تفسير سورة الذاريات

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة الذاريات مكية وهى ستون آية

وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا (١)
﴿والذاريات﴾ الرياح لانها تذر التراب وغيره وبادغام التاء في الذال حمزة ابو عمرو ﴿ذَرْواً﴾ مصدر والعامل فيه اسم الفاعل
فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا (٢)
﴿فالحاملات﴾ السحاب لانهاتحمل المطر ﴿وِقْراً﴾ مفعول الحاملات
فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا (٣)
﴿فالجاريات﴾ الفلك ﴿يسرا﴾ جريا ذا يسرى أي ذا سهولة
فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْرًا (٤)
﴿فالمقسمات أَمْراً﴾ الملائكة لأنها تقسم الأمور من الأمطار والأرزاق وغيرهما أو تفعل التقسيم مأمورة بذلك أو تتولى تقسيم أمر العباد فجبريل للغلظة وميكائيل للرحمة وملك الموت لقبض الأرواح وإسرافيل للنفخ ويجوز أن يراد الرياح لا غير لأنها تنشيء السحاب وتقله وتصرفه وتجري في الجوّ جرياً سهلاً وتقسم الأمطار بتصريف السحاب ومعنى الفاء على الأول أنه أقسم بالرياح فبالسحاب التي تسوقه فبالفلك التي تجريها بهبوبها فبالملائكة التي تقسم الأرزاق بإذن الله من الامطار وتجارات البحر ومنافعها او على الثانى انها تبتدىء في الهبوب فتذر والتراب والحصباء فتقل السحاب فتجري في الجوّ باسطة له فتقسم المطر
إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ (٥)
﴿إن ما توعدون﴾ جواب القسم وما موصولة أو مصدرية والموعود البعث ﴿لصادق﴾ وعد صادق كعيشة راضية أي ذات رضا
وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ (٦)
﴿وَإِنَّ الدين﴾ الجزاء على الأعمال ﴿لَوَاقِعٌ﴾ لكائن
وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (٧)
﴿والسماء﴾ هذا قسم آخر ﴿ذَاتِ الحبك﴾ الطرائق الحسنة مثل ما يظهر على الماء من هبوب الريح وكذلك حبك الشعر آثار تثنيه وتكسره جمع حبيكة كطريقة وطرق ويقال إن خلقة السماء كذلك وعن الحسن حبكها نجومها جمع حباك
إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨)
﴿إِنَّكُمْ لَفِى قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾ أي قولهم في الرسول ساحر وشاعر ومجنون وفي القرآن سحر وشعر وأساطير الأولين
يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩)
﴿يؤفك عنه من أفك﴾ الضمير للقرآن اوالرسول أي يصرف عنه من صرف الصرف الذي لا صرف أشد منه وأعظم أو يصرف عنه من صرف في سابق علم الله اى علم فيما لم يزل
انه مأفوك عن الحق لا يرعوي ويجوز أن يكون لاضمير لما توعدون أو للدين أقسم بالذاريات على أن وقوع أمر القيامة حق ثم أقسم بالسماء على أنهم في قول مختلف في وقوعه فمنهم شاك ومنهم جاحد ثم قال يؤفك عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠)
﴿قُتِلَ﴾ لعن وأصله الدعاء بالقتل والهلاك ثم جرى مجرى لعن ﴿الخراصون﴾ الكذابون المقدرون ما يصح وهم أصحاب القول المختلف واللام إشارة إليهم كأنه قيل قتل هؤلاء الخراصون
الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ (١١)
﴿الذين هُمْ فِى غَمْرَةٍ﴾ في جهل يغمرهم ﴿ساهون﴾ غافلون عما امروا به
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢)
﴿يسألون﴾ فيقولون ﴿أَيَّانَ يَوْمُ الدين﴾ أي متى يوم الجزاء وتقديره أيان وقوع يوم الدين لأنه ابما يقع الأحيان ظروفاً للحدثان وانتصب اليوم الواقع في الجواب بفعل مضمر دل عليه السؤال أي يقع
يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣)
﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ﴾ ويجوز أن يكون مفتوحاً لإضافته إلى غير متمكن وهو الجملة ومحله نصب بالمضمر الذي هو يقع أو رفع على هو يوم هم على النار يفتنون يحرقون ويعذبون
ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤)
﴿ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ﴾ أي تقول لهم خزنة النار ذوقوا اعذابكم وإحراقكم بالنار ﴿هذا﴾ مبتدأ خبره ﴿الذى﴾ أي هذا العذاب هو الذي ﴿كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ في الدنيا بقولكم فائتنا بما تعدنا ثم ذكر حال المؤمنين فقال
إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥)
﴿إِنَّ المتقين فِى جنات وَعُيُونٍ﴾ أي وتكون العيون وهي الأنهار الجارية بحيث يرونها وتقع عليها ابصارهم لا انهم فيها
آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦)
﴿آخذين ما آتاهم رَّبُّهُمْ﴾ قابلين لكل ما أعطاهم من الثواب راضين به وآخذين حال من الضمير في الظرف وهو خبر إن ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ﴾ قبل دخول الجنة في الدنيا ﴿مُحْسِنِينَ﴾ قد أحسنوا أعمالهم وتفسير إحسانهم ما بعده
كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (١٧)
﴿كانوا قليلا من الليل ما يهجعون﴾ ينامون وما مزيدة للتوكيد ويهجعون خبر كا ن والمعنى كانوا يهجعون في طائفة قليلة من الليل ومصدرية والتقدير كانوا قليلاً من الليل هجوعهم فيرتفع هجوعهم لكونه بدلاً من الواو في كَانُواْ لا بقليلا لانه صار موصوفا بقوله من الليل خرج من شبه الفعل وعمله باعتبار المشابهة أي كان هجوعهم قليلاً من الليل ولا يجوز أن تكون ما نافية على معنى أنهم لا يهجعون من الليل قليلاً ويحيونه كله لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها لا تقول زيداً ما ضربت
وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨)
﴿وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ وصفهم بأنهم يحيون الليل متهجدين فاذا اسحروا اخفوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في ليلهم الجرائم والسحر السدس الأخير من الليل
وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩)
﴿وَفِى أموالهم حَقٌّ لَّلسَّائِلِ﴾ لمن يسأل لحاجته ﴿والمحروم﴾ أي الذي يتعرض ولا يسأل حياء
وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠)
﴿وفي الأرض آيات﴾ تدل على الصانع وقدرته
وحكمته وتدبيره
373
حيث هي مدحوة كالبساط لما فوقها وفيها المسالك والفجاج للمتقلبين فيها وهي مجزأة فمن سهل ومن جبل وصلبة ورخوة وعداة وسبخة وفيها عيون منفجرة ومعادن مفننة ودواب مبثة مختلفة الصور والأشكال متباينة الهيئات والأفعال ﴿لّلْمُوقِنِينَ﴾ للموحدين الذين سلكوا الطريق السوي البرهاني الموصّل إلى المعرفة فهم نظارون بعيون باصرة وأفهام نافذة كلما رأوا آية عرفوا وجه تأملها فازدادوا إيقاناً على إيقانهم
374
وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (٢١)
﴿وَفِى أَنفُسِكُمْ﴾ في حال ابتدائها وتنقلها من حال إلى حال وفي بواطنها وظواهرها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما نتحير فيه الأذهان وحسبك بالقلوب وما ركز فيها من العقول وبالألسن والنطق ومخارج الحروف وما في تركيبها وترتيبها ولطائفها من الآيات الساطعة والبينات القاطعة على حكمة مدبرها وصانعها دع الاسماع والابصار والاطراف وسائر الجوارح وتانيها لما خلقت له وما سوى في الأعضاء من المفاصل للانعطاف النثني فإنه إذا جسا منها شيء جاء العجز وإذا استرخى أناخ الذل فتبارك الله أحسن الخالقين وما قيل إن التقدير أفلا تبصرون في انفسكم ضعيف لانه يقضى الى تقديم ما فى حين الاستفهام على حرف الاستفهام ﴿أَفلاَ تُبْصِرُونَ﴾ تنظرون نظر من يعتبر
وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ (٢٢)
﴿وَفِى السماء رِزْقُكُمْ﴾ أي المطر لأنه سبب الافوات وعن الحسن أنه كان إذا رأى السحاب قال لأصحابه فيه والله رزقكم ولكنكم تحرمونه بخطاياكم ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ الجنة فهي على ظهر السماء السابعة تحت العرش أو أراد أن ما ترزقونه في الدنيا وما توعدوه في العقبى كله مقدور مكتوب في السماء
فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)
﴿فَوَرَبّ السماء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ﴾ الضمير يعود إلى الرزق أو إلى مَّا تُوعَدُونَ ﴿مّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ بالرفع كوفي غير حفص صفة للحق أي
374
حق مثل نطقكم وغيرهم بالنصب اى انه لحق مثل نطقكم ويجوز أن يكون فتحاً لإضافته الى غير متمكن وما مزيدة وعن الأصمعي أنه قال أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود فقال من الرجل فقلت من بني أصمع قال من أين أقبلت قلت من موضع يتلى فيه كالام الله قال اتل على فتلوت والذاريات فلما بلغت قوله وَفِى السماء رِزْقُكُمْ قال حسبك فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى فلما حججت مع الرشيد وطفقت اطرف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالفت فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلم عليّ واستقرأ السورة فلما بلغت الآية صاح وقال قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً ثم قال وهل غير هذا فقرأت فَوَرَبّ السماء والارض انه لحق فصاح وقال ياسبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف لم يصدقوه بقوله حتى حلف قالها ثلاثاً وخرجت معها نفسه
375
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)
﴿هَلُ أَتَاكَ﴾ تفخيم للحديث وتنبيه على أنه ليس من علم رسول الله ﷺ وإنما عرفه بالوحي وانتظامها بما قبلها باعتبار انه قال وفى الارض آيات وقال في آخر هذه القصة وَتَرَكْنَا فِيهَا آية ﴿حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم﴾ الضيف للواحد والجماعة كالصوم والزور لانه في
٩ - ﴿المكرمين﴾ ﴿إذ دخلوا عليه فقالوا﴾
الأصل مصدر ضافه وكانوا اثني عشر ملكاً وقيل تسعة عاشرهم جبريل وجعلهم ضيفاً لأنهم كانوا في صورة الضيف حيث أضافهم إبراهيم أو لأنهم كانوا في حسبانه كذلك ﴿المكرمين﴾ عندالله لقوله بل عباد مكرمون وقيل لأنه خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى
إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥)
﴿إذ دخلوا عليه﴾ نصب بالمكرمين إذا فسر بإكرام إبراهيم لهم وإلا فبإضمار اذكر ﴿فَقَالُواْ سَلامًا﴾ مصدر سادٌّ مسد الفعل مستغنى به عنه وأصله نسلم عليكم سلاماً ﴿قَالَ سلام﴾ أي عليكم سلام فهو مرفوع على الابتداء
375
وخبر محذوف والعدول إلى الرفع للدلالة على إثبات السلام كانه قد ان يحييهم باحسن مما حيوه به احذا بأدب الله وهذا أيضاً من إكرامه لهم حمزة وعلي سلم والسلم السلام ﴿قَوْمٌ مُّنكَرُونَ﴾ أي أنتم قوم منكرون فعرفوني من أنتم
376
فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦)
﴿فَرَاغَ إلى أَهْلِهِ﴾ فذهب إليهم في خفية من ضيوفه ومن أدب المضيف أن يخفي أمره وأن يبادر بالقرى من غير أن يشعر به الضيف حذراً من أن يكفه وكان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر ﴿فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾
فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧)
﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾ ليأكلوا منه فلم يأكلوا ﴿قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ﴾ أنكر عليهم ترك الأكل أو حثهم عليه
فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨)
﴿فَأَوْجَسَ﴾ فأضمر ﴿مِنْهُمْ خِيفَةً﴾ خوفاً لأن من لم يأكل طعامك لم يحفظ ذمامك عن ابن عباس رضى الله عنهما وقع في نفسه أنهم ملائكة أرسلوا للعذاب ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ﴾ إنا رسل الله وقيل مسح جبريل العجل فقام ولحق بأمه ﴿وَبَشَّرُوهُ بغلام عليم﴾ اى يبلغ وبعلم والمبشر به اسحق عند الجمهور
فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩)
﴿فَأَقْبَلَتِ امرأته فِى صَرَّةٍ﴾ في صيحة من صر القلم والباب قال الزجاج لاصرة شدة الصياح ههنا ومحله النصب على الحال أي فجاءت صارة وقيل فأخذت في صياح وصرتها قولها يا ويلتا ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ فلطمت ببسط يديها وقيل فضربت بأطراف أصابعها جبهتها فعل المتعجب ﴿وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ أي أنا عجوز فكيف ألد كما قال في موضع آخر أألد وَأَنَاْ عَجُوزٌ وهذا بَعْلِى شَيْخًا
قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)
﴿قالوا كذلك﴾ مثل ذلك ذى قلنا وأخبرنا به ﴿قَالَ رَبُّكِ﴾ أي إنما نخبرك عن الله تعالى والله قادر على ما تستبعدين ﴿إِنَّهُ هُوَ الحكيم﴾ في فعله ﴿العليم﴾ فلا يخفى عليه شيء ورُوي أن جبريل قال لها حين استبعدت
376
انظري إلى سقف بيتك فنظرت فإذا جذوعه مورقة مثمرة ولما علم أنهم ملائكة وأنهم لا ينزلون إلا بأمر الله رسلاً في بعض الأمور
377
قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١)
﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ﴾ أي فما شأنكم وما طلبتكم وفيم أرسلتم ﴿أَيُّهَا المرسلون﴾ أرسلتم بالبشارة خاصة أو لأمر آخر أولهما
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢)
﴿قَالُواْ إِنَّآ أُرْسِلْنَآ إلى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ﴾ أي قوم لوط
لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣)
﴿لنرسل عليهم حجارة من طين﴾
﴿للمسرفين﴾
أريد السجيل وهو طين طبخ كما يطبخ الاجر حتى صا رفي صلابة الحجارة
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤)
﴿مُّسَوَّمَةً﴾ معلمة من السومة وهي العلامة على كل واحد منها اسم من يهلك به ﴿عِندَ رَبّكَ﴾ في ملكه وسلطانه ﴿لِلْمُسْرِفِينَ﴾ سماهم مسرفين كما سماهم عادين لإسرافهم وعدوانهم في عملهم حيث لم يقتنعوا بما أبيح لهم
فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥)
﴿فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا﴾ في القرية ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة ﴿مِنَ المؤمنين﴾ يعني لوطاً ومن آمن به
فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦)
﴿فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ المسلمين﴾ أي غير أهل بيت وفيه دليل على ان الايمان والاسلام واحدلان الملائكة سموهم مؤمنين ومسلمين هنا
وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٣٧)
﴿وتركنا فيها﴾ في قراهم ﴿آية لّلَّذِينَ يَخَافُونَ العذاب الأليم﴾ علامة يعتبر بها الخائفون دون القاسية قلوبهم قيل هي ماء أسود منتن
وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (٣٨)
﴿وفي موسى﴾ معطوف على وفي الأرض آيات أو على قوله وتركنا فيها آية على معنى وجعلنا في موسى آية كقوله علفتها تبناً وماء بارداً ﴿إِذْ أرسلناه إلى فِرْعَوْنَ بسلطان مُّبِينٍ﴾ بحجة ظاهرة وهي اليد والعصا
فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩)
﴿فتولى﴾ فأعرض عن الإيمان ﴿بِرُكْنِهِ﴾ بما كان يتقوى به من جنوده وملكه والركن ما يركن اليه الانسان من ما ل وجند ﴿وَقَالَ ساحر﴾ أي هو ساحر ﴿أَوْ مجنون﴾
فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠)
﴿فأخذناه وَجُنُودَهُ فنبذناهم فِى اليم وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ آتٍ بما يلام عليه من كفره وعناده وإنما وصف يونس عليه السلام به في قوله فالتقمه الحوت وهو مليم لأن موجبات اللوم تختلف وعلى حسب اختلافها تختلف مقادير اللوم فراكب الكفر ملوم على مقداره وراكب الكبيرة والصغيرة والذلة كذلك وجملة مع الواو حال من الضمير في فأخذناه
وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١)
﴿وَفِى عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الريح العقيم﴾ هي التي لا خير فيها من إنشاء مطر أو إلقاح شجر وهي ريح الهلاك واختلف فيها والاظهر انا الدبور لقوله عليه السلام نصرت بالصبا واهتلكت عاد بالدبور
مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢)
﴿مَا تَذَرُ مِن شَىْء أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كالرميم﴾ هو كل ما رم أي بلي وتفتت من عظم أو نبات أو غير ذلك والمعنى ما تترك من شيء هبت عليه من أنفسهم وأنعامهم وأموالهم إلا اهلكته
وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣)
﴿وَفِى ثَمُودَ﴾ آية أيضاً ﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حتى حِينٍ﴾ تفسيره قوله تَمَتَّعُواْ فِى داركم ثلاثة ايام
فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤)
﴿فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبّهِمْ﴾ فاستكبروا عن امتثاله ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصاعقة﴾ العذاب وكل عذاب مهلك صاعقة الصعقة علي وهي المرة من مصدر صعقتهم الصاعقة ﴿وهم ينظرون﴾ لانها كانت نهارا يعاينوها
فَمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ قِيَامٍ وَمَا كَانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥)
﴿فَمَا استطاعوا مِن قِيَامٍ﴾ أي هرب أو هو من قولهم ما يقوم به إذا
378
عجز عن دفعه ﴿وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ﴾ ممتنعين من العذاب اولم يمكنهم مقابلتنا بالعذاب لأن معنى الانتصار المقابلة
379
وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (٤٦)
﴿وَقَوْمَ نُوحٍ﴾ أي وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه أو واذكر قوم نوح وبالجر أبو عمرو وعلي وحمزة أي وفي قوم نوح آية ويؤيده قراءة عبد الله وَفِى قَوْمُ نُوحٍ ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل هؤلاء المذكورين ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فاسقين﴾ كافرين
وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧)
﴿والسماء﴾ نصب بفعل يفسره ﴿بنيناها بأيد﴾ بقوة والأيد القوة ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ لقادرون من الوسع هى الطاقة والموسع القوي على الإنفاق أو لموسعون ما بين السماء والأرض
وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨)
﴿والأرض فرشناها﴾ بسطناها ومهدناها وهي منصوبة بفعل مضمر أي فرشنا الأرض فرشناها ﴿فَنِعْمَ الماهدون﴾ نحن
وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)
﴿وَمِن كُلّ شَىْء﴾ من الحيوان ﴿خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ ذكراً وأنثى وعن الحسن السماء والأرض والليل والنهار والشمس والقمر والبر والبحر والموت والحياة فعدد أشياء وقال كل اثنين منها زوج والله تعالى فرد لا مثل له ﴿لَعَلَّكُمْ تذكرون﴾ اى فعلنا ذلك كله من بنا ءالسماء وفرش الأرض وخلق الأزواج لتتذكروا فتعرفوا الخالق وتعبدوه
فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠)
﴿فَفِرُّواْ إِلَى الله﴾ أي من الشرك إلى الإيمان بالله أو من طاعة الشيطان إلى طاعة الرحمن أو مما سواه إليه ﴿إِنّى لَكُمْ مّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾
وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١)
﴿ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين﴾ واالتكرير للتوكيد والإطالة في الوعيد أبلغ
كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)
﴿كذلك﴾ الأمر مثل ذلك وذلك إشارة إلى تكذيبهم الرسول وتسميته ساحراً أو مجنوناً ثم فسر ما أجمل بقوله ﴿مَا أَتَى الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قومك
379
﴿مّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُواْ﴾ هو ﴿ساحر أَوْ مَجْنُونٌ﴾ رموهم بالسحر او الجنون لجهلهم
380
أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (٥٣)
﴿أتواصوا به﴾ الضميرللفول أي أتواصى الأولون والآخرون بهذا القول حتى قالوه جميعاً متفقين عليه ﴿بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغون﴾ أي لم يتواصوا به لأنهم لم يتلاقوا في زمان واحد بل جمعتهم العلة الواحدة وهي الطغيان والطغيان هو الحامل عليه
فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤)
﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ﴾ فأعرض عن الذين كررت عليهم الدعوة فلم يجيبوا اعتادا ﴿فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ﴾ فلا لوم عليك في اعراضك بعد ما بلغت الرسالة وبذلت مجهودك في البلاغ والدعوة
وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥)
﴿وَذَكِّر﴾ وعظ بالقرآن ﴿فَإِنَّ﴾
﴿الذكرى تَنفَعُ المؤمنين﴾ بأن تزيد في عملهم
وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)
﴿وَمَا خَلَقْتُ الجن والإنس إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ العبادة إن حملت على حقيقتها فلا تكون الآية عامة بل المراد بها المؤمنون من الفريقين دليلة لاسياق أعني وَذَكّرْ فَإِنَّ الذكرى تَنفَعُ المؤمنين وقراءة ابن عباس رضى الله عنهما وما خلقت الجن والانس من لمؤمنين وهذا لأنه لا يجوز أن يخلق الذين علم منهم أنهم لا يؤمنون للعبادة لأنه إذا خلقهم للعبادة وأراد منهم العبادة فلا بد ان توجد منه فإذا لم يؤمنوا علم أنه خلقهم لجهنم كما قال وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الجن والإنس وقيل إلا لآمرهم بالعبادة وهو منقول عن على رضى الله عنه وقيل الا ليكونوا عباد الى والوجه أن تحمل العبادة على التوحيد فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما كل عبادة في القرآن فهي توحيد والكل يوحدونه في الآخرة لما عرف ان الكفار وكلهم مؤمنون موحدون في الآخرة دليلة قوله ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبّنَا ما كُنَّا مشركين نعم قد اشرك البعض في الدنيا لكن مدة الدنيا بالإضافة إلى الأبد أقل من يوم ومن اشترى غلاما وقال ما اششتريته إلا للكتابة كان صادقاً في قوله ما اشتريته إلا
380
للكتابة وإن استعمله في يوم من عمره لعمل آخر
381
مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧)
﴿مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ﴾ ما خلقتهم ليزقوا انفسهم او واحد من عبادي ﴿وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ قال ثعلب ان يطمعوا عبادى وهى اضافة تخصيص كفوله عليه السلام خبراً عن الله تعالى من أكرم مؤمناً فقد أكرمني ومن آذى مؤمناً فقد آذانى
إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨)
﴿إِنَّ الله هُوَ الرزاق ذُو القوة المتين﴾ الشديد القوة والمتين بالرفع صفة لذو وقرأ الأعمش بالجر صفة للقوة على تأويل الاقتدار
فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩)
﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ رسول الله بالتكذيب من أهل مكة ﴿ذَنُوباً مّثْلَ ذَنُوبِ أصحابهم﴾ نصيباً من عذاب الله مثل نصيب أصحابهم ونظرائهم من القرون المهلكة قال الزجاج الذنوب في اللغة النصيب ﴿فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ﴾ نزول العذاب وهذا جواب النضر واصابه حين استعجلوا العذاب
فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠)
﴿فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن يَوْمِهِمُ الذى يُوعَدُونَ﴾ أي من يوم القيامة وقيل من يوم بدر ليعبدوني أن يطعموني فَلا يستعجلوني بالياء في الحالين يعقوب وافق سهل في الوصل الباقون بغير باء والله اعلم
381
سورة الطور

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الطور مكية وهى تسع وأربعون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

382
Icon