكَبُّرُ وَالِارْتِفَاعُ، وَمِنْهُ النَّشْزُ: [وهو الموضع] [١] الْمُرْتَفِعِ، فَعِظُوهُنَّ، بِالتَّخْوِيفِ مِنَ اللَّهِ وَالْوَعْظِ بِالْقَوْلِ، وَاهْجُرُوهُنَّ، يَعْنِي: إِنْ لَمْ يَنْزِعْنَ عَنْ ذَلِكَ بِالْقَوْلِ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي الْفِرَاشِ وَلَا يُكَلِّمُهَا، وَقَالَ غَيْرُهُ: يَعْتَزِلُ عَنْهَا إِلَى فَرَّاشٍ آخَرَ، وَاضْرِبُوهُنَّ يعني: إن لم ينزعن من الْهِجْرَانِ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَا شَائِنٍ، وَقَالَ عَطَاءٌ: ضَرْبًا بالسواك.
ع «٥٨٩» وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «حَقُّ الْمَرْأَةِ أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ وَلَا تَضْرِبَ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحَ وَلَا تَهْجُرَ إِلَّا فِي الْبَيْتِ».
فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا، أَيْ: لَا تَجْنُوا [٢] عَلَيْهِنَّ الذُّنُوبَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: لَا تُكَلِّفُوهُنَّ مَحَبَّتَكُمْ فَإِنَّ الْقَلْبَ لَيْسَ بِأَيْدِيهِنَّ. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً، مُتَعَالِيًا مِنْ أَنْ يكلّف العباد ما لا يُطِيقُونَهُ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَجْمَعُ عَلَيْهَا بَيْنَ الْوَعْظِ وَالْهِجْرَانِ وَالضَّرْبِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى ظَاهِرِهَا وَقَالَ: إِذَا ظَهَرَ [مِنْهَا] [٣] النُّشُوزُ جَمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَفْعَالِ، وَحَمَلَ الْخَوْفَ فِي قَوْلِهِ وَاللَّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ، عَلَى الْعِلْمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً [الْبَقَرَةِ: ١٨٢] أَيْ: عَلِمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَوْفَ عَلَى الْخَشْيَةِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الْعِلْمِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً [الْأَنْفَالِ:
٥٨]، وَقَالَ: هَذِهِ الْأَفْعَالُ عَلَى تَرْتِيبِ الْجَرَائِمِ، فَإِنْ خَافَ نُشُوزَهَا بِأَنْ ظَهَرَتْ أَمَارَتُهُ مِنْهَا مِنَ الْمُخَاشَنَةِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَعَظَهَا، فَإِنْ أَبْدَتِ النُّشُوزَ هَجَرَهَا، فَإِنْ أَصَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ ضَرَبَهَا.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٥]
وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً (٣٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما، يعني: خلافا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَالْخَوْفُ بِمَعْنَى الْيَقِينِ، وَقِيلَ: هُوَ بِمَعْنَى الظَّنِّ يَعْنِي: إِنْ ظَنَنْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا، وَجُمْلَتُهُ أَنَّهُ إِذَا ظَهَرَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ شِقَاقٌ وَاشْتَبَهَ حَالُهُمَا فَلَمْ يَفْعَلِ الزَّوْجُ الصَّفْحَ وَلَا الْفُرْقَةَ وَلَا الْمَرْأَةُ تَأْدِيَةَ الْحَقِّ وَلَا الْفِدْيَةَ وَخَرَجَا إِلَى مَا لَا يَحِلُّ قَوْلًا وَفِعْلًا بَعَثَ الْإِمَامُ حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ إِلَيْهِ وَحَكَمًا مَنْ أَهْلِهَا إِلَيْهَا رَجُلَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ لِيَسْتَطْلِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْحَكَمَيْنِ رَأْيَ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِ إِنْ كانت رغبته في الصلح أَوْ فِي الْفُرْقَةِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْحَكَمَانِ فَيُنْفِذَانِ مَا يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ رَأْيُهُمَا مِنَ الصَّلَاحِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها إِنْ يُرِيدا
٥٨٩- ع جيد. أخرجه أبو داود ٢١٤٢ وابن ماجه ١٨٥٠ وأحمد ٤/ ٤٤٧ وابن حبان ٤١٧٥ والحاكم ٢/ ١٨٧- ١٨٨ والطبراني في «الكبير» (١٩/ ١٠٣٤) و (١٠٣٧) و (١٠٣٩) والبيهقي ٧/ ٢٩٥ و٣٠٥ والبغوي ٢٣٢٣ من طرق عن أبي قزعة، عن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه أَنْ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم.... فذكره. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وهو حديث حسن ورجاله ثقات غير حكيم بن معاوية، وهو صدوق وفي بعض الروايات أنه هو السائل.
- وأخرجه أبو داود ٢١٤٣ و٢١٤٤ وأحمد ٥/ ٥ والطبراني ١٩/ ٩٩٩ و١٠٠٠٠- ١٠٠٢ من طريق بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عن جده.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٤٤٦- ٤٤٧ من طريق أبي قزعة، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ به.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٣ من طريق عبد الرزاق، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي قزعة وعطاء، عن رجل من بني قشير، عن أبيه.
(١) في المطبوع وط «للموضع».
(٢) في المخطوط وحده «تبحثوا».
(٣) زيادة عن المخطوط.
أَصْلَحا، يَعْنِي: الْحَكَمَيْنِ، يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما، يَعْنِي: بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَقِيلَ: بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً.
«٥٩٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقاقَ بَيْنِهِما فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِها، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِئَامٌ [١] مِنَ النَّاسِ، فَأَمَرَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَبَعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهِلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا ثُمَّ قَالَ لِلْحَكَمَيْنِ:
تدريان ما عليكما؟ [عَلَيْكُمَا] [٢] إِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تَجْمَعَا جَمَعْتُمَا وَإِنْ رَأَيْتُمَا أَنْ تُفَرِّقَا فَرَّقْتُمَا، قَالَتِ الْمَرْأَةُ رَضِيتُ بِكِتَابِ اللَّهِ بِمَا عَلَيَّ فِيهِ وَلِي، فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي جَوَازِ بَعْثِ الْحَكَمَيْنِ مِنْ غَيْرِ رِضَا الزَّوْجَيْنِ وَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا بِرِضَاهُمَا، وَلَيْسَ لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ إلا بإذنه، ولا لحكم المرأة أن يخلع على ما لها إِلَّا بِإِذْنِهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ قَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، قَالَ: كَذَّبْتَ حَتَّى تُقِرَّ بِمِثْلِ الَّذِي أَقَرَّتْ بِهِ. فَثَبَتَ أَنَّ تَنْفِيذَ الْأَمْرِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِقْرَارِهِ وَرِضَاهُ [٣] وَالْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ بَعْثُ الْحَكَمَيْنِ دُونَ رِضَاهُمَا، فيجوز لِحَكَمِ الزَّوْجِ أَنْ يُطَلِّقَ دُونَ رضاه ولحكم المرأة أن يختلع دُونَ رِضَاهَا، إِذَا رَأَيَا الصَّلَاحَ [فيه] [٤] كَالْحَاكِمِ يَحْكُمُ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَفْقِ مُرَادِهِمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَمَنْ قَالَ بِهَذَا قَالَ:
لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلرَّجُلِ: حَتَّى تُقِرَّ، أَنَّ رِضَاهُ شَرْطٌ بَلْ مَعْنَاهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لمّا رَضِيَتْ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فَقَالَ الرَّجُلُ: أَمَّا الْفُرْقَةُ فَلَا، يعني: ليست الفرقة فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كذبت، حيث أنكرت أن [تكون] [٥] الْفُرْقَةَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، بَلْ هِيَ فِي كِتَابِ [اللَّهِ] [٦] فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُما يَشْتَمِلُ عَلَى الْفِرَاقِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ التَّوْفِيقَ أَنْ يَخْرُجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الْوِزْرِ وَذَلِكَ تَارَةً يكون بالفراق وتارة بإصلاح [٧] حالهما في الوصلة.
[سورة النساء (٤) : آية ٣٦]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (٣٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ أَيْ: وَحِّدُوهُ وَأَطِيعُوهُ، وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً
٥٩٠- موقوف صحيح. أخرجه الشافعي في «الأم» (٥/ ١٧٧) والطبراني ٩٤٠٨ والبيهقي ٧/ ٣٠٥- ٣٠٦ من طرق، عن عبيدة بهذا الإسناد.
وهو في «شرح السنة» (٢٣٤٠) بهذا الإسناد.
(١) تصحف في المطبوع «قوم» وفي المخطوط «قيام» والمثبت عن «شرح السنة».
(٢) زيادة عن المخطوط وط و «شرح السنة».
(٣) في المطبوع وحده «ورضاها».
(٤) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) في المطبوع وط «بصلاح».
614
«٥٩١» أَخْبَرَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ عَنْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرِي يَا مُعَاذُ مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ؟» قَالَ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «حَقُّهُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، أَتَدْرِي يَا مُعَاذُ مَا حَقُّ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟» [قَالَ] [١] : قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّ حَقَّ النَّاسِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ»، قَالَ قُلْتُ: يا رسول الله أفلا أُبَشِّرُ النَّاسَ؟ قَالَ: «دَعْهُمْ يَعْمَلُونَ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً، بِرًّا بِهِمَا وَعَطْفًا عَلَيْهِمَا، وَبِذِي الْقُرْبى أَيْ: أَحْسِنُوا بِذِي الْقُرْبَى، وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ.
«٥٩٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا».
«٥٩٣» [أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بن أحمد بن
٥٩١- إسناده صحيح رجاله رجال البخاري ومسلم، سوى الرمادي وهو ثقة أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله السّبيعي، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (٤٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (٢٠٥٤٦) عن معمر به. ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبراني في «الكبير» (٢٠/ (٢٥٤).
- وأخرجه البخاري ٢٨٥٦ ومسلم ٣٠ ح ٩ والترمذي ٢٦٤٣ والطيالسي ٥٦٥ وأبو عوانة ١/ ١٦ وابن حبان ٢١٠ وابن مندة ١٠٦ و١٠٨ والطبراني ٢٠/ (٢٥٦) وأحمد ٥/ ٢٢٨ من طرق، عن أبي إسحاق به.
- وأخرجه البخاري ٥٩٦٧ و٦٢٦٧ و٦٥٠٠ ومسلم ٣٠ ح ٤٨ وأحمد ٥/ ٢٤٢ وأبو عوانة ١/ ١٧ وابن مندة في «الإيمان» (٩٢) من طرق عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ أنس بن مالك، عن معاذ... به.
- وأخرجه البخاري ٧٣٧٣ ومسلم ٣٠ ح ٥٠ و٥١ وأحمد ٥/ ٢٢٩ و٢٣٠ وابن مندة ١٠٦ و١٠٩ و١١٠ وأبو عوانة ١/ ١٦ و١٧ من طرق، عن أبي حصين والأشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن معاذ به.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٩٤٣) وابن ماجه ٤٢٩٦ وأحمد ٥/ ٢٣٠ و٢٣٤ و٢٣٦ و٢٣٨ وابن مندة ٩٢ و١٠٢ و١٠٥ والطبراني ١٠/ (٨٣) - (٨٨) و (٢٧٥) و (٢٧٦) و (٣١٧) - (٣٢٠) من طرق من حديث معاذ.
٥٩٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو حازم هو سلمة بن دينار.
- وهو في «شرح السنة» (٣٣٤٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٥٣٠٤) عن عمرو بن زرارة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٠٠٥ وأبو داود ٥١٥٠ والترمذي ١٩١٨ وابن حبان ٤٦٠ والبيهقي ٦/ ٢٨٣ من طرق، عن ابن أبي حازم به.
وأخرجه أحمد ٥/ ٣٣٣ عن يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبي حازم به.
- وله شواهد منها:
- حديث أبي هريرة أخرجه مسلم ٢٩٨٣ وابن ماجه ٣٦٧٩ وابن المبارك في «الزهد» (٦٥٤) والبخاري في «الأدب المفرد» (١٣٧) والبغوي في «شرح السنة» (٣٣٤٩).
٥٩٣- إسناده ضعيف جدا، عبيد الله بن زحر ضعيف، وعلي بن يزيد هو الألهاني الشامي متروك، والقاسم بن عبد الرحمن
(١) زيادة عن المخطوط.
615
الْحَارِثِ] [١] أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أيوب عَنْ عُبَيْدِ [٢] اللَّهِ بْنِ زَحْرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ مَسَحَ رَأْسَ يَتِيمٍ لَمْ يَمْسَحْهُ إِلَّا لِلَّهِ كَانَ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ تَمُرُّ عَلَيْهَا يَدُهُ [٣] حَسَنَاتٌ، وَمَنْ أَحْسَنَ إِلَى يَتِيمَةٍ أَوْ يَتِيمٍ عِنْدَهُ كُنْتُ أَنَا وَهُوَ فِي الْجَنَّةِ كَهَاتَيْنِ وَقَرَنَ بَيْنَ أُصْبَعَيْهِ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى أَيْ: ذِي الْقَرَابَةِ، وَالْجارِ الْجُنُبِ، أَيِ: الْبَعِيدُ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قُرَابَةٌ.
«٥٩٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو [مُحَمَّدٍ] [٤] عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ [٥] بْنُ الْجَعْدِ أَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ طَلْحَةَ قَالَ:
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِيَ؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بابا».
«٥٩٥» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ
ضعفه غير واحد. وقال الإمام أحمد: روى عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ أعاجيب، ولا أراها إلا من قبل القاسم.
- وهو في «شرح السنة» (٣٣٥٠) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» (٦٥٥) عن يحيى بن أيوب بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٢٥٠ و٢٦٥ والطبراني ٧٨٢١ من طريق عبيد الله بن زحر به وذكره الهيثمي في «المجمع» (٨/ ١٦٠) (١٣٥١٤) وقال: وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف. كذا قال رحمه الله! والصواب أنه ضعيف جدا شبه موضوع وقد قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسناد واحد ابن زحر وابن زيد وابن القاسم، لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم اهـ. راجع «الميزان» والوهن فقط في صدره أما عجزه فقد ورد من وجه آخر من حديث أبي أمامة.
أخرجه الطبراني في «الكبير» (٨١٢٠) وقال الهيثمي ٨/ ١٦١ (١٣٥٢٣) : وفيه إسحاق بن إبراهيم الحنيني، وثقه ابن حبان، وقال: يخطئ. وضعفه الجمهور، وبقية رجاله وثقوا اهـ.
- وفي الباب من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٨٤٧٢) وقال الهيثمي ١٣٥٢٢: وفيه من لم أعرفهم اهـ قلت:
ومع ضعف هذا وما قبله لكن يشهد لهما الحديث المتقدم برقم ٥٩٢، والوهن فقط في صدره- أي مسح الرأس- والله أعلم.
٥٩٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، شعبة هو ابن الحجاج، أبو عمران هو عبد الملك بن حبيب، طلحة هو ابن عبد الله بن عثمان التيمي المدني.
- وهو في «شرح السنة» (١٦٨٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٢٥٩ و٢٥٩٥ و٦٠٢٠ وأحمد ٦/ ١٧٥ و١٨٧ و١٩٣ و٢٣٩ والطحاوي في «المشكل» (٢٧٩٧) من طرق، عن شعبة به.
وأخرجه أبو داود ٥١٥٥ من طريق آخر أبي عمران الجوني به. وورد من طرق أخر بألفاظ مختلفة، راجع «أحكام القرآن» لابن العربي» (٤٨٣) بتخريجي.
٥٩٥- إسناده صحيح على شرط مسلم، أبو عامر الخزاز هو صالح بن رستم، أبو عمران الجوني هو عبد الملك بن حبيب.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في الأصل «عبد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٣) زيد في المخطوط «عشر» وليس في المطبوع وط و «شرح السنة».
(٤) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٥) وقع في الأصل «عبد الله بن الجعد» وهو خطأ من النساخ.
616
الِاسْفَرَايِينِيُّ [١] أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ [٢] عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ، وَإِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَاغْرِفْ لِجِيرَانِكَ مِنْهَا».
«٥٩٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا عُمَرُ [٣] بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيْوَرِّثُهَ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ يَعْنِي: الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ، قَالَهُ [٤] ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما وعكرمة وقتادة ومجاهد [٥]، وَقَالَ عَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ وَالنَّخَعِيُّ: هُوَ الْمَرْأَةُ تَكُونُ مَعَهُ إِلَى جَنْبِهِ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الَّذِي يَصْحَبُكَ رَجَاءَ نَفْعِكَ، وَابْنِ السَّبِيلِ، قِيلَ: هُوَ المسافر لأنه ملازم السبيل، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ الضَّيْفُ.
«٥٩٧» أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنٍ الْقُشَيْرِيُّ أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحَسَنِ الِاسْفَرَايِينِيُّ أنا
- وهو في «شرح السنة» (١٦٨٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٢٦ وابن ماجه ٣٣٦٢ وابن حبان ٥٢٣ من طرق، عن عثمان بن عمر، عن أبي عامر الخزاز صالح بن رستم به.
- وأخرجه الترمذي ١٨٣٣ من طريق أخرى، عن أبي عامر الخزاز به.
- وأخرجه مسلم ٢٦٢٥ ح ١٤٣ والبخاري في «الأدب المفرد» (١١٣) وأحمد ٥/ ١٦١ والطيالسي ٤٥٠ والدارمي ٢/ ١٠٨ وابن حبان ٥١٤ من طرق، عن شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ به دون صدره.
٥٩٦- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عمر بن محمد هو ابن زيد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ العدوي.
- وهو في «شرح السنة» (٣٣٨١) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٠١٥) عن محمد بن منهال بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٢٥ والبخاري في «الأدب المفرد» (١٠٤).
وورد من حديث عائشة عند البخاري ٦٠١٤ ومسلم ٢٦٢٤ وأبو داود ٥١٥١ والترمذي ١٩٤٢ وابن ماجه ٣٦٧٣ وابن أبي شيبة ٨/ ٥٤٥ وأحمد ٦/ ٢٣٨ وابن حبان ٥١١ والبيهقي ٧/ ٢٧ و٢٧٥ من طرق عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو، عن عمرة عنها.
- ومن حديث أبي هريرة أخرجه ابن أبي شيبة ٨/ ٥٤٦ و٥٤٧ وأحمد ٢/ ٢٥٩ وابن حبان ٥١٢ والطحاوي في «المشكل» (٢٧٩٥) والبزار ١٨٩٨ والبغوي ٣٣٨٢ من طرق، عن شعبة، عن داود بن فراهيح عنه.
وفي إسناده داود بن فراهيح مختلف فيه، لكن يصلح للاستشهاد به.
٥٩٧- حديث صحيح، في إسناده شعيب بن عمرو كذبه الأزدي لكن تابعه زكريا بن يحيى المروزي في «شرح السنة» وكلاهما قد توبع عند مسلم وغيره، ومن فوقهما رجال البخاري ومسلم.
وهو في «شرح السنة» (٢٨٩٥) بهذا الإسناد.
(١) في الأصل «الأسفراييني» والمثبت عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٢) في الأصل «الخراز» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٣) وقع في الأصل «عمرو» والتصويب عن كتب التراجم والتخريج.
(٤) تصحف في المطبوع «قال».
(٥) زيادة عن المخطوط.
617
أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا شُعَيْبُ [بْنُ] [١] عَمْرٍو الدِّمَشْقِيُّ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».
«٥٩٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا [أَبُو] [٢] مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ [جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ] [٣] ضَيْفَهُ، جَائِزَتُهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ، وَلَا يَحِلُّ أَنْ يَثْوِيَ [أَيْ: أَنْ يُقِيمَ] [٤] عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرِجَهُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، أَيْ: الْمَمَالِيكُ أَحْسِنُوا إِلَيْهِمْ:
«٥٩٩» أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْمَرْوَزِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الطَّحَّانُ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ قُرَيْشٍ أَنَا عَلِيُّ بن عبد
- وأخرجه مسلم ٤٨ والبخاري في «الأدب المفرد» (١٠٢) وأحمد ٦/ ٣٨٤ والطحاوي في «المشكل» (٢٧٧٤) والبيهقي ٥/ ٦٨ من طرق، عن سفيان بن عيينة به، وانظر الحديث الآتي.
٥٩٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وأخرجه مالك في «الموطأ» (٢/ ٩٢٩) عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شريح الكعبي مرفوعا.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٦١٣٥ وأبو داود ٣٧٤٨ وابن حبان ٥٢٨٧ وأحمد ٦/ ٣٨٥ والطحاوي في «المشكل» (٢٧٧٩) والطبراني في «الكبير» (٢٢/ (٤٧٥)).
- وأخرجه البخاري ٦٠١٩ و٦٤٧٦ ومسلم ٤٨ ح ١٤ والترمذي ٩٦٧ و١٩٦٨ وابن ماجه ٣٦٧٥ وأحمد ٤/ ٣١ و٦/ ٣٨٥- ٣٨٦ والطحاوي في «المشكل» (٢٧٧٦) والطبراني ٢٢/ (٤٨٦) - (٤٧٨) والبيهقي ٩/ ١٩٦- ١٩٧ من طرق عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي شريح به.
- وهو في «شرح السنة» (٢٨٩٦) بهذا الإسناد.
٥٩٩- حديث صحيح لشواهده. رجاله رجال الصحيح غير أن إسناده منقطع أبو الخليل صالح بن أبي مريم لم يسمع من سفينة كما في «تهذيب الكمال». و «تهذيب التهذيب» يزيد هو ابن هارون، همام هو ابن يحيى بن دينار، قتادة هو ابن دعامة، سفينة هو مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٠٨) بهذا الإسناد.
- أخرجه النسائي في «الكبرى» (٧١٠٠) وابن ماجه ١٦٢٥ من طريق يزيد بن هارون به.
وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين، فقد احتجا بجميع رواته! قلت: علته فقط الانقطاع كما تقدم.
- أخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٠٩٨) وأحمد ٦/ ٢٩٠ و٣١٥ من طريق سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سفينة به.
وإسناده منقطع قتادة لم يسمع من سفينة.
(١) زيادة عن كتب التراجم والتخريج.
(٢) سقط من المطبوع. [.....]
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع.
618
الْعَزِيزِ الْمَكِّيُّ أَنَا أَبُو عَبِيدٍ [١] الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ أَنَا يَزِيدُ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةُ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ سَفِينَةَ [٢] عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي مَرَضِهِ: «الصَّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أيمانكم»، فجعل يتكلم ولا يَفِيضُ [٣] بِهَا لِسَانُهُ.
«٦٠٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَنَا أَبِي أَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
رأيت أباذر وعليه برد وَعَلَى غُلَامِهِ بُرْدٌ، فَقُلْتُ: لَوْ أخذت هذا فلبسته كانت [٤] حُلَّةً وَأَعْطَيْتَهُ ثَوْبًا آخَرَ، فَقَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ كَلَامٌ وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَنِلْتُ مِنْهَا فَذَكَرَنِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لِي:
أَسَابَبْتَ فُلَانًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَنِلْتَ [من] أُمَّهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: «إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ» قُلْتُ عَلَى سَاعَتِي: هَذِهِ مِنْ كِبَرِ السِّنِّ، قَالَ: «نَعَمْ هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا يُكَلِّفْهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ، فَإِنَّ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ».
«٦٠١» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ [٥]
لكن له شاهد من:
- حديث أنس أخرجه النسائي في «الكبرى» (٧٠٩٥) وابن ماجه ٢٦٩٧ وأحمد ٣/ ١١٧ وابن سعد ٢/ ٢٥٣ وابن حبان ٦٦٠٥ والطحاوي في «المشكل» (٣١٩٩) والحاكم ٣/ ٥٧ من طرق، عن سليمان التيمي عن قتادة عنه، وإسناده صحيح.
- وحديث علي أخرجه أبو داود ٥١٥٦ وابن ماجه ٢٦٩٨ وأحمد ١/ ٧٨ وأبو يعلى ٥٩٨ والبيهقي ٨/ ١١ وإسناده جيد.
وفي الباب أحاديث.
الخلاصة: هو حديث صحيح بمجموع طرقه وشواهده، والله أعلم.
٦٠٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، حفص والد عمر هو ابن غياث بن طلق النخعي، الأعمش هو سليمان بن مهران، المعرور هو ابن سويد.
- وهو في «شرح السنة» (٢٣٩٥) بهذا الإسناد.
أخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٠٥٠)، عن عمر بن حفص به.
- وأخرجه البخاري ٣٠ و٢٥٤٥ ومسلم ١٦٦١ وأبو داود ٥١٥٨ والترمذي ١٩٤٥ وابن ماجه ٣٦٩٠ وأحمد ٥/ ١٥٨ و١٦١ والبيهقي ٨/ ٧ من طرق عن المعرور بن سويد به.
تنبيه: القائل في أول هذا الحديث هو المعرور، ويوضح روايات مسلم وغيره، وهو عند البخاري بمثل لفظ المصنف، ومراده بلفظ «عن أبي ذر» أي «في أبي ذر».
٦٠١- إسناده ضعيف لضعف صدقة بن موسى، وشيخه فرقد، وهو ابن يعقوب حيث ضعفه الجمهور، وقد روى مناكير كثيرة، وقد توبع صدقه، تابعه غير واحد، فانحصرت العلة في فرقد.
(١) في الأصل «عبيدة» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٢) تصحف في المخطوط «شعبة».
(٣) تصحف في المطبوع «يفيض» وفي المخطوط «يقبض».
قال الإمام البغوي في «شرح السنة» (٥/ ٢٥١) : وما يفيض بها لسانه: هو بالصاد غير المعجمة. يعني ما يبين كلامه اهـ ملخصا.
(٤) في المطبوع «كانا» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٥) في الأصل «عمرو» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
619
ابن حَفْصٍ التَّاجِرُ أَنَا سَهْلُ بْنُ عَمَّارٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ مُوسَى عَنْ فَرْقَدٍ السَّبَخِيِّ [١] عَنْ مُرَّةَ الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ سَيِّئُ الْمَلَكَةِ».
إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً، الْمُخْتَالُ: الْمُتَكَبِّرُ، وَالْفَخُورُ: الَّذِي يفخر عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ تَكَبُّرًا، ذكر هذا بعد ما ذَكَرَ مِنَ الْحُقُوقِ، لِأَنَّ الْمُتَكَبِّرَ يَمْنَعُ الْحَقَّ تَكَبُّرًا.
«٦٠٢» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَتَبَخْتَرُ فِي بُرْدَيْنِ وَقَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
«٦٠٣» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٠٧) بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد ١/ ٤ و٧ وأبو يعلى ٩٣ من طريق صدقة بن موسى به.
- وأخرجه ابن ماجه ٣٦٩١ وأحمد ١/ ١٢ وأبو يعلى ٩٤ من طريق سليمان الرازي، عن مغيرة بن مسلم، عن فرقد به مطوّلا.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (٤/ ٢٣٦) وقال: وفيه فرقد السبخي، وهو ضعيف.
- وأخرجه الترمذي ١٩٤٦ وأحمد ١/ ٤ وأبو يعلى ٩٥ من طريق، همام، عن فرقد به.
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وقد تكلم أيوب السختياني، وغير واحد في فرقد السبخي من قبل حفظه اهـ.
(١) في الأصل «السنجي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التراجم.
٦٠٢- إسناده صحيح على شرط مسلم، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (٣٢٤٨) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق وهو في «مصنفه» (١٩٩٨٣) عن معمر بهذا الإسناد.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه مسلم بإثر ٢٠٨٨ ح ٥٠ وأحمد ٢/ ٣١٥ وهو في صحيفة همام بن منبه برقم: ١١٥.
- وأخرجه مسلم ٢٠٨٨ ح ٥٠ وأحمد ٢/ ٥٣١ وأبو يعلى ٦٣٣٤ من طريق أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة به.
- أخرجه البخاري ٥٧٩٠ وأحمد ٢/ ٣٩٠ من طريق جرير بن يزيد، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة.
وذكره أبو عبيد في «غريب الحديث» (١/ ٢١٩) بدون إسناد.
٦٠٣- إسناده على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٩٦٩) بهذا الإسناد. لكن قرن مع نافع: عبد الله بن دينار وزيد بن أسلم.
- ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٩١٤) عن نافع وابن دينار وزيد، عن ابن عمر بلفظ «لا ينظر الله يوم القيامة، إلى من يجرّ ثوبه خيلاء».
- وأخرجه البخاري ٥٧٨٣ و٥٧٩١ ومسلم ٢٠٨٥ والنسائي ٨/ ٢٠٦ وابن ماجه ٣٥٦٩ وعبد الرزاق ١٩٩٨٠ وابن أبي شيبة ٨/ ٣٨٧ ومالك ٢/ ٩١٤ وأحمد ٢/ ٣٣ و٤٢ و٤٤ و٦٥٤٦ و٦٩ و٨١ و١٠٣ و١٣١ و٤٧ وابن حبان ٥٤٤٣ والبغوي ٢٩٦٨ من طرق من حديث ابن عمر. بعضهم رواه على التقديم والتأخير. [.....]
620
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى [مَنْ جرّ ثوبه خيلاء] » [١].
[سورة النساء (٤) : آية ٣٧]
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧)
الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، الْبُخْلُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: مَنْعُ السَّائِلِ مِنْ فَضْلِ مَا لَدَيْهِ، وَفِي الشَّرْعِ: مَنْعُ الْوَاجِب، وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْبُخْلِ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالْخَاءِ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْخَاءِ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ بَخِلُوا بِبَيَانِ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم وكتموها وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ هَذَا فِي كِتْمَانِ الْعِلْمِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَابْنُ زَيْدٍ: نَزَلَتْ فِي كَرَدْمِ بْنِ زَيْدٍ وَحُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ وَرِفَاعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ التَّابُوتِ وَأُسَامَةَ بْنِ حَبِيبٍ وَنَافِعِ بْنِ أَبِي نافع وبحر بْنِ عَمْرٍو كَانُوا يَأْتُونَ رِجَالًا من الأنصار يخالطونهم فَيَقُولُونَ: لَا تُنْفِقُوا أَمْوَالَكُمْ فَإِنَّا نَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَقْرَ وَلَا تَدْرُونَ مَا يَكُونُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: وَيَكْتُمُونَ مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، يَعْنِي:
الْمَالَ، وقيل: يَبْخَلُونَ بِالصَّدَقَةِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٣٨ الى ٤٠]
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨) وَماذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً (٣٩) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً (٤٠)
وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ مَحَلُّ الَّذِينَ نَصْبٌ عَطْفًا [٢] عَلَى الذين يبخلون [٣]، وقيل: خفض عطف على قوله: وأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: فِي الْمُنَافِقِينَ، وَقِيلَ: [فِي] [٤] مشركي مكة المنفقين عَلَى عَدَاوَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً، صَاحِبًا وَخَلِيلًا فَساءَ قَرِيناً، أَيْ فَبِئْسَ الشَّيْطَانُ قَرِينًا وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَقِيلَ: على القطع بإلغاء الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا تَقُولُ: نِعْمَ رَجُلًا عَبْدُ اللَّهِ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى: بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا [الْكَهْفِ: ٥٠]، وساءَ مَثَلًا [الأعراف: ١٧٧].
وَماذا عَلَيْهِمْ، أَيْ: مَا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَأَيُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ؟ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيماً.
إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ، [أَدْخَلَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَدَهُ فِي التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ فِيهَا، وَقَالَ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ ذَرَّةٌ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَظْلِمُ لَا قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا] [٥]، وَنَظْمُهُ: وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ أَيْ [٦] : لَا يَبْخَسُ وَلَا يُنْقِصُ أَحَدًا مِنْ ثَوَابِ عَمَلِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، والذرة: هي
(١) في المطبوع تقديم وتأخير في هذه العبارة.
(٢) في المطبوع «عطف».
(٣) في المطبوع «الأول» بدل «يبخلون».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيد في المخطوط «أي ما الذي عليهم».
(٦) في المخطوط وحده «لمن».
621
النَّمْلَةُ الْحَمْرَاءُ الصَّغِيرَةُ، وَقِيلَ: الذَّرُّ أَجْزَاءُ الْهَبَاءِ فِي الْكُوَّةِ [١] وَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهَا ذَرَّةٌ وَلَا يَكُونُ لَهَا وَزْنٌ، وَهَذَا مَثَلٌ يُرِيدُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ شَيْئًا كَمَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً. [يُونُسَ: ٤٤] «٦٠٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو عُمَرَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُزَنِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ الْبَجَلِيُّ أَنَا عَفَّانُ أَنَا هَمَّامٌ أَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمَ [الْمُؤْمِنَ حَسَنَةً يُثَابُ عَلَيْهَا الرِّزْقَ] [٢] فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الْآخِرَةِ»، قَالَ: «وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُطَعِّمُ [٣] بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الْآخِرَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُعْطَى بِهَا خيرا».
«٦٠٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو الطِّيبِ الرَّبِيعُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حاتم البزاز [٤] الطُّوسِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنْ [٥] مُحَمَّدَ بْنَ يَحْيَى حَدَّثَهُمْ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ح [٦] :
وَأَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الطَّاهِرِيُّ أَخْبَرَنَا جَدِّي أَبُو سَهْلٍ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عبد الرحمن البزاز [٧] أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا الْعَذَافِرِيُّ [٨] أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّبَرِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ زَيْدِ [٩] بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ وَأَمِنُوا فَمَا مُجَادَلَةُ أَحَدِكُمْ لِصَاحِبِهِ فِي الْحَقِّ يَكُونُ لَهُ فِي الدُّنْيَا بِأَشَدَّ مُجَادَلَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لربّهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار قال: فيقولون رَبَّنَا إِخْوَانَنَا كَانُوا يُصَلُّونَ مَعَنَا وَيَصُومُونَ مَعَنَا وَيَحُجُّونَ مَعَنَا فَأَدْخَلْتَهُمُ النار، قال: فيقول الله لهم: اذهبوا فأخرجوا من
٦٠٤- إسناده صحيح، الحسين بن الفضل ومن دونه توبع عند مسلم وغيره، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عفان هو ابن مسلم، همام هو ابن يحيى. قتادة هو ابن دعامة.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠١٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨٠٨ ح ٥٦ وأحمد ٣/ ١٢٣ و٢٨٣ وابن حبان ٣٧٧ من طرق، عن همام بن يحيى به.
- وأخرجه مسلم ٢٨٠٨ ح ٥٧ والطيالسي ٢٠١١ عن قتادة به.
٦٠٥- إسناده صحيح، عبد الرزاق فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه توبعوا، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (٤٢٤٤ و٤٢٤٥) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (٢٠٨٥٧) عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٥٨١ و٤٩١٩ ومسلم ١٨٣ والترمذي ٢٥٩٨ والنسائي ٨/ ١١٢ وابن أبي عاصم ٤٥٧ و٤٥٨ وابن حبان ٧٣٧٧ وأبو عوانة ١/ ١٨١ و١٨٣ وابن خزيمة في «التوحيد» ص (١٧٢- ١٧٤) وابن مندة في الإيمان ٨١٦ و٨١٨ وأحمد ٣/ ١٦ والآجري في «الشريعة» ص (٢٦٠- ٢٦١) والبيهقي في «الأسماء والصفات» ص (٣٤٤- ٣٤٥) من طرق، عن زيد بن أسلم به. مطوّلا ومختصرا.
(١) في المطبوع وحده «الكون».
(٢) العبارة في المطبوع وحده «مؤمنا حسنة يعطى بها».
(٣) في المخطوط «فيطعمه» وفي «شرح السنة» «فيعظم».
(٤) في الأصل «البزار» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٥) في الأصل «بن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٦) عبارة يستخدمها المحدثون عند الانتقال من إسناد إلى آخر. أي: تحويل. [.....]
(٧) في الأصل «البزار» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» و «الأنساب».
(٨) في الأصل «العذافيري» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٩) في الأصل «يزيد» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وكتب التراجم والتخريج.
622
عَرَفْتُمْ مِنْهُمْ فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُمْ بِصُوَرِهِمْ لَا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ النَّارُ إِلَى أَنْصَافِ سَاقَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ إِلَى كَعْبَيْهِ فَيُخْرِجُونَهُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا قَدْ أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا، قَالَ: ثُمَّ يَقُولُ: أَخْرِجُوا مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ دِينَارٍ مِنَ الْإِيمَانِ، ثُمَّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ وَزْنُ نِصْفِ دِينَارٍ، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [١] »، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ رَضِيَ الله عنه: فمن يصدّق بهذا فَلْيَقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً، قَالَ: فَيَقُولُونَ رَبَّنَا [قَدْ] [٢] أَخْرَجْنَا مَنْ أَمَرْتَنَا فَلَمْ يَبْقَ فِي النَّارِ أَحَدٌ فِيهِ خَيْرٌ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلَائِكَةُ، وَشَفَعَتِ الْأَنْبِيَاءُ [٣]، وَشَفَعَ الْمُؤْمِنُونَ، وَبَقِيَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، قَالَ: فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النار، أو قال: قبضتين [ناسا] [٤] لَمْ يَعْمَلُوا لِلَّهِ خَيْرًا قَطُّ قَدِ احْتَرَقُوا حَتَّى صَارُوا حُمَمًا فَيُؤْتَى بِهِمْ إِلَى مَاءٍ [يُقَالُ لَهُ: مَاءُ] [٥] الْحَيَاةِ فَيَصُبُّ عَلَيْهِمْ فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَالَ: فَتَخْرُجُ أَجْسَادُهُمْ مِثْلَ اللُّؤْلُؤِ فِي أَعْنَاقِهِمُ الْخَاتَمُ [مكتوب فيه:
هَؤُلَاءِ] [٦] عُتَقَاءُ اللَّهِ [مِنَ النَّارِ] [٧] فَيُقَالُ لَهُمْ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا تَمَنَّيْتُمْ أَوْ رَأَيْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ لَكُمْ، قَالَ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، قَالَ: فَيَقُولُ فَإِنَّ لكم عندي أَفْضَلَ مِنْهُ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا وَمَا أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: رِضَايَ عَنْكُمْ فَلَا أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ أَبَدًا».
«٦٠٦» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكِسَائِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ لَيْثِ بْنِ سعد حدثني عامر ابن يَحْيَى عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ المعافري الجبليّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَسْتَخْلِصُ رَجُلًا مِنْ أُمَّتِي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تِسْعَةً وَتِسْعِينَ سِجِلًّا كُلُّ سِجِلٍّ مِثْلَ مَدِّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: أَتُنْكِرُ مِنْ هَذَا شَيْئًا؟ أَظَلَمَكَ كَتَبَتِي الْحَافِظُونَ؟
فَيَقُولُ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: أَفَلَكَ عُذْرٌ أَوْ حَسَنَةُ؟ فَبُهِتَ الرَّجُلُ، قَالَ: لَا يَا رَبِّ، فَيَقُولُ: بَلَى إِنَّ لَكَ عِنْدَنَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ لَا ظُلْمَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ، فَتُخْرَجُ لَهُ بِطَاقَةٌ فِيهَا: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَيَقُولُ: أَحْضِرْ وَزْنَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مَا هَذِهِ الْبِطَاقَةُ مَعَ هَذِهِ السِّجِلَّاتِ، فيقول: إنك لا
٦٠٦- حديث حسن صحيح. إسناده صحيح، إبراهيم بن عبد الخلال فمن دونه ثقات وقد توبعوا، وابن المبارك فمن فوقه رجال الصحيح، أما ابن المبارك وابن سعد، فمن رجال البخاري ومسلم وأما عامر بن يحيى وشيخه المعافري، فكلاهما ثقة، وهما من رجال مسلم، أبو عبد الرحمن المعافري هو عبد الله بن يزيد.
- وهو في «شرح السنة»
(٤٢١٦) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «زيادات الزهد» لنعيم بن حماد عن الليث بن سعد بهذا الإسناد.
- ومن طريق ابن المبارك أخرجه الترمذي ٢٦٣٩ وأحمد ٢/ ٢١٣ وابن حبان ٢٢٥.
- وأخرجه ابن ماجه ٤٣٠٠ والحاكم ١/ ٥٢٩ من طريق أخرى، عن الليث به.
وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب اهـ.
- وأخرجه أحمد ٢/ ٢٢٢ من طريق ابن لهيعة عن عامر بن يحيى به. وابن لهيعة يصلح للاعتبار بحديثه، ويشهد له الموقوف الآتي، فمثله لا يقال بالرأي.
(١) زيد في المطبوع وحده «من خير».
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) في المطبوع وحده «وشفع النبيون».
(٤) العبارة في المطبوع «من النار فيخرج منهم أقواما».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) زيد في المطبوع.
(٧) زيادة عن المخطوط.
623
تُظْلَمُ، قَالَ: فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ فَطَاشَتِ السِّجِلَّاتُ وَثَقُلَتِ الْبِطَاقَةُ، قَالَ: فَلَا يَثْقُلُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ شَيْءٌ».
وَقَالَ قَوْمٌ: هَذَا فِي الْخُصُومِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ جَمْعَ اللَّهُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ثُمَّ نَادَى مُنَادٍ أَلَا مَنْ كَانَ يَطْلُبُ مظلمة فليجئ إِلَى حَقِّهِ فَلْيَأْخُذْهُ، فَيَفْرَحُ الْمَرْءُ أَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى وَالِدِهِ أَوْ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتِهِ أَوْ أَخِيهِ، فَيَأْخُذُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١) [المؤمنون: ١٠١]، وَيُؤْتَى بِالْعَبْدِ فَيُنَادِي منادٍ عَلَى رؤوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ: هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ فَيَأْخُذْهُ، وَيُقَالُ: آتِ هَؤُلَاءِ حُقُوقَهُمْ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ مِنْ أَيْنَ وَقَدْ ذَهَبَتِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا فِي أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ فَأَعْطَوْهُمْ مِنْهَا فَإِنْ بَقِيَ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَةٍ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا بَقِيَ لَهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ حَسَنَةٍ، فَيَقُولُ: ضَعِّفُوهَا لِعَبْدِي وَأَدْخِلُوهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِي الْجَنَّةَ. وَمِصْدَاقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا [١] شَقِيًّا قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: إِلَهُنَا فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ وَبَقِيَ طَالِبُونَ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: خُذُوا مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَأَضِيفُوهَا إِلَى سَيِّئَاتِهِ، ثُمَّ صُكُّوا لَهُ صَكًّا إِلَى النَّارِ.
فَمَعْنَى الآية على هَذَا التَّأْوِيلِ: أَنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ لِلْخَصْمِ عَلَى الخصم بل يأخذ [٢] مِنْهُ وَلَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ تَبْقَى لَهُ بَلْ يُثِيبُهُ عَلَيْهَا وَيُضَعِّفُهَا لَهُ، فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها، قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ حَسَنَةً بِالرَّفْعِ، أَيْ: وَإِنْ تُوجَدُ حَسَنَةٌ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنَّصْبِ عَلَى مَعْنَى: وَإِنْ تَكُ زِنَةُ الذَّرَّةِ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا، أَيْ: يَجْعَلُهَا أَضْعَافًا كَثِيرَةً. وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَجْرًا عَظِيمًا فمن يقدر قدره؟.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً (٤٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، أَيْ: فَكَيْفَ الْحَالُ وَكَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشهيد، يعني: نبيها [٣] يَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِمَا عَمِلُوا، وَجِئْنا بِكَ [يَا مُحَمَّدُ]، عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً شَاهِدًا يَشْهَدُ عَلَى جَمِيعِ الأمة [٤] على مَنْ رَآهُ وَمَنْ لَمْ يَرَهُ.
«٦٠٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا محمد بن إسماعيل
٦٠٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، سفيان هو ابن سعيد الثوري، الأعمش هو سليمان بن مهران، إبراهيم هو ابن يزيد النخعي، عبيدة هو ابن عمرو السلماني.
- وهو في «صحيح البخاري» (٥٠٥٠) عن محمد بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٠٤٩ و٥٠٥٥ و٥٠٥٦ ومسلم ٨٠٠ وأبو داود ٣٦٦٨ والترمذي ٣٠٢٨ والنسائي في «التفسير»
(١) تصحف في المخطوط «عنيدا».
(٢) في المطبوع «أخذ له». [.....]
(٣) في المطبوع «بنبيها» وفي المخطوط «نبيا» والمثبت عن- ط.
(٤) في المخطوط «الأمم» وكذا في- ط.
624
[أَنَا] مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْرَأْ عَلَيَّ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَأَقْرَأُ عَلَيْكَ وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ [قَالَ] :«نَعَمْ»، فَقَرَأْتُ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إِذَا أتيت [على] [١] هَذِهِ الْآيَةَ فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) قَالَ: «حَسْبُكَ الْآنَ» فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَوْمَئِذٍ [أَيْ:] [٢] يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ تُسَوَّى بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ عَلَى مَعْنَى تَتَسَوَّى، فَأُدْغِمَتِ التَّاءُ الثَّانِيَةُ فِي السِّينِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى حَذْفِ تَاءِ التَّفَعُّلِ [٣] كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ [هُودٍ: ١٠٥]، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ [٤] بِضَمِّ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ عَلَى الْمَجْهُولِ، أَيْ: لَوْ سويت بهم الأرض فصاروا هم والأرض شيئا واحدا. قال قَتَادَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: يَعْنِي لَوْ تَخَرَّقَتِ الْأَرْضُ فَسَاخُوا فِيهَا وَعَادُوا إليها [كما خرجوا عنها] [٥] ثُمَّ تُسَوَّى بِهِمْ، أَيْ: عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ، وَقِيلَ: وَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ لَمْ يُبْعَثُوا لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا نُقِلُوا مِنَ التُّرَابِ، وَكَانَتِ الْأَرْضُ مُسْتَوِيَةً عَلَيْهِمْ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ:
يَقُولُ اللَّهُ عز وجل للبهائم والوحوش والطيور والسباع: كونوا [٦] ترابا فتسوى بهم الْأَرْضُ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أَنْ لَوْ كَانَ تُرَابًا كَمَا قال الله تعالى: يَقُولُ الْكافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً
[النَّبَإِ: ٤٠]. وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً قَالَ عَطَاءٌ: وَدُّوا لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا كَتَمُوا أَمْرَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَعْتَهُ. وَقَالَ الْآخَرُونَ: بَلْ هُوَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ، يَعْنِي: وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حديثا لأن ما عملوه لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى كِتْمَانِهِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً لأن جوارحهم تشهد عليهم. وقال سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنِّي أَجِدُ فِي الْقُرْآنِ أَشْيَاءَ تَخْتَلِفُ عَلَيَّ، قَالَ:
هَاتِ مَا اخْتَلَفَ عَلَيْكَ، قَالَ: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ [الْمُؤْمِنُونَ: ١٠١]، وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) [الصافات: ٢٧]، وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً، وَقَالَ: وَاللَّهِ رَبِّنا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الْأَنْعَامِ: ٢٣]، فَقَدْ كَتَمُوا، وَقَالَ: أَمِ السَّماءُ بَناها [النازعات: ٢٧]، إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها (٣٠) [النازعات: ٣٠]، وذكر خلق السماء قبل [خلق] [٧] الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ، إِلَى قَوْلِهِ: طائِعِينَ [فُصِّلَتْ: ٩- ١١] فَذَكَرَ في هذه خَلْقَ الْأَرْضِ قَبْلَ السَّمَاءِ، وَقَالَ: وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفتح: ١٤] وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء: ١٥٨ و١٦٥] فَكَأَنَّهُ كَانَ ثُمَّ مَضَى؟ فَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَلَا أَنْسَابَ [بَيْنَهُمْ] [٨] فِي النَّفْخَةِ الأولى قال الله تعالى:
(١٢٥) وابن أبي شيبة ١٠/ ٥٦٣ وأحمد ١/ ٣٨٠ و٤٣٣ وابن حبان ٧٣٥ والطبراني في «الكبير» (٨٤٦٠) من طرق عن الأعمش به.
- وأخرجه مسلم ٨٠٠ ح ٢٤٨ والطبراني ٨٤٦٢ من طريق إبراهيم به.
- وأخرجه ابن أبي شيبة ١٠/ ٥٦٤ والحميدي ١٠١ وأحمد ١/ ٣٧٤ والطبراني ٨٤٦٣ و٨٤٦٦ و٨٤٦٨ من طرق، عن ابن مسعود به.
(١) زيادة عن «صحيح البخاري»، وهو في المخطوط «إلى».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المخطوط وحده «التفيل».
(٤) في المطبوع «الآخرون».
(٥) زيد في المطبوع.
(٦) في المخطوط وحده «كوني».
(٧) زيادة عن المخطوط.
(٨) زيادة عن المخطوط.
625
وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ [الزُّمَرِ: ٦٨]، فَلَا أَنْسَابَ عِنْدَ ذَلِكَ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ، ثُمَّ فِي النَّفْخَةِ الْآخِرَةِ أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ- وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِأَهْلِ الْإِخْلَاصِ ذُنُوبَهُمْ، فَيَقُولُ الْمُشْرِكُونَ تَعَالَوْا نَقُلْ [١] لَمْ نَكُنْ مُشْرِكِينَ، فَيُخْتَمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وتنطق أيديهم فعند ذلك عرفوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْتَمُ حَدِيثًا، وَعِنْدَهُ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ، وخَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ [فصلت: ٩] ثُمَّ خَلَقَ السَّمَاءَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ فِي يَوْمَيْنِ آخرين [ثم دحا الأرض] [٢] ودحوها: أَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا الْمَاءَ وَالْمَرْعَى وَخَلَقَ الْجِبَالَ وَالْآكَامَ.
وَمَا بَيْنَهُمَا فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ، ثُمَّ دَحَا الأرض في يومين فخلقت الْأَرْضُ وَمَا فِيهَا مِنْ شَيْءٍ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَخُلِقَتِ السَّمَوَاتُ فِي يَوْمَيْنِ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفتح: ١٤ والنساء: ١٠٠]، أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ، فَلَا يَخْتَلِفُ عَلَيْكَ الْقُرْآنُ فَإِنَّ كُلًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهَا مُوَاطِنٌ، فَفِي مَوْطِنٍ لَا يَتَكَلَّمُونَ وَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا، وَفِي مَوْطِنٍ [٣] يَتَكَلَّمُونَ وَيَكْذِبُونَ وَيَقُولُونَ [وَاللَّهِ رَبِّنَا] [٤] مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ وما كنا نعمل في سوء، وفي موطن يَعْتَرِفُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ قَوْلُهُ: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الملك: ١١] وفي موطن لَا يَتَسَاءَلُونَ، وَفِي مَوْطِنٍ يَسْأَلُونَ [٥] الرَّجْعَةَ، وَآخِرُ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ أَنْ يُخْتَمَ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتَتَكَلَّمَ جُوَارِحُهُمْ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى:
وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٣]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاَّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً (٤٣)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ مِنَ السُّكْرِ:
السُّكْرُ مِنَ الْخَمْرِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ.
ع «٦٠٨» وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَنَعَ طَعَامًا وَدَعَا نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَتَاهُمْ بِخَمْرٍ فَشَرِبُوهَا قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ وَسَكِرُوا فَحَضَرَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ فَقَدَّمُوا رَجُلًا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ فَقَرَأَ قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ (١) [الْكَافِرُونَ: ١] أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، بِحَذْفِ (لَا) هَكَذَا إِلَى آخَرِ السُّورَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، فَكَانُوا بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ يجتنبون السكر أوقات الصلاة حَتَّى نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ: أَرَادَ بِهِ سُكْرَ النَّوْمِ، نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ عند غلبة النوم:
٦٠٨- ع أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» (٣١٦) عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ مرسلا، وفيه عطاء بن السائب قد اختلط.
- وله شاهد من حديث علي، أخرجه أبو داود ٣٦٧١ والترمذي ٣٠٢٦ والحاكم ٢/ ٣٠٧ والطبري ٩٥٢٦ وإسناده حسن، وفي رواية أبي داود والترمذي أن الذي قدّم للصلاة هو علي رضي الله عنه وفيه عطاء بن السائب لكن الثوري الراوي عنه سمع منه قبل الاختلاط، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وحسنه الترمذي. والله أعلم.
(١) في المخطوط وحده «نقول».
(٢) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٣) في المطبوع وط «موضع».
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع «يتساءلون».
626
«٦٠٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغَلِّسِ [١] أَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْحَاقَ الهمداني أَخْبَرَنَا عَبَدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ يَنْعَسُ لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسِبَ نَفْسَهُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً، نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ، يَعْنِي: وَلَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ [وَأَنْتُمْ] [٢] جُنُبٌ يُقَالُ: رَجُلٌ جُنُبٌ وَامْرَأَةٌ جُنُبٌ، وَرِجَالٌ جُنُبٌ وَنِسَاءٌ جُنُبٌ، وَأَصْلُ الْجَنَابَةِ [٣] : الْبُعْدُ، وَسُمِّيَ جُنُبًا لِأَنَّهُ يَتَجَنَّبُ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، أَوْ لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ وَبُعْدِهِ مِنْهُمْ، حَتَّى يَغْتَسِلَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا اخْتَلَفُوا فِي معناه [فقال بعضهم:] [٤] إِلَّا أَنْ تَكُونُوا مُسَافِرِينَ وَلَا تَجِدُونَ الْمَاءَ فَتَيَمَّمُوا، مَنَعَ الْجُنُبَ مِنَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَغْتَسِلَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِي سَفَرٍ وَلَا يَجِدُ مَاءً فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وقال آخرون: بل الْمُرَادُ مِنَ الصَّلَاةِ مَوْضِعَ الصَّلَاةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ [الْحَجِّ: ٤٠] وَمَعْنَاهُ: لَا تَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ وَأَنْتُمْ جُنُبٌ إِلَّا مُجْتَازِينَ فِيهِ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ فَيَجْنُبَ أَوْ تُصِيبَهُ جَنَابَةٌ وَالْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ يَكُونَ طريقه عليه، فيمرّ به وَلَا يُقِيمُ وَهَذَا قَوْلُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ أَبْوَابُهُمْ فِي الْمَسْجِدِ فَتُصِيبُهُمُ الْجَنَابَةُ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُمْ وَلَا مَمَرَّ لَهُمْ إِلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَرُخِّصَ لَهُمْ فِي الْعُبُورِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ فَأَبَاحَ بَعْضُهُمْ الْمُرُورَ فِيهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَهُوَ [قَوْلُ الْحَسَنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَمَنَعَ بَعْضُهُمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَهُوَ]]
قَوْلُ أصحاب الرأي، وقال بعضهم: يتيم لِلْمُرُورِ فِيهِ، أَمَّا الْمُكْثُ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ:
ع «٦١٠» لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنِ الْمَسْجِدِ فإنّي لا
٦٠٩- إسناده صحيح، هارون بن إسحاق فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، عبدة بن سليمان هو الكلابي أبو محمد الكوفي.
- وهو في «شرح السنة»
(٩٣٥) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٥٥ عن هارون بن إسحاق به.
- أخرجه النسائي ١/ ٩٩- ١٠٠ وابن ماجه ١٣٧٠ وعبد الرزاق ٤٢٢٢ والحميدي ١٨٥ وأحمد ٦/ ٥٦ و٢٠٢ و٢٠٥ و٢٥٩ والدارمي ١/ ٣٢١ وأبو عوانة ٢/ ٢٩٧ وابن حبان ٢٥٨٤ والبيهقي ٣/ ١٦ من طرق، عن هشام بن عروة به.
- وأخرجه مَالِكٍ ١/ ١١٨ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ به ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٢١٢ ومسلم ٧٨٦ وأبو داود ١٣١٠ وأبو عوانة ٢/ ٢٩٧ وابن حبان ٢٥٨٣ والبيهقي ٣/ ١٦.
٦١٠- ع أخرجه أبو داود ٢٣٢ والبيهقي ٤٤٢ من حديث عائشة وقال البيهقي نقلا عن البخاري: عند جسرة أعاجيب. ثم قال البيهقي: وهذا إن صح فمحمول في الجنب على المكث دون العبور بدليل الكتاب اهـ.
- وفي «نصب الراية» (١/ ١٩٤) : هو حديث حسن، وكذا حسنه ابن القطان بعد أن تكلم عليه، وقوّى أمر جسرة بنت دجاجة اهـ.
(١) في الأصل «المفلس» بالفاء والتصويب عن «شرح السنة».
(٢) سقط عن المطبوع وحده.
(٣) في المطبوع «الجنب».
(٤) العبارة في المطبوع «فقالوا».
(٥) سقط من المخطوط.
627
أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ».
وَجَوَّزَ أَحْمَدُ الْمُكْثَ فِيهِ وَضُعِّفَ الحديث لأنّ روايه مَجْهُولٌ، وَبِهِ قَالَ الْمُزْنِيُّ، وَلَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الطَّوَافُ كَمَا لَا يَجُوزُ لَهُ الصَّلَاةُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ.
«٦١١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْضِي الْحَاجَةَ وَيَأْكُلُ مَعَنَا اللَّحْمَ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَكَانَ لَا يَحْجُبُهُ أو يحجزه عن
- وفي «تلخيص الحبير» (١/ ١٤٠) : صححه ابن خزيمة، وكذا ابن القطان اهـ. وضعفه المنذري والخطابي والبيهقي وغيرهم، راجع «أحكام القرآن» (٤٩٥) بتخريجي فالحديث يقرب من الحسن.
٦١١- حسن. إسناده لا بأس به، عبد الله بن سلمة وثقه العجلي ويعقوب بن شيبة وابن حبان، وقال شعبة: كان ابن سلمة يحدثنا، وقد كان كبر، فكنا نعرف وننكر، وقال عند الحافظ في «التقريب» صدوق تغير حفظه اهـ.
- وهو في «شرح السنة» (٢٧٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٢٢٩ والنسائي ١/ ١٤٤ وابن ماجه ٥٩٤ والحميدي ٥٧ والطيالسي ١/ ٥٩ وأحمد ١/ ٨٣ و٨٤ و١٠٧ و١٢٤ والطحاوي ١/ ٨٧ وابن الجارود في «المنتقى» (٩٤) والدارقطني ١/ ١١٩ وابن خزيمة ٢٠٨ والحاكم ٤/ ١٠٧ والبيهقي ١/ ٨٨ و٨٩ من طرق عن شعبة به.
- وأخرجه الترمذي ١٤٦ والنسائي ١/ ١٤٤ وابن أبي شيبة ١/ ١٠١ و١٠٢ والحميدي ٥٧ وأحمد ١/ ١٣٤ وابن حبان ٧٩٩ وابن عدي في «الكامل» (٤/ ١٤٨٧) من طرق عن عمرو بن مرة به.
قال الترمذي: حسن صحيح اهـ. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الحافظ في «تلخيص الحبير» (١/ ١٣٩/ ١٨٤) ما ملخصه: صححه الترمذي وابن السكن وعبد الحق والبغوي في «شرح السنة» وروى ابن خزيمة بإسناده عن شعبة قوله: هذا الحديث ثلث رأس مالي. وقال الدارقطني. قال شعبة: ما أحدّث بحديث أحسن منه. وقال الشافعي في سنن حرملة: إن كان هذا الحديث ثابتا، ففيه دلالة على تحريم القرآن على الجنب وقال في كتاب «جماع الطهور» أهل الحديث لا يثبتونه. قال البيهقي: إنما قال ذلك لأن روايه عبد الله بن سلمة كان قد تغير، وإنما روى هذا الحديث بعد ما كبر، قاله شعبة. قال الخطابي: وكان أحمد يوهّن هذا الحديث. وقال النووي: خالف الترمذي الأكثرون، فضعفوا هذا الحديث. قال الحافظ: وتخصيصه الترمذي بذلك دليل على أنه لم ير تصحيحه لغيره. وقد صححه غير الترمذي.
- وورد من طريق آخر عن عامر بن السمط، عن أبي الغريف، عن علي مرفوعا بمعناه. وهذا إسناد حسن، عامر بن السمط ثقة، وأبو الغريف اسمه عبيد الله بن خليفة، صدوق كما في «التقريب» لكن له علة فقد أخرجه الدارقطني ١/ ١١٨ من طريق يزيد بن هارون بهذا الإسناد، فجعله عن علي موقوفا عليه، ومع ذلك فليس بعلة قادحة. فمثله لا يقال ولا يدري بالرأي، فله حكم المرفوع، وفي الباب أحاديث كثيرة تشهد له، وإن كان أكثرها ضعيف، وقد صححه الشيخ أحمد شاكر في «سنن الترمذي» (١/ ٢٧٥) : وقال في رواية أحمد الثانية: وهذا إسناد جيد، وقد توبع عبد الله بن سلمة، فارتفعت شبهة الخطأ عن روايته.
وانظر «نصب الراية» (١/ ١٩٦) و «فتح القدير» لابن الهمام (١/ ١٧٠- ١٧٢) بتخريجي.
وفي الباب موقوفات تقوي المرفوع وقال الحافظ في «الفتح» (١/ ٤٠٨) والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة اهـ.
في حين ضعفه الألباني في «الإرواء» (٢٢٩ و٤٨٥)....! وتبعه الأثري في «غوث المكدود» (٩٤)....! علما بأن عامة الفقهاء على القول بهذا الحديث، والله أعلم.
628
[قراءة] [١] القرآن شيء ليس [٢] الْجَنَابَةَ.
وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ يَجِبُ بِأَحَدِ أمرين [٣] إِمَّا بِنُزُولِ الْمَنِيِّ أَوْ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ وَهُوَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرَجِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ، وَكَانَ الْحُكْمُ فِي الِابْتِدَاءِ أَنَّ مَنْ جَامَعَ امْرَأَتَهُ فَأَكْسَلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ ثُمَّ صَارَ مَنْسُوخًا.
«٦١٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا [٤] مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ سَأَلَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ، أَوْ مسّ الْخِتَانَ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى، جَمْعُ مريض، وأراد به مرضا يَضُرُّهُ إِمْسَاسُ الْمَاءِ مِثْلَ الْجُدَرِيِّ وَنَحْوَهُ، أَوْ كَانَ عَلَى مَوْضِعِ الطهارة جِرَاحَةٌ يَخَافُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِيهَا التَّلَفَ أَوْ زِيَادَةَ الْوَجَعِ، فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ صَحِيحًا وَالْبَعْضُ جَرِيحًا غَسَلَ الصَّحِيحَ مِنْهَا وَتَيَمَّمَ لِلْجَرِيحِ، لِمَا:
«٦١٣» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْقَاشَانِيُّ [٥] أَنَا أَبُو عُمَرَ الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرِ الهاشمي أنا أبو علي
٦١٢- حديث صحيح، إسناده ضعيف لضعف علي بن زيد، لكن توبع كما سيأتي، وباقي الإسناد ثقات مشاهير. سفيان هو ابن عيينة.
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٣) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (١/ ٣٦) عن سفيان بهذا الإسناد.
ومن طريقه أخرجه البيهقي في «المعرفة» (١/ ٤١٢) و (٤١٣).
وأخرجه أحمد ٦/ ٩٧ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٥٥) من طريق علي بن زيد به. وقد توبع علي بن زيد، فقد:
- أخرجه مسلم ٣٤٩ وابن خزيمة ٢٢٧ وابن حبان ١١٨٣ والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٤٥) وفي «السنن» (١/ ١٦٣) من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأنصاري، عن هشام بن حسان، عن حميد بن هلال، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي موسى به.
- وأخرجه مالك ١/ ٤٦ وعبد الرزاق ٩٥٤، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابن المسيب، عن أبي موسى، عن عائشة موقوفا عليها، لكن وقف من وقفه لا يعلل المرفوع، ثم إن مثله لا يقال بالرأي، وله شواهد كثيرة، والله أعلم.
٦١٣- حسن دون عجزه، وهو «إنما كان يكفيه....»، إسناده لين لأجل الزبير بن خريق- بضم الخاء- لكن لحديثه شاهد، فهو حسن إن شاء الله.
- وهو في «شرح السنة» (٣١٤) بهذا الإسناد.
- ورواه المصنف من طريق أبي داود، وهو في «سننه» (٣٣٦) عن موسى بن عبد الرحمن به. وأخرجه الدارقطني ١/ ١٩٠ والبيهقي ١/ ٢٢٧ و٢٢٨ من طريق موسى به.
- وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه أبو داود ٣٣٧ وأحمد ١/ ٣٣٠ والدارمي ١/ ١٩٢ والدارقطني ١/ ١٩١ و١٩٢ والبيهقي ١/ ٢٢٧ من طرق عن الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء، عن ابن عباس، وهذا إسناد منقطع. وليس فيه لفظ «إنما كان يكفيه....».
وأخرجه عبد الرزاق ٨٦٧ والدارقطني عن الأوزاعي، عن رجل عطاء، عن ابن عباس. وأخرجه ابن ماجه ٥٧٢ [.....]
(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة» وط.
(٢) في المطبوع وط «إلا» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) في المطبوع «الأمرين».
(٤) في الأصل «أنا أبو» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٥) في الأصل «الغاشاني» والتصويب عن «ط» وعن «الأنساب».
629
مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو اللُّؤْلُؤِيُّ أَنَا [أَبُو] [١] دَاوُدَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْأَشْعَثِ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْطَاكِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عَنِ الزُّبَيْرِ بن خريق [٢] عن [عطاء عَنْ] [٣] جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
خَرَجْنَا فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ رَجُلًا مِنَّا حَجَرٌ فَشَجَّهُ فِي رَأْسِهِ، فَاحْتَلَمَ فَسَأَلَ أَصْحَابَهُ: هَلْ تَجِدُونَ لِي رُخْصَةً فِي التَّيَمُّمِ؟ قَالُوا: مَا نَجِدُ لَكَ رُخْصَةً وَأَنْتِ تَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ، فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ، فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُخْبِرَ بذلك قال: «قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ، أَلَّا سَأَلُوا إِذَا لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ- شك موسى [٤] عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُمَّ يَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ».
وَلَمْ يُجَوِّزْ أَصْحَابُ الرَّأْيِ الْجَمْعَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالْغُسْلِ، وَقَالُوا: إِنْ كَانَ أَكْثَرُ أَعْضَائِهِ صَحِيحًا غُسِلَ الصَّحِيحُ وَلَا يَتَيَمَّمُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ جَرِيحًا اقْتَصَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ. وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَوْجَبَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ عَلى سَفَرٍ، أَرَادَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ طَوِيلًا كَانَ أَوْ قَصِيرًا، وَعُدِمَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، لِمَا:
ع «٦١٤» رُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عشر
والدارقطني ١/ ١٩١ عن الأوزاعي، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وأخرجه الحاكم ١/ ١٧٨ من طريق الأوزاعي قال: حدثنا عطاء أنه سمع ابن عباس وأخرجه ابن حبان ١٣١٤ وابن الجارود ١٢٨ والبيهقي ١/ ٢٢٦ من طريق عمر بن حفص، عن أبيه، عن الوليد بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رباح أن عطاء عمه حدثه، عن ابن عباس. دون عجزه، وهو ذكر المسح على الجبيرة، فإنه منكر.
وفيه الوليد بن عبيد الله وثقه ابن أبي حاتم. وضعفه الدارقطني كما في «الميزان»
لكن يصلح للاعتبار بحديثه. فالحديث حسن دون عجزه. وانظر «أحكام القرآن» لابن العربي (٥٠٢).
٦١٤- ع صحيح. أخرجه أبو داود ٣٣٢ والترمذي ١٢٤ والنسائي ١/ ١٧١ وعبد الرزاق ٩١٣ وأحمد ٥/ ١٥٥ و١٨٠ وابن حبان ١٣١١ و١٣١٢ و١٣١٣ والحاكم ١/ ١٧٠ والدارقطني ١/ ١٨٦ و١٨٧ والبيهقي ١/ ٢١٢ و٢٢٠ من طرق عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قلابة، عن عمرو بن بجدان، عن أبي ذر مرفوعا. وله قصة في رواية أبي داود وغيره، ومداره على عمرو بن بجدان وهو مجهول الحال.
قال الزيلعي في «نصب الراية» (١/ ٤٩) : قال ابن دقيق العيد في «الإمام» : ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث، فقد نقل كلامه: هذا حديث حسن صحيح.
وأي فرق بين أن يقول: هو ثقة أو يصحح له حديثا انفرد به؟! اهـ.
والحديث صححه الحاكم وقال: لم يخرجاه إذ لم نجد لعمرو بن بجدان راويا غير أبي قلابة. ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
- وأخرجه أبو داود ٣٣٣ وابن أبي شيبة ١/ ١٥٦- ١٥٧ والطيالسي ٤٨٤ والدارقطني ١/ ١٨٧ وأحمد ٥/ ١٤٦ عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني عامر، عن أبي ذر. قلت: والعامري هو ابن بجدان نفسه لأنه من بني عامر.
- وأخرجه عبد الرزاق ٩١٢ وأحمد ٥/ ٤٦- ١٤٧ عن أيوب، عن أبي قلابة، عن رجل من بني قشير، عن أبي ذر.
وذكره البغوي في «شرح السنة» بإثر حديث (٣١٠) تعليقا.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة البزار ٣١٠ وقد صححه ابن القطان كما في «تلخيص الحبير» (١/ ١٥٤) و «نصب
(١) سقط من المطبوع.
(٢) في الأصل «حزيق»
والتصويب عن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٤) في المطبوع «الراوي».
630
سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلِيَمَسَّهُ بَشَرَهُ» [١]، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الرَّجُلُ مَرِيضًا وَلَا فِي سَفَرٍ ولكنه عَدِمَ الْمَاءَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا بِأَنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ انْقَطَعَ مَاؤُهَا فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ يُعِيدُ إِذَا قَدَرَ عَلَى الْمَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَعِنْدَ مَالِكٍ والأَوْزَاعِيِّ لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنهما يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ، أَرَادَ بِهِ إِذَا أَحْدَثَ، وَالْغَائِطُ اسْمٌ لِلْمُطْمَئِنِّ مِنَ الْأَرْضِ، وَكَانَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ إتْيَانَ الْغَائِطِ لِلْحَدَثِ فَكُنِيَّ عَنِ الْحَدَثِ بِالْغَائِطِ، أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ «لَمَسَتْمُ» هَاهُنَا وَفِي الْمَائِدَةِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ لامَسْتُمُ النِّساءَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى اللَّمْسِ والملامسة، فقال قوم: هو الْمُجَامَعَةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ، وَكَنَّيَّ بِاللَّمْسِ عَنِ الْجِمَاعِ لِأَنَّ [الْجِمَاعَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا] [٢] بِاللَّمْسِ، وَقَالَ قَوْمٌ: هُمَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِ جِمَاعٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حكم هَذِهِ الْآيَةِ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ إِذَا أَفْضَى الرَّجُلُ بِشَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَدَنِهِ إِلَى شَيْءٍ، مِنْ بَدَنِ الْمَرْأَةِ وَلَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا، يَنْتَقِضُ وضوؤهما، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ والأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بن سعد وأحمد وإسحاق: وإن كَانَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ نَقَضَ الطُّهْرَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِشَهْوَةٍ فَلَا يَنْتَقِضُ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ بِحَالٍ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَالثَّوْرِيُّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا إذا حدث الِانْتِشَارُ، وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبِ الْوُضُوءَ بِاللَّمْسِ بِمَا:
«٦١٥» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضِرِ مَوْلَى عُمَرَ بن عبيد [٣] عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ:
كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رَجِلِي وَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا، قَالَتْ:
وَالْبُيُوتُ يَوْمئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ.
«٦١٦» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مصعب عن مالك عن
الراية» (١/ ١٤٩).
وذكره الهيثمي في «المجمع» (١/ ٢٦١) وقال: ورجاله رجال الصحيح اهـ. وانظر «فتح القدير» لابن الهمام (١/ ١٢٦) بتخريجي.
٦١٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو النضر هو سالم بن أبي أمية. أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (٥٤٦) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ١١٧) عن أبي النضر بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٣٨٢ و٥١٣ و١٢٠٩ ومسلم ٥١٢ و٢٧٢ والنسائي ١/ ١٠٢ وعبد الرزاق ٢٣٧٦ وأحمد ٦/ ١٤٨ و٢٢٥ و٢٥٥ وابن حبان ٢٣٤٢ والبيهقي ٢/ ٢٦٤.
- وأخرجه أبو داود ٧١٣ من طريق أبي النضر بنحوه.
٦١٦- صحيح، هو مرسل كما نص عليه ابن عبد البر، التيمي لم يسمعه من عائشة، يحيى بن سعيد هو الأنصاري، وهو غير يحيى القطان، فذاك من طبقة دون طبقة مالك. وقد وصل الحديث مسلم وغيره من طريق أبي هريرة وغيره كما سيأتي. [.....]
(١) زيد في المطبوع وحده «فإن ذلك خير» وهي مقحمة، ليست في المخطوط ولا في- ط ولا في «شرح السنة» وغير ذلك.
(٢) العبارة في المخطوط عقب لفظ «باللمس».
(٣) وقع في الأصل «عبد» والتصويب عن كتب التخريج والتراجم.
631
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَيْمِيِّ:
أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَالَتْ: كُنْتُ نَائِمَةً إِلَى جَنْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [١] فَفَقَدْتُهُ مِنَ اللَّيْلِ فلمسته بيدي فوقعت [٢] يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سخطك وبمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ».
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا لَوْ لَمَسَ امْرَأَةً مِنْ مَحَارِمِهِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ أَوْ لَمَسَ أَجْنَبِيَّةً صَغِيرَةً، أَصَحُّ القولين أنه لا ينتقض الْوُضُوءَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلِّ الشَّهْوَةِ كَمَا لَوْ لَمَسَ رَجُلًا، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمَلْمُوسِ [عَلَى قَوْلَيْنِ] [٣]، أَحَدُهُمَا: يَنْتَقِضُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الِالْتِذَاذِ كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَيْهِمَا بِالْجِمَاعِ، وَالثَّانِي: لَا يَنْتَقِضُ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا حيث قالت: فوقعت يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُوَ سَاجِدٌ [٤]، وَلَوْ لَمَسَ شَعْرَ امْرَأَةٍ أَوْ سنّها أو ظفرها لا ينتقض وضوؤه عِنْدَهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا تَصِحُّ صِلَاتُهُ مَا لَمْ يَتَوَضَّأْ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ يَتَيَمَّمْ إذا لم يجد الماء [٥] لما:
«٦١٧» أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ سَعِيدٍ الْمَنِيعِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ الزِّيَادَيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْبَلُ [اللَّهُ] صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ».
وَالْحَدَثُ هُوَ خُرُوجُ الْخَارِجِ مِنْ أَحَدِ الْفَرْجَيْنِ عينا كان [٦] أو أثرا، أو الغلبة عَلَى الْعَقْلِ بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَ، وَأَمَّا النَّوْمُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ إِلَّا أَنْ يَنَامَ قَاعِدًا مُتَمَكِّنًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ، لِمَا:
«٦١٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو العباس الأصم أخبرنا الربيع
- وهو في «شرح السنة» (١٣٦٠) بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ٢١٤) عن يحيى بن سعيد به.
ومن طريق مالك أخرجه الترمذي ٣٤٩٣ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٢٣٤).
- وأخرجه النسائي ٢/ ٢٢٢ وعبد الرزاق ٢٨٨٣ من طريق يحيى بن سعيد به.
- وأخرجه مسلم ٤٨٦ وأبو داود والنسائي ١/ ١٠٢- ١٠٣ و٢١٠ وأحمد ٦/ ٥٨ و٢٠١ وابن خزيمة ٦٥٥ و٦٧١ وابن حبان ١٩٣٢ من طرق عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عن محمد بن يحيى، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عن عائشة.... به.
- وأخرجه ابن حبان ١٩٣٣ والطحاوي ١/ ٢٣٤ والبيهقي ٢/ ١١٦ من طرق، عن أبي النضر، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عائشة.... به.
٦١٧- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف روى له مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد.
- وهو في «شرح السنة» (١٥٦) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (٥٣٠) عن معمر به.
ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البخاري ١٣٥ ومسلم ٢٢٥ وأبو داود. والترمذي ٧٦ وأبو عوانة ١/ ٢٣٥ وأحمد ٢/ ٣٠٨ و٣١٨ وابن خزيمة ١/ ٩٠٨ وابن الجارود ٦٦ والبيهقي ١/ ٢٢٩.
٦١٨- حديث صحيح. إسناده ضعيف لجهالة شيخ الشافعي، حيث لم يسمّ، والظاهر أنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى ذاك المتروك المتهم، فإن الشافعي كان يوثقه، ويحدث عنه بقوله: حدثني الثقة، حدثني من لا أتهم، لكن كذبه علي المديني ويحيى بن سعيد وابن معين وغيرهم، ولكن لم يتفرد به، فقد تابعه غير واحد كما هو الآتي، فالمتن محفوظ.
- وهو في «شرح السنة» (١٦٣) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ١١) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٣٧٦ ح ١٢٦ وأبو داود ٢٠١ والبيهقي ١/ ١٢٠ من طريق حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عن أنس.
- وأخرجه البخاري ٦٢٩٢ ومسلم ٣٧٦ ح ١٢٤ من طريق شعبة، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بنحوه.
- وأخرجه أبو داود ٢٠٠ والدارقطني ١/ ١٣١ والبيهقي ١/ ١١٩ من طريق هشام الدستوائي، عن قتادة، عن أنس بنحوه.
- وأخرجه عبد الرزاق ١٩٣١ عن معمر، عن ثابت، عن أنس بنحوه ومن طريقه أحمد ٣/ ١٦١. وفي إسناده الزهري بين معمر، وثابت.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المخطوط «وضعت».
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) هو بعض الحديث.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) لفظ «كان» ليس في المخطوط.
632
أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا الثِّقَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ، أَحْسَبُهُ قال قعودا حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضؤون.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ النَّوْمَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ بِكُلِّ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِسْحَاقُ وَالْمُزَنِيُّ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهُ لَوْ نَامَ قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ سَاجِدًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ حَتَّى يَنَامَ مُضْطَجِعًا وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ.
[وَاخْتَلَفُوا في لمس الرجل المرأة كما بيناه] [١] وَاخْتَلَفُوا فِي مَسِّ الْفَرَجِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَهُوَ قَوْلُ عُمْرَ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ [٢] وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ الله عنهم [٣]، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ تَمَسُّ فَرْجَهَا، غَيْرَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
لَا يَنْتَقِضُ إِلَّا أَنْ يَمَسَّ [٤] بِبَطْنِ الْكَفِّ أَوْ بُطُونِ الْأَصَابِعِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«٦١٩» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عن مالك
٦١٩- جيد. إسناده على شرط البخاري ومسلم، غير صحابية وهي بسرة بنت صفوان، فقد روى لها أصحاب السنن، قال الحافظ في «التقريب» : صحابية لها سابقة وهجرة عاشت إلى خلافة معاوية.
- وهو في «شرح السنة» (١٦٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ٤٢) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به.
- ومن طريق مالك أخرجه أبو داود ١٨١ والنسائي ١/ ١٠٠ والشافعي في «المسند» (١/ ٣٤) وابن حبان ١١١٢ والحازمي في «الناسخ والمنسوخ» ص (٤١) والطبراني في «الكبير» (٤٩٦) والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٣٢٧) وفي «السنن» (١/ ١٢٨).
- وأخرجه النسائي ١/ ١٠٠ و٢١٦ وابن أبي شيبة ١/ ١٦٣ والطيالسي ١٦٥٧ والحميدي ٣٥٢ وأحمد ٦/ ٤٠٦ و٤٠٧ والدارمي ١/ ١٨٥ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٨٥) وابن الجارود ١٦ والطبراني في «الكبير» (٢٤/ (٤٨٧) - (٥٠٤)) من طرق عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بكر به.
- وأخرجه الترمذي ٨٣ والنسائي ١/ ٢١٦ والدارقطني ١/ ١٤٦ وابن حبان ١١١٣ وابن الجارود ١٧ والحاكم ١/ ١٣٧ والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٣٥٩) وفي «السنن» (١/ ١٢٩ و١٣٠) من طرق عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أبيه به.
(١) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٣) في المطبوع «عنها».
(٤) في المطبوع «تلمس».
633
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ [بْنِ] [١] مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فَذَكَرْنَا مَا يَكُونُ مِنْهُ الْوُضُوءُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ الْوُضُوءَ، فَقَالَ عُرْوَةُ: مَا عَلِمْتُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَرْوَانُ:
أَخْبَرَتْنِي بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ أَنَّهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ».
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَحُذَيْفَةَ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَاحْتَجُّوا بما:
ع «٦٢٠» رُوِيَ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن الرجل مس ذَكَرَهُ، فَقَالَ: «هَلْ هُوَ إِلَّا بِضْعَةٌ مِنْكَ» ؟ [وَيُرْوَى «هَلْ هُوَ إِلَّا بِضْعَةٌ أَوْ مُضْغَةٌ مِنْهُ» ] [٢].
وَمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ مِنْهُ قَالَ: هَذَا مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ بُسْرَةِ لِأَنَّ أبا هريرة يروي أيضا: الوضوء من
وله شاهد من حديث أم حبيبة، أخرجه ابن ماجه ٤٨١ وأعله البوصيري بالانقطاع، وله شاهد ثالث من حديث ثوبان، أخرجه ابن ماجه ٤٨٠ وأعله البوصيري بجهالة عقبة بن عبد الرحمن، وله شاهد رابع.
- من حديث أبي هريرة أخرجه الشافعي في «الأم» (١/ ١٩) وأحمد ٢/ ٣٣٣ والدارقطني ١/ ١٤٧ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٧٤) وابن حبان ١١١٨ والحازمي في «الناسخ والمنسوخ» ص (٤١) والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٣٣٠) وفي «السنن» (٢/ ١٣١) والبغوي في «شرح السنة» (١٦٦) من طريق عن يزيد بن عبد الملك ونافع بن أبي نعيم، عن سعيد المقبري عنه.
وصححه الحاكم ١/ ١٣٨ من طريق نافع بن أبي نعيم، وقال الحافظ في «تلخيص الحبير» (١/ ١٢٢- ١٢٤) ما ملخصه: حسنه الترمذي، ونقل عن البخاري: حديث بسرة أصح شيء في هذا الباب، وقال أبو داود في سؤالاته لأحمد، قال أحمد: ليس بصحيح، قال الحافظ بل هو صحيح، وصححه ابن معين والبيهقي، وقال الدارقطني:
صحيح ثابت اهـ. وانظر «نصب الراية» (١/ ٥٦) و «فتح القدير» (١/ ٥٨).
٦٢٠- ع حسن. أخرجه أبو داود ١٨٢ والترمذي ٨٥ والنسائي ١/ ١٠١ وابن أبي شيبة ١/ ١٦٥ وابن حبان ١١١٩ والدارقطني ١/ ١٤٩ وابن الجارود ٢١ والطحاوي ١/ ٧٥ و٧٦ والبيهقي ١/ ١٣٤ من طرق عن ملازم بن عمرو، عن عبد الله بن بدر، عن قيس بن طلق، عن أبيه به. وإسناده جيد.
- وأخرجه ابن ماجه ٤٨٣ وعبد الرزاق ٤٢٦ والطيالسي ١/ ٥٧ وأحمد ٤/ ٢٢ و٢٣ والحازمي في «الناسخ والمنسوخ» ص (٤٠) والدارقطني ١/ ١٤٨ و١٤٩ وابن الجارود ٢٠ والطبراني ٨٢٣٣ و٨٢٣٤ والبيهقي في «المعرفة» (١/ ٣٥٥) من طرق عن قيس بن طلق، عن أبيه به.
قال ابن حبان: خبر طلق بن علي الذي ذكرناه منسوخ لأن طلق بن علي كان قدومه على النبي صلّى الله عليه وسلّم أول سنة من سني الهجرة، حيث كان المسلمون يبنون مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالمدينة، وقد روى أبو هريرة إيجاب الوضوء من مسّ الذكر على حسب ما ذكرناه قبل، وأبو هريرة أسلم سنة سبع من الهجرة، فدل ذلك على أن خبر أبي هريرة كان بعد خبر طلق بن علي بسبع سنين اهـ. وله شاهد من حديث أبي أمامة، أخرجه ابن ماجه ٤٨٤ لكن فيه جعفر بن الزبير متروك، وجاء في «نصب الراية» (١/ ٦١) ما ملخصه: قال الطحاوي: حديث مستقيم الإسناد، غير مضطرب، وأسند عن علي المديني: حديث طلق أحسن من حديث بسرة، وحكى الدارقطني عن أبي زرعة وأبي حاتم توهينهما لحديث طلق، وأنه لا تقوم به حجة اهـ وجاء في «تلخيص الحبير» (١/ ١٢٥) ما ملخصه: حديث طلق صححه علي المديني والفلاس والطحاوي وابن حبان وابن حزم، وضعفه الشافعي وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن الجوزي، وادعى فيه النسخ: ابن حبان والطبراني وابن العربي والحازمي وآخرون وانظر مزيد الكلام عليه في «فتح القدير» لابن الهمام (١/ ٥٨) بتخريجي، والله الموفق.
(١) ما بين المعقوفتين زيادة عن «شرح السنة» و «ط» وكتب التراجم.
(٢) ما بين المعقوفتين ليس في المخطوط و «شرح السنة».
634
مَسِّ الذَّكَرِ [١]، وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَكَانَ قُدُومُ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ زَمَنِ الْهِجْرَةِ حِينَ كَانَ يَبْنِي الْمَسْجِدَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ بِالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنَ الْقَيْءِ وَنَحْوَهُ، فَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَذَهَبَتْ جَمَاعَةٌ إِلَى إِيجَابِ الْوُضُوءِ بِالْقَيْءِ وَالرُّعَافِ وَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ مِنْهُمْ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ وَخُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَلَوْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ كَثِيرُهُ لِأُوجَبَ قَلِيلُهُ كَالْفَرْجِ.
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، اعْلَمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الأمة:
ع «٦٢١»، رَوَى حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلَّهَا مَسْجِدًا وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إِذَا لَمْ نَجِدِ الْمَاءَ»، وَكَانَ بَدْءُ التَّيَمُّمِ مَا:
«٦٢٢» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالُوا: أَلَّا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم وبالناس [٢] وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخْذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ: أَحَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ؟ قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه وقال ما
(١) تقدم مع ما قبله.
(٢) زيد في المطبوع «معه».
٦٢١- ع صحيح. أخرجه مسلم ٥٢٢ وابن أبي شيبة ١١/ ٤٣٥ والطيالسي ٤١٨ وأبو عوانة ١/ ٣٠٣ وأحمد ٥/ ٣٨٣ وابن حبان ١٦٩٧ وابن خزيمة ٢٦٤ والبيهقي ١/ ٢١٣ من طرق عن أبي مالك الأشجعي، عن ربعي، عن حذيفة به، وزاد ابن خزيمة والطيالسي وأحمد وابن حبان في آخره: «وأوتيت هؤلاء الآيات من آخر سورة البقرة من كنز تحت العرش... ».
٦٢٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، القاسم هو ابن محمد بن أبي بكر الصديق.
- وهو في «شرح السنة» (٣٠٨) بهذا الإسناد.
ورواه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» برواية القعنبي ص (٦٨).
ومن طرق مالك أخرجه البخاري ٣٣٤ و٣٦٧٢ و٤٦٠٧ و٥٢٥٠ و٦٨٤٤ ومسلم ٣٦٧ والنسائي ١/ ١٦٣- ١٦٤ وعبد الرزاق ٨٨٠ والشافعي ١/ ٤٣- ٤٤ وأبو عوانة ١/ ٣٠٢ وابن خزيمة ٢٦٢ وابن حبان ١٣٠٠ والبيهقي ١/ ٢٢٣- ٢٢٤.
- وأخرجه البخاري ٤٦٠٨ و٦٨٤٥ والطبري ٩٦٤١ والبيهقي ١/ ٢٢٣ من طرق عن ابن وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ به. وانظر الحديث الآتي.
635
شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعَنُ بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلَا يَمْنَعُنِي مِنَ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخْذِي، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وهو أحد النقباء: ما هي بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ.
«٦٢٣» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هُشَامٍ عَنْ أَبِيهِ:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلَادَةً فَهَلَكَتْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلَاةُ فَصَلُّوا بِغَيْرِ وُضُوءٍ، فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ. فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ: جزاك الله خيرا فو الله مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا وَجَعَلَ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ بَرَكَةً [فَتَيَمَّمُوا، أَيْ: اقصُدُوا] [١]، صَعِيداً طَيِّباً، أَيْ: تُرَابًا طَاهِرًا نَظِيفًا قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الصَّعِيدُ هُوَ التُّرَابُ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا يَجُوزُ بِهِ التَّيَمُّمُ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إِلَى أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ مِمَّا يَعْلَقُ بِالْيَدِ مِنْهُ غُبَارٌ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا» [٢]، وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ التَّيَمُّمَّ بِالزَّرْنِيخِ وَالْجِصِّ والنَّوْرَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، حتى قالوا: لو ضرب يده [٣] عَلَى صَخْرَةٍ لَا غُبَارَ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ نَفَخَ فيه حتى زال التراب كُلَّهُ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ، وَقَالُوا: الصَّعِيدُ وَجْهُ الأرض:
ع «٦٢٤» لِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».
وَهَذَا مُجْمَلٌ، وَحَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِي تَخْصِيصِ التُّرَابِ مُفَسَّرٌ وَالْمُفَسَّرُ مِنَ الْحَدِيثِ يَقْضِي عَلَى الْمُجْمَلِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ بِكُلِّ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالْأَرْضِ مِنْ شَجَرٍ وَنَبَاتٍ، وَنَحْوَهُمَا وَقَالَ: إِنَّ الصَّعِيدَ اسْمٌ لِمَا تَصَاعَدَ
٦٢٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، غير عبيد بن إسماعيل حيث تفرد عنه البخاري، أبو أسامة هو حماد بن أسامة، هشام هو ابن عروة بن الزبير.
خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣٧٧٣) عن عبيد بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٣٦ و٤٥٨٣ و١٦٤ و٥٨٨٢ ومسلم ٣٦٧ ح ١٠٩ وأبو داود ٣١٧ والنسائي ١/ ١٧٢ وابن ماجه ٥٦٨ والحميدي ١٦٥ وابن حبان ١٧٠٩ وأبو عوانة ١/ ٣٠٣ والطبري ٩٦٤٠ والبيهقي ١/ ٢١٤ من طريق هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ به، وانظر الحديث المتقدم.
٦٢٤- ع صحيح. هو بعض من حديث أخرجه البخاري ٣٣٥ و٤٣٨ و٣١٢٢ ومسلم ٥٢١ والنسائي ١/ ٢٠٩ و٢١١ وابن أبي شيبة ١١/ ٤٣٢ وأحمد ٣/ ٣٠٤ والدارمي ١/ ٣٢٢- ٣٢٣ وابن حبان ٦٣٩٨ والبيهقي ١/ ٢١٢ و٢/ ٣٢٩ و٤٣٣ و٦/ ٢٩١ و٩/ ٤ والبغوي في «شرح السنة» (٣٥١٠) من طرق عن هشيم بن بشير، عن سيّار، عن يزيد الفقير، عن جابر مرفوعا وصدره «أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي....».
(١) سقط من المخطوط. [.....]
(٢) هو بعض الحديث المتقدم برقم: ٦١٠.
(٣) في المطبوع «يديه».
636
عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَالْقَصْدُ إِلَى التُّرَابِ، شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّيَمُّمِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَتَيَمَّمُوا، وَالتَّيَمُّمُ:
[هو] [١] الْقَصْدُ، حَتَّى لَوْ وَقَفَ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ فَأَصَابَ الْغُبَارُ وَجْهَهُ وَنَوى لَمْ يَصِحَّ. قَوْلُهُ تَعَالَى:
فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً، اعْلَمْ أَنَّ مَسْحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَاجِبٌ فِي التَّيَمُّمِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّتِهِ فَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ مَعَ الْمَرْفِقَيْنِ، بِضَرْبَتَيْنِ يَضْرِبُ كَفَّيْهِ عَلَى التُّرَابِ فيمسح بهما جَمِيعَ وَجْهِهِ، وَلَا يَجِبُ إِيصَالُ التُّرَابِ إِلَى مَا تَحْتَ الشُّعُورِ، ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَمْسَحُ يَدَيْهِ إِلَى الْمَرْفَقَيْنِ، لِمَا:
«٦٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الحويرث عن الأعرج عن ابن [٢] الصِّمَّةِ قَالَ:
مَرَرْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى قَامَ إِلَى جِدَارٍ فَحَتَهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعَهُ، ثُمَّ وضع يده [٣] عَلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيَّ.
فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ مَسْحِ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمَرْفَقَيْنِ كَمَا يَجِبُ غَسْلُهُمَا فِي الْوُضُوءِ إِلَى الْمَرْفَقَيْنِ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يَعْلَقْ بِالْيَدِ غُبَارُ التُّرَابِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّ الْجِدَارَ بِالْعَصَا [٤]، وَلَوْ كَانَ مُجَرَّدُ الضَّرْبِ كَافِيًا [لَمَا كَانَ حَتَّهُ] [٥]، وَذَهَبَ الزُّهْرِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَمْسَحُ الْيَدَيْنِ إِلَى الْمِنْكَبَيْنِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارٍ أَنَّهُ
٦٢٥- ضعيف. إسناده ضعيف جدا، إبراهيم بن محمد هو ابن أبي يحيى، وهو متروك متهم، وأبو الحويرث واسمه عبد الرحمن بن معاوية ضعيف، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز، ابن الصمة هو الحارث، وهو منقطع بين الأعرج وابن الصمة.
- وهو في «شرح السنة» (٣١١) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (١/ ٤٤) عن إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد. ومن طريقه البيهقي ١/ ٢٠٥ وقال: وهذا شاهد لرواية أبي صالح كاتب الليث إلا أن هذا منقطع عبد الرحمن بن هرمز الأعرج لم يسمع من ابن الصمة إنما سمعه من عمير مولى ابن عباس، عن ابن الصمة. وإبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية قال: قد اختلف الحفاظ في عدالتهما إلا أن لروايتهما بذكر الذراعين فيه شاهد من حديث ابن عمر اهـ. كذا قال رحمه الله! مع أن إبراهيم الأسلمي كذبه علي المديني ويحيى بن سعيد وابن معين وغيرهم.
- ورواية عمير مولى ابن عباس عن ابن الصمة التي أشار إليها البيهقي هي عنده وعند البخاري ٣٣٧ وأبو داود ٣٢٩ والنسائي ١/ ١٦٥ وابن حبان ٨٠٥ ولم يذكروا أن ابن الصمة هو الذي سلّم عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وإنما هو رجل آخر. وليس فيه أيضا ذكر الذراعين. وورد ذكر الذراعين في حديث ابن عمر، أخرجه أبو داود ٣٣٠ وضعفه بقوله: سمعت أحمد بن حنبل يقول: روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم، قال أبو داود، لم يتابع بذكره «ضربتين» قلت:
محمد بن ثابت ضعيف.
وقد ورد من وجه آخر بدون ذكر الذراعين والضربتين، من حديث ابن عمر أخرجه أبو داود ٣٣١ وأبو عوانة ١/ ٢١٥ وابن حبان ١٣١٦ والدارقطني ١/ ١٧٧ والبيهقي ١/ ٢٠٦ من طرق عن عبد الله بن يحيى، عن حيوة بن شريح، عن يزيد بن الهاد، عن نافع عنه وإسناده صحيح على شرط البخاري.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في الأصل «أبي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٣) في المطبوع «يديه».
(٤) انظر الحديث المتقدم.
(٥) العبارة في المخطوط و «شرح السنة»، «لكان لا يحته» والمثبت عن المطبوع وط، وهو أجمل سياقا.
637
قَالَ: تَيَمَّمْنَا إِلَى الْمَنَاكِبِ. وَذَلِكَ حكاية فعله ولم يَنْقُلْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: أَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْتُ فِي التُّرَابِ، فَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [و] [١] أمره بالوجه والكفين [٢] [انتهى إليه] [٣].
وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَةٌ وَاحِدَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمَكْحُولٌ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجُّوا بِمَا:
«٦٢٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا آدَمُ أَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا الْحَكَمُ عَنْ ذَرٍّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبَزَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: إِنِّي أَجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ الْمَاءَ، فَقَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَمَّا تَذْكُرُ أَنَّا كُنَّا فِي سَفَرٍ أَنَا وَأَنْتَ فَأَمَّا أَنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ وَأَمَّا أَنَا فَتَمَعَّكْتُ [٤] فصليت فذكرت لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «إنّما يَكْفِيكَ هَكَذَا، فَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ ونفخ فيهما، ثم مسح وجهه وكفيه».
ع «٦٢٧» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ بإسناده [وقال: قال] [٥] عمار لعمر رضي الله
٦٢٦- إسناده على شرط البخاري ومسلم، آدم هو ابن مسلم، شعبة هو ابن الحجاج، الحكم هو ابن عتيبة، ذرّ هو ابن عبد الله الهمداني، ابن أبزى- بألف مقصورة-.
- وهو في «شرح السنة» (٣٠٩) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣٣٨) عن آدم بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٣٩- ٣٤٣ ومسلم ٣٦٨ ح ١١٢ و١١٣ وأبو داود ٣٢٦ والنسائي ١/ ١٦٩ و١٧٠ وابن ماجه ٥٦٩ والطيالسي ١/ ٦٣ وأحمد ٤/ ٢٦٥ و٣٢٠ وأبو عوانة ١/ ٣٠٦ والطحاوي في «المعاني» (١/ ١١٢) والدارقطني ١/ ١٨٣ وابن الجارود ١٢٥ والبيهقي ١/ ٢٠٩ و٢١٤ و٢١٦ من طرق عن شعبة به. وبعضهم رواه مختصرا.
- وأخرجه أبو داود ٢٢٤ و٢٢٥ والنسائي ١/ ١٧٠ والطيالسي ١/ ٦٣ وأحمد ٢/ ٢٦٥ والبيهقي ١/ ٢١٠ من طريق شعبة، عن سلمة بن كهيل، عن ذر به.
- وأخرجه أبو داود ٣٢٢ والنسائي ١/ ١٦٨ والطحاوي ١/ ١١٣ والبيهقي ١/ ٢١٠ من طريق أبي مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبزى به.
- وأخرجه أبو داود ٣٢٣ وابن أبي شيبة ١/ ١٥٩ وأبو عوانة ١/ ٣٠٥ وابن خزيمة ٢٦٩ والطحاوي ١/ ١١٢ والدارقطني من طرق عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أبيه به.
٦٢٧- ع صحيح. أخرجه البخاري ٣٤١ عن محمد بن كثير به وحديث عمار، ورد من طرق كثيرة انظر التعليق على الحديث المتقدم.
وحديث عمار ورد من طرق كثيرة وقد أخرجه أيضا البخاري ٣٤٧ ومسلم ٣٦٨ ح ١١٠ وأبو داود ٣٢١ والنسائي ١/ ١٧٠ وابن أبي شيبة ١/ ١٥٨ و١٥٩ وأحمد ٢/ ٣٩٦ و٢٦٤ وابن حبان ١٣٠٤ و١٣٠٥ والدارقطني ١/ ١٧٩ و١٨٠ من طريق الأعمش، عن شقيق بن سلمة قال: كنت جالسا مع عبد الله وأبي موسى فقال أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن الرجل يجنب، فلا يجد الماء أيصلي؟ فقال: لا، فقال: أما تذكر قول عمّار لعمر:..... فذكره.
(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٢) انظر الحديث الآتي وما بعده.
(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) تصحف في مواضع عدة من المطبوع «تكعمت». [.....]
(٥) العبارة في المطبوع «فقال».
638
عَنْهُ: تَمَعَّكْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَكْفِيكَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ».
وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْجُنُبَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ، وَكَذَا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ إِذَا طَهُرَتَا وَعَدِمَتَا الْمَاءَ. وَذَهَبَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَى أَنَّ الْجُنُبَ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ فَيَغْتَسِلَ، وَحَمَلَا قَوْلَهُ تَعَالَى: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ عَلَى اللَّمْسِ بِالْيَدِ دُونَ الْجِمَاعِ، وَحَدِيثُ عَمَّارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حُجَّةٌ، وَكَانَ عمر نسي ما ذكره [١] لَهُ عَمَّارٌ فَلَمْ يَقْنَعُ بِقَوْلِهِ. وَرُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ وَجَوَّزَ التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَا:
«٦٢٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ محمد عن عباد [٢] بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ رَجُلًا كَانَ جُنُبًا أَنْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يُصَلِّي فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ اغْتَسَلَ.
«٦٢٩» وَأَخْبَرَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ اللُّؤْلُؤِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا خَالِدٌ الْوَاسِطِيُّ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي عمرو بن بَجْدَانَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ الله عنه قَالَ:
اجْتَمَعَتْ غَنِيمَةٌ مِنَ الصَّدَقَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فقال: يا أباذر ابدأ فيها فبدوت إلى الربذة فكانت تُصِيبُنِي الْجَنَابَةُ فَأَمْكُثُ الْخَمْسَ وَالسِّتَّ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم فقال: [أباذر، فسكت، فقال: «ثكلتك أمك يا أباذر لأمك الويل»، فدعا بجارية سوداء فجاءت بعس فيه ماء فسترتني بثوب واستترت بالراحلة فاغتسلت فكأني ألقيت عني جبلا، فَقَالَ:] [٣] «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ إِلَى عَشْرِ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ».
وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ، تَارَةً يَكُونُ بَدَلًا عن غَسْلِ [جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي حَقِّ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمَيِّتِ وَتَارَةً عن غسل الأعضاء الأربعة في حق المحدث وتارة بَدَلًا عَنْ غَسْلِ] [٤] بَعْضِ أَعْضَاءِ
٦٢٨- إسناده ضعيف جدا لأجل إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، فقد كذبه علي المديني ويحيى بن سعيد وابن معين وغيرهم، ووثقه الشافعي وحده، وقد تفرد في هذا المتن بزيادة، «فإذا وجد الماء اغتسل».
- وهو في «شرح السنة» (٣١٠) بهذا الإسناد.
- وخرجه المصنف من طريق الشافعي وهو في «مسنده» (١/ ٤٣- ٤٤) عن إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد.
- وورد بدون عجزه، وهو «فإذا وجد الماء اغتسل» أخرجه البخاري ٣٤٨ من طريق عوف، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عمران بن حصين «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم رأى رجلا معتزلا لم يصل في القوم فقال: يا فلان ما منعك أن تصلي في القوم؟
فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء. قال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك»
.
- وهو في أثناء حديث أخرجه البخاري ٣٤٤ و٣٤٨ ومسلم ٦٨٢ والنسائي ١/ ١٧١ وعبد الرزاق ٢٠٥٣٧ وابن أبي شيبة ١/ ١٥٦ وأحمد ٤/ ٤٣٤ و٤٣٥ وابن حبان ١٣٠١ و١٣٠٢ وأبو عوانة ١/ ٣٠٧ و٢/ ٢٥٦ والدارقطني ١/ ٢٠٢ والبيهقي ١/ ٢١٨ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا.
٦٢٩- عجزه صحيح. إسناده ضعيف، عمرو بن بجدان، مجهول الحال كما في «التقريب» و «الميزان»، مسدد هو ابن مسرهد، خَالِدٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، خالد الحذاء هو ابن مهران، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد، وتقدم الحديث برقم ٦١٤.
(١) في المطبوع «ذكر».
(٢) في الأصل «بن عياد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٣) زيد في المطبوع وحده، وهو في بعض كتب الحديث مثل «صحيح ابن حبان» (١٣١١ و١٣١٢ و١٣١٣) وتقدم تخريجه.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
639
الطَّهَارَةِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ جِرَاحَةٌ لَا يُمْكِنْهُ غَسْلَ مَحَلِّهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ بَدَلًا عَنْ غَسْلِهِ، وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْوَقْتِ إِلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة: ٦] إِلَى أَنْ قَالَ: فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا، ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْوُضُوءِ أَوِ التَّيَمُّمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ، إِلَّا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ قَامَ في الوضوء:
ع «٦٣٠» فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ.
فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ كَالطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ مَا لَمْ يُحْدِثْ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَعَ الْفَرِيضَةِ مَا شَاءَ مِنَ النَّوَافِلِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا، وَأَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ إِنْ كَانَ جُنُبًا، وَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ بِعُذْرِ السَّفَرِ وَعَدَمِ الْمَاءِ فَيُشْتَرَطُ طَلَبُ الْمَاءِ وَهُوَ أن يطلبه في رحله ومن رفقائه، وإن كان في صحراء ولا حَائِلَ دُونَ نَظَرِهِ [١] يَنْظُرُ حَوَالَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دُونَ نَظَرِهِ حَائِلٌ قَرِيبٌ مِنْ تَلٍّ أَوْ جِدَارٍ عَدَلَ عَنْهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ:
فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا، ولا يقال: لم يجد إِلَّا لِمَنْ طَلَبَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ طَلَبُ الْمَاءِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ رَأَى الْمَاءَ وَلَكِنْ [٢] بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ حَائِلٌ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبْعٍ يَمْنَعُهُ مِنَ الذَّهَابِ إِلَيْهِ أَوْ كان الماء في بئر وَلَيْسَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِقَاءِ، فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ [٣] يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إِعَادَةَ عليه.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٤]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ (٤٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: يَهُودَ الْمَدِينَةِ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ ومالك بن دخشم، كانا إِذَا تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم لويا لسانهما وَعَابَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، يَشْتَرُونَ، يَسْتَبْدِلُونَ، الضَّلالَةَ، يَعْنِي: بِالْهُدَى، وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ أَيْ: عَنِ السَّبِيلِ يَا مَعْشَرَ المؤمنين.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً (٤٥) مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَراعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (٤٦) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٤٧)
٦٣٠- ع صحيح. أخرجه مسلم ٢٧٧ وأبو داود ١٧٢ والترمذي ٦١ والنسائي ١/ ١٦ وابن ماجه ٥١٠ والطيالسي ١/ ٥٤ وأحمد ٥/ ٣٥٠ و٣٥١ و٣٥٨ والدارمي ١/ ١٦٩ وابن حبان ١٧٠٦- ١٧٠٨ وأبو عوانة ١/ ٢٣٧ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٤١) والبيهقي ١/ ١٦٢ والبغوي في «شرح السنة» (٢٣١) من طرق عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أبيه مرفوعا.
وانظر الحديث الآتي برقم: ٧٤٣.
(١) في المطبوع «نظر».
(٢) في المطبوع «ولكنه».
(٣) في المخطوط «كالعادم».
640
وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدائِكُمْ، مِنْكُمْ، فَلَا تَسْتَنْصِحُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ، وَكَفى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفى بِاللَّهِ نَصِيراً، [قَالَ الزَّجَّاجُ: [مَعْنَاهُ] [١] اكْتَفُوا بِاللَّهِ وَلِيًّا وَاكْتَفُوا بِاللَّهِ نَصِيرًا] [٢].
مِنَ الَّذِينَ هادُوا، قِيلَ: هِيَ مُتَّصِلَةٌ بُقُولِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ مِنَ الَّذِينَ هادُوا وَقِيلَ: هِيَ مُسْتَأْنَفَةٌ، مَعْنَاهُ: مِنَ الَّذِينَ هَادُوا مَنْ يُحَرِّفُونَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤) [الصَّافَّاتِ: ١٦٤] أَيْ: مَنْ لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ [٣] يُرِيدُ: فَرِيقٌ، يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ، يُغَيِّروُنَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، يَعْنِي: صِفَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كان الْيَهُودُ يَأْتُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَسْأَلُونَهُ عَنِ الْأَمْرِ فَيُخْبِرُهُمْ فَيَرَى أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ فَإِذَا انْصَرَفُوا مِنْ عِنْدِهِ حَرَّفُوا كَلَامَهُ.
وَيَقُولُونَ سَمِعْنا قَوْلَكَ، وَعَصَيْنا، أَمْرَكَ، وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ أَيْ: اسْمَعْ مِنَّا وَلَا نَسْمَعُ مِنْكَ، غَيْرَ مُسْمَعٍ أَيْ: غَيْرَ مَقْبُولٍ مِنْكَ.
وَقِيلَ: كَانُوا يَقُولُونَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اسْمَعْ ثُمَّ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ: لَا سَمِعْتَ، وَراعِنا أَيْ:
وَيَقُولُونَ رَاعِنَا يُرِيدُونَ بِهِ النِّسْبَةَ إِلَى الرُّعُونَةِ، لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ، تَحْرِيفًا، وَطَعْناً، قدحا فِي الدِّينِ، لأن قولهم: راعنا مِنَ الْمُرَاعَاةِ، وَهُمْ يُحَرِّفُونَهُ، يُرِيدُونَ بِهِ الرُّعُونَةَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا، أَيِ: انْظُرْ إِلَيْنَا مَكَانَ قَوْلِهِمْ رَاعِنَا، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَقْوَمَ، أَيْ أَعْدَلَ وَأَصْوَبَ، وَلكِنْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا إِلَّا نَفَرًا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَمَنْ أسلم معه منهم.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، يُخَاطِبُ الْيَهُودَ، آمِنُوا بِما نَزَّلْنا، [يَعْنِي:
الْقُرْآنَ] [٤]، مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ، يَعْنِي: التَّوْرَاةَ.
ع «٦٣١» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ أَحْبَارَ الْيَهُودِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صُورِيَّا وَكَعْبَ بن أسد [٥]، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ اتَّقُوا الله وأسلموا فو الله إِنَّكُمْ لِتَعْلَمُونِ أَنَّ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ لَحَقٌّ»، قَالُوا: مَا نَعْرِفُ ذَلِكَ، وَأَصَرُّوا عَلَى الْكُفْرِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَجْعَلُهَا كَخُفِّ الْبَعِيرِ، وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: نُعْمِيهَا، وَالْمُرَادُ بِالْوَجْهِ الْعَيْنُ، فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها، أَيْ: نَطْمِسُ الوجوه فنردها عَلَى الْقَفَا، وَقِيلَ: نَجْعَلُ الْوُجُوهَ مَنَابِتَ الشَّعْرِ كَوُجُوهِ الْقِرَدَةِ، لِأَنَّ منابت شعور الآدميين في أدبار [٦] وُجُوهِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ نَمْحُو آثَارَهَا وما فيها من
٦٣١- ع أخرجه الطبري ٩٧٢٩ والبيهقي في «الدلائل» (١/ ٥٣٣- ٥٣٤) من حديث ابن عباس، وفي إسناده محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت، وهو مجهول وأصله في «صحيح البخاري» (٣٩١١) من حديث أنس دون ذكر نزول الآية.
(١) زيادة عن- ط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط. [.....]
(٣) في المطبوع وحده «منزله معلومة» والمثبت عن المخطوط وط.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) في المطبوع «الأشرف» والمثبت عن الطبري ٩٧٢٩ والمخطوط أيضا.
(٦) زيد في المطبوع وط «هم دون».
641
أنف وعين وفم وحاجب ونجعلها كَالْأَقْفَاءِ [١]، وَقِيلَ: نَجْعَلُ عَيْنَيْهِ عَلَى القفاء فيمشي القهقرى [٢].
ع «٦٣٢» رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ جَاءَ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ وَيَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ، وَأَسْلَمَ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كُنْتُ أَرَى أَنْ أَصِلَ إِلَيْكَ حَتَّى يَتَحَوَّلَ وَجْهِي فِي قَفَايَ.
وَكَذَلِكَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَمَّا سَمِعَ هَذِهِ الْآيَةَ أَسْلَمَ فِي زَمَنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ: يَا رَبِّ آمَنْتُ، يَا رَبِّ أَسْلَمْتُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ وَعِيدُ هَذِهِ الْآيَةِ [٣].
فإن قيل: قد أوعدهم الله بِالطَّمْسِ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا ثُمَّ لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَمْ يَفْعَلْ بِهِمْ ذَلِكَ؟ قِيلَ: هَذَا الْوَعِيدُ بَاقٍ، وَيَكُونُ طَمْسٌ وَمَسْخٌ فِي الْيَهُودِ قبل قيام الساعة، وقيل: هذا كان وعيد بِشَرْطٍ فَلَمَّا أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ دَفَعَ ذَلِكَ عَنِ الْبَاقِينَ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِهِ في الْقِيَامَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:
نَطْمِسَ وُجُوهاً أَيْ: نَتْرُكَهُمْ فِي الضَّلَالَةِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ طَمْسَ وَجْهِ الْقَلْبِ، وَالرَّدَّ عَنْ بَصَائِرِ الْهُدَى عَلَى أَدْبَارِهَا فِي الْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ، وَأَصْلُ الطَّمْسِ: الْمَحْوُ وَالْإِفْسَادُ وَالتَّحْوِيلُ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: نَمْحُو آثَارَهُمْ من وجوههم ونواصيهم الَّتِي هُمْ بِهَا فَنَرُدُّهَا عَلَى أدبارها حتى يعودوا إلى حيث جاؤوا منه وَهُوَ الشَّامُ، وَقَالَ: قَدْ مَضَى ذَلِكَ وَتَأَوَّلَهُ فِي إِجْلَاءِ بَنِي النضير إلى أذرعات وأريحا من [أرض] [٤] الشَّامِ أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ، فَنَجْعَلَهُمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا.
[سورة النساء (٤) : آية ٤٨]
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى إِثْماً عَظِيماً (٤٨)
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ:
ع ٦٣»
قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ وَأَصْحَابِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ حَمْزَةَ كَانَ قَدْ جُعِلَ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ أَنْ يُعْتَقَ فَلَمْ يُوَفَّ لَهُ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ نَدِمَ عَلَى صَنِيعِهِ هُوَ وَأَصْحَابُهُ فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّا قَدْ نَدِمْنَا عَلَى الَّذِي صَنَعْنَا وَأَنَّهُ لَيْسَ يَمْنَعُنَا عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنَّا سَمِعْنَاكَ تَقُولُ وَأَنْتَ بِمَكَّةَ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ [الفرقان: ٦٨]، الآيات وَقَدْ دَعَوْنَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَقَتَلْنَا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ وَزَنَيْنَا، فَلَوْلَا هَذِهِ الْآيَاتُ لَاتَّبَعْنَاكَ، فَنَزَلَتْ: إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً... [الفرقان: ٧٠- ٧١] الآيتين، فَبَعَثَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ فَلَمَّا قرؤوا كَتَبُوا إِلَيْهِ: إِنَّ هَذَا شَرْطٌ شَدِيدٌ نَخَافُ أَنْ لَا نَعْمَلَ [عَمَلًا] [٥] صَالِحًا، فَنَزَلَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ فَبَعَثُوا إِلَيْهِ: إِنَّا نَخَافُ أَنْ لَا نَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْمَشِيئَةِ فَنَزَلَتْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا
٦٣٢- ع لم أره مسندا. وفي الصحيح أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ أسلم لما قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم وليس فيه هذا الخبر. انظر «صحيح البخاري» رقم (٣٩١١- حديث أنس بن مالك، وراجع أيضا «الإصابة في تمييز الصحابة» (٢/ ٣٢٠ (٤٧٢٥)).
٦٣٣- ع نسبه المصنف الكلبي من قوله، وإسناده إليه أول الكتاب، والكلبي واسمه محمد بن السائب كذاب متروك، والباطل في حديثه هذا ذكر نزول هذه الآية فيه فإن سورة النساء نزلت قبل إسلام وحشي بسنوات وخبر إسلام وحشي ورد بغير هذا السياق، ويأتي في «سورة الفرقان» إن شاء الله.
(١) في المطبوع «كالقفا».
(٢) في المطبوع «قهقرى».
(٣) خبر إسلام «كعب الأحبار» أخرجه الطبري ٩٧٣٠ عن عيسى ابن المغيرة قال: تذاكرنا عند إبراهيم إسلام كعب فقال:
أسلم كعب في زمان عمر.... فذكره.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) زيادة عن المخطوط وط.
642
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ [الزَّمْرِ: ٥٣]، فَبَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ فَدَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ وَرَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ لِوَحْشِيٍّ: «أَخْبَرْنِي كَيْفَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ؟» فَلَمَّا أَخْبَرَهُ قَالَ: «وَيْحَكَ غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّي»، فَلَحِقَ وَحْشَيٌّ بِالشَّامِ فَكَانَ بِهَا إِلَى أَنْ مات.
ع «٦٣٤» وقال مخبر عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا نَزَلَتْ: قُلْ يَا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ [الزمر:
٥٣]، الْآيَةَ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَالشِّرْكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَنَزَلَتْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.
وَقَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كُنَّا عَلَى عَهْدِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ عَلَى كَبِيرَةٍ شَهِدْنَا أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فَأَمْسَكْنَا عَنِ الشَّهَادَاتِ. حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله عنه أن أرجى آية في القرآن قوله: وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ.
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرى، اخْتَلَقَ، إِثْماً عَظِيماً:
«٦٣٥» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَخْبَرَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ:
أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْمُوجِبَتَانِ؟ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخْلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ مَاتَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخْلَ النَّارَ».
«٦٣٦» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بن إسماعيل
٦٣٤- ع ضعيف. أخرجه الطبري ٩٧٣٥ و٩٧٣٦ من طريقين عن ابن أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عن الربيع قال: أخبرني مخبر، عن ابن عمر... فذكره، وإسناده ضعيف، وله علتان: جهالة المخبر للربيع بن أنس، فهذه علة، والثانية:
ضعف أبي جعفر الرازي واسمه عيسى بن أبي عيسى.
٦٣٥- صحيح، محمد بن حماد هو الطّهراني، ثقة حافظ، وقد توبع ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن خازم، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو سفيان هو طلحة بن نافع.
- وهو في «شرح السنة» (٥٠) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٩٣ وأبو عوانة ١/ ١٧- ١٨ من طريق أبي معاوية به.
- وأخرجه أبو يعلى ٢٢٧٨ من طريق الأعمش به.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٢٤٥ من طريق ابن المبارك، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المزني، عن جابر به.
- وأخرجه مسلم ٩٣ ح ١٥٢ من طريق أبي الزبير، عن جابر به.
٦٣٦- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو معمر هو المنقري، اسمه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أبي الحجاج، عبد الوارث هو ابن سعيد بن ذكوان، حسين المعلم هو ابن ذكوان، أبو الأسود الدّيلمي، ويقال الدّؤلي اسمه ظالم بن عمرو.
- وهو في «شرح السنة» (٥١) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٥٨٢٧) عن أبي معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٩٤ ح ١٥٤ وأحمد ٥/ ١٦٦ وأبو عوانة ١/ ١٩ وابن مندة في «الإيمان» (٨٧). من طرق عن حسين المعلم به.
- أخرجه البخاري ٢٣٨٨ و٣٢٢٢ و٦٢٦٨ و٦٤٤٤ ومسلم ٩٤ ح ٣٣ والترمذي ٢٦٤٤ والنسائي في «اليوم والليلة» (١١١٨ و١١١٩ و١١٢٢) والطيالسي ٤٤٤ وأحمد ٥/ ١٥٢ وابن حبان ١٦٩ و١٧٠ و١٩٥ وابن مندة ٨٣ و٨٤ و٨٥ و٨٦ وأبو عوانة ١/ ١٩ من طرق زيد بن وهب عن أبي ذر. مطوّلا، ومختصرا. [.....]
643
أَخْبَرَنَا أَبُو مَعْمَرٍ أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عن حسين يَعْنِي الْمُعَلِّمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا الْأَسْوَدِ الديلي حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ حَدَّثَهُ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَبْيَضُ وَهُوَ نَائِمٌ ثُمَّ أَتَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ، فَقَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ:
وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ إِذَا حَدَّثَ بِهَذَا قَالَ: وَإِنْ رغم أنف أبي ذر.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٤٩ الى ٥٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ الْآيَةَ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي رِجَالٍ مِنَ اليهود منهم بحري بن عمر ونعمان بْنُ أَوْفَى وَمَرْحَبُ بْنُ زَيْدٍ، أَتَوْا بِأَطْفَالِهِمْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ هَلْ عَلَى هَؤُلَاءِ مِنْ ذنب؟ فقال: لا، قالوا: وما نَحْنُ إِلَّا كَهَيْئَتِهِمْ، مَا عَمِلْنَا بِالنَّهَارِ يُكَفَّرُ عَنَّا بِاللَّيْلِ، وَمَا عَمِلْنَا بِاللَّيْلِ يُكَفَّرُ عَنَّا بِالنَّهَارِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ [١] الْآيَةَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ أَطْفَالَهُمْ فِي الصَّلَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ لَا ذُنُوبَ لَهُمْ فَتِلْكَ التَّزْكِيَةُ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ قالوا نحن أنصار اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هُوَ تَزْكِيَةُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
رَوى [٢] طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَغْدُوَ مِنْ بَيْتِهِ وَمَعَهُ دِينُهُ فَيَأْتِي الرَّجُلَ لَا يَمْلِكُ لَهُ وَلَا لِنَفْسِهِ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا فَيَقُولُ: وَاللَّهِ إِنَّكَ كَيْتَ وَكَيْتَ!! وَيَرْجِعُ إِلَى بَيْتِهِ وَمَا مَعَهُ مِنْ دِينِهِ شَيْءٌ، ثُمَّ قَرَأَ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي أَيْ: يُطَهِّرُ وَيُبَرِّئُ مِنَ الذُّنُوبِ وَيُصْلِحُ، مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا وَهُوَ اسْمٌ لِمَا فِي شَقِّ النَّوَاةِ، وَالْقِطْمِيرُ اسْمٌ لِلْقِشْرَةِ الَّتِي عَلَى النَّوَاةِ، وَالنَّقِيرُ: اسْمٌ لِلنُّقْطَةِ [٣] الَّتِي عَلَى ظَهْرِ النَّوَاةِ، وَقِيلَ: الْفَتِيلُ مِنَ الْفَتْلِ وَهُوَ مَا يحصل [٤] بَيْنَ الْأُصْبُعَيْنِ مِنَ الْوَسَخِ عِنْدَ الفتل.
قَوْلُهُ تَعَالَى: انْظُرْ، يَا مُحَمَّدُ، كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ، يَخْتَلِقُونَ عَلَى اللَّهِ، الْكَذِبَ، فِي تَغْيِيرِهِمْ كتابه، وَكَفى بِهِ [أي] [٥] بالكذب إِثْماً مُبِيناً.
(١) هذا الخبر ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣١٩) عن الكلبي بلا سند، والكلبي متهم بالكذب.
وعزاه الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٢٠) للثعلبي عن الكلبي. فالخبر واه بمرة.
(٢) زيد في المطبوع «عن».
(٣) في المطبوع «للنقرة».
(٤) في المطبوع «يجعل».
(٥) زيادة عن المخطوط.

[سورة النساء (٤) : آية ٥١]

أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، اخْتَلَفُوا فِيهِمَا فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُمَا صَنَمَانِ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَهُمَا مِنْ دُونِ اللَّهِ [عز وجل] [١]، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: هُمَا كَلُّ مَعْبُودٍ يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [٢] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل: ٣٦]، قال عُمَرُ: الْجِبْتُ: السِّحْرُ، وَالطَّاغُوتُ: الشَّيْطَانُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ. وَقِيلَ: الْجِبْتُ: الْأَوْثَانُ، وَالطَّاغُوتُ: شَيَاطِينُ الْأَوْثَانِ فكل صَنَمٍ شَيْطَانٌ، يُعَبِّرُ عَنْهُ، فَيَغْتَرُّ بِهِ النَّاسُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ: الْجِبْتُ: الْكَاهِنُ، وَالطَّاغُوتُ: السَّاحِرُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو الْعَالِيَةِ: الْجِبْتُ: السَّاحِرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ، [وَالطَّاغُوتُ: الْكَاهِنُ. وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: الْجِبْتُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ] :[٣] شَيْطَانٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْجِبْتُ: حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، وَالطَّاغُوتُ: كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ [النِّسَاءِ: ٦٠].
«٦٣٧» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بِشْرَانَ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَوْفٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ حَيَّانَ عَنْ قَطَنِ بْنِ قَبِيصَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْعِيَافَةُ وَالطَّرْقُ وَالطِّيرَةُ مِنَ الْجِبْتِ» [٤].
وَقِيلَ: الْجِبْتُ كُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، وَالطَّاغُوتُ كُلُّ مَا يُطْغِي الْإِنْسَانَ. وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا ع «٦٣٨» قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: خَرَجَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا مِنَ الْيَهُودِ إِلَى مَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ أُحُدٍ لِيُحَالِفُوا قُرَيْشًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَنْقُضُوا الْعَهْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَ كَعْبٌ عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَأَحْسَنَ مَثْوَاهُ، وَنَزَلَتِ الْيَهُودُ فِي دُورِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ أَهْلُ مَكَّةَ: إِنَّكُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَمُحَمَّدٌ صَاحِبُ كِتَابٍ وَلَا نَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَكْرًا مِنْكُمْ فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ نَخْرُجَ مَعَكُمْ فَاسْجُدُوا لِهَذَيْنَ الصَّنَمَيْنِ وَآمِنُوا بِهِمَا ففعلوا ذلك،
٦٣٧- إسناده لين، مداره على حيان بن مخارق أبي العلاء، وهو مقبول، وباقي رجال الإسناد ثقات، معمر هو ابن راشد، عوف هو ابن أبي جميلة، واسم أبي جميلة: بندويه، قبيصة والد قطن هو ابن مخارق..
- وهو في «شرح السنة» (٣١٤٩) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (١٩٥٠٢) عن عوف العبدي بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود ٣٩٠٧ والنسائي في «الكبرى» (١١١٠٨) وابن سعد في «الطبقات» (٧/ ٣٥) وأحمد ٣/ ٤٧٧ والطحاوي ٤/ ٣١٢ وابن حبان ٦١٣١ والدولابي في «الكنى» (١/ ٨٦) والطبراني ١٨/ ٩٤١ و٩٤٢ و٩٤٣ و٩٤٥ وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» (٢/ ١٥٨) والخطيب في «تاريخ بغداد» (١٠/ ٤٢٥) والبيهقي ٨/ ١٣٩ والمزي في «تهذيب الكمال» (٧/ ٤٧٥- ٤٧٦) من طرق عوف بهذا الإسناد.
٦٣٨- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٢١) نقلا عن المفسرين بدون إسناد، وأخرجه الطبري ٩٧٩١ عن ابن عباس مختصرا.
- وورد بنحوه عن عكرمة أخرجه الواحدي ٣٢٠ والطبري ٩٧٩٤ وعن السدي مرسلا أخرجه الطبري ٩٧٩٥ بنحوه، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها، وإن لم تتحد ألفاظها والله أعلم.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة من المخطوط.
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) العيافة: زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرّها.
الطرق: الضرب بالحصى، وهو ضرب من التكهن.
الجبت: كُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ الله، وقيل: هي كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك. كما في «اللسان».
فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ ثُمَّ قَالَ كَعْبٌ لِأَهْلِ مَكَّةَ: لِيَجِيءْ مِنْكُمْ ثَلَاثُونَ وَمِنَّا ثَلَاثُونَ فَنُلْزِقُ أَكْبَادَنَا بِالْكَعْبَةِ فَنُعَاهِدُ رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ لَنَجْهَدَنَّ عَلَى قِتَالِ مُحَمَّدٍ فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ لِكَعْبٍ: إِنَّكَ امْرُؤٌ تَقْرَأُ الْكِتَابَ وَتَعْلَمُ وَنَحْنُ أُمِّيُّونَ لا نعلم، فأينا أهدى طريقا [١]، نحن أم محمد؟ فقال كَعْبٌ: اعْرِضُوا عَلَيَّ دِينَكُمْ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: نَحْنُ نَنْحَرُ لِلْحَجِيجِ الْكَوْمَاءَ وَنَسْقِيهِمُ الْمَاءَ وَنَقْرِيِ الضَّيْفَ وَنَفُكُّ الْعَانِي وَنَصِلُ الرَّحِمَ وَنُعَمِّرُ بَيْتَ رَبِّنَا وَنَطُوفُ بِهِ وَنَحْنُ أَهْلُ الْحَرَمِ. وَمُحَمَّدٌ فَارَقَ دِينَ آبَائِهِ وَقَطَعَ الرَّحِمَ وَفَارَقَ الْحَرَمَ، وَدِينُنَا الْقَدِيمُ وَدِينُ مُحَمَّدٍ الْحَدِيثُ، فَقَالَ كَعْبٌ: أَنْتُمْ وَاللَّهِ أَهْدَى سبيلا مما عليه محمد وأصحابه، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ، يَعْنِي: كَعْبًا وَأَصْحَابَهُ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، يَعْنِي: الصَّنَمَيْنِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا: أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَبِيلًا دينا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٢ الى ٥٦]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦)
أَمْ لَهُمْ يَعْنِي: ألَهُمْ وَالْمِيمُ صِلَةٌ نَصِيبٌ حَظٌّ مِنَ الْمُلْكِ وَهَذَا عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ، يَعْنِي:
لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الْمُلْكِ [٢] شَيْءٌ، وَلَوْ كَانَ لَهُمْ مِنَ الْمُلْكِ شَيْءٌ، فَإِذاً لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً، لِحَسَدِهِمْ وَبُخْلِهِمْ وَالنَّقِيرُ: النُّقْطَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ وَمِنْهَا تَنْبُتُ النَّخْلَةُ، وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: هُوَ نَقْرُ الرَّجُلِ الشَّيْءَ بِطَرَفِ أُصْبُعِهِ كَمَا يَنْقُرُ الدِّرْهَمَ.
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ، يَعْنِي: الْيَهُودَ، يحسدون النَّاسَ، قَالَ قَتَادَةُ: الْمُرَادُ بِالنَّاسِ الْعَرَبُ حَسَدَهُمُ الْيَهُودُ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَمَا أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: أَرَادَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ: الْمُرَادُ بِالنَّاسِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، حَسَدُوهُ عَلَى مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُ مِنَ النِّسَاءِ، وَقَالُوا: مَا لَهُ هَمٌّ إِلَّا النِّكَاحُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: عَلى مَا آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ، وَقِيلَ: حَسَدُوهُ عَلَى النُّبُوَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنَ الْفَضْلِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ، فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ، أَرَادَ بِآلِ إِبْرَاهِيمَ: دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ، وَبِالْكِتَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [٣] وَبِالْحِكْمَةِ النُّبُوَّةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً فَمَنْ فَسَّرَ الْفَضْلَ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ فَسَّرَ الْمُلْكَ الْعَظِيمَ فِي حَقِّ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ بِكَثْرَةِ النِّسَاءِ، فَإِنَّهُ كَانَ لِسُلَيْمَانَ أَلْفُ امْرَأَةٍ ثَلَاثُمِائَةِ حُرَّةٍ وَسَبْعُمِائَةٍ سُرِّيَّةٍ، وَكَانَ لِدَاوُدَ مِائَةُ امْرَأَةٍ، وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم تِسْعُ نِسْوَةٍ، فَلَمَّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ سَكَتُوا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ، يَعْنِي: بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ وَأَصْحَابُهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، أَعْرَضَ عَنْهُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ، وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً، وَقُودًا، وَقِيلَ: الْمُلْكُ الْعَظِيمُ:
مُلْكُ سُلَيْمَانَ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ رَاجِعَةٌ إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَذَلِكَ
(١) في المطبوع «طريقة».
(٢) في المخطوط «الكتاب».
(٣) في المطبوع «إليهم». [.....]
646
أَنَّ إِبْرَاهِيمَ زَرَعَ ذَاتَ سَنَةٍ، وَزَرَعَ النَّاسُ فَهَلَكَ زَرْعُ النَّاسِ وَزَكَا زَرْعُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاحْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاسُ فَكَانَ يَقُولُ: مَنْ آمَنَ بِي أَعْطَيْتُهُ، فَمَنْ آمن منهم]
أعطاه، ومن لم يؤمن منعه.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا، نُدْخِلُهُمْ نَارًا، كُلَّما نَضِجَتْ، احْتَرَقَتْ، جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها، غَيْرَ الْجُلُودِ الْمُحْتَرِقَةِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله عنهما: يبدّلون جلودا بيضا كأمثال القراطيس.
ع «٦٣٩» وَرُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ قُرِئَتْ عِنْدَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ عُمْرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْقَارِئِ: أَعِدْهَا فَأَعَادَهَا، وَكَانَ عِنْدَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، فَقَالَ مُعَاذٌ: عندي تفسيرها «تبدّل في كل سَاعَةٍ مِائَةَ مَرَّةٍ»، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ الْحَسَنُ: تَأْكُلُهُمُ النَّارُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ أَلْفَ مَرَّةٍ كُلَّمَا أَكَلَتْهُمْ قِيلَ لَهُمْ:
عُودُوا فَيَعُودُونَ كَمَا كَانُوا.
«٦٤٠» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُعَاذُ بن أسد [٢] أَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى أَنَا الْفُضَيْلُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مَا بَيْنَ مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ.
«٦٤١» أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْقَاهِرِ أَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ أَنَا مسلم بن الحجاج أنا سريج بْنُ يُونُسَ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ هَارُونَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ضِرْسُ الْكَافِرِ أَوْ نَابُ الْكَافِرِ مِثْلُ أُحُدٍ، وَغِلَظُ جلده مسيرة ثلاثة أيام».
٦٣٩- ع واه بمرة. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٤٥١٤) وابن عدي في «الكامل» (٧/ ٥٠) من طريق نافع بن يوسف السلمي، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ به.
وذكره ابن كثير في «التفسير» (١/ ٥٢٦- ٥٢٧) ونسبه لابن أبي حاتم وابن مردويه وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٦ (١٠٩٣٣) : وفيه نافع مولى يوسف السلمي، وهو متروك اهـ. وكذا ضعفه الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٢٢) والصواب أنه من كلام كعب الأحبار.
٦٤٠- إسناده صحيح على شرط البخاري، معاذ بن أسد روى له البخاري دون مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، فضيل هو ابن غزوان الكوفي، أبو حازم هو سلمة بن دينار.
وهو في «شرح السنة» (٤٣١) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٥٥١) عن معاذ بن أسد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨٥٢ والبيهقي في «البعث والنشور» (٦١٨ و٦١٩) من طريق الفضيل به.
٦٤١- إسناده على شرط مسلم، هارون بن سعد هو العجلي.
- خرجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (٢٨٥١) عن سريج بن يونس بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان ٧٤٨٧ والبيهقي في «البعث» (٥٦٥) من طرق، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ به.
وأخرجه الترمذي ٢٥٧٩ من طريق فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِي حازم به.
(١) في المطبوع «به».
(٢) في الأصل «أسيد» والتصويب عن «شرح السنة» و «صحيح البخاري» وكتب التراجم.
647
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ تُعَذَّبُ جُلُودٌ لَمْ تَكُنْ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ تَعْصِهِ؟ قِيلَ يُعَادُ الْجِلْدُ الْأَوَّلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ: جُلُوداً غَيْرَها لِتَبَدُّلِ [١] صِفَتِهَا، كَمَا تَقُولُ: صَنَعْتُ مِنْ خَاتَمِي خَاتَمًا غَيْرَهُ، فَالْخَاتَمُ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ إِلَّا أَنَّ الصِّنَاعَةَ وَالصِّفَةَ تَبَدَّلَتْ، وَكَمَنَ يَتْرُكُ أَخَاهُ صَحِيحًا ثُمَّ بَعُدَ مَرَّةً يَرَاهُ مَرِيضًا دَنَفًا فَيَقُولُ: أَنَا غَيْرُ الَّذِي عَهِدْتَ، وَهُوَ عَيْنُ الْأَوَّلِ، إِلَّا أَنَّ صِفَتَهُ تَغَيَّرَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: يُبَدَّلُ الْجِلْدُ جِلْدًا غَيْرَهُ مِنْ لَحْمِ الْكَافِرِ ثُمَّ يُعِيدُ [٢] الْجِلْدَ لَحْمًا ثُمَّ يُخْرِجُ مِنَ اللَّحْمِ جِلْدًا آخَرَ. وَقِيلَ: يُعَذَّبُ الشَّخْصُ فِي الْجِلْدِ لَا الْجِلْدُ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ قَالَ: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ وَلَمْ يَقُلْ: لِتَذُوقَ وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُلْبِسُ أَهْلَ النَّارِ جُلُودًا لَا تألم، فتكون زِيَادَةَ عَذَابٍ عَلَيْهِمْ، كُلَّمَا احْتَرَقَ جِلْدٌ بَدَّلَهُمْ جِلْدًا غَيْرَهُ، كَمَا قَالَ:
سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ [إِبْرَاهِيمَ: ٥٠] فَالسَّرَابِيلُ تُؤْلِمُهُمْ وَهِيَ لَا تَأْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧) إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨)
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (٥٧)، كَنِينًا لَا تَنْسَخُهُ الشَّمْسُ وَلَا يُؤْذِيهِمْ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها:
ع «٦٤٢» نَزَلَتْ فِي عُثْمَانَ بْنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَ سَادِنَ الْكَعْبَةِ، فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ أَغْلَقَ عُثْمَانُ بَابَ الْبَيْتِ وَصَعَدَ السَّطْحَ فَطَلَبَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِفْتَاحَ، فَقِيلَ: إِنَّهُ مَعَ عُثْمَانَ فَطَلَبَهُ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ فَأَبَى، وَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رسول الله لم أمنع المفتاح فلوى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ [٣] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَدَهُ فَأَخَذَ مِنْهُ الْمِفْتَاحَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ وَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا خَرَجَ سَأَلَهُ الْعَبَّاسُ الْمِفْتَاحَ أَنَّ يُعْطِيَهُ وَيَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ السِّقَايَةِ وَالسِّدَانَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرُدَّ الْمِفْتَاحَ إِلَى عُثْمَانَ وَيَعْتَذِرَ إِلَيْهِ، فَفَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَكْرَهْتَ وَآذَيْتَ ثُمَّ جِئْتَ تَرْفُقَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَأْنِكَ قُرْآنًا، وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْآيَةَ، فَقَالَ عُثْمَانِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَكَانَ الْمِفْتَاحُ مَعَهُ فَلَمَّا مَاتَ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ شَيْبَةَ، فَالْمِفْتَاحُ وَالسِّدَانَةُ فِي أَوْلَادِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ جَمِيعَ الأمانات.
٦٤٢- ع ذكر الواحدي في «الوسيط» (٢/ ٦٩- ٧٠) وفي «الأسباب» (٣٢٣) بتمامه، وبدون إسناد.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٢٣) : ذكره الثعلبي ثم البغوي بغير إسناد، وكذا ذكره الواحدي في «الوسيط» و «الأسباب» بدون إسناد. وخبر إعطاء المفتاح لعثمان ورد من وجوه، والوهن في هذا الخبر بذكر نزول الآية.
(١) في المطبوع «لتبديل».
(٢) في المطبوع «يساد» ولعله «يعاد».
(٣) زيادة عن المخطوط.
648
«٦٤٣» أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الزَّرَّادُ [١] أَنَا أَبُو بَكْرٍ محمد بن إدريس الجرجرائي [٢] وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أحمد المعلم الهروي قالا: أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عِيسَى الْمَالِينِيُّ [٣] أَنَا الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ النَّسَوِيُّ أَنَا شَيَّبَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو هِلَالٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عنه قال: قلما [٤] خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [إلّا] [٥] قَالَ: «أَلَّا لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ، أَيْ: بِالْقِسْطِ، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا أَيْ نِعْمَ الشَّيْءُ الَّذِي يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً.
«٦٤٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَمْعَانَ أَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ الرَّيَانِيُّ [٦] أَنَا حُمَيْدُ بن زنجويه أنا ابن عباد [أَنَا] [٧] ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
٦٤٣- حديث حسن بطرقه، إسناده لين لأجل أبي هلال الراسبي واسمه محمد بن سليم، فإنه صدوق لين الحديث، لكن توبع، وشيبان بن أبي شيبة وثقه ابن حبان وحده، وقد توبع أيضا، وباقي رجال الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» (٣٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» (١١/ ١١) وفي «الإيمان» (٧) وأحمد ٣/ ٣٥ و١٥٤ و٢١٠ والبزار ١٠٠ وابن حبان ١٩٤ والقضاعي في «الشهاب» (٨٤٩ و٨٥٠) والطبراني في «الأوسط» (٢٦٢٧ و٥٩١٩) والبيهقي ٦/ ٢٨٨ و٩/ ٢٣١ من طرق عن أبي هلال الراسبي بهذا الإسناد.
وذكره الهيثمي في «المجمع» (١/ ٩٦) وقال: وفيه أبو هلال وثقه ابن معين وغيره، وضعفه النسائي وغيره اهـ.
وقال المصنف في «شرح السنة» : هذا حديث حسن اهـ.
- وورد من طرق أخرى:
فقد أخرجه ابن حبان ١٩٤ من طريق المؤمل بن إسماعيل. عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابت، عن أنس به. والمؤمل صدوق سيئ الحفظ.
وأخرجه أحمد ٣/ ٢٥١ والقضاعي من طريق المغيرة بن زياد الثقفي، عن أنس به. والمغيرة مجهول.
- وأخرجه البيهقي ٤/ ٩٧ من طريق عمرو بن الحارث، عن ابن أبي حبيب، عن سنان بن سعد الكندي، عن أنس به، وسنان بن سعد ضعفه الجمهور.
٦٤٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، ابن عباد واسمه محمد هو المكي، ابن عيينة هو سفيان.
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٦٤) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٨٢٧ والنسائي ٨/ ٢٢١ والحميدي ٥٨٨ وأحمد ٢/ ١٦٠ وابن حبان ٤٤٨٤ و٤٤٨٥ والآجري في «الشريعة» ص (٣٢٢) والبيهقي في «السنن» (١٠/ ٨٧- ٨٨) وفي «الأسماء والصفات» ص (٣٢٤) من طرق، عن سفيان به.
وأخرجه النسائي في «الكبرى» (٥٩١٧) وأحمد ٢/ ١٥٩ و٢٠٣ والحاكم ٤/ ٨٨ من طريق معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «المقسطون في الدنيا على منابر من لؤلؤ يوم القيامة بين يدي الرحمن عز وجل بما أقسطوا في الدنيا».
(١) في الأصل «الزاد» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٢) في الأصل «الجرجاني» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٣) في الأصل «المساليني» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط». [.....]
(٤) تصحف في المطبوع «فلما» وهو في المخطوط «قل ما».
(٥) سقط من المطبوع وط.
(٦) في الأصل «الزياتي» والتصويب عن «شرح السنة» و «الأنساب».
(٧) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
649
أَوْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُقْسِطُونَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، هُمُ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا».
«٦٤٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي شُرَيْحٍ أَنَا [أَبُو] [١] الْقَاسِمِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْبَغَوِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَنَا فُضَيْلٌ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ، وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يوم القيامة وأشدّهم عذابا إمام جائر».
[سورة النساء (٤) : آية ٥٩]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، اختلفوا في وَأُولِي الْأَمْرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: هُمُ الْفُقَهَاءُ وَالْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ مَعَالِمَ دِينِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَالضَّحَّاكِ وَمُجَاهِدٍ، وَدَلِيلُهُ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النِّسَاءِ: ٨٣] وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هُمُ الْأُمَرَاءُ وَالْوُلَاةُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: حَقٌّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَيُؤَدِّيَ الْأَمَانَةَ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَحَقٌّ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ يَسْمَعُوا وَيُطِيعُوا [٢].
«٦٤٦» أَخْبَرَنَا أَبُو عَلِيٍّ حَسَّانُ بْنُ سَعْدٍ الْمَنِيعِيُّ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ [مُحَمَّدِ بْنِ] [٣] مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْقَطَّانُ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ السُّلَمِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال:
٦٤٥- إسناده ضعيف لضعف عطية العوفي وهو ابن سعد. وباقي رجال الإسناد ثقات.
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٦٦) بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ١٣٤٤ وأحمد ٣/ ٢٢ و٥٥ والقضاعي في «مسند الشهاب» (١٣٠٥) من طريق فضيل بن مرزوق بهذا الإسناد.
٦٤٦- إسناده صحيح، أحمد بن يوسف روى له مسلم، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد، عبد الرزاق هو ابن همام.
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٤٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٨٣٥ وأحمد ٢/ ٣١٣ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٧١٣٧ ومسلم ١٨٣٥ ح ٣٣ والنسائي ٧/ ١٥٤ وعبد الرزاق في «المصنف» (٢٠٦٧٩) وفي «التفسير» (٦٠٩) وأحمد ٢/ ٢٧٠ و٥١١ والبيهقي ٨/ ١٥٥ من طرق، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هريرة به.
- وأخرجه البخاري ٢٩٥٧ ومسلم ١٨٣٥ ح ٣٢ وابن أبي شيبة ١٢/ ٢١٢ وابن حبان ٤٥٥٦ وأحمد ٢/ ٤٢٢ والبغوي ٢٤٧١ من طرق عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عن أبي هريرة به.
- وأخرجه ابن ماجه ٣ و٢٨٥٩ وابن أبي شيبة ١٢ ٢١٢ وأحمد ٢/ ٢٥٢ و٤/ ١٧١ والبغوي ٢٤٤٤ من طرق عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن أبي هريرة به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «ويطيعوه».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
650
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي».
«٦٤٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
عَنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ».
«٦٤٨» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ] [١] مُحَمَّدٍ الدَّاوُدِيُّ [٢] أَنَا أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُوسَى بْنِ الصَّلْتِ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ والطاعة في العسر واليسر وَالْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ، وَعَلَى أَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَعَلَى أَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.
«٦٤٩» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ الْقَفَّالُ أَنَا أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ الفضل البروجردي
٦٤٧- إسناده على شرط البخاري، مسدد هو ابن مسرهد، يحيى بن سعيد هو القطان، عبيد الله هو ابن عبد الله بن عمر، نافع هو مولى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
- وَهُوَ في «شرح السنة» (٢٤٤٧) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٧١٤٤) عن مسدد بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٢٦٢٦ عن مسدد عن يحيى بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٩٥٥ ومسلم ١٨٣٩ والترمذي ١٨٣٩ والنسائي ٧/ ١٦٠ وابن ماجه ٢٨٦٤ وأحمد ٢/ ١٧ و١٤٢ من طرق عن عبيد الله بهذا الإسناد.
٦٤٨- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، يحيى بن سعيد هو الأنصاري.
- وهو في «شرح السنة» (٢٤٥٠) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٤٤٥- ٤٤٦) من يحيى بن سعيد بهذا الإسناد. ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٧١٩٩ و٧٢٠٠ والنسائي ٧/ ١٣٨ وابن حبان ٤٥٤٧ والبيهقي ٨/ ١٤٥.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٣١٦ والبيهقي ٨/ ١٤٥ من طريق عبادة بن الوليد، عن أبيه، عن جده.
- وأخرجه البخاري ٧٠٥٥- ٧٠٥٦ ومسلم ١٨٤٠ ح ٤٢. وأحمد ٥/ ٣٢١ والبيهقي ٨/ ١٤٥ من طريق جنادة بن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل.
(٢) في الأصل «الراودي» والتصويب عن «الأنساب» وعن «ط».
٦٤٩- حديث صحيح، إسناده ضعيف لضعف محمد بن يونس الكديمي، لكن توبع، ومن فوقه رجال مسلم، الطيالسي هو سليمان بن داود، شعبة هو ابن الحجاج، أبو التياح هو يزيد بن حميد الضبعي.
- خرجه المصنف من طريق أبي داود الطيالسي، وهو في «مسنده» (٢٠٨٧) عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٩٦ وأحمد ٣/ ١٧١ وأبو يعلى ٤١٧٦ من طرق عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٦٩٣ و٧١٤٢ وابن ماجه ٢٨٦٠ وأحمد ٣/ ١١٤ من طريق يحيى بن سعيد، عن شعبة بهذا الإسناد.
- وفي الباب من حديث عبادة بن الصامت، عن أبي ذر أخرجه مسلم ١٨٣٧ وابن ماجه ٢٨٦٢ والطيالسي ٤٥٢ والبيهقي ٣/ ٨٨ و٨/ ١٥٥. [.....]
651
أَنَا [أَبُو أَحْمَدَ بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْدَانَ] [١] الصَّيْرَفِيُّ أَنَا محمد بن يونس الْكُدَيْمِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو دَاوُدَ الطيالسي حدثنا شُعْبَةَ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ:
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِأَبِي ذَرٍّ: «اسْمَعْ وَأَطِعْ وَلَوْ لِعَبْدٍ حَبَشِيٍّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ».
«٦٥٠» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ [٢] مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكِنْدِيُّ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ: «اتَّقُوا اللَّهَ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ [٣] وَصُومُوا شَهْرَكُمْ وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكِمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ».
وَقِيلَ: الْمُرَادُ أُمَرَاءُ السَّرَايَا:
«٦٥١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَا حَجَّاجُ بن محمد [أنا ابن جريج] [٤] عَنْ يَعْلَى بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عباس في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ، قَالَ: نَزَلَتْ فِي عبد اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِّيَّةٍ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَرَادَ بِأُولِي الْأَمْرِ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
«٦٥٢» حَدَّثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ محمد بن أحمد التميمي [٥] أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ [بْنُ] [٦] عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ أَخْبَرَنَا
٦٥٠- إسناده صحيح، رجاله رجال مسلم غير موسى بن عبد الرحمن شيخ الترمذي، وهو ثقة، وقد توبع هو ومن دونه.
- وهو في «شرح السنة» (١٠) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» (٦١٦) عن موسى الكندي بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٢٥١ والحاكم ١/ ٩ وابن حبان ٤٥٦٣ من طرق عن معاوية بن صالح به، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي، وهو كما قالا.
٦٥١- إسناده صحيح على شرط البخاري، صدقة بن الفضل تفرد عنه البخاري ومن فوقه رجال البخاري، ومسلم، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز. ابن أبي غرزة هو أحمد بن حازم بن محمد بن يونس بن قيس بن أبي غرزة.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٥٨٤) عن صدقة بن الفضل بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٨٣٤ وأبو داود ٢٦٢٤ والترمذي ١٦٧٢ والنسائي في «التفسير» (١٢٩) وأحمد ١/ ٣٣٧ وابن الجارود في «المنتقى» (١٠٤٠) والبيهقي في «الدلائل» (٤/ ٣١١) من طريق حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جريج بهذا الإسناد، وله قصة.
وانظر كلام الحافظ ابن حجر في «فتح الباري» (٨/ ٢٥٤) حول هذا الخبر.
(١) العبارة في المطبوع وط «أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ همدان».
(٢) في الأصل «أبو العباس أنا محمد» والتصويب عن «شرح السنة».
(٣) في الأصل «رحمكم» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٥) في الأصل «النهمي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط».
٦٥٢- عجزه صحيح، وهو بهذا اللفظ ضعيف جدا. إسناده ضعيف جدا لأجل ثابت بن موسى الزاهد، فإنه متروك الحديث، وقد كذبه ابن معين، وقد تفرد بهذا اللفظ، وقد صح عجزه من طريق أخرى.
652
خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ الأطرابلسي أنا [أبو] [١] عمرو بن أبي غرزة بِالْكُوفَةِ أَخْبَرَنَا ثَابِتُ بْنُ مُوسَى الْعَابِدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رَبْعِيٍّ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ] [٢] فَاقْتَدُوا بِاللَّذِينَ مِنْ بِعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ»، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
وَقَالَ عَطَاءٌ: هُمُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ [بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ] [٣] [التوبة: ١٠٠] الْآيَةَ.
«٦٥٣» أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي تَوْبَةَ أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَا محمد بن
- وهو في «شرح السنة» (٣٧٨٧) بهذا الإسناد. دون قوله: «إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فيكم....».
- وأخرجه الترمذي ٣٦٦٢ والحميدي ٤٤٩ والحاكم ٣/ ٧٥ (٤٤٥١ و٤٤٥٢ و٤٤٥٣) وأحمد ٥/ ٣٨٢ والطحاوي في «المشكل» (١٢٢٥ و١٢٢٦ و١٢٢٧ و١٢٢٨) والبغوي ٣٧٨٨ من طرق، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ بهذا الإسناد. دون صدره وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وقال الترمذي: هذا حديث حسن.
- وأخرجه ابن ماجه ٩٧ وأحمد ٥/ ٣٨٥ وابن سعد ٢/ ٣٣٤ والحاكم وابن أبي عاصم في «السنة» (١١٤٨) والفسوي في «المعرفة والتاريخ» (١/ ٤٨٠) (٣/ ٧٥) والطحاوي في «المشكل» (١٢٢٤) من طرق عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الملك بن عمير، عن مولى لربعي بن حراش، عن ربعي، عن حذيفة، دون صدره.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٤٠٢ وأبو نعيم في «الحلية» (٩/ ١٠٩) عن عبد الملك بن عمير، عن مولى لربعي بن حراش، عن حذيفة به، ومداره على عبد الملك بن عمير لكنه توبع فقد أخرجه الترمذي ٣٦٦٣ وابن سعد ٢/ ٣٣٤ وأحمد ٥/ ٣٩٩ وابن حبان ٦٩٠٢ والطحاوي في «المشكل» (١٢٣٣) من طرق عن هرم بن عمرو، عن ربعي، بن حراش، عن حذيفة به.
- وللحديث شواهد منها:
- حديث ابن مسعود أخرجه الترمذي ٣٨٠٥ والحاكم ٣/ ٧٥ وابن عدي ٧/ ١٩٦- ١٩٧ وفي إسناده يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو متروك كما في «التقريب» وقال الترمذي: لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن سلمة بن كهيل، وهو يضعف في الحديث اهـ.
وصحح إسناده الحاكم وتعقبه الذهبي بقوله: سنده واه.
وقال ابن عدي: وليحيى بن سلمة غير ما ذكرت، ومع ضعفه يكتب حديثه اهـ.
- وحديث أنس بن مالك أخرجه ابن عدي ١/ ٢٤٩ من طريق عمرو بن هرم قال: دخلت أنا وجابر بن زيد على أنس بن مالك فقال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.... فذكره وأعله ابن عدي بحماد بن دليل قال الحافظ فيه: صدوق نقموا عليه الرأي.
- وحديث ابن عمر أخرجه ابن عساكر ٩/ ٣٢٣/ ٢ وفي إسناده أحمد بن صليح وقال الذهبي في «الميزان» بعد أن ذكر حديث ابن عمر مع إسناده: وهذا غلط وأحمد لا يعتمد عليه اهـ.
٦٥٣- ضعيف. إسناده ضعيف لضعف إسماعيل بن مسلم المكي، والحسن مدلس، وقد عنعن.
- وهو في «شرح السنة» (٣٧٥٦) و «الأنوار في شمائل النبي المختار» (١٢٤٢) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق ابن المبارك، وهو في «الزهد» (٥٧٢) عن إسماعيل المكي بهذا الإسناد. ومن طريق ابن المبارك أخرجه القضاعي ١٣٤٧.
- وأخرجه أبو يعلى ٢٧٦٢ والبزار ٢٧٧١ من طريق إسماعيل المكي به. وذكره الهيثمي في «المجمع» (١٠/ ١٨
(١) زيادة عن كتب التراجم.
(٢) زيد في المطبوع وط.
(٣) زيد في المطبوع وط. [.....]
653
يعقوب الكسائي قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَحْمُودٍ أَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَلَّالُ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ الْمَكِّيُّ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ أَصْحَابِي فِي أُمَّتِي كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ لَا يَصْلَحُ الطَّعَامُ إِلَّا بِالْمِلْحِ» [قَالَ:] [١] قَالَ الْحَسَنُ: قَدْ ذَهَبَ مِلْحَنَا فَكَيْفَ نَصْلُحُ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ، أَيْ: اخْتَلَفْتُمْ، فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ، وَالتَّنَازُعُ: اخْتِلَافُ الْآرَاءِ وَأَصْلُهُ من النزع فكان المتنازعان يَتَجَاذَبَانِ وَيَتَمَانَعَانِ، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، أَيْ: إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وإلى رسوله مادام حَيًّا وَبَعْدَ وَفَاتِهِ إِلَى سُنَّتِهِ، والرَّدُّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَاجِبٌ إِنْ وُجِدَ فِيهِمَا، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَسَبِيلُهُ الِاجْتِهَادُ. وَقِيلَ: الرَّدُّ [إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالرَّسُولِ] [٢] أَنْ يَقُولَ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ، أَيْ: الرَّدُّ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ، خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا، أَيْ: أَحْسَنُ مَآلًا وعاقبة.
[سورة النساء (٤) : آية ٦٠]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ الآية:
ع «٦٥٤» قَالَ الشَّعْبِيُّ: كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ وَرَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ خُصُومَةٌ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: نَتَحَاكَمُ إِلَى مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ عَرَفَ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الرَّشْوَةَ وَلَا يَمِيلُ فِي الْحُكْمِ، وَقَالَ الْمُنَافِقُ: نَتَحَاكَمُ إِلَى الْيَهُودِ لِعِلْمِهِ أَنَّهُمْ يَأْخُذُونَ الرَّشْوَةَ وَيَمِيلُونَ فِي الْحُكْمِ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّ يَأْتِيَا كَاهِنًا فِي جُهَيْنَةَ فَيَتَحَاكَمَا إِلَيْهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَالَ جَابِرٌ: كَانَتِ الطَّوَاغِيتُ الَّتِي يتحاكمون إليها واحدا في جهينة وواحدا فِي أَسْلَمَ، وَفِي كُلِّ حَيٍّ واحد كهان.
ع «٦٥٥» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ [عَنِ] [٣] ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يُقَالُ لَهُ بشر، كان
(١٦٣٩٥) وقال: وفيه إسماعيل بن مسلم، وهو ضعيف اهـ. والراجح كونه من كلام الحسن البصري.
- وفي الباب من حديث سمرة «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم كان يقول لنا: إنكم توشكون أن تكونوا في الناس كالملح في الطعام، ولا يصلح الطعام إلا بالملح».
أخرجه الطبراني في «الكبير» (٧٠٩٨) والبزار ١٧٧٠ وإسناده ضعيف جدا مداره على جعفر بن سعد، وهو ضعيف، عن جذيب بن سليمان، عن سليمان بن سمرة، وكلاهما مجهول، ومع ذلك حسنه الهيثمي ١٠/ ١٨!.
٦٥٤- ع أخرجه الطبري ٩٨٩٦ و٩٨٩٧ و٩٨٩٨ من طريق داود عن عامر الشعبي مرسلا. وكذا الواحدي في «أسباب النزول» (٣٣٠)، والمرسل ضعيف عند أهل الحديث، لكن لأصله ما يعضده، وانظر ما بعده.
٦٥٥- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٣١) عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن ابن عباس بدون إسناد، والكلبي متروك متهم.
وكذا ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ٢٣٠) ونسبه للثعلبي من حديث ابن عباس.
(١) زيادة عن المخطوط وط و «شرح السنة».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
654
بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ خُصُومَةٌ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: نَنْطَلِقُ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَقَالَ الْمُنَافِقُ: بَلْ إِلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَهُوَ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ الطَّاغُوتَ، فَأَبَى الْيَهُودِيُّ أَنْ يُخَاصِمَهُ إِلَّا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، [فَلَمَّا رَأَى الْمُنَافِقُ ذَلِكَ أَتَى مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] [١] فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِيِّ، فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ لَزِمَهُ الْمُنَافِقُ وَقَالَ: انْطَلَقَ بِنَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَتَيَا عُمَرَ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: اخْتَصَمْتُ أَنَا وَهَذَا إِلَى مُحَمَّدٍ فَقَضَى لِي عَلَيْهِ فَلَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ مخاصم [٢] إِلَيْكَ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِلْمُنَافِقِ: أَكَذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لَهُمَا: رُوَيْدَكُمَا حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيْكُمَا فَدَخَلَ عُمَرُ الْبَيْتَ وَأَخَذَ السَّيْفَ وَاشْتَمَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ خَرَجَ فَضَرَبَ بِهِ الْمُنَافِقَ حَتَّى بَرُدَ، وَقَالَ: هَكَذَا أَقْضِي بَيْنَ [مَنْ] [٣] لَمْ يَرْضَ بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَضَاءِ رَسُولِهِ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ جِبْرِيلُ: إِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، فسمي الفاروق.
ع «٦٥٦» وَقَالَ السُّدِّيُّ: كَانَ نَاسٌ مِنَ الْيَهُودِ أَسْلَمُوا وَنَافَقَ بَعْضُهُمْ وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنْ بَنِي النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ أَوْ أُخِذَ دِيَتُهُ مِائَةَ وَسَقٍ مِنْ تَمْرٍ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ رَجُلًا من [بني] [٤] قُرَيْظَةَ لَمْ يُقْتَلْ بِهِ وَأَعْطَى دِيَتَهُ سِتِّينَ وَسْقًا، وَكَانَتِ النَّضِيرُ وَهُمْ حُلَفَاءُ الْأَوْسِ أَشْرَفَ وَأَكْثَرَ مِنْ قُرَيْظَةَ وَهْمُ حُلَفَاءُ الْخَزْرَجِ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَهَاجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فَاخْتَصَمُوا فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ بَنُو النَّضِيرِ: كُنَّا وَأَنْتُمْ قَدِ اصْطَلَحْنَا عَلَى أَنْ نَقْتُلَ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُونَ مِنَّا، وِدِيَتُكُمْ سِتُّونَ وَسْقًا وِدِيَتُنَا مِائَةُ وَسْقٍ، فَنَحْنُ نُعْطِيكُمْ ذَلِكَ، فقال الْخَزْرَجُ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُمْ فَعَلْتُمُوهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِكَثْرَتِكُمْ وَقِلَّتِنَا فَقَهَرْتُمُونَا، وَنَحْنُ وَأَنْتُمُ الْيَوْمَ إِخْوَةٌ وَدِينُنَا وَدِينُكُمْ وَاحِدٌ فَلَا فَضْلَ لَكُمْ عَلَيْنَا، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مِنْهُمْ: انْطَلَقُوا إِلَى أَبِي بُرْدَةَ الْكَاهِنِ الْأَسْلَمِيِّ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ: لَا بَلْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَبَى الْمُنَافِقُونَ وَانْطَلَقُوا إِلَى أَبِي بُرْدَةَ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، فقال: أعظموا اللقمة، يعني: الخطر، فَقَالُوا: لَكَ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ، قَالَ: لَا بَلْ مِائَةُ وَسَقٍ دِيَتِي، فَأَبَوْا أَنْ يُعْطُوهُ [فَوْقَ] [٥] عَشْرَةِ أَوْسُقٍ وَأَبَى أَنْ يُحَكِّمَ بَيْنَهُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى آيَةَ الْقَصَاصِ، وَهَذِهِ الْآيَةُ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ يعني إلى: أبي بردة الْكَاهِنَ أَوْ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ، وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ
- وأخرجه الطبري ٩٩٠٠ عن قتادة مرسلا بنحوه دون ذكر عجزه، أي دون ذكر عمر بن الخطاب وما قام به.
- وورد بنحوه عن عتبة بن ضمرة مرسلا كما في «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية وكذا ذكره السيوطي في «الدر» (٢/ ٣٢٢) عن عتبة بن ضمرة ونسبه للحافظ دحيم في «تفسيره».
- وأخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه عن طريق ابن لهيعة، عن أبي الأسود مرسلا كما في «الدر» (٢/ ٣٢٢)، وقال الحافظ ابن كثير ١/ ٥٣٣: وهذا مرسل غريب.
- وكذا أخرجه الحكيم الترمذي في «نوادر الأصول» عن مكحول مرسلا كما في «الدر» (٢/ ٣٢٣).
الخلاصة: أما ذكر جبريل وما قاله في عمر، فهو باطل من وضع الكلبي، وأما قتل عمر للمنافق، فهو ضعيف أيضا، وأما أصل التحاكم من غير ذكر عمر وما بعده، فله شواهد تعضده، راجع تفصيل ذلك في «أحكام القرآن» لابن العربي (٥١٥) بتخريجي.
٦٥٦- ع ضعيف أخرجه الطبري ٩٩٠١ عن السدي مرسلا فهو ضعيف وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٢٣٢ عن السدي بدون إسناد.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع وط «يخاصم» والمثبت عن المخطوط، و «أسباب النزول».
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) زيادة عن «أسباب النزول».
(٥) في المطبوع «إلا».
655
الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦١ الى ٦٢]
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢)
إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) أَيْ: يُعْرِضُونَ عَنْكَ إِعْرَاضًا.
فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، هَذَا وَعِيدٌ، أَيْ: فَكَيْفَ يَصْنَعُونَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، [بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، يَعْنِي: عُقُوبَةَ صُدُودِهِمْ، وَقِيلَ: هِيَ كُلُّ مُصِيبَةٍ] [١] تُصِيبُ جَمِيعَ الْمُنَافِقِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَتَمَّ الْكَلَامُ هَاهُنَا، ثُمَّ عَادَ الْكَلَامُ إِلَى مَا سَبَقَ، يُخْبِرُ عَنْ فِعْلِهِمْ فَقَالَ: ثُمَّ جاؤُكَ، يَعْنِي:
يَتَحَاكَمُونَ إِلَى الطَّاغُوتِ، ثُمَّ جاؤُكَ أي: [يحيونك و] [٢] يحلفون [لك] [٣]، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالْمُصِيبَةِ قَتْلَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْمُنَافِقَ، ثُمَّ جاؤوا يَطْلُبُونَ دِيَتَهُ، يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنا، مَا أَرَدْنَا بِالْعُدُولِ عَنْهُ فِي الْمُحَاكَمَةِ أَوْ بِالتَّرَافُعِ إِلَى عمر، إِلَّا إِحْساناً وَتَوْفِيقاً، وقال الْكَلْبِيُّ: إِلَّا إِحْسَانًا فِي الْقَوْلِ، وَتَوْفِيقًا:
صَوَابًا، وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: حقا وعدلا، نظيره: وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى [التوبة: ١٠٧]، وَقِيلَ:
هُوَ إِحْسَانُ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ، وَقِيلَ: هُوَ تَقْرِيبُ الْأَمْرِ مِنَ الْحَقِّ، لَا الْقَضَاءُ عَلَى أَمْرِ الْحَكَمِ، وَالتَّوْفِيقُ:
هُوَ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ، وَقِيلَ: هُوَ التَّأْلِيفُ وَالْجَمْعُ بين الخصمين.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٣ الى ٦٥]
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥)
أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، مِنَ النِّفَاقِ، أَيْ: عَلِمَ أَنَّ مَا فِي قُلُوبِهِمْ خِلَافَ مَا فِي أَلْسِنَتِهِمْ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، أَيْ: عَنْ عُقُوبَتِهِمْ [وَقِيلَ: فَأُعْرِضُ عَنْ قول عُذْرِهِمْ وَعِظْهُمْ بِاللِّسَانِ وَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا بَلِيغًا] [٤]. وَقِيلَ: هُوَ التَّخْوِيفُ بالله [عزّ وجلّ]، وقيل: أن يوعدهم بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَتُوبُوا، قَالَ الْحَسَنُ: الْقَوْلُ الْبَلِيغُ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ: إِنْ أَظْهَرْتُمْ مَا فِي قُلُوبِكُمْ مِنَ النِّفَاقِ قُتِلْتُمْ لِأَنَّهُ يبلغ في نُفُوسِهِمْ [٥] كُلَّ مَبْلَغٍ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ فِي الْمَلَإِ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغاً في السرّ والخلاء [٦]، وقيل هَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ، أَيْ: بِأَمْرِ اللَّهِ لِأَنَّ طَاعَةَ الرَّسُولِ وَجَبَتْ بِأَمْرِ اللَّهِ، قَالَ الزجاج: إلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَذِنَ فِيهِ وَأَمَرَ بِهِ، وَقِيلَ: إِلَّا لِيُطَاعَ كَلَامٌ تَامٌّ كَافٍ، بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْ: بِعِلْمِ اللَّهِ وَقَضَائِهِ، أَيْ: وُقُوعُ طَاعَتِهِ يَكُونُ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ
(١) زيد في المطبوع وط. [.....]
(٢) في المطبوع «يجيئونك» وفي نسخة «يجيئونك ويخافونك».
(٣) زياد عن المخطوط.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «من نفوسكم».
(٦) زيد في المطبوع «وقال».
656
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، بِتَحَاكُمِهِمْ [١] إِلَى الطَّاغُوتِ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ، الْآيَةَ.
«٦٥٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] [٢] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ:
أَنَّ الزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ خَاصَمَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شِرَاجٍ مِنَ الْحَرَّةِ كَانَا يَسْقِيَانِ بِهِ كِلَاهُمَا فَقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم لِلزُّبَيْرِ: «اسْقِ يَا زُبَيْرُ، ثُمَّ أَرْسِلْ إِلَى جَارِكَ».
فَغَضِبَ الْأَنْصَارِيُّ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ كَانَ ابْنَ عَمَّتِكَ؟ فَتَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ لِلزُّبَيْرِ:
«اسْقِ ثُمَّ احْبِسِ الْمَاءَ حَتَّى يَبْلُغَ [٣] الْجِدْرَ»، فَاسْتَوْعَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [قَبْلَ ذَلِكَ] أَشَارَ عَلَى الزُّبَيْرِ بِرَأْيٍ [٤]، أَرَادَ [بِهِ] [٥] سَعَةً لَهُ وَلِلْأَنْصَارِيِّ فَلَمَّا أَحْفَظَ الأَنْصَارِيُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْعَى لِلزُّبَيْرِ حَقَّهُ فِي صَرِيحِ الْحُكْمِ. قَالَ عُرْوَةُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: وَاللَّهِ مَا أَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ إِلَّا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ الآية.
ع «٦٥٨» وَرُوِيَ أَنَّ الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي خَاصَمَ الزُّبَيْرَ كَانَ اسْمُهُ حَاطِبَ بْنَ أبي بلتعة فلما خرجا مرّا عَلَى الْمِقْدَادِ فَقَالَ: لِمَنْ كَانَ الْقَضَاءُ، فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: قَضَى لِابْنِ عمته ولوى شدقيه فَفَطِنَ لَهُ يَهُودِيٌّ كَانَ مَعَ الْمِقْدَادِ، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ يَشْهَدُونَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَّهِمُونَهُ فِي قَضَاءٍ يَقْضِي بَيْنَهُمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ أَذْنَبْنَا ذَنْبًا مَرَّةً فِي حَيَاةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَعَا [٦] مُوسَى إِلَى التَّوْبَةِ مِنْهُ، فَقَالَ: اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَفَعَلْنَا فَبَلَغَ قَتْلَانَا سَبْعِينَ أَلْفًا فِي طَاعَةِ رَبِّنَا حَتَّى رَضِيَ عَنَّا، فَقَالَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لِيَعْلَمُ مِنِّي الصِّدْقَ وَلَوْ أَمَرَنِي مُحَمَّدٌ أَنْ أَقْتُلَ نَفْسِي لَفَعَلْتُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ: فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ، [الْآيَةَ] [٧].
٦٥٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، شعيب هو ابن دينار، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو في «شرح السنة» (٢١٨٧) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٧٠٨) عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٣٦١ و٤٥٨٥ وأحمد ١/ ١٦٥ والطبري ٩٩١٨ والبيهقي ٦/ ١٥٣- ١٥٤ من طرق، عن الزهري به.
- وأخرجه البخاري ٢٣٥٩ ومسلم ٢٣٥٧ وأبو داود ٣٦٣٧ والترمذي ١٣٦٣ والنسائي ٨/ ٢٤٥ وابن ماجه ١٥ و٢٤٨٠ وأحمد ٤/ ٤- ٥ وابن حبان ٢٤ وابن الجارود ١٠٢١ والطبري ٩٩١٧ والبيهقي ٦/ ١٥٣ و١٥٤ و١٠/ ١٠٦ من طرق عن الليث، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير.....
فذكره.
٦٥٨- ع باطل. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٢٩) : ذكره الثعلبي في «تفسيره» بغير سند عن الصالحي اهـ. وهذا باطل، الصالحي غير معروف، وهو بدون إسناد، ثم إن حاطب بن أبي بلتعة بدري من المهاجرين، والصحيح الحديث المتقدم، وهذا باطل.
(١) في المطبوع «لتحاكمهم».
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) في المطبوع «يرجع إلى».
(٤) في المطبوع «رأيا».
(٥) زيادة عن- ط.
(٦) في المطبوع «فدعاني».
(٧) زيادة من المخطوط. [.....]
657
وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي بِشْرٍ الْمُنَافِقِ وَالْيَهُودِيِّ اللَّذَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى فَلا أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ ثُمَّ لَا يَرْضَوْنَ بِحُكْمِكَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ ويجوز أن تكون (لَا) فِي قَوْلِهِ فَلا صِلَةً، كَمَا فِي قَوْلِهِ فَلا أُقْسِمُ [الواقعة: ٧٥]، حَتَّى يُحَكِّمُوكَ. أَيْ يَجْعَلُوكَ حَكَمًا، فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ، أَيْ: اخْتَلَفَ وَاخْتَلَطَ مِنْ أُمُورِهِمْ وَالْتَبَسَ عَلَيْهِمْ حُكْمُهُ، وَمِنْهُ الشَّجَرُ لِالْتِفَافِ أَغْصَانِهِ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً، قَالَ مُجَاهِدٌ: شكّا، وقال غيره: ضيقا، وقال الضَّحَّاكُ: إِثْمًا [١]، أَيْ: يَأْثَمُونَ بِإِنْكَارِهِمْ ما قضيت، مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً أي: ينقادوا لأمرك انقيادا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا أَيْ: فَرَضْنَا وَأَوْجَبْنَا، عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ، كَمَا أَمَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ، [كَمَا أَمَرْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ] [٢] بِالْخُرُوجِ مِنْ مِصْرَ، مَا فَعَلُوهُ، مَعْنَاهُ:
مَا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ إِلَّا طَاعَةَ الرَّسُولِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، وَلَوْ كَتَبْنَا عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ وَالْخُرُوجَ عَنِ الدَّوْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ، إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ، نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَهُوَ مِنَ الْقَلِيلِ الَّذِي استثنى الله.
ع «٦٥٩» قَالَ الْحَسَنُ وَمُقَاتِلٌ: لِمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالَ عُمَرُ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ الْقَلِيلُ: وَاللَّهِ لَوْ أَمَرَنَا لَفَعَلْنَا، والحمد لله الذي عافانا [الله] [٣]، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «إِنَّ مِنْ أُمَّتِي لَرِجَالًا الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَثْبَتُ مِنَ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي».
قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَهْلُ الشَّامِ إِلَّا قَلِيلًا بِالنَّصْبِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي مُصْحَفِ أَهْلِ الشَّامِ، وَقِيلَ: فِيهِ إِضْمَارٌ، تَقْدِيرُهُ: إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلًا مِنْهُمْ، وَقَرَأَ الآخرون قَلِيلٌ بالرفع على ضمير الْفَاعِلِ فِي قَوْلِهِ فَعَلُوهُ تَقْدِيرُهُ: إِلَّا نَفَرٌ قَلِيلٌ فَعَلُوهُ، وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ يؤمرون بِهِ مِنْ طَاعَةِ الرَّسُولِ وَالرِّضَى بِحُكْمِهِ، لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً، تحقيقا أو تصديقا لِإِيمَانِهِمْ.
وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً، ثَوَابًا وَافِرًا.
وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨)، أَيْ: إِلَى الصِّرَاطِ المستقيم.
٦٥٩- ع ضعيف. قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٣٠) : ذكره الثعلبي، عن الحسن ومقاتل اهـ بدون إسناد. ومراسيل الحسن واهية، ومقاتل روى مناكير.
- وأخرجه ابن أبي حاتم كما في «الدر» (٢/ ٣٢٤) من طريق هشام، عن الحسن مرسلا دون ذكر الأسماء.
- وأخرجه ابن المنذر كما في «الدر» من طريق إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ زيد بن الحسن مرسلا دون ذكر أسماء الصحابة.
وله شاهد من مرسل أبي إسحاق السبيعي أخرجه الطبري ٩٩٢٦، والراجح كونه من مرسل الحسن.
(١) في المطبوع «إنما».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط وط.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]

وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً (٧٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ الْآيَةَ:
ع «٦٦٠» نَزَلَتْ فِي ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ شَدِيدَ الْحُبِّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنْهُ، فَأَتَاهُ ذَاتَ يَوْمٍ [و] [١] قد تَغَيَّرَ لَوْنُهُ يُعْرَفُ الْحُزْنُ فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ [لَهُ] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا غَيَّرَ لَوْنَكَ» ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بِي مَرَضٌ وَلَا وجع غير أني إن لَمْ أَرَكَ اسْتَوْحَشْتُ وَحْشَةً شَدِيدَةً حَتَّى أَلْقَاكَ، ثُمَّ ذَكَرْتُ الْآخِرَةَ فَأَخَافُ أَنْ لَا أَرَاكَ لِأَنَّكَ تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَإِنِّي إِنْ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ كُنْتُ فِي مَنْزِلَةٍ أَدْنَى مِنْ مَنْزِلَتِكَ، وَإِنْ لَمْ أَدْخُلِ الْجَنَّةَ لَا [٢] أَرَاكَ أَبَدًا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فِي الْجَنَّةِ وَأَنْتَ فِي الدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَنَحْنُ أَسْفَلُ مِنْكَ؟ فَكَيْفَ [٣] نَرَاكَ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ فِي أَدَاءِ الْفَرَائِضِ، وَالرَّسُولَ فِي السُّنَنِ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ أَيْ لَا تَفُوتُهُمْ رُؤْيَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَمُجَالَسَتُهُمْ لأنهم يُرْفَعُونَ إِلَى دَرَجَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصِّدِّيقِينَ، وَهُمْ أَفَاضِلُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصِّدِّيقُ الْمُبَالِغُ فِي الصِّدْقِ، وَالشُّهَداءِ، قِيلَ: هُمُ الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي يَوْمِ أُحُدٍ، وَقِيلَ: الَّذِينَ اسْتُشْهِدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: النَّبِيُّونَ هَاهُنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالصِّدِّيقُونَ [٤] أَبُو بَكْرٍ، وَالشُّهَدَاءُ: عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالصَّالِحِينَ، سَائِرُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً، يَعْنِي: رُفَقَاءَ الْجَنَّةِ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ الْوَاحِدَ مَوْضِعَ الْجَمْعِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا [الحج: ٥] أي: أطفالا وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر: ٤٥] أي: الأدبار.
٦٦٠- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٣٤ م) عن الكلبي بدون إسناد والكلبي متروك متهم، لكن ورد بنحو هذا السياق من حديث عائشة قالت: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رسول الله إنك لأحب إليّ من نفسي، وإنك لأحب إليّ من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتي فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وأني إذا دخلت الجنة خشيت أن لا أراك، فلم يردّ عليه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيئا حَتَّى نَزَلَ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ.... الآية. أخرجه الطبراني في «الأوسط» (٤٨٠) و «الصغير» (٥٢) والضياء المقدسي في «صفة الجنة» كما في «تفسير ابن كثير» (١/ ٥٣٥).
وقال ابن كثير: قال الحافظ الضياء المقدسي: لا أرى بإسناده بأسا اهـ. ووافقه ابن كثير.
وقال الهيثمي في «المجمع» (٧/ ٧) : رجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن عمران العابدي، وهو ثقة اهـ.
- وفي الباب أيضا من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٢٥٥٩) وفي إسناده عطاء بن السائب، وقد اختلط كذا قال الهيثمي.
لكن يصلح شاهدا لما قبله.
وفي الباب أحاديث أخرى انظر «الدر المنثور» (٢/ ٣٢٤- ٣٣٥) فهذه الروايات تتأيد بمجموعها، والله أعلم، راجع «أحكام القرآن» (٥١٨) بتخريجي.
(١) زيادة عن المخطوط و «أسباب النزول».
(٢) في المخطوط «فلا».
(٣) في المطبوع «وكيف».
(٤) في المطبوع «الصديق».
659
«٦٦١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سعيد أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أُنْسٍ:
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يحب قوما ولم يَلْحَقْ بِهِمْ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ».
«٦٦٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَوِيُّ قَالَا: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الحيري أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ [١] أَنَا أَبُو يَحْيَى زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ؟ قَالَ: «وَمَا أَعْدَدْتَ لها؟» [فلم يذكر كثير أمر] [٢] ؟ قال: إِلَّا أَنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ: «فَأَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ».
ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ عَلِيماً أَيْ: بِثَوَابِ الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: بِمَنْ [٣] أَطَاعَ رَسُولَ اللَّهِ وَأَحَبَّهُ، وَفِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُمْ لَنْ يَنَالُوا تِلْكَ الدَّرَجَةَ بِطَاعَتِهِمْ، وَإِنَّمَا نَالُوهَا بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
٦٦١- إسناده صحيح، أبو العباس السراج فمن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، ثابت هو ابن أسلم البناني.
- وهو في «شرح السنة» (٣٣٦٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٦٨٨ ومسلم ٢٦٣٩ ح ١٦٣ وأحمد ٣/ ٢٢٧ وابن مندة في «الإيمان» (٢٩٣) من طرق، عن حماد بن زيد به.
- وأخرجه أحمد ٣/ ١٥٩ و١٦٨ و٢٢٨ و٢٨٨ وابن حبان ٥٦٥ من طرق، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثابت به.
- وانظر الحديث الآتي.
٦٦٢- إسناده صحيح، زكريا بن يحيى المروزي ثقة وكذا من دونه وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو في «شرح السنة» (٣٣٧٠) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٦٣٩ ح ١٦٢ والحميدي ١١٩٠ وأحمد ٣/ ١١٠ وابن مندة في «الإيمان» (٢٨٩) وابن حبان ٥٦٣ من طرق عن سفيان بن عيينة به.
- وأخرجه البخاري ٦١٦٧ ومسلم ٢٦٣٩ وأحمد ٣/ ١٧٣٠ و١٧٨ و٢٧٦ و١٩٢ وابن حبان ٨ من طرق عن قتادة، عن أنس به.
- وأخرجه الترمذي ٢٣٨٥ وأحمد ٣/ ١٠٤ و٢٠٠ وابن حبان ١٠٥ من طريق حميد الطويل، عن أنس به.
- وأخرجه مسلم ٢٦٣٩ ح ١٦٢ وعبد الرزاق في «المصنف» (٢٠٣١٧) وأحمد ٣/ ١٦٥ وابن مندة ٢٩٠ من طريق معمر، عن الزهري، عن أنس.
- وفي الباب من حديث أبي موسى أخرجه البخاري ٦١٧٠ ومسلم ٢٦٤١ وأحمد ٤/ ٣٩٢ و٣٩٥ و٤٠٥ وابن حبان ٥٥٧.
- ومن حديث أبي ذر أخرجه أبو داود ٥١٢٦ والبخاري في «الأدب المفرد» (٣٥١) وأحمد ٥/ ١٥٦ و١٦٦ وابن حبان ٥٥٦.
ومن حديث ابن مسعود أخرجه البخاري ٦١٦٨ و٦١٦٩ ومسلم ٢٦٤٠ والطيالسي ٢٥٣ وأحمد ٤/ ٤٠٥.
- ومن حديث جابر أخرجه أحمد ٣/ ٣٣٦ و٣٩٤.
- ومن حديث صفوان بن عسال المرادي أخرجه الترمذي ٣٥٣٦ والطيالسي ١١٦٧ وابن حبان ٥٦٢.
(١) في المطبوع «عباس الأصم».
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «من» وفي نسخة «لمن». [.....]
660
«٦٦٣» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ أَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«قَارِبُوا وَسَدِّدُوا وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَا يَنْجُو أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ»، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ برحمة منه وفضل».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧١ الى ٧٤]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً (٧١) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً (٧٢) وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً (٧٣) فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ، مِنْ عَدُوِّكُمْ، أَيْ [١] : عِدَّتِكُمْ وَآلَتِكُمْ مِنَ السِّلَاحِ، وَالْحِذْرُ وَالْحَذَرُ وَاحِدٌ كَالْمِثْلِ وَالْمَثَلِ وَالشِّبْهِ وَالشَّبَهِ، فَانْفِرُوا اخْرُجُوا ثُباتٍ أَيْ: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ سَرِيَّةً بَعْدَ سَرِيَّةٍ، وَالثُّبَاتُ جَمَاعَاتٌ فِي تَفْرِقَةٍ وَاحِدَتُهَا ثُبَةٌ، أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً أَيْ: مُجْتَمِعِينَ كُلُّكُمْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ، نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَإِنَّمَا قَالَ مِنْكُمْ لِاجْتِمَاعِهِمْ مَعَ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِي الْجِنْسِيَّةِ وَالنَّسَبِ وَإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، إلا فِي حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ، لَيُبَطِّئَنَّ أَيْ: لَيَتَأَخَّرَنَّ، وَلَيَتَثَاقَلَنَّ عَنِ الْجِهَادِ، وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ الْمُنَافِقُ، وَاللَّامُ فِي لَيُبَطِّئَنَّ لَامُ الْقَسَمِ، وَالتَّبْطِئَةُ: التَّأَخُّرُ عَنِ الْأَمْرِ، يُقَالُ: مَا أَبْطَأَ بِكَ؟ أَيْ: مَا أخّرك عنّا؟ ويقال: إِبْطَاءً وَبَطَّأَ يُبَطِّئُ تَبْطِئَةً. فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ
٦٦٣- حديث صحيح، عبد الرحيم بن منيب مجهول، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، الأعمش هو سليمان بن مهران وصالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (٤٠٨٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨١٦ ح ٧٦ وابن ماجه ٤٢٠١ وأحمد ٢/ ٣٦٢ و٤٩٥ وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ١٢٩) والقضاعي في «مسند الشهاب» (٦٢٦) من طرق عن الأعمش بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٣٦٢ وابن حبان ٣٥٠ من طريق الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أبي هريرة، وأبي سفيان، عن جابر به.
- وأخرجه البخاري ٦٤٦٣ والطيالسي ٢٣٢٢ وأحمد ٢/ ٥١٤ و٥٣٧ وأبو يعلى ٦٥٩٤ والبيهقي ٣/ ١٨ والبغوي في «شرح السنة» (٤٠٨٧) من طرق عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هريرة.
وأخرجه مسلم ٢٨١٦ ح ٧١ وأحمد ٢/ ٤٥١ وابن حبان ٣٤٨ من طرق عن الليث بن سعد، عن بكير بن عبد الله، عن بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هريرة.
- وأخرجه البخاري ٥٦٧٣ ومسلم ٢٨١٦ ح ٧٥ وأحمد ٢/ ٢٦٤ والبيهقي ٣/ ٣٧٧ من طريق الزهري، عن أبي عبيد مولى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أبي هريرة به.
- وأخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٢٠٥٦٢) ومن طريقه وأحمد ٢/ ٣١٩ وابن حبان ٦٦٠ والبغوي ٤٠٨٨ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ منبه، عن أبي هريرة به.
- وورد من حديث جابر أخرجه مسلم ٢٨١٧ وأحمد ٣/ ٣٣٧ والدارمي ٢/ ٣٠٥.
(١) زيد في المطبوع وحده «من».
661
أَيْ: قَتْلٌ وَهَزِيمَةٌ، قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ بِالْقُعُودِ، إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً، أَيْ: حَاضِرًا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ فَيُصِيبُنِي مَا أَصَابَهُمْ.
وَلَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ، فَتْحٌ وَغَنِيمَةٌ، لَيَقُولَنَّ هَذَا الْمُنَافِقُ، وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَقَوْلُهُ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ تَقْدِيرُهُ: فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ: قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا، كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ أَيْ: مَعْرِفَةٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ تَكُنْ بِالتَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ، أَيْ: وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ:
يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً، أَيْ: آخُذَ نَصِيبًا وَافِرًا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَقَوْلُهُ فَأَفُوزَ نُصِبَ عَلَى جَوَابِ التَّمَنِّي بِالْفَاءِ، كَمَا تَقُولُ: وَدِدْتُ أَنْ أَقُومَ فَيَتْبَعُنِي النَّاسُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ، قِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَمَعْنَى يَشْرُونَ أَيْ: يَشْتَرُونَ، يَعْنِي الَّذِينَ يَخْتَارُونَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ ومعناه: آمَنُوا ثُمَّ قَاتَلُوا، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ، مَعْنَاهُ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ أَيْ: يَبِيعُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَيَخْتَارُونَ الْآخِرَةَ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ، يَعْنِي يُسْتَشْهَدُ، أَوْ يَغْلِبْ، يَظْفَرْ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ، فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ أَجْراً عَظِيماً، وَيُدْغِمُ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ الْبَاءَ فِي الْفَاءِ حَيْثُ كَانَ.
«٦٦٤» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ جَاهَدَ فِي سبيل الله لَا يُخْرِجُهُ مَنْ بَيْتِهِ إِلَّا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ [١] وَتَصْدِيقُ كَلِمَتِهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ مَعَ مَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ».
«٦٦٥» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ [٢] أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الْقَانِتِ الصَّائِمِ الَّذِي لَا يَفْتُرُ مِنْ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْلِهِ بِمَا يُرْجِعُهُ مِنْ غنيمة وأجر،
٦٦٤- إسناده على شرط البخاري ومسلم، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز، وتقدم برقم ٤٧٩.
٦٦٥- حديث صحيح، إسناده حسن، محمد بن عمرو صدوق، روى له الشيخان متابعة، وباقي الإسناد على شرط البخاري ومسلم، وقد توبع كما سيأتي، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وأخرجه في «شرح السنة»
(٢٦٠٦) بهذا الإسناد مطوّلا.
وأخرجه ابن حبان ٤٦٢٢ من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٧٨٧ والنسائي ٦/ ١٨ ومالك ٢/ ٤٤٣ وابن حبان ٤٦٢١ وأبو يعلى ٥٨٤٥ والبغوي ٢٦٠٧ من طرق من حديث أبي هريرة بنحوه.
- وأخرجه مسلم ١٨٧٨ وأحمد ٢/ ٤٥٩ وابن حبان ٤٦٢٧ والبيهقي ٩/ ١٥٨ من طرق عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفوعا بنحوه.
(١) في المطبوع «سبيل».
(٢) في الأصل «الكشمهيني» والتصويب عن «الأنساب» وعن «ط» و «شرح السنة».
662
أو يتوفاه فيدخله الجنة».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٥ الى ٧٦]
وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً (٧٥) الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً (٧٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما لَكُمْ لَا تُقاتِلُونَ لَا تُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فِي طَاعَةِ اللَّهِ، يُعَاتِبُهُمْ عَلَى تَرْكِ الْجِهَادِ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ أَيْ: عَنِ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فِي سَبِيلِ الْمُسْتَضْعَفِينَ لِتَخْلِيصِهِمْ، [وَقِيلَ: فِي تَخْلِيصِ] [١] الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ، وَكَانَ بِمَكَّةَ جَمَاعَةٌ، مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ، يَلْقَوْنَ مِنَ المشركين أذى كثيرا، والَّذِينَ يدعون ويَقُولُونَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها، يَعْنِي: مَكَّةَ، الظَّالِمُ أَيِ: الْمُشْرِكُ، أَهْلُهَا يَعْنِي الْقَرْيَةَ الَّتِي مِنْ صِفَتِهَا أَنَّ أَهْلَهَا مُشْرِكُونَ، وَإِنَّمَا خَفَضَ الظَّالِمِ لِأَنَّهُ نعت للأهل، فلما أعاد الأهل على [٢] الْقَرْيَةِ صَارَ [كَأَنَّ] [٣] الْفِعْلَ لَهَا، كَمَا يُقَالُ:
مَرَرْتُ بِرَجُلٍ حُسْنِهِ عَيْنُهُ. وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا، أَيْ: مَنْ يَلِي أَمْرَنَا لدنك، وَاجْعَلْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً، أَيْ: مَنْ يَمْنَعُ الْعَدُوَّ عَنَّا، فَاسْتَجَابَ اللَّهُ دَعْوَتَهُمْ، فَلَمَّا فَتَحَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ وَلَّى عَلَيْهِمْ عِتَابُ بْنُ أُسَيْدٍ وَجَعَلَهُ اللَّهُ لَهُمْ نصيرا ينصف المؤمنين الْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَيْ: فِي [طَاعَةِ اللَّهِ] [٤]، وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ أَيْ: فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ، فَقاتِلُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ
أَيْ: حِزْبَهُ وَجُنُودَهُ [وَهُمُ] [٥] الْكُفَّارُ، إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ [أي:] [٦] مَكْرَهُ، كانَ ضَعِيفاً، كَمَا فَعَلَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمَّا رَأَى الْمَلَائِكَةَ خَافَ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَهَرَبَ وَخَذَلَهُمْ.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٧٧ الى ٧٨]
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٧٧) أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً (٧٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ الآية:
ع «٦٦٦» قَالَ الْكَلْبِيُّ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيِّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الْأُسُودِ الْكِنْدِيِّ، وَقُدَامَةَ بْنِ
٦٦٦- ع باطل بهذا اللفظ. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٣٨) بهذا السياق عن الكلبي بدون إسناد، والكلبي متروك كذاب، وقد ذكر في حديثه صناديد الصحابة وفرسانهم، ومثل هذا لا يصح، وظاهر القرآن يدل على أن المخاطب في ذلك فئة من المنافقين، وقوله: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ليس في «أسباب النزول». نعم ورد بذكر ابن عوف
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع «إلى».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) في المطبوع «طاعته».
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيادة عن المخطوط.
663
مَظْعُونٍ الْجُمَحِيِّ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَاصٍّ، وَجَمَاعَةٍ كَانُوا يَلْقُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بِمَكَّةَ أَذًى كَثِيرًا قَبْلَ أَنْ يُهَاجِرُوا، وَيَقُولُونَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لَنَا فِي قِتَالِهِمْ فَإِنَّهُمْ قَدْ آذَوْنَا، فَيَقُولُ لَهُمْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ فَإِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ بِقِتَالِهِمْ»، وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ، فَلَمَّا هَاجَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَمَرَهُمُ اللَّهُ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ شَقَّ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَلَمَّا كُتِبَ فُرِضَ، عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ، يَعْنِي: يَخْشَوْنَ مُشْرِكِي مَكَّةَ، كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَيْ: كَخَشْيَتِهِمْ مِنَ الله، أَوْ أَشَدَّ أكبر، خَشْيَةً، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَأَشَدَّ خَشْيَةً، وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، الجهاد، لَوْلا، هَلَّا، أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ، يَعْنِي: الْمَوْتَ، أَيْ: هَلَّا تَرَكْتَنَا حَتَّى نَمُوتَ بِآجَالِنَا؟ وَاخْتَلَفُوا فِي هؤلاء الذين قالوا ذلك، فقيل: قَالَهُ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ، لَا يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِينَ، وَقِيلَ: قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَكُونُوا رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ قَالُوهُ خَوْفًا وَجُبْنًا لَا اعْتِقَادًا ثُمَّ تَابُوا، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ يَتَفَاضَلُونَ فِي الْإِيمَانِ، وَقِيلَ: هُمْ قَوْمٌ كَانُوا مُؤْمِنِينَ فَلَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ نَافَقُوا مِنَ الْجُبْنِ وَتَخَلَّفُوا عَنِ الْجِهَادِ، قُلْ: يَا مُحَمَّدُ، مَتاعُ الدُّنْيا أَيْ: مَنْفَعَتُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ [أي وثواب والآخرة خير و] [١] أفضل، لِمَنِ اتَّقى، الشِّرْكَ وَمَعْصِيَةَ الرَّسُولِ، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ تُظْلَمُونَ بِالتَّاءِ.
«٦٦٧» أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْمُؤَذِّنُ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الصَّيْدَلَانِيُّ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ شَاكِرٍ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، أَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي الْمُسْتَوْرِدُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ فِي اليم فلينظر بم ترجع».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ أَيْ: يَنْزِلُ بِكُمُ الْمَوْتُ، نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ
وجماعة، لم يسمّ غير ابن عوف عن ابن عباس أخرجه النسائي ٦/ ٣ وفي «التفسير» (١٣٢) والحاكم ٢/ ٦٦ و٣٠٧ والبيهقي ٩/ ١١ والواحدي ٣٣٩ ورجاله ثقات وصححه الحاكم على شرط البخاري، ووافقه الذهبي، مع أن في إسناده حسين بن واقد وهو من رجال مسلم فقط، فهو على شرط مسلم، ومع ذلك حسين بن واقد فيه ضعف، وقد استنكر الإمام أحمد بعض ما ينفرد به، وهذا الخبر غريب، فإن ظاهر القرآن يدل على أن المخاطب بذلك فئة من المنافقين كابن أبي ابن سلول وأمثاله، ولا يصح هذا السياق في أحد من المهاجرين السابقين، والله أعلم. [.....]
٦٦٧- إسناده صحيح، محمد بن بشر العبدي فمن فوقه رجال البخاري ومسلم، ومن دونه توبعوا.
- وهو في «شرح السنة» (٣٩١٨) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٨٥٨ والترمذي ٢٣٢٣ وابن ماجه ٤١٠٨ وأحمد ٤/ ٢٢٨ و٢٢٩ وابن المبارك في «الزهد» (٤٩٦) وابن حبان ٤٣٣٠ والطبراني في «الكبير» (٢٠/ ٧١٣ و٧١٤ و٧١٦) والبغوي في «شرح السنة» (٣٩١٩) من طرق عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ به.
- وأخرجه الطبراني ١٠/ ٧٣١ والحاكم ٣/ ٥٩٢ من طريق عبد الله بن صالح، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ أبي إسحاق الهمداني، عن المستورد به.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
664
قَالُوا فِي قَتْلَى أُحُدٍ: لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [١]، وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، وَالْبُرُوجُ: الْحُصُونُ وَالْقِلَاعُ، وَالْمُشَيَّدَةُ: الْمَرْفُوعَةُ الْمُطَوَّلَةُ وقال قَتَادَةُ: مَعْنَاهُ فِي قُصُورٍ مُحَصَّنَةٍ، وقال عكرمة: محصّصة، وَالشَّيْدُ: الْجِصُّ، وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ: مَا زِلْنَا نَعْرِفُ النَّقْصَ فِي ثِمَارِنَا وَمَزَارِعِنَا مُنْذُ قَدِمَ علينا هذا الرجل وأصحابه. فقال اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُصِبْهُمْ يَعْنِي: الْيَهُودَ حَسَنَةٌ أَيْ خِصْبٌ وَرُخْصٌ فِي السِّعْرِ، يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، لَنَا، وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَعْنِي: الْجَدْبَ وَغَلَاءَ الْأَسْعَارِ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أَيْ: مِنْ شُؤْمِ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَسَنَةِ الظَّفْرُ وَالْغَنِيمَةُ يَوْمَ بَدْرٍ، وَبِالسَّيِّئَةِ الْقَتْلُ وَالْهَزِيمَةُ يَوْمَ أُحُدٍ، يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ أَيْ: أَنْتَ الَّذِي حَمَلَتْنَا عَلَيْهِ يَا مُحَمَّدُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُنَافِقِينَ، قُلْ، لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، أَيْ: الْحَسَنَةُ وَالسَّيِّئَةُ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، ثُمَّ عَيَّرَهُمْ بِالْجَهْلِ فَقَالَ: فَمالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودَ، لَا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أَيْ: لَا يَفْقَهُونَ قَوْلًا، وَقِيلَ: الْحَدِيثُ هَاهُنَا هُوَ الْقُرْآنُ أَيْ: لَا يَفْقَهُونَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ، قَوْلُهُ:
فَمالِ هؤُلاءِ قَالَ الْفَرَّاءُ: كَثُرَتْ فِي الْكَلَامِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ حَتَّى تَوَهَّمُوا أَنَّ اللَّامَ مُتَّصِلَةٌ بِهَا وَأَنَّهُمَا حَرْفٌ واحد، ففصلوا اللّام عما بَعْدَهَا فِي بَعْضِهِ، وَوَصَلُوهَا فِي بَعْضِهِ، وَالِاتِّصَالُ الْقِرَاءَةُ، وَلَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى اللَّامِ لِأَنَّهَا لَامٌ خافضة.
[سورة النساء (٤) : آية ٧٩]
مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (٧٩)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ، خَيْرٍ وَنِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ، بَلِيٍّةٍ أَوْ أَمْرٍ تَكْرَهُهُ، فَمِنْ نَفْسِكَ، أَيْ: بذنوبك، الْخِطَابَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ غَيْرُهُ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] وتعلق أَهْلُ الْقَدَرِ بِظَاهِرِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَالُوا:
نَفَى اللَّهُ تَعَالَى السَّيِّئَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَنَسَبَهَا إِلَى الْعَبْدِ، فَقَالَ: وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، وَلَا مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ الآية حسنات الكسب ولا سيئاته مِنَ الطَّاعَاتِ وَالْمَعَاصِي، بَلِ الْمُرَادُ منه [٢] مَا يُصِيبُهُمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْمِحَنِ، وذلك [أنه] [٣] لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ [بِدَلِيلِ أَنَّهُ نَسَبَهَا إِلَى غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَنْسِبْهَا إِلَيْهِمْ، فَقَالَ: مَا أَصابَكَ وَلَا يُقَالُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ أَصَابَنِي، إِنَّمَا يُقَالُ: أَصَبْتُهَا، وَيُقَالُ فِي المحن:
أَصَابَنِي،] [٤] بِدَلِيلٍ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ ثَوَابًا وَلَا عِقَابًا، فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ [الأعراف: ١٣١]، لما ذَكَرَ حَسَنَاتِ الْكَسْبِ وَسَيِّئَاتِهِ نَسَبَهَا إِلَيْهِ، وَوَعَدَ عَلَيْهَا الثَّوَابَ وَالْعِقَابَ، فَقَالَ مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها [الْأَنْعَامِ: ١٦٠]، وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ مِنَ النَّصْرِ وَالظَّفْرِ يَوْمَ بَدْرٍ فَمِنَ اللَّهِ، أَيْ: مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ مِنَ الْقَتْلِ وَالْهَزِيمَةِ يَوْمَ أُحُدٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، أَيْ: يعني [فبذنوب أصحابك، وهو مخالفتهم لك،] [٥] فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ قَوْلِهِ: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وبين
(١) انظر «أسباب النزول» للواحدي (٣٤٠).
(٢) في المطبوع «منهم».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) سقط من المخطوط.
(٥) العبارة في المخطوط وط «بِذَنْبِ نَفْسِكَ مِنْ مُخَالَفَةِ الرَّسُولِ».
قَوْلِهِ فَمِنْ نَفْسِكَ؟ قِيلَ: قَوْلُهُ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَيِ: الْخِصْبُ وَالْجَدْبُ [١] وَالنَّصْرُ وَالْهَزِيمَةُ كُلُّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: فَمِنْ نَفْسِكَ أي: وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ مِنَ اللَّهِ فَبِذَنْبِ نَفْسِكَ عُقُوبَةً لَكَ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] يدل عليها مَا رَوَى مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّهُ قَرَأَ «وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَنَا كَتَبْتُهَا عَلَيْكَ». وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
هَذِهِ الْآيَةُ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبِلَهَا، وَالْقَوْلُ فِيهِ مُضْمَرٌ تَقْدِيرُهُ: فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا، يَقُولُونَ: مَا أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
وَأَرْسَلْناكَ، يَا مُحَمَّدُ، لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً، عَلَى إرسالك وصدقك، وقيل: كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً، عَلَى إِرْسَالِكَ وَصِدْقِكَ، وقيل: كفى بِاللَّهِ شَهِيدًا.
عَلَى أَنَّ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ كُلَّهَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٠ الى ٨١]
مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (٨٠) وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٨١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ:
ع «٦٦٨» وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ أَحَبَّنِي فَقَدْ أَحَبَّ اللَّهَ» فَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ إِلَّا أَنْ نَتَّخِذَهُ رَبًّا كَمَا اتَّخَذَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رِبًّا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللَّهَ.
أَيْ: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فِيمَا أَمَرَ بِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ تَوَلَّى، عَنْ طَاعَتِهِ، فَما أَرْسَلْناكَ، يَا مُحَمَّدُ، عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، أَيْ: حَافِظًا وَرَقِيبًا بَلْ [٢] كُلُّ أُمُورِهِمْ [إِلَيْهِ تَعَالَى] [٣]، وَقِيلَ: نَسَخَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا بِآيَةِ السَّيْفِ، وَأَمَرَهُ بِقِتَالِ مَنْ خَالَفَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ.
وَيَقُولُونَ طاعَةٌ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ يَقُولُونَ بِاللِّسَانِ لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا آمَنَّا بِكَ فَمُرْنَا فَأَمْرُكَ طَاعَةٌ، قَالَ النَّحْوِيُّونَ: أَيْ أَمْرُنَا وَشَأْنُنَا أَنْ نُطِيعَكَ، فَإِذا بَرَزُوا، خَرَجُوا، مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ، قَالَ قَتَادَةُ وَالْكَلْبِيُّ: بَيَّتَ أَيْ: غَيَّرَ وَبَدَّلَ الَّذِي عَهِدَ إِلَيْهِمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ التَّبْيِيتُ بِمَعْنَى التَّبْدِيلِ، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْقُتَيْبِيُّ: مَعْنَاهُ قَالُوا وَقَدَّرُوا لَيْلًا غَيْرَ مَا أَعْطَوْكَ نَهَارًا وَكُلُّ مَا قُدِّرَ بِلَيْلٍ فَهُوَ تَبْيِيتٌ [٤]، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْأَخْفَشُ: تَقُولُ العرب للشيء إذا قدّر: بُيِّتَ، يُشَبِّهُونَهُ بِتَقْدِيرِ بُيُوتِ الشِّعْرِ، وَاللَّهُ يَكْتُبُ أَيْ: يُثْبِتُ وَيَحْفَظُ، مَا يُبَيِّتُونَ، مَا يُزَوِّرُونَ وَيُغَيِّرُونَ وَيُقَدِّرُونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي مَا يُسِرُّونَ مِنَ النِّفَاقِ، فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ، يَا مُحَمَّدُ وَلَا تُعَاقِبْهُمْ، وَقِيلَ:
لَا تُخْبِرْ بِأَسْمَائِهِمْ، مُنِعَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْإِخْبَارِ بِأَسْمَاءِ الْمُنَافِقِينَ، وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا، أَيْ:
اتَّخِذْهُ [٥] وَكَيْلًا فكفى بالله وكيلا وناصرا.
٦٦٨- ع لم أجد له أصلا، قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٣٩) : لم أجده.
(١) تصحف في المطبوع «والجدب».
(٢) في المطبوع وحده «على».
(٣) زيادة عن- ط- والمخطوط، لكن عبارة المخطوط «إلى الله».
(٤) في المطبوع «مبيت».
(٥) في المطبوع «اتخذوه».

[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٢ الى ٨٣]

أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً (٨٢) وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، يَعْنِي: أَفَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِي الْقُرْآنِ، وَالتَّدَبُّرُ هُوَ النَّظَرُ فِي آخِرِ الْأَمْرِ، وَدُبُرُ كُلِّ شَيْءٍ آخِرُهُ. وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً، أَيْ تَفَاوُتًا وَتَنَاقُضًا كَثِيرًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقِيلَ: لَوَجَدُوا فِيهِ أَيْ: فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْغَيْبِ بِمَا كَانَ وَبِمَا يَكُونُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، أَفَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهِ فَيَعْرِفُوا بِعَدَمِ [١] التَّنَاقُضِ فِيهِ وَصِدْقِ مَا يخبر [به] [٢] أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَخْلُو عَنْ تَنَاقُضٍ وَاخْتِلَافٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ، وَذَلِكَ [٣] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَبْعَثُ السَّرَايَا فَإِذَا غَلَبُوا أَوْ غُلِبُوا بَادَرَ الْمُنَافِقُونَ يَسْتَخْبِرُونَ عَنْ حالهم، فيفشونه [٤] وَيُحَدِّثُونَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُضْعِفُونَ بِهِ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذا جاءَهُمْ يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَيِ: الْفَتْحِ وَالْغَنِيمَةِ أَوِ الخوف والقتل وَالْهَزِيمَةِ أَذاعُوا بِهِ أَشَاعُوهُ وَأَفْشَوْهُ، وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ إلى رأيه ولم يُحَدِّثُوا بِهِ حَتَّى يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ، وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ، أَيْ: ذَوِي الرَّأْيِ مِنَ الصَّحَابَةِ مِثْلَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، أَيْ: يَسْتَخْرِجُونَهُ وَهُمُ الْعُلَمَاءُ، أَيْ: عَلِمُوا مَا يَنْبَغِي أَنْ يُكْتَمَ وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْشَى، وَالِاسْتِنْبَاطُ: الِاسْتِخْرَاجُ، يُقَالُ: اسْتَنْبَطَ الْمَاءَ إِذَا اسْتَخْرَجَهُ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَسْتَنْبِطُونَهُ أَيْ: يَحْرِصُونَ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُونَ عَنْهُ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَتْبَعُونَهُ، يُرِيدُ الَّذِينَ سَمِعُوا تِلْكَ الْأَخْبَارَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ولو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَى ذَوِي الرَّأْيِ وَالْعِلْمِ، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ، أَيْ: يُحِبُّونَ أَنْ يَعْلَمُوهُ عَلَى حقيقته كما هو، وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ، كُلُّكُمْ، إِلَّا قَلِيلًا، فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ اسْتَثْنَى الْقَلِيلَ وَلَوْلَا فَضْلُهُ لَاتَّبَعَ الْكُلُّ الشَّيْطَانَ؟ قِيلَ: هُوَ رَاجِعٌ إِلَى مَا قَبْلَهُ، قِيلَ: مَعْنَاهُ أَذَاعُوا بِهِ إِلَّا قليلا لم يفشه، وعنى بِالْقَلِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا قَوْلُ الْكَلْبِيِّ وَاخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ، وَقَالَ: لِأَنَّ عِلْمَ السِّرِّ إِذَا ظَهَرَ عَلِمَهُ الْمُسْتَنْبَطُ وَغَيْرُهُ، وَالْإِذَاعَةُ قَدْ تَكُونُ فِي بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ، وَقِيلَ: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا، ثم قوله: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ كَلَامٌ تَامٌّ، وَقِيلَ: فَضْلُ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَرَحِمْتُهُ الْقُرْآنُ، يَقُولُ لَوْلَا ذَلِكَ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قليلا فهم قَوْمٌ اهْتَدَوْا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُزُولِ الْقُرْآنِ، مِثْلَ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَوَرَقَةَ بْنِ نَوْفَلٍ وَجَمَاعَةٍ سِوَاهُمَا، وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الْقِيَاسِ، فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ مَا يُدْرَكُ بِالتِّلَاوَةِ وَالرِّوَايَةِ وَهُوَ النَّصُّ، وَمِنْهُ مَا يُدْرَكُ بالاستنباط و [هو] [٥] الْقِيَاسُ عَلَى الْمَعَانِي الْمُودَعَةِ فِي النصوص.
(١) في المخطوط وحده «لعدم». [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
(٣) أخرجه الطبري ٩٩٩٩ عن قتادة مرسلا بنحوه.
(٤) في المطبوع وط «فيفشون».
(٥) زيد في المطبوع وط.

[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٤ الى ٨٥]

فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤) مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاعَدَ أَبَا سُفْيَانَ بَعْدَ حَرْبِ أُحُدٍ مَوْسِمَ بَدْرٍ الصُّغْرَى فِي ذِي الْقِعْدَةِ فَلَمَّا بَلَغَ الْمِيعَادُ دَعَا النَّاسَ إِلَى الْخُرُوجِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ [١]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ أَيْ: لَا تَدَعْ جِهَادَ الْعَدُوِّ وَالِانْتِصَارِ [٢] لِلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ وَحْدَكَ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَكَ النُّصْرَةَ وَعَاتَبَهُمْ [٣] عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ، وَالْفَاءُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَقُتِلَ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً [النساء: ٧٤] فَقَاتِلْ، وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى الْقِتَالِ أَيْ حُضَّهُمْ عَلَى الْجِهَادِ وَرَغِّبْهُمْ فِي الثَّوَابِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا فَكَفَاهُمُ اللَّهُ الْقِتَالَ، فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ عَسَى اللَّهُ أَيْ:
لَعَلَّ اللَّهَ، أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ: قِتَالَ المشركين وعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْساً أَيْ: أَشَدُّ صَوْلَةً وَأَعْظَمُ سُلْطَانًا، وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا أَيْ: عُقُوبَةً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها، أَيْ: نَصِيبٌ مِنْهَا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ الْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَالشَّفَاعَةُ السَّيِّئَةُ: هِيَ الْمَشْيُ بِالنَّمِيمَةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقِيلَ: الشَّفَاعَةُ الْحَسَنَةُ هِيَ: حُسْنُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ يَنَالُ بِهِ الثَّوَابَ وَالْخَيْرَ، وَالسَّيِّئَةُ هِيَ: الْغَيْبَةُ وَإِسَاءَةُ الْقَوْلِ فِي النَّاسِ ينال به الشر، قوله كِفْلٌ مِنْها أَيْ:
مِنْ وِزْرِهَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ [٤] شَفَاعَةُ النَّاسِ بعضهم لبعض، يؤجر الشَّفِيعُ عَلَى شَفَاعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُشَفَّعْ.
«٦٦٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ [أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ] [٥]، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ [أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ] [٦]، أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ، عن أبيه أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم [جالسا] [٧] إذ جَاءَهُ رَجُلٌ يَسْأَلُ أَوْ طَالِبُ حاجة فأقبل علينا بوجهه، فقال: «اشفعوا
٦٦٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، محمد بن يوسف هو ابن واقد، الثوري هو سفيان بن سعيد، أبو بردة هو بريد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بردة، من أحفاد أبي موسى الأشعري.
- وهو في «شرح السنة»
(٣٣٥٥) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦٠٢٦) عن محمد بن يوسف بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحميدي ٧٧١ والقضاعي في «مسند الشهاب» (٦٢٠) من طريق سفيان الثوري به. وأخرجه أبو داود ٥١٣١ و٥١٣٣ والنسائي ٥/ ٧٧- ٧٨ من طريق سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي بردة به.
- وأخرجه البخاري ١٤٣١ و٦٠٢٨ و٧٤٧٦ ومسلم ٢٦٢٧ والترمذي ٢٦٧٤ وأحمد ٤/ ٤٠٠ وأبو يعلى ٧٢٩٦ والقضاعي ٦٢١ من طرق عن أبي بردة به.
- وفي الباب من حديث أبي داود ٥١٣٢ والنسائي ٥/ ٧٨.
(١) انظر ما تقدم عند آية: ١٧٢.
(٢) في المطبوع «الاستنصار».
(٣) في المطبوع «عاقبهم».
(٤) في المطبوع «على».
(٥) سقط من المطبوع.
(٦) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
(٧) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
تؤجروا وليقض اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا شَاءَ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مقتدرا أو مُجَازِيًا قَالَ الشَّاعِرُ:
وَذِي ضِغْنٍ كَفَفْتُ النَّفْسَ عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَى إساءته مُقِيتًا
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: شَاهِدًا: وَقَالَ قَتَادَةُ: حَافِظًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُقِيتًا أَيْ: يُوصِلُ القوت إليه.
ع «٦٧٠» وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: «كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ ويقيت».
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٦ الى ٨٧]
وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦) اللَّهُ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً (٨٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها، التحية: [هي] [١] دعاء بطول [٢] الْحَيَاةِ [٣]، وَالْمُرَادُ بِالتَّحِيَّةِ هَاهُنَا السَّلَامُ، يَقُولُ: إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ مُسْلِمٌ فأجيبوا بأحسن مما سلم [٤] أو ردّوها [أي ردوا] [٥] كَمَا سَلَّمَ، فَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقُلْ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَقُلْ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ ورحمة الله وبركاته، وَإِذَا قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرُدَّ مِثْلَهُ، رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ عباس رضي الله عنهما، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، ثُمَّ زَادَ شَيْئًا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ السَّلَامَ يَنْتَهِي إلى البركة.
ع «٦٧١» وروي عن عمران بن الحصين: أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: السلام عليكم، فردّ عليه، ثمّ
٦٧٠- ع صحيح بشواهده. أخرجه أبو داود ١٦٩٢ والنسائي في «الكبرى» (٩١٧٥ و٩١٧٧) والطيالسي ٢٢٨١ والحميدي ٥٩٩ وأحمد ٢/ ١٦٠ و١٩٣ و١٩٤ و١٩٥ وابن حبان ٤٢٤٠ والحاكم ١/ ١٤٥ والقضاعي ١٤١١ و١٤١٢ و١٤١٣ وأبو نعيم في «الحلية» (٧/ ١٣٥) والبيهقي ٧/ ٤٦٧ والبغوي في «شرح السنة» (٢٣٩٧) من طرق عن أبي إسحاق، عن وهب بن جابر، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو مرفوعا، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، ورجاله ثقات مشاهير غير وهب بن جابر، فقد وثقه ابن حبان، وقال الحافظ: مقبول. لكن توبع.
تنبيه: وليس فيه قوله «ويقيت».
- وورد أيضا من وجه آخر من حديث ابن عمرو بلفظ «كفى بالمرء إثما أن يحبس عما يملك قوتهم» أخرجه مسلم ٩٩٦ وابن حبان ٤٢٤١ وأبو نعيم ٤/ ١٢٢ و٥/ ٢٣ و٨٧.
- وله شاهد من حديث ابن عمر أخرجه الطبراني في «الكبير» (١٣٤١٤).
٦٧١- ع صحيح. أخرجه أبو داود ٥١٩٥ والترمذي ٢٦٨٩ والنسائي في «الكبرى» (١٠١٦٩) وأحمد ٤/ ٤٣٩ والبيهقي في «الآداب» (٢٥٨) من طرق عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ، عَنْ عمران بن حصين به، وإسناده قوي، أبو رجاء اسمه عمران بن ملحان، روى له الشيخان.
- وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب اهـ.
- وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٩٨٦) وابن حبان ٤٩٣ وإسناده صحيح. [.....]
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) لفظ «بطول» ليس في المخطوط وط.
(٣) عبارة القرطبي (٥/ ٢٩٧) «وأصل التحية الدعاء بالحياة».
(٤) في المطبوع «منها» بدل «مما سلم».
(٥) زيادة عن المخطوط.
669
جلس، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَشْرٌ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَرَّدَ عَلَيْهِ فَجَلَسَ، فَقَالَ: «عِشْرُونَ» ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَرُدَّ عليه فجلس، فَقَالَ: «ثَلَاثُونَ».
وَاعْلَمْ أَنَّ السَّلَامَ سَنَّةٌ وَرَدَّ السَّلَامِ فَرِيضَةٌ، وَهُوَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ [وَكَذَلِكَ السَّلَامُ سَنَةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ] [١] فَإِذَا سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ كَانَ كَافِيًا في السنة، إذا سَلَّمَ وَاحِدٌ عَلَى جَمَاعَةٍ وَرَدَّ واحد [منهم] [٢] سقط الغرض عَنْ جَمِيعِهِمْ.
«٦٧٢» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمِشٍ الزِّيَادِيُّ، أَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ التَّاجِرُ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ بُكَيْرٍ [٣] الْكُوفِيُّ، أَنَا وَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤَمِّنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ».
«٦٧٣» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا قُتَيْبَةُ، أَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ الله بن عمر [و] [٤] أن رجلا سأل
- ومن حديث أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حنيف، عن أبيه أخرجه ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (٢٣١) وإسناده حسن.
- ومن حديث علي أخرجه ابن السني ٢٣٢ وفي إسناده عبيد بن إسحاق، وهو منكر الحديث. ومن حديث سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ، عن أبيه أخرجه أبو داود ٥١٩٦ وإسناده ضعيف لضعف سهل بن معاذ، لكن هذه الأحاديث تتأيد بمجموعها.
٦٧٢- إسناده صحيح، إبراهيم بن عبد الله ومن دونه ثقات، وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، وكيع هو ابن الجراح، الأعمش هو سليمان بن مهران، أبو صالح اسمه ذكوان، مشهور بكنيته.
وهو في «شرح السنة» (٣١٩٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٥٤ ح ٩٣ وابن ماجه ٦٨ وأحمد ٢/ ٤٤٢ و٤٧٧ وأبو عوانة ١/ ٣٠ وابن مندة ٣٢٨ و٣٣٢ من طرق عن وكيع بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٥٤ ح ٩٤ وأبو داود ٥١٩٣ والترمذي ٢٦٨٨ وابن ماجه ٣٦٩٢ وابن أبي شيبة ٨/ ٦٢٤ و٦٢٥ وأحمد ٢/ ٤٩٥ وابن حبان ٢٣٦ وأبو عوانة ١/ ٣٠ وابن مندة ٣٣٠ من طرق عن الأعمش به.
٦٧٣- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، قتيبة هو ابن سعيد، الليث هو ابن سعد، أبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني.
وهو في «شرح السنة» (٣١٩٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٨) عن قتيبة بِهِذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٢ و٦٢٣٦ ومسلم ٣٩ وأبو داود ٥١٩٤ والنسائي ٨/ ١٠٧ وابن ماجه ٣٢٥٣ وأحمد ٢/ ١٦٩ وابن حبان ٥٠٥ والخطيب في «تاريخ بغداد» (٨/ ١٦٩) وأبو نعيم في «الحلية» (١/ ٢٨٧) من طرق، عن الليث به.
- وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد ٢/ ٢٩٥ و٣٢٣ و٤٩٣ والحاكم ٤/ ١٢٩ و١٦٠ وابن حبان ٥٠٨ وصحح إسناده الحاكم، ووافقه الذهبي.
- ومن حديث أبي مالك الأشعري أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (٢٠٨٨٣) وأحمد ٥/ ٣٤٣ وابن حبان ٥٠٩ والطبراني ٣٤٦٦ والبيهقي ٤/ ٣٠٠.
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في الأصل «بكر» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
(٤) زيادة عن كتب التراجم والتخريج.
670
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَ الطَّعَامَ وَتَقْرَأَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ».
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَيُّ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ، يُرِيدُ أَيُّ خِصَالِ الْإِسْلَامِ خَيْرٌ، وَقِيلَ: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها، مَعْنَاهُ أَيْ إِذَا كَانَ الَّذِي سَلَّمَ مُسْلِمًا، أَوْ رُدُّوها بِمِثْلِهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا.
«٦٧٤» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ، أَنَا أَبُو إِسْحَاقُ الْهَاشِمِيُّ، أَنَا أَبُو مُصْعَبٍ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ [١]، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « [إِنَّ الْيَهُودَ] [٢] إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَحَدُهُمْ [٣] فَإِنَّمَا يقول: السّامّ عليك، فَقُلْ:
عَلَيْكَ»
.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً أَيْ: عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِأَحْسَنَ مِنْهُ، حَسِيبًا أَيْ: مُحَاسِبًا مُجَازِيًا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: حَفِيظًا، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: كَافِيًا، يُقَالُ: حَسْبِي هذا أي كفاني.
قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ، اللَّامُ، لَامُ القسم تقديره: والله ليجمعنّكم [الله] [٤] فِي الْمَوْتِ وَفِي الْقُبُورِ، إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ، وَسُمِّيَتِ الْقِيَامَةُ قِيَامَةً لِأَنَّ النَّاسَ يَقُومُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [الْمَعَارِجِ: ٤٣] وَقِيلَ: لِقِيَامِهِمْ إِلَى الْحِسَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦) [المطففين: ٦]، لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً أَيْ: قَوْلًا ووعدا، قرأ حمزة والكسائي أَصْدَقُ، وكلّ صَادٌ سَاكِنَةٌ بَعْدَهَا دَالٌ بِإِشْمَامِ الزاي.
[سورة النساء (٤) : آية ٨٨]
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨)
فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ اخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: نَزَلَتْ فِي الَّذِينَ تَخَلَّفُوا يَوْمَ أُحُدٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَجَعُوا قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اقْتُلْهُمْ فَإِنَّهُمْ مُنَافِقُونَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اعْفُ عَنْهُمْ فإنهم تكلّموا بالإسلام.
٦٧٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٣٢٠٤) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (٢/ ٩٦٠) عن ابن دينار به.
وأخرجه البخاري ٦٢٥٧ و٦٩٢٨ ومسلم ٢١٦٤ ح ٩ وأبو داود ٥٢٠٦ والترمذي ١٦٠٣ والنسائي في «الكبرى» (١٠٢١٠ و١٠٢١٢) وابن أبي شيبة ٨/ ٦٣٠ و٦٣١ وأحمد ٢/ ١٩ والبيهقي ٩/ ٢٠٣ والبغوي ٣٢٠٥ من طرق عن ابن دينار به.
- وفي الباب من حديث أنس أخرجه مسلم ٢١٦٣ وأبو داود ٥٢٠٧ والترمذي ٣٣٠١ وابن ماجه ٣٦٩٧ وابن أبي شيبة ٨/ ٦٣٠ وابن حبان ٥٠٣ والبخاري في «الأدب المفرد» (١١٠٥).
- ومن حديث عائشة أخرجه البخاري ٢٩٣٥ و٦٠٢٤ و٦٠٣٠ و٦٢٥٦ و٦٣٩٥ و٦٤٠١ ومسلم ٢١٦٥ وابن ماجه ٣٦٩٨ وابن أبي شيبة ٨/ ٦٣٠ والبيهقي ٩/ ٢٠٣ والبغوي في «شرح السنة» (٣٢٠٦ و٣٢٠٧).
(١) في الأصل «يسار» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» وكتب التخريج. [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) في المطبوع «اليهود».
(٤) زيادة عن المخطوط.
671
«٦٧٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، أَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، أَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: [سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ] [١] :
لِمَا خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةٌ تَقُولُ نُقَاتِلُهُمْ وَفِرْقَةٌ تَقُولُ لَا نُقَاتِلُهُمْ، فَنَزَلَتْ: فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا، وَقَالَ:
«إِنَّهَا طَيْبَةُ تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تنفي النّار خبث الفضّة».
ع «٦٧٦» وقال مجاهد: [هم] [٢] قَوْمٌ خَرَجُوا إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا وَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ لِيَأْتُوا بِبَضَائِعٍ لَهُمْ يَتَّجِرُونَ فِيهَا فَخَرَجُوا وَأَقَامُوا بِمَكَّةَ، فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِمْ، فَقَائِلٌ يَقُولُ هُمْ مُنَافِقُونَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ هُمْ مُؤْمِنُونَ.
ع «٦٧٧» وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ وَأَسْلَمُوا ثُمَّ نَدِمُوا عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجُوا كهيئة المتنزهين حتى تباعدوا مِنَ الْمَدِينَةِ فَكَتَبُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّا عَلَى الَّذِي فَارَقْنَاكَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَلَكِنَّا اجْتَوَيْنَا الْمَدِينَةَ وَاشْتَقْنَا إِلَى أَرْضِنَا، ثُمَّ إِنَّهُمْ خَرَجُوا فِي تِجَارَةٍ لَهُمْ نَحْوَ الشَّامِ فَبَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَخْرُجُ إِلَيْهِمْ فَنَقْتُلُهُمْ وَنَأْخُذُ مَا مَعَهُمْ لِأَنَّهُمْ رَغِبُوا عَنْ دِينِنَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَيْفَ تَقْتُلُونَ قَوْمًا عَلَى دِينِكُمْ إِنْ لَمْ يَذَرُوا دِيَارَهُمْ، وَكَانَ هَذَا بِعَيْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاكِتٌ لَا يَنْهَى وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُمْ قَوْمٌ أَسْلَمُوا بِمَكَّةَ ثُمَّ لَمْ يُهَاجِرُوا وَكَانُوا يُظَاهِرُونَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَزَلَتْ [٣] فَما لَكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ أَيْ: صِرْتُمْ فِيهِمْ فِئَتَيْنِ، أَيْ: فِرْقَتَيْنِ، وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ أَيْ: نَكَّسَهُمُ وَرَدَّهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، بِما كَسَبُوا بِأَعْمَالِهِمْ غَيْرِ الزَّاكِيَةِ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا، أَيْ: أَنْ تُرْشِدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَتَقُولُونَ أَنَّ هَؤُلَاءِ مُهْتَدُونَ وَقَدْ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ
٦٧٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو الوليد هو الطيالسي اسمه هشام بن عبد الملك، وهو غير صاحب المسند، وكلاهما يروي عن شعبة، هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» (٣٦٧٧) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٠٥) عن أبي الوليد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ١٨٨٤ و٤٥٨٩ ومسلم ١٣٨٤ و٢٧٧٦ والترمذي ٣٠٢٨ والنسائي في «التفسير» (١٣٣) وأحمد ٥/ ١٨٤ و١٨٧ و١٨٨ والطبري ١٠٠٥٥ والواحدي ٣٤١ من طريق شعبة بهذا الإسناد.
٦٧٦- ع ضعيف. أخرجه الطبري ١٠٠٥٨ عن مجاهد مرسلا وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٤٢ م) عن مجاهد بدون إسناد. وهو ضعيف لكونه مرسلا، والصحيح ما قبله. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٢/ ١٩٠). وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم.
٦٧٧- ع ضعيف. أخرجه أحمد ١/ ١٩٢ والواحدي في «أسباب النزول» (٣٤٢) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ بنحوه، وإسناده منقطع، أبو سلمة لم يسمع من أبيه شيئا. وله علة ثانية: ابن إسحاق مدلس، وقد عنعن.
وورد بنحوه عن السدي مرسلا أخرجه الطبري ١٠٠٦٤، وهو ضعيف. والصواب في ذلك ما رواه الشيخان.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) انظر «تفسير الطبري» (١٠٠٦٠ و١٠٠٦٢ و١٠٠٦٣).
672
أي: [ومن] [١] يضلل اللَّهُ عَنِ الْهُدَى، فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا أَيْ: طَرِيقًا إِلَى الحق.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٨٩ الى ٩٠]
وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَدُّوا، تَمَنَّوْا، يَعْنِي أُولَئِكَ الَّذِينَ رَجَعُوا عَنِ الدِّينِ تَمَنَّوْا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً، فِي الْكُفْرِ، وَقَوْلُهُ فَتَكُونُونَ لَمْ يُرَدْ بِهِ جَوَابُ التَّمَنِّي لِأَنَّ جَوَابَ التَّمَنِّي بِالْفَاءِ مَنْصُوبٌ، إِنَّمَا أَرَادَ النَّسَقَ، أَيْ: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ وَوَدُّوا لَوْ تَكُونُونَ سَوَاءً، مِثْلَ قَوْلِهِ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩) [الْقَلَمِ: ٩] أَيْ: وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ وَوَدُّوا لَوْ تُدْهِنُونَ، فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ، مَنَعَ مِنْ [٢] مُوَالَاتِهِمْ، حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَعَكُمْ، قَالَ عِكْرِمَةُ: هِيَ هِجْرَةٌ أُخْرَى، وَالْهِجْرَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ هِجْرَةُ الْمُؤْمِنِينَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ [الْحَشْرِ: ٨] وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ [النِّسَاءِ: ١٠٠]، وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْآيَاتِ، وَهِجْرَةُ الْمُنَافِقِينَ [٣]. وَهِيَ الْخُرُوجُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَابِرًا مُحْتَسِبًا [٤]، كَمَا حكي هاهنا، [وفي هذه الآية منع [٥] المؤمنين من موالاة المنافقين] [٦] حَتَّى يُهَاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وهجرة سائر المؤمنين ما نهى الله عنه وهي:
ع «٦٧٨» مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمُهَاجِرُ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ».
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنْ تَوَلَّوْا، أَعْرَضُوا عَنِ التَّوْحِيدِ وَالْهِجْرَةِ، فَخُذُوهُمْ، أَيْ: خُذُوهُمْ أُسَارَى، وَمِنْهُ يُقَالُ لِلْأَسِيرِ: أَخِيذٌ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ، وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً، ثُمَّ اسْتَثْنَى طَائِفَةً مِنْهُمْ فَقَالَ:
إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ يَرْجِعُ إِلَى الْقَتْلِ [٧]، لَا إِلَى الْمُوَالَاةِ، لِأَنَّ مُوَالَاةَ الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَمَعْنَى يَصِلُونَ أَيْ: يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِمْ وَيَتَّصِلُونَ بِهِمْ وَيَدْخُلُونَ فيهم بالحلف والجوار، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما: يريد [٨] يلجؤون إِلَى قَوْمٍ، بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَيْ: عَهْدٌ، وَهُمُ الْأَسْلَمِيُّونَ، وَذَلِكَ:
٦٧٨- ع صحيح، أخرجه البخاري ١٠ و٦٤٨٤ وأبو داود ٢٤٨١ والنسائي ٨/ ١٠٥ وأحمد ٢/ ١٦٣ و١٩٢ و٢٠٥ و٢١٢ والدارمي ٢/ ٣٠٠ وابن حبان ١٩٦ وابن مندة ٣٠٩ و٣١٠ و٣١١ و٣١٢ والقضاعي ١٦٦ و١٧٩ و١٨٠ و١٨١ والبيهقي ١٠/ ١٨٧ والبغوي ١٢ من طرق عن الشَّعْبِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو مرفوعا.
(١) العبارة في المطبوع «وكما كفروا».
(٢) في المطبوع «عن».
(٣) في المطبوع وحده «المؤمنين».
(٤) في المطبوع «صابرين محتسبين». [.....]
(٥) زيد في المطبوع وحده «موالاة».
(٦) ما بين المعقوفتين في المخطوط وط «منع من موالاتهم».
(٧) في المخطوط وحده «القليل».
(٨) في المطبوع «يريدون و».
ع «٦٧٩» أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَادَعَ هِلَالَ بْنَ عُوَيْمِرٍ الْأَسْلَمِيَّ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى مَكَّةَ عَلَى أَنْ لَا يُعِينَهُ وَلَا يُعِينَ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَصَلَ إِلَى هِلَالٍ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ وَلَجَأَ إِلَيْهِ فَلَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ مِثْلَ مَا لِهِلَالٍ [١].
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَرَادَ بِالْقَوْمِ الَّذِينَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ بَنِي بَكْرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَنَاةَ كَانُوا فِي الصُّلْحِ وَالْهُدْنَةِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: هُمْ خُزَاعَةُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ جاؤُكُمْ أي: يتصلون بقوم جاؤوكم، حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَيْ: ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ، قَرَأَ الْحَسَنُ وَيَعْقُوبُ (حَصِرَةً) مَنْصُوبَةً مُنَوَّنَةً أَيْ: ضَيِّقَةً صُدُورُهُمْ، يَعْنِي القوم الذين جاؤوكم وَهُمْ بَنُو مُدْلَجٍ، كَانُوا عَاهَدُوا [٢] أَنْ لَا يُقَاتِلُوا الْمُسْلِمِينَ وَعَاهَدُوا قُرَيْشًا أَنْ لَا يُقَاتِلُوهُمْ، حَصِرَتْ: ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ، أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَيْ: عَنْ قِتَالِكُمْ لِلْعَهْدِ الَّذِي بَيْنَكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ، يَعْنِي: مَنْ أَمِنَ مِنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ لَا يُقَاتِلُونَكُمْ مَعَ قَوْمِهِمْ وَلَا يُقَاتِلُونَ قَوْمَهُمْ مَعَكُمْ، يَعْنِي قُرَيْشًا قَدْ ضَاقَتْ صُدُورُهُمْ لِذَلِكَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ: إِلَى قَوْمٍ بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم، [أو: قد] [٣] حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ [٤] وَالْقِتَالِ مَعَكُمْ، وَهُمْ قَوْمُ هِلَالٍ الأَسْلَمِيُّونَ وَبَنُو بَكْرٍ، نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْ قِتَالٍ هَؤُلَاءِ الْمُرْتَدِّينَ إِذَا اتَّصَلُوا بِأَهْلِ عَهْدٍ لِلْمُسْلِمِينَ، لِأَنَّ مَنِ انْضَمَّ إِلَى قَوْمٍ ذَوِي عَهْدٍ فَلَهُ حُكْمُهُمْ فِي حَقْنِ الدَّمِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ، يَذْكُرُ مِنَّتَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِكَفِّ بَأْسِ الْمُعَاهِدِينَ، يَقُولُ: إِنَّ ضَيِّقَ صُدُورِهِمْ عَنْ قِتَالِكُمْ لِمَا أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الرُّعْبِ وَكَفَّهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ مَعَ قَوْمِهِمْ، فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ أَيْ: اعْتَزَلُوا قِتَالَكُمْ، فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ، وَمَنِ اتَّصَلَ بِهِمْ، وَيُقَالُ: يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ يُقَاتِلُوكُمْ مَعَ قَوْمِهِمْ، وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ، أَيْ:
الصُّلْحَ فَانْقَادُوا وَاسْتَسْلَمُوا فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا أي: طريقا بالقتل والقتال.
[سورة النساء (٤) : آية ٩١]
سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: سَتَجِدُونَ آخَرِينَ قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: هُمْ أَسَدٌ وغَطْفَانُ كَانُوا حَاضِرِي الْمَدِينَةِ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ رِيَاءً وَهُمْ غَيْرُ مُسْلِمِينَ، وَكَانَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ يَقُولُ لَهُ قَوْمُهُ: بِمَاذَا أَسْلَمَتْ؟ فَيَقُولُ آمَنَتْ بِهَذَا الْقِرْدِ وَبِهَذَا الْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ، وَإِذَا لَقُوا أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا: إِنَّا عَلَى دِينِكُمْ، يُرِيدُونَ بِذَلِكَ الْأَمْنَ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هم بنو عبد الدار وكانوا بِهَذِهِ الصِّفَةِ، يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ، فَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ، فَلَا يَتَعَرَّضُوا لَهُمْ، كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أَيْ: دُعُوا إِلَى الشِّرْكِ، أُرْكِسُوا فِيها أَيْ: رَجَعُوا وَعَادُوا إِلَى الشِّرْكِ، فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ أَيْ: فَإِنْ لَمْ يَكُفُّوا عَنْ قِتَالِكُمْ حَتَّى تَسِيرُوا إِلَى مَكَّةَ، وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ أَيْ:
المفاداة [٥] والصلح، وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ [أي] [٦]، وَلَمْ يَقْبِضُوا أَيْدِيَهُمْ عَنْ قِتَالِكُمْ، فَخُذُوهُمْ، أُسَرَاءَ، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ أَيْ: وَجَدْتُمُوهُمْ، وَأُولئِكُمْ أَيْ: أَهَّلُ هَذِهِ الصِّفَةِ، جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ
٦٧٩- ع عزاه السيوطي في «أسباب النزول» (٣٢٩) لابن أبي حاتم عن مجاهد، ولم أقف على إسناده، وهو ضعيف بكل حال لإرساله.
(١) ضعيف جدا، فهو من رواية الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابن عباس، والكلبي متروك متهم، وأبو صالح، روى عن ابن عباس مناكير.
(٢) زيد في المطبوع وحده «قريشا».
(٣) في المطبوع وط «أي».
(٤) في المطبوع «قتالهم».
(٥) في المطبوع «المفادة».
(٦) زيادة عن المخطوط.
سُلْطاناً مُبِيناً أَيْ: حُجَّةً بَيِّنَةً ظاهرة بالقتل والقتال.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٢]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً، الآية:
ع «٦٨٠» نَزَلَتْ فِي عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَأَسْلَمَ ثُمَّ خَافَ أَنْ يُظْهِرَ إِسْلَامَهُ لِأَهْلِهِ فَخَرَجَ هَارِبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَتَحَصَّنَ فِي أُطُمٍ مِنْ آطَامِهَا [١]، فجزعت لذلك أمه جَزَعًا شَدِيدًا وَقَالَتْ لِابْنَيْهَا [٢] الْحَارِثِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَهُمَا أخواه لأمه: لا وَاللَّهِ لَا يُظِلُّنِي سَقْفٌ وَلَا أَذُوقُ طَعَامًا وَلَا شَرَابًا حَتَّى تَأْتُونِي بِهِ، فَخَرَجَا فِي طَلَبِهِ وَخَرَجَ مَعَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي أَنِيسَةَ حَتَّى أَتَوْا الْمَدِينَةَ، فَأَتَوْا عَيَّاشًا وَهُوَ فِي الْأُطُمِ، قَالَا لَهُ: انْزِلْ فَإِنَّ أمك لم يؤوها سَقْفُ بَيْتٍ بَعْدَكَ، وَقَدْ حَلَفَتْ أَلَّا تَأْكُلَ طَعَامًا وَلَا تَشْرَبَ شَرَابًا حَتَّى تَرْجِعَ إِلَيْهَا وَلَكَ عَهْدُ اللَّهِ عَلَيْنَا أَنْ لَا نكرهك على شيء ولا تحول بَيْنَكَ وَبَيْنَ دِينِكَ، فَلَمَّا ذَكَرُوا لَهُ جَزَعَ أَمِّهِ وَأَوْثَقُوا لَهُ بِاللَّهِ نَزَلَ إِلَيْهِمْ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ ثُمَّ أَوْثَقُوهُ بِنِسْعَةٍ فَجَلَدَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [٣] مِائَةَ جَلْدَةٍ، ثُمَّ قَدَمُوا بِهِ عَلَى أُمِّهِ فَلَمَّا أَتَاهَا قَالَتْ: وَاللَّهِ لَا أَحُلُّكَ مِنْ وِثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِالَّذِي آمَنْتَ بِهِ، ثُمَّ تَرَكُوهُ مُوَثَّقًا مَطْرُوحًا فِي الشَّمْسِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَعْطَاهُمُ الَّذِي أَرَادُوا فَأَتَاهُ [٤] الْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ فَقَالَ: يَا عَيَّاشُ أَهَذَا الَّذِي كُنْتَ عليه فو الله لَئِنْ كَانَ هُدًى لَقَدْ تَرَكْتَ الهدى، ولئن كان ضَلَالَةً لَقَدْ كُنْتَ عَلَيْهَا، فَغَضِبَ عَيَّاشٌ مِنْ مَقَالَتِهِ، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَلْقَاكَ خَالِيًا أَبَدًا إِلَّا قَتَلْتُكَ، ثُمَّ إِنَّ عَيَّاشًا أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَاجَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ بَعْدَهُ وَهَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ عَيَّاشٌ حَاضِرًا يومئذ ولم يشعر بإسلامه فبينما عَيَّاشٌ يَسِيرُ بِظَهْرِ قُبَاءَ إِذْ لَقِيَ الْحَارِثَ فَقَتَلَهُ، فَقَالَ النَّاسُ: ويحك أي شيء قد صَنَعَتْ؟ إِنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَرَجَعَ عَيَّاشٌ إِلَى [٥] رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ الْحَارِثِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَإِنِّي لَمْ أَشْعُرْ بِإِسْلَامِهِ حَتَّى قَتَلْتُهُ، فَنَزَلَ: وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً.
وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ قَتْلِ الْمُؤْمِنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ [الْأَحْزَابِ: ٥٣]، إِلَّا خَطَأً، اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ مَعْنَاهُ: لَكِنْ إِنْ وَقَعَ خَطَأٌ، وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أَيْ: فَعَلَيْهِ إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كَفَّارَةٌ، وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ، كَامِلَةٌ، إِلى أَهْلِهِ أَيْ: إِلَى أهل القتيل الذين
٦٨٠- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» بإثر (٣٤٣) عن الكلبي بدون إسناد.
وورد بمعناه أخرجه الطبري ١٠٠٩٨ عن السدي مرسلا و١٠٠٩٧ عن عكرمة مرسلا و١٠٠٩٥ و١٠٠٩٦، عن مجاهد مرسلا.
- وورد مختصرا عند الواحدي في «أسباب النزول» (٣٤٣) والبيهقي ٨/ ٧٢ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عن أبيه، وهذا مرسل، ولعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها، والله أعلم.
(١) الأطم: الحصن. كما في «الصحاح».
(٢) في المطبوع «لابنها». [.....]
(٣) في المطبوع «منهم».
(٤) في المطبوع «فأتاهم».
(٥) في المطبوع «لرسول».
675
يَرِثُونَهُ، إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا أَيْ: يَتَصَدَّقُوا بِالدِّيَةِ فَيَعْفُوا وَيَتْرُكُوا الدِّيَةَ، فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَرَادَ بِهِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ مُنْفَرِدًا مَعَ الْكُفَّارِ فَقَتَلَهُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ بِإِسْلَامِهِ فَلَا دِيَةَ عليه، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ مِنْ نَسَبِ قَوْمٍ كُفَّارٍ، وَقَرَابَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ حَرْبٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ الْكَفَّارَةُ وَلَا دِيَةَ لِأَهْلِهِ، وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ زَيْدٍ مِنْ قَوْمٍ كُفَّارِ حَرْبٍ لِلْمُسْلِمِينَ وَكَانَ فِيهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ قَوْمِهِ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ أَرَادَ بِهِ إِذَا كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا ذميا أو معاهدا فتجب فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ، وَالْكَفَّارَةُ تَكُونُ بِإِعْتَاقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْتُولُ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا وَتَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ، وَالْقَاتِلُ إِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلرَّقَبَةِ أَوْ قَادِرًا عَلَى تَحْصِيلِهَا بِوُجُودِ ثَمَنِهَا فَاضِلًا عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَحَاجَتِهِ مِنْ مَسْكَنٍ وَنَحْوِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعْتَاقُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إِلَى الصَّوْمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ تَحْصِيلِهَا فَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ أَفَطَرَ يَوْمًا مُتَعَمِّدًا فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ أَوْ نَسِيَ النِّيَّةَ وَنَوَى صَوْمًا آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الشَّهْرَيْنِ، وَإِنَّ أَفْطَرَ [١] يَوْمًا بِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ فَهَلْ يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ؟ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَنْقَطِعُ وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الشَّهْرَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَأَظْهَرُ قَوْلَيِ [٢] الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ مُخْتَارًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا يَنْقَطِعُ وَعَلَيْهِ [٣] أَنْ يَبْنِيَ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ، وَلَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي خِلَالِ الشَّهْرَيْنِ أَفْطَرَتْ أَيَّامَ الْحَيْضِ وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ، فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى مَا صَامَتْ [٤]، لِأَنَّهُ أَمْرٌ مَكْتُوبٌ عَلَى النِّسَاءِ لَا يُمْكِنُهُنَّ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الصَّوْمِ فَهَلْ يَخْرُجُ عَنْهُ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا، فِيهِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: يَخْرُجُ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالثَّانِي لَا يَخْرُجُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَذْكُرْ لَهُ بَدَلًا فَقَالَ: فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ. تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ أَيْ: جعل الله ذلك توبة القاتل الْخَطَإِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً، بِمَنْ قَتَلَ خَطَأً حَكِيماً فِيمَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ، أَمَّا الْكَلَامُ فِي بَيَانِ الدِّيَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْقَتْلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: عَمْدٌ مَحْضٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَخَطَأٌ مَحْضٌ، أَمَّا الْمَحْضُ فَهُوَ: أَنْ يَقْصِدَ قَتْلَ إِنْسَانٍ بِمَا يُقْصَدُ بِهِ الْقَتْلُ غَالِبًا فَقَتَلَهُ فَفِيهِ الْقَصَّاصُ عِنْدَ وُجُودِ التَّكَافُؤِ، أَوْ دِيَةٌ مُغْلِظَةٌ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةٌ، وَشِبْهُ الْعَمْدِ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ بِمَا لا يموت مثله من ذَلِكَ الضَّرْبِ غَالِبًا، بِأَنْ ضَرَبَهُ بِعَصًا خَفِيفَةٍ، أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ ضَرْبَةً أَوْ ضَرْبَتَيْنِ، فَمَاتَ فَلَا قصاص فيه، بل تجب فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُؤَجَّلَةٌ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ، وَالْخَطَأُ الْمَحْضُ هُوَ: أَنْ لَا يَقْصِدُ قتله [٥] بَلْ قَصَدَ شَيْئًا آخَرَ فَأَصَابَهُ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَا قَصَاصَ فِيهِ، بل تجب [فيه] [٦] دية مخفضة عَلَى عَاقِلَتِهِ مُؤَجَّلَةٌ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ فِي الْأَنْوَاعِ كُلِّهَا، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَتْلُ الْعُمَدِ لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِأَنَّهُ كَبِيرَةٌ كَسَائِرِ الْكَبَائِرِ. وَدِيَةٌ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ فَإِذَا عُدِمَتِ الْإِبِلُ وَجَبَتْ قِيمَتُهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ أَوِ الدَّنَانِيرِ فِي قَوْلٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ بَدَلٌ مُقَدَّرٌ مِنْهَا وَهُوَ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوِ اثني عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَرَضَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَعَلَى أَهْلِ الْوَرَقِ اثَّنَى عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. [وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الدِّيَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ
(١) في المطبوع «فصل».
(٢) في المطبوع «قول».
(٣) في المطبوع «وله».
(٤) في المطبوع «أصابت».
(٥) في المخطوط «ضربه».
(٦) زيادة عن المخطوط.
676
أَلْفَ دِرْهَمٍ] [١]. وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ أَوْ أَلْفُ دِينَارٍ، أَوْ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَدِيَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْعَهْدِ ثُلُثُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ إِنْ كَانَ كِتَابِيًّا وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا فَخُمُسُ الدِّيَةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: دِيَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ المجوسي ثمانمائة درهم، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ والحسن وذهب إليه الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهِدِ مِثْلُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَقَالَ قَوْمٌ: دِيَةُ الذِّمِّيِّ نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَالدِّيَةُ فِي الْعَمْدِ الْمَحْضِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ مُغَلَّظَةٌ بِالسِّنِّ فَيَجِبُ ثَلَاثُونَ حُقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً [٢] فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ: وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لِمَا:
«٦٨١» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَلَا إِنَّ في قتيل الْعَمْدِ الْخَطَإِ بِالسَّوْطِ أَوِ الْعَصَا مئة مِنَ الْإِبِلِ مُغَلَّظَةً، مِنْهَا أَرْبَعُونَ خَلِفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا».
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ الْمُغَلَّظَةَ أَرْبَاعٌ: خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لِبَوْنٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حُقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، وَأَمَّا دِيَةُ الْخَطَإِ فَمُخَفَّفَةٌ، وَهِيَ أَخْمَاسٌ بِالِاتِّفَاقِ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَقْسِيمِهَا، فَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّهَا عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ لِبَوْنٍ، وَعِشْرُونَ حُقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ، وَأَبْدَلَ قَوْمٌ بَنِي اللَّبُونِ ببنات المخاض، يروى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وِدِيَةُ الْأَطْرَافِ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ، وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ فِيهَا عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الرَّجُلِ وَالدِّيَةُ في قتل الخطأ وشبه
٦٨١- حديث حسن، إسناده ضعيف لضعف عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، لكن لم ينفرد بهذا المتن، ابن عيينة هو سفيان.
- وهو في «شرح السنة» (٢٥٣٠) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ١٠٨) عن ابن عيينة بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٤٥٤٩ والنسائي ٨/ ٤٢ وابن ماجه ٢٦٢٨ وعبد الرزاق ١٧٢١٢ وابن أبي شيبة ٩/ ١٢٩- ١٣٠ وأحمد ٢/ ١١ والدارقطني ٣/ ١٠٥ والبيهقي ٨/ ٤٤ من طرق عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جدعان بهذا الإسناد.
وله شاهد:
- أخرجه أبو داود ٤٥٤٧ والنسائي ٨/ ٤١ وابن ماجه ٢٦٢٧ والبيهقي ٨/ ٤٥ من طرق، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ خالد بن مهران الحذاء، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عقبة بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو به.
وأخرجه أبو داود ٤٥٤٨ والدارقطني ٣/ ١٠٤ و١٠٥ وابن حبان ٦٠١١ من طريق وهيب بن خالد، عن خالد الحذاء، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ عقبة بْنِ أَوْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمرو به.
وانظر مزيد الكلام عليه في «أحكام القرآن» (٥٤٠) بتخريجي، والله الموفق.
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) الخلفة: الحامل من النوق.
677
الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَهُمْ عَصَبَاتُ الْقَاتِلِ مِنَ الذُّكُورِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْجَانِي مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أوجبها على العاقلة.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٣]
وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً الآية:
ع «٦٨٢»، نَزَلَتْ فِي مِقْيَسِ بْنِ صُبَابَةَ الكندي، وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ هُوَ وَأَخُوهُ هشام فوجد أخاه هشام قَتِيلًا فِي بَنِي النَّجَّارِ فَأَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَرْسَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُ رَجُلًا مِنْ بَنِي فِهْرٍ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُكُمْ إِنْ عَلَّمْتُمْ قَاتِلَ هاشم بْنِ صُبَابَةَ أَنْ تَدْفَعُوهُ إِلَى مِقْيَسِ فَيَقْتَصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا أَنْ تَدْفَعُوا إِلَيْهِ دِيَتَهُ، فَأَبْلَغَهُمُ الْفِهْرِيُّ ذَلِكَ فَقَالُوا: سَمْعًا وَطَاعَةً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ لَهُ قَاتِلًا وَلَكِنَّا نُؤَدِّي دِيَتَهُ فَأَعْطَوْهُ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، ثُمَّ انْصَرَفَا رَاجِعَيْنِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ، فيأتي الشَّيْطَانُ مِقْيَسًا فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: تَقْبَلُ دِيَةَ أَخِيكَ فَتَكُونُ عَلَيْكَ مَسَبَّةٌ [١]، اقْتُلِ الَّذِي مَعَكَ فَتَكُونَ نَفْسٌ مَكَانَ نَفْسٍ وَفَضْلُ الدِّيَةِ، فَتَغَفَّلَ الْفِهْرِيَّ فَرَمَاهُ بِصَخْرَةٍ فَشَدَخَهُ [٢]، ثُمَّ رَكِبَ بَعِيرًا وَسَاقَ بَقِيَّتَهَا رَاجِعًا إِلَى مَكَّةَ كَافِرًا فَنَزَلَ فِيهِ: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً.
فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، بِكَفْرِهِ وَارْتِدَادِهِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَثْنَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، [عَمَّنْ أَمَّنَهُ] [٣] فَقُتِلَ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ أَيْ: طَرَدَهُ عَنِ الرَّحْمَةِ، وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً، اخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ قَاتِلَ الْمُؤْمِنِ عَمْدًا لَا تَوْبَةَ لَهُ، فَقِيلَ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْفُرْقَانِ: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَى أَنْ قَالَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً (٦٨) يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً (٦٩) إِلَّا مَنْ تابَ، فقال: كانت هذه [الآية] [٤] فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَزَنَوْا فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ لَحَسَنٌ، لَوْ تُخْبِرُنَا [٥] أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةٌ، فَنَزَلَتْ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ إِلَى قَوْلِهِ إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ [الفرقان: ٦٨- ٧٠]، فَهَذِهِ لِأُولَئِكَ وَأَمَّا الَّتِي فِي النِّسَاءِ فَالرَّجُلُ إِذَا عَرَفَ الْإِسْلَامَ وشرائعه ثم قتل مسلما متعمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: لَمَّا نَزَلَتِ الَّتِي فِي الْفُرْقَانِ وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ، عَجِبْنَا مِنْ لِينِهَا فَلَبِثْنَا سَبْعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ نَزَلَتِ الْغَلِيظَةُ بَعْدَ اللَّيِّنَةِ فَنَسَخَتِ اللَّيِّنَةُ، وَأَرَادَ بِالْغَلِيظَةِ [هَذِهِ] [٦] الْآيَةَ، وَبِاللَّيِّنَةِ آيَةَ الْفَرْقَانِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: تِلْكَ آية مكية وهذه مدنية ولم ينسخها شيء،
٦٨٢- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٤٤) عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن ابن عباس بدون إسناد. وهذا إسناد ساقط مع كونه معلقا، الكلبي متروك متهم.
وأخرجه الطبري ١٠١٩١ مختصرا عن عكرمة مرسلا.
وانظر «الدر المنثور» (٢/ ٣٤٩).
(١) في المخطوط «شبهة». [.....]
(٢) في المطبوع وحده «فقتله».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المطبوع وحده «ويخبرنا».
(٦) زيادة عن المخطوط.
678
وَالَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ قَاتِلَ الْمُسْلِمِ عَمْدًا تَوْبَتُهُ مَقْبُولَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً [طَه: ٨٢] وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النِّسَاءِ: ٤٨، ١١٦]، وَمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَهُوَ تَشْدِيدٌ وَمُبَالَغَةٌ فِي الزَّجْرِ عَنِ الْقَتْلِ، كَمَا رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ لَمْ يَقْتُلْ يُقَالُ لَهُ لَا تَوْبَةَ لَك، وَإِنْ قَتَلَ ثُمَّ جَاءَ يُقَالُ لَكَ توبة [١]. ويروى مثله ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ مُتَعَلَّقٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالتَّخْلِيدِ فِي النَّارِ بِارْتِكَابِ الْكَبَائِرِ، لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قاتل هو كَافِرٌ، وَهُوَ مِقْيَسُ [٢] بْنُ صُبَابَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ وَعِيدٌ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ بِسَبَبِ إِيمَانِهِ، وَمَنِ اسْتَحَلَّ قَتْلَ أَهْلِ الْإِيمَانِ لِإِيمَانِهِمْ كَانَ كَافِرًا مُخَلَّدًا فِي النار، وقيل: قَوْلِهِ تَعَالَى: فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها مَعْنَاهُ هِيَ جَزَاؤُهُ إِنْ جَازَاهُ، وَلَكِنَّهُ إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ [بذنبه] [٣] وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ بِكَرَمِهِ، فَإِنَّهُ وَعَدَ أَنْ يَغْفِرَ لِمَنْ يَشَاءُ، حُكِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ جَاءَ إِلَى أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ فَقَالَ لَهُ: هَلْ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها فَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: مِنَ الْعُجْمَةِ [٤] أَتَيْتَ يَا أَبَا عُثْمَانَ! إِنَّ الْعَرَبَ لَا تَعُدُّ الْإِخْلَافَ فِي الْوَعِيدِ خَلَفًا وَذَمًّا وَإِنَّمَا تَعُدُ إِخْلَافَ الْوَعْدِ خَلَفًا وَذَمًّا وَأَنْشَدَ:
وَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ [٥] أَوْ وَعَدْتُهُ لَمُخْلِفُ إِيعَادَيِ وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي [٦]
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الشِّرْكِ لَا يُوجِبُ التَّخْلِيدَ فِي النَّارِ:
ع «٦٨٣» ما رويناه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا دَخْلَ الْجَنَّةَ».
«٦٨٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا أَبُو الْيَمَانِ [٧] أَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ العقبة:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: «بَايِعُونِي عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا تَسْرِقُوا وَلَا تَزْنُوا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَلَا تَعْصُوا فِي مَعْرُوفٍ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا [فَعُوقِبَ فِي الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من
(١) انظر «تفسير الطبري» (١٠١٩٥ و١٠٩٦).
(٢) تصحف في المخطوط «مقبس».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع وحده «العجم».
(٥) في الأصل «وعدته» وهو تصحيف.
(٦) البيت لعامر بن الطفيل.
(٧) في الأصل «اليمن» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة» و «صحيح البخاري».
٦٨٣- ع تقدم برقم: ٦٢٤ وهو صحيح.
٦٨٤- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، أبو اليمان هو الحكم بن نافع، شعيب هو ابن دينار، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو في «شرح السنة» (٢٩) بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق البخاري، وفي «صحيحه» (١٨) عن أبي اليمان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٣٨٩٢ و٤٨٩٤ و٦٧٨٤ ومسلم ١٧٠٩ والترمذي ١٤٣٩ والنسائي في «الكبرى» (٧٢٩٢ و٧٧٨٤) وأحمد ٥/ ٣١٤ من طرق عن الزهري بهذا الإسناد. [.....]
679
ذَلِكَ شَيْئًا] [١] ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ عليه، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ»، فبايعناه على ذلك.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٤]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا الآية:
ع «٦٨٥» قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عوف يقال له مرادس بْنُ نَهِيكَ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ فَدَكَ [وَكَانَ] [٢] مُسْلِمًا لَمْ يُسْلِمْ مِنْ قَوْمِهِ غَيْرُهُ، فَسَمِعُوا بِسَرِيَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُرِيدُهُمْ، وَكَانَ عَلَى السَّرِيَّةِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ غَالِبُ بْنُ فُضَالَةَ اللَّيْثِيُّ، فَهَرَبُوا وَأَقَامَ الرَّجُلُ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى دِينِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْخَيْلَ خَافَ أَنْ يَكُونُوا مِنْ غَيْرِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَلْجَأَ غَنَمَهُ إِلَى عَاقُولٍ [٣] مِنَ الْجَبَلِ، وَصَعَدَ هُوَ إِلَى الْجَبَلِ فَلَمَّا تَلَاحَقَتِ الْخَيْلُ سَمِعَهُمْ يُكَبِّرُونَ، فَلَمَّا سَمِعَ التَّكْبِيرَ عَرَفَ أَنَّهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَرٍّ وَنَزَلَ وَهُوَ يَقُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَتَغَشَّاهُ أسامة بن زيد بسيفه فَقَتَلَهُ وَاسْتَاقَ غَنَمَهُ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ وَجْدًا شَدِيدًا وَكَانَ قَدْ سَبَقَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ الْخَبَرُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم: «أقتلتموه إِرَادَةَ مَا مَعَهُ» ؟ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ استغفر لي فقال: «وكيف بَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟!» قَالَهَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قَالَ أُسَامَةُ: فَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعِيدُهَا حَتَّى وَدِدْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ إِلَّا يَوْمئِذٍ، ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَغْفَرَ لِي بَعْدَ ثَلَاثِ مَرَّاتٍ، وقال: «أعتق رقبة».
ع «٦٨٦» وَرَوَى أَبُو ظَبْيَانَ عَنْ أُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ: يا رسول الله إنّما قالها [٤] خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أقالها خوفا أم لا» ؟
٦٨٥- ع ضعيف جدا بهذا اللفظ.
قال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٥٢) : أخرجه الثعلبي من رواية الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابن عباس اهـ.
والكلبي متهم بالكذب، وخصوصا في روايته عن أبي صالح.
- وأخرجه الطبري ١٠٢٢٦ من رواية أسباط، عن السدي مرسلا وليس فيه استغفار النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسامة، وقوله «أعتق رقبة».
- وأصل الخبر في صحيحي البخاري ٤٢٦٩ ومسلم ٩٦ من حديث أسامة بن زيد وليس فيه قوله «أعتق رقبة» واستغفار النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسامة.
٦٨٦- ع صحيح. أخرجه مسلم ٩٦ ح ١٥٨ وأبو داود ٢٦٤٣ والنسائي في «الكبرى» (٨٥٩٤) من طريق الأعمش، عن أبي ظبيان به.
- وأخرجه البخاري ٤٢٦٩ و٦٨٧٢ ومسلم ٩٦ ح ١٥٩ والنسائي ٨٥٩٣ وأحمد ٥/ ٢٠٠ وابن حبان ٥٧٥١ من طريق أبي ظبيان بنحوه.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) زيادة عن المخطوط وط.
(٣) العاقول: معظم البحر أو موجه، ومعطف الوادي والنهر والأرض لا يهتدي إليها. كما في «القاموس».
(٤) في المطبوع «قال».
680
ع «٦٨٧» وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ غَنَمٌ لَهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ فقاموا وقتلوه وأخذوا غنمه فأتوا بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
يَعْنِي إِذَا سَافَرْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَعْنِي: الْجِهَادَ، فَتَبَيَّنُوا قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ هَاهُنَا فِي مَوْضِعَيْنِ وَفِي سُورَةِ الْحُجُرَاتِ بِالتَّاءِ وَالثَّاءِ مِنَ التَّثْبِيتِ، أَيْ: قِفُوا حَتَّى تَعْرِفُوا الْمُؤْمِنَ مِنَ الْكَافِرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ مِنَ التَّبَيُّنِ، يُقَالُ: تَبَيَّنْتُ الْأَمْرَ إِذَا تَأَمَّلْتُهُ، (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ ألقى إليكم السّلم) هكذا قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وحمزة [١] أي: المعاذة [٢] وَهُوَ قَوْلُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، وَقَرَأَ الآخرون السلم وَهُوَ السَّلَامُ الَّذِي هُوَ تَحِيَّةُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، وَقِيلَ: السَّلَمُ وَالسَّلَامُ وَاحِدٌ، أَيْ: لَا تَقُولُوا لِمَنْ سَلَّمَ عليكم لست مؤمنا، فذلك قوله تعالى: لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا، يَعْنِي: تَطْلُبُونَ الْغُنْمَ وَالْغَنِيمَةَ، وعَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا مَنَافِعَهَا وَمَتَاعَهَا، فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ، أَيْ غَنَائِمُ، كَثِيرَةٌ، وَقِيلَ: ثَوَابٌ كَثِيرٌ لِمَنِ اتَّقَى قَتْلَ الْمُؤْمِنِ، كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَذَلِكَ كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ إِيمَانَكُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، بِإِظْهَارِ الْإِسْلَامِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كُنْتُمْ ضُلَّالًا مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بالهداية، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ تَأْمَنُونَ فِي قَوْمِكُمْ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ قَبْلَ الْهِجْرَةِ فَلَا تُخِيفُوا [٣] مَنْ قَالَهَا فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ بِالْهِجْرَةِ، فَتَبَيَّنُوا أَنْ تَقْتُلُوا مُؤْمِنًا، إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً، قُلْتُ: إِذَا رَأَى الْغُزَاةُ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ شِعَارَ الْإِسْلَامِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَكُفُّوا عَنْهُمْ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا غَزَا قَوْمًا فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَغَارَ عَلَيْهِمْ.
«٦٨٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ
٦٨٧- ع صحيح. أخرجه الترمذي ٣٠٣٠ وأحمد ١/ ٢٢٩ و٢٧٢ و٣٢٤ والطبري ١٠٢٢٢ والطبراني ١١٧٣١ والحاكم ٢/ ٢٣٥ والبيهقي ٩/ ١١٥ والواحدي في «أسباب النزول» (٣٤٦) من طرق عن عكرمة به وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي: حديث حسن اهـ.
- وأخرجه البخاري ٤٥٩١ ومسلم ٣٠٢٥ وأبو داود ٣٩٧٤ والطبري ١٠٢١٩ و١٠٢٢٠ و١٠٢٢١ والواحدي ٣٤٥ والبيهقي ٩/ ١١٥ من طرق، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عن ابن عباس بنحوه.
٦٨٨- إسناده ضعيف، عبد الملك بن نوفل، وثقه ابن حبان، وقال عنه الحافظ: مقبول. وشيخه ابن عصام، مجهول. قيل:
اسمه عبد الله، وقيل: عبد الرحمن. وأبو عصام المزني، له هذا الحديث الواحد.
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٩٧) بهذا الإسناد.
خرّجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ١١٦) عن سفيان بهذا الإسناد. وأخرجه أبو داود ٢٦٣٥ والترمذي ١٥٤٩ والنسائي في «الكبرى» (٨٨٣٨) وأحمد ٣/ ٤٤٨ من طرق عن سفيان بهذا الإسناد.
- وله شاهد من حديث أنس قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فينظر، فَإِنْ سَمِعَ أَذَانًا كَفَّ عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ أَذَانًا أَغَارَ عليهم....» أخرجه البخاري ٦١٠ و٢٩٤٤ ومسلم ٣٨٢ و٣/ ١٤٢٧ ح ١٢١ والنسائي ١/ ٢٧١- ٢٧٢ وأبو داود ٢٦٣٤ والترمذي ١٦١٨ وابن أبي شيبة ١٤/ ٤٦١ والطيالسي ٢٠٣٤ وأبو يعلى ٣٣٠٧ وابن حبان ٤٧٤٥ و٤٧٥٤ ومالك ٢/ ٤٦٨ وأحمد ٣/ ١٨٦ و٢٤٦ وابن سعد ٢/ ١٠٩ والبيهقي ٩/ ٧٩.
(١) في المخطوط «الكسائي» وهو خطأ.
(٢) تصحف في المخطوط «المفاداة».
(٣) في المخطوط «تجيبوا».
681
أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ مُسَاحِقٍ عَنِ ابْنِ عِصَامٍ عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً قَالَ: «إِذَا رَأَيْتُمْ مَسْجِدًا أو سمعتم أذانا فلا تقتلنّ [١] أحدا».
[سورة النساء (٤) : آية ٩٥]
لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً (٩٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْآيَةُ:
«٦٨٩»، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثنا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخْبَرَهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَى عَلَيْهِ لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قال: فجاءه ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ يُمْلِيهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ، وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى [على رسوله] [٢] وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَيَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ.
فَهَذِهِ الْآيَةُ في فضل الْجِهَادِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْجِهَادِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ، قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَابْنُ عَامِرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِنَصْبِ الرَّاءِ، أَيْ: إِلَّا أُولِي الضَّرَرِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِرَفْعِ الرَّاءِ عَلَى نَعْتِ الْقاعِدِينَ يُرِيدُ: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ الَّذِينَ هُمْ غَيْرُ أَولِي الضَّرَرِ، أَيْ: غَيْرُ أُولِي الزَّمَانَةِ وَالضَّعْفِ فِي الْبَدَنِ وَالْبَصَرِ، وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ، أي: ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر والمؤمنون المجاهدون سواء غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ فَإِنَّهُمْ يُسَاوُونَ المجاهدين، لأن العذر أقعدهم.
٦٨٩- إسناده صحيح على شرط البخاري، عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هو ابن يحيى الأويسي، تفرد عنه البخاري دون مسلم، ابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري.
- وهو في «شرح السنة» (٣٦٣٣) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٢٨٣٢) عن عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٥٩٢ والترمذي ٣٠٣٣ والنسائي ٦/ ٩ و١٠ وأحمد ٥/ ١٨٤ والطبري ١٠٢٤٤ وابن الجارود ١٠٣٤ والطبراني ٤٨١٤ و٤٨١٥ و٤٨١٦ والبيهقي ٩/ ٢٣ من طرق، عن الزهري بهذا الإسناد.
- وأخرجه أحمد ٥/ ١٨٤ وابن حبان ٤٧١٣ والطبري ١٠٢٤٥ والطبراني ٥/ ٤٨٩٩ وأبو نعيم في «الدلائل» (١٧٥) من طريق عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ الزهري، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت به.
- وورد بنحوه من حديث الفلتان بن عاصم أخرجه ابن حبان ٤٧١٢ والطبراني ١٨/ ٨٥٦ والبزار ٢٢٠٣ وأبو يعلى ١٥٨٣ وقال الهيثمي في «المجمع» (٩٤٤٤) : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
ويشهد له أيضا حديث البراء بن عازب أخرجه البخاري ٤٥٩٣ و٤٥٩٤ ومسلم ١٨٩٨ والترمذي ١٦٧٠ والنسائي ٦/ ١٠ والطبري ١٠٢٣٨- ١٠٢٤٢ والبيهقي ٩/ ٢٣.
- ومن حديث زيد بن أرقم أخرجه الطبري ١٠٢٤٣ والطبراني ٥٠٥٣. وفي الباب أحاديث، فهو حديث مشهور.
(١) في المطبوع «فلا تقتلوا».
(٢) زيادة عن المخطوط. [.....]
«٦٩٠» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ مُنِيبٍ أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فقال: «إِنَّ فِي الْمَدِينَةِ لَأَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مِنْ مَسِيرٍ وَلَا قَطَعْتُمْ مِنْ وَادٍ إِلَّا كَانُوا مَعَكُمْ فِيهِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟ قَالَ: «نَعَمْ وَهُمْ بالمدينة حبسهم العذر».
وَرَوَى مِقْسَمٌ [١] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ، قَوْلُهُ تَعَالَى: فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً، [أَيْ: فَضِيلَةً، وَقِيلَ: أَرَادَ بالقاعد هَاهُنَا أُولِي الضَّرَرِ، فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَيْهِمْ دَرَجَةً] [٢] لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ باشر الجهاد مع النيّة وأولي الضَّرَرِ كَانَتْ لَهُمْ نِيَّةٌ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُبَاشِرُوا، فَنَزَلُوا عَنْهُمْ بِدَرَجَةٍ، وَكُلًّا [يَعْنِي الْمُجَاهِدَ وَالْقَاعِدَ] [٣] وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، يَعْنِي: الْجَنَّةَ بِإِيمَانِهِمْ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَعْنِي الْمُجَاهِدَ وَالْقَاعِدَ الْمَعْذُورَ، وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً، يَعْنِي: عَلَى القاعدين من غير عذر.
[سورة النساء (٤) : آية ٩٦]
دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٩٦)
دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً، قَالَ ابْنُ مُحَيْرِيزٍ فِي الْآيَةِ: هِيَ سَبْعُونَ دَرَجَةً مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ عَدْوُ الْفَرَسِ الْجَوَادِ الْمُضَمَّرِ، سَبْعِينَ [٤] خَرِيفًا، وَقِيلَ: الدَّرَجَاتُ هِيَ الْإِسْلَامُ وَالْجِهَادُ وَالْهِجْرَةُ وَالشَّهَادَةُ فَازَ بِهَا الْمُجَاهِدُونَ.
«٦٩١» أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ يُوسُفَ الْجُوَيْنِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُحَمَّدُ بن علي بن محمد شريك الشافعي أنا
٦٩٠- حديث صحيح، عبد الرحيم بن منيب مجهول، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، حميد الطويل هو ابن أبي حميد، اختلف في اسمه على عشرة أقوال.
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٣١) بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن حبان ٤٧٣١ من طريق يزيد بن هارون بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٢٨٣٩ و٤٤٢٣ وابن ماجه ٢٧٦٤ وأحمد ٣/ ١٠٣ من طرق، عن حميد الطويل به.
- وعلّقه البخاري بإثر ٢٨٣٩ عن موسى بن إسماعيل، عن حماد، عن حميد، عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أبيه. وقال:
الأول أصح.
- وأخرجه أبو داود ٢٥٠٨ والبيهقي ٩/ ٢٤ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أبيه به.
- وفي الباب من حديث جابر أخرجه مسلم ١٩١١ وابن ماجه ٢٧٦٥ والبيهقي ٩/ ٢٤.
٦٩١- إسناده صحيح على شرط مسلم، ابن وهب هو عبد الله، أبو هانئ الخولاني هو حميد بن هانئ، أبو عبد الرحمن الحبلي هو عبد الله بن يزيد.
وهو في «شرح السنة» (٢٦٠٥) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ١٨٨٤ والنسائي ٦/ ١٩ وسعيد بن منصور ٢٣٠١ وابن حبان ٤٦١٢ والبيهقي ٩/ ١٥٨ من طرق، عن عبد الله بن وهب بهذا الإسناد.
- وأخرجه الحاكم ٢/ ٩٣ من طريق أبي هانئ، عن أبي علي الجنبي، عن أبي سعيد الخدري به.
(١) تصحف في المطبوع «القاسم».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المطبوع «وسبعون».
683
عَبْدُ اللَّهِ [بْنُ مُحَمَّدِ] [١] بْنِ مُسْلِمٍ أَبُو بَكْرٍ الْجُورَبَذِيُّ [٢] أَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى أَنَا ابْنُ وَهَبٍ حَدَّثَنِي أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحبلي [٣] عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا أَبَا سَعِيدٍ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ» قَالَ فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ فَقَالَ: أَعِدْهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، [ففعل قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم] [٤] :«وَأُخْرَى يَرْفَعُ اللَّهُ بِهَا الْعَبْدَ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السماء والأرض» فقال: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
«٦٩٢» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو الْقَاسِمِ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ الشَّاهِ أَنَا أَبِي أَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ الْمُطَرَّزُ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يحيى أنا سريج بْنُ النُّعْمَانِ أَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَامَ رَمَضَانَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ جَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ جَلَسَ فِي أَرْضِهِ الَّتِي وُلِدَ فِيهَا»، قَالُوا: يا رسول الله أَفَلَا نُنْذِرُ النَّاسَ بِذَلِكَ؟ قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ مَا بَيْنَ [كُلِّ دَرَجَتَيْنِ] [٥] كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ وَفَوْقَهُ]
عَرْشُ الرَّحْمَنِ، وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ»
.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْجِهَادَ فِي الْجُمْلَةِ فَرْضٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إِلَى فَرْضِ الْعَيْنِ وَفَرْضِ الْكِفَايَةِ، فَفَرْضُ الْعَيْنِ أَنْ يَدْخُلَ الْكُفَّارُ [٧] دَارَ قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ مِنَ الرِّجَالِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ لَهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ الْخُرُوجُ إِلَى عَدُوِّهِمْ حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا، دَفْعًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعَنْ جِيرَانِهِمْ، وَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنْ لم يقع الْكِفَايَةُ بِمَنْ نَزَلَ بِهِمْ يَجِبُ عَلَى مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ مِنَ
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» و «الأنساب» للسمعاني.
(٢) وقع في الأصل «الجورندي» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط».
(٣) وقع في الأصل «الجبلي» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٤) العبارة في المطبوع «فأعادها عليه ثم قال» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.
(٥) العبارة في المطبوع «الدرجتين».
(٦) في الأصل «فوق» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٧) في المخطوط «العدو».
٦٩٢- إسناده صحيح على شرط البخاري، فليح هو ابن سليمان.
- وهو في «شرح السنة» (٢٦٠٤) بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٧٩٠ و٧٤٢٣ والبيهقي ٩/ ١٥ وفي «الأسماء والصفات» (٨٤٥) من طريق فليح بهذا الإسناد.-
وأخرجه أحمد ٢/ ٣٣٥ و٣٣٩ وابن حبان ٤٦١١ من طريق فليح بن سليمان عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ، عن أبي هريرة به.
قال الحافظ في «الفتح» (٦/ ١٢) : وهو وهم من فليح في حال تحديثه لأبي عامر، وعند فليح بهذا الإسناد حديث غير هذا سيأتي في الباب الذي بعد هذا، فلعله انتقل ذهنه من حديث إلى حديث، وقد نبه يونس بن محمد في روايته، عن فليح على أنه ربما شك فيه.... اهـ.
- وأخرجه الترمذي ٢٥٣٠ من حديث معاذ، وإسناده منقطع. [.....]
684
الْمُسْلِمِينَ عَوْنُهُمْ، وَإِنْ وَقَعَتِ الْكِفَايَةُ بِالنَّازِلِينَ بِهِمْ فَلَا فَرْضَ عَلَى الأَبْعَدِينَ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِيَارِ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْعَبِيدُ وَالْفُقَرَاءُ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَكُونَ الْكُفَّارُ قَارِّينَ [١] فِي بِلَادِهِمْ، فَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ لَا يُخَلِّي [٢] سَنَةً عَنْ غَزْوَةٍ يَغْزُوهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِسَرَايَاهُ حَتَّى لَا يَكُونَ الْجِهَادُ مُعَطَّلًا، وَالِاخْتِيَارُ لِلْمُطِيقِ الْجِهَادِ [٣] مَعَ وُقُوعِ الْكِفَايَةِ بِغَيْرِهِ: [أَنْ لَا يَقْعُدَ عَنِ الْجِهَادِ] [٤]. وَلَكِنْ لَا يُفْتَرَضُ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى وعد المجاهدين والقاعدين الثَّوَابَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى، فلو كَانَ فَرْضًا عَلَى الْكَافَّةِ لَاسْتَحَقَّ القاعد العقاب لا الثواب.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٩٧ الى ٩٨]
إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي نَاسٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ تَكَلَّمُوا بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يُهَاجِرُوا، مِنْهُمْ: قَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَأَشْبَاهُهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ إِلَى بَدْرٍ خَرَجُوا مَعَهُمْ فَقُتِلُوا مَعَ الْكُفَّارِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ، أَرَادَ بِهِ مَلَكَ الْمَوْتِ وَأَعْوَانَهُ أَوْ أَرَادَ مَلَكَ الْمَوْتِ وَحْدَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ [السَّجْدَةِ: ١١]، وَالْعَرَبُ قَدْ تُخَاطِبُ الْوَاحِدَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ، بِالشِّرْكِ، وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ: فِي حَالِ ظلمهم، قيل: أي المقام فِي دَارِ الشِّرْكِ لِأَنَّ اللَّهَ تعالى لم [يكن] [٥] يَقْبَلِ الْإِسْلَامَ بَعْدَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا بالهجرة.
ع «٦٩٣» ثم نسخ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ».
وَهَؤُلَاءِ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَضَرَبَتِ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ، [وَقَالُوا لَهُمْ: فِيمَ كُنْتُمْ؟ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:] [٦] قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ أَيْ: فِي مَاذَا كُنْتُمْ أَوْ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْتُمْ؟ أَفِي الْمُسْلِمِينَ؟ أَمْ فِي الْمُشْرِكِينَ؟
سؤال توبيخ وتعبير فَاعْتَذَرُوا بِالضَّعْفِ عَنْ مُقَاوَمَةِ أَهْلِ الشرك، قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ، عَاجِزِينَ، فِي الْأَرْضِ، يَعْنِي أَرْضَ مَكَّةَ، قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها؟ يَعْنِي إِلَى الْمَدِينَةِ وَتَخْرُجُوا مِنْ مَكَّةَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِ الشِّرْكِ؟ فَأَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وأعلمنا بكذبهم، فقال: فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ، مَنْزِلَهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً، أَيْ: بِئْسَ الْمَصِيرُ إِلَى جهنم، ثُمَّ اسْتَثْنَى أَهْلَ الْعُذْرِ مِنْهُمْ، فَقَالَ:
إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً لَا يَقْدِرُونَ عَلَى حِيلَةٍ وَلَا على نفقة ولا على قوة الخروج مِنْهَا، وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا، أَيْ: لَا يَعْرِفُونَ طَرِيقًا إِلَى الْخُرُوجِ. وقال مجاهد: لا يعرفون
٦٩٣- ع صحيح. أخرجه البخاري ١٨٣٤ و٢٨٢٥ و٢٧٨٣ و٣٠٧٧ ومسلم ١٣٥٣ وأبو داود ٢٤٨٠ والترمذي ١٥٩٠ والنسائي ٧/ ١٤٦ وعبد الرزاق ٩٧١٣ وأحمد ١/ ٢٢٦ و٣١٥ و٣٥٥ والدارمي ٢/ ٢٣٩ وابن حبان ٤٥٩٢ و٤٨٦٥ وابن الجارود ١٠٣٠ والطبراني ١٠٩٤٤ والبيهقي ٥/ ١٩٥ و٩/ ١٦ والبغوي ١٩٩٦ و٢٦٣١ والقضاعي ٨٤٤ من طرق، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ طاووس، عن ابن عباس مرفوعا.
(١) تصحف في المطبوع «قادرين».
(٢) زيد في المطبوع «كل».
(٣) في المطبوع «الاجتهاد».
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) زيادة عن المخطوط.
(٦) زيد في المطبوع وط.
طريق المدينة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠)
فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ، يَتَجَاوَزَ عَنْهُمْ، وَعَسَى مِنَ اللَّهِ وَاجِبٌ، لِأَنَّهُ لِلْإِطْمَاعِ، وَاللَّهُ تعالى إذا أطمع عبدا أوصله إِلَيْهِ، وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كُنْتُ أَنَا وَأُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ، يَعْنِي الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَكَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو لِهَؤُلَاءِ الْمُسْتَضْعَفِينَ فِي الصَّلَاةِ.
«٦٩٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا مُعَاذُ بْنُ فُضَالَةَ أَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا [١] قَالَ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ [٢] فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ: [قَنَتَ] [٣] اللَّهُمَّ أَنْجِ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ أَنْجِ الوليد [بن الْوَلِيدَ] [٤] اللَّهُمَّ أَنْجِ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدُ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يوسف» [يجهر بذلك] [٥].
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مُراغَماً أَيْ: مُتَحَوَّلًا يَتَحَوَّلُ إِلَيْهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مُتَزَحْزِحًا عَمَّا يَكْرَهُ، وَقَالَ أبو عبيدة: المراغم: المهاجر، يُقَالُ: رَاغَمْتُ قَوْمِي وَهَاجَرْتُهُمْ، وَهُوَ المضطرب والمذهب، قيل: سميت المهاجرة مراغما [٦] لأن من يهاجر يراغم قومه وسعة أي: في الرزق، وقيل: سعة من الضلالة إلى الهدى،
٦٩٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، حيث تفرد عن معاذ بن فضالة- بفتح الفاء- هشام هو ابن سنبر الدّستوائي، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.
- وهو في «صحيح البخاري» (٦٣٩٣) عن هشام الدستوائي بهذا الإسناد.
- وأخرجه الطحاوي ١/ ٢٤١ وابن خزيمة ٦١٧ وأبو عوانة ٢/ ٢٨٦ و٢٨٧ والبيهقي ٢/ ١٩٨ من طريق هشام بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤٥٩٨ ومسلم ٦٧٥ ح ٢٩٥ وأبو داود ١٤٤٢ وأبو عوانة ٢/ ٢٨٦ ٢٨٧ وابن خزيمة ٦٢١ وابن حبان ١٩٨٦ والطحاوي ٢/ ٢٤٢ والبيهقي ٢/ ٢٠٠ من طرق عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ به.
- وأخرجه البخاري ٤٥٦٠ ومسلم ٦٧٥ وأحمد ٢/ ٢٥٥ وأبو عوانة ٢/ ٢٨٠ و٢٨٣ والدارمي ١/ ٣٧٤ وابن خزيمة ٦١٩ وابن حبان ١٩٧٢ و١٩٨٣ والطحاوي ١/ ٢٤٢ والبيهقي ٢/ ١٩٧ والبغوي في «شرح السنة» (٦٣٨) من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ المسيب وأبي سلمة، عن أبي هريرة به.
- وأخرجه البخاري ٦٢٠٠ والنسائي ٢/ ٢٠١ والشافعي ١/ ٨٦ و٨٧ والحميدي ٩٣٩ وابن أبي شيبة ٢/ ٣١٦ و٣١٧ وأبو عوانة ٢/ ٢٨٣ والبيهقي ٢/ ١٩٧ و٢٤٤ والبغوي ٦٣٧ من طرق عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عن أبي هريرة به.
وانظر ما تقدم برقم: ٤٤٠ و٤٤١.
(١) زيد في المطبوع وحده «أراد أن يدعو على أحد قنت بعد الركوع فربما».
(٢) زيد في المطبوع «ربنا لك الحمد».
(٣) زيادة عن المخطوط وط.
(٤) زيادة عن المخطوط وط.
(٥) زيد في المطبوع وحده.
(٦) في المطبوع «مراغمة». [.....]
ع «٦٩٥» وَرُوِيَ: أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ سَمِعَهَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَرِيضٌ يُقَالُ له جندب [١] بْنُ ضَمْرَةَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أنا مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وإني لأجد حيلة، ولي من المال ما يبلغني المدينة وأبعد منها، والله لا أَبِيتُ اللَّيْلَةَ بِمَكَّةَ، أَخْرِجُونِي فَخَرَجُوا بِهِ يَحْمِلُونَهُ عَلَى سَرِيرٍ حَتَّى أَتَوْا بِهِ التَّنْعِيمَ فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فصفّق بيمينه عَلَى شَمَالِهِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هَذِهِ لَكَ وَهَذِهِ لِرَسُولِكَ أُبَايِعُكَ عَلَى مَا بَايَعَكَ عَلَيْهِ رَسُولُكَ، فَمَاتَ فَبَلَغَ خَبَرُهُ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: لَوْ وَافَى الْمَدِينَةَ لَكَانَ أَتَمَّ وَأَوْفَى أَجْرًا، وَضَحِكَ الْمُشْرِكُونَ وَقَالُوا: مَا أَدْرَكَ هَذَا مَا طَلَبَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ.
أَيْ: قَبْلَ بُلُوغِهِ إِلَى مُهَاجِرِهِ، فَقَدْ وَقَعَ أَيْ: وَجَبَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا مِنْهُ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
[سورة النساء (٤) : آية ١٠١]
وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١)
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ أَيْ: سَافَرْتُمْ، فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ، أَيْ: حَرَجٌ وَإِثْمٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ، يَعْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، وَذَلِكَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعَشَاءِ، إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ أَيْ: يَغْتَالَكُمْ وَيَقْتُلَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا، فِي الصَّلَاةِ ونظيره قَوْلُهُ تَعَالَى: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ [يُونُسَ: ٨٣]، أَيْ: يَقْتُلَهُمْ. إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً أَيْ: ظَاهِرَ الْعَدَاوَةِ، اعْلَمْ أَنَّ قَصْرَ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ جَائِزٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْإِتْمَامِ فَذَهَبَ أَكْثَرُهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَصْرَ وَاجِبٌ، وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَتَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ مالك وأصحاب الرأي، لما:
ع «٦٩٦» رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: الصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَيْنِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السفر وأتمت صلاة الحضر [٢].
٦٩٥- ع علّقه الواحدي في «أسباب النزول» (٣٥٧) عن ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ.
- وورد مختصرا من حديث ابن عباس أخرجه أبو يعلى ٢٦٧٩ والطبراني في «الكبير» (١١٧٠٩) وفي إسناده عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زياد المحاربي، وأشعث بن سوّار، وكلاهما ضعيف وانظر «الإصابة في تمييز الصحابة» (١/ ٢٥١).
٦٩٦- ع صحيح. أخرجه البخاري ١٠٩٠ و٣٩٣٥ ومسلم ٦٨٥ والنسائي ١/ ٢٢٥ والدارمي ١/ ٣٥٥ والبيهقي ٣/ ١٤٣ من طرق عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عائشة.
- وأخرجه البخاري ٣٥٠ ومسلم ٦٦٨ وأبو داود ١١٩٨ والنسائي ١/ ٢٢٥- ٢٢٦ ومالك ١/ ١٤٦ وأحمد ٦/ ٢٧٢ وابن حبان ٢٧٣٦ و٢٧٣٧ والبيهقي ٣/ ١٤٣ من طرق عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ عروة، عن عائشة.
(١) وقع في النسخ والمخطوط «جندع» والمثبت عن عامة كتب التخريج، وذكره الحافظ في «الإصابة» (١/ ٢٤٨) فقال:
جندب بن ضمرة.... في جندع.
ثم قال (١/ ٢٥١) جندع بن ضمرة ثم ذكره عن غير واحد بقوله «جندب» ولم يتعرض للاختلاف في اسمه أو من ذكره على أنه «جندع».
(٢) الخبر في المطبوع «فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين في الحضر والسفر، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلَاةُ الْحَضَرِ».
687
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى جَوَازِ الْإِتْمَامِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَسَعْدِ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِنْ شَاءَ أَتَمَّ وَإِنْ شَاءَ قَصَرَ، وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ.
«٦٩٧» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَمْرٍو عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كُلُّ ذَلِكَ قَدْ فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَرَ الصَّلَاةَ وَأَتَمَّ.
وظاهر القرآن يدل على ذلك لأن الله تعالى قَالَ: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ، ولفظ فَلا جُناحَ إِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الرُّخَصِ لَا فِيمَا يَكُونُ حَتْمًا، فَظَاهِرُ الْآيَةِ يُوجِبُ أَنَّ الْقَصْرَ لَا يَجُوزُ إِلَّا عِنْدَ الْخَوْفِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ، إِنَّمَا نَزَلَتِ الْآيَةُ عَلَى غَالِبِ أَسْفَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَكْثَرُهَا لَمْ يَخْلُ عَنْ خَوْفِ الْعَدُوِّ، وَالْقَصْرُ جَائِزٌ فِي السَّفَرِ فِي حَالِ الْأَمْنِ عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«٦٩٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ أَنَا الرَّبِيعُ أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رُوَّادٍ [١] عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ، قَالَ: قُلْتُ لِعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا، وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَجِبْتُ مِمَّا عَجِبْتَ مِنْهُ، فَسَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ، فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ».
«٦٩٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالِ أَنَا أَبُو العباس الأصم أنا الربيع
٦٩٧- حديث حسن، إسناده ضعيف جدا، إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى شيخ الشافعي متروك متهم، وشيخه طلحة بن عمرو متروك أيضا. لكن ورد من وجه آخر كما سيأتي.
- وهو في «شرح السنة» (١٠١٨) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ١٨٢) عن إبراهيم بن محمد بهذا الإسناد. وأخرجه الدارقطني ٢/ ١٨٩ والبيهقي ٣/ ١٤٢ من طريق طلحة بن عمرو بهذا الإسناد.
- وأخرجه الدارقطني ٢/ ١٨٩ ومن طريقه البيهقي ٣/ ١٤١ عن المحاملي، عن سعيد بن محمد بن ثواب، عن أبي عاصم حدثنا عمرو بن سعيد، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عن عائشة به. وقال الدارقطني: وهذا إسناد صحيح. ووافقه البيهقي وقال: ولهذا شاهد من حديث دلهم بن صالح والمغيرة بن زياد وطلحة بن عمرو، وكلهم ضعيف اهـ.
- وأخرجه الدارقطني ٢/ ١٨٩ والبيهقي ٣/ ١٤١- ١٤٢ من وجه آخر من حديث عائشة وفيه المغيرة بن زياد ليس بالقوي قاله الدارقطني وكذا البيهقي في تعليقه عن الرواية الأولى.
٦٩٨- صحيح، مسلم بن خالد هو الزنجي، ضعيف لكن تابعه عبد المجيد كما ترى، وعبد المجيد صدوق فيه ضعف، وهو من رجال مسلم، وقد توبع أيضا على ابن جريج، ومن فوقه ثقات مشاهير.
- وهو في «شرح السنة» (١٠١٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه المصنف من طريق الشافعي، وهي في «مسنده» (١/ ١٨١) عن مسلم وعبد العزيز بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٦٨٦ وأبو داود ١١٩٩ و١٢٠٠ والترمذي ٣٠٣٤ وابن ماجه ٩٤٥ وأحمد ١/ ٢٥ و٣٦ والدارمي ١/ ٣٥٤ والطحاوي ١/ ٤١٥ والنحاس في «الناسخ والمنسوخ» ص (١١٦) وابن خزيمة ٩٤٥ وابن حبان ٢٧٣٩ و٢٧٤٠ و٢٧٤١ والطبري ١٠٣١٥ و١٠٣١٦ و١٠٣١٧ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٤١٥) والبيهقي ٣/ ١٣٤ و١٤٠ و١٤١ من طرق عن ابن جريج بهذا الإسناد.
(١) في الأصل «داود» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
٦٩٩- إسناده صحيح، الشافعي فمن دونه ثقات وقد توبعوا، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أيوب هو ابن أبي تميمة
688
أَنَا الشَّافِعِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: سَافَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ آمِنًا لَا يخاف [إلا] [١] الله [تعالى] فَصَلَّى [٢] رَكْعَتَيْنِ.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ رَكْعَتَيِ الْمُسَافِرِ لَيْسَتَا بِقَصْرٍ إِنَّمَا الْقَصْرُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَةً وَاحِدَةً فِي الْخَوْفِ، يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ، وَجَعَلُوا شَرْطَ الْخَوْفِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ بَاقِيًا، وَذَهَبَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَجُوزُ خَائِفًا كَانَ أَوْ آمِنًا.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ لِي جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: اقْصُرْ بِعَرَفَةَ، أَمَّا عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ فَلَا يُجَوِّزُونَ الْقَصْرَ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ، وَاخْتَلَفَ [٣] فِي حَدِّ مَا يَجُوزُ فيه [٤] الْقَصْرُ، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ:
مَسِيرَةَ يَوْمٍ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهِيَ سِتَّةُ عَشَرَ فَرْسَخًا، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَوْلُ الْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ قريب من ذلك، فإنّهما قَالَا: مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَسِيرَةَ لَيْلَتَيْنِ قَاصِدَتَيْنِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ: سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ، وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: قَوْلُهُ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النساء: ١٠١] مُتَّصِلٌ بِمَا بَعْدَهُ مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ مُنْفَصِلٌ عَمَّا قَبِلَهُ، رُوِيَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَ قَوْلُهُ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء: ١٠١] هَذَا الْقَدْرُ، ثُمَّ بَعُدَ حَوْلٍ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَنَزَلَ: إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً [النساء: ١٠١] وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ الْآيَةَ. وَمِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَثِيرٌ أَنْ يَجِيءَ الْخَبَرُ بِتَمَامِهِ ثُمَّ يُنَسَّقُ عَلَيْهِ خَبَرٌ آخَرُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ كَالْمُتَّصِلِ بِهِ، وَهُوَ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ [يُوسُفَ: ٥١]، وَهَذِهِ حِكَايَةٌ عَنِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ، وَقَوْلُهُ: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ [يُوسُفَ: ٥٢] إِخْبَارٌ عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السّلام.
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٢]
وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢)
السّختياني.
- وهو في «شرح السنة» (١٠٢٠) بهذا الإسناد.
- رواه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ١٨٠) عن عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٥٤٧ والنسائي ٣/ ١١٧ وأحمد ١/ ٢١٥ من طريق هشيم، عن منصور بن زاذان، عن ابن سيرين، عن ابن عباس به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح اهـ.
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٢) في «شرح السنة» (١٠٢٠) «يصلي».
(٣) في المخطوط وحده «اختلفوا».
(٤) في المطبوع «به».
689
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ:
رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَمَّا رَأَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ قَامُوا إِلَى الظُّهْرِ يُصَلُّونَ جميعا ندموا إلّا كانوا أكبوا عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:
دَعَوْهُمْ فَإِنَّ لَهُمْ بَعْدَهَا صَلَاةً هِيَ أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ يَعْنِي صَلَاةَ الْعَصْرِ، فَإِذَا قَامُوا فِيهَا فَشُدُّوا عَلَيْهِمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهَا صَلَاةُ الْخَوْفِ وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَعَلَّمَهُ صَلَاةَ الْخَوْفِ [١].
وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْعَدُوَّ إِذَا كَانُوا فِي مُعَسْكَرِهِمْ فِي غَيْرِ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ فَيَجْعَلُ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِرْقَتَيْنِ فَتَقِفُ طَائِفَةٌ وِجَاهَ [٢] الْعَدُوِّ تَحْرُسُهُمْ، وَيَشْرَعُ الْإِمَامُ مَعَ طَائِفَةٍ فِي الصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً قَامَ وَثَبَّتَ قائما حتى أتموا صلاتهم، وذهبوا إِلَى وِجَاهِ [٣] الْعَدُوِّ ثُمَّ أَتَتِ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةِ فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وَثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمُ الصَّلَاةَ، ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ.
وَهَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى كَذَلِكَ بِذَاتِ الرِّقَاعِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.
«٧٠٠» أَنَا أَبُو الْحَسَنِ السَّرَخْسِيُّ أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَحْمَدَ أَنَا أَبُو إسحاق الهاشمي أنا مُصْعَبٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ يَزِيدَ [٤] بْنِ رُومَانَ عَنْ صَالِحِ بْنِ خُوَّاتٍ عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِالَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمُ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ من صلاته، ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ.
«٧٠١» وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أنا
٧٠٠- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، وجهالة الصحابي لا تضر، وورد بذكر الصحابي، وهو الآتي.
- وهو في «شرح السنة» (١٠٨٩) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق مالك، وهو في «الموطأ» (١/ ١٨٣) من طريق يزيد بهذا الإسناد.
ومن طريق مالك أخرجه البخاري ٤١٢٩ ومسلم ٨٤٢ وأبو داود ١٢٣٨ والنسائي ٣/ ١٧١ والطحاوي ١/ ٣١٢ و٣١٣ والشافعي في «الرسالة» ص (١٨٢ و٢٤٤) والطبري ١٠٣٥٠ والبيهقي ٣/ ٢٥٢- ٢٥٣.
- وانظر الحديث الآتي. [.....]
٧٠١- إسناده صحيح على شرط البخاري، مسدّد هو ابن مسرهد، يحيى هو ابن سعيد القطان، شعبة هو ابن الحجاج.
- وهو في «شرح السنة» بإثر (١٠٨٩).
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» بإثر (٤١٣١) عن مسدد بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٨٤١ والترمذي ٥٦٦ والنسائي ٣/ ١٧٠- ١٧١ وابن ماجه ١٢٥٩ وأحمد ٣/ ٤٤٨ والدارمي ١/ ٣٥٨ وابن خزيمة ١٣٥٧ وابن حبان ٢٨٨٦ والطحاوي ١/ ٣١٠ والطبراني ٥٦٣٢ والطبري ١٠٣٥٦ والبيهقي ٣/ ٢٥٣ و٢٥٤ من طرق عن شعبة به.
(١) في هذا الإسناد مع كونه معلقا، الكلبي وهو متروك متهم، وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس، وقد ورد بنحو هذا السياق عن مجاهد أخرجه الواحدي ٣٥٩ وورد مختصرا من وجوه عند الطبري ١٣٠٢٨ و١٣٠٢٩ و١٣٠٢٦ و١٣٠٢٧.
٢ في المخطوط «تجاه».
٣ في المخطوط «تجاه».
(٤) في الأصل «زيد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
690
مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خُوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حثمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَا.
وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا قَامَ إِلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ تَذْهَبُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلِّي بِهِمُ الرَّكْعَةَ الأخيرة [١] وَيُسَلِّمُ وَهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ بَلْ يَذْهَبُونَ إِلَى وِجَاهِ الْعَدُوِّ، وَتَعُودُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا، ثُمَّ تَعُودُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا.
وَهَذِهِ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ [٢] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [صَلَّى] [٣] كَذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.
«٧٠٢» أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَانَ سَعِيدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الضَّبِّيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجِرَاحِيُّ أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَا أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجَهَةُ الْعَدُوِّ، ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا فِي مَقَامِ أُولَئِكَ وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً أُخْرَى ثم سلم [٤]، فقام هؤلاء [٥] فقضوا ركعتهم [وقام هؤلاء فقضوا ركعتهم] [٦].
وكلتا الروايتين صحيحة وذهب قَوْمٌ إِلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ، وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ لِأَنَّهُ أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَأَبْلَغُ فِي حِرَاسَةِ الْعَدُوِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ أَيْ: إِذَا صَلُّوا، ثُمَّ قَالَ: وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى قَدْ صَلُّوا، وَقَالَ: فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ،
- وأخرجه البخاري ٤١٣١ والترمذي ٥٦٥ وابن ماجه ١٢٥٩ والدارمي ١/ ٣٥٨ وابن خزيمة ١٣٥٦ والطبري ١٠٣٥٥ والبيهقي ٣/ ٢٥٣ من طرق عن يحيى بن سعيد القطان، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن القاسم بن محمد به.
- وأخرجه مَالِكٍ ١/ ٨٣- ١٨٤ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عن القاسم به، ومن طريق مالك أخرجه أبو داود ١٢٣٩ وابن خزيمة ١٣٥٨ وابن حبان ٢٨٨٥ والطحاوي ١/ ٣١٣ والبيهقي ٣/ ٢٥٤.
٧٠٢- إسناده صحيح على شرط مسلم، محمد بن عبد الملك من رجال مسلم، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب، سالم هو ابن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
- وَهُوَ في «شرح السنة» (١٠٨٧) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق الترمذي، وهو في «سننه» (٥٦٤) عن محمد بن عبد الملك بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٤١٣٣ وأبو داود ١٢٤٣ والنسائي ٣/ ١٧١ والبيهقي ٣/ ٢٦٠ من طريق يزيد بن زريع بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٩٤٢ و٤١٣٢ ومسلم ٨٣٩ والنسائي ٣/ ١٧١ والدارمي ١/ ٣٥٧- ٣٥٨ والطحاوي ١/ ٣١٢ وابن حبان ٢٨٧٩ والبيهقي ٣/ ٢٦٠ من طرق عن الزهري به.
- وأخرجه عبد الرزاق ٤٢٤١ عن معمر بهذا الإسناد ومن طريق عبد الرزاق أخرجه مسلم ٨٣٩ وأحمد ٢/ ١٤٧ والدارقطني ٢/ ٥٩ والبيهقي ٣/ ٢٦٠.
(١) في المطبوع «الثانية».
(٢) انظر الحديث الآتي.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من باقي النسخ.
(٤) في المطبوع وط «بهم» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة» و «سنن الترمذي».
(٥) في المطبوع «فصلوا».
(٦) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
691
ومقتضاه أَنْ يُصَلُّوا تَمَامَ الصَّلَاةِ، فَظَاهِرُهُ يدل [على] [١] أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تُفَارِقُ الْإِمَامَ بَعْدَ تَمَامِ الصَّلَاةِ، وَالِاحْتِيَاطُ لِأَمْرِ الصَّلَاةِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ لَا يَكْثُرُ فِيهَا الْعَمَلُ وَالذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ، وَالِاحْتِيَاطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُونُوا فِي الصلاة كان أمكن للحرب والضرب وَالْهَرَبِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ جَازَ.
«٧٠٣» أَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْحُسَيْنِ الْإِسْفَرَايِنِيُّ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الحافظ قال أنا الصاغاني أَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، ثَنَا أَبَانُ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَكُنَّا إِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ ظَلِيلَةٍ تركناها لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَسَيْفُ رَسُولِ اللَّهِ [٢] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَلَّقٌ بِشَجَرَةٍ فَأَخَذَ سَيْفَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاخْتَرَطَهُ فَقَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتَخَافُنِي؟ قَالَ: «لَا». قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي؟
قَالَ: «اللَّهُ يَمْنَعُنِي مِنْكَ»، قَالَ فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: فَأَغْمَدَ السَّيْفَ وَعَلَّقَهُ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ، قَالَ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ.
«٧٠٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ [مُحَمَّدٍ] الْخَطِيبُ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنِ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، أَنَا الرَّبِيعُ، أَنَا الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي الثقة [أنبأني] [٣] ابْنُ عُلَيَّةَ أَوْ غَيْرُهُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ:
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ صَلَاةَ الظُّهْرِ فِي [٤] الْخَوْفِ بِبَطْنِ نَخْلٍ، فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ جَاءَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثم سلم.
٧٠٣- إسناده صحيح على شرط مسلم، الصاغاني هو محمد بن إسحاق، أبان هو ابن يزيد، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف، مشهور بكنيته.
- وهو في «شرح السنة» (١٠٩٠) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٨٤٣ وأحمد ٣/ ٣٦٤ والطحاوي ١/ ٣١٥ وابن حبان ٢٨٨٤ والبيهقي ٣/ ٢٥٩ من طريق أبان بهذا الإسناد.
وذكره البخاري ٤١٣٦ معلقا عن أبان بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٨٤٣ وابن خزيمة ١٣٥٢ من طريق يحيى بن أبي كثير به.
- وأخرجه أحمد ٣/ ٣٦٤- ٣٦٥ و٣٩٠ وابن حبان ٢٨٨٣ وأبو يعلى ١٧٧٨ والطحاوي ١/ ٣١٥ من طرق عن أبي عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سليمان بن قيس، عن جابر به. [.....]
٧٠٤- إسناده ضعيف لجهالة شيخ الشافعي، والظاهر أنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، فإنه متروك كذبه علي المديني وابن معين وغيرهما، وكان الشافعي يوثقه، والحسن لم يسمع من جابر، فهاتان علتان، ابن علية هو إسماعيل بن إبراهيم.
- خرجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (١/ ١٧٦- ١٧٧) عن الثقة، عن ابن علية بهذا الإسناد.
وأخرجه النسائي ٣/ ١٧٨ والدارقطني ٢/ ٦١ والبيهقي ٣/ ٢٥٩ من طرق، عن الحسن البصري بهذا الإسناد. وقد توبع شيخ الشافعي عندهم لكن له علة وهي الانقطاع، بين الحسن وجابر، ومع ذلك فللحديث شواهد.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في «شرح السنة» (١٠٩٠) «نبي الله».
(٣) في الأصل «الثقفة بن علية» والتصويب عن «مسند الشافعي».
(٤) في المطبوع «صلاة».
692
ع «٧٠٥» وَرُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ صَلَّى بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَبِهَؤُلَاءِ ركعة ولم يقضوا.
ع «٧٠٦» وَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ: كَانَتْ لِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ [١] وَلِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ. وَتَأَوَّلَهُ قَوْمٌ عَلَى صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ، وَقَالُوا: الْفَرْضُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْخَوْفَ لَا ينقص عدد الركعات فإن كَانَ الْعَدُوُّ فِي نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ فِي مُسْتَوَى إِنْ حَمَلُوا عَلَيْهِمْ رأوهم صلّى بهم الإمام جَمِيعًا وَحَرَسُوا فِي السُّجُودِ، كَمَا:
«٧٠٧» أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو عَلِيٍّ الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِي أَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْإِسْفَرَايِنِيُّ، أَنَا أَبُو عُوَانَةَ الْحَافِظُ أَنَا عَمَّارٌ، أَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ [٢] وَالصَّفُّ الذي يليه [٣] وقام الصف
٧٠٥- ع حسن. أخرجه أبو داود ١٢٤٦ والنسائي ٣/ ١٦٧ و١٦٨ وعبد الرزاق ٤٢٤٩ وابن أبي شيبة ٢/ ٤٦١ و٤٦٢ والطحاوي ١/ ٣١٠ وأحمد ٥/ ٣٨٥ و٣٩٩ وابن خزيمة ١٣٤٣ وابن حبان ١٤٥٢ و٢٤٢٥ والحاكم ١/ ٣٣٥ والبيهقي ٣/ ٢٦١ من طريق سفيان، عن أشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم قال: «كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقام فقال: أيكم صلّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم صلاة الخوف فقال حذيفة: أنا فصلى بِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَبِهَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَلَمْ يقضوا». وإسناده صحيح، سفيان فمن فوقه رجال البخاري ومسلم سوى ثعلبة بن زهدم، وهو ثقة، تابعي كبير. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
- وأخرجه أحمد ٥/ ٤٠٦ وعلقه البيهقي ٣/ ٢٦١- ٢٦٢ من طريق أبي إسحاق، عن سليم بن عبد الله السلولي، عن حذيفة.
وسليم بن عبد الله ذكره ابن حبان في «الثقات» وقال عنه العجلي: تابعي ثقة. وقال الشافعي: سألت عنه أهل العلم بالحديث فقيل لي: إنه مجهول. كما في «اللسان» قلت: وثقه العجلي وابن حبان، وقد توبع، وهو يقوي ما قبله، والله أعلم.
٧٠٦- ع حسن. أخرجه النسائي ٣/ ١٦٨ وعبد الرزاق ٤٢٥٠ وابن أبي شيبة ٢/ ٤٦١ وأحمد ٥/ ١٨٣ والطحاوي في «المعاني» (١/ ٣١٠) وابن حبان ٢٨٧٠ والطبراني ٤٩١٩ والبيهقي ٣/ ٢٦٢- ٢٦٣ من طرق عن سفيان، عن الركين بن الربيع، عن القاسم بن حسان قال: أتيت زيد بن ثابت.... فذكره.
ورجاله رجال الصحيح غير القاسم بن حسان ذكره ابن حبان في «الثقات» ووثقه أحمد بن صالح كما في «الثقات» ص (٢٦٧) لابن شاهين. وللحديث شواهد تعضده.
٧٠٧- إسناده صحيح، عمار هو ابن خالد، ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال مسلم، أبو سليمان والد عبد الملك اسمه ميسرة.
- وهو في «شرح السنة» (١٠٩٢٠) بهذا الإسناد.
- خرّجه مسلم ٨٤٠ ح ٣٠٧ والنسائي ٣/ ١٧٥ وأبو عوانة ٢/ ٣٥٨- ٣٥٩ والبيهقي ٣/ ٢٥٧ من طرق عن عبد الملك بن أبي سليمان به.
- وأخرجه النسائي ٣/ ١٧٦ وابن ماجه ١٢٦٠ وابن أبي شيبة ٢/ ٤٦٣ والطيالسي ١٧٣٨ و١٧٣٩ وأحمد ٣/ ١٧٤ و٢٩٨ و٣٧٤ والطحاوي ١/ ٣١٩ و٣١٠ والطبري ١٠٣٨٠ و١٠٣٨٢ وابن خزيمة ١٣٤٧ و١٣٦٤ وابن حبان ٢٨٦٩ و٢٨٧٧ والبيهقي ٣/ ٢٦٣ من طرق عن أبي الزبير، عن جابر، وأبو الزبير مدلس وقد صرّح بالتحديث.
(١) في المخطوط وحده «ركعة».
(٢) في المخطوط «للسجود» والمثبت عن المطبوع وط و «شرح السنة».
(٣) زيد في المطبوع وحده «الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى» وليس في المخطوط وط و «شرح السنة».
693
الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ [١] الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم السجود و [قام] [٢] الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ [بِالسُّجُودِ، ثُمَّ قَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ، وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمُ ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا] [٣]، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَنَا جَمِيعًا، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا، ثُمَّ سُلِّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا قَالَ جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: كَمَا يَصْنَعُ حَرَسُكُمْ هَؤُلَاءِ بِأُمَرَائِهِمْ.
وَاعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَيُحْكَى عَنْ بَعْضِهِمْ عَدَمَ الْجَوَازِ وَلَا وَجْهَ لَهُ، وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: كُلُّ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَالْعَمَلُ بِهِ جَائِزٌ، رُوِيَ فِيهَا سِتَّةُ أَوْجُهٍ أو سبعة أوجه.
ع «٧٠٨» وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، عَنِ ابْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَسْفَانَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَصَلَّيْنَا الظُّهْرَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: لَقَدْ أَصَبْنَا غِرَّةً لَوْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ أَيْ: شَهِيدًا مَعَهُمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ، فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ، أَيْ: فَلْتَقِفْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا [الْبَقَرَةِ: ٢٠] أَيْ: وَقَفُوا، وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فِي الَّذِينَ يَأْخُذُونَ أَسْلِحَتَهُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرَادَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَقَفُوا مَعَ الْإِمَامِ يصلّون ويأخذون الْأَسْلِحَةَ [فِي] [٤] الصَّلَاةِ، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا يَأْخُذُهُ إِذَا كَانَ لَا يشغله عن الصلاة، فلا يُؤْذِي مَنْ بِجَنْبِهِ [فَإِذَا شَغَلَتْهُ حَرَكَتُهُ وَثَقَّلَتْهُ عَنِ الصَّلَاةِ كَالْجَعْبَةِ وَالتُّرْسِ الْكَبِيرِ أَوْ كَانَ يُؤْذِي مَنْ جَنْبِهِ] [٥]، كَالرُّمْحِ فَلَا يَأْخُذُهُ، وَقِيلَ: وَلِيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ أَيْ: الْبَاقُونَ الَّذِينَ قَامُوا فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، فَإِذا سَجَدُوا، أَيْ: صَلُّوا، فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ، يُرِيدُ مَكَانَ الَّذِينَ هُمْ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا، وَهْمُ الَّذِينَ كَانُوا فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ، فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ، قِيلَ:
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَتَوْا، وَقِيلَ: هُمُ الَّذِينَ صَلُّوا، وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، يَتَمَنَّى الْكُفَّارُ، لَوْ تَغْفُلُونَ أَيْ:
لَوْ وَجَدُوكُمْ غَافِلِينَ، عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً، فَيَقْصِدُونَكُمْ وَيَحْمِلُونَ عَلَيْكُمْ حَمْلَةً وَاحِدَةً، وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ، رَخَّصَ فِي وَضْعِ السِّلَاحِ فِي حَالِ الْمَطَرِ وَالْمَرَضِ، لِأَنَّ السِّلَاحَ يَثْقُلُ حَمْلُهُ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ، وَخُذُوا حِذْرَكُمْ، أَيْ: رَاقِبُوا الْعَدُوَّ كَيْلَا يَتَغَفَّلُوكُمْ، وَالْحِذْرُ مَا يُتَّقَى به من العدو.
٧٠٨- ع جيد. أخرجه أبو داود ١٢٣٦ والنسائي ٣/ ١٧٦ و١٧٧ و١٧٨ وابن أبي شيبة ٢/ ٤٦٥ والطيالسي ١٣٤٧ وأحمد ٤/ ٥٩ و٦٠ والدارقطني ٢/ ٥٩ و٦٠ وابن حبان ٢٨٧٥ و٢٨٧٦ والطبري ١٠٣٨٣ والحاكم ١/ ٣٣٧- ٣٣٨ والواحدي في «أسباب النزول» (٣٥٩) والبيهقي ٣/ ٢٥٤- ٢٥٥ والبغوي في «شرح السنة» (١٠٩١) من طرق عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أبي عياش مطولا وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الدارقطني: صحيح. وكذا قال البيهقي. وجوده الحافظ في «الإصابة» (٤/ ١٤٣).
(١) تصحف في المطبوع «نحو».
(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة». [.....]
(٣) سقط من المخطوط.
(٤) زيادة من المخطوط.
(٥) سقط من المخطوط.
694
ع «٧٠٩» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلِكَ أنه غزا محاربا وبنى أنمارا فَنَزَلُوا وَلَا يَرَوْنَ مِنَ الْعَدُوِّ أَحَدًا فَوَضْعَ النَّاسُ أَسْلِحَتَهُمْ، وَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَةٍ لَهُ قَدْ وَضَعَ سِلَاحَهُ حَتَّى قَطَعَ الْوَادِي وَالسَّمَاءُ تَرُشُّ، فَحَالَ الْوَادِي بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ أَصْحَابِهِ فَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ فَبَصُرَ بِهِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ الْمُحَارِبِيُّ فَقَالَ: قَتَلَنِي اللَّهُ إِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ انْحَدَرَ مِنَ الْجَبَلِ وَمَعَهُ السَّيْفُ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ وَمَعَهُ السَّيْفُ قَدْ سَلَّهُ مِنْ غِمْدِهِ فقال: يا محمد بن يَعْصِمُكَ مِنِّي الْآنَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ اكْفِنِي غَوْرَثَ بْنَ الْحَارِثِ بِمَا شِئْتَ»، ثُمَّ أَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضْرِبَهُ فَأَكَبَّ لِوَجْهِهِ مِنْ زَلْخَةٍ [١] زلخها [٢] بَيْنِ كَتِفَيْهِ، وَنَدَرَ سَيْفَهُ فَقَامَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَهُ ثُمَّ قَالَ: يَا غَوْرَثُ مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْآنَ؟ قَالَ: لَا أَحَدَ، قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأُعْطِيكَ سَيْفَكَ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ أَشْهَدُ أَنْ لَا أُقَاتِلَكَ أَبَدًا وَلَا أُعِينُ عَلَيْكَ عَدُوًّا فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيْفَهُ، فَقَالَ غَوْرَثُ: وَاللَّهِ لَأَنْتَ خَيْرٌ مِنِّي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَجَلْ أَنَا أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْكَ، فَرَجَعَ غَوْرَثٌ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالُوا: وَيْلَكَ مَا مَنَعَكَ مِنْهُ. قَالَ: لَقَدْ أَهْوَيْتُ إليه بالسيف لأضربه فو الله مَا أَدْرِي مَنْ زَلَخَنِي بَيْنَ كَتِفِي فَخَرَرْتُ لِوَجْهِي، وَذَكَرَ حَالَهُ قَالَ: وَسَكَنَ الْوَادِي فَقَطَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَادِيَ [إِلَى] [٣] أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمُ الْخَبَرَ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ: وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ.
أي: من عدوّكم، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: كَانَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ جَرِيحًا.
إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً، يُهانُونَ فِيهِ [وَالْجُنَاحُ: الْإِثْمُ، مِنْ جَنَحَتْ إِذَا عَدَلَتْ عن القصد] [٤].
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٣]
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً (١٠٣)
فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ، يَعْنِي: صَلَاةَ الْخَوْفِ، أَيْ: فَرَغْتُمْ مِنْهَا، فَاذْكُرُوا اللَّهَ أَيْ صَلُّوا لِلَّهِ قِياماً فِي حَالِ الصِّحَّةِ، وَقُعُوداً، فِي حَالِ الْمَرَضِ، وَعَلى جُنُوبِكُمْ، عِنْدَ الجرح [٥] والزمانة،
٧٠٩- ع عزاه المصنف لابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح. وهي رواية ساقطة، الكلبي متروك. كذاب.
- وهذا الخبر أخرجه البيهقي في «دلائل النبوة» (٣/ ١٦٨- ١٦٩) من طريق الواقدي مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي بكر بنحوه.
وفيه «دعثور بن الحارث» بدل «غورث» وأن الآية التي نزلت هي آية: ١١ من سورة المائدة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ والخبر ضعيف جدا لأجل الواقدي وانظر الحديث المتقدم برقم ٧٠٣، فإنه صحيح، وفيه بعض هذا الحديث، وهو بهذا اللفظ واه.
(١) الزلخ: وجع في الظهر لا يتحوّل من شدته.
(٢) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «زلجة زلجها» وفي القاموس: زلخه بالرمح: زجه.
وفي القاموس: الزلج و: الزلق، يزلج زلجا وزليجا: خفّ على الأرض. والمثبت أقرب إلى الصواب.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) ما بين المعقوفتين كذا وقع في المطبوع وط والمخطوط، وينبغي أن يكون موضعه عقب الآية مباشرة.
(٥) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «الجروح» وفي- ط «الحرج».
695
وَقِيلَ: اذْكُرُوا اللَّهَ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ، عَلَى كُلِّ حَالٍ.
«٧١٠» أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ القاشاني [١] أَنَا الْقَاسِمُ بْنُ جَعْفَرٍ الْهَاشِمِيُّ أَنَا أَبُو عَلِيٍّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ اللُّؤْلُؤِيُّ أَنَا أَبُو دَاوُدَ السِّجِسْتَانِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ أَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَلَمَةَ، عن البهيّ [٢]، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ أَيْ: سَكَنْتُمْ وَأَمِنْتُمْ، فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ أَيْ: أَتِمُّوهَا أَرْبَعًا بِأَرْكَانِهَا، إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً، قِيلَ: وَاجِبًا مَفْرُوضًا مُقَدَّرًا فِي الْحَضَرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَانِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ فَرْضًا مُؤَقَّتًا وَقَتَّهُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ جَاءَ بَيَانُ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فِي الْحَدِيثِ.
«٧١١» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أحمد الطوسي أنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَاشِمٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ أَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرحمن بن الحارث بْنِ [٣] عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الزُّرَقِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حَكِيمٍ بن عَبَّادِ [٤] بْنِ حُنَيفٍ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ [٥] بْنِ مَطْعَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال
٧١٠- إسناده صحيح على شرط مسلم، البهيّ اسمه عبد الله، يقال: اسم أبيه: يسار، وهو مولى مصعب بن الزبير، روى له مسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٧٤) و «الأنوار» (٥٠٠) بهذا الإسناد.
- خرجه المصنف من طريق أبي داود، وهو في «سننه» (١٨) من طريق محمد بن العلاء بهذا الإسناد.
- وأخرجه ابن خزيمة ٢٠٧ من طريق محمد بن العلاء وعلي بن مسلم به.
- وأخرجه مسلم ٣٧٢ والترمذي ٣٣٨٤ وابن ماجه ٣٠٢ وأحمد ٦/ ٧٠ و١٥٣ وأبو عوانة ١/ ٢١٧ وابن حبان ٨٠٢ والبيهقي ١/ ٩٠ من طرق عن يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زائدة به.
وأخرجه أحمد ٦/ ٢٧٨ من طريق الوليد حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ به.
(١) في الأصل «الكاشاني» والتصويب عن «شرح السنة» وكتاب «الأنوار في شمائل النبي المختار».
(٢) في الأصل «الزهري» والتصويب من «شرح السنة» وكتب التخريج.
٧١١- حديث حسن بطرقه دون لفظ «هذا وقت الأنبياء من قبلك» فإنه منكر. إسناده لين لأجل حكيم بن حكيم، فقد وثقه العجلي وابن حبان، وقال ابن سعد: لا يحتجون بحديثه، وقال ابن القطان: لا يعرف حاله.
- وهو في «شرح السنة» (٣٤٩) بهذا الإسناد. وأخرجه أحمد ١/ ٣٥٤ من طريق وكيع بهذا الإسناد.
- وأخرجه أبو داود ٣٩٣ والحاكم ١/ ١٩٣ وابن الجارود ١٤٩ و١٥٠ من طرق عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ١٤٩ وابن أبي شيبة ١/ ٣١٧ وعبد الرزاق ٢٠٢٨ وأحمد ١/ ٣٣٣ و٣٥٤ والشافعي ١/ ٥٠ والطحاوي ١٠/ ١٤٧ و١٤٨ والبيهقي ١/ ٣٦٥ و٣٦٦ من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث بهذا الإسناد. وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي! قال الترمذي: حسن صحيح.!
- وأخرجه الدارقطني ١/ ٢٥٨ من طريق سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن الحارث ومحمد بن عمرو، عن حكيم بن حكيم به، وحكيم غير قوي كما تقدم، وقد توبع.
فقد أخرجه الدارقطني ١/ ٢٥٨ أيضا من طريق إسماعيل، عن عبد الله بن عمر، عن زياد بن أبي زياد، عن نافع بن جبير به. وإسناده ضعيف لضعف عبد الله بن عمر هذا. وكرره من طريق إسحاق بن حازم، عن عبيد الله بن مقسم، عن نافع به.
- وفي الباب من حديث أبي مسعود أخرجه أبو داود ٣٩٤ وابن خزيمة ٣٥٢ وابن حبان ١٤٤٩ و١٤٥٠ والدارقطني ١/ ٢٥٠ و٢٥١ والحاكم ١/ ١٩٢ و١٩٣ والبيهقي ١/ ٤٤١. فالحديث يتأيد بشواهده.
(٣) في الأصل «عن» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج. [.....]
(٤) في الأصل «حكم بن أبي حكيم عن عباد» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٥) في الأصل «بن أبي جبير» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب التراجم.
696
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم: «أمّني جبريل عليه السلام عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى بِي الظهر حين زالت الشمس وكانت بقدر الشّراك، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ [١] ظلّ كلّ شيء مثل ظله، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَصَلَّى بِي الْعَشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ، وَصَلَّى بِي الْفَجْرَ حِينَ حَرُمَ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصائم، فلمّا كان الغد صلّى بي الظُّهْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شيء مثل ظله، وَصَلَّى بِي الْعَصْرَ حِينَ كَانَ ظِلُّ كُلِّ شَيْءٍ مِثْلَيْهِ، وَصَلَّى بِي الْمَغْرِبَ حِينَ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وصلّى بي العشاء حين ذهب ثُلُثَ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، وَصَلَّى بِي الفجر حين أسفر، ثم التفت إليّ وقال: يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت مَا بَيْنَ هَذَيْنَ الْوَقْتَيْنِ».
«٧١٢» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ [أَحْمَدُ] [٢] بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ [٣] أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هاشم [٤] ثَنَا وَكِيعٌ ثَنَا بَدْرُ بْنُ عُثْمَانَ ثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ سَائِلًا أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ، قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شيئا ثم أمر بلالا]
فَأَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ انْشَقَّ الْفَجْرُ فَصَلَّى، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: قَدْ زَالَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَزُلْ، وَهُوَ كَانَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ، ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العصر والشمس مرتفعة ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ وَقَعَتِ [٦] الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ العشاء حين سقط الشَّفَقِ، قَالَ: وَصَلَّى الْفَجْرَ مِنَ الْغَدِ، وَالْقَائِلُ يَقُولُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ لَمْ تَطْلُعْ، وَصَلَّى الظُّهْرَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدِ احْمَرَّتِ الشَّمْسُ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أن يغيب الشفق، وَصَلَّى الْعِشَاءَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ قَالَ: «أَيْنَ السَّائِلُ، عَنِ وقت الصلاة؟» [فَقَالَ الرَّجُلُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:] [٧] «مَا بَيْنَ هَذَيْنَ الوقتين وقت».
[سورة النساء (٤) : آية ١٠٤]
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٠٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ الْآيَةَ، سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ رضي الله عنه وَأَصْحَابَهُ لَمَّا رَجَعُوا يَوْمَ أُحُدٍ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَائِفَةً فِي آثَارِهِمْ فَشَكَوْا أَلَمَ الْجِرَاحَاتِ، فَقَالَ اللَّهُ تعالى:
٧١٢- إسناده صحيح على شرط مسلم، وكيع هو ابن الجراح، أبو بكر الأشعري، اسمه عمرو، وقيل: عامر، وهو أسنّ من أخيه أبي بردة.
- وهو في «شرح السنة» (٣٥٠) بهذا الإسناد.
وأخرجه مسلم ٦١٤ وأبو داود ٣٩٥ والنسائي ١/ ٢٦٠ وابن أبي شيبة ١/ ٣١٧ من طرق عن بدر بن عثمان بهذا الإسناد.
- وفي الباب من حديث بريدة أخرجه مسلم ٦١٣ والترمذي ١٥٢ والنسائي ١/ ٢٥٨ وابن ماجه ٦٦٧ وأحمد ٥/ ٣٤٩ وابن حبان ١٤٩٢ والطحاوي ١/ ١٤٨ وابن الجارود ١٥١ والدارقطني ١/ ٢٦٢ والبيهقي ١/ ٣٧١.
- ومن حديث جابر أخرجه الترمذي ١٥٠ والنسائي ١/ ٢٥١ و٢٥٦ وأحمد ٣/ ٣٣٠ والدارقطني ١/ ٢٥٦ و٢٥٧ وابن حبان ١٤٧٢ والطحاوي ١/ ١٤٧ والحاكم ١/ ١٩٥- ١٩٦ والبيهقي ١/ ٣٦٨ و٣٦٩ وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي وقال الترمذي: حسن صحيح.
(١) في المطبوع «صار».
(٢) سقط من المطبوع.
(٣) زيد في الأصل بين «الحيري» و «حاجب» :«أنا وكيع» والتصويب عن «شرح السنة».
(٤) في الأصل «هشام» وهو تصحيف.
(٥) زيد في المطبوع «فأذن ثم أمره».
(٦) في المطبوع «غابت».
(٧) ليس في المخطوط و «شرح السنة» وهو مثبت في روآية لمسلم وغيره.
وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ أَيْ: [لَا] [١] تَضْعُفُوا فِي ابْتِغَاءِ القوم في طلب القوم أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِهِ، إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ، تَتَوَجَّعُونَ مِنَ الْجِرَاحِ، فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ، أَيْ: يَتَوَجَّعُونَ، يَعْنِي الْكُفَّارَ، كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ، أَيْ: وَأَنْتُمْ مَعَ ذَلِكَ تَأْمُلُونَ مِنَ الْأَجْرِ وَالثَّوَابِ فِي الْآخِرَةِ وَالنَّصْرِ فِي الدُّنْيَا مَا لَا يَرْجُونَ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْمُرَادُ بِالرَّجَاءِ الْخَوْفُ، لِأَنَّ كُلَّ رَاجٍ خَائِفٌ أَنْ لا يدركه مَأْمُولَهُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: وَتَرْجُونَ [مِنَ اللَّهِ، أَيْ: تَخَافُونَ مِنَ اللَّهِ] [٢] أَيْ: تَخَافُونَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مَا لَا يَخَافُونَ، قَالَ الْفَرَّاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَا يَكُونُ الرَّجَاءُ بمعنى الخوف إلا مع الجدّ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ [الْجَاثِيَةِ: ١٤] أَيْ: لَا يَخَافُونَ [٣]، وَقَالَ تَعَالَى: مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) [نُوحٍ: ١٣] أَيْ: لا تخافون لله عظمة [٤]، وَلَا يَجُوزُ رَجَوْتُكَ بِمَعْنَى: خِفْتُكَ، وَلَا خِفْتُكَ وَأَنْتَ تُرِيدُ رَجَوْتُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٥ الى ١٠٦]
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً (١٠٥) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ الآية:
ع «٧١٣» رَوَى الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ مِنْ بَنِي ظَفْرِ بْنِ الْحَارِثِ سَرَقَ دِرْعًا مِنْ جَارٍ لَهُ يُقَالُ لَهُ قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَكَانَتِ الدِّرْعُ فِي جِرَابٍ له فِيهِ دَقِيقٌ فَجَعَلَ الدَّقِيقُ يَنْتَثِرُ مِنْ خَرْقٍ فِي الْجِرَابِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الدَّارِ، ثُمَّ خَبَّأَهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ، يُقَالُ لَهُ زَيْدُ بْنُ السَّمِينِ، فَالْتَمَسْتُ الدِّرْعَ عِنْدَ طُعْمَةَ فَحَلَفَ بِاللَّهِ مَا أَخَذَهَا وَمَا لَهُ بِهَا مِنْ عِلْمٍ، فَقَالَ أَصْحَابُ الدِّرْعِ: لَقَدْ رَأَيْنَا أَثَرَ الدَّقِيقِ حَتَّى [٥] دَخَلَ دَارَهُ، فَلَمَّا حَلَفَ تَرَكُوهُ وَاتَّبَعُوا أَثَرَ الدَّقِيقِ إِلَى مَنْزِلِ الْيَهُودِيِّ فَأَخَذُوهُ مِنْهُ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ دَفْعَهَا إِلَيَّ طُعْمَةُ بْنُ أُبَيْرِقٍ، فَجَاءَ بَنُو ظَفْرٍ وَهُمْ قَوْمُ طُعْمَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُجَادِلَ عَنْ صَاحِبِهِمْ، وَقَالُوا لَهُ: إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَفْعَلِ افْتَضَحَ صَاحِبُنَا، فَهَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعَاقِبَ الْيَهُودِيَّ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي [٦] رِوَايَةِ أُخْرَى: أَنَّ طُعْمَةَ سَرَقَ الدِّرْعَ فِي جِرَابٍ فِيهِ نُخَالَةٌ فَخَرَقَ الْجِرَابَ حَتَّى كَانَ يَتَنَاثَرُ مِنْهُ النُّخَالَةُ طُولَ الطَّرِيقِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى دَارِ زَيْدٍ السَّمِينِ وَتَرَكَهُ على بابه،
٧١٣- ع ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٦١) بدون إسناد.
وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٦١) : ذكره الثعلبي من رواية أبي صالح، عن الكلبي، عن ابن عباس، ونقله الواحدي عن المفسرين في «الأسباب».... اهـ. وانظر «أسباب النزول» (٣٧٣ و٣٧٤) للسيوطي.
- وأخرجه الطبري ١٠٤١٧ من رواية سعيد، عن قتادة مرسلا مع اختلاف يسير. ويشهد لهذا الخبر ما أخرجه الترمذي ٣٠٣٦ والحاكم ٤/ ٣٨٥ والطبري ١٠٤١٦ من حديث ابن عباس صححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وقال الترمذي:
هذا حديث غريب. وله طرق وشواهد أخرى، راجع «أحكام القرآن» (٥٦٧) بتخريجي، والله أعلم.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) زيد في المطبوع وط.
(٣) في المطبوع «يخافونه». [.....]
(٤) في المطبوع وط «عظمته».
(٥) في المطبوع «حين».
(٦) انظر ما قبله.
وَحَمَلَ الدِّرْعَ إِلَى بَيْتِهِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ صَاحِبُ الدِّرْعِ جَاءَ عَلَى أَثَرِ النُّخَالَةِ إِلَى دَارِ زَيْدٍ السَّمِينِ فَأَخَذَهُ وَحَمَلَهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ زَيْدٍ الْيَهُودِيِّ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ زَيْدًا السَّمِينَ أَوْدَعَ دِرْعًا عِنْدَ طُعْمَةَ فَجَحَدَهَا طُعْمَةُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فَقَالَ:
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْفَصْلِ، لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ بِمَا عَلَّمَكَ اللَّهُ وَأَوْحَى إليك، وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ [وهو] [١] طُعْمَةَ، خَصِيماً، مُعِينًا مُدَافِعًا عَنْهُ.
وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ، مما هممت به مِنْ مُعَاقَبَةِ الْيَهُودِيِّ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ مِنْ جِدَالِكَ عَنْ طُعْمَةَ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٠٧ الى ١١٠]
وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً (١٠٧) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً (١٠٩) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً (١١٠)
وَلا تُجادِلْ
لَا تُخَاصِمْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ
، أَيْ: يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ بِالْخِيَانَةِ وَالسَّرِقَةِ، إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً
، خائنا، أَثِيماً
[يُرِيدُ خَوَّانًا فِي] [٢] الدِّرْعِ، أَثِيمًا فِي رَمْيِهِ الْيَهُودِيِّ، قِيلَ: إِنَّهُ خِطَابٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهِ غَيْرَهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ [يونس: ٩٤]، وَالِاسْتِغْفَارُ فِي حَقِّ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَ النُّبُوَّةِ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ: إمّا لذنب تقدم قبل [٣] النُّبُوَّةِ أَوْ لِذُنُوبِ أُمَّتِهِ وَقَرَابَتِهِ، أو لمباح جاء الشرع بتحريمه فَيَتْرُكُهُ بِالِاسْتِغْفَارِ، فَالِاسْتِغْفَارُ يَكُونُ مَعْنَاهُ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لِحُكْمِ الشَّرْعِ.
يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ
، أَيْ: يَسْتَتِرُونَ وَيَسْتَحْيُونَ مِنَ النَّاسِ، يُرِيدُ بَنِي ظَفْرِ بْنِ الْحَارِثِ، وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ
أَيْ: لَا يَسْتَتِرُونَ وَلَا يَسْتَحْيُونَ مِنَ اللَّهِ، وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ
، يتقولون وَيُؤَلِّفُونَ، وَالتَّبْيِيتُ: تَدْبِيرُ الْفِعْلِ لَيْلًا، مَا لَا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ
، وَذَلِكَ أَنْ قَوْمَ طُعْمَةَ قَالُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ:
نَرْفَعُ الْأَمْرَ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَهُ وَيَمِينَهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلَا يَسْمَعُ مِنَ الْيَهُودِيِّ لأنه [٤] كَافِرٌ، فَلَمْ يَرْضَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً
، ثُمَّ يَقُولُ لِقَوْمِ طُعْمَةَ:
هَا أَنْتُمْ هؤُلاءِ
، أَيْ: يَا هَؤُلَاءِ، جادَلْتُمْ
أَيْ: خَاصَمْتُمْ، عَنْهُمْ
يَعْنِي: عَنْ طُعْمَةَ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «عَنْهُ» [٥] فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
، وَالْجِدَالُ: شِدَّةُ الْمُخَاصَمَةِ من الجدل، وهو شدة القتل، فهو يريد قتل الْخِصْمِ عَنْ مَذْهَبِهِ بِطَرِيقِ الْحِجَاجِ، وَقِيلَ: الْجِدَالُ مِنَ الْجَدَالَةِ، وَهِيَ الْأَرْضُ، فَكَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يَرُومُ قَهْرَ صَاحَبَهُ وَصَرْعَهُ عَلَى الْجَدَالَةِ، فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ
، يَعْنِي: عَنْ طُعْمَةَ، يَوْمَ الْقِيامَةِ
إِذَا أَخَذَهُ اللَّهُ بِعَذَابِهِ، أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا
، كَفِيلَّا، أَيْ: مَنِ الَّذِي يَذُبُّ عَنْهُمْ، وَيَتَوَلَّى أَمْرَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ فَقَالَ:
وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً
، يَعْنِي السَّرِقَةَ، أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ
، بِرَمْيهِ الْبَرِيءَ، وَقِيلَ: وَمَنْ يعمل سوءا
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) العبارة في المطبوع وحده «بسرقة».
(٣) في المطبوع «على».
(٤) في المطبوع وط «فإنه».
(٥) أي قرأه أبي رضي الله عنه «جادلتم عنه».
أَيْ: شِرْكًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ: يَعْنِي: إِثْمًا دُونَ الشِّرْكِ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ
، أَيْ: يَتُبْ إِلَيْهِ وَيَسْتَغْفِرْهُ، يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً
، يَعْرِضُ التَّوْبَةَ عَلَى طُعْمَةَ فِي هذه الآية.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١١ الى ١١٤]
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١١١) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (١١٢) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً (١١٣) لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (١١٤)
وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً
، يَعْنِي: يَمِينَ طُعْمَةَ بِالْبَاطِلِ، أَيْ: مَا سَرَقْتُهُ إِنَّمَا سَرَقَهُ الْيَهُودِيُّ [١] فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ
، فَإِنَّمَا يَضُرُّ بِهِ نَفْسَهُ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً
، بِسَارِقِ الدِّرْعِ حَكِيماً
، حَكَمَ بِالْقَطْعِ عَلَى السَّارِقِ.
وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً
أَيْ: سَرِقَةَ الدِّرْعِ، أَوْ إِثْماً
يَمِينَهُ [٢] الْكَاذِبَةَ، ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
أَيْ:
يَقْذِفْ بِمَا جَنَى بَرِيئاً
مِنْهُ وَهُوَ نِسْبَةُ السَّرِقَةِ إِلَى الْيَهُودِيِّ [٣] فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً
الْبُهْتَانُ: هُوَ الْبَهْتُ، وَهُوَ الْكَذِبُ الَّذِي يُتحَيَّرُ فِي عِظَمِهِ، وَإِثْماً مُبِيناً
أَيْ: ذَنْبًا بَيِّنًا، وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمِ بِهِ
وَلَمْ يَقُلْ بِهِمَا بَعْدَ ذِكْرِ الْخَطِيئَةِ وَالْإِثْمِ، رَدَّ الْكِنَايَةَ إلى الإثم وجعل الْخَطِيئَةَ وَالْإِثْمَ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ
، يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَهَمَّتْ
، لِقَدِ هَمَّتْ أَيْ:
أَضْمَرَتْ، طائِفَةٌ مِنْهُمْ
، يَعْنِي: قَوَّمَ طُعْمَةَ، أَنْ يُضِلُّوكَ
يُخَطِّئُوكَ فِي الْحُكْمِ وَيُلْبِسُوا عَلَيْكَ الْأَمْرَ حَتَّى تُدَافِعَ عَنْ طُعْمَةَ، وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
، يَعْنِي يَرْجِعُ وَبَالُهُ عَلَيْهِمْ [٤]، وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ
، يُرِيدُ أَنَّ ضَرَرَهُ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ [٥]، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ
، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَالْحِكْمَةَ
، يَعْنِي: الْقَضَاءَ بِالْوَحْيِ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ
مِنَ الْأَحْكَامِ، وَقِيلَ: مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ، وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ، يَعْنِي: قَوْمَ طُعْمَةَ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي حَقِّ جَمِيعِ النَّاسِ، وَالنَّجْوَى: هِيَ الْإِسْرَارُ فِي التَّدْبِيرِ، وَقِيلَ: النَّجْوَى مَا يَنْفَرِدُ بِتَدْبِيرِهِ قَوْمٌ سِرًّا كَانَ أَوْ جَهْرًا فَمَعْنَى الْآيَةِ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِمَّا يُدَبِّرُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَيْ: إِلَّا فِي نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ، فَالنَّجْوَى يكون متصلا [٦]. وقيل: هو استثناء منقطع، يعني: لكن أمر بصدقة. قيل: النَّجْوَى هَاهُنَا: الرِّجَالُ الْمُتَنَاجُونَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ هُمْ نَجْوى [الْإِسْرَاءِ: ٤٧] إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَيْ:
حَثَّ عَلَيْهَا أَوْ مَعْرُوفٍ أَيْ: بِطَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يُعَرِّفُهُ الشَّرْعُ وَأَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا مَعْرُوفٌ، لِأَنَّ الْعُقُولَ تَعْرِفُهَا، أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ.
(١) في المطبوع «اليهود».
(٢) في المطبوع «بيمينه».
(٣) في المطبوع «اليهود».
(٤) في المطبوع «عليها».
(٥) في المخطوط وحده «عليهم».
(٦) في المخطوط وط «فعلا» وهو خطأ. [.....]
«٧١٤» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ [١] بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ أَنَا حَاجِبُ بْنُ أَحْمَدَ الطُّوسِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ، أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَالِمٍ هُوَ ابْنُ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ [عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ] [٢] :
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ وَالصَّلَاةِ» ؟ قَالَ: قُلْنَا بَلَى، قَالَ: «إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَفَسَادُ [٣] ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ».
«٧١٥» أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الصَّالِحِيُّ، أَنَا أَبُو الْحُسَيْنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بِشْرَانَ، أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّفَّارُ، أَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، ثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، ثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ [٤] بِنْتِ عُقْبَةَ، وَكَانَتْ مِنَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلِ، قَالَتْ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَيْسَ بِالْكَذَّابِ [٥] مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ وقال خَيْرًا أَوْ نَمَى خَيْرًا».
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أَيْ: هَذِهِ الْأَشْيَاءَ الَّتِي ذَكَرَهَا، ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ، أَيْ:
طَلَبَ رِضَاهُ، فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ، فِي الْآخِرَةِ، أَجْراً عَظِيماً، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ يُؤْتِيهِ بِالْيَاءِ، يَعْنِي: يُؤْتِيهِ اللَّهُ وَقَرَأَ الآخرون بالنون.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٥ الى ١١٦]
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً (١١٥) إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ، نَزَلَتْ فِي طُعْمَةَ بْنِ أُبَيْرِقٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا ظَهَرَتْ عَلَيْهِ السرقة
٧١٤- صحيح، محمد بن حماد ثقة، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، أبو معاوية هو محمد بن خازم الضرير، الأعمش هو سليمان بن مهران، أم الدرداء هي الصغرى تابعية، اسمها هجيمة، وأما الكبرى فليس لها رواية في الكتب الستة.
هو في «شرح السنة» (٣٤٣٢) بهذا الإسناد.
وأخرجه أبو داود ٤٩١٩ والترمذي ٢٥٠٩ والبخاري في «الأدب المفرد» (٣٩١) وأحمد ٦/ ٤٤٤- ٤٤٥ وابن حبان ٥٠٩٢ من طرق عن أبي معاوية بهذا الإسناد.
٧١٥- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، معمر هو ابن راشد، الزهري هو محمد بن مسلم بن شهاب.
- وهو في «شرح السنة» (٣٤٣٣) بهذا الإسناد.
- أخرجه المصنف من طريق عبد الرزاق، وهو في «مصنفه» (٢٠١٩٦) عن معمر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٦٩٢ ومسلم ٢٦٠٥ وأبو داود ٤٩٢٠ و٤٩٢١ والترمذي ١٩٣٨ والطيالسي ١٦٥٦ وأحمد ٦/ ٤٠٣ والطحاوي ٤/ ٨٦ و٨٧ وابن حبان ٥٧٣٣ والطبراني في «الكبير» (٢٥/ (١٨٣) - (١٨٧) و (١٨٩) و (١٩٠) و (٢٠١)) وفي «الصغير» (٢٨٢) والبيهقي ١٠/ ١٩٧ و١٩٨ من طرق عن الزهري به.
(١) في الأصل «أبو بكر بن أحمد الحسن» والتصويب عن «شرح السنة».
(٢) العبارة في الأصل «رضي الله عنها قالت» والتصويب عن «ط» و «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٣) في المطبوع «وإن إفساد».
(٤) في الأصل «أم مكتوم» والتصويب عن «شرح السنة» وكتب الحديث.
(٥) في المطبوع «الكذاب» وفي المخطوط «بكذاب» والمثبت عن «شرح السنة» وط.
خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَطْعِ الْيَدِ وَالْفَضِيحَةِ، فَهَرَبَ إِلَى مَكَّةَ وَارْتَدَّ عَنِ الدِّينِ [١]، فَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ، أَيْ: يُخَالِفُهُ، مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى، من التَّوْحِيدُ وَالْحُدُودُ، وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: غَيْرَ طَرِيقِ الْمُؤْمِنِينَ، نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى، أَيْ: نَكِلْهُ فِي الْآخِرَةِ إِلَى مَا تَوَلَّى فِي الدُّنْيَا، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً.
رُوِيَ أَنَّ طُعْمَةَ بْنَ أُبَيْرِقٍ نَزَلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلِيمٍ [٢] مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُقَالُ لَهُ الْحَجَّاجُ بْنُ عُلَاطٍ، فَنَقَّبَ بَيْتَهُ فَسَقَطَ عَلَيْهِ حَجَرٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَدْخُلَ وَلَا أَنْ يَخْرُجَ حَتَّى أَصْبَحَ، فَأُخِذَ لِيُقْتَلَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
دَعَوْهُ فَإِنَّهُ قَدْ لَجَأَ إِلَيْكُمْ فَتَرَكُوهُ فَأَخْرَجُوهُ مِنْ مَكَّةَ، فَخَرَجَ مَعَ تُجَّارٍ مِنْ قُضَاعَةَ نَحْوَ الشَّامِ، فَنَزَلُوا مَنْزِلًا فَسَرَقَ بَعْضَ مَتَاعِهِمْ وَهَرَبَ، فَطَلَبُوهُ وَأَخَذُوهُ وَرَمَوْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى قَتَلُوهُ، فَصَارَ قَبْرُهُ تِلْكَ الْحِجَارَةَ، وَقِيلَ: إِنَّهُ رَكِبَ سَفِينَةً إِلَى جَدَّةَ فَسَرَقَ فِيهَا كِيسًا فِيهِ دَنَانِيرُ فَأُخِذَ [٣]، فَأُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ نَزَلَ فِي حُرَّةِ بَنِي سَلِيمٍ وَكَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا إِلَى أَنْ مَاتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ:
إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً (١١٦) أَيْ: ذَهَبَ عَنِ الطريق وحرم الخير كله.
ع «٧١٦» وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَيْخٍ مِنَ الْأَعْرَابِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنِّي شَيْخٌ منهمك فِي الذُّنُوبِ، إِلَّا أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئًا مُنْذُ عَرَفْتُهُ وَآمَنْتُ بِهِ، وَلَمْ أَتَّخِذْ مِنْ دُونِهِ وَلِيًّا وَلَمْ أُوَاقِعِ الْمَعَاصِي جُرْأَةً عَلَى اللَّهِ، وَمَا تَوَهَّمْتُ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَنِّي أُعْجِزُ اللَّهَ هَرَبًا وَإِنِّي لَنَادِمٌ تَائِبٌ مُسْتَغْفِرٌ فَمَا [٤] حَالِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هذه الآية.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١١٧ الى ١١٩]
إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧) لَعَنَهُ اللَّهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِناثاً، نَزَلَتْ فِي أَهْلِ مَكَّةَ، أَيْ: مَا يَعْبُدُونَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي [غَافِرٍ: ٦٠] أَيْ: اعْبُدُونِي، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي [غَافِرٍ: ٦٠]، قَوْلُهُ: مِنْ دُونِهِ أَيْ: مِنْ دُونِ اللَّهِ، إِلَّا إِناثاً أَرَادَ بِالْإِنَاثِ الْأَوْثَانَ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَهَا بَاسِمِ الْإِنَاثِ، فَيَقُولُونَ: اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ، وَكَانُوا يَقُولُونَ لِصَنَمِ كُلِّ قَبِيلَةٍ: أُنْثَى بَنِي فُلَانٍ فَكَانَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ شَيْطَانٌ يَتَرَاءَى لِلسَّدَنَةِ وَالْكَهَنَةَ ويكلمهم، فلذلك قال: وَإِنْ يَدْعُونَ
٧١٦- ع واه بمرة. عزاه الشوكاني في «فتح القدير» (١/ ٥٩٥) للثعلبي، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٦٦) : هو منقطع اهـ.
قلت: والثعلبي يروي الموضوعات. والضحاك لم يلق ابن عباس، وعامة روآيات الضحاك إنما هي من طريق جويبر بن سعيد ذاك المتروك، ويجتنب أهل التفسير ذكره بسبب وضوح حاله، فالخبر واه بمرة.
١ انظر ما تقدم برقم: ٧٠٠.
٢ انظر ما تقدم برقم: ٧٠٠.
(٣) في المطبوع «فأخذه».
(٤) في المطبوع «فماذا».
إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ [١] يَدُلُّ على صحة [هذا] [٢] التأويل وأن الْمُرَادَ بِالْإِنَاثِ الْأَوْثَانَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ «أَنَّ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أُثُنًا»، جَمْعِ الْوَثَنِ فَصَيَّرَ الْوَاوَ هَمْزَةً، وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ إِلَّا إِناثاً أَيْ: مَوَاتًا لَا رُوحَ فِيهِ، لِأَنَّ أَصْنَامَهُمْ كَانَتْ مِنَ الْجَمَادَاتِ [٣] سَمَّاهَا إِنَاثًا لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنِ الْمَوَاتِ، كَمَا يُخْبِرُ عَنِ الْإِنَاثِ، وَلِأَنَّ الْإِنَاثَ أَدْوَنُ الْجِنْسَيْنِ كَمَا أَنَّ الْمَوَاتَ أَرْذَلُ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَرَادَ بِالْإِنَاثِ الْمَلَائِكَةَ، [وَكَانَ بَعْضُهُمْ] [٤] يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَيَقُولُونَ: الْمَلَائِكَةُ إِنَاثٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً [الزُّخْرُفِ: ١٩] وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً [أَيْ: وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَرِيدًا] [٥] لِأَنَّهُمْ إِذَا عَبَدُوا الْأَصْنَامَ فَقَدْ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ، وَالْمَرِيدُ:
الْمَارِدُ، وَهُوَ الْمُتَمَرِّدُ الْعَاتِي الْخَارِجُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَأَرَادَ: إِبْلِيسَ.
لَعَنَهُ اللَّهُ، أَيْ: أبعده مِنْ رَحْمَتِهِ، وَقالَ، يَعْنِي: قَالَ إِبْلِيسُ، لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً، أَيْ: حَظًّا [٦] مَعْلُومًا، فَمَا أُطِيعَ فِيهِ إِبْلِيسُ فَهُوَ مَفْرُوضُهُ، وَفِي بَعْضِ التَّفَاسِيرِ: مِنْ كُلِّ أَلْفِ وَاحِدٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَتِسْعُمِائَةٍ وَتِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ لِإِبْلِيسَ، وَأَصْلُ الْفَرْضِ فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ، وَمِنْهُ الْفُرْضَةُ فِي النَّهْرِ وَهِيَ الثُّلْمَةُ تَكُونُ فيه، وفرض القوس والشرك: لِلشَّقِّ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْوَتَرُ وَالْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الشِّرَاكُ [٧].
وَلَأُضِلَّنَّهُمْ يَعْنِي: عَنِ الْحَقِّ، أَيْ: لِأُغْوِيَنَّهُمْ، يَقُولُهُ إِبْلِيس، وَأَرَادَ بِهِ التَّزْيِينَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ إِلَيْهِ مِنَ الْإِضْلَالِ شَيْءٌ كَمَا قَالَ: لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ [الْحِجْرِ: ٣٩] وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ، قِيلَ: أُمَنِّيَنَّهُمْ رُكُوبَ الْأَهْوَاءِ، وَقِيلَ: أُمَنِّيَنَّهُمْ أَنْ لَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ وَلَا بَعْثَ، وَقِيلَ: أُمَنِّيَنَّهُمْ إِدْرَاكَ الْآخِرَةِ مَعَ رُكُوبِ الْمَعَاصِي، وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْحَسَنُ ومجاهد وقتادة وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: يَعْنِي دِينَ اللَّهِ، نَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:
لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الرُّومِ: ٣٠] أَيْ: لِدِينِ اللَّهِ، يُرِيدُ وَضْعَ اللَّهِ فِي الدِّينِ بِتَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ بِالْخِصَاءِ وَالْوَشْمِ وَقَطْعِ الْآذَانِ حَتَّى حَرَّمَ بَعْضُهُمُ الْخِصَاءَ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهَائِمِ، لِأَنَّ فِيهِ غَرَضًا ظَاهِرًا، وَقِيلَ: تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَنْعَامَ لِلرُّكُوبِ وَالْأَكْلِ فَحَرَّمُوهَا، وَخَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْأَحْجَارَ لِمَنْفَعَةِ الْعِبَادِ فَعَبَدُوهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ: رَبًّا يُطِيعُهُ، فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٠ الى ١٢٣]
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً (١٢٢) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣)
(١) تصحف في المخطوط «المشركين».
(٢) زيادة عن المخطوط. [.....]
(٣) في المخطوط «جمادات» بدون «من».
(٤) في المخطوط «كانوا» والمثبت أقرب للواقع، إذ ليس كل العرب تقول بأنوثة الملائكة أو تعبدهم.
(٥) زيد في المطبوع وط.
(٦) في المطبوع «حقا».
(٧) في المخطوط «السواك».
703
يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ فَوَعْدُهُ وَتَمْنِيَتُهُ مَا يُوقِعُ [١] فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ مِنْ طُولِ الْعُمُرِ وَنَيْلِ الدُّنْيَا، وَقَدْ يَكُونُ بِالتَّخْوِيفِ بِالْفَقْرِ فَيَمْنَعُهُ مِنَ الْإِنْفَاقِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ [الْبَقَرَةِ: ٢٦٨] وَيُمَنِّيهِمْ بِأَنْ لَا بَعْثَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً، أَيْ: بَاطِلًا.
أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١)، أَيْ: مَفَرًّا وَمَعْدِلًا عَنْهَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، أَيْ: مِنْ تَحْتِ الْغُرَفِ وَالْمَسَاكِنِ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ، الْآيَةَ. قَالَ مَسْرُوقٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ: أَرَادَ لَيْسَ أمانيكم أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ [يَعْنِي الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى، وَذَلِكَ أَنَّهُمُ افْتَخَرُوا، فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ] [٢] نَبِيُّنَا قَبْلَ نَبِيِّكُمْ وَكِتَابُنَا قَبْلَ كِتَابِكُمْ فَنَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: نَبِيُّنَا خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَكِتَابُنَا يَقْضِي عَلَى الْكُتُبِ، وَقَدْ آمَنَّا بِكِتَابِكُمْ وَلَمْ تُؤْمِنُوا بِكِتَابِنَا فنحن أولى، وقال مجاهد: أراد بقوله لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ يَا مُشْرِكِي أَهْلِ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا بَعْثَ وَلَا حِسَابَ، وَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً [الْبَقَرَةِ: ٨٠]، لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى [الْبَقَرَةِ:
١١١]، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ أَيْ: لَيْسَ الْأَمْرُ بِالْأَمَانِي وَإِنَّمَا الْأَمْرُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ، مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَجَمَاعَةٌ: الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي حق كل عامل.
ع «٧١٧» وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ شَقَّتْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا غَيْرَكَ فَكَيْفَ الْجَزَاءُ؟ قَالَ: «مِنْهُ مَا يَكُونُ فِي الدُّنْيَا، فَمَنْ يَعْمَلْ حَسَنَةً فَلَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَمَنْ جُوزِيَ بِالسَّيِّئَةِ، نَقَصَتْ وَاحِدَةٌ مِنْ عَشْرٍ [٣] وَبَقِيَتْ لَهُ تسع حسنات، فويل لمن غلب [٤] آحاده أعشاره، وأمّا [ما كان جَزَاءً] [٥] فِي الْآخِرَةِ فَيُقَابِلُ بَيْنَ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ، فَيَلْقَى مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً وَيَنْظُرُ فِي الْفَضْلِ، فَيُعْطَى الْجَزَاءَ فِي الْجَنَّةِ فَيُؤْتِي كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ».
«٧١٨» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ ثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْعَبْدُوسِيُّ [٦] ثَنَا أَبُو بَكْرٍ أحمد بن
٧١٧- ع باطل. عزاه المصنف للكلبي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عباس وهذا إسناد ساقط، الكلبي هو محمد بن السائب متروك كذاب وقد أقرّ أنه كان يكذب على ابن عباس. وأبو صالح، اسمه باذان قيل: لم يلق ابن عباس، وقد أقرّ أيضا أنه كان يكذب على ابن عباس. راجع ترجمتهما في «الميزان»، وتقدم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جبير وجماعة أن الآية عامة، وهو الصواب إن شاء الله، والله تعالى أعلم.
٧١٨- إسناده ضعيف، فيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف، وكذا فيه مولى ابن سبّاع، وهو مجهول.
- وهو في «شرح السنة» (١٤٣٣) بهذا الإسناد.
- وأخرجه الترمذي ٣٠٤٢ وأبو يعلى ٢١ من طريق روح بن عبادة بهذا الإسناد.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وفي إسناده مقال. وموسى بن عبيدة يضعف في الحديث، ضعفه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل. ومولى ابن سباع مجهول، وقد روي من غير هذا الوجه، عن أبي بكر، وليس له إسناد صحيح أيضا.
وفي الباب عن عائشة اهـ.
(١) في المطبوع «ما يوقعه».
(٢) سقط من المخطوط.
(٣) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «عشرة».
(٤) في المطبوع وط «غلبت».
(٥) العبارة في المطبوع «من يكون جزاؤه».
(٦) في الأصل «العدوسي» والتصويب عن «ط» وعن «شرح السنة».
704
سلمان [١] الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ ثَنَا يَحْيَى بْنُ جعفر بن الزّبرقان والحارث بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: ثَنَا رَوْحٌ هُوَ ابْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ أَخْبَرَنِي مَوْلَى بْنِ سبّاع قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصَّدِيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا بَكْرٍ أَلَّا أُقْرِئَكَ آيَةً أُنْزِلَتْ عَلَيَّ؟» قَالَ: قُلْتُ بَلَى، قَالَ:
فَأَقْرَأَنِيهَا، قَالَ: وَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أني وجدت انقصاما فِي ظَهْرِي حَتَّى تَمَطَّيْتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّيِّ وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا؟ إِنَّا لَمَجْزِيُّونَ بِكُلِّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَأَصْحَابُكَ الْمُؤْمِنُونَ فَتُجْزَوْنَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ، وَلَيْسَتْ لَكُمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجْزَوْا يَوْمَ القيامة».
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٤]
وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (١٢٤)، أَيْ: مِقْدَارُ النَّقِيرِ، وَهُوَ النَّقْرَةُ الَّتِي تَكُونُ فِي ظَهْرِ النَّوَاةِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ وَأَبُو بَكْرٍ يَدْخُلُونَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْخَاءِ هَاهُنَا وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ وَحَم الْمُؤْمِنِ، زَادَ أَبُو عمر يَدْخُلُونَها [فاطر: ٣٣] فِي سُورَةِ فَاطِرٍ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْخَاءِ، رَوَى الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ قَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ: نَحْنُ وَأَنْتُمْ سَوَاءٌ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ الْآيَةَ، وَنَزَلَتْ أيضا:
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٥]
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً (١٢٥)
وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً، أَحْكَمُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، أَيْ: أَخْلَصَ عَمَلَهُ لِلَّهِ، وَقِيلَ: فَوَّضَ أَمْرَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ أَيْ: مُوَحِّدٌ، وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ، يَعْنِي: دِينَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَنِيفاً أَيْ: مُسْلِمًا مُخْلِصًا، قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَمِنْ دِينِ إِبْرَاهِيمَ الصَّلَاةُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَالطَّوَافُ بِهَا وَمَنَاسِكُ الْحَجِّ، وإنّما خصّ بها إِبْرَاهِيمُ لِأَنَّهُ كَانَ مَقْبُولًا عِنْدَ الْأُمَمِ أَجْمَعَ، وَقِيلَ: لِأَنَّهُ بُعِثَ على ملّة إبراهيم وزيدت لَهُ أَشْيَاءُ. وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا، صَفِيًّا، وَالْخِلَّةُ: صَفَاءُ [٢] الْمَوَدَّةِ، وَقَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبَا الضِّيفَانِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ عَلَى ظَهْرِ الطَّرِيقِ يُضِيفُ مَنْ مَرَّ بِهِ مِنَ النَّاسِ، فَأَصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ فَحُشِرُوا إِلَى بَابِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَطْلُبُونَ الطَّعَامَ وَكَانَتِ الميرة كُلَّ سَنَةٍ مِنْ صَدِيقٍ لَهُ بِمِصْرَ، فَبَعْثَ غِلْمَانَهُ بِالْإِبِلِ إِلَى الخليل الذي بِمِصْرَ، فَقَالَ خَلِيلُهُ لِغِلْمَانِهِ: لَوْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِنَّمَا يُرِيدُهُ لِنَفْسِهِ احْتَمَلْنَا ذَلِكَ لَهُ، فَقَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا مَا دَخَلَ عَلَى النَّاسِ مِنَ الشِّدَّةِ، فَرَجَعَ رُسُلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَمَرُّوا ببطحاء سهلة فقالوا فيما بينهم: لو أنا حَمْلنَا مِنْ هَذِهِ الْبَطْحَاءِ لِيَرَى النَّاسُ أَنَّا قَدْ جِئْنَا بِمِيرَةٍ، فَإِنَّا نَسْتَحِي أَنْ نَمُرَّ بِهِمْ وإبلنا فارغة،
(١) في الأصل «سليمان» والتصويب عن «شرح السنة» و «سير أعلام النبلاء» (١٥/ ٥٠٢- ٥٠٦). [.....]
(٢) في المخطوط وحده «صفاوة».
فملؤوا تِلْكَ الْغَرَائِرَ سَهْلَةً، ثُمَّ أَتَوْا إبراهيم [عليه السلام] [١] فَأَعْلَمُوهُ وَسَارَةُ نَائِمَةٌ، فَاهْتَمَّ إِبْرَاهِيمُ لِمَكَانِ النَّاسِ بِبَابِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ وَاسْتَيْقَظَتْ سَارَةُ وَقَدِ ارْتَفَعَ النَّهَارُ، فَقَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا جَاءَ الْغِلْمَانُ؟
قَالُوا: بَلَى، قَالَتْ: فما جاؤوا بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَامَتْ إِلَى الغرائر ففتحتها فإذا هي ملأى بأجود دَقِيقٍ حُوَارِي يَكُونُ، فَأَمَرَتِ الْخَبَّازِينَ فَخَبَزُوا وَأَطْعَمُوا النَّاسَ فَاسْتَيْقَظَ إِبْرَاهِيمُ [عليه السلام] فَوَجَدَ رِيحَ الطَّعَامِ، فَقَالَ: يَا سَارَةُ مِنْ أَيْنَ هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ عِنْدِ خَلِيلِكَ الْمِصْرِيِّ، فَقَالَ: هَذَا مِنْ عِنْدِ خَلِيلِيَ اللَّهِ، قال: فيومئذ اتخذ الله إبراهيم خَلِيلًا [٢].
قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَى الْخَلِيلُ الَّذِي لَيْسَ فِي مَحَبَّتِهِ خَلَلٌ، وَالْخُلَّةُ: الصَّدَاقَةُ، فَسُمِّيَ خَلِيلًا لِأَنَّ اللَّهَ أَحَبَّهُ وَاصْطَفَاهُ. وَقِيلَ: هُوَ مِنَ الْخَلَّةِ وَهِيَ الْحَاجَةُ، سُمِّيَ خَلِيلًا، أَيْ: فَقِيرًا إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ فَقْرَهُ وَفَاقَتَهُ إِلَّا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلًا يَقْتَضِي الْخُلَّةَ من الجانبين، ولا تتصور الْحَاجَةُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ.
«٧١٩» ثَنَا أَبُو الْمُظَفَّرِ [مُحَمَّدُ] [٣] بْنُ أَحْمَدَ التَّمِيمِيُّ [٤] ثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الْقَاسِمِ، ثَنَا خَيْثَمَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَيْدَرَةَ [٥] الْأَطْرَابُلُسِيُّ، ثَنَا أَبُو قِلَابَةَ الرَّقَاشِيُّ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، ثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ:
قَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّ [٦] [أَبَا بَكْرٍ] [٧] أَخِي وَصَاحِبِي، وَلَقَدِ اتّخذ الله صاحبكم خليلا».
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٦ الى ١٢٧]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً (١٢٦) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاَّتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً (١٢٧)
٧١٩- حديث صحيح، أبو قلابة اسمه عبد الملك بن محمد، صدوق تغير بأخرة، لكن توبع، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، شعبة هو ابن الحجاج، أبو إسحاق هو السبيعي اسمه عمرو بن عبد الله، أبو الأحوص هو عوف بن مالك.
- وهو في «شرح السنة» (٣٧٥٩) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٣٨٣ ح ٤ وأحمد ١/ ٤٣٤ وأبو يعلى ٥٣٠٨ من طرق عن شعبة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٣٨٣ ح ٥ والترمذي ٣٦٥٥ وعبد الرزاق ٢٠٣٩٨ وأحمد ١/ ٤٠٨ و٤١٢ و٤٣٧ و٤٥٥ من طرق عن أبي إسحاق السبيعي به.
- وأخرجه مسلم ٢٣٨٣ والحميدي ١١٣ وأحمد ١/ ٣٧٧ و٤٨٩ و٤٠٩ و٤٣٣ والنسائي في «الكبرى» (٨١٠٥) وابن ماجه ٩٣ وأبو يعلى ٥١٨٠ وابن حبان ٦٨٥٥ وابن سعد في «الطبقات» (٣/ ١٧٦) والبغوي ٣٧٦٠ من طرق من حديث ابن مسعود.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) هذا الخبر عزاه المصنف للكلبي عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عباس، وهذا إسناد ساقط الكلبي متروك، وأبو صالح غير ثقة في ابن عباس، والكلبي وأبو صالح أقرّا أنهما كانا يكذبان عن ابن عباس. راجع ترجمتهما في «الميزان».
(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
(٤) في المطبوع «التيمي».
(٥) في الأصل «حيضرة» والتصويب عن «شرح السنة» وعن «ط».
(٦) في المطبوع «ولكنه».
(٧) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطاً أَيْ: أَحَاطَ عِلْمُهُ بِجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، الْآيَةَ. قَالَ الْكَلْبِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي بنات أم كجّة وميراثهن، عن أبيهن وَقَدْ مَضَتِ الْقِصَّةُ فِي أَوَّلِ السورة [١].
ع «٧٢٠» وَقَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ، وَهُوَ وَلِيُّهَا فَيَرْغَبُ فِي نِكَاحِهَا إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ بِأَقَلَّ مِنْ سُنَّةِ صَدَاقِهَا، وَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكَهَا، وَفِي رِوَايَةٍ:
هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حِجْرِ الرَّجُلِ قَدْ شَرَكَتْهُ فِي مَالِهِ فَيَرْغَبُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا لِدَمَامَتِهَا وَيَكْرَهَ أَنْ يُزَوِّجَهَا غَيْرَهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ فَيَحْبِسُهَا حَتَّى تموت فيرثها، فَنَهَاهُمُ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] عَنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَيَسْتَفْتُونَكَ أَيْ: يَسْتَخْبِرُونَكَ فِي النِّسَاءِ، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ، وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ، قِيلَ: مَعْنَاهُ وَيُفْتِيكُمْ فِي مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، وقيل: يريد الله أن يفتيكم فيهن وَكِتَابُهُ [يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ] [٢]، وَهُوَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ [النساء: ٢]، قَوْلُهُ: فِي يَتامَى النِّساءِ، هَذَا إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْيَتَامَى النِّسَاءَ، اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ، أَيْ: لَا تُعْطُونَهُنَّ، مَا كُتِبَ لَهُنَّ، مِنْ صَدَاقِهِنَّ، وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ، أَيْ فِي نِكَاحِهِنَّ لِمَالِهِنَّ وَجَمَالِهِنَّ بِأَقَلَّ مِنْ صَدَاقِهِنَّ، وقال الحسن وجماعة: أراد لا تُؤْتُونَهُنَّ حَقَّهُنَّ مِنَ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُمْ كانوا لا يورثون النساء، ويرغبون أن ينكحوهن أَيْ: عَنْ نِكَاحِهِنَّ لِدَمَامَتِهِنَّ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ يُرِيدُ: وَيُفْتِيكُمْ فِي الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَهُمُ الصِّغَارُ، أن يعطوهم حُقُوقَهُمْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ، يُرِيدُ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي بَابِ الْيَتَامَى مِنْ قَوْلِهِ وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ [النساء: ٢] يَعْنِي بِإِعْطَاءِ حُقُوقِ الصِّغَارِ، وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ، [أَيْ: وَيُفْتِيكُمْ فِي أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ] [٣] بِالْعَدْلِ فِي مُهُورِهِنَّ وَمَوَارِيثِهِنَّ، وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِهِ عَلِيماً، يُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ.
[سورة النساء (٤) : آية ١٢٨]
وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٢٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً الْآيَةَ، نزلت في عمرة ويقال: خَوْلَةَ [٤] بِنْتِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمَةَ، وَفِي زَوْجِهَا سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، وَيُقَالُ: رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ شَابَّةٌ فَلَمَّا عَلَاهَا الْكِبَرُ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا امْرَأَةً شَابَّةً، وَآثَرَهَا عَلَيْهَا وَجَفَا ابْنَةَ مُحَمَّدِ بْنِ مسلمة، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشَكَتْ إِلَيْهِ فَنَزَلَتْ فِيهَا هَذِهِ الْآيَةُ [٥]، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: كَانَ رَجُلٌ لَهُ امْرَأَةٌ قَدْ كَبِرَتْ وَلَهُ مِنْهَا أولاد فأراد أن
٧٢٠- ع صحيح. أخرجه البخاري ٤٦٠٠ ومسلم ٣٠١٨ وأبو داود ٢٠٦٨ والنسائي في «التفسير» (١٤٤) والبيهقي ٧/ ١٤١.
(١) انظر ما تقدم برقم: ٥٢٠.
(٢) زيد في المطبوع وط.
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) في المخطوط وحده «خويلة». [.....]
(٥) لم أقف عليه بهذا السياق، وورد بمعناه من حديث رافع بن خديج أخرجه مالك ٢/ ٥٤٨- ٥٤٩ والحاكم ٢/ ٣٠٨.
707
يُطَلِّقَهَا وَيَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا غَيْرَهَا، فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَدَعْنِي أَقُومُ عَلَى أَوْلَادِي وَاقْسِمْ لِي مِنْ كُلِّ شَهْرَيْنِ إِنْ شِئْتَ، وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَقْسِمْ لِي فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصْلُحُ ذَلِكَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ أَيْ عَلِمَتْ مِنْ بَعْلِها، أَيْ: مِنْ زَوْجِهَا نُشُوزاً أَيْ: بُغْضًا، قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَعْنِي تَرْكَ مُضَاجَعَتِهَا، أَوْ إِعْرَاضًا بِوَجْهِهِ عَنْهَا وَقِلَّةِ مُجَالَسَتِهَا، فَلا جُناحَ عَلَيْهِما، أَيْ:
عَلَى الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ، أَنْ يُصْلِحا أَيْ: يَتَصَالَحَا، وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ أَنْ يُصْلِحا من الإصلاح [١]، بَيْنَهُما صُلْحاً يعني: في القسم وَالنَّفَقَةِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لَهَا: إِنَّكِ قَدْ دَخَلْتِ فِي السِّنِّ وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً شَابَّةً جَمِيلَةً أَوِثْرُهَا عَلَيْكِ فِي الْقِسْمَةِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِنْ رَضِيتِ بِهَذَا فَأَقِيمِي وَإِنْ كَرِهْتِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، فَإِنْ رَضِيَتْ كَانَتْ هِيَ الْمُحْسِنَةَ وَلَا تُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ تَرْضَ بِدُونِ حقها كَانَ عَلَى الزَّوْجِ أَنْ يُوَفِّيَهَا حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ أَوْ يُسَرِّحَهَا بِإِحْسَانٍ، فَإِنْ أَمْسَكَهَا وَوَفَّاهَا حَقَّهَا مَعَ كَرَاهِيَةٍ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَإِنْ صَالَحَتْهُ عَنْ بَعْضِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا رَضِيَتْ، فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ بَعْدَ الصُّلْحِ فَذَلِكَ لَهَا وَلَهَا حَقُّهَا، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنَّ الرَّجُلَ يَكُونُ تَحْتَهُ الْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ فَيَتَزَوَّجُ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ، فيقول للكبيرة: أعطيك [٢] مِنْ مَالِي نَصِيبًا عَلَى أَنْ أَقْسِمَ لِهَذِهِ الشَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا أَقْسِمُ لَكِ فَتَرْضَى بِمَا اصْطَلَحَا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تَرْضَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْدِلَ بَيْنَهُمَا فِي الْقَسْمِ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ: تَكُونُ الْمَرْأَةُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَنْبُو عَيْنُهُ عَنْهَا مِنْ دَمَامَةٍ أَوْ كِبَرٍ فَتَكْرَهُ فُرْقَتَهُ، فَإِنْ أَعْطَتْهُ مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لَهُ حِلٌّ [وَإِنْ أَعْطَتْهُ مِنْ أَيَّامِهَا فَهُوَ حل له] [٣]، وَالصُّلْحُ خَيْرٌ يَعْنِي: إِقَامَتَهَا بَعْدَ تَخْيِيرِهِ إِيَّاهَا وَالْمُصَالَحَةُ عَلَى تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا مِنَ الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، خير من الفرقة:
ع «٧٢١» كَمَا يُرْوَى أَنَّ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتِ امْرَأَةً كَبِيرَةً وَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفَارِقَهَا فَقَالَتْ: لَا تطلقني وكفاني [٤] أَنْ أُبْعَثَ فِي نِسَائِكَ وَقَدْ جَعَلْتُ نَوْبَتِي لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَأَمْسَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ يَقْسِمُ لعائشة يومين يَوْمَهَا وَيَوْمَ سَوْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا.
قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ، يُرِيدُ: شُحَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَصِيبِهِ مِنَ
وورد بنحوه أيضا عن ابن المسيب مرسلا عن الشافعي ١/ ٢٠٥ والواحدي ٣٧٠ والبيهقي ٧/ ٢٩٦.
٧٢١- ع ساقه المصنف بالمعنى، وأصله صحيح.
أخرجه مسلم ١٤٦٣ ح ٤٧ والنسائي في «الكبرى» (٨٩٣٤) وابن حبان ٤٢١١ والبيهقي ٧/ ٧٤ من حديث عائشة قالت:
ما رأيت امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة، من امرأة فيها حدة قالت: فلما كبرت جعلت يومها مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم لعائشة.
قالت: يا رسول الله: قد جعلت يومي منك لعائشة. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلّم يقسم لعائشة يومين، يومها ويوم سودة».
- وأخرجه البخاري ٥٢١٢ ومسلم ١٤٦٣ وابن ماجه ١٩٧٢ من حديث عائشة مختصرا. وأخرجه أبو داود ٢١٣٥ والبيهقي ٧/ ٧٤- ٧٥ من حديث عائشة مطوّلا.
- وفي الباب من حديث ابن عباس عند الترمذي ٣٠٤٠ والطيالسي ٢٦٨٣ والطبري ١٠٦١٣ وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب اهـ.
(١) في المخطوط «أصلح».
(٢) في المطبوع «أعطيتك».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) كذا في المطبوع، وفي المخطوط «وإنما لي» وفي- ط «وإنما بي».
708
الْآخَرِ، وَالشُّحُّ: أَقْبَحُ الْبُخْلِ، وَحَقِيقَتُهُ: الْحِرْصُ عَلَى مَنْعِ الْخَيْرِ، وَإِنْ تُحْسِنُوا، أَيْ: تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا، الْجَوْرَ، وَقِيلَ: هَذَا خِطَابٌ مَعَ الْأَزْوَاجِ، أَيْ: وَإِنْ تُحْسِنُوا بِالْإِقَامَةِ مَعَهَا عَلَى الْكَرَاهَةِ [١] وَتَتَّقُوا ظُلْمَهَا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً، فيجزيكم بأعمالكم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٢٩ الى ١٣٠]
وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (١٢٩) وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً (١٣٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ، أَيْ: لَنْ تَقْدِرُوا أَنْ تُسَوُّوا بَيْنَ النِّسَاءِ فِي الْحُبِّ وَمَيْلِ الْقَلْبِ، وَلَوْ حَرَصْتُمْ عَلَى الْعَدْلِ، فَلا تَمِيلُوا، أَيْ: إِلَى الَّتِي تُحِبُّونَهَا، كُلَّ الْمَيْلِ فِي الْقَسْمِ وَالنَّفَقَةِ، أَيْ: لَا تُتْبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ أَفْعَالَكُمْ، فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ، أي فتدعوا الأخرى كالمعلّقة لَا أَيِّمًا وَلَا ذَاتَ بَعْلٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَالْمَحْبُوسَةِ، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ «كَأَنَّهَا مَسْجُونَةٌ».
ع «٧٢٢» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْسِمُ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَيَعْدِلُ وَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلَا تَلُمْنِي فِيمَا تَمْلِكُ وَلَا أَمْلِكُ»، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عنها متّصلا.
ع «٧٢٣» وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ».
وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا، الْجَوْرَ، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.
وَإِنْ يَتَفَرَّقا، يَعْنِي: الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ بِالطَّلَاقِ، يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ، مِنْ رِزْقِهِ، يَعْنِي: الْمَرْأَةَ بِزَوْجٍ آخَرَ وَالزَّوْجَ بِامْرَأَةٍ أُخْرَى، وَكانَ اللَّهُ واسِعاً حَكِيماً، وَاسِعَ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ حَكِيمًا فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَجُمْلَةُ حُكْمِ الْآيَةِ: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَتْ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يجب عليه التسوية
٧٢٢- ع أخرجه ابن أبي شيبة ٤/ ٣٨٦ عن إسماعيل بن علية، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مرسلا.
- وأخرجه أبو داود ٢١٣٤ والترمذي ١١٤٠ والنسائي ٧/ ٦٤ وابن ماجه ١٩٧١ والدارمي ٢/ ١٤٤ والحاكم ٢/ ١٨٧ وابن أبي شيبة ٤/ ٣٨٦- ٣٨٧ وأحمد ٦/ ١٤٤ وابن حبان ٤٢٠٥ وابن أبي حاتم في «العلل» (١/ ٤٢٥) والبيهقي ٧/ ٢٩٨ من طرق عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عائشة مرفوعا.
قال النسائي: أرسله حماد بن زيد.
وقال الترمذي: ورواه حماد بن زيد وغير واحد، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ مرسلا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم كان يقسم... ، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة اهـ.
- ويشهد لصدره حديث عَائِشَةُ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم....» أخرجه أبو داود ٢١٣٥ والحاكم ٢/ ١٨٦ والبيهقي ٧/ ٧٤ وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.
٧٢٣- ع صحيح. أخرجه أبو داود ٢١٣٣ والترمذي ١١٤١ والنسائي ٧/ ٦٣ وابن ماجه ١٩٦٩ وابن أبي شيبة ٤/ ٣٨٨ وأحمد ٢/ ٣٤٧ و٤٧١ والطيالسي ٢٤٥٤ والدارمي ٢/ ١٤٣ وابن الجارود ٧٢٢ والحاكم ٢/ ١٨٦ والبيهقي ٧/ ٢٩٧ من طرق، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةُ، عَنْ النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة مرفوعا. وصححه ابن حبان ٤٢٠٧ وكذا الحاكم، ووافقه الذهبي.
(١) في المخطوط وحده «الكراهية».
709
بَيْنَهُنَّ فِي الْقَسْمِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي فِعْلِ الْقَسْمِ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ للمظلومة والتسوية شرط في البينونة، أَمَّا فِي الْجِمَاعِ فَلَا، لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَى النَّشَاطِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَلَوْ كَانَتْ فِي نِكَاحِهِ حُرَّةٌ وَأَمَةٌ فَإِنَّهُ يَبِيتُ عِنْدَ الحرّة ليليتين وَعِنْدَ الْأَمَةِ لَيْلَةً وَاحِدَةً، وَإِذَا تَزَوُّجَ جَدِيدَةً عَلَى قَدِيمَاتٍ عِنْدَهُ يَخُصُّ الْجَدِيدَةَ بِأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا سبع ليال على التوال إِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَثَلَاثَ لَيَالٍ ثُمَّ يُسَوِّي بَعْدَ ذَلِكَ بَيْنَ الْكُلِّ، وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ هَذِهِ اللَّيَالِي [١] لِلْقَدِيمَاتِ.
«٧٢٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمُلَيْحِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، ثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ، ثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، ثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، ثَنَا أَيُّوبُ وَخَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: مِنَ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ قَسَمَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَسَمَ. قَالَ أَبُو قِلَابَةَ: وَلَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ: إِنَّ أَنَسًا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ سَفَرَ حَاجَةٍ فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ بَعْضَ نِسَائِهِ مَعَ نَفْسِهِ بَعْدَ أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فِيهِ، ثُمَّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ لِلْبَاقِيَاتِ مُدَّةَ سِفْرِهِ، وَإِنْ طَالَتْ إِذَا لَمْ يَزِدْ مَقَامُهُ فِي بَلَدِهِ عَلَى مُدَّةِ الْمُسَافِرِينَ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا:
«٧٢٥» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخَطِيبُ، ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَحْمَدَ الْخَلَّالُ، ثَنَا أَبُو العباس الأصم، ثنا
٧٢٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، يوسف بن راشد هو يوسف بن موسى، نسب إلى جده، أبو أسامة هو حماد بن أسامة، سفيان هو ابن سعيد، أيوب هو ابن أبي تميمة السختياني، خالد هو ابن مهران الحذّاء، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد.
- وهو في «شرح السنة» (٢٣١٩) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٥٢١٤) عن يوسف بن راشد بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٤٦١ ح ٤٥ وعبد الرزاق ١٠٦٤٣ والبيهقي ٧/ ٣٠١ و٣٠٢ من طرق عن سفيان بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٢١٣ ومسلم ١٤٦١ ح ٤٤ وأبو داود ٢١٢٤ والترمذي ١١٣٩ من طرق عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قلابة به.
- وورد من وجه آخر عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أقام عندها سبعا، وإذا تزوج الثيب عن البكر، أقام عندها ثلاثا».
أخرجه ابن عبد البر في «التمهيد» (١٧/ ٢٤٨) والبيهقي ٧/ ٣٠٢.
- وورد مختصرا بلفظ «للبكر سبعة أيام، وللثيب ثلاثة أيام، ثم يعود إلى نسائه».
أخرجه ابن ماجه ١٩١٦ والدارمي ٢/ ١٤٤ وابن حبان ٤٢٠٨ والدارقطني ٣/ ٢٨٣ وأبو نعيم في «الحلية» (٢/ ٢٨٨) و٣/ ١٣ من طرق عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أيوب، عن أبي قلابة به.
٧٢٥- حديث صحيح، عم الشافعي وثقه الشافعي فقط، وفيه جهالة عند أهل الحديث، لكن توبع هو ومن دونه، ومن فوقه ثقات رجال البخاري، ومسلم، ابن شهاب هو الزهري محمد بن مسلم.
- وهو في «شرح السنة» (٢٣١٨) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق الشافعي، وهو في «مسنده» (٢/ ٢٥) عن محمد بن علي بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٥٩٣٠ من طريق آخر عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به، وأتم.
وأخرجه البخاري ٢٦٦١ و٤١٤١ و٤٧٥٠ ومسلم ٢٧٧٠ وعبد الرزاق ٩٧٤٨ وأحمد ٦/ ١٩٤ و١٩٧ والنسائي في «عشرة النساء» (٤٥) وأبو يعلى ٤٩٢٧ و٤٩٣٣ و٤٩٣٥ وابن حبان ٤٢١٢ والطبراني ٢٣/ (١٣٤) و (١٣٥) و (١٣٩) -
(١) في المخطوط «الثلاث».
710
الرَّبِيعُ، ثَنَا الشَّافِعِيُّ، ثَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ شَافِعٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا، أَمَّا إِذَا أَرَادَ سَفَرَ نُقْلَةٍ فَلَيْسَ لَهُ تَخْصِيصُ بَعْضِهِنَّ لَا بِالْقُرْعَةِ وَلَا بِغَيْرِهَا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣١ الى ١٣٣]
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيداً (١٣١) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٣٢) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً (١٣٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ عَبِيدًا وَمُلْكًا وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ، يَعْنِي: أَهَّلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَسَائِرَ الْأُمَمِ الْمُتَقَدِّمَةِ في كتبهم، وَإِيَّاكُمْ يا أَهْلَ الْقُرْآنِ فِي كِتَابِكُمْ [١]، أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ أَيْ: وَحِّدُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوهُ، وَإِنْ تَكْفُرُوا، بِمَا أَوْصَاكُمُ به الله فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ، قِيلَ: فَإِنَّ لله ملائكة في السموات والأرض هم [٢] أَطْوَعُ لَهُ مِنْكُمْ، وَكانَ اللَّهُ غَنِيًّا، عَنْ جَمِيعِ خَلْقِهِ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إِلَى طَاعَتِهِمْ، حَمِيداً مَحْمُودًا عَلَى نِعَمِهِ.
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا، قَالَ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي شَهِيدًا أَنَّ فِيهَا عَبِيدًا، وَقِيلَ: دَافِعًا وَمُجِيرًا. فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي تَكْرَارِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ؟ قِيلَ: لِكُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ، أمّا الأول: معناه لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ يُوصِيكُمْ بِالتَّقْوَى فاقبلوا وصيته، وأمّا الثاني يقول: فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا أَيْ: هُوَ الْغَنِيُّ وَلَهُ الْمُلْكُ فَاطْلُبُوا مِنْهُ مَا تَطْلُبُونَ، وأمّا الثالث يقول: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا (١٣٢) أَيْ: لَهُ الْمُلْكُ فَاتَّخِذُوهُ وَكِيلًا ولا تتوكلوا على غيره.
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ، يُهْلِكْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، يَعْنِي: الْكُفَّارَ، وَيَأْتِ بِآخَرِينَ، يَقُولُ بِغَيْرِكُمْ خَيْرٍ [٣] مِنْكُمْ وَأَطْوَعَ، وَكانَ اللَّهُ عَلى ذلِكَ قَدِيراً قادرا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٤ الى ١٣٦]
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً (١٣٤) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (١٣٥) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١٣٦)
مَنْ كانَ يُرِيدُ ثَوابَ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوابُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ يُرِيدُ: مَنْ كَانَ يُرِيدُ بِعَمَلِهِ عرضا من
(١٤٨) والبيهقي ٧/ ٣٠٢ من طرق عن الزهري قال: حدثني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير، وَعَلْقَمَةُ بْنُ وَقَاصٍّ، وَعُبِيْدُ اللَّهِ بن عبد الله، عن حديث عائشة به. فذكر حديثا طويلا، وتقدم. [.....]
(١) في المطبوع «القرآن».
(٢) في المطبوع «هي».
(٣) في المخطوط «خيرا».
711
الدُّنْيَا [وَلَا يُرِيدُ بِهَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ آتَاهُ اللَّهُ مِنْ عَرَضِ الدُّنْيَا] [١] أَوْ دَفَعَ عَنْهُ فِيهَا مَا أَرَادَ اللَّهُ وَلَيْسَ لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ ثَوَابٍ، وَمَنْ أَرَادَ بِعَمَلِهِ ثَوَابَ الْآخِرَةِ آتَاهُ اللَّهُ مِنَ الدُّنْيَا مَا أَحَبَّ وَجَزَاهُ الْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ.
وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً بَصِيراً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ، يَعْنِي: كُونُوا قَائِمِينَ بِالشَّهَادَةِ بِالْقِسْطِ، أَيْ: بِالْعَدْلِ لِلَّهِ، وَقَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كونوا قوالين [٢] بِالْعَدْلِ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى مَنْ كانت له، وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ فِي الرَّحِمِ، أَيْ: قُولُوا الْحَقَّ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِالْإِقْرَارِ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَأَقِيمُوهَا عَلَيْهِمْ لِلَّهِ، وَلَا تُحَابُوا غَنِيًّا لِغِنَاهُ وَلَا تَرْحَمُوا فَقِيرًا لِفَقْرِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلى بِهِما، مِنْكُمْ، [أَيْ أَقِيمُوا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا وَلِلْمَشْهُودِ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا مِنْكُمْ] [٣]، أَيْ كِلُوا أَمْرَهُمَا إِلَى اللَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَعْنَاهُ اللَّهُ أَعْلَمُ بِهِمَا، فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا، أَيْ: ولا تَجُورُوا وَتَمِيلُوا إِلَى الْبَاطِلِ مِنَ الْحَقِّ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى لِتَعْدِلُوا، أَيْ: لِتَكُونُوا عَادِلِينَ كَمَا يُقَالُ: لَا تَتَّبِعِ الْهَوَى لِتُرْضِيَ رَبَّكَ. وَإِنْ تَلْوُوا أَيْ:
تُحَرِّفُوا الشَّهَادَةَ لِتُبْطِلُوا الْحَقَّ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهَا فَتَكْتُمُوهَا وَلَا تُقِيمُوهَا، وَيُقَالُ: تَلْوُوا أَيْ تُدَافِعُوا فِي إِقَامَةِ الشَّهَادَةِ، يُقَالُ: لَوَيْتَهُ حَقَّهُ إِذَا دَفَعْتَهُ وَمَطَلْتَهُ [٤]، وَقِيلَ: هَذَا الخطاب مَعَ الْحُكَّامِ فِي لَيِّهِمُ الْأَشْدَاقَ، يَقُولُ: وَإِنْ تَلْوُوا أَيْ تَمِيلُوا إِلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ أَوْ تُعْرِضُوا عَنْهُ قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ تَلُوا بِضَمِّ اللَّامِ، قِيلَ: أَصْلُهُ تَلْوُوا، فَحُذِفَتْ إِحْدَى الْوَاوَيْنِ تَخْفِيفًا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَإِنْ تَلُوا الْقِيَامَ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ تُعْرِضُوا فَتَتْرُكُوا أَدَاءَهَا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الْآيَةَ:
ع «٧٢٦» قَالَ الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام وأسد وأسيد بني كَعْبٍ، وَثَعْلَبَةَ بْنِ قَيْسٍ وَسَلَامِ ابن أُخْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وسلمة ابن أَخِيهِ وَيَامِينَ بْنِ يَامِينَ فَهَؤُلَاءِ مؤمنو أَهْلِ الْكِتَابِ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: إِنَّا نُؤْمِنُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِمُوسَى وَالتَّوْرَاةِ وَعُزَيْرٍ وَنَكْفُرُ بِمَا سِوَاهُ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عليه وسلّم، والقرآن وبكل كتاب كان قَبْلَهُ»، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ وَبِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّوْرَاةِ آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ، مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَسَائِرِ الْكُتُبِ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو عَمْرٍو «نُزِّلَ وَأُنْزِلَ» بِضَمِّ النُّونِ وَالْأَلِفِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ «نَزَلَ وَأَنْزَلَ» بِالْفَتْحِ أَيْ أَنْزَلَ اللَّهُ، وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: فَإِنَّا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ ورسوله والقرآن وبكل
٧٢٦- ع باطل. علّقه المصنف عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عن ابن عباس، وإسناده إلى الكلبي أول الكتاب، وهذا إسناد ساقط الكلبي متروك كذاب.
وذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٧٢) عن الكلبي بدون إسناد، وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» (١/ ٥٧٦) :
ذكره الثعلبي من رواية الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابن عباس وذكره الواحدي في «الأسباب» عن الكلبي بدون إسناد اهـ.
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المطبوع «قوامين».
(٣) زيد في المطبوع وط.
(٤) في المطبوع «وأبطلته».
712
رَسُولٍ وَكِتَابٍ كَانَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَالْمَلَائِكَةِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، وَقَالَ الضَّحَّاكُ: أَرَادَ بِهِ [١] اليهود والنصارى، وقيل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى وَعِيسَى آمَنُوا بِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: أَرَادَ بِهِ [٢] الْمُنَافِقِينَ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللِّسَانِ آمَنُوا بِالْقَلْبِ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَجَمَاعَةٌ: هَذَا خِطَابٌ لِلْمُؤْمِنِينَ، يَقُولُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا أَيْ أَقِيمُوا وَاثْبُتُوا عَلَى الْإِيمَانِ، كَمَا يُقَالُ لِلْقَائِمِ: قُمْ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَيْكَ، أَيِ اثْبُتْ قَائِمًا [و] [٣] قيل: الْمُرَادُ بِهِ أَهْلَ الشِّرْكِ، يَعْنِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّاتِ والعزى آمَنُوا بالله ورسوله.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٧ الى ١٣٨]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (١٣٧) بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٣٨)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً، قَالَ قَتَادَةُ: هُمُ الْيَهُودُ آمَنُوا بِمُوسَى ثُمَّ كَفَرُوا مِنْ بَعْدُ بِعِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، ثُمَّ آمَنُوا بِالتَّوْرَاةِ ثُمَّ كَفَرُوا بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: هُوَ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنُوا بِنَبِيِّهِمْ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، وَآمَنُوا بِالْكِتَابِ الَّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمَّ كَفَرُوا بِهِ، وَكُفْرُهُمْ بِهِ تَرْكُهُمْ إِيَّاهُ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ: هَذَا فِي قَوْمٍ مُرْتَدِّينَ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا [ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا] [٤]، وَمِثْلُ هَذَا هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ؟ حُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يُقْتَلُ [٥]، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا أَيْ مَاتُوا عَلَيْهِ، لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ، مَا أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا، أَيْ طَرِيقًا إِلَى الْحَقِّ، فَإِنْ قِيلَ: مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الشِّرْكَ إِنْ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَسْلَمَ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَدَامَ عَلَيْهِ يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ، فَإِنَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ كَفَرَ لَا يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ السَّابِقُ الَّذِي كَانَ يُغْفَرُ لَهُ لَوْ دَامَ عَلَى الْإِسْلَامِ.
بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ، أَخْبِرْهُمْ يَا مُحَمَّدُ، بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً، وَالْبِشَارَةُ: كُلُّ خَبَرٍ يَتَغَيَّرُ بِهِ بَشَرَةُ الْوَجْهِ سَارًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ سَارٍّ، وَقَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ اجْعَلْ فِي مَوْضِعِ بِشَارَتِكَ لَهُمُ الْعَذَابَ، كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ: تَحِيَّتُكَ الضَّرْبُ وَعِتَابُكَ السَّيْفُ، أَيْ: بَدَلًا لَكَ مِنَ التَّحِيَّةِ، ثُمَّ وصف المنافقين فقال:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٣٩ الى ١٤١]
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (١٣٩) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً (١٤٠) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً (١٤١)
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ، يَعْنِي: يَتَّخِذُونَ الْيَهُودَ أَوْلِيَاءَ وَأَنْصَارًا أَوْ بطانة
١ في المطبوع «بهم».
٢ في المطبوع «بهم».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) زيد في المطبوع وط.
(٥) تصحف في المخطوط «يقبل».
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ، أَيْ: الْمَعُونَةَ وَالظُّهُورَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ: وَقِيلَ: أَيُطْلُبُونَ عِنْدَهُمُ الْقُوَّةَ، فَإِنَّ الْعِزَّةَ أَيْ: الْغَلَبَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْقُدْرَةَ، لِلَّهِ جَمِيعاً.
وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ، قَرَأَ عَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ نَزَّلَ بِفَتْحِ النُّونِ وَالزَّايِ، أَيْ: نَزَّلَ اللَّهُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ (نُزِّلَ) بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ، أَيْ: عَلَيْكُمْ يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ [١]، أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ
، يَعْنِي الْقُرْآنَ، يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ، يَعْنِي: مع الذين يَسْتَهْزِئُونَ، حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، أَيْ: يَأْخُذُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِ الِاسْتِهْزَاءِ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْقُرْآنِ، وَهَذَا إِشَارَةٌ إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ [الأنعام:
٦٨]، قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: دَخَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كُلُّ مُحْدِثٍ فِي الدِّينِ وَكُلُّ مُبْتَدَعٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ، أَيْ: إِنْ قَعَدْتُمْ عِنْدَهُمْ وَهُمْ يَخُوضُونَ وَيَسْتَهْزِئُونَ وَرَضِيتُمْ بِهِ فَأَنْتُمْ كُفَّارٌ مِثْلُهُمْ، وَإِنْ خَاضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ فَلَا بَأْسَ بِالْقُعُودِ مَعَهُمْ مَعَ الْكَرَاهَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَهُمْ وَإِنْ خَاضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: ٦٨]، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى الْأَوَّلِ. وَآيَةُ الْأَنْعَامِ مَكِّيَّةٌ وَهَذِهِ مَدَنِيَّةٌ وَالْمُتَأَخِّرُ أَوْلَى. قوله:
إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً.
الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ، يَنْتَظِرُونَ بِكُمُ الدَّوَائِرَ، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ، يَعْنِي: ظَفَرٌ وَغَنِيمَةٌ، قالُوا، لَكُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ، عَلَى دِينِكُمْ فِي الْجِهَادِ كُنَّا مَعَكُمْ فَاجْعَلُوا لَنَا نَصِيبًا مِنَ الْغَنِيمَةِ، وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ، يعني دولة وظهورا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، قالُوا، يَعْنِي:
الْمُنَافِقِينَ لِلْكَافِرِينَ، أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ، وَالِاسْتِحْوَاذ: هُوَ الِاسْتِيلَاءُ وَالْغَلَبَةُ، قَالَ تَعَالَى: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ [الْمُجَادَلَةِ: ١٩] أَيْ: اسْتَوْلَى وَغَلَبَ، يَقُولُ: أَلَمْ نُخْبِرْكُمْ بِعَوْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَنُطْلِعْكُمْ عَلَى سِرِّهِمْ؟ قَالَ الْمُبَرِّدُ: يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلْكَفَّارِ أَلَمْ نَغْلِبْكُمْ عَلَى رَأْيِكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ، وَنَصْرِفْكُمْ، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: عَنِ الدُّخُولِ فِي جُمْلَتِهِمْ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَلَمْ نَسْتَوْلِ عَلَيْكُمْ بِالنُّصْرَةِ لَكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ: نَدْفَعُ عَنْكُمْ صَوْلَةَ الْمُؤْمِنِينَ بِتَخْذِيلِهِمْ عَنْكُمْ وَمُرَاسَلَتِنَا إِيَّاكُمْ بِأَخْبَارِهِمْ وَأُمُورِهِمْ، وَمُرَادُ الْمُنَافِقِينَ بِهَذَا الْكَلَامِ إِظْهَارُ الْمِنَّةِ عَلَى الْكَافِرِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ، يَعْنِي: بَيْنَ أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ النِّفَاقِ، وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا، قَالَ عَلِيٌّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [٢] : فِي الْآخِرَةِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَيُّ حُجَّةً، وَقِيلَ: ظُهُورًا عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٢ الى ١٤٤]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٤٢) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (١٤٣) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (١٤٤)
إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ
، أَيْ يُعَامِلُونَهُ مُعَامَلَةَ الْمُخَادِعِينَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، أَيْ:
مُجَازِيهِمْ عَلَى خِدَاعِهِمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَمْضِي الْمُؤْمِنُونَ بِنُورِهِمْ عَلَى الصِّرَاطِ، وَيُطْفَأُ نُورُ الْمُنَافِقِينَ، وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ
، يَعْنِي: الْمُنَافِقِينَ قامُوا كُسالى
أَيْ: مُتَثَاقِلِينَ لَا يُرِيدُونَ بِهَا اللَّهَ فَإِنْ رَآهُمْ أَحَدٌ صَلَّوْا وَإِلَّا انْصَرَفُوا فلا يصلون، يُراؤُنَ النَّاسَ
أي: يفعلون ذلك
(١) كذا في المطبوع وط، وفي المخطوط «المؤمنين». [.....]
(٢) زيادة عن المخطوط.
مراءة لِلنَّاسِ لَا اتِّبَاعًا لِأَمْرِ اللَّهِ [عز وجل] [١]، وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا
، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَالْحَسَنُ: إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، وَلَوْ أَرَادُوا بِذَلِكَ الْقَلِيلِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَ كَثِيرًا، وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا قَلَّ ذِكْرُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبَلْهُ وَكُلُّ مَا قَبِلَ اللَّهُ فَهُوَ كَثِيرٌ.
مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ، أَيْ: مُتَرَدِّدِينَ مُتَحَيِّرِينَ [بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ، لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ، أَيْ: لَيْسُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ] [٢] فَيَجِبُ لَهُمْ مَا يَجِبُ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَلَيْسُوا مِنَ الْكُفَّارِ فَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا، أَيْ: طَرِيقًا إِلَى الْهُدَى.
«٧٢٧» أَخْبَرَنَا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجرائي قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْغَافِرِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَارِسِيُّ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ، أَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ، أَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى، أَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ يَعْنِي الثقفي، أنا عبد الله [عَنْ نَافِعٍ عَنِ] [٣] ابْنِ عُمَرَ:
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ [٤] بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ، تَعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مرّة».
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، نَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَالَاةِ الْكُفَّارِ، وَقَالَ: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً أَيْ حُجَّةً بَيِّنَةً فِي عَذَابِكُمْ [٥]، ثُمَّ ذَكَرَ مَنَازِلَ المنافقين، فقال جلّ ذكره:
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٥ الى ١٤٨]
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً (١٤٧) لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (١٤٨)
إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، قَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ فِي الدَّرْكِ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ كَالظَّعْنِ وَالظَّعَنِ وَالنَّهْرِ والنهر، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ فِي تَوَابِيتَ مِنْ حَدِيدٍ مُقْفَلَةٍ فِي النَّارِ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: بَيْتٌ مقفل عليهم، توقد [٦] فِيهِ النَّارُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِهِمْ، وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً مانعا من العذاب.
٧٢٧- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد، عبيد الله هو ابن عبد الله بن عمر.
- خرّجه المصنف من طريق مسلم، وهو في «صحيحه» (٢٧٨٤) عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد ٢/ ١٠٢ و١٤٣ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٧٨٤ والنسائي ٨/ ١٢٤ والرامهرمزي في «الأمثال» ص (٨٦) من طرق، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نافع به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) زيادة في المطبوع وط.
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «صحيح مسلم» و «مسند أحمد».
(٤) العائرة: المترددة الحائرة لا تدري أيهما تتبع.
(٥) في المخطوط «أعدائكم».
(٦) في المطبوع وط «تتوقد».
715
إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنَ النِّفَاقِ وَآمَنُوا وَأَصْلَحُوا، عَمَلَهُمْ وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ، وَثِقُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ، أَرَادَ الْإِخْلَاصَ بِالْقَلْبِ، لِأَنَّ النِّفَاقَ كُفْرُ الْقَلْبِ، فَزَوَالُهُ يَكُونُ بِإِخْلَاصِ الْقَلْبِ، فَأُولئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ الْفَرَّاءُ: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ، فِي الْآخِرَةِ أَجْراً عَظِيماً يَعْنِي: الْجَنَّةَ، وَحُذِفَتِ الْيَاءُ ومن يُؤْتِ فِي الْخَطِّ لِسُقُوطِهَا فِي اللَّفْظِ، وَسُقُوطُهَا فِي اللَّفْظِ لِسُكُونِ اللَّامِ فِي اللَّهُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ أَيْ: إِنْ شَكَرْتُمْ نَعْمَاءَهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ، فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، تَقْدِيرُهُ: إِنْ آمَنْتُمْ وَشَكَرْتُمْ، لِأَنَّ الشُّكْرَ لَا يَنْفَعُ مَعَ عَدَمِ الْإِيمَانِ، وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى التَّقْرِيرِ مَعْنَاهُ إِنَّهُ لَا يُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ الشَّاكِرَ، فَإِنَّ تَعْذِيبَهُ عِبَادَهُ لَا يَزِيدُ فِي مِلْكِهِ، وَتَرَكَهُ عُقُوبَتَهُمْ عَلَى فِعْلِهِمْ لَا يُنْقِصُ مِنْ سُلْطَانِهِ، وَالشُّكْرُ: ضِدَّ الْكُفْرِ وَالْكُفْرِ سَتْرُ النِّعْمَةِ، وَالشُّكْرُ: إِظْهَارُهَا، وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً، فَالشُّكْرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الرِّضَى بِالْقَلِيلِ مِنْ عِبَادِهِ وَإِضْعَافُ الثَّوَابِ عَلَيْهِ، وَالشُّكْرُ مِنَ الْعَبْدِ:
الطَّاعَةُ، وَمِنَ اللَّهِ: الثواب.
قَوْلُهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ يَعْنِي: لَا يُحِبُّ اللَّهَ الْجَهْرَ بِالْقُبْحِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، فَيَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يُخْبِرَ عَنْ [ظُلْمِ] [١] الظَّالِمِ وَأَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) [الشُّورَى: ٤١]، قَالَ الْحَسَنُ: دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِ اللَّهُمَّ اسْتَخْرِجْ حَقِّي مِنْهُ، وَقِيلَ: إِنْ شئتم جَازَ أَنْ يَشْتُمَ بِمِثْلِهِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ.
«٧٢٨» أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَرَقِيُّ أَنَا أَبُو الْحَسَنِ الطَّيْسَفُونِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْجَوْهَرِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْكُشْمِيهَنِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ [أَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرِ] [٢] أَنَا الْعَلَاءُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْتَبَانُ مَا قَالَا، فَعَلَى الْبَادِئِ [مَا لَمْ يَعْتَدِ] [٣] الْمَظْلُومُ».
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَذَا فِي الضَّيْفِ إِذَا نَزَلَ بِقَوْمٍ فَلَمْ يُقْرُوهُ وَلَمْ يُحْسِنُوا ضِيَافَتَهُ فَلَهُ أَنْ يَشْكُوَ وَيَذْكُرَ مَا صُنِعَ بِهِ.
«٧٢٩» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يوسف ثنا محمد بن
٧٢٨- إسناده صحيح على شرط مسلم، العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة.
- وهو في «شرح السنة» (٣٤٤٧) بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ٢٥٨٧ من طريق علي بن حجر بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٤٢٣) وابن حبان ٥٧٢٩ والبيهقي ١٠/ ٢٣٥ من طريق إسماعيل بن جعفر به.
- وأخرجه أبو داود ٤٨٩٤ والترمذي ١٩٨١ وأحمد ٢/ ٢٣٥ و٤٨٨ و٥١٧ من طرق عن العلاء به.
٧٢٩- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، الليث هو ابن سعد، أبو الخير هو مرثد بن عبد الله التزني.
- وهو في «شرح السنة» (٢٩٨٧) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٦١٣٧) عن قتيبة بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٢٤٦١ و٧٠٤٥ ومسلم ١٧٢٧ وأبو داود ٣٧٥٢ وابن ماجه ٣٦٧٦ وأحمد ٤/ ١٤٩ وابن حبان
(١) زيادة عن المخطوط وط.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط».
(٣) العبارة في المطبوع وحده «منهما حتى يعتدي».
716
إِسْمَاعِيلَ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ:
قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَبْعَثُنَا فَنَنْزِلُ بِقَوْمٍ فَلَا يقرونا فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ نَزَلْتُمْ بِقَوْمٍ فَأَمَرُوا لَكُمْ بِمَا يَنْبَغِي لِلضَّيْفِ فَاقْبَلُوا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا فَخُذُوا مِنْهُمْ حَقَّ الضَّيْفِ الَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ».
وَقَرَأَ الضَّحَّاكُ بْنُ مُزَاحِمٍ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) بِفَتْحِ الظَّاءِ وَاللَّامِ، مَعْنَاهُ: لَكِنِ الظَّالِمَ اجْهُرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ لَكِنْ يجهر [به] [١] مَنْ ظُلِمَ، وَالْقِرَاءَةُ الْأُولَى هِيَ الْمَعْرُوفَةُ، وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً، لِدُعَاءِ المظلوم، عَلِيماً، بعقاب الظالم.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٤٩ الى ١٥١]
إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنْ تُبْدُوا خَيْراً، يَعْنِي: حَسَنَةً فَيَعْمَلُ بِهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا. وَإِنْ هَمَّ بِهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا كِتُبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ أَوْ تُخْفُوهُ، وَقِيلَ الْمُرَادُ مِنَ الْخَيْرِ: الْمَالُ، يُرِيدُ: إِنْ تُبْدُوا صَدَقَةً تُعْطُونَهَا جَهْرًا أَوْ تُخْفُوهَا فَتُعْطُوهَا سِرًّا، أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ، أَيْ: عَنْ مَظْلَمةٍ، فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً، فهو أَوْلَى بِالتَّجَاوُزِ عَنْكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ الْآيَةَ، نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالتَّوْرَاةِ وَعُزَيْرٍ، وَكَفَرُوا بِعِيسَى وَالْإِنْجِيلِ وَبِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ، وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا، أَيْ: دِينًا بَيْنَ الْيَهُودِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ وَمَذْهَبًا يَذْهَبُونَ إِلَيْهِ.
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا، حَقَّقَ كُفْرَهُمْ لِيُعْلِمَ أَنَّ الْكُفْرَ [٢] بِبَعْضِهِمْ كَالْكُفْرِ [٣] بِجَمِيعِهِمْ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٢ الى ١٥٥]
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢) يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣) وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (١٥٤) فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٥٥)
٥٢٨٨ والبيهقي ١٠/ ٢٧٠ من طرق عن الليث بن سعد بهذا الإسناد.
وأخرجه الترمذي ١٥٨٩ من طريق ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عن عقبة بن عامر به، وفيه: «إن أبوا إلا أن تأخذوا كرها فخذوا». [.....]
(١) في المطبوع «هـ» هاء الضمر. وسقطا جميعا من- ط.
(٢) في المخطوط «الكافر».
(٣) في المخطوط «كالكافر».
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، كُلِّهِمْ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، يَعْنِي: بَيْنَ الرُّسُلِ وَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، يَقُولُونَ: لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ، أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ، بِإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ، قَرَأَ حَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ يُؤْتِيهِمْ بِالْيَاءِ، [أَيْ: يُؤْتِيهِمُ اللَّهُ] [١]، وَالْبَاقُونَ بِالنُّونِ، وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً.
قوله تعالى: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ الْآيَةَ، وَذَلِكَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ وَفَنْحَاصَ بْنَ عَازُورَاءَ مِنَ الْيَهُودِ قَالَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كُنْتَ نَبِيًّا فَأْتِنَا بِكِتَابٍ جُمْلَةً مِنَ السَّمَاءِ كَمَا أَتَى بِهِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَأَنْزَلَ الله عليه: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ، وَكَانَ هَذَا السُّؤَالُ مِنْهُمْ سُؤَالَ تَحَكُّمٍ وَاقْتِرَاحٍ، لَا سُؤَالَ انْقِيَادٍ، وَاللَّهُ تَعَالَى لَا يُنْزِلُ الْآيَاتِ عَلَى اقْتِرَاحِ الْعِبَادِ. قَوْلُهُ: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ أَيْ: أَعْظَمَ من ذلك، يعني: السبعين الذين [٢] خَرَجَ بِهِمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى الْجَبَلِ، فَقالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً أَيْ: عِيَانًا، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ قَالُوا جَهْرَةً أَرِنَا اللَّهُ، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ، يَعْنِي إِلَهًا، مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ، وَلَمْ نَسْتَأْصِلْهُمْ، قِيلَ: هَذَا اسْتِدْعَاءٌ إِلَى التَّوْبَةِ، مَعْنَاهُ: أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا تَابُوا فَعَفَوْنَا عَنْهُمْ، فَتُوبُوا أَنْتُمْ حَتَّى نَعْفُوَ عَنْكُمْ، وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً، أَيْ: حُجَّةً بَيِّنَةً مِنَ الْمُعْجِزَاتِ، وَهِيَ الْآيَاتُ التِّسْعُ.
وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُلْنا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِتَشْدِيدِ الدَّالِّ وَفَتْحِ الْعَيْنِ نَافِعٍ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ وَيَجْزِمُهَا الْآخَرُونَ، وَمَعْنَاهُ: لَا تَعْتَدُوا وَلَا تَظْلِمُوا بِاصْطِيَادِ الْحِيتَانِ فِيهِ، وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ، أَيْ: فَبِنَقْضِهِمْ، وماصلة كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: ١٥٩]، وَنَحْوَهَا، وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ، أَيْ: خَتَمَ عَلَيْهَا، فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا، يَعْنِي: مِمَّنْ كَذَّبَ الرُّسُلَ لَا مِمَّنْ طُبِعَ عَلَى قَلْبِهِ، لِأَنَّ مَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ لَا يُؤْمِنُ أَبَدًا، وَأَرَادَ بِالْقَلِيلِ: عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُونَ قليلا ولا كثيرا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٦ الى ١٥٨]
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٥٨)
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً (١٥٦)، حِينَ رَمَوْهَا بِالزِّنَا.
وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْقَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الَّذِي دَلَّ الْيَهُودَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمْ حَبَسُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي بَيْتٍ وَجَعَلُوا عَلَيْهِ رَقِيبًا فَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الرَّقِيبِ فَقَتَلُوهُ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فِي قَتْلِهِ، لَفِي شَكٍّ مِنْهُ،
(١) زيد في المطبوع وط.
(٢) في المطبوع «الذي».
أَيْ: فِي قَتْلِهِ، قَالَ الْكَلْبِيُّ: اخْتِلَافُهُمْ فِيهِ هُوَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ نَحْنُ قَتَلْنَاهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّصَارَى نَحْنُ قَتَلْنَاهُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَا قَتَلَهُ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَى السَّمَاءِ، وَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: كَانَ اللَّهُ تَعَالَى أَلْقَى شَبَهَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى وجه سيطانوس [١] وَلَمْ يُلْقِهِ عَلَى جَسَدِهِ، فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: [قَتَلْنَا عِيسَى، فَإِنَّ الْوَجْهَ وَجْهُ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ] [٢] : لَمْ نَقْتُلْهُ لِأَنَّ جَسَدَهُ لَيْسَ جَسَدَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَاخْتَلَفُوا. قَالَ السُّدِّيُّ: اخْتِلَافُهُمْ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنْ كَانَ هَذَا عِيسَى فَأَيْنَ صَاحِبُنَا؟ وَإِنَّ كَانَ هَذَا صَاحِبَنَا فَأَيْنَ عِيسَى؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ، مِنْ حَقِيقَةِ أَنَّهُ قُتِلَ أَوْ لَمْ يُقْتَلْ، إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ، لَكِنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ الظَّنَّ فِي قَتْلِهِ. قَالَ اللَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ: وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً، أَيْ: مَا قَتَلُوا عِيسَى يَقِينًا.
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ، وقيل قوله يَقِيناً يرجع إِلَى مَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ وَما قَتَلُوهُ كَلَامٌ تَامٌّ تَقْدِيرُهُ:
بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ يَقِينًا، وَالْهَاءُ في وَما قَتَلُوهُ كِنَايَةٌ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَالَ الْفَرَّاءُ رَحِمَهُ اللَّهُ: معناه وما قتلوا الذين ظَنُّوا أَنَّهُ عِيسَى يَقِينًا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما معناه: وما قتلوا ظنهم يقينا [بل رفعه الله يَقِينًا] [٣]، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً مَنِيعًا بِالنِّقْمَةِ مِنَ الْيَهُودِ، حَكِيماً حَكَمَ بِاللَّعْنَةِ وَالْغَضَبِ عَلَيْهِمْ، فَسَلَّطَ عَلَيْهِمْ ينطيونس بْنَ اسْبَسَيَانُوسَ الرُّومِيَّ فَقَتَلَ مِنْهُمْ مقتلة عظيمة.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٥٩ الى ١٦٠]
وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (١٥٩) فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (١٦٠)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، أَيْ: وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وهو قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَوْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ اخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْكِنَايَةِ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ: إِنَّهَا كِنَايَةٌ عَنِ الْكِتَابِيِّ، وَمَعْنَاهُ: وَمَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَحَدٌ إِلَّا لِيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ مَوْتِهِ، إِذَا وقع في اليأس حِينَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ سَوَاءٌ احْتَرَقَ أَوْ غَرَقَ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ أَوْ سَقَطَ عَلَيْهِ جِدَارٌ أَوْ أَكَلَهُ سَبْعٌ أَوْ مات فجأة، وهذه رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ [أَبِي] [٤] طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ. قَالَ: فَقِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَرَأَيْتَ إِنْ من خَرَّ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ؟ قَالَ:
يَتَكَلَّمُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ قَالَ: فَقِيلَ أَرَأَيْتَ إِنْ ضُرِبَ عُنُقُ أحدهم؟ قال: يتلجلج بها [٥] لِسَانُهُ، وَذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي مَوْتِهِ كِنَايَةٌ عَنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعْنَاهُ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِعِيسَى قَبْلَ مَوْتِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ السَّمَاءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ إِلَّا آمَنَ بِهِ حَتَّى تَكُونَ الْمِلَّةُ وَاحِدَةً، مِلَّةُ الإسلام.
ع «٧٣٠» وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُوشِكُ أن ينزل فيكم [عيسى] ابن مريم
٧٣٠- ع حسن. أخرجه أبو داود ٤٣٢٤ وابن حبان ٦٨١٤ و٦٨٢١ وأحمد ٢/ ٤٠٦ و٤٣٧ والطبري ٧١٤٥ و١٠٨٣٥ من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ. «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الأنبياء كلهم إخوة لعلّات أمهاتهم شتى ودينهم واحد، وأنا أولى الناس بعيسى ابن مريم، إنه ليس بيني وبينه نبيّ، وإنه نازل إذا رأيتموه فاعرفوه: رجل مربوع إلى الحمرة والبياض بين ممصّرين، كأن رأسه يقطر، وإن لم يصبه بلل، فيقاتل الناس على الإسلام، فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، يضع
(١) في المطبوع «صطياقوس»
.
(٢) زيد في المطبوع وط.
٣ سقط من المطبوع.
٤ سقط من المطبوع.
(٥) في المطبوع «به».
حَكَمًا عَدْلًا يَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضُ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ، وَيَهْلَكُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الْإِسْلَامَ، وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً ثُمَّ يُتَوَفَّى وَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ»، وَقَالَ أَبُو هريرة: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ، قبل موت عيسى ابن مَرْيَمَ، ثُمَّ يُعِيدُهَا أَبُو هُرَيْرَةَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَرَوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ كِنَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَا يَمُوتُ كِتَابِيٌّ حَتَّى يُؤْمِنَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقِيلَ: هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الكتاب إلّا ليؤمنن بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَبْلَ مَوْتِهِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ حِينَ لَا يَنْفَعُهُ إِيمَانُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ، يَعْنِي: عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، عَلَيْهِمْ شَهِيداً أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَهُمْ رِسَالَةَ رَبِّهِ، وَأَقَرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْهُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ [الْمَائِدَةِ: ١١٧] وَكُلُّ نَبِيٍّ شَاهِدٌ عَلَى أُمَّتِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً (٤١) [النساء: ٤١].
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ مِنْ نَقْضِهِمُ الْمِيثَاقَ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَبُهْتَانِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ، وَقَوْلِهِمْ: إِنَّا قَتَلَنَا الْمَسِيحَ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ، وَهِيَ مَا ذُكِرَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ، فَقَالَ: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ، وَنَظْمُ الْآيَةِ: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادَوْا وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا، وَبِصَدِّهِمْ، وَبِصَرْفِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَغَيْرَهُمْ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً، أَيْ: عَنْ دِينِ الله صدا كثيرا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦١ الى ١٦٢]
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢)
وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ، فِي التَّوْرَاةِ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ، مِنَ الرِّشَا فِي الْحُكْمِ، وَالْمَآكِلُ الَّتِي يُصِيبُونَهَا مِنْ عَوَامِّهِمْ، عَاقَبْنَاهُمْ بِأَنْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ، فَكَانُوا كُلَّمَا ارْتَكَبُوا كَبِيرَةً حُرِّمَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنَ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي كَانَتْ حَلَالًا لَهُمْ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ [الْأَنْعَامِ: ١٤٦]، وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً.
لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ، يَعْنِي: لَيْسَ كُلُّ أَهْلِ الْكِتَابِ بهذه الصفة، لكِنِ الرَّاسِخُونَ
الجزية، ويهلك الله فِي زَمَانِهِ الْمِلَلُ كُلُّهَا إِلَّا الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، وتقع الأسنة في الأرض، حتى ترتع الأسد مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، لا تضرهم، فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُتَوَفَّى فَيُصَلِّي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ صلوات الله عليه»، صححه الحاكم ٢/ ٥٩٥ ووافقه الذهبي وإسناده حسن، فيه عبد الرحمن بن آدم صدوق روى له مسلم، وباقي الإسناد على شرطهما. وليس فيه «وقال أبو هريرة:
اقرؤوا....»
.
- وورد مختصرا إلى قوله «ويفيض حتى لا يقبله أحد» عند البخاري ٢٢٢٢ و٢٤٧٦ و٣٤٤٨ ومسلم ١٥٥ والترمذي ٢٢٣٣ وعبد الرزاق ٢٠٨٤٠ وابن ماجه ٤٠٧٨ وأحمد ٢/ ٢٤٠ و٥٣٧ وابن حبان ٦٨١٦ و٦٨١٨ وابن مندة في «الإيمان» (٤٠٧) والطحاوي في «المشكل» (١٠٣ و١٠٤) وأبو القاسم في البغوي في «الجعديات» (٢٩٧٣) والبغوي في «شرح السنة» (٤١٧٠).
720
البالغون [١] في العلم منهم أولو البصائر، وَأَرَادَ بِهِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ عُلَمَاءِ الْيَهُودِ مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَأَصْحَابِهِ، وَالْمُؤْمِنُونَ، يَعْنِي: الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ، يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ، يَعْنِي: الْقُرْآنَ، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ، يَعْنِي: سَائِرَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ، اخْتَلَفُوا فِي وَجْهِ انْتِصَابِهِ، فَحُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَأَبَانَ بْنِ عثمان: أنه غلط من الكاتب ينبغي أن يكتب و «المقيمون الصَّلَاةَ» وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ [الْمَائِدَةِ: ٦٩]، وَقَوْلُهُ إِنْ هذانِ لَساحِرانِ [طه: ٦٣] قَالُوا: ذَلِكَ خَطَأٌ مِنَ الْكَاتِبِ [٢]. وَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّ فِي الْمُصْحَفِ لَحْنًا سَتُقِيمُهُ الْعَرَبُ بِأَلْسِنَتِهَا، فَقِيلَ لَهُ: أَلَا تُغَيِّرُهُ؟ فَقَالَ: دَعَوْهُ فَإِنَّهُ لَا يُحِلُّ حَرَامًا وَلَا يُحَرِّمُ حَلَالًا [٣].
وَعَامَّةُ الصَّحَابَةِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ صَحِيحٌ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، قِيلَ: هُوَ نَصْبٌ عَلَى الْمَدْحِ، وَقِيلَ:
نصب على إضمار فِعْلٍ تَقْدِيرُهُ: أَعْنِي الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَهُمُ الْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَقِيلَ: مَوْضِعُهُ خَفْضٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي وَجْهِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَمِنَ الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ يُؤْمِنُونَ بِمَا أَنْزِلَ إِلَيْكَ وَإِلَى الْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَوْلُهُ: وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ رُجُوعٌ إِلَى النَّسَقِ الْأَوَّلِ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً، قَرَأَ حَمْزَةُ سَيُؤْتِيهِمْ بِالْيَاءِ وَالْبَاقُونَ بالنون.
(١) في المطبوع وحده «المبالغون».
(٢) خبر عائشة منكر. أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص (١٦٠- ١٦١) والطبري ١٠٨٤٣ من طريق أبي مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عن أبيه عنها، وهذا إسناد رجاله ثقات، لكن في رواية أبي معاوية، عن هشام اضطراب إلى عائشة، أبو معاوية هو محمد بن خازم، ويحمل هذا على اجتهاد من عائشة رضي الله عنها، والجمهور على خلافه، وهذا إن ثبت عنها ذلك، وهو شاذ بل منكر، وخبر أبان بن عثمان أخرجه الطبري ١٠٨٤٢ وعلقه أبو عبيد ص ١٦١- ١٦٢ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ الزبير قال: قلت لأبان بن عثمان بن عفان.... فذكره. وإن ثبت عن أبان فهو رأي، وهو مطّرح ليس بشيء. [.....]
(٣) لا يصح مثل هذا عن عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عنه. أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص (١٥٩- ١٦٠) ح ٢٠/ ٤٩ وابن أبي داود في «المصاحف» ص (٤٢) كلاهما عن الزبير بن خرّيت، عن عكرمة، وهذا مرسل، فهو ضعيف، وأخرجه ابن أبي داود ص ٤١ عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي، وهذا معضل مع جهالة القرشي هذا، وكرره من وجه آخر، عن قتادة، وهو مرسل ومع إرساله فيه من لم يسمّ، وكرره ص ٤١- ٤٢ من وجه آخر عن قتادة، عن نصر بن عاصم الليثي، عن عبد الله بن خطيم، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ، عَنِ عثمان به، وهذا إسناد ضعيف لجهالة بن خطيم هذا، وهذه الروايات جميعا واهية لا تقوم بها حجة وهذا الخبر باطل لا أصل له عن عثمان، والذي صح في ذلك ما أخرجه البخاري ٤٩٨٤ عن الزهري، عن أنس، قال: فأمر عثمان زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن ينسخوها في المصاحف، وقال لهم: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في عربية من عربية القرآن، فاكتبوها بلسان قريش، فإن القرآن أنزل بلسانهم ففعلوا» وهو بعض حديث اختصره البخاري في هذه الرواية، وكرره ٤٩٨٧ عن أنس، عن حذيفة بن اليمان فذكر حديثه، وفيه «وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا....» فهذا الذي صح عن عثمان رضي لله عنه، وهو يدفع ما تقدم ويبطله، فإن عثمان بن عفان قد اختار ثلاثة من قريش وهم أفصح العرب، وأمر زيدا أن يكتب بلغتهم- أي لغة قريش- كل ما اختلفوا فيه، فإذا عثمان لم يترك شيئا لمن بعده من العرب، وهل هناك أفصح من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم آنذاك أم هل يخفى لحن على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ويسكتون على ذلك، وقد كان أبي بن كعب يقوم فيهم رمضان وهم متوافرون؟!.
721

[سورة النساء (٤) : آية ١٦٣]

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣)
قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا سَبَقَ من قوله [تعالى] [١] يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ [النِّسَاءِ: ١٥٣]، فَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ عُيُوبَهُمْ وَذُنُوبَهُمْ غَضِبُوا وَجَحَدُوا كُلَّ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالُوا: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ، فَنَزَلَ: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ [الْأَنْعَامِ: ٩١] وَأَنْزَلَ: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ، كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ فَذَكَرَ عِدَّةً مِنَ الرُّسُلِ الَّذِينَ أَوْحَى إِلَيْهِمْ، وَبَدَأَ بِذِكْرِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَنَّهُ كَانَ أَبَا الْبَشَرِ مِثْلَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) [الصَّافَّاتِ: ٧٧] وَلِأَنَّهُ أَوَّلُ نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَأَوَّلُ نَذِيرٍ عَلَى الشِّرْكِ، وَأَوَّلُ مَنْ عُذِّبَتْ أُمَّتُهُ لِرَدِّهِمْ دَعْوَتَهُ، وَأُهْلِكَ أَهْلُ الْأَرْضِ بِدُعَائِهِ وَكَانَ أَطْوَلَ الْأَنْبِيَاءِ عُمُرًا وَجُعِلَتْ معجزاته فِي نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ عَمَّرَ أَلْفَ سَنَةٍ فَلَمْ تَسْقُطْ لَهُ سِنٌّ وَلَمْ تَشِبْ لَهُ شَعْرَةٌ وَلَمْ تَنْتَقِصْ لَهُ قُوَّةٌ، وَلَمْ يَصْبِرْ نَبِيٌّ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ مَا صَبَرَ هُوَ عَلَى طُولِ عُمُرِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ، وَهُمْ أَوْلَادُ يَعْقُوبَ، وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً، قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ «زُبُورًا» وَالزُّبُورُ بِضَمِّ الزَّايِ حَيْثُ كَانَ، بِمَعْنَى: جَمْعُ زَبُورٍ، أَيْ آتَيْنَا دَاوُدَ كُتُبًا وَصُحُفًا مَزْبُورَةً، أَيْ مَكْتُوبَةً، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ الزَّايِ وَهُوَ اسْمُ الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَكَانَ فِيهِ التَّحْمِيدُ وَالتَّمْجِيدُ وَالثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ دَاوُدُ يَبْرُزَ إِلَى الْبَرِيَّةِ فَيَقُومُ وَيَقْرَأُ الزَّبُورَ وَيَقُومُ مَعَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَيَقُومُونَ خَلْفَهُ وَيَقُومُ النَّاسُ خَلْفَ الْعُلَمَاءِ، وَيَقُومُ الْجِنُّ خَلْفَ النَّاسِ، الْأَعْظَمُ فَالْأَعْظَمُ، وَالشَّيَاطِينُ خَلْفَ الْجِنِّ وَتَجِيءُ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي الْجِبَالِ فَيَقُمْنَ بَيْنَ يَدَيْهِ تَعَجُّبًا لِمَا يَسْمَعْنَ مِنْهُ، وَالطَّيْرُ ترفرف على رؤوسهم، فَلِمَا قَارَفَ الذَّنْبَ لَمْ يَرَ ذلك، ونفروا من حوله، فَقِيلَ لَهُ ذَاكَ أُنْسُ الطَّاعَةِ، وَهَذِهِ وَحْشَةُ الْمَعْصِيَةِ.
«٧٣١» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الشُّرَيْحِيُّ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ أَنَا أَبُو بَكْرٍ الْجَوْزَقِيُّ أنا أبو العباس الرعوف أَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا أَنَا الحسين بْنُ حَمَّادٍ [حَدَّثَنَا يَحْيَى] [٢] بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ يَحْيَى عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ رَأَيْتَنِي الْبَارِحَةَ وأنا أستمع لقراءتك ولقد أُعْطِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ»، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تستمع لحبرته [لك] [٣] تحبيرا.
وَكَانَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِذَا رَآهُ يَقُولُ ذَكِّرْنَا يَا أبا موسى فيقرأ عنده [٤].
٧٣١- صحيح، الحسن بن حماد هو الضبي، ثقة، وقد توبع هو ومن دونه، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، يحيى بن زكريا هو السّجزي.
- وأخرجه مسلم ٧٩٣ ح ٢٣٦ وابن حبان ٧١٩٧ والبيهقي ١٠/ ٢٣٠- ٢٣١ من طريق يحيى بن سعيد بهذا الإسناد.
- وأخرجه البخاري ٥٠٤٨ والترمذي ٣٨٥٥ من طريق أبي يحيى الحماني، عن بريد بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي بردة به.
- وأخرجه الحاكم ٣/ ٤٦٦ من طريق خالد بن نافع الأشعري، عن سعيد بْنُ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي بردة، عن أبي موسى، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «ط» ومن كتب التخريج.
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) انظر «طبقات ابن سعد» (٤/ ١٠٩) و «سنن الدارمي» (٢/ ٤٧٢).

[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٤ الى ١٦٥]

وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥)
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ، أَيْ: وَكَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَإِلَى الرُّسُلِ، وَرُسُلًا نُصِبَ بِنَزْعِ حَرْفِ الصِّفَةِ، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَقَصَصْنَا عَلَيْكَ رُسُلًا، وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ «وَرُسُلٌ قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ»، وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً، قَالَ الْفَرَّاءُ:
الْعَرَبُ تُسَمِّي مَا يُوصَلُ إِلَى الْإِنْسَانِ كَلَامًا بِأَيِّ طَرِيقِ وَصَلَ، وَلَكِنْ لَا تُحَقِّقُهُ بِالْمَصْدَرِ فَإِذَا حُقِّقَ بِالْمَصْدَرِ وَلَمْ يَكُنْ إِلَّا حَقِيقَةَ الْكَلَامِ كَالْإِرَادَةِ يُقَالُ: [أَرَادَ فَلَانٌ إِرَادَةً، يُرِيدُ حَقِيقَةَ الْإِرَادَةِ، وَيُقَالُ] [١] : أَرَادَ الْجِدَارُ، وَلَا يُقَالُ أَرَادَ الْجِدَارَ إِرَادَةً لِأَنَّهُ مَجَازٌ غَيْرُ حقيقة.
قَوْلُهُ تَعَالَى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ، فَيَقُولُوا: مَا أرسلت إلينا رسولا ولا أَنْزَلْتَ إِلَيْنَا كِتَابًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يعذب الخلق قبل بعثة الرسل [٢] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإِسْرَاءِ: ١٥]، وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً.
«٧٣٢» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ ثِنًّا مُوسَى بْنُ إسماعيل أنا أبو عوانة عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ وُرَادٍ كَاتِبِ الْمُغِيرَةَ [عَنِ الْمُغَيَّرَةِ] [٣] قَالَ:
قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ رَأَيْتُ رَجُلًا مَعَ امْرَأَتِي لَضَرَبَتْهُ بِالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلّم فقال: «أتعجبون مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ وَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرَ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعْثَ الْمُنْذِرِينَ وَالْمُبَشِّرِينَ، وَلَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةَ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الله الجنة».
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٦٦ الى ١٧٠]
لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٦٩) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠)
٧٣٢- إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم، عَبْدِ الْمَلِكِ هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، ورّاد هو الثقفي أبو سعيد الكوفي كاتب المغيرة ومولاه، المغيرة هو ابن شعبة.
- وهو في «شرح السنة» (٢٣٦٥) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٧٤١٦) عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٤٧٤٦ ومسلم ١٤٩٩ والبيهقي في «الأسماء والصفات» (٦٣٠) من طريق أبي عوانة بهذا الإسناد.
- وأخرجه مسلم ١٤٩٨ ح ١٦ من طريق سليمان بن بلال، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال لرسول الله:..... فذكره دون عجزه.
(١) سقط من المخطوط.
(٢) في المطبوع «الرسول».
(٣) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» ومن «ط» ومن كتب التخريج.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ:
ع «٧٣٣» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رُؤَسَاءِ مَكَّةَ أَتَوْا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ سَأَلْنَا عَنْكَ الْيَهُودَ وَعَنْ صِفَتِكَ فِي كِتَابِهِمْ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَكَ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالَ لَهُمْ: «إِنِّي وَاللَّهِ أَعْلَمُ أنكم لتعلمن أني رسول الله»، فقالوا: والله مَا نَعْلَمُ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ إِنْ جَحَدُوكَ وَكَذَّبُوكَ، أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، بِكِتْمَانِ نَعْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً.
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا، قيل: [إنما قال] وَظَلَمُوا أتبع [١] ظُلْمَهُمْ بِكُفْرِهِمْ تَأْكِيدًا، وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَظَلَمُوا مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكِتْمَانِ نَعْتِهِ، لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً، يَعْنِي:
دِينَ الْإِسْلَامِ.
إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ، يَعْنِي الْيَهُودِيَّةَ، خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً، وَهَذَا فِي حَقِّ مَنْ سَبَقَ حُكْمُهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ، تَقْدِيرُهُ: فَآمِنُوا يَكُنِ الْإِيمَانُ خَيْرًا لَكُمْ، وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
[سورة النساء (٤) : آية ١٧١]
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (١٧١)
يَا أَهْلَ الْكِتابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ، نَزَلَتْ فِي النَّصَارَى وهم أصناف أربعة: الْيَعْقُوبِيَّةُ وَالْمَلْكَانِيَّةُ والنُّسْطُورِيَّةُ وَالْمَرْقُوسِيَّةُ [٢]، فَقَالَتِ الْيَعْقُوبِيَّةُ: عِيسَى هُوَ اللَّهُ، وَكَذَلِكَ الملكانية، وقالت النسطورية: عيسى ابن الله، وقالت المرقسية: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ، وَيُقَالُ الْمَلْكَانِيَّةُ يَقُولُونَ: عِيسَى هُوَ اللَّهُ، وَالْيَعْقُوبِيَّةُ يَقُولُونَ: ابْنُ اللَّهِ والنُّسْطُورِيَّةُ يَقُولُونَ: ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ عَلَّمَهُمْ [٣] رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ بَوْلَسُ [٤]، سَيَأْتِي فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ [٥] إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْحَسَنُ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَإِنَّهُمْ جَمِيعًا غَلَوْا فِي أَمْرِ عيسى، فاليهود بالتقصير، والنصارى مجاوزة بالحدّ، وَأَصْلُ الْغُلُوِّ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ، وَهُوَ فِي الدِّينِ حَرَامٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ، لَا تُشَدِّدُوا فِي دِينِكُمْ فَتَفْتَرُوا على الله الكذب وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ، لَا تَقُولُوا إِنَّ لَهُ شَرِيكًا وَوَلَدًا إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ، وهي قوله كُنْ [مريم: ٣٥] فَكَانَ بَشَرًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ، وَقِيلَ غَيْرُهُ، أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ أَيْ أَعْلَمَهَا وَأَخْبَرَهَا بِهَا، كَمَا يُقَالُ: أَلْقَيْتُ إِلَيْكَ كَلِمَةً حَسَنَةً، وَرُوحٌ مِنْهُ، قِيلَ: هُوَ رُوحٌ كَسَائِرِ الْأَرْوَاحِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا، وَقِيلَ: الرُّوحُ هُوَ النَّفْخُ الَّذِي نفخه
٧٣٣- ع ضعيف. أخرجه الطبري ١٠٨٥٤ عن ابن عباس به بسند ضعيف لجهالة محمد بن أبي محمد شيخ ابن إسحاق.
(١) في المخطوط وط «مع أن» بدل «أتبع» والمثبت عن المطبوع وهو أقرب للسياق وأبين، والله أعلم.
(٢) في المطبوع «والمرقسية».
(٣) في المطبوع «علمهم». [.....]
(٤) في المطبوع «بولص».
(٥) في المخطوط «المائدة».
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي دِرْعِ مريم فحملت بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى، سُمِّيَ النَّفْخُ رُوحًا لِأَنَّهُ رِيحٌ يَخْرُجُ مِنِ الرُّوحِ وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ كَانَ بِأَمْرِهِ، وَقِيلَ: رُوحٌ مِنْهُ أَيْ وَرَحْمَةٌ، فَكَانَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ رَحْمَةً لِمَنْ تَبِعَهُ وَأَمِنَ بِهِ، وَقِيلَ: الرُّوحُ الْوَحْيُ، أَوْحَى إِلَى مَرْيَمَ بِالْبِشَارَةِ، وَإِلَى جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ [بِالنَّفْخِ وَإِلَى عِيسَى] [١] أَنْ كُنْ فَكَانَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ يَعْنِي: بِالْوَحْيِ، وَقِيلَ: أَرَادَ بِالرُّوحِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، مَعْنَاهُ وَكَلِمَتُهُ ألقاها إلى مريم، وألقاها أَيْضًا رُوحٌ مِنْهُ بِأَمْرِهِ وَهُوَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ [الْقَدْرِ: ٤]، يَعْنِي: جِبْرِيلَ فِيهَا، وَقَالَ: فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا
[مَرْيَمَ: ١٧]، يَعْنِي: جِبْرِيلَ.
«٧٣٤» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَنَا الْوَلِيدُ عن الأوزاعي حدثنا عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بن [أبي] [٢] أُمِّيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مريم وروح منه، والجنّة حقّ والنّار حقّ أدخله الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ».
فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ، أَيْ: وَلَا تَقُولُوا هُمْ ثَلَاثَةٌ [٣]، وَكَانَتِ النَّصَارَى تَقُولُ: أب وابن وروح القدس، انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ، تَقْدِيرُهُ [٤] : انْتَهُوا يَكُنِ الِانْتِهَاءُ خَيْرًا لَكُمْ، إِنَّمَا اللَّهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ، [وَاعْلَمْ أَنَّ التَّبَنِّيَ لَا يَجُوزُ لِلَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ التَّبَنِّيَ إِنَّمَا يَجُوزُ لِمَنْ يُتَصَوَّرُ لَهُ وَلَدٌ] [٥]، لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلًا.
[سورة النساء (٤) : الآيات ١٧٢ الى ١٧٥]
لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣) يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥)
٧٣٤- إسناده صحيح على شرط البخاري، الوليد هو ابن مسلم، الأوزاعي هو عبد الله بن عمرو، إمام أهل الشام قاطبة.
وهو في «شرح السنة» (٥٤) بهذا الإسناد.
- خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٣٤٣٥) عن صدقة بهذا الإسناد.
وأخرجه أحمد ٥/ ٣١٣ وأبو عوانة ١/ ٦ وابن مندة ٤٤ و٤٠٥ من طرق عن الوليد، عن الأوزاعي بهذا الإسناد. وقد صرّح الوليد بالسماع من الأوزاعي في رواية ابن مندة.
- وأخرجه مسلم ٢٨ وابن مندة ٤٤ من طريق مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي به.
- وأخرجه البخاري بإثر ٣٤٣٥ ومسلم ٢٨ وأحمد ٥/ ٣١٤ وابن حبان ٢٠٧ وابن مندة في «الإيمان» (٤٥) من طرق عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر قال: حدثني عمير بن هانئ به.
(١) سقط من المطبوع.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل واستدرك من «شرح السنة» وكتب التخريج.
(٣) في المطبوع «بثلاثة».
(٤) تصحف في المخطوط «تقديمه».
(٥) ما بين المعقوفتين كذا وقع في المطبوع وط والمخطوط- أ- والعبارة في المخطوط- ب- «أي: لا ولد له، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وأن الله منزه عن الشريك، والشبيه والولد» اهـ.
وكلا اللفظين محتمل، فالله أعلم.
قوله تعالى: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ
ع «٧٣٥» وَذَلِكَ أَنَّ وَفْدَ نَجْرَانَ قَالُوا: يَا مُحَمَّدُ إِنَّكَ تَعِيبُ صَاحِبَنَا فتقول: إنه عبد الله ورسوله، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِعَارٍ لِعِيسَى [١] عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لله»، فنزل: نْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ
لَنْ يَأْنَفَ وَلَنْ يَتَعَظَّمَ، وَالِاسْتِنْكَافُ: التَّكَبُّرُ مَعَ الْأَنَفَةِ، لَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ
، وَهُمْ حَمَلَةُ الْعَرْشِ، لَا يَأْنَفُونَ أَنْ يَكُونُوا عَبِيدًا لِلَّهِ، وَيَسْتَدِلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ارْتَقَى مِنْ عِيسَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَلَا يُرْتَقَى إِلَّا إِلَى الْأَعْلَى، لَا يُقَالُ: لا يستنكف فلان من كذا وَلَا عَبْدُهُ، إِنَّمَا يُقَالُ: فُلَانٌ لَا يَسْتَنْكِفُ مِنْ هَذَا وَلَا مَوْلَاهُ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ رَفْعًا لِمَقَامِهِمْ عَلَى مَقَامِ الْبَشَرِ، بَلْ رَدًّا عَلَى الَّذِينَ يَقُولُونَ الْمَلَائِكَةُ آلِهَةٌ، كَمَا رَدَّ عَلَى النَّصَارَى قَوْلَهُمْ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالَ رَدًّا عَلَى النَّصَارَى بِزَعْمِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِتَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً
، قِيلَ: الِاسْتِنْكَافُ هُوَ التَّكَبُّرُ مَعَ الْأَنَفَةِ، وَالِاسْتِكْبَارُ: هُوَ الْعُلُوُّ وَالتَّكَبُّرُ مِنْ غَيْرِ أَنَفَةٍ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، مِنَ التَّضْعِيفِ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر، وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا، عَنْ عِبَادَتِهِ، فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ، يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقِيلَ: هُوَ الْقُرْآنُ، وَالْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ، وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً، بيّنا يَعْنِي الْقُرْآنَ.
فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ، امْتَنَعُوا بِهِ مِنْ زَيْغِ الشَّيْطَانِ، فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ، يَعْنِي الْجَنَّةَ، وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً.
[سورة النساء (٤) : آية ١٧٦]
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦)
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ع «٧٣٦» نَزَلَتْ فِي جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: عَادَنِي [٢] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضٌ لَا أَعْقِلُ، فَتَوَضَّأَ وَصَبَّ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ، فَعَقَلَتُ [٣] فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله لمن الميراث وإنما [٤] يرثني كلالة؟ فنزلت
٧٣٥- ع باطل. ذكره الواحدي في «أسباب النزول» (٣٧٧) عن الكلبي بلا سند، والكلبي متهم لا حجة فيه.
٧٣٦- ع صحيح. أخرجه مسلم ١٦١٦ ح ٥ من حديث جابر بتمامه. وأخرجه البخاري ١٩٤ و٥٦٧٦ و٦٧٤٣ وفيه «حتى نزلت آية الفرائض» بدل قَوْلُهُ تَعَالَى يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ وانظر ما تقدم برقم: ٥٣٧.
(١) في المطبوع «بعيسى».
(٢) تصحف في المخطوط «دعاني».
(٣) تصحف في المطبوع «فعلقت».
(٤) تصحف في المطبوع «إنهما». [.....]
726
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى الْكَلَالَةِ وَحُكْمَ الْآيَةِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانُ حُكْمِ مِيرَاثِ الْأُخُوَةِ لِلْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْ لِلْأَبِ، قَوْلُهُ: يَسْتَفْتُونَكَ أَيْ: يَسْتَخْبِرُونَكَ ويسألونك [يا محمد] [١]، قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ، إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها، يَعْنِي إِذَا مَاتَتِ الْأُخْتُ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهَا لِلْأَخِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهَا ابْنٌ فَلَا شَيْءَ لِلْأَخِ، وَإِنْ كَانَ وَلَدُهَا أُنْثَى فَلِلْأَخِ مَا فَضُلَ عَنْ فَرْضِ الْبَنَاتِ، فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ، أَرَادَ اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا وَهُوَ أَنَّ مَنْ مَاتَ وَلَهُ أَخَوَاتٌ فَلَهُنَّ الثُّلْثَانِ، وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالًا وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا، قَالَ الْفَرَّاءُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: مَعْنَاهُ أَنْ لَا تَضِلُّوا، وَقِيلَ: مَعْنَاهُ يُبَيَّنُ اللَّهُ لَكُمْ كَرَاهَةَ أَنْ تَضِلُّوا، وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
«٧٣٧» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَحْمَدَ الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّعِيمِيُّ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً بَرَاءَةٌ، وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةً سُورَةُ النِّسَاءِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ.
وَرَوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ آيَةُ الرِّبَا، وَآخَرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) [النصر: ١] [٢].
وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّ آخِرَ آيَةٍ نَزَلَتْ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [الْبَقَرَةِ: ٢٨١] [٣].
وَرُوِيَ بَعْدَ مَا نَزَلَتْ سُورَةُ النَّصْرِ عَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامًا، وَنَزَلَتْ بَعْدَهَا سُورَةُ بَرَاءَةٍ وَهِيَ آخَرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً فَعَاشَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ نَزَلَتْ فِي طَرِيقِ حِجَّةِ الْوَدَاعِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ فَسُمِّيَتْ آيَةُ الصَّيْفِ، ثُمَّ نَزَلَتْ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي [الْمَائِدَةِ: ٣]، فَعَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وَثَمَانِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَاتُ [٤] الرِّبَا، ثُمَّ نَزَلَتْ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: ٢٨١]، فَعَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا [والله أعلم بالصواب] [٥].
٧٣٧- صحيح. إسناده على شرط البخاري، عبد الله بن رجاء تفرد عنه البخاري، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم، إسرائيل هو ابن يونس أبي إسحاق، خرّجه المصنف من طريق البخاري، وهو في «صحيحه» (٤٣٦٤) عن عبد الله بن رجاء بهذا الإسناد..
- وأخرجه البخاري ٤٦٠٥ و٤٦٥٤ و٦٧٤٤ ومسلم ١٦١٨ وأبو داود ٢٨٨٨ والترمذي ٣٠٤٤ و٣٠٤٥ وأبو عبيد في «فضائل القرآن» ص (٢٢٣) وأبو يعلى ١٧٤٣ من طرق عن البراء به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) انظر ما تقدم برقم: ٣٤٣.
(٣) انظر ما تقدم برقم: ٣٤٢. وأخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ص (٢٢٤) والطبري ٦٣١٢ من طريق ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال: آخر آية نزلت في القرآن: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١) قال ابن جريج:
يقولون: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلّم مكث بعدها تسع ليال، وبدئ يوم السبت، ومات يوم الإثنين.
تم بحمد الله ومنه وكرمه تخريج وتحقيق الجزء الأول من تفسير الإمام البغوي، ويليه الجزء الثاني إن شاء الله تعالى خرج أحاديثه وحققه:
عبد الرزاق المهدي، هناء جزماتي
(٤) زيادة عن المخطوط.
(٥) في المخطوط وحده «آية».
727
فهرس المحتويات
كلمة دار إحياء التراث العربي ٥ مقدمة المحقق ٩ ترجمة الإمام البغوي (٤٣٦- ٥١٦) ٢٧ وصف مخطوطات الكتاب ٣٠ مقدمة المؤلف ٤٥ فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ وَتَعْلِيمِهِ ٥٦ فَصْلٌ فِي فَضَائِلِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ ٦١ فَصْلٌ فِي وَعِيدِ مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ علم ١٦٦ ١- سورة الفاتحة ٧٠ ٢- سورة البقرة ٨٠ ٣- سورة آل عمران ٤٠٦ ٤- تفسير سورة النساء ٥٦١ تمّ بعونه تعالى طبع الجزء الأوّل في مطابع دار إحياء التراث العربي- بيروت الزاهرة أدامها الله لطبع المزيد من الكتب النافعة.
ويليه الجزء الثاني وأوله سورة المائدة
728
Icon