أهداف سورة الشورى
سورة الشورى مكية، نزلت بعد الإسراء وقبل الهجرة، وآياتها ٥٣ آية، نزلت بعد سورة فصلت.
ولها اسمان ( عسق ) لافتتاحها بها، وسورة ( الشورى ) لقوله سبحانه :﴿ وأمرهم شورى بينهم... ﴾ ( الشورى : ٣٨ ).
روح السورة :
هذه السورة تعالج قضية العقيدة كسائر السور المكية، ولكنها تركز بصفة خاصة على حقيقة الوحي والرسالة، حتى ليصح أن يقال إن هذه الحقيقة هي المحور الرئيسي الذي ترتبط به السورة كلها، وتأتي سائر الموضوعات فيها تبعا لتلك الحقيقة الرئيسية فيها.
هذا مع أن السورة تتوسع في الحديث عن حقيقة الوحدانية، وتعرضها من جوانب متعددة، كما أنها تتحدث عن حقيقة القيامة والإيمان بها، ويأتي ذكر الآخرة ومشاهدها في مواضع متعددة منها، وكذلك تتناول عرض صفات المؤمنين وأخلاقهم التي يمتازون بها، كما تلم بقضية الرزق، بسطه وقبضه، وصفة الإنسان في السراء والضراء، ولكن حقيقة الوحي والرسالة وما يتصل بهما، تظل- مع ذلك- هي الحقيقة البارزة في محيط السورة، والتي تطبعها وتظللها، وكأن سائر الموضوعات الأخرى مسوقة لتقوية تلك الحقيقة الأولى وتوكيدها.
ويسير سياق السورة في عرض تلك الحقيقة، وما يصاحبها من موضوعات أخرى بطريقة تدعو إلى مزيد من التدبر والملاحظة، " فهي تعرض من جوانب متعددة، يفترق بعضها عن بعض ببضع آيات تتحدث عن وحدانية الخالق، أو وحدانية الرازق، أو وحدانية المتصرف في القلوب، أو وحدانية المتصرف في المصير.. ذلك بينما يتجه الحديث عن حقيقة الوحي والرسالة إلى تقرير وحدانية الموحى –سبحانه- ووحدة الوحي، ووحدة العقيدة، ووحدة المنهج والطريق، وأخيرا وحدة القيادة البشرية في ظل العقيدة.
ومن ثم يرتسم في النفس خط الوحدانية بارزا واضحا، بشتى معانيه، وشتى إيحاءاته من وراء موضوعات السورة جميعا ". ١
موضوع السورة :
يمكن أن نقسم سورة الشورى إلى فصلين رئيسيين : يتناول الفصل الأول وحدة الأهداف الرئيسية للرسالات السماوية، ويتناول الفصل الثاني بعض صفات المؤمنين ودلائل الإيمان.
الفصل الأول : وحدة أهداف الرسالات
يتناول النصف الأول من السورة الآيات من ( ١-٢٤ )، ويبدأ عن الوحي، ثم يعالج قضية الوحي منذ النبوات الأولى، ليقرر وحدة الدين ووحدة المنهج، ووحدة الطريق، وليعلن القيادة الجديدة للبشرية ممثلة في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وفي العصبة المؤمنة بهذه الرسالة.
وتشير السورة إلى هذه الوحدة في مطلعها :﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ﴾. ( الشورى : ٣ ).
لتقرر أن الله هو الموحي بجميع الرسالات لجميع الرسل، وأن الرسالة الأخيرة هي امتداد لأمر مقرر مطرد من قديم.
وتأتي الإشارة الثانية بعد قليل :﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر به أم القرى ومن حولها... ﴾ ( الشورى : ٧ ).
لتقرر مركز القيادة الجديدة، فقد اختار الله بلاد العرب لتكون مقر الرسالة الأخيرة التي جاءت للبشرية جميعا، والتي تتضح عالميتها منذ أيامها الأولى.
كانت الأرض المعمورة عند مولد الرسالة الأخيرة تكاد تتقاسمها إمبراطوريات أربع، هي : الرومانية، والفارسية، والهندية، والصينية.
وفي هذا الوقت جاء الإسلام لينقذ البشرية كلها، مما انتهت إليه من انحلال وفساد واضطهاد، وجاهلية عمياء في كل مكان من المعمورة، جاء ليهيمن على حياة البشرية، ويقودها في الطريق إلى الله على هدى ونور.
ولم يكن هنالك بد من أن يبدأ الإسلام رحلته من أرض حرة، لا سلطان فيها لإمبراطورية من تلك الإمبراطوريات، وكانت الجزيرة العربية وأم القرى وما حولها بالذات هي أصلح مكان على وجه الأرض لنشأة الإسلام يومئذ، وأصلح نقطة يبدأ منها رحلته العالمية.
لم تكن في بلاد العرب حكومات منظمة، ولا ديانة ثابتة واضحة المعالم، وكانت خلخلة النظام السياسي للجزيرة، إلى جانب خلخلة النظام الديني، أفضل ظرف يقوم فيه دين جديد، ليكون متحررا من كل سلطان عليه في نشأته.
وهكذا جاء القرآن عربيا لينذر أم القرى ومن حولها، فلما خرجت الجزيرة من الجاهلية إلى الإسلام، حملت الراية وشرقت لها وغربت، وقدمت الرسالة للبشرية جميعها، وكان الذين حملوها هم أصلح خلق الله لحملها، وقد خرجوا بها من أصلح مكان في الأرض لميلادها، وهكذا تبدو سلسلة طويلة من الموافقات المختارة لهذه الرسالة :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته... ﴾ ( الأنعام : ١٢٤ ).
وفي آية مشهورة من سورة الشورى تطالعنا وحدة الرسالات جميعا، ووحدة الرسل، ووحدة الدين، ووحدة الهدف للجميع، وهو توحيد الله، وتدعيم القيم والأخلاق، ومحاربة الرذائل والانحراف.
قال تعالى :﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ( ١٣ ) ﴾. ( الشورى : ١٣ ).
وتقرر الآيات بعد ذلك أن التفرق قد وقع مخالفا لهذه الوصية، ولم يقع عن جهل من أتباع أولئك الرسل الكرام ولكن عن علم، وقع بغيا وحسدا :﴿ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم... ﴾ ( الشورى : ١٤ ).
وتصف أتباع الأديان وحملة الكتب السماوية بأنهم في حيرة وشك لاضطراب أحوال الديانات، وخروجها عن الهدف الذي جاءت له :﴿ وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ﴾. ( الشورى : ١٤ ).
وعند هذا الحد يتبين أن البشرية قد آلت إلى فوضى وارتياب، ولم تعد لها قيادة راشدة تقوم على نهج ثابت قويم، ومن ثم يعلن القرآن انتداب الرسالة الأخيرة وحاملها النبي صلى الله عليه وسلم لهذه القيادة :﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( ١٥ ) ﴾ ( الشورى : ١٥ ).
الفصل الثاني : صفات الجماعة المسلمة
يشتمل النصف الثاني من السورة على الآيات من ( ٢٥-٥٣ )، ويتحدث عن صفات الجماعة المسلمة، التي انتدبها الله لحمل هذه الرسالة، ويبدأ هذا الفصل باستعراض آيات الله في بسط الرزق وقبضه، وفي تنزيل الغيث برحمته، وفي خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة، وفي الفلك الجواري في البحر كالأعلام، ويستطرد من هذه الآيات إلى صفة المؤمنين التي تميز جماعتهم، ومع أن سورة الشورى مكية، نزلت قبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة، إلا أنها تذكر أن الشورى من صفات المؤمنين، فتقول :﴿ وأمرهم شورى بينهم... ﴾ ( الشورى : ٣٨ ).
مما يوحى بأن وضع الشورى أعمق في حياة المسلمين من مجرد أن يكون نظاما سياسيا للدولة، فهو طابع أساسي للجماعة كلها، يقوم على أمرها كجماعة، ثم يتسرب من الجماعة إلى الدولة، بوصفها ممثلة للجماعة.
والتأمل في صفات المؤمنين يوحي بأن الإسلام دين القيم، دين يهتم بالجوهر لا بالعرض، وبتكوين النفس البشرية لا بالقيم الزائلة.
فما هي قيم الجماعة المؤمنة ؟
إنها الإيمان والتوكل، واجتناب كبائر الإثم والفواحش، والمغفرة عند الغضب، والاستجابة لله، وإقامة الصلاة، والشورى الشاملة، والإنفاق مما رزق الله، والانتصار من البغي، والعفو، والإصلاح، والصبر.
وبهذه القيم تحول العرب من أشتات مختلفين إلى أمة متماسكة متراحمة، مؤمنة بالله، مستقيمة على هدى الله وتعاليمه، فوطأ الله لهم أكناف الأرض، وصاروا خير أمة أخرجت للناس.
وبعد تقرير صفة المؤمنين وما ينتظرهم من عون وإنعام، تعرض الآيات في الصفحة المقابلة صورة الظالمين الضالين، وما ينتظرهم من ذل وخسران في يوم القيامة :﴿ يقولون هل إلى مرد من سبيل * وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي... ﴾ ( الشورى : ٤٤، ٤٥ ).
وفي ظل هذا المشهد نجد القرآن يدعو الناس إلى إنقاذ أنفسهم من مثل هذا الموقف قبل فوات الأوان :﴿ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله... ﴾ ( الشورى : ٤٧ ).
ويمضي سياق السورة حتى ختامها، يدور حول محور الوحي والرسالة، وأثرهما في صفات المؤمنين، مع بعض الاستطراد إلى وصف الكافرين، وبيان صفات الله الخالق الوهاب، القابض الباسط، قال تعالى :﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ﴾. ( الشورى : ٤٩، ٥٠ ).
ويعود السياق في نهاية السورة إلى الحديث عن طبيعة الوحي وطريقته، وهناك ارتباط ظاهر بين الحديث عن الوحي في القسم الأول من السورة، وبين الحديث عن صفات المؤمنين، ودلائل الإيمان في القسم الثاني منها، فإن الهداية والإيمان من آثار الوحي وبركات الرسالة، أي أن القسم الثاني وهو السلوك مترتب على القسم الأول وهو العقيدة والوحي.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
تتحدث سورة الشورى عن الوحي، والوحي رسالة الله إلى خلقه، وهذه الرسالة المحمدية ضاربة في أصول التاريخ، فقد أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل السابقين، فالقرآن وحي الله وكلامه حقا وصدقا، وهو سبحانه له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وله التصرف فيهما إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، والسماوات على غلظها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله، أو من كثرة الملائكة العابدين الذاكرين، أو من ادعاء المشركين بأن لله ولدا، والملائكة يسبحون الله وينزهونه عن صفات النقص، ويطلبون المغفرة للمؤمنين أو للناس أجمعين، أما الذين عبدوا الأوثان والأصنام فحسابهم على الله، فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم ولست مسئولا على حسابهم، بل ليس عليك إلا البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
المفردات :
حم عسق : حروف للتنبيه، أو للتحدي والإعجاز.
التفسير :
١، ٢- ﴿ حم * عسق ﴾ :
افتتح الله تعالى بعض السور بحروف مقطعة، قد تكون مكونة من حرف واحد مثل : ن، ص، ق.
وقد تكون مكونة من حرفين مثل : حم، طه، يس.
وقد تكون مكونة من ثلاثة أحرف مثل : طسم، آلم.
وقد تكون مكونة من أربعة أحرف مثل : المر، المص.
وقد تكون مكونة من خمسة أحرف مثل : حم عسق. وهو أكثر ما افتتحت به سورة من حروف، ومثل : كهيعص.
وقد قال العلماء :
هي مما استأثر الله تعالى بعلمه، وقيل : هي أسماء للسور، وقيل : هي أدوات للتنبيه كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة، وقيل : هي حروف للتحدي والإعجاز، وبيان أن القرآن مكون من حروف عربية تنطقون بها مثل :﴿ حم * عسق ﴾. وقد عجزتم عن الإتيان بمثله، فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر، ولكنه تنزيل من حكيم حميد.
حم عسق : حروف للتنبيه، أو للتحدي والإعجاز.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:الوحي
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
تتحدث سورة الشورى عن الوحي، والوحي رسالة الله إلى خلقه، وهذه الرسالة المحمدية ضاربة في أصول التاريخ، فقد أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل السابقين، فالقرآن وحي الله وكلامه حقا وصدقا، وهو سبحانه له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وله التصرف فيهما إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، والسماوات على غلظها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله، أو من كثرة الملائكة العابدين الذاكرين، أو من ادعاء المشركين بأن لله ولدا، والملائكة يسبحون الله وينزهونه عن صفات النقص، ويطلبون المغفرة للمؤمنين أو للناس أجمعين، أما الذين عبدوا الأوثان والأصنام فحسابهم على الله، فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم ولست مسئولا على حسابهم، بل ليس عليك إلا البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
المفردات :
حم عسق : حروف للتنبيه، أو للتحدي والإعجاز.
التفسير :
١، ٢- ﴿ حم * عسق ﴾ :
افتتح الله تعالى بعض السور بحروف مقطعة، قد تكون مكونة من حرف واحد مثل : ن، ص، ق.
وقد تكون مكونة من حرفين مثل : حم، طه، يس.
وقد تكون مكونة من ثلاثة أحرف مثل : طسم، آلم.
وقد تكون مكونة من أربعة أحرف مثل : المر، المص.
وقد تكون مكونة من خمسة أحرف مثل : حم عسق. وهو أكثر ما افتتحت به سورة من حروف، ومثل : كهيعص.
وقد قال العلماء :
هي مما استأثر الله تعالى بعلمه، وقيل : هي أسماء للسور، وقيل : هي أدوات للتنبيه كالجرس الذي يقرع فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة، وقيل : هي حروف للتحدي والإعجاز، وبيان أن القرآن مكون من حروف عربية تنطقون بها مثل :﴿ حم * عسق ﴾. وقد عجزتم عن الإتيان بمثله، فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر، ولكنه تنزيل من حكيم حميد.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
تتحدث سورة الشورى عن الوحي، والوحي رسالة الله إلى خلقه، وهذه الرسالة المحمدية ضاربة في أصول التاريخ، فقد أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل السابقين، فالقرآن وحي الله وكلامه حقا وصدقا، وهو سبحانه له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وله التصرف فيهما إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، والسماوات على غلظها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله، أو من كثرة الملائكة العابدين الذاكرين، أو من ادعاء المشركين بأن لله ولدا، والملائكة يسبحون الله وينزهونه عن صفات النقص، ويطلبون المغفرة للمؤمنين أو للناس أجمعين، أما الذين عبدوا الأوثان والأصنام فحسابهم على الله، فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم ولست مسئولا على حسابهم، بل ليس عليك إلا البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
التفسير :
٣- ﴿ كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ﴾.
مثلما أوحينا إليك في هذه السورة وغيرها، أوحينا إلى الذين من قبلك من المرسلين، مثل نوح وهود وصالح وموسى وعيسى، فمحمد ليس بدعا من الرسل، والوحي إليه أصيل وثابت للرسل السابقين عليه، فالوحي لغة : الإعلام، وشرعا : إعلام الله تعالى من يختاره من البشر، ليبلغه بالتشريع والأحكام التي يريد الله أن يبلغها لعباده.
فالموحي هو الله، والملاك جبريل أمين الوحي، والوحي هو الرسالة التي ينقلها جبريل عن الله إلى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وإخوانه السابقين عليه، ليبلغوها للمرسل إليهم، والوحي فيه عناية السماء بالأرض، وتشريف للرسل، وتشريف لنا نحن المرسل إليهم، حيث أنزل الله علينا الوحي، واختار لنا رسولا مبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وجعله الله تعالى خاتم النبيين الذين يوحى إليهم، فالرسول أعم من النبي، لأن الرسول يوحى إليه بشرع ويكلف بالتبليغ، والنبي يوحى إليه بشرع ولا يكلف بالتبليغ، ومن ثم فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، فإذا ختم الله النبيين بمحمد صلى الله عليه وسلم، فقد ختم المرسلين أيضا، فمحمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، وهو أيضا خاتم المرسلين.
وقد قرأ حفص ( خاتَم ) بفتح التاء، وقرأ الستة الباقون من القراء ( خاتِم ) بكسر التاء.
قال تعالى :﴿ ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما ﴾. ( الأحزاب : ٤٠ ).
فالوحي شرف للبشرية، وهداية من السماء، وعناية عليا من الله بعباده، حيث يختار بعض خلقه ليحملوا هدى السماء وتشريع الله، وآداب الوحي، وأخبار الأمم، ومعالم القيامة ليوصلوا كل ذلك إلى البشر، حتى تبلغهم الحجة، ويصل إليهم الدليل على الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
وفي سورة النساء الآيات ( ١٦٣-١٦٦ ) يقول تعالى :﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ( ١٦٣ ) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ( ١٦٤ ) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ( ١٦٥ ) لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلَائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ( ١٦٦ ) ﴾.
وخلاصة ما تشير إليه الآية الثالثة من سورة الشورى أن الله تعالى ذكر معاني هذه السورة في القرآن الكريم وفي جميع الكتب السماوية ؛ لما فيها من الإرشاد إلى الحق، وهو ﴿ العزيز ﴾. الغالب في انتقامه، ﴿ الحكيم ﴾. في أقواله وأفعاله.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
تتحدث سورة الشورى عن الوحي، والوحي رسالة الله إلى خلقه، وهذه الرسالة المحمدية ضاربة في أصول التاريخ، فقد أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل السابقين، فالقرآن وحي الله وكلامه حقا وصدقا، وهو سبحانه له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وله التصرف فيهما إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، والسماوات على غلظها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله، أو من كثرة الملائكة العابدين الذاكرين، أو من ادعاء المشركين بأن لله ولدا، والملائكة يسبحون الله وينزهونه عن صفات النقص، ويطلبون المغفرة للمؤمنين أو للناس أجمعين، أما الذين عبدوا الأوثان والأصنام فحسابهم على الله، فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم ولست مسئولا على حسابهم، بل ليس عليك إلا البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
التفسير :
٤- ﴿ له ما في السماوات وما في الأرض وهو العلي العظيم ﴾.
له وحده ما في السماوات وما في الأرض، خلقا وملكا وتدبيرا، وهو المتفرد بعلو الشأن، وعظم البرهان والسلطان.
قال تعالى :﴿ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ﴾. ( الرعد : ٩ ).
وقال سبحانه :﴿ وهو العلي الكبير ﴾. ( سبأ : ٢٣ ).
فالملك الحقيقي لله وحده، أما ما يملكه الناس فهو عارية منتقلة، والله هو المعز المذل، المعطي المانع، الرافع الخافض، الباسط القابض، ومن ثم يجب أن يتجه الناس إليه وحده بالدعاء وطلب العطاء.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
تتحدث سورة الشورى عن الوحي، والوحي رسالة الله إلى خلقه، وهذه الرسالة المحمدية ضاربة في أصول التاريخ، فقد أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل السابقين، فالقرآن وحي الله وكلامه حقا وصدقا، وهو سبحانه له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وله التصرف فيهما إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، والسماوات على غلظها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله، أو من كثرة الملائكة العابدين الذاكرين، أو من ادعاء المشركين بأن لله ولدا، والملائكة يسبحون الله وينزهونه عن صفات النقص، ويطلبون المغفرة للمؤمنين أو للناس أجمعين، أما الذين عبدوا الأوثان والأصنام فحسابهم على الله، فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم ولست مسئولا على حسابهم، بل ليس عليك إلا البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
المفردات :
يتفطرن : يتشققن من عظمة الله وجلاله، وقيل : من ادعاء الولد له.
يسبحون : ينزهون الله عما لا يليق.
ويستغفرون لمن في الأرض : يسألون الله أن يغفر للمقصرين في الأرض من المؤمنين.
التفسير :
٥- ﴿ تكاد السماوات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم ﴾.
هذه السماوات السبع على عظمها، وعظم خلقها، وشموسها وأقمارها ونجومها، وما فيها من أفلاك وأملاك، تكاد تتشقق وجلا وخوفا من عظمة الله وجلاله، أو تكاد تتشقق من كثرة الملائكة، فليس في السماء موضع قدم إلا وفيه ملك راكع أو ساجد يسبح الله تعالى، أو تكاد تتشقق من ادعاء الكفار لله ولدا، كما ورد في الآيات ( ٨٨-٩٣ ) من سورة مريم وفيها يقول سبحانه :﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا ( ٨٨ ) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ( ٨٩ ) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ( ٩٠ ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ( ٩١ ) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا ( ٩٢ ) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ( ٩٣ ) ﴾.
وخلاصة معنى الآية :
تكاد السماوات - مع عظمهن وتماسكهن - يتشققن من فوقهن، خشية من الله، وتأثرا بعظمته وجلاله، والملائكة ينزهون الله عما لا يليق به، مثنين عليه بما هو أهله، ويسألون الله المغفرة لأهل الأرض، وقد ورد هذا المعنى في الآية ٧ من سورة غافر، حيث يقول سبحانه وتعالى :﴿ الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا... ﴾.
﴿ ألا إن الله هو الغفور الرحيم ﴾.
الله سبحانه وحده هو صاحب المغفرة الشاملة، والرحمة الواسعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد :
تتحدث سورة الشورى عن الوحي، والوحي رسالة الله إلى خلقه، وهذه الرسالة المحمدية ضاربة في أصول التاريخ، فقد أوحى الله إلى محمد وإلى الرسل السابقين، فالقرآن وحي الله وكلامه حقا وصدقا، وهو سبحانه له ملك ما في السماوات وما في الأرض، وله التصرف فيهما إيجادا وإعداما وتكوينا وإبطالا، والسماوات على غلظها تكاد تتشقق فرقا من هيبته وجلاله، أو من كثرة الملائكة العابدين الذاكرين، أو من ادعاء المشركين بأن لله ولدا، والملائكة يسبحون الله وينزهونه عن صفات النقص، ويطلبون المغفرة للمؤمنين أو للناس أجمعين، أما الذين عبدوا الأوثان والأصنام فحسابهم على الله، فالله مطلع عليهم، وسيجازيهم على أعمالهم ولست مسئولا على حسابهم، بل ليس عليك إلا البلاغ، وعلى الله الحساب، فلا تبخع نفسك عليهم حسرات، إن الله عليم بما يصنعون.
المفردات :
بوكيل : بموكل بهم، أو بموكول إليك أمرهم، وإنما وظيفتك البلاغ والإنذار.
التفسير :
٦- ﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل ﴾.
هؤلاء الذين عبدوا الأوثان والأحجار والأصنام، أو الشموس والأقمار، أو غيرها من سائر الأولياء والشركاء، هؤلاء العابدون لغير الله هم جميعا في قبضة الله، هو سبحانه يحصى أعمالهم، وهو المتكفل بحسابهم وجزائهم، أما أنت فما أنت إلا نذير، ليس عليك هداهم، إن عليك إلا البلاغ.
قال ابن كثير :
﴿ والذين اتخذوا من دونه أولياء... ﴾ يعني : المشركين.
﴿ الله حفيظ عليهم... ﴾
أي : شهيد على أعمالهم يحصيها ويعدها عدا، وسيجزيهم بها أوفر الجزاء.
﴿ وما أنت عليهم بوكيل ﴾.
أي : إنما أنت نذير، والله على كل شيء وكيل.
﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ( ٧ ) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٨ ) ﴾
تمهيد :
أوحى الله قرآنا عربيا إلى نبي عربي لأمة عربية، أي أن القرآن نزل بلسانكم وأنتم تفهمونه، ﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم... ﴾ ( إبراهيم : ٤ ). وفي القرآن ذكر لكم، وعلو لشأنكم، فقد بدأ الوحي في مكة، وانتشرت الرسالة إلى المدينة، ثم جاء نصر الله والفتح، وشرّقت راية الإسلام وغرّبت، وهذه الرسالة بلاغ للناس بتشريع الدنيا، وتحذير من الحساب والجزاء، حيث ينقسم الناس إلى جماعتين متميزتين : جماعة إلى الجنة، وجماعة إلى النار، ولقد أراد الله تعالى ألا يكره الناس على طريق واحد، فأعطاهم العقل والإرادة والاختيار، فمن اختار الإيمان أدخله في رحمته وهدايته، ومن ظلم نفسه واختار الضلال فسيلقى العقاب والجزاء في الدنيا أو الآخرة، وحينئذ لن يجد نصيرا ينصره، ولا معاونا يأخذ بيده.
المفردات :
قرآنا عربيا : أنزلناه قرآنا عربيا بلسان قومك.
لتنذر : الإنذار : التخويف.
أم القرى : مكة.
يوم الجمع : يوم القيامة، سمى بذلك لاجتماع الخلائق فيه، كما قال تعالى :﴿ يوم يجمعكم ليوم الجمع... ﴾ ( التغابن : ٩ ).
لا ريب فيه : لا شك في قدومه.
الفريق : الجماعة.
السعير : النار الموقدة المستعرة.
التفسير :
٧- ﴿ وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ﴾.
ومثل ذلك الوحي البديع المفهم، أوحينا إليك قرآنا عربيا قد بلغ الذروة في الفصاحة والبيان، لتبلغ رسالة الإسلام إلى مكة أم القرى، فهي بلد البيت الحرام، وبلد الحرم الآمن، وبلد رحلة الشتاء إلى اليمن، ورحلة الصيف إلى الشام.
وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم :( والله إنك خير أرض الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت )٢.
﴿ وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه... ﴾
لتخبر الناس بأمر الآخرة، واجتماع الأولين والآخرين في صعيد واحد للحساب والجزاء، وهذا أمر يقيني لا شك فيه، حيث ينقسم الناس إلى قسمين : فريق أطاع وآمن وعمل صالحا، وكفّ عن المحرمات والمنهيات، فهو في رحمة الله وجنته، وفريق آثر الكفر والظلم والبعد عن الإيمان، فاستحق النار التي تتسعر به.
﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ ( ٧ ) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٨ ) ﴾
تمهيد :
أوحى الله قرآنا عربيا إلى نبي عربي لأمة عربية، أي أن القرآن نزل بلسانكم وأنتم تفهمونه، ﴿ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم... ﴾ ( إبراهيم : ٤ ). وفي القرآن ذكر لكم، وعلو لشأنكم، فقد بدأ الوحي في مكة، وانتشرت الرسالة إلى المدينة، ثم جاء نصر الله والفتح، وشرّقت راية الإسلام وغرّبت، وهذه الرسالة بلاغ للناس بتشريع الدنيا، وتحذير من الحساب والجزاء، حيث ينقسم الناس إلى جماعتين متميزتين : جماعة إلى الجنة، وجماعة إلى النار، ولقد أراد الله تعالى ألا يكره الناس على طريق واحد، فأعطاهم العقل والإرادة والاختيار، فمن اختار الإيمان أدخله في رحمته وهدايته، ومن ظلم نفسه واختار الضلال فسيلقى العقاب والجزاء في الدنيا أو الآخرة، وحينئذ لن يجد نصيرا ينصره، ولا معاونا يأخذ بيده.
التفسير :
٨- ﴿ ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير ﴾.
لو أراد الله أن يختار الناس جميعا الإسلام لهداهم إليه، ولو أراد أن يختاروا جميعا الكفر لما أرسل الرسل، ولما أنزل الكتب، لكنه إله عادل، ولا يعذب الناس إلا بعد إعذار وإنذار :﴿ وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾. ( الإسراء : ١٥ ).
فلو شاء الله أن يقسر الناس على الهدى لفعل، ولو شاء أن يتركهم أمة واحدة لفعل، لكنه سبحانه حكيم عادل، خلق آدم بالعقل والإرادة، وجعله أهلا لتحمل المسؤولية، واستخلف بني آدم في الأرض، وأعطاهم العقول والإرادة والاختيار، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وقص على البشرية أخبار المكذبين، وأنعم الله على المؤمنين، عندئذ من آمن استحق رحمة الله عن جدارة، ومن كفر استحق العذاب والعقاب، ولن يجد أحدا ينصره أو يمنعه من عقاب الله تعالى.
في أعقاب التفسير :
المتأمل في حالة الكون قبل الرسالة الإسلامية يجد أن العالم كانت تسيطر عليه إمبراطوريات أربع، هي : الرومانية، والفارسية، والهندية، والصينية.
وكانت بلاد العرب أفضل مكان لقيام دين جديد، فليس فيها ملك يوحد البلاد، وليس فيها دين له أسس ونظام وهيمنة، والبلاد تخضع لحكم رؤساء القبائل، وهناك أديان شتى ومذاهب متعددة، ولكن بدون قناعة أو يقين.
وقد وقفت مكة موقف المعارضة للدين الإسلامي، لا عن قناعة بالوثنية أو بعبادة الأصنام، بل حرصا على تميزها وغناها، وخوفها من ترك هذا التميز.
قال تعالى :﴿ فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾. ( الأنعام : ٣٣ ).
ولحكمة أرادها الله، اختار سبحانه بلاد العرب، فقد كانت بها بقايا من المروءة وحماية الجار والانتصار للقبيلة، فمكث الإسلام بمكة حينا، وانتقل للمدينة المنورة، ثم تتابعت الغزوات من بدر حتى فتحت مكة، وشمل الإسلام بلاد العرب في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم امتد إلى فارس والروم ومصر وشمال أفريقيا، وتقدم إلى سائر المعمورة، قال تعالى :﴿ الله أعلم حيث يجعل رسالته... ﴾ ( الأنعام : ١٢٤ ).
وكانت الجزيرة العربية بها أعداد من الشباب والرجال، يشتاقون إلى فجر جديد ونور جديد ودعوة جديدة، فدخلوا في الإسلام، وحملوا رايته، ورفعوا شأنه، وكانوا جنودا مخلصين مؤهلين لتقبل رسالة الإسلام، والتحرك بها إلى جهات متعددة، يقدمون حياتهم وأموالهم فداء لهذا الدين، ومن طبيعة الإسلام أنه دين عالمي ينهى عن العصبية، ويحبذ الأخوة الإسلامية، وحين دخل الفرس وغيرهم في الإسلام اتسع صدر الإسلام لهم، وتعلموا اللغة العربية، وبرزوا في العلوم الإسلامية، فكان منهم الفقهاء والأدباء والمحدثون والنحاة والبلغاء والشعراء والكتاب.
قال صلى الله عليه وسلم :( ليست العربية لأحدكم بأب ولا أم، ولكن العربية اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي )٣.
﴿ أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٩ ) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ( ١٠ ) فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ( ١١ ) لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ١٢ ) ﴾
المفردات :
أولياء : أصناما وأوثانا يلون أمورهم.
يحيي الموتى : عند البعث.
وهو على كل شيء قدير : أي : أن غيره من الأولياء لا يقدر على شيء.
التفسير :
٩- ﴿ أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير ﴾.
تأتي هذه الآية وما بعدها لبيان أن كل شيء بيد الله العلي العظيم.
ومعنى الآية :
مع أن الله هو الخالق الرازق، فإن الكفار قد اتخذوا من دون الله أصناما وأوثانا يعبدونهم ويوالونهم.
﴿ فالله هو الولي... ﴾
أي : إن أرادوا أولياء بحق فلله الولاية جميعا، هو الخالق الرازق، وهو الذي يحيي الموتى، وهو سبحانه على كل شيء قدير، ولا يملك شيئا من ذلك أي صنم أو وثن، فيجب أن تكون الولاية والعبادة والتوجه لله وحده فلا معبود بحق سواه، ولا إله إلا هو.
وما اختلفتم فيه من شيء : وما خالفكم الكفار والمشركون في الدين، أو ما حدث بينكم فيه من خلاف.
وإليه أنيب : وإليه أرجع في كل ما يعن لي من معضلات الأمور.
التفسير :
١٠ – ﴿ وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ﴾.
ما تختلفون فيه من حكم بينكم وبين الكفار أو المشركين، فالمرجع فيه هو كتاب الله وهدى رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ما اختلفتم فيه من شيء بينكم وبين بعضكم، فارجعوا إلى أمر الله سبحانه.
﴿ ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب ﴾.
هذا هو الله عليه اعتمادي وتوكلي، ورجوعي إليه وحده، هو الخالق البارئ الحاكم القادر، إليه أتجه وأتحاكم، وله وحده طاعتي واعتمادي، فمن وجد الله وجد كل شيء، ومن فقد الله فقد كل شيء.
وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول... ﴾ ( النساء : ٥٩ ).
فاطر السماوات والأرض : خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق.
يذرؤكم فيه : يكثركم بسبب هذا التزاوج بين الذكور والإناث.
ليس كمثله شيء : ليس له مثيل في ذاته أو صفاته أو أفعاله.
التفسير :
١١ – ﴿ فاطر السماوات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ﴾.
هو سبحانه خالق السماوات والأرض، ومبدعهما على غير مثال سابق، وهو خالق الكون وخالق الإنسان والحيوان، وقد خلق من كل شيء زوجين، فخلق حواء من آدم، وخلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى، إن هذا التزاوج بين الرجل المرأة مصدر الرحمة والمودة، والأنس والسكن والنسل، وهذا التزاوج بين الحيوانات مصدر التكاثر بينها، وعمارة الكون، وقد أراد الله لهذا الإنسان التكاثر، وللحيوان التكاثر، والقدرة كلها في يده، والملك في يده، وليس له مثيل أو نظير، فهو المالك القادر، والأوثان الأصنام لا تملك شيئا ولا تخلق شيئا، وهو سبحانه مطلع وشاهد، سميع بكل شيء، بصير بكل شيء.
وقريب من ذلك المعنى قوله تعالى :﴿ ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ﴾. ( الروم : ٢١ ).
وقوله تعالى :﴿ والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات... ﴾ ( النحل : ٧٢ ).
قال ابن كثير :
﴿ يذرؤكم فيه... ﴾
يخلقكم فيه، أي في ذلك الخلق على هذه الصفة، ولا يزال يذرؤكم فيه ذكورا وإناثا، خلقا من بعد خلق، وجيلا من بعد جيل، ونسلا من بعد نسل، من الناس والأنعام.
وقال البغوي :
﴿ يذرؤكم فيه... ﴾
أي : في الرحم، وقيل : في البطن، وقيل : في هذا الوجه من الخلقة.
قال مجاهد :
نسلا بعد نسل من الناس والأنعام، وقيل :( في ) بمعنى الباء، أي : يذرؤكم به. اه.
أي : يكثركم بسبب هذا التزاوج بين الذكور والإناث.
إن الحكمة العليا جعلت التزاوج بين الذكر والأنثى وسيلة لإعمار الكون والحياة والسحاب والأمطار.
قال تعالى :﴿ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ﴾. ( الذاريات : ٤٩ ).
وقال عز شأنه عن قصة نوح عليه السلام :﴿ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل ﴾. ( هود : ٤٠ ).
مقاليد السماوات والأرض : مفاتيح خزائنهما، ومن يملك المفاتيح يملك الخزائن.
التفسير :
١٢– ﴿ له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم ﴾.
المقاليد جمع مقلاد، وهو المفتاح، أي : بيد الله مفاتيح خزائن السماوات والأرض من الرزق والهداية والمعونة.
﴿ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ﴾. ( الذاريات : ٥٨ ). وهو يوسع على من يشاء، ويضيق على من يشاء حسب علمه وحكمته، فيجب أن نتجه إليه نحوه وحده لا إلى الأوثان وغيرها.
قال تعالى :﴿ إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيرا بصيرا ﴾. ( الإسراء : ٣٠ ).
وقال سبحانه :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ﴾. ( الشورى : ٢٧ ).
﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ( ١٣ ) وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ ( ١٤ ) فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ( ١٥ ) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ( ١٦ ) ﴾.
المفردات :
شرع لكم من الدين : بين لكم من الدين، وأظهر، وقضى، وأوحى لكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وصى : أمر أمرا لازما.
أقيموا الدين : حافظوا عليه، المراد بالدين : دين الإسلام، وهو توحيد الله تعالى وطاعته، والإيمان برسله واليوم الآخر، وسائر ما يكون به العبد مؤمنا، وقيل : أقيموا الدين، أي : اجعلوا الدين قائما بالمحافظة عليه وتقويم أركانه.
ولا تتفرقوا فيه : لا تختلفوا فيه.
كبر : عظم وشقّ عليهم.
يجتبى : يصطفى.
ينيب : يرجع عن الكفر، ويختار طريق التوحيد والهداية.
التفسير :
١٣- ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ ( ١٣ ) ﴾.
جاءت الأديان كلها من عند الله تدعو إلى الإيمان، وتحث على مكارم الأخلاق، وتحبذ الفضائل، وتحذر من الرذائل، وتفيد هذه الآية ما يأتي :
الله الذي أنزل عليك الوحي يا محمد، وبين لك حقيقة الدين، وكما أوحى إليك أوحى إلى نوح ومن جاء بعده من الرسل، وهو سبحانه الذي أنزل الوحي على إبراهيم وموسى وعيسى، أي رؤساء الأديان الإلهية الكبرى.
﴿ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه... ﴾
أي : اجعلوا الدين قائما بالمحافظة على أركانه، أو آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وأقيموا أحكام الدين ولا تختلفوا فيه.
قال القرطبي :
﴿ أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه... ﴾
المراد : اجعلوا الدين قائما مستمرا محفوظا، من غير خلاف فيه، ولا اضطراب في الأصول التي لا تختلف فيها الشريعة، وهي : التوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج وغيرها، فهذا كله مشروع دينا واحدا، وملة متحدة.
﴿ كبر على المشركين ما تدعوهم إليه... ﴾
عظم على المشركين وشق عليهم، دعوتكم لهم إلى توحيد الخالق سبحانه وتعالى، وفي معنى ذلك قوله تعالى على لسانهم :﴿ أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب ﴾. ( ص : ٥ ).
﴿ الله يجتبي إليه من يشاء ويهدى إليه من ينيب ﴾.
من أطاع الله واختار شريعته ومنهاجه قربه الحق سبحانه إليه، وهداه إلى بابه ما دام قد أناب ورجع إلى الله.
وفي معنى ذلك قوله تعالى :﴿ أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ﴾. ( الزمر : ٢٢ ).
ملحق بتفسير الآية
تفيد هذه الآية تلاقي الديانات في الأصول العامة، وهي : التوحيد، والصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والتقرب إلى الله بصالح الأعمال، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وتحريم الكبر والزنا، وإيذاء الخلق، والاعتداء على الحيوانات، واقتحام الدناءات، وما ينافي المروءات، ونحو ذلك من الكمالات، فهذا كله مشروع دينا واحدا، وملة متحدة، لم يختلف على ألسنة الأنبياء في الأصل ولا في الصورة٤.
جاء في التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر :
والذي ينبغي اعتباره – ولا مجال للشك فيه – أن رسالات الأنبياء جميعا متفقة في أصول العقائد ومطلق العبادات، والأمر بإثبات الفضائل واجتناب الرذائل، وقد تختلف في الفروع أو في بعضها تبعا لتقادم الأزمان، ولمقتضيات الأطوار وتطور أحوال الإنسان، كما تختلف في أسلوب الأداء في رسالة عن رسالة أخرى٥.
بغيا : ظلما وحقدا وعداوة.
لقضى بينهم : باستئصال المبطلين حين تفرقوا.
مريب : مقلق، موغل في الشك.
التفسير :
١٤- ﴿ وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ﴾.
لم يتفرق المتفرقون في الدين ولم يختلفوا فيه، إلا من بعد ما جاءهم العلم من أنبيائهم ومن كتبهم، بالدعوة إلى الوحدة والجماعة، والتحذير من الفرقة والاختلاف، ولكن الأتباع خالفوا هذه التوصيات رغبة في المال والرئاسة ومتع الحياة الدنيا، فآثروا البغي والحسد والتشرذم والاختلاف والتفرق، وقد وعد الله سبحانه بإمهال الناس فترة لعلهم أن يتوبوا ويراجعوا أنفسهم، ولولا رحمته وإمهاله لعاقبهم في الدنيا بما يستحقون.
قال تعالى :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا ﴾. ( فاطر : ٤٥ ).
وقد امتد الخلاف من السابقين إلى اللاحقين.
﴿ وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب ﴾.
الذين ورثوا التوراة والإنجيل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم في شك شديد من كتبهم ؛ لأن فيها تغييرا وتبديلا، أو هم في شك وريب شديد من القرآن الكريم، فعواطفهم مع هذا القرآن، وعقولهم وحرصهم على المراكز ومنازل الدنيا تدعوهم إلى بقائهم في مراكزهم.
وقريب من ذلك قوله تعالى :﴿ فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾. ( الأنعام : ٣٣ ).
وقوله سبحانه :﴿ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا... ﴾ ( النمل : ١٤ ).
يقول الكاتب الأوروبي " ج. ه. دنيسون " في كتابه ( العواطف كأساس للحضارة ) :
" ففي القرنين الخامس والسادس كان العالم المتمدين على شفى جرف هارٍ من الفوضى، لأن العقائد التي كانت تعين على إقامة الحضارة كانت قد انهارت، ولم يك ثم ما يعتد به مما يقوم مقامها، وكان يبدو إذ ذاك أن المدنية الكبرى – التي تكلف بناؤها جهود أربعة آلاف سنة – مشرفة على التفكك والانحلال، وأن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية، إذ القبائل تتحارب ولا تتناحر، لا قانون ولا نظام، أما النظم التي خلفتها المسيحية فكانت تعمل على الفرقة والانهيار، بدلا من الاتحاد والنظام، وكانت المدنية كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله، واقفة تترنح وقد تسرب إليها العطب حتى اللباب.. وبين مظاهر هذا الفساد الشامل ولد الرجل الذي وحد العالم جميعه " ٦. يعني محمدا صلى الله عليه وسلم.
استقم : اثبت على الدعاء كما أوحى إليك.
أهواءهم : ميولهم الفاسدة.
من كتاب : صدّقت بجميع الكتب المنزلة.
لا حجة بيننا وبينكم : لا محاجة ولا خصومة.
التفسير :
١٥- ﴿ فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ولا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ﴾.
قال ابن كثير :
اشتملت هذه الآية الكريمة على عشر كلمات مستقلات، كل منها منفصلة عن التي قبلها، قالوا : ولا نظير لها سوى آية الكرسي، فإنها أيضا عشرة فصول كهذه. اه.
لقد بينت الآيات السابقة اختلاف أهل الكتاب وتفرقهم وشكهم المريب في بقايا الكتب المنزلة.
وتأتي هذه الآية لتوضح للنبي الأمي أن الله قد اختاره على فترة من الرسل ليحمل للبشرية دعوته الجديدة مشتملة على أصول الإيمان والإصلاح واليسر والعدل والإحسان.
﴿ فلذلك فادع واستقم كما أمرت... ﴾
من أجل تفرق أهل الكاتب أو المشركين أمرناك أن تدعو الناس إلى الديانة الجديدة – وهي الإسلام – مستقيما على الجادة كما أمرك الله تعالى.
﴿ ولا تتبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب... ﴾ وهذه الديانة الجديدة تستعلي على أهواء الحاسدين، إنها تؤمن بالكتب السابقة وبالرسل السابقين، وهذه الديانة الجديدة مهيمنة على الرسالات السابقة، والقرآن مهيمن على التوراة والإنجيل، يوضح ما فيهما من حق، ويرشد إلى الدخيل عليهما، ويلاحظ أن السورة مكية، وهذه الآية تفيد عالمية الدعوة الإسلامية، وهيمنتها وعدالة أحكامها.
﴿ وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم... ﴾
إذا احتكمتم إلي فسوف أحكم بالعدل والقسط.
قال تعالى :﴿ وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين ﴾. ( المائدة : ٤٢ ).
﴿ الله ربنا وربكم... ﴾
الأديان كلها من عند الله، وهي ناموس من نواميس الحياة، وكما يخضع الكون والليل والنهار والسماء والأرض والشمس والقمر لأمر الله، كذلك الأديان السماوية كلها من عند الله : الإبراهيمية، واليهودية، والمسيحية، والإسلام. كلها وكتبها ورسلها وأحكامها نازلة من عند الله تعالى، ولكل ملة شرعة ومنهاج، وسيجازي كل فريق بما عمل.
﴿ لنا أعمالنا ولكم أعمالكم... ﴾
فنحن لا نستفيد بحسناتكم، ولا نتضرر بسيئاتكم، وسيلقى كل عامل جزاء عمله.
﴿ لا حجة بيننا وبينكم... ﴾
لا محاجة ولا خصومة ولا جدال بيننا وبينكم، فقد وضح الصبح لذى عينين، فليأخذ كل إنسان طريقه وليتحمل تبعة عمله، وسيأتي الوقت الذي يستبين فيه الحق، ويتضح فيه سبيل الرشاد.
﴿ الله يجمع بيننا وإليه المصير ﴾.
هناك يوم آخر هو يوم الجمع، يجمع الله فيه الأوليين والآخرين، ويصدر الحكم لكل فريق بما يستحقه، والمرجع والمصير إلى الله تعالى.
قال سبحانه :﴿ قل اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون ﴾. ( الزمر : ٤٦ ).
قال في حاشية الجمل :
والغرض أن الحق قد ظهر، والحجج قد قامت، فلم يبق إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدل، والله يفصل بين الخلائق يوم الميعاد، ويجازي كلا بعمله. اه.
يحاجون : يخاصمون في دينه.
استجيب له : استجاب الناس للإسلام ودخلوا فيه.
داحضة : زائلة باطلة.
التفسير :
١٦- ﴿ والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد ﴾.
سبب النزول :
قال ابن عباس ومجاهد :
نزلت في طائفة من بنى إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام، ومحاولة إضلالهم، فقالوا : كتابنا قبل كاتبكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل من دينكم، ونحن أولى بالله تعالى منكم.
ومعنى الآية :
ما زال بعض أهل الكتاب أو المشركين يدافعون عن باطلهم، ويتهمون الإسلام تهما باطلة، ويخيفهم انتشار الإسلام، واستجابة الناس لدعوته، فيتمسكون بحجج واهية، فهم حاقدون حاسدون لما يأتي :
( أ ) جادلوا في دين الله وهو الإسلام بعد أن ظهر نوره، ودخل الناس في دين الله أفواجا، واستجابوا لداعية الإسلام.
( ب ) حجتهم داحضة وباطلة لوضوح الإسلام، وعدالة أحكامه، وسلامة قواعده، وصدق رسوله.
( ج ) عليهم غضب الله وسخطه، لعدولهم عن الحق بعد أن عرفوه، ولهم عذاب شديد في الآخرة.
﴿ اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ( ١٧ ) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ( ١٨ ) اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ ( ١٩ ) مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ ( ٢٠ ) ﴾.
المفردات :
الكتاب : جنس الكتاب، ويراد به الكتب السماوية كلها، أو القرآن.
الميزان : العدل، ويطلق الميزان على العدل لأنه آلته ووسيلته، قال تعالى :﴿ وأنزلنا معهم الكتاب والميزان... ﴾ ( الحديد : ٢٥ ). أي : الشرائع التي هي وسيلة العدل.
وما يدريك : وأي شيء يجعلك عالما داريا ؟
التفسير :
١٧- ﴿ الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب ﴾.
إن الله تعالى هو الذي أنزل الرسل وأنزل الكتب السابقة : التوراة، والإنجيل، وأنزل القرآن الكريم مشتملا على الحق والعدل والتشريع، وأخبار الأمم السابقة، وتفصيل أحوال القيامة.
والمراد بالميزان : العدل والإنصاف.
قال المفسرون :
وسمي العدل ميزانا، لأن الميزان يحصل به العدل والإنصاف، فهو من تسمية الشيء باسم السبب، أو باسم آلته ؛ لأن الميزان آلة الإنصاف والقسط بين الناس في معاملاتهم.
قال تعالى :﴿ لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط... ﴾ ( الحديد : ٢٥ ).
قال سبحانه وتعالى :﴿ والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان * وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ﴾. ( الرحمان : ٧- ٩ ).
وما يعلمك أيها المخاطب لعل وقت الساعة قريب، فإن الواجب على العاقل أن يحذر منها، ويستعد لها، فالموت يأتي بغتة، ومن مات فقد قامت قيامته.
قال الشاعر :
كل امرئ مصبح في بيته | والموت أدنى من شراك نعله |
لا تغترر بشباب ناعم خضل | فكم تقدم قبل الشيب شبان |
مشفقون منها : خائفون منها.
يمارون : يجادلون ويشككون.
التفسير :
١٨- ﴿ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ﴾.
كان الكفار يسألون عن الساعة سؤال مستهزئ مكابر، يتمنى وقوع القيامة ليعرف من هو المصيب، الكافرون أم المؤمنون، وكان كفار مكة يقولون : ليست القيامة تقوم حتى يظهر حال ما نحن عليه، وما عليه محمد وأصحابه، وكان المؤمنون يشفقون من قيام الساعة خوفا من الحساب واستصغارا لحسناتهم، وإعظاما لمواقف القيامة من البعث والحشر والصراط والميزان والحساب، مع يقينهم بأن القيامة حق لا ريب فيها، ومع تمكن اليقين في قلوبهم والثقة بفضل الله وعدله.
﴿ ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ﴾.
إن الذين ينكرون وقوع القيامة، ويستبعدون الحياة بعد الموت في ضلال شديد، لأن الله هو الذي أوجد الإنسان من العدم، وهو الذي خلق السماوات والأرض.
قال تعالى :﴿ كما بدأنا أول خلق نعيده... ﴾ ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وقال تعالى :﴿ وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه... ﴾ ( الروم : ٢٨ ).
وقال تعالى :﴿ أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوّى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى * أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ﴾. ( القيامة : ٣٢-٤٥ ).
لطيف : بليغ البر.
التفسير :
١٩- ﴿ الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز ﴾.
الله تعالى لطيف بعباده، بار بهم تمام البر، مترفق في رعايتهم وإيصال المصالح إليهم، حكيم في عطائه، كريم في إيصال نعمائه إلى العباد، يجري رزقه على من يشاء بما شاء من أنواع الرزق، فيخص كلا من عباده بنوع من البر على ما تقتضيه حكمته ومشيئته، وهو القوي الباهر القدرة، العزيز المنيع الغالب الذي لا يقهر.
قال تعالى :﴿ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ﴾. ( هود : ٦ ).
حرث : الحرث : كسب المال، والحرث : البذر يوضع في الأرض لينبت، ويطلق على الزرع الحاصل منه، وعلى ثمرة الأعمال.
التفسير :
٢٠- ﴿ من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ﴾.
الهدف متعدد في أعمال البشر، فمنهم من يريد بعمله وجه الله ورجاء الثواب في الدار الآخرة، وهذا يضاعف الله له ثواب عمله ويكثر نماءه، ويجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله.
وفي هذا المعنى يقول البني صلى الله عليه وسلم :( إن الصدقة توضع في يد الله تعالى قبل أن توضع في يد السائل، فينميها كما ينمي أحدكم فصيله )٧.
أي : إن الله يبارك في ثواب الصدقة ويزيد ثوابها وهذا أشبه بمستثمر يستثمر ماله في رعاية الغنم والبقر والإبل، وحين يفطم الرضيع يسمى فصيلا لأنه فصل عن أمه، وصار معتمدا على رعاية صاحب المال.
فالله يبارك في ثواب الصدقة ويزيدها أضعافا مضاعفة، كما يزيد ابن الماشية الذي يطعمه صاحب المال ويسقيه، فيتحول في المستقبل من فصيل صغير إلى حيوان قوي مكتمل القوة يسر الناظرين.
﴿ ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ﴾.
ومن كان يعمل للدنيا وحدها وليس له هم في الآخرة : أعطاه الله من الدنيا الرزق الذي كتبه له في الأجل، وليس له حظ من ثواب الآخرة، ولك أن تتصور فضل الله ولطفه في عطائه ورزقه، فالهمة العليا تكون في طلب ثواب الآخرة وجزائها الدائم الموصول، أما الدنيا فعرض حائل يأكل منها البار والفاجر ولا يصل إلى صاحبها إلا ما قدر له.
قال تعالى :﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا ( ١٨ ) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ( ١٩ ) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ( ٢٠ ) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ( ٢١ ) ﴾. ( الإسراء : ١٨-٢١ ).
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٢١ ) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( ٢٢ ) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ( ٢٣ ) ﴾.
تمهيد :
تأتى هذه الآيات في مناقشة المشركين وتبكيتهم على الشرك بأبلغ دليل، فتبدأ بسؤالهم : هل هناك شياطين أو أصنام شرعوا لكم الشرك بالله ؟ إن التشريع بيد الله وحده، وهو لم ينزل ولم يشرع لكم الشرك، فمن أين أتيتم به ؟ ولولا وعد الله بتأجيل العذاب إلى يوم القيامة لقضى بينكم بإنصاف المؤمنين وتعذيب المشركين، وفي يوم القيامة ترى الظالمين مشفقين خائفين من جزاء أعمالهم وظلمهم، وسينزل العذاب بهم خافوا أم صبروا.
بينما المؤمنون نازلون في أعلى منازل الجنة، ولهم كل ما يطلبونه من عند الله، وهذا هو الفضل الكبير، وهذه هي البشرى لهؤلاء المؤمنين وأنا لا أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة، لكنني حريص على هدايتكم، راغب في تحقيق الإيمان لكم لقرابتي منكم، فامنعوا عني أذاكم بسبب هذه القرابة، أو أكرموني في عترتي وأهل بيتي، أو تقربوا إلى الله بطاعته وعبادته، والتقرب إليه بالدخول في دين الإسلام، ومن فعل حسنة ضاعف الله له الثواب فهو غفور شكور.
المفردات :
شركاء : آلهة أو أصنام شرعوا لهم الشرك الذي لم يأذن به الله.
شرعوا : سوّلوا وزينوا.
ما لم يأذن به الله : ما لم يأمر به الله، كالشرك ونحوه.
كلمة الفصل : حكمنا السابق بتأجيل عذابهم.
لقضى بينهم : بهلاك المشركين.
التفسير :
٢١- ﴿ أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾.
الآية تنهى عن الشرك بأبلغ أسلوب وأعلى بيان، فالأصل أن الله تعالى لا يعبد إلا بما شرعه، وقد أنزل الوحي على رسله بإقامة الدين، لكن هؤلاء استمروا على الشرك والكفر والظلم، فهل لهم أصنام وشياطين وأوثان شرعوا لهم الشرك والظلم والسلوك المعوج الذي لم يأذن به الله ولم يأمر به، ولكنهم اتبعوه سيرا وراء أهوائهم وشياطينهم ؟
﴿ ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾.
لولا أن الله تعالى قضى بإمهال عذاب هذه الأمة إلى يوم القيامة، لفصل بين المؤمنين والكافرين، بإنصاف المؤمنين وإنزال العذاب بالمشركين، لكن هناك في الآخرة عذاب أليم ينتظر هؤلاء الظالمين.
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٢١ ) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( ٢٢ ) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ( ٢٣ ) ﴾.
تمهيد :
تأتى هذه الآيات في مناقشة المشركين وتبكيتهم على الشرك بأبلغ دليل، فتبدأ بسؤالهم : هل هناك شياطين أو أصنام شرعوا لكم الشرك بالله ؟ إن التشريع بيد الله وحده، وهو لم ينزل ولم يشرع لكم الشرك، فمن أين أتيتم به ؟ ولولا وعد الله بتأجيل العذاب إلى يوم القيامة لقضى بينكم بإنصاف المؤمنين وتعذيب المشركين، وفي يوم القيامة ترى الظالمين مشفقين خائفين من جزاء أعمالهم وظلمهم، وسينزل العذاب بهم خافوا أم صبروا.
بينما المؤمنون نازلون في أعلى منازل الجنة، ولهم كل ما يطلبونه من عند الله، وهذا هو الفضل الكبير، وهذه هي البشرى لهؤلاء المؤمنين وأنا لا أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة، لكنني حريص على هدايتكم، راغب في تحقيق الإيمان لكم لقرابتي منكم، فامنعوا عني أذاكم بسبب هذه القرابة، أو أكرموني في عترتي وأهل بيتي، أو تقربوا إلى الله بطاعته وعبادته، والتقرب إليه بالدخول في دين الإسلام، ومن فعل حسنة ضاعف الله له الثواب فهو غفور شكور.
المفردات :
مشفقين : خائفين خوفا شديدا من العذاب.
وهو واقع بهم : والعذاب واقع بهم لا محالة.
روضات الجنات : أطيب بقاعها وأعلى منازلها وأنزهها.
التفسير :
٢٢- ﴿ ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ﴾.
في يوم القيامة ترى أمرين مختلفين :
( أ ) الظالمون خائفون مشفقون من أعمالهم التي عملوها، إنها غول يطاردهم يوم القيامة، فطالما استمتعوا بالمعاصي وتلذذوا بالموبقات، وهي الآن شيء فظيع يطاردهم وهم خائفون من عقاب خطاياهم، وسيقع العذاب بهم خافوا أم صبروا.
( ب ) المؤمنون في أعلى منازل الجنة وروضاتها يتمتعون بالثمار والأشجار، وعزف الأوتار، وضيافة الجبار، ولهم ما يشاءون عند ربهم، حيث يكرمهم ويلبي رغباتهم، وهذا هو الفضل الكبير الذي يكافئ الله به المؤمنين، حيث يحل عليهم رضوان الله فلا يسخط عليهم أبدا، وحيث يتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم كما ورد في صحيح مسلم.
وروى الشيخان، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله عز وجل يقول لأهل الجنة : يا أهل الجنة، فيقولون : لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول : هل رضيتم ؟ فيقولون : وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك، فيقول : ألا أعطيكم أفضل من ذلك ؟ فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحل عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدا )٨ ( متفق عليه ).
﴿ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٢١ ) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ ( ٢٢ ) ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ( ٢٣ ) ﴾.
تمهيد :
تأتى هذه الآيات في مناقشة المشركين وتبكيتهم على الشرك بأبلغ دليل، فتبدأ بسؤالهم : هل هناك شياطين أو أصنام شرعوا لكم الشرك بالله ؟ إن التشريع بيد الله وحده، وهو لم ينزل ولم يشرع لكم الشرك، فمن أين أتيتم به ؟ ولولا وعد الله بتأجيل العذاب إلى يوم القيامة لقضى بينكم بإنصاف المؤمنين وتعذيب المشركين، وفي يوم القيامة ترى الظالمين مشفقين خائفين من جزاء أعمالهم وظلمهم، وسينزل العذاب بهم خافوا أم صبروا.
بينما المؤمنون نازلون في أعلى منازل الجنة، ولهم كل ما يطلبونه من عند الله، وهذا هو الفضل الكبير، وهذه هي البشرى لهؤلاء المؤمنين وأنا لا أطلب منكم أجرا على تبليغ الرسالة، لكنني حريص على هدايتكم، راغب في تحقيق الإيمان لكم لقرابتي منكم، فامنعوا عني أذاكم بسبب هذه القرابة، أو أكرموني في عترتي وأهل بيتي، أو تقربوا إلى الله بطاعته وعبادته، والتقرب إليه بالدخول في دين الإسلام، ومن فعل حسنة ضاعف الله له الثواب فهو غفور شكور.
المفردات :
إلا المودة في القربى : لكنني حريص على تبليغ الرسالة لكم لأنكم أهلي وقرابتي، وآمل في إيمانكم، وفي أن تودوني لقرابتي فيكم، فتكفوا عني أذاكم، وتمنعوا عني أذى غيركم.
التفسير :
٢٣- ﴿ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ﴾.
في الآية السابقة قارن الله بين عقوبة الظالمين وبين الفصل الكبير للصالحين في روضات الجنات، وهنا يقول : ذلك الفضل الكبير هو الذي يبشر الله به عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات، حيث يعجل لهم البشرى والأخبار السارة بمنازلهم في الجنة.
ثم يلقن الله تعالى رسوله بأن يتودد إلى قومه من قريش، حيث لم تكن قبيلة من قبائل قريش إلا وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبينها نسب وقرابة، فهو يقول لهم : لا أريد منكم أجرا على تبليغ الرسالة، لكنني حريص على إيمانكم بسبب ما بيني وبينكم من قرابة، فإذا لم تؤمنوا بي كرسول فكفوا أذاكم عني وحافظوا علي حتى أؤدي رسالة الله، بسبب ما بيني وبينكم من قرابة.
وقد أورد ابن كثير طائفة كبيرة من الأحاديث عند تفسيره لهذه الآية، وذكر عدة آراء، كذلك ذكر الطبري وأبو السعود وغيرهما.
وخلاصة هذه الآراء ما يأتي :
( أ ) معناها : إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم مثل : علي وفاطمة وولديهما.
( ب ) لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجرا إلا التقرب والتودد إلى الله تعالى بالعمل الصالح.
( ج ) الرأي الثالث - وهو الذي رجحه الأستاذ سيد قطب في ظلال القرآن - وهو أنه صلى الله عليه وسلم لا يطلب منهم أجرا، إنما تدفعه المودة للقربى، وقد كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة بكل بطن من بطون قريش، ليحاول هدايتهم بما معه من الهدى، ويحقق الخير لهم إرضاء لتلك المودة التي يحملها لهم، وهذا أجره وكفى.
روى البخاري بسنده، عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى :﴿ إلا المودة في القربى... ﴾ فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد. فقال ابن عباس : عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من بطون قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال : إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة.
وعند التأمل نجد أن القرآن لوَّن في أساليب الدعوة إلى الهدى، ومن بينها آصرة الأخوة الإنسانية تارة، والرغبة في مشاركة الناس في الخير الذي يحمله الرسول في دعوته تارة، فلا يستبعد هنا أن يطلب الرسول منهم أن يكفوا أذاهم عنه مراعاة للقرابة، وأن يسمعوا ويلينوا لما يحمله محمد صلى الله عليه وسلم من أسباب الهداية، فيكون هذا هو الأجر الذي يطلبه منهم لا سواه.
﴿ ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا... ﴾
ومن يعمل عملا صالحا، ويتزود بطاعة من الطاعات نضاعف له الثواب، ونزيد الحسنة إلى عشر أمثالها وإلى سبعمائة ضعف، ومن الحسنات المودة في القربى، وروى أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه لشدة محبته لأهل البيت.
﴿ إن الله غفور... ﴾ واسع المغفرة عظيم الستر على عيوب عباده.
﴿ شكور ﴾. عظيم الشكر لمن أطاعه، حيث يوفيه حقه من الجزاء العظيم ويضاعف ثوابه، ألا ما أجلَّ فضل الله، إنه صاحب النعم وصاحب التوفيق والهداية، وصاحب المغفرة والشكر، فيا للفضل الذي يعجز الإنسان عن متابعته، فضلا على شكره وتوفيته.
﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( ٢٤ ) وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ( ٢٥ ) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ( ٢٦ ) ﴾
المفردات :
افترى : اختلق.
يختم على قلبك : يربط عليه بالصبر، وقيل : إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك، لتجترئ بالافتراء عليه، فإنه لا يجترئ على افتراء الكذب على الله إلا من كان في مثل حالهم، وهذه الجملة أبعد في نفي الافتراء عنه، لأن من افترى ختم الله على قلبه، ومحمد صلى الله عليه وسلم يتفضل الله عليه بالوحي صباح مساء، وقيل : يطمس عليه وينسيه فلا يعي.
يمحو : يزيل.
ذات الصدور : حقائقها ودخائلها، فالله سبحانه مطلع على الخفايا، لا يخفى عليه شيء، وسيجازى كل إنسان بما يستحقه.
التفسير :
٢٤- ﴿ أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور ﴾.
هنا يناقش الكفار في أقوالهم فقد ادعوا أن محمدا يفتري على الله الكذب، حيث ينسب القرآن إلى الله مفتريا، وهنا يجيبهم القرآن بأن محمدا لو افترى على الله الكذب لختم على قلبه، ومنعه من القدرة على التحدث بالوحي صباح مساء.
وبما أن الوحي مستمر وعناية الله به مستمرة، فذلك أظهر دليل على أن محمدا صادق غير مفتر.
قال ابن كثير :
وهذا كقوله جل وعلا :﴿ ولو تقول علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين ﴾. ( الحاقة : ٤٤-٤٦ ).
وقال أبو السعود :
والآية استشهاد على بطلان ما قالوا، ببيان أنه عليه السلام لو افترى على الله لمنعه من ذلك قطعا بالختم على قلبه، بحيث لا يخطر بباله معنى من معانيه، ولم ينطق بحرف من حروفه.
وقيل : معنى :﴿ فإن يشأ الله يختم على قلبك... ﴾
أي : يلهمك الصبر والاحتمال واليقين والهدوء.
﴿ ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته... ﴾
ومن سنة الله أن يزيل الباطل فهو يمهل ولا يهمل، ومن سنة الله أن يثبت الحق ببراهينه وآياته.
قال تعالى :﴿ بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق... ﴾ ( الأنبياء : ١٨ ).
﴿ إنه عليم بذات الصدور ﴾.
إنه سبحانه مطلع على خفايا القلوب، فهو يعلم السر وأخفى.
وقال القرطبي : والمراد أنك لو حدثت نفسك أن تفتري الكذب، لعلمه الله وطبع على قلبك.
التوبة : الرجوع عن المعاصي بالندم عليها، والعزم على تركها أبدا.
التفسير :
٢٥- ﴿ وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون ﴾.
فتح الله تعالى أبوابه للتائبين، وهو وحده الذي يملك قبول التوبة ومنح المغفرة.
قال تعالى :﴿ ومن يغفر الذنوب إلا الله... ﴾ ( آل عمران : ١٣٥ ).
ومعنى الآية :
إن الله جلّت قدرته يمتن على عباده بواسع ألطافه، فهو الذي يقبل التوبة من عباده ويغفر الذنوب لمن تاب وأناب، وهو العليم بكل فعل نفعله، فأحرى بنا أن نسارع إلى مرضاته والرجوع إليه، والتوبة من المعاصي والندم عليها، والالتجاء إلى الله.
٢٦- ﴿ ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ﴾.
ويستجيب الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات، إذا دعوا الله استجاب دعاءهم، وزادهم من فضله وكرمه وعطفه وألطافه، فوق ما سألوا واستحقوا ؛ لأنه الجواد الكريم البر الرحيم.
وجعلوا من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم :( أفضل الدعاء الحمد ). ٩
وسئل سفيان عن قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث :( أكبر دعائي ودعاء الأنبياء قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير )١٠. فقال : هذا قوله تعالى في الحديث القدسي :( من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين )١١.
فهو سبحانه قابل التوب، غافر الذنب، صاحب الصفح والعفو، مطلع على القليل والكثير، محاسب على الفتيل والقطمير، وهو سبحانه يستجيب دعاء الصالحين، ويزيدهم فضلا ونعمة، وهو عادل في معاقبة الكافرين بالعذاب الأليم الموجع في دار الجحيم.
قال تعالى :﴿ نبّئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم * وأن عذابي هو العذاب الأليم ﴾. ( الحجر : ٤٩، ٥٠ ).
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
بسط : وسّع وكثّر.
لبغوا : لظلموا وتكبروا وتجاوزوا الحد.
بقدر : بتقدير حكيم.
التفسير :
٢٧- ﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزّل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ﴾.
إن يد القدرة الحكيمة وراء ما نراه في توزيع الأرزاق، فلو كان الناس جميعا أغنياء لاختل التوازن، وانشغل بعضهم بالبغي والطغيان، ولو كان الناس جميعا فقراء لتعطلت مصالح الناس، واشتدت حاجتهم، ومن رحمة الله تعالى بعباده أنه وزع الأرزاق حسب ما تقتضيه حكمته تعالى، فأغنى بعضا وأفقر بعضا، وجعل طائفة وسطا.
قال ابن كثير : لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان، من بعضهم على بعض أشرا وبطرا.
وقال قتادة :
خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك، كما جاء في الحديث القدسي، عن أنس مرفوعا :( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه ).
﴿ ولكن ينزّل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير ﴾.
هو سبحانه صاحب التقدير والعطاء المناسب، فيعطي لكل إنسان ما يراه مناسبا له، فهو مطلع على أحوال عباده، خبير بما يناسبهم، وقد قص القرآن الكريم قصص عدد من المتكبرين المتبطرين من أمثال فرعون وهامان، ومن أمثال قارون الذي حمله الغنى على الزهو والعجب والبطر والاستعلاء في الأرض بالباطل ؛ فخسف الله به وبداره الأرض، عقوبة له على بطره وكبره، وقد يبغي الفقير ولكن ذلك قليل، والبغي مع الغنى أكثر وقوعا.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
الغيث : المطر النافع الذي يغيث الناس بعد الجدب.
قنطوا : يئسوا من نزوله.
رحمته : هي منافع الغيث وآثاره، التي تعم الإنسان والحيوان والنبات والسهل والجبل.
الولي : الذي يتولى عباده بالإحسان.
الحميد : المستحق للحمد على نعمه.
التفسير :
٢٨- ﴿ وهو الذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ﴾.
يمتحن الله الناس بالشر والخير فتنة واختبارا، وقد يطول المَحْلُ ويتأخر المطر حتى ييأس الناس منه، وإذا بفضل الله تعالى يظهر فيسوق السحاب، وينزل المطر، ويأتي الغيث والماء بعد القنوط واليأس، فتخضر الأرض، وتنتشر آثار رحمة الله بعباده حيث ينبت النبات، ويأكل الحيوان الإنسان، ويعم الخير والفضل والرحمة، وهو سبحانه يوالي المؤمنين بالنعم، وهو أهل للحمد والفضل والثناء.
من أسباب النزول :
أخرج الحاكم وصححه، عن علي قال : نزلت هذه الآية في أصحاب الصفة :﴿ ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض... ﴾ ( الشورى : ٢٧ ). وذلك أنهم قالوا : لو أن لنا، فتمنوا الدنيا والغنى.
وقال خباب بن الأرت : فينا نزلت هذه الآية – أي في أهل الصفة - وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة وينب النضير وبني قينقاع فتمنيناها.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
بثّ : نشر وفرّق.
دابة : كل ما يدب على الأرض من إنسان وغيره.
جمعهم : حشرهم بعد البعث للمحاسبة.
عود إلى التفسير :
٢٩- ﴿ ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بثّ فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ﴾.
ومن آيات الله تعالى الدالة على كمال قدرته خلق السماوات وما فيها من أفلاك وأملاك، وكواكب وشموس وأقمار، ونجوم سيارات وغير ذلك، وخلق الأرض وما فيها من بحار وأنهار، وأشجار وجبال، وما بث الله في الأرض من إنسان وحيوان وطيور وزواحف ودواب متعددة، منها ما يمشي على رجلين كالإنسان، ومنها ما يمشي على أربع كالبقر والغنم والإبل، ومنها ما يزحف على بطنه كالثعبان والحيات، وهذه الأرض وهذا الفضاء وهذه السماء، بل هذا الكون كله حافل بأسراب من الطير لا يعلم عددها إلا الله، وأسراب من النحل والنمل وأخواتها لا يحصيها إلا الله، وأسراب من الحشرات والهوامّ والجراثيم لا يعلم مواطنها إلا الله، وأسراب من الأسماك وحيوان البحر لا يطّلع عليها إلا الله، وقطعان من الأنعام والوحش سائمة وشاردة في كل مكان، وقطعان من البشر مبثوثة في الأرض كلها، ومعها خلائق أربى عددا وأخفى مكانا في السماوات من خلق الله.. كلها.. كلها.. يجمعها الله حين يشاء.
فهو سبحانه خالق الكون وما فيه، وهو العالم بكل صغيرة وكبيرة، وبكل ذرة ومثقال حبة فيه، وبأمره يجمع كل هذه المخلوقات بقدرته، وهو على كل شيء قدير.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير ﴾. ( النور : ٤٥ ).
تنبيه :
ذهب بعض الباحثين في آيات القرآن الفلكية والعوالم العلوية إلى احتمال معنى آخر، وهو احتمال أن تكون هناك حياة على سطح المريخ، أو عالم يشبه عالم الأرض على نحو ما، ولا يبعد أن يتخابرا ويجتمعا فكرا، إذا لم يجتمعا جسما١٢.
قال تعالى :﴿ ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ﴾.
وقال تعالى :﴿ يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ﴾. ( الرحمان : ٢٩ ).
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
مصيبة : بلية وشدة.
التفسير :
٣٠- ﴿ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ﴾.
ما أصاب الإنسان في هذه الدنيا من مرض أو حزن أو فقد حبيب، أو أي نوع من أنواع الألم أو الفقر أو الهزيمة، فذلك بسبب إهماله لقانون الحياة وسنة الله في الكون، وقد تكون المصيبة للابتلاء والاختبار، أو لرفع الدرجات، وكثير من الذنوب يسترها الله تعالى على العبد ويعفو عنها، فلا يعاجل صاحبها بالعقوبة.
قال تعالى :﴿ ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة... ﴾ ( فاطر : ٤٥ ).
وفي الحديث الصحيح :( والذي نفسي بيده، ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها )١٣.
وقد تصيب المصائب الأنبياء والصالحين لرفع درجاتهم، أو لحكم أخرى يعلمها الله، وفي الحديث :( أشدكم بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل )١٤.
وقد أمرنا الدين الإسلامي باحتمال المصائب، مع الرضا بالقضاء والقدر، خيره وشره، حلوه ومره، وذكر الصبر في القرآن الكريم في أكثر من سبعين موضعا، كما حث الحديث الشريف المؤمن على الصبر والرضا طمعا في ثواب الله، ورضا بقضائه وقدره.
قال تعالى :﴿ ولنبْلُونّكُمْ بِشيْءٍ مِن الْخوْفِ والْجُوعِ ونقْصٍ مِن الْأمْوالِ والْأنْفُسِ والثّمراتِ وبشِّرِ الصّابِرِين ( ١٥٥ ) الّذِين إِذا أصابتْهُمْ مُصِيبةٌ قالُوا إِنّا لِلّهِ وإِنّا إِليْهِ راجِعُون ( ١٥٦ ) أُولئِك عليْهِمْ صلواتٌ مِنْ ربِّهِمْ ورحْمةٌ وأُولئِك هُمُ الْمُهْتدُون ( ١٥٧ ) ﴾. ( البقرة : ١٥٥-١٥٧ ).
وفي الأثر :( من علامة الإيمان : الشكر على النعماء، والصبر على البأساء، والرضا بأسباب القضاء ) كما جاء في الأثر أيضا :( الإيمان نصفان : نصف صبر، ونصف شكر ).
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
بمعجزين : بجاعلين الله تعالى عاجزا بالهرب منه.
التفسير :
٣١- ﴿ وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير ﴾.
لا يستطيع أي إنسان أن يهرب من عذاب الله، أو يفلت من قضائه، أو يفلت من عقوبة أرادها الله به، وإذا كفر الكافر أو أشرك المشرك فلن يجد وليا يتولاه بالمعونة، أو نصيرا ينصره ضد مولاه وخالقه.
قال في فتح القدير للشوكاني :
﴿ وما أنتم بمعجزين في الأرض... ﴾
أي : بفائتين عليه هربا في الأرض، بل ما قضاه عليهم من المصائب واقع عليهم، نازل بهم.
﴿ وما لكم من دون الله من ولي... ﴾ يواليكم فيمنع ما قضاه الله.
﴿ ولا نصير ﴾ ينصركم من عذاب الله.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
الجواري : السفن الجارية.
الأعلام : واحدها علم، وهو الجبل، قالت الخنساء :
وإن صخرا لتأتم الهداة به | كأنه علم في رأسه نار |
٣٢- ﴿ ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام ﴾.
من دلائل قدرة الله تعالى تسخير هذا الكون لخدمة الإنسان، فالسماء والأرض والفضاء والماء وغيرها، أعدت إعدادا إلهيا لتيسير حياة الإنسان، فالبحر تغرق فيه الأجسام الثقيلة، ثم يلهم الله الإنسان صناعة السفن لتحمل الأثقال والمتاع والتجارة من بلد إلى بلد، فيعم العمران وتنتعش الزراعة والصناعة والتجارة.
قال ابن كثير :
ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه تسخير البحر لتجري فيه الفلك بأمره، ﴿ كالأعلام ﴾. أي : كالجبال، أي هذه في البحر كالجبال في البر.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
رواكد : ثوابت لا تتحرك.
التفسير :
٣٣- ﴿ إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾.
إذا أراد الله أن يسكن الريح لأوقفها، وبذلك تقف السفن عن الحركة، وتتعطل المصالح، وربما فسدت المؤن، إن في ذلك الاختبار والابتلاء لعظة وعبرة لكل صبار على البلايا، شكور على النعم والعطايا، فالإيمان نصفان : نصف صبر، ونصف شكر.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
يوبقهن : يهلكهن، يقال للمجرم : أوبقته ذنوبه، أي : أهلكته.
التفسير :
٣٤- ﴿ أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ﴾.
وإن شاء الله أهلك هذه السفن بسبب ما ارتكب أهلها من معصية أو شرك أو كفر، وهو سبحانه يعاقب على القليل، ويصفح عن الكثير، ويتجاوز عن كثير من الذنوب، فينجى أهلها من الهلاك.
وقال بعض المفسرين :
إن يشأ يرسل الريح عاتية قوية مدمرة، فتضطر السفن أن تحيد عن طريقها، آبقة عن الطريق المرسوم، منصرفة ذات اليمين وذات الشمال، منحرفة لا تسير على طريق ولا إلى جهة، فيهلك من فيها إغراقا بسبب ما كسبوا من الذنوب.
قال ابن كثير :
وهذا القول مناسب للأول، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت، أو لقواها فشردت وأبقت وهلكت، ولكن من لطفه ورحمته أن يرسل الريح بحسب الحاجة، كما يرسل المطر بقدر الكفاية، ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان، أو قليلا لما أنبت الزرع والثمار، حتى إنه يرسل إلى مثل ( بلاد مصر ) سيحا من أرض أخرى غيرها، لأنهم لا يحتاجون إلى مطر، ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم وأسقط جدرانهم١٥.
﴿ وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ( ٢٧ ) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ( ٢٨ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ ( ٢٩ ) وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٠ ) وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ٣١ ) وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِي فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ( ٣٢ ) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ( ٣٣ ) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ ( ٣٤ ) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آَيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ ( ٣٥ ) ﴾
تمهيد :
في هذه الآيات وما بعدها من سورة الشورى نجد عرضا لمظاهر حكمة الله القدير، فهو سبحانه حكيم في إنزال الرزق، ولو كان الناس جميعا أغنياء لفسدت الأرض، ولحملهم الغنى على البغي والطغيان.
ومن حكمته أن يكون بعض الناس أغنياء، معهم المال وهم في حاجة إلى خدمات الفقراء، وأن يكون بعض الناس فقراء، عندهم القدرة على العمل، وهم في حاجة إلى مال الأغنياء.
وبيد الله العلي القدير إنزال المطر، وإنبات النبات، وهو خالق السماوات والأرض، وقد بث في الكون الأملاك والأفلاك، والإنس والجن، والطير والنمل والحيوانات، وأبدع الخلق، وهو مبدع الكون في الدنيا، وجامع الناس يوم القيامة، وهو يعاقب المسيئين بعض العقوبات في الدنيا لتكفير السيئات أو لرفع الدرجات، والجميع في قبضة الله تعالى وقدرته.
وهو سبحانه مسخر الكون، سخر الريح والهواء، والماء والسفن الجارية مع قدرته على إيقاف الهواء فتقف السفن راكدة، وفي قدرته أن يرسل الرياح العاصفة فتغرق السفن، إن جميع ما في الكون خاضع لمشيئته، مسخر بقدرته تعالى.
المفردات :
ما لهم من محيص : ما لهم من مهرب ولا مخلص من العذاب.
التفسير :
٣٥- ﴿ ويعلم الذين يجادلون في آياتنا ما لهم من محيص ﴾.
إذا كانوا في يد القدرة التي إن شاءت أمسكت الريح، وإن شاءت أرسلت الريح عاتية قوية، تجعل السفينة كالريشة في مهب الرياح، حتى يعلم الذين يجادلون في آيات الله بالباطل، فينكرون الألوهية، أو يشككون في دين الله وربوبيته أنهم مقهورون مربوبون، ما لهم من ملجأ ولا مهرب من قدرة الله القدير.
قال القرطبي :
أي : ليعلم الكفار إذا توسطوا في البحر، وغشيتهم الرياح من كل مكان، أنه لا ملجأ لهم سوى الله، ولا دافع لهم إن أراد الله إهلاكهم، فيخلصوا له العبادة.
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
فما أوتيتم من شيء : فما أعطيتم من أثاث الدنيا وزينتها.
فمتاع الحياة الدنيا : يتمتع به فيها ثم يزول.
وعلى ربهم يتوكلون : وعلى الله وحده يعتمدون.
التفسير :
٣٦- ﴿ فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ﴾.
مهما أوتيتم من أموال أو نعيم أو أثاث أو رياش أو أي شأن من شئون الدنيا ؛ فذلك متاع زائل، وأما ما قدمه الإنسان للآخرة من صدقة أو زكاة أو صلاة أو جهاد، أو صلة رحم أو عمل خير ؛ فذلك أبقى وأفضل لمن آمن بالله، واستمر في التوكل عليه، والتوكل هو الاعتماد على الله بعد الأخذ بالأسباب.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
كبائر الإثم : كبائر الذنوب، وقرئ :( كبير الإثم ).
الفواحش : ما عظم قبحه من الذنوب كالزنا.
التفسير :
٣٧- ﴿ والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾.
هذه الآية مكملة لصفات الذين آمنوا في الآية السابقة، أي : ومن صفات الذين آمنوا أنهم يبتعدون عن كبائر الذنوب، مثل : الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والزنا، والربا، والقتل، والسحر، وتطلق الفواحش على كل ما عظم قبحه وفحش أمره.
قال ابن عباس :
﴿ الفواحش ﴾. يعني الزنا، أي : هم مبتعدون عن كل ما يغضب الله، خصوصا كبائر الذنوب.
سئل بعضهم عن التقوى فقال :( ألا يراك الله حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك ).
﴿ وإذا ما غضبوا هم يغفرون ﴾.
ومن شأنهم ألا يستبد بهم الغضب فيخرجهم عن حد الاعتدال، بل إذا غضبوا غفروا لمن أغضبهم تمسكا بآداب الدين.
ذكر أبو حامد الغزالي في كتاب ( إحياء علوم الدين ) أبواب المهلكات، ومنها : الحقد، والحسد، والضغينة، والكبر، والغضب، وبين أن الغضب سبع مفترس يجعل الإنسان لعبة في يد الشيطان، لأن الإنسان إذا سكر وإذا غضب ؛ ضعفت سيطرته على عقله، وأصبح فريسة لهواه، فيفعل ما يندم على فعله.
ومن علاج الغضب تذكّر هوان الدنيا، وأنها لا تزن جناح بعوضة، والغضب وسيلة إلى أمراض متعددة مثل تصلب الشرايين، والضغط المرتفع، والسكر، وعلاج ذلك محاولة الهدوء والاتزان والرضا والإيمان.
وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله١٦.
وفي الحديث النبوي يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ثلاث أقسم عليهن : ما نقص مال من صدقة، وما تواضع أحد لله إلا رفعه، وما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا فاعفوا يعزكم الله )١٧.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
استجابوا لربهم : أجابوه إلى ما دعاهم إليه من التوحيد والعبادة.
وأمرهم شورى بينهم : شأنهم التشاور ومراجعة الآراء في أمورهم.
التفسير :
٣٨- ﴿ والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ﴾.
والذين استجابوا لأمر الله تعالى ودخلوا في دين الإسلام.
﴿ وأقاموا الصلاة... ﴾ وحافظوا على إقامة الصلاة في أوقاتها، وخص الصلاة بالذكر لأنها أعظم أركان الإسلام، وهي صلة بين العبد وربه، وهي عماد الدين، من أقامها كان حريا أن يقيم أمور الدين، ومن هدمها كان حريا أن يهدم الدين.
﴿ وأمرهم شورى بينهم... ﴾ أي : هم ملتزمون بالشورى في الأمور العامة كالحرب وشئون الدولة، والشئون الخاصة كنظام الأسرة وما يتصل بشئون الجماعات والأفراد، وقد حث القرآن على الشورى ومدحها، وسمى هذه السورة المكية باسم ( الشورى ) كما ذكر الشورى في سورة ( آل عمران ) وهي سورة مدنية.
قال تعالى :﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾. ( آل عمران : ١٥٩ ).
وأخرج عبد بن حميد، والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر، عن الحسن قال : ما تشاور قوم قط إلا هدوا لأرشد أمرهم، ثم تلا :﴿ وأمرهم شورى بينهم... ﴾
ولقد كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس مشورة لأصحابه، فقد استشارهم عند الخروج لغزوة بدر ولغزوة أحد، وفي غزوة الأحزاب عمل بمشورة الأنصار، وتراجع عن إعطاء هوازن ثلث ثمار المدينة عندما قالت الأنصار : لا نعطيهم إلا السيف، وكان الخلفاء الراشدون يحرصون على الشورى خصوصا ما لا نص فيه، مثل كتابة المصحف، وحروب الردة، وعدم توزيع أرض السواد بالعراق على الفاتحين، وتضمين العمال إذا أتلفوا ما بأيديهم لشدة حاجة الناس إليهم، وكتابة الحديث النبوي الشريف في عهد خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز، وغير ذلك.
﴿ ومما رزقناهم ينفقون ﴾.
أي : ينفقون مما أعطاهم الله من المال أو العلم أو الجاه، بإخراج الزكاة أو الصدقة أو الإحسان إلى خلق الله.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
البغي : الظلم والعدوان.
ينتصرون : ينتقمون بمثل ما عوقبوا به.
التفسير :
٣٩- ﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾.
كانوا ينفرون من الضيم والذل والاستكانة.
قال النخعي : كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم، فيجترئ عليهم الفساق.
وقد ورد عن عمر رضي الله عنه : من استغضب ولم يغضب فهو حمار.
والمؤمن كريم على نفسه وعلى ربه، حيث قال تعالى :﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين... ﴾ ( المنافقون : ٨ ).
فالإنسان المتزن يعرف متى يصفح، ومتى ينتصر وينتقم، فهو أمام الذليل الضعيف يعفو عفو القادر، وأما الباغي المعتدي ينتصر وينتقم، كما يشير إلى ذلك قول الشاعر :
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته | وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا |
فوضع الندى في موضع السيف بالعلا | مضر كوضع السيف في موضع الندى |
قال شوقي :
وإذا عفوت فقادر ومقدر | لا يستهين بعفوك الضعفاء |
وإذا خطبت فللمنابر هزة | تعرو الندى وللقلوب بكاء |
وإذا سخوت بلغت بالجود المدى | وفعلت ما لا تفعل الأنواء |
وإذا رحمت فأنت أم أو أب | هذان في الدنيا هما الرحماء |
وإذا مشيت إلى العدا فغضنفر | وإذا غضبت فإنك النكباء |
وإذا أخذت العهد أو أعطيته | فجميع عهدك ذمة ووفاء |
قال الزمخشري عند تفسيره قوله تعالى :﴿ والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون ﴾.
فإن قلت : أهم محمودون على الانتصار ؟ قلت : نعم، لأن من أخذ حقه غير متعد حد الله وما أمر به، فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم، أو رد على سفيه محاماة عن عرضه وردعا له، فهو مطيع، وكل مطيع محمود. اه.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
سيئة : الخطيئة والذنب.
سيئة مثلها : سميت مقابلة السيئة سيئة ؛ لمشابهتها لها في الصورة.
عفا : صفح عمن أساء إليه.
فأجره على الله : فثوابه على الله.
لا يحب الظالمين : يكره ويبغض المعتدين.
التفسير :
٤٠- ﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ﴾.
هذا هو الحكم الشرعي، عقوبة السيئ بما شرعه الله من عقوبة مماثلة لجرمه، وسمى الجزاء سيئة لأنها تسوء من تنزل به، أو مماثلة لما قبلها، وهذا القصاص عدل.
قال تعالى :﴿ والجروح قصاص... ﴾ ( المائدة : ٤٥ ). وقال سبحانه :﴿ ولكم في القصاص حياة... ﴾ ( البقرة : ١٧٩ ).
وقال سبحانه :﴿ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم... ﴾ ( البقرة : ١٩٤ ).
وقال سبحانه :﴿ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ﴾. ( النحل : ١٢٦ ).
ومن ذلك ترى وسطية القرآن، وحسن تشريعه، فقد شرع العقوبة ردعا للفساق والمتجبرين والمستهترين، ثم شرع العفو والصفح للنادمين والمخطئين الذي تابوا من خطئهم، فقال سبحانه :﴿ فمن عفا وأصلح فأجره على الله... ﴾ أي : من عفا عمن أساء إليه وأصلح ما بينه وبين المسيء أو المعتدي فقد أحسن في الدنيا، وثوابه عظيم عند الله يوم القيامة، وفي الحديث الشريف :( ما زاد الله عبدا يعفو إلا عزا )١٨ رواه أحمد، ومسلم، والترمذي، عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي الأثر : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من قبل الله تعالى : من كان أجره على الله فليقم، فلا يقوم إلا من عفا، فذلك قوله تعالى :﴿ وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله... ﴾
وقد وصف الله المتقين بقوله تعالى :﴿ الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ﴾. ( آل عمران : ١٣٤ ).
﴿ إنه لا يحب الظالمين ﴾.
أي : إنه تعالى لا يحب المبتدئين بالظلم، ولا يحب من يتعدى في الاقتصاص، ويجاوز الحد فيه، لأن المجاوزة ظلم، والمراد أنه تعالى يعاقب المتجاوز حده، وهذا تأكيد لمطلع الآية في اشتراط المماثلة نوعا ومقدارا.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
ولمن انتصر بعد ظلمه : انتصر لنفسه بعدما ظلم.
سبيل : معاتبة ولوم ومؤاخذة.
التفسير :
٤١- ﴿ ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ﴾.
من أخذ حقه ممن ظلمه فلا لوم عليه ولا عتاب، فقد شرع الله القصاص في الجنايات العمدية، والضمان في جنايات الخطأ والائتلافات، ويجوز الشتم والسب بالمثل دون اعتداء ولا تجاوز.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
التفسير :
٤٢- ﴿ إنما السبيل على الذين يظلمون ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ﴾.
إنما اللوم والعتاب والإثم على الذين يظلمون الناس بالبغي والعدوان في الأرض بغير الحق، ومثل ذلك اللصوص والزناة والغاصبون، وأيضا كفار مكة الذين ظلموا المسلمين وأخرجوهم من ديارهم، وظاهروا على إخراجهم بالبغي والعدوان.
﴿ أولئك لهم عذاب أليم ﴾.
أعده الله للظالمين المعتدين، أيا كانوا سابقين أو لاحقين، كما أعده لكفار مكة حين ظلموا المسلمين واعتدوا عليهم وفرضوا الشرك على الضعفاء منهم.
وفي الحديث القدسي يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( يقول الله عز وجل : يا عبادي، إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا )١٩.
وجاء في الحديث الصحيح :( المستبَّان ما قالا فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم )٢٠.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ( ٣٦ ) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ ( ٣٧ ) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ( ٣٨ ) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ( ٣٩ ) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ( ٤٠ ) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤١ ) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ٤٢ ) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ( ٤٣ ) ﴾
تمهيد :
هذه آيات في صفات المؤمنين، وفي تفضيل الآخرة على الدنيا، فالدنيا متاع زائل، والآخرة نعيم مقيم للمؤمنين المتوكلين على الله، ثم ذكر من صفاتهم ما يأتي :
١- البعد عن الفواحش والكبائر، مثل : القتل، والزنا، وشرب الخمر، واليمين الغموس، والسحر، وأكل الربا، وعقوق الوالدين.
٢- العفو والصفح عند الغضب.
٣- الاستجابة لأمر الله، بطاعته والبعد عن معصيته.
٤- التمسك بالشورى في مهام شئون الدولة، ومهام الأسر والأفراد.
٥- إخراج الزكاة والصدقة.
٦- رد العدوان والانتصار من المعتدي.
٧- قررت الآيات ( ٤٠-٤٣ ) من سورة الشورى مبدأ عقوبة المعتدي، سواء أكان عامدا أم مخطئا، وهناك العدل وهو مقابلة السيئة بالسيئة خصوصا مع الفساق والظلمة، وهناك الفضل وهو الصفح والعفو، وكررت الآيات الأمر بالصبر والعفو.
ولا تناقض بين هذه الأوامر، لأن الأمر في جملته يحتاج إلى الحكمة والبصيرة، فالقصاص في مواطنه حكمة، والصبر في مواطنه حكمة، ولكل فئة ما يناسبها، فيناسب المعتدي المخطئ التائب المستجير العفو والصفح، ويناسب المتغطرس المستهتر القصاص أو العقوبة.
المفردات :
صبر : سكت وحبس نفسه عن الانتصار لنفسه.
لمن عزم الأمور : لمن الأمور المعزومة، أي : المؤكدة، والمراد : أنها من الأمور المطلوبة شرعا.
التفسير :
٤٣- ﴿ ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ﴾.
تأتي هذه الآية في ختام صفات المؤمنين، محرضة على الصبر والعفو التسامح، مبينة أن الصبر والمغفرة من عزم الأمور، أي من الأمور الأساسية في هذا الدين، وهذه الآية تتكامل مع ما قبلها، فالأساس هو صبر المؤمن وعفوه عن إخوانه وتواضعه، وتفويضه الأمر لله واحتساب ثوابه عند الله، وقوله :﴿ حسبنا الله ونعم الوكيل ﴾. ( آل عمران : ١٧٣ ).
أو قوله تعالى :﴿ وأفوّض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ﴾. ( غافر : ٤٤ ).
ويجوز الدعاء على الظالم بمثل هذه الآيات انتصافا للحق، وتفويضا للأمر على الله ليأخذ للمظلوم من الظالم، وعند اعتداء الكافرين على المسلمين أو قيام الظلمة الباغين بالظلم، فقد شرع الله الانتصاف للمظلومين، فلا لوم ولا عتاب على من انتصر بعد ظلمه.
ثم هم متوازنون معتدلون، فبالنسبة للفسّاق والظلمة يقابلون السيئة بالسيئة، وبالنسبة للمتقين والضعفاء يقبلون السيئة بالعفو والصفح، والأمر كله في ذلك محتاج إلى الحكمة وحسن التصرف، واختيار الأنسب في المعاملة، فمن الناس من تناسبه المعاتبة، ومنهم من تناسبه المعاقبة، ومنهم من يأسره ويغلبه الصفح والعفو، وفي مثل هؤلاء قال تعالى :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظ عظيم ﴾. ( فصلت : ٣٤، ٣٥ ).
﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٤ ) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ( ٤٥ ) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٦ ) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ( ٤٧ ) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ( ٤٨ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات مشهد الظالمين يوم القيامة حين رأوا العذاب وشدته وهوله، وتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا، وظلوا بلا جواب ولا تحقيق لأمنيتهم، وتراهم- يا كلّ من تتأتى منه الرؤية- أذلاء خاضعين بسبب الذل والمهانة وخوف العذاب، ينظرون إلى النار مسارقة خوفا منها ومن عذابها، وعندئذ يقول الذين آمنوا : إن الخاسرين خسرانا حقيقيا هم الذين خسروا أنفسهم حيث أوردوها جهنم، وخسروا أهليهم حيث تسببوا في دخولهم النار فانشغل كل واحد من أهل النار بنفسه، وبالعذاب الذي يتلقاه، ولم يلق أهل النار أولياء ولا نصراء ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، ومن أضله الله فليس له طريق إلى النجاة أو الفوز يسلكه.
المفردات :
ومن يضلل الله : ومن يخذله الله لأنه ضل الطريق لسوء اختياره.
من ولي من بعده : من ناصر يتولاه بعد خذلان الله إياه.
هل إلى مرد : هل إلى رجعة إلى الدنيا.
من سبيل : من طريق.
التفسير :
٤٤- ﴿ ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل ﴾.
من يضلله -حسب سنته في الإضلال- فلن يجد وليا ولا نصيرا يهديه إلى الرشاد، وترى الظالمين الذين ظلموا عباد الله في الدنيا، وظلموا أنفسهم بالكفر والشرك والجبروت والتكبر، هؤلاء حين يشاهدون عذاب جهنم يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا ينجيهم من عذاب النار.
﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٤ ) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ( ٤٥ ) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٦ ) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ( ٤٧ ) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ( ٤٨ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات مشهد الظالمين يوم القيامة حين رأوا العذاب وشدته وهوله، وتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا، وظلوا بلا جواب ولا تحقيق لأمنيتهم، وتراهم- يا كلّ من تتأتى منه الرؤية- أذلاء خاضعين بسبب الذل والمهانة وخوف العذاب، ينظرون إلى النار مسارقة خوفا منها ومن عذابها، وعندئذ يقول الذين آمنوا : إن الخاسرين خسرانا حقيقيا هم الذين خسروا أنفسهم حيث أوردوها جهنم، وخسروا أهليهم حيث تسببوا في دخولهم النار فانشغل كل واحد من أهل النار بنفسه، وبالعذاب الذي يتلقاه، ولم يلق أهل النار أولياء ولا نصراء ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، ومن أضله الله فليس له طريق إلى النجاة أو الفوز يسلكه.
المفردات :
يعرضون عليها : على النار.
خاشعين من الذل : خاضعين متضائلين بسبب الذل.
ينظرون من طرف خفي : ينظرون إلى النار مسارقة خوفا منها، كما ينظر المحكوم عليه لآلة التنفيذ.
الذين خسروا أنفسهم : بالتعرض للعذاب الخالد.
وأهليهم : وخسروا أهليهم بالتفريق بينهم.
مقيم : سرمدي دائم.
التفسير :
٤٥- ﴿ وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم ﴾.
وترى هؤلاء الظالمين يعرضون على النار أذلاء مقهورين متضائلين، خاشعين خاضعين بسبب الذل والمهانة، لا بسبب التواضع والكرامة، ينظرون إلى النار بعين غضيضة مقفلة إلا قليلا، بسبب الحذر والرهبة، كما ينظر من حكم عليه بالإعدام إلى آلة التنفيذ، لقد انهار كل أمل، وظهر الظالمون المتكبرون في الدنيا أذلاء متضعضعين، لا تقوى عيونهم على استكمال فتحتها، بل ينظرون بطرف غضيض، والعرب تعبر بالطرف الغضيض كناية عن الذل والمهانة.
قال الشاعر :
فغض الطرف إنك من نمير | فلا كعبا بلغت ولا كلابا |
﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٤ ) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ( ٤٥ ) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٦ ) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ( ٤٧ ) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ( ٤٨ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات مشهد الظالمين يوم القيامة حين رأوا العذاب وشدته وهوله، وتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا، وظلوا بلا جواب ولا تحقيق لأمنيتهم، وتراهم- يا كلّ من تتأتى منه الرؤية- أذلاء خاضعين بسبب الذل والمهانة وخوف العذاب، ينظرون إلى النار مسارقة خوفا منها ومن عذابها، وعندئذ يقول الذين آمنوا : إن الخاسرين خسرانا حقيقيا هم الذين خسروا أنفسهم حيث أوردوها جهنم، وخسروا أهليهم حيث تسببوا في دخولهم النار فانشغل كل واحد من أهل النار بنفسه، وبالعذاب الذي يتلقاه، ولم يلق أهل النار أولياء ولا نصراء ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، ومن أضله الله فليس له طريق إلى النجاة أو الفوز يسلكه.
المفردات :
أولياء : نصراء أو أولياء أمره.
من سبيل : من طريق إلى الهدى.
التفسير :
٤٦- ﴿ وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل ﴾.
ليس لهم من غير الله أعوان وأنصار ينقذونهم مما هم فيه من العذاب، وليس للأصنام التي عبدوها بقصد الشفاعة لهم عند الله أي مجال في الشفاعة.
﴿ ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ﴾. ( غافر : ١٨ ).
ومن أضله الله وخذله فلا طريق له يصل به إلى الحق في الدنيا، وإلى الجنة في الآخرة، لانسداد طريق النجاة عليه فقد غلبته شهواته، وأعمته ضلالاته عن رؤية النور والهدى.
قال تعالى :﴿ أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ﴾. ( الجاثية : ٢٣ ).
﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٤ ) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ( ٤٥ ) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٦ ) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ( ٤٧ ) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ( ٤٨ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات مشهد الظالمين يوم القيامة حين رأوا العذاب وشدته وهوله، وتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا، وظلوا بلا جواب ولا تحقيق لأمنيتهم، وتراهم- يا كلّ من تتأتى منه الرؤية- أذلاء خاضعين بسبب الذل والمهانة وخوف العذاب، ينظرون إلى النار مسارقة خوفا منها ومن عذابها، وعندئذ يقول الذين آمنوا : إن الخاسرين خسرانا حقيقيا هم الذين خسروا أنفسهم حيث أوردوها جهنم، وخسروا أهليهم حيث تسببوا في دخولهم النار فانشغل كل واحد من أهل النار بنفسه، وبالعذاب الذي يتلقاه، ولم يلق أهل النار أولياء ولا نصراء ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، ومن أضله الله فليس له طريق إلى النجاة أو الفوز يسلكه.
المفردات :
استجيبوا لربكم : سارعوا إلى إجابته بالتوحيد والعبادة.
لا مرد له من الله : لا يرده الله بعد إذ أتى به.
نكير : إنكار لما اقترفتموه من الذنوب، أو منكر لعذابكم.
التفسير :
٤٧- ﴿ استجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله ما لكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير ﴾.
استجيبوا لأمر الله تعالى وهدى رسله، بالإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، من قبل أن يأتي يوم -وهو يوم القيامة- لا يستطيع أحد أن يدفعه أو يمنع حصوله، فإنه يأتي كلمح البصر، ولا تستطيع قوة في الأرض ولا في السماء أن تمنع ما أراده الله، وفي ذلك اليوم لا يستطيع أحد أن يتحصن بحصن، أو يختبئ في مكان، أو يتنكر ويستتر فيغيب عن بصره تعالى، فهو سبحانه محيط بالجميع، والكل تحت سمعه وبصره، ولا ملجأ منه إلا إليه.
قال أبو السعود :
﴿ وما لكم من نكير ﴾.
أي : ما لكم إنكار لما اقترفتموه لأنه مدون في صحائف أعمالكم وتشهد عليه جوارحكم. اه.
وقيل :﴿ وما لكم من نكير ﴾.
أي : وليس لكم منكر ينكر ما ينزل بكم من العذاب.
﴿ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٤ ) وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ ( ٤٥ ) وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ ( ٤٦ ) اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ ( ٤٧ ) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ( ٤٨ ) ﴾
تمهيد :
تصف الآيات مشهد الظالمين يوم القيامة حين رأوا العذاب وشدته وهوله، وتمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا، وظلوا بلا جواب ولا تحقيق لأمنيتهم، وتراهم- يا كلّ من تتأتى منه الرؤية- أذلاء خاضعين بسبب الذل والمهانة وخوف العذاب، ينظرون إلى النار مسارقة خوفا منها ومن عذابها، وعندئذ يقول الذين آمنوا : إن الخاسرين خسرانا حقيقيا هم الذين خسروا أنفسهم حيث أوردوها جهنم، وخسروا أهليهم حيث تسببوا في دخولهم النار فانشغل كل واحد من أهل النار بنفسه، وبالعذاب الذي يتلقاه، ولم يلق أهل النار أولياء ولا نصراء ينصرونهم ويمنعونهم من عذاب الله، ومن أضله الله فليس له طريق إلى النجاة أو الفوز يسلكه.
المفردات :
حفيظا : رقيبا أو محاسبا.
إن عليك : ما عليك.
إلا البلاغ : إلا التبليغ.
التفسير :
٤٨- ﴿ فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ﴾.
تأتي هذه الآية تسلية ومواساة للنبي صلى الله عليه وسلم، أي : إن أعرض أهل مكة عن دعوتك ولم يؤمنوا برسالتك فقد أدّيت واجبك، ولست حفيظا عليهم، ولا مسئولا عن إيمانهم، ما عليك إلا تبليغ الدعوة إليهم، وتركهم أحرارا يختارون ما يشاءون.
قال تعالى :﴿ فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر ﴾. ( الغاشية : ٢١، ٢٢ ).
وقال سبحانه :﴿ ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء... ﴾ ( البقرة : ٢٧٢ ).
ومن طبيعة الإنسان أنه إذا جاءت إليه النعمة فرح بها، فهو يسعد بالنعمة كالصحة والغنى والأمن ويستبشر بها، وإذا نزل به المرض أو الفقر أو أي مصيبة بسبب سلوكه ومعاصيه، فإن الجزع والهلع ينزل بساحته، وكذلك الكفر والجحود، إلا من ألهمه الله الصواب.
قال تعالى :﴿ إن الإنسان خلق هلوعا * إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا * إلا المصلين ﴾. ( المعارج : ١٩-٢٢ ).
إن ذلك بسبب عدم الإيمان، وعدم صدق اليقين، وعظم شأن الدنيا عند الإنسان، فإذا جاءت النعمة فرح بها كثيرا، وما علم أن الدنيا كلها عارية وكل ما فيها مردود، وأن الحياة الحقيقية هي حياة الآخرة ففيها النعيم الدائم، وإذا نزلت بساحة الإنسان المصائب بسبب سلوكه اشتد به الحزن والهلع والكفر والجحود، بخلاف المؤمن فإنه صابر على البلاء، شاكر لله على النعماء.
قال صلى الله عليه وسلم :( عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن )٢١.
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ( ٤٩ ) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ( ٥٠ ) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ٥١ ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( ٥٣ ) ﴾
تمهيد :
في ختام سورة ( الشورى ) نجد عددا من أنعم الله على عباده، فهو المتفضل بحكمته في العطاء، فمن الناس من تكون ذريته إناثا فقط، مثل لوط وشعيب عليهما السلام، ومنهم من تكون ذريته ذكورا فقط، مثل إبراهيم عليه السلام، ومنهم من يرزقه ذكورا وإناثا، مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يكون عقيما لا ولد له مثل يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو سبحانه حكيم في توزيعه، عليم بما يناسب عباده، قدير على كل شيء.
ومن أفضاله العظمى التفضل على عباده بالوحي، بمعنى الإلهام، كما في الرؤيا المنامية، والمعنى يقذفه في قلب الأنبياء أو الأولياء، أو يكلم الرسول من وراء حجاب كما حدث لموسى عليه السلام، وكما حدث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، أو يرسل جبريل بالوحي الجلي كما حدث في نزول جبريل بوحي القرآن الكريم كله من أول القرآن إلى آخره، ويسمى الوحي الجلي، والقرآن كله نزل بهذا النوع، والقرآن نور وروح وهداية إلى صراط الله المستقيم، وبيد الله وحده مصائر العباد في الدنيا والآخرة.
التفسير :
٤٩- ﴿ لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ﴾.
الملك لله وحده، هو سبحانه له ملك السماوات والأرض، والخلق والعطاء، والمال والذرية منه سبحانه، فهو يهب لبعض الناس إناثا فقط، ويعطي بعض الناس ذكورا فقط.
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ( ٤٩ ) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ( ٥٠ ) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ٥١ ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( ٥٣ ) ﴾
تمهيد :
في ختام سورة ( الشورى ) نجد عددا من أنعم الله على عباده، فهو المتفضل بحكمته في العطاء، فمن الناس من تكون ذريته إناثا فقط، مثل لوط وشعيب عليهما السلام، ومنهم من تكون ذريته ذكورا فقط، مثل إبراهيم عليه السلام، ومنهم من يرزقه ذكورا وإناثا، مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يكون عقيما لا ولد له مثل يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو سبحانه حكيم في توزيعه، عليم بما يناسب عباده، قدير على كل شيء.
ومن أفضاله العظمى التفضل على عباده بالوحي، بمعنى الإلهام، كما في الرؤيا المنامية، والمعنى يقذفه في قلب الأنبياء أو الأولياء، أو يكلم الرسول من وراء حجاب كما حدث لموسى عليه السلام، وكما حدث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، أو يرسل جبريل بالوحي الجلي كما حدث في نزول جبريل بوحي القرآن الكريم كله من أول القرآن إلى آخره، ويسمى الوحي الجلي، والقرآن كله نزل بهذا النوع، والقرآن نور وروح وهداية إلى صراط الله المستقيم، وبيد الله وحده مصائر العباد في الدنيا والآخرة.
المفردات :
أو يزوجهم : أو يجعلهم زوجين، ذكرا وأنثى.
عقيما : لا تلد، يقال : عقمت المرأة، تعقم عقما، أي : صارت عاقرا.
التفسير :
٥٠- ﴿ أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ﴾.
ويتفضل سبحانه على بعض عباده فيعطيهم من الزوجين، أي من الذكور والإناث، فقد كان للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ذكور وإناث، كان له : القاسم، والطيب ويلقب بالطاهر، وعبد الله، وإبراهيم، وكان له : فاطمة، ورقية، وزينب، وأم كلثوم، وكلهم من أم واحدة هي خديجة، ما عدا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس عظيم القبط بمصر، ولحكمة عليا يجعل الله بعض الرجال عقيما لا ولد له، وبعض النساء عقيما لا ولد لها.
قال ابن كثير :
جعل الله تعالى الناس أربعة أقسام : منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه النوعين الذكور والإناث، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لانسل له ولا ولد، فسبحان العليم القدير.
وقال البيضاوي :
والمعنى : يجعل أحوال العباد في الأولاد مختلفة على مقتضى المشيئة، فيهب لبعض إما صنفا واحدا من ذكر أو أنثى أو الصنفين جميعا، ويعقم آخرين، والمراد من الآية بيان نفاذ قدرته تعالى في الكائنات كيف يشاء.
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ( ٤٩ ) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ( ٥٠ ) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ٥١ ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( ٥٣ ) ﴾
تمهيد :
في ختام سورة ( الشورى ) نجد عددا من أنعم الله على عباده، فهو المتفضل بحكمته في العطاء، فمن الناس من تكون ذريته إناثا فقط، مثل لوط وشعيب عليهما السلام، ومنهم من تكون ذريته ذكورا فقط، مثل إبراهيم عليه السلام، ومنهم من يرزقه ذكورا وإناثا، مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يكون عقيما لا ولد له مثل يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو سبحانه حكيم في توزيعه، عليم بما يناسب عباده، قدير على كل شيء.
ومن أفضاله العظمى التفضل على عباده بالوحي، بمعنى الإلهام، كما في الرؤيا المنامية، والمعنى يقذفه في قلب الأنبياء أو الأولياء، أو يكلم الرسول من وراء حجاب كما حدث لموسى عليه السلام، وكما حدث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، أو يرسل جبريل بالوحي الجلي كما حدث في نزول جبريل بوحي القرآن الكريم كله من أول القرآن إلى آخره، ويسمى الوحي الجلي، والقرآن كله نزل بهذا النوع، والقرآن نور وروح وهداية إلى صراط الله المستقيم، وبيد الله وحده مصائر العباد في الدنيا والآخرة.
المفردات :
وحيا : إلقاء في القلب.
أو من وراء حجاب : أو يكلمه من وراء حجاب.
أو يرسل رسولا : أو يبعث الله الملك للأنبياء ليبلغهم ما أمر الله به.
التفسير :
٥١- ﴿ وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ﴾.
سبب النزول :
ذكر غير واحد من المفسرين أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا، كما كلمه موسى ؟ فنزلت هذه الآية، وقال صلى الله عليه وسلم :( لم ينظر موسى إلى الله تعالى ).
الوحي نعمة من نعم الله على عباده، وطريق إلى الهداية، وفضل إلهي ترسله السماء إلى الأرض بواسطة مَلَك يختاره الله ليوحي إلى رسول مصطفى ومختار من عباد الله، فما أجلّها من نعمة، أن يتفضل الإله العلي الحكيم بإنزال هدايات السماء ؛ ليهدي العباد إلى الصراط المستقيم.
الوحي
ذكر الوحي في كتب علوم القرآن والتفسير على أنه الوسيلة التي يبلغ الله بها عباده التشريع والهداية، بواسطة اختيار ملك كجبريل ينزل على رسول كمحمد صلى الله عليه وسلم.
ثلاث طرق
تفيد الآية الكريمة أن ما يبلغه الله إلى عباده يتم عن طريق واحدة من ثلاث طرق :
الأولى : إلقاء المعنى في قلب النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق رؤيا منامية، كما حدث لإبراهيم عليه السلام، حين أمره الله بذبح ولده إسماعيل، وأحيانا يلقي المعنى في قلب الرسول يقظة، كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال :( إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، فاتقوا الله، وأجملوا في الطلب )٢٢.
الثانية : سماع الرسول كلام الله من وراء حجاب، بأن يسمعه الرسول من الله بدون واسطة، متيقنا أنه كلام الله من حيث لا يُرى سبحانه وتعالى، كما كلم موسى عليه السلام، وسمى الله ذلك وحيا، فقال :﴿ وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى ﴾. ( طه : ١٣ )، وقال سبحانه :﴿ وكلّم الله موسى تكليما ﴾. ( النساء : ١٦٤ ). وكان موسى قد طلب الرؤية بعد التكلم فحجب عليها.
قال تعالى :﴿ وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾. ( الأعراف : ١٤٣ ).
الثالثة : أن يرسل الله تعالى ملكا من الملائكة إما جبريل أو غيره، فيوحى ذلك الملك إلى الرسول من البشر بأمر الله وتيسيره ما يشاء الله أن يوحى إليه، كما كان جبريل عليه السلام وغيره من الملائكة ينزلون على الأنبياء عليهم السلام، والقرآن الكريم جميعه نزل عن طريق الوحي الجليّ في هذه الصورة الثالثة، بواسطة جبريل عليه السلام يتلقاه عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم متيقنا أن ذلك من عند الله، وهو وحي الله إلى رسوله ليبلغه إلى عباده.
قال تعالى :﴿ نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين ﴾. ( الشعراء : ١٩٣-١٩٥ ).
وقال تعالى :﴿ يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس... ﴾ ( المائدة : ٦٧ ).
وقال تعالى :﴿ وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى ﴾. ( النجم : ٣-٧ ).
وقد أفاد النبي صلى الله عليه وسلم أن الوحي كان يأتيه مثل صلصلة الجرس٢٣، حيث يغيب النبي صلى الله عليه وسلم عمن حوله، ويتفرغ بروحه وكل شئونه لاستقبال ذلك الوحي، فإذا انتهى الوحي عاد إلى من حوله، وأحيانا يتمثل الملك رجلا فيكلم الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعي الرسول صلى الله عليه وسلم ما يقوله الملك.
قالت عائشة : ولقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا، أي : يسيل عرقا.
من تفسير ابن كثير :
هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الرب جل وعلا، فتارة يقذف في روع النبي صلى الله عليه وسلم وحيا لا يتمارى فيه أنه من الله عز وجل.
وقوله تعالى :﴿ أو من وراء حجاب... ﴾ أي : كما كلم موسى عليه السلام، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها.
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما :( ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب، وإنه كلم أباك كفاحا )٢٤، كذا جاء في الحديث، وكان قد قتل يوم أحد، ولكن هذا في عالم البرزخ، والآية إنما هي في الدار الدنيا.
وقوله عز وجل :﴿ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء... ﴾ كما ينزل جبريل عليه السلام، وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
﴿ إنه علي حكيم ﴾. فهو علي عليم، خبير حكيم.
من فتح القدير للشوكاني :
﴿ وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلا وحيا... ﴾
يوحي إليه فيلهمه ويقذف ذلك في قلبه، كما أوحى إلى أم موسى، وإلى إبراهيم في ذبح ولده، والوحي هو الإخبار بسرعة على وجه الخفية.
﴿ أو من وراء حجاب... ﴾ كما كلم موسى عليه السلام، يريد أن كلامه يسمع من حيث لا يرى.
﴿ أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء.. ﴾
أي : يرسل ملكا فيوحي ذلك الملك إلى الرسول من البشر بأمر الله وتيسيره ما يشاء أن يوحى إليه.
﴿ إنه علي حكيم ﴾.
أي : متعال عن صفات النقص، حكيم في كل أحكامه.
ثم إن هذه الأنواع من الوحي كلها قد حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم. اه.
( أ ) أي أن الله قد قذف في قلبه أن الإنسان لن يموت حتى يستوفي أجله ورزقه.
( ب ) وقد كلمه الله من وراء حجاب ليلة الإسراء والمعراج.
( ج ) وقد نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن الكريم خلال ثلاثة وعشرين عاما من عمره الشريف، حيث بدأ نزول الوحي عليه في مكة وعمره أربعون عاما، واستمر الوحي ينزل عليه ثلاثة عشر عاما في مكة قبل الهجرة، ثم نزل عليه الوحي عشرة أعوام بالمدينة، وانتقل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى وعمره ثلاثة وستون عاما.
وما نزل من القرآن بمكة يسمى مكيا، وما نزل بالمدينة بعد الهجرة سمي مدنيا، ونجد في كتب علوم القرآن بحوثا مستفيضة عن الوحي المكي والمدني، المحكم والمتشابه، فواتح السور، كتابة القرآن في الألواح، وجمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق، وكتابة القرآن الكريم على لغة قريش في عهد عثمان، والمصحف العثماني نقطه وتشكيله، وتجويد كتابته، ووضع علامات الربع والحزب والجزء، وعلامات الوقف والوصل والسجدة، ووضع إطار حول كل صفحة، واستمرار تحسين خط المصحف عبر العصور الإسلامية، فالمصحف القرآني أصدق وثيقة وأنقى نص عرفه التاريخ ٢٥، لأن الله تعالى تعهد بحفظه فقال :﴿ إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾. ( الحجر : ٩ ).
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ( ٤٩ ) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ( ٥٠ ) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ٥١ ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( ٥٣ ) ﴾
تمهيد :
في ختام سورة ( الشورى ) نجد عددا من أنعم الله على عباده، فهو المتفضل بحكمته في العطاء، فمن الناس من تكون ذريته إناثا فقط، مثل لوط وشعيب عليهما السلام، ومنهم من تكون ذريته ذكورا فقط، مثل إبراهيم عليه السلام، ومنهم من يرزقه ذكورا وإناثا، مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يكون عقيما لا ولد له مثل يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو سبحانه حكيم في توزيعه، عليم بما يناسب عباده، قدير على كل شيء.
ومن أفضاله العظمى التفضل على عباده بالوحي، بمعنى الإلهام، كما في الرؤيا المنامية، والمعنى يقذفه في قلب الأنبياء أو الأولياء، أو يكلم الرسول من وراء حجاب كما حدث لموسى عليه السلام، وكما حدث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، أو يرسل جبريل بالوحي الجلي كما حدث في نزول جبريل بوحي القرآن الكريم كله من أول القرآن إلى آخره، ويسمى الوحي الجلي، والقرآن كله نزل بهذا النوع، والقرآن نور وروح وهداية إلى صراط الله المستقيم، وبيد الله وحده مصائر العباد في الدنيا والآخرة.
المفردات :
روحا : قرآنا، لأن القلوب تحيا به.
من أمرنا : من لدنا.
جعلناه : جعلنا الروح أو الكتاب أو الإيمان.
وإنك لتهدي : وإنك لترشد وتدل.
إلى صراط مستقيم : إلى طريق معتدل موصل إلى المطلوب، لا يضل من يسلكه.
التفسير :
٥٢- ﴿ وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾.
ومثل ذلك الوحي الذي أوحى الله به إلى الرسل السابقين عليك أوحى الله إليك، فلست بدعا من الرسل لقد أوحى الله إليك قرآنا مشتملا على روح الدين، وعلى تشريع وعظات وآداب وقصص وتاريخ ومشاهد للقيامة، من شأن هذه الآداب أن تبعث الروح الصافية في أجسام الأمة، وأن تبث فيها اليقظة وعوامل القوة.
﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان... ﴾
ما كنت قبل الأربعين تعلم هذا الوحي القرآني، وما يشتمل عليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولقد كنت أميًّا فلم تقرأ كتب السابقين، ولم تكن كاتبا حتى لا يظن مرتاب أنك نقلت هذا القرآن من الكتب السابقة، وهذا شبيه بقوله تعالى :﴿ وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذا لارتاب المبطلون ﴾. ( العنكبوت : ٤٨ ).
ومع هذا فقد حفظ الله محمدا صلى الله عليه وسلم من دنس الجاهلية، فلم يسجد لصنم قط، ولم يشترك مع أهل الجاهلية في لهوهم أو فجورهم، وقد بغض الله إليه الأصنام، وربّاه فأحسن تربيته، وصنعه على عينه، وكذلك يحفظ الله أنبياءه ورسله من التلبّس بأي أمر منهي عنه، وفي القرآن الكريم شواهد متعددة على تزكية الله تعالى لرسوله وحفظه له، ورعايته يتيما وشابا ورسولا ومهاجرا ومجاهدا صلوات الله وسلامه عليه.
﴿ ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا... ﴾
أنزلنا عليك الوحي من السماء، وجعلناه نورا يضيء للناس طريق الهداية، وجعلنا القرآن وسيلة لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام وشرائعه وآدابه.
قال تعالى :﴿ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين... ﴾ ( الإسراء : ٨٢ ).
وقال عز وجل :﴿ يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ﴾. ( يونس : ٥٧ ).
فالقرآن مصدر هداية، والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ هذه الهداية، وهو ممسك بمصباح الإسلام يدعو الناس إلى دين الله تعالى.
﴿ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ﴾.
إنك يا محمد مصدر هداية، وحامل لواء الوحي، ومرشد لأمتك على هدى الإسلام، وصراطه المستقيم، وآدابه وأركانه وتشريعاته، وما اشتمل عليه من قيم وأخلاق كانت مشعل نور للبشرية، وسبيلا لإخراج الناس من ظلمات الجاهلية إلى نور الإسلام.
﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ( ٤٩ ) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ ( ٥٠ ) وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ( ٥١ ) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ( ٥٢ ) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ( ٥٣ ) ﴾
تمهيد :
في ختام سورة ( الشورى ) نجد عددا من أنعم الله على عباده، فهو المتفضل بحكمته في العطاء، فمن الناس من تكون ذريته إناثا فقط، مثل لوط وشعيب عليهما السلام، ومنهم من تكون ذريته ذكورا فقط، مثل إبراهيم عليه السلام، ومنهم من يرزقه ذكورا وإناثا، مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يكون عقيما لا ولد له مثل يحيى وعيسى عليهما السلام، وهو سبحانه حكيم في توزيعه، عليم بما يناسب عباده، قدير على كل شيء.
ومن أفضاله العظمى التفضل على عباده بالوحي، بمعنى الإلهام، كما في الرؤيا المنامية، والمعنى يقذفه في قلب الأنبياء أو الأولياء، أو يكلم الرسول من وراء حجاب كما حدث لموسى عليه السلام، وكما حدث للنبي محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء، أو يرسل جبريل بالوحي الجلي كما حدث في نزول جبريل بوحي القرآن الكريم كله من أول القرآن إلى آخره، ويسمى الوحي الجلي، والقرآن كله نزل بهذا النوع، والقرآن نور وروح وهداية إلى صراط الله المستقيم، وبيد الله وحده مصائر العباد في الدنيا والآخرة.
المفردات :
تصير الأمور : ألا إلى الله وحده -لا إلى غيره- يرجع شأن الخلق وأمورهم كلها يوم القيامة.
التفسير :
٥٣- ﴿ صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور ﴾.
إنك أيها الرسول الكريم تهدي إلى صراط مستقيم ومنهج واضح، وتحمل لواء النور والهدى، هذا الصراط المستقيم الذي ترشد إليه هو طريق الله ومنهجه، وهو سبحانه المالك الحقيقي لهذا الكون كله، فهو مالك السماء وما فيها، والأرض وما عليها، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عند النوم :( اللهم رب السماء وما أظلت، والأرضين وما أقلت، والشياطين وما أضلت، كن لي جارا من شرار خلقك عز جارك )٢٦.
﴿ ألا إلى الله تصير الأمور ﴾.
إن أمور الخلائق جميعا ترجع إليه يوم القيامة، وقد انتهت الوسائط والعلائق، وقام الناس لرب العالمين، وهو المطلع على النوايا والخفايا، والمجازي والمكافئ، وفي هذا وعد بحسن الجزاء للمؤمنين، ووعيد بالعقاب للكافرين.
قال تعالى :﴿ يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم * فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ﴾. ( الزلزلة : ٦-٨ ).
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.