١ -﴿الم﴾ ! اسم من أسماء القرآن، كالذكر، والفرقان، أو اسم للسورة أو اسم الله الأعظم، أو اسم من أسماء الله أقسم به، وجوابه ذلك الكتاب، أو افتتاح للسورة يفصل به ما قبلها، لأنه يتقدمها ولا يدخل في أثنائها، أو هي حروف قطعت من أسماء، أفعال، الألف من أنا، اللام من الله، الميم من أعلم، معناه " أنا الله أعلم "، أو هي حروف لكل واحد منها معاني مختلفة، الألف مفتاح الله، أو آلاؤه، واللام مفتاح لطيف، والميم مجيد أو مجده، والألف سنة، واللام ثلاثون، والميم أربعون سنة، آجالا ذكرها، أو هي حروف من حساب الجُمَّل،
لما روى جابر قال: مر أبو ياسر بن
93
أخطب بالنبي ﷺ يقرأ ﴿الم﴾، فأتى أخاه حُيي بن أخطب. في نفر من اليهود، فقال: سمعت محمداً ﷺ يتلو فيما أُنزل عليه ﴿الم﴾، قالوا: أنت سمعته قال: نعم، فمشى حُيي في أولئك النفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: يا محمد، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أُنزل عليك ﴿الم﴾، قال: بلى، فقال: أجاءك بها جبريل - عليه السلام - من عند الله - تعالى - قال: نعم، قالوا: لقد بعث قبلك أنبياء، ما نعلمه بُين لنبي منهم مدة ملكه، وأجل أمته غيرك. فقال حُيي لمن كان معه: الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، فهذه إحدى وسبعون سنة، ثم قال: يا محمد هل كان مع هذا غيره [٣ / ب] قال: نعم، قال: ماذا، قال: ﴿المص﴾ قال: هذه أثقل / وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون، والصاد تسعون، فهذه إحدى وستون ومائة سنة، وهل مع هذا غيره قال: نعم فذكر ﴿المر﴾ فقال: هذه أثقل، وأطول، الألف واحدة، واللام ثلاثون، والميم أربعون والراء مائتان، فهذه إحدى وسبعون ومئتا سنة، ثم قال: لقد التبس علينا أمرك، ما ندري أقليلاً أُعطيت أم كثيراً: ثم قاموا عنه. فقال لهم أبو ياسر؟ ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك سبعمائة وأربع وثلاثون سنة، قالوا: قد
94
التبس علينا أمره. فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم ﴿هُوَ الذي أَنزَلَ عَلَيْكَ الكتاب﴾ [آل عمران: ٧] أو أعلم الله تعالى العرب لما تحدوا بالقرآن أنه مؤتلف من حروف كلامهم، ليكون عجزهم عن الإتيان بمثله أبلغ في د الحجة عليهم، أو الألف من الله واللام من جبريل والميم من محمد صلى الله عليه وسلم، أو افتتح به الكلام كما يفتتح بألا.......
95
أبجد: كلمات أبجد حروف أسماء من أسماء الله - تعالى - مأثور أو
96
هي أسماء الأيام الستة التي خلق [الله تعالى] فيها الدنيا أو هي أسماء ملوك مدين قال:
(ألا يا شعيب قد نطقت مقالة
سَببْت بها عمرا وحي بني عمرو)
(ملوك بني حطي وهواز منهم
وسعفص أصل في المكارم والفخر)
(هم صبحوا أهل الحجاز بغارة
كمثل شعاع الشمس أو مطلع الفجر)
أو أول من وضع الكتاب العربي ستة أنفس " أبجد، هوز، حطي، كلمن، سعفص، قرشت "، فوضعوا الكتاب على أسمائهم، وبقي ستة أحرف لم تدخل في أسمائهم، وهي: الظاء، والذال، والشين، والغين، والثاء، والخاء، وهي الروادف التي تحسب بعد حساب الجُمَّل،
قاله عروة بن الزبير، ابن عباس: " أبجد " أبى آدم الطاعة، وجد في أكل الشجرة، " هوز " فزل آدم فهوى من السماء إلى الأرض، " حطي "، فحطت عنه خطيئته، " كلمن " فأكل من
97
الشجرة، ومَنَّ عليه بالتوبة " سعفص " فعصى آدم فأُخرج من النعيم إلى النكد " قرشت " فأقر بالذنب، وسلم من العقوبة. ﴿ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين (٢) الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون (٣) والذين يؤمنون بمآ أنزل إليك ومآ أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (٤) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون (٥) ﴾
٢ -﴿ذّلِكَ الْكِتَابُ﴾﴿: إشارة إلى ما نزل من القرآن قبل هذا بمكة أو المدينة، أو إلى قوله {إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً﴾ } [المزمل: ٥] أو ذلك بمعنى هذا إشارة إلى حاضر، أو إشارة إلى التوراة والإنجيل، خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم: أي الكتاب الذي ذكرته لك في التوراة والإنجيل هو الذي أنزلته عليك، أو خوطب به اليهود والنصارى: أي الذي وعدتكم به هو هذا الكتاب الذي أنزلته على محمد، أو إلى قوله: ﴿إِنَّا سَنُلْقِى عَلَيْكَ قولا ثقيلا﴾﴿، أو قال لمحمد صلى الله عليه وسلم: الكتاب الذي ذكرته في التوراة والأنجيل هو هذا الذي أنزلته عليك [أو المراد] بالكتاب: اللوح [المحفوظ] {لا رَيْبَ فِيهِ﴾ } : الريب
98
التهمة أو الشك. / ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ ! الذين أقاموا الفرائض واجتنبوا المحرمات، أو [٤ / أ] الذين يخافون العقاب ويرجون الثواب، أو الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق.
٣ -﴿يُؤْمِنُونَ﴾﴿يصدقون أو يخشون الغيب، أصل الإيمان التصديق {وما أنت بمؤمن لنا﴾ } [يوسف: ١٧] أو الأمان، فالمؤمن يؤمن نفسه بإيمانه من العذاب، والله تعالى مؤمِّن لأوليائه من عذابه، أو الطمأنينة، فالمصدق بالخبر مطمئن إليه، ويُطلق الإيمان على اجتناب الكبائر، وعلى كل خَصلة من الفرائض، وعلى كل طاعة. ﴿بِالْغَيْبِ﴾﴿بالله، أو ما جاء من عند الله، أو القرآن، أو البعث والجنة والنار، أو الوحي. {وَيُقِيمُونَ﴾ } يديمون، كل شيء راتب قائم، وفاعله يقيم، ومنه فلان يقيم أرزاق الجند، أو يعبدون الله بها، إقامتها: أداؤها بفروضها، أو إتمام ركوعها وسجودها وتلاوتها وخشوعها " ع "، سُمي ذلك إقامة لها من تقويم الشيء، قام بالأمر أحكمه، وحافظ عليه، أو سمى فعلها إقامة لها لاشتمالها على القيام. ﴿رَزَقْنَاهُمْ﴾﴿أصل الرزق الحظ، فكان ما جعله حظاً من عطائه رزقاً. {يُنفِقُونَ﴾ } وأصل الإنفاق الإخراج، نفقت الدابة خرجت روحها، والمراد الزكاة " ع "، أو نفقة الأهل، أو التطوع بالنفقة فيما يقرب إلى الله تعالى. نزلت هاتان الآيتان في مؤمني العرب خاصة، واللتان بعدهما في أهل الكتاب " ع "، أو نزلت الأربع في مؤمني أهل الكتاب، أو نزلت الأربع في جميع المؤمنين، فتكون الأربع في المؤمنين، وآيتان بعدهن في الكافرين، وثلاث عشرة في المنافقين.
وسائر الكتب. ﴿وَبِالأَخِرَةِ﴾﴿: النشأة الآخرة، أو الدار الآخرة لتأخرها عن الدنيا، أو لتأخرها عن الخلق، كما سميت الدنيا لدنوها منهم {يُوقِنُونَ﴾ } : يعلمون، أو يعلمون بموجب يقيني.
٥ -﴿هُدىً﴾﴿بيان ورشد، {الْمُفْلِحُونَ﴾ } الناجون من عذاب الله، والفلاح: النجاة أو الفائزون السعداء، أو الباقون في الثواب، الفلاح: البقاء، أو المقطوع لهم بالخير، الفلح: القطع، الأكَّار: فلاح لشقه الأرض، شعر:
(لقد علمت يا ابن أم صحصح
أن الحديد بالحديد يفلح)
والمراد بهم جميع المؤمنين، أو مؤمنو العرب، أو المؤمنون من [٤ / ب] " العرب " وغير العرب / ممن آمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى من قبله من الأنبياء.
100
﴿إن الذين كفروا سوآء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (٦) ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم (٧) ﴾
٦ -﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ ! : نزلت في قادة الأحزاب، أو في مشركي أهل الكتاب، أو في معينين من اليهود حول المدينة أو مشركو العرب، والكفر: التغطية، شعر:
(... في ليلة كفرَ النجومَ غمامُها)
والزارع: كافر، لتغطيته البذر في الأرض، فالكافر مغطي نعم الله تعالى بجحوده.
٧ -﴿خَتَمَ اللَّهُ﴾ ! حفظ ما في قلوبهم ليجازيهم عنه، كأنه مأخوذ من ختم ما يُراد حفظه، الختم: الطبع، ختمت الكتاب. وذلك علامة تعرفهم الملائكة بها من بين المؤمنين، أو القلب كالكف إذا أذنب العبد ذنباً ختم منه كالإصبع، فإذا أذنب آخر ختم منه كالإصبع الثانية حتى ينختم جميعه، ثم يطبع عليه بطابع، أو هو إخبار عن كفرهم، وإعراضهم عن سماع الحق شبهة بما سد وختم عليه فلا يدخله خير، أو شهادة من الله عليها أنها لا تعي الحق، وعلى
101
) أسماعهم أنها لا تصغي إليه، كما يختم الشاهد على الكتاب ﴿غِشَاوَةٌ﴾ ! والغشاوة الغطاء الشامل، أراد بذلك تعاميهم عن الحق. وسمى القلب قلباً، لتقلبه بالخواطر.
(ما سمى القلب إلا من تقلبه
والرأي يصرف والإنسان أطوار)
{ومن الناس من يقول ءامنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين (٨) يخادعون الله والذين ءامنوا وما يخدعون إلآ أنفسهم وما يشعرون (٩) في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون (١٠) وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون (١١) ألآ إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون (١٢) وإذا قيل لهم ءامنوا كمآ ءامن الناس قالوا أنؤمن كمآ ءامن السفهآء ألآ إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (١٣) وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلوا إلى
102
شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزءون (١٤) الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون (١٥) }
٩ -﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ أصل الخدع: الإخفاء، مخدع البيت يخفي ما فيه، جعل خداع الرسول ﷺ والمؤمنين خداعاً له، لأنه دعاهم برسالته. ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ﴾ لما رجع وبال خداعهم عليهم قال ذلك. ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ وما يفطنون.
١٠ -﴿مَّرَضٌ﴾ أصله الضعف أي شك، أو نفاق، أو غم بظهور النبي ﷺ على أعدائه. ﴿فَزَادَهُمُ﴾ دعاء، أو إخبار عن الزيادة عند نزول الفرائض والحدود ﴿أَلِيمُ﴾ مؤلم.
١١ -﴿لاتفسدوا﴾ بالكفر، أو بفعل ما نهيتم عنه، وتضييع ما أمرتم به، أو بممايلة الكفار. نزلت في المنافقين، أو في قوم لم يكونوا موجودين حينئذ بل جاءوا فيما بعد قاله سلمان: ﴿مُصْلِحُونَ﴾ ظنوا ممايلة الكفار صلاحاً لهم، وليس كذلك، لأن الكفار لو ظفروا بهم لم يبقوا عليهم، أو مصلحون في اجتناب ما نهينا عنه إنكاراً لممايلة الكفار، أو نريد بممايلتنا الكفار الإصلاح
103
بينهم وبين المؤمنين، أو إن ممايلة الكفار صلاح وهدى ليست بفساد، عرَّضوا بهذا، أو قالوه لمن خلوا به من المسلمين.
١٣ -﴿كما آمن النَّاسُ﴾ الناس: الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - ﴿السفهاء﴾ الصحابة عند عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنه -، [٥ / أ] أو النساء والصبيان عند عامة المفسرين، والسفه خفة الأحلام / ثوب سفيه: خفيف النسج.
١٤ -﴿خَلَوْاْ إِلَى﴾ إلى بمعنى " مع " أو خلوت إليه: إذا جعلته غايتك في حاجتك، أو صرفوا خلاءهم إلى شياطينهم. ﴿شياطينهم﴾ رءوسهم في الكفر، أو اليهود الذين يأمرونهم بالتكذيب، شيطان: فيعال من شطن إذا بعد - نوىً شطون - سمى به لبعده عن الخير، أو لبعد مذهبه في الشر، نونه أصلية، أو من شاط يشيط إذا هلك زائد النون، أو من التشيط وهو الاحتراق سمى ما يؤول إليه أمره. ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾ على التكذيب والعداوة. ﴿مستهزئون﴾ بإظهار التصديق.
١٥ -﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ يجزيهم على استهزائهم، سمى الجزاء باسم الذنب ﴿فَمَنِ اعتدى عَلَيْكُمْ فاعتدوا عليه﴾ [سورة البقرة: ١٩٤].
104
(... فنجهل فوق جهل الجاهلينا)
أو نجزيهم جزاء المستهزئين، أو إظهاره عليهم أحكام الإسلام مع ما أوجبه لهم من العقاب فاغتروا به كالأستهزاء بهم، أو هو كقوله تعالى: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [الدخان: ٤٩] للاستهزاء به، أو يُفتح لهم باب جهنم فيريدون الخروج على رجاء فيزدحمون فإذا انتهوا إلى الباب ضُربوا بمقامع الحديد حتى يرجعوا، فهذا نوع من العذاب على صورة الاستهزاء. ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾ يملي لهم، أو يزيدهم، مددت وأمددت أو مددت في الشر وأمددت في الخير، أو مددت فيما زيادته منه، وأمددت فيما زيادته من غيره. ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ غلوهم في الكفر، الطغيان: مجاوزة القدر. ﴿يَعْمَهُونَ﴾ يترددون أو يتحيرون، أو يعمون عن الرشد. {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين (١٦) مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلمآ أضآءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (١٧) صم بكم عمي فهم لا يرجعون (١٨)
١٦ -﴿اشْتَرَوُاْ﴾ الكفر بالإيمان على حقيقة الشراء، أو استحبوا الكفر على الإيمان إذ المشتري محب لما يشتريه، إذ لم يكونوا قبل ذلك مؤمنين، أو
105
أخذوا الكفر وتركوا الإيمان. ﴿فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ في اشتراء الضلالة، أو ما اهتدوا إلى تجارة المؤمنين، أو نفى عنهم الربح والاهتداء جميعاً، لأن التاجر قد لا يربح مع أنه على هدى في تجارته، فذلك أبلغ في ذمهم.
١٧ -﴿اسْتَوْقَدَ﴾ أوقد، أو طلب ذلك من غيره للاستضاءة ﴿أَضَآءَتْ﴾ ضاءت النار في نفسها، وأضاءت ما حولها. قال:
(أضاءت لهم أحسابُهم ووجوهُهم
دُجَى الليل حتى نظَّمَ الجَزعَ ثاقبُه)
﴿بِنُورِهِمْ﴾ أي المُستوقد، لأنه في معنى الجمع، أو بنور المنافق عند [٥ / ب] الجمهور، فيذهب في الآخرة فيكون / ذهابه سمة يعرفون بها، أو ذهب ما أظهروه للنبي ﷺ من الإسلام ﴿فِى ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ﴾ لم يأتهم بضياء يبصرون به، أو لم يخرجهم من الظلمات، وحصول الظلمة بعد الضياء أبلغ، لأن من صار في ظلمة بعد ضياء أقل إبصاراً ممن لم يزل فيها، ثم الضياء دخولهم في الإسلام، والظلمة خروجهم منه، أو الضياء تعززهم بأنهم في عداد
١٨ -﴿صُمُّ﴾ أصل الصم: الانسداد، قناة صماء أي غير مجوفة، وصممت القارورة سددتها، فالأصم: المنسد خروق المسامع. ﴿بُكْمٌ﴾ البكم: آفة في اللسان تمنع معها اعتماده على مواضع الحروف، أو الأبكم الذي يولد أخرس، أو المسلوب الفؤاد الذي لا يعي شيئاً ولا يفهمه، أو الذي جمع الخرس وذهاب الفؤاد، صموا عن سماع الحق، فلم يتكلموا به، ولم يبصروه، فهم لا يرجعون إلى الإسلام. {أو كصيب من السمآء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في ءاذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (١٩) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلمآ أضآء لهم مشوا فيه وإذآ أظلم عليهم قاموا ولو شآء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شئ قدير (٢٠)
١٩ -﴿كَصَيِّبٍ﴾ الصيب: المطر، أو السحاب. ﴿الرَّعْدُ﴾ ملك ينعق بالغيث نعيق الراعي بالغنم، سمى ذلك الصوت باسمه، أو ريح تختنق تحت السماء
قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو اصطكاك الأجرام. ﴿الْبَرْقُ﴾ ضرب الملك - الذي هو الرعد - السحاب بمخراق من حديد
قاله علي - رضي الله تعالى عنه -: أو ضربه بسوط من نور
قاله ابن عباس -
107
رضي الله تعالى عنهما - أو ما ينقدح من اصطكاك الأجرام. ﴿الصَّاعِقَةُ﴾ الشديد من صوت الرعد تقع معه قطعة نار. شبه المطر بالقرآن، وظلماته بالابتلاء الذي في القرآن، ورعده بزواجر القرآن، وبرقه ببيان القرآن، وصواعقه بوعيد القرآن في الآجل، ودعائه إلى الجهاد عاجلاً
قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، أو شبه المطر بما يخافونه من وعيد الآخرة، وبرقه بما في إظهارهم الإسلام من حقن دمائهم ومناكحتهم وإرثهم، وصواعقه بزواجر الإسلام بالعقاب عاجلاً وآجلاً، أو شبه المطر بظاهر إيمانهم، وظلمته بضلالهم، وبرقه بنور الإيمان، وصواعقه بهلاك النفاق.
٢٠ -﴿يَكَادُ﴾ يقارب، الخطف: الاستلاب بسرعة. ﴿أَضَآءَ لَهُم﴾ الحق. ﴿مَّشَوْاْ فِيهِ﴾ تبعوه ﴿وَإِذَآ أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ﴾ بالهوى تركوه، أو كلما غنموا وأصابوا خيراً تبعوا المسلمين، وإذا أظلم فلم يصيبوا خيراً قعدوا عن الجهاد. ﴿لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ أسماعهم.
(كلوا في نصف بطنكم تعيشوا... )
{يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلك تتقون (٢١) الذي جعل لكم الأرض فراشا والسمآء بنآء وأنزل من السمآء مآء فأخرج به من الثمرات رزقاً
108
لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون (٢٢) وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدآءكم من دون الله إن كنتم صادقين (٢٣) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (٢٤) }
٢٣ -﴿عَبْدِنَا﴾ العبد مأخوذ من التعبد، وهو التذلل، فسُمي به المملوك من جنس ما يعقل لتذلُلِه لمولاه. ﴿مِّن مِّثْلِهِ﴾ من مثل القرآن، أو من مثل محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه بشر مثلكم. ﴿شُهَدَآءَكُم﴾ أعوانكم، أو آلهتكم، لاعتقادهم أنها تشهد لهم، أو ناساً يشهدون لكم.
٢٤ -﴿وَقُودُهَا﴾ الوقود: الحطب، والوُقود: التوقد. ﴿وَالْحِجَارَةُ﴾ من كبريت أسود، فالحجارة وقود للنار مع الناس. هول أمرها بإحراقها الأحجار كما تحرق الناس، أو أنهم يعذبون فيها بالحجارة مع النار التي وقودها الناس. ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرينَ﴾ إعدادها - مع اتحادها - لا ينفي أن تعد لغيرهم من أهل الكبائر، أو هذه نار أعدت لهم خاصة، ولغيرهم نار أخرى. ﴿وبشر الذين ءامنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار كلما رزقوا منها من ثمرة رزقا قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً ولهم فيهآ أزواج مطهرة وهم فيها خالدون (٢٥) ﴾
٢٥ -﴿وَبَشِّرِ﴾ البشارة: أول خبر يرد عليك بما يسرّ، أو هي أول خبر يسرّ أو يغم، وإن كثر استعمالها فيما يسرّ، أُخذت من البشرة، وهي ظاهر الجلد، لتغيرها بأول خبر. ﴿جَنَّاتٍ﴾ سمي البستان جنة لأن شجره يستره، المفضل:
109
الجنة: كل بستان فيه نخل وإن لم يكن فيه شجر غيره، فإن كان فيه كَرْم فهو فردوس سواء كان فيه شجر غير الكَرْم، أو لم يكن. ﴿مِن تَحْتِهَا﴾ من تحت الأشجار، قيل تجري أنهارها في غير أخدود. ﴿رُزِقُواْ مِنْهَا﴾ أي من ثمر أشجارها. ﴿هَذَا الَّذِى رُزِقْنَا﴾ أي الذي رزقنا من ثمار الجنة كالذي رزقنا من ثمار الدنيا، أو إذا استخلف مكان جَنى الجنة مثله فرأوه فاشتبه عليهم بالذي جنوه قبله فقالوا هذا الذي رزقنا من قبل. ﴿مُتَشَابِهاً﴾ بشبه بعضه بعضاً في الجودة لا رديء فيه، أو يشبه ثمار الدنيا في اللون دون الطعم، أو يشبه ثمار الدنيا في اللون والطعم، أو يشبهها في الأسم دون اللون والطعم، وليس بشيء ﴿مُّطَهَّرَةٌ﴾ في الأبدان، والأخلاق، والأفعال، فلا حيض، ولا ولاد، ولا غائط، ولا بول، إجماعاً. ﴿إن الله لا يستحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها فأما الذين ءامنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذآ أراد الله بهذا مثلاً يضل به كثيراُ ويهدي به كثيراُ وما يضل به إلا الفاسقين (٢٦) الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون مآ أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون (٢٧) ﴾
٢٦ -﴿لايستحي﴾ لا يترك، أو لا يخشى، أو لا يمنع، أصل الاستحياء: الانقباض عن الشيء والامتناع منه خوفاً من مواقعة القبيح.
110
﴿بَعُوضَةً﴾ صغار البق لأنها كبعض بقة كبيرة ﴿فَمَا فَوْقَهَا﴾ ما: صلة، أو بمعنى الذي، أو ما بين بعوضة إلى ما فوقها ﴿فَوْقَهَا﴾ في الكبر، أو في الصغر. نزلت في المنافقين لما ضرب لهم المثل بالمُستوقد والصيب قالوا: الله أعلى أن يضرب هذه / الأمثال، أو ضربت مثلاً للدنيا وأهلها فإن البقة تحيا ما جاعت [٦ / ب] فإذا شبعت ماتت، فكذا أهل الدنيا إذا امتلئوا منا أُخذوا. أو نزلت في أهل الضلالة لما ذكر الله تعالى العنكبوت والذباب قالوا ما بالهما يذكران فنزلت. ﴿يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً﴾ بالمثل كثيراً ﴿وَيَهْدِى بِهِ كَثِيراً﴾ أو يضل بالتكذيب بالأمثال المضروبة كثيراً، ويهدي بالتصديق بها كثيراً، أو حكاه عمن ضل منهم، ومن هتدى.
٢٧ -﴿يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ﴾ النقض: ضد الإبرام، والميثاق: ما وقع التوثق به، والعهد: الوصية، أو الموثق، فعهده: ما أنزله في الكتب من الأمر والنهي، ونقض ذلك، مخالفته، أو العهد: ذكر صفة النبي ﷺ في الكتب، ونقضه: جحودهم له بعد إعطائهم ميثاقهم ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ [آل عمران:
111
١٨٧ -]، أو العهد: ما جعل في العقول من حجج التوحيد، وتصديق الرسل - صلوات الله تعالى عليهم وسلامه - بالمعجزات، أو العهد: الذي أُخذ عليهم يوم الذر إذ أخرجوا من صلب آدم - عليه الصلاة والسلام -، والضمير في ميثاقه عائد على اسم الله تعالى، أو على العهد. عُني بهؤلاء المنافقين، أو أهل الكتاب، أو جميع الكفار. ﴿مَآ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ هو الرسول، قطعوه بالتكذيب والعصيان، أو الرحم والقرابة، أو هو عام في كل ما أمر بوصله. ﴿وَيُفْسِدُونَ فِى الأَرْضِ﴾ بإخافة السبيل، وقطع الطريق، أو بدعائهم إلى الكفر. ﴿الْخَاسِرُونَ﴾ الخسار: النقصان، نقصوا حظوظهم وشرفهم، أو الخسار: الهلاك، أو كل ما نسب إلى غير المسلم من الخسار فالمراد به الكفر، وما نسب إلى المسلم فالمراد به الذنب. ﴿كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (٢٨) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السمآء فسوّاهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم (٢٩) ﴾
٢٨ -﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ﴾ توبيخ، أو تعجب، عجَّبَ المؤمنين من كفرهم ﴿وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ﴾ أمواتاً: عَدَماً، فأحياكم: خلقكم ﴿ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ عند الأجل ﴿ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ في القيامة، أو أمواتاً في القبور، فأحياكم فيها للمساءلة، ثم يميتكم فيها، ثم يحييكم للبعث، لأن حقيقة الموت ما كان عن حياة، أو أمواتاً في الأصلاب، فأحياكم أخرجكم من بطون الأمهات، ثم يميتكم في الأجل، ثم يحييكم للبعث يوم القيامة، أو كنتم أمواتاً بعد أخذ الميثاق يوم الذر، فأحياكم خلقكم في بطون أمهاتكم، ثم يميتكم عند الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة، أو أمواتاً نطفاً، فأحياكم بنفخ الروح، ثم يميتكم في [٧ / أ] الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة، أو كنتم أمواتاً خاملي الذكر، فأحياكم / بالظهور
112
والذكر، ثم يميتكم في الأجل، ثم يحييكم يوم القيامة. ﴿تُرْجَعُونَ﴾ إلى مجازاته على أعمالكم، أو إلى الموضع الذي يتولى الله تعالى فيه الحكم بينكم.
٢٩ -﴿اسْتَوَى إِلىَ السَّمَآءِ﴾ أقبل عليها، أو قصد إلى خلقها، أو تحول فعله إليها، أو استوى أمره وصنعه الذي صنع به الأشياء إليها، أو استوت به السماء، أو علا عليها وارتفع، أو استوى الدخان الذي خلقت منه السماء وارتفع. ﴿وإذ قال ربك للملآئكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم مالا تعلمون (٣٠) ﴾
٣٠ -﴿وَإِذْ قَالَ﴾ " إذ " صلة، أو أصلية مقصودة، لما ذكر نعمه لخلقه بما خلق لهم في الأرض ذكَّرهم نعمه على أبيهم آدم ﷺ أو أنه ذكر ابتداء الخلق كأنه قال وابتدأ خلقكم إذ قال ربك. ﴿لِلْملآئِكَةِ﴾ الملك مأخوذ من ألك
113
يألك إذا أرسل [والألوك: الرسالة] سميت بذلك، لأنها تولك في الفم، يقال: الفرس يألك اللجام ويعلكه، ألكنى إليها: أرسلني إليها، والملك: أفضل الحيوان، وأعقل الخلق، لا يأكل، ولا يشرب ولا ينكح، ولا ينسل، وهو رسول لا يعصي الله - تعالى - في قليل ولا كثير، له جسم لطيف لا يرى إلا إذا قوى الله - تعالى - أبصارنا. ﴿جَاعِلٌ﴾ خالق، أو فاعل. ﴿فِى الأَرْضِ﴾ قيل إنها مكة. ﴿خَلِيفَةً﴾ الخليفة من قام مقام غيره، خليفة: يخلفني في الحكم بين الخلق، هو آدم ﷺ ومن قام مقامه من ذريته، أو بنو آدم يخلفون آدم، ويخلف بعضهم بعضاً في العمل بالحق، وعمارة الأرض، أو آدم وذريته خلفاء من الذين كانوا فيها فأفسدوا، وسفكوا الدماء. ﴿أَتَجْعَلُ﴾ استفهام لم يجبهم عنه، أو إيجاب قالوه ظناً لما رأوا الجن قد أفسدوا في الأرض ألحقوا الإنس بهم في
114
ذلك، أو قالوه عن إخبار الله تعالى لهم بذلك، فذكروا ذلك استعظاماً لفعلهم مع إنعامه عليهم، أو قالوه تعجباً من استخلاقه لهم مع إفسادهم. ﴿وَيَسْفِكُ﴾ السفك: صب الدم خاصة، والسفح: مثله إلا أنه يستعمل في كل مائع على وجه التضييع ولذلك قيل للزنا سفاح. ﴿نسح﴾ التسبيح: التنزيه من السوء على وجه التعظيم، فلا يُسبَّح غير الله - تعالى -، لأنه قد صار مستعملاً في أعلى مراتب التعظيم التي لا يستحقها سواه، نسبح لك نصلي لك، أو نعظمك، أو التسبيح المعروف، أو هو رفع الصوت بالذكر. ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ التقديس: التطهير، الأرض المقدسة: المطهرة. نقدس: نصلي لك، أو نطهرك من الأدناس، أو التقديس المعروف. ﴿مَا لا تعلمون﴾ / ما أضمره إبليس من [٧ / ب] المعصية، أو من ذرية آدم ﷺ من الأنبياء المصلحين، أو ما اختص بعلمه من تدبير المصالح. ﴿وعلّم ءادم الأسمآء كلها ثم عرضهم على الملآئكة فقال أنبئوني بأسمآء هؤلآء إن كنتم صادقين (٣١) قالوا سبحانك لا علم لنآ إلا ما علّمتنآ إنك أنت العليم الحكيم (٣٢) قال يا ءادم أنبئهم بأسمآئهم فلمآ أنبأهم بأسمآئهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون (٣٢) ﴾
٣١ -﴿آدم﴾ سُمي به، لأنه خلق من أديم الأرض: " وهو وجهها الظاهر "، أو أُخذ من الأُدمة. ﴿الأسماء﴾ أسماء الملائكة، أو أسماء ذريته أو أسماء كل شيء، عُلم الأسماء وحدها، أو الأسماء والمسميات، وعلى الأول علمها بلغته التي كان يتكلم بها، أو علمها بجميع اللغات، وعلمها آدم ﷺ ولده فلما تفرقوا تكلمت كل طائفة بلسان ألفوه منها، ثم نسوا الباقي
115
بتطاول الزمان، أو أصبحوا وقد تكلمت كل طائفة بلغة، ونسوا غيرها في ليلة واحدة، وهذا خارق. ﴿عَرَضَهُمْ﴾ الأسماء، أو المسمين على الأصح، وعرضهم بعد أن خلقهم، أو صورهم لقلوب الملائكة ثم عرضهم قبل خلقهم. ﴿أَنبِئُونِى﴾ أخبروني، مأخوذة من الإنباء، وهو الإخبار على الأظهر، أو الإعلام. ﴿صَادِقِينَ﴾ أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه، لأنه وقع لهم ذلك، أو فيما زعمتم أن الخليفة يفسد في الأرض، أو أني إن استخلفتكم سبحتم، وقدستم، وإن أستخلف غيركم عصى، أو أني لا أخلق خلقاً إلا كنتم أفضل منه، أو صادقين: عالمين.
٣٢ -﴿الْعَلِيمُ﴾ العالم من غير تعليم ﴿الْحَكِيمُ﴾ المحكم لأفعاله، أو المصيب للحق، ومنه الحاكم لإصابته، أو المانع من الفساد، وحكمة اللجام تمنع الفرس من شدة الجري. قال:
٣٣ -﴿مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ ما تبدون من قولكم ﴿أتجعل فيها﴾ والمكتوم: ما أسرَّه إبليس من الكِبْرِ، والعصيان، أو ما أضمروه من أن الله - تعالى - لا يخلق خلقاً إلا كانوا أكرم عليه منهم. ﴿وإذ قلنا للملآئكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلآ إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (٣٤) ﴾
﴿ اسجدوا ﴾ أصل السجود : الخضوع، والتطامن، أمروا بذلك تكريماً لآدم صلى الله عليه وسلم وتعظيماً لشأنه، أو جُعل قبلة لهم، وأُمروا بالسجود إليه. ﴿ إلا إبليس ﴾ امتنع حسداً، وتكبراً، وكان أبا الجن كما آدم صلى الله عليه وسلم أبو البشر، أو كان من الملائكة فيكون قوله تعالى ﴿ كان من الجن ﴾ [ الكهف : ٥٠ ] وهم حي من الملائكة يسمون جناً، أو كان من خزان الجنة، فاشتق اسمه منها، أو لأنه جن عن الطاعة، أو الجن اسم لكل مستتر مجتنن. قال :
( براه إلهي واصطفاه لدينه
وملكه ما بين توما إلى مصر )
( وسخر من جن الملائك تسعة
قياماً لديه يعملون بلا أجر )
واشتق من الإبلاس، وهو اليأس من الخير، أو هو اسم أعجمي لا اشتقاق له. ﴿ وكان من الكافرين ﴾ صار منهم، أو كان قبله كفار هو منهم، أو كان من الجن وإن لم يكن قبله جن، كما كان آدم صلى الله عليه وسلم من الإنس وليس قبله إنس.
٣٥ -﴿اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ﴾ خلقت حواء من ضلع آدم ﷺ وهو نائم، ولهذا يقال لها ضلع أعوج، وسميت امرأة لأنها خلقت من المرء، وسميت حواء لأنها خلقت من حي، أو لأنها أم كل حي، وخلقت قبل دخوله الجنة، أو بعد دخوله إليها. ﴿الْجَنَّةَ﴾ جنة الخلد، أو جنة أعدها الله - تعالى - لهما. ﴿رَغَداً﴾ الرغد: العيش الهنيء، أو الواسع، أو الحلال الذي لا حساب فيه. ﴿الشَّجَرَةَ﴾ البر، أو الكرم، أو التين، أو شجرة الخلد التي كانت الملائكة تَحنَك منها. ﴿الظَّالِمِينَ﴾ لأنفسهما، أو المعتدين بأكل ما لم يبح، وأكلها ناسياً فحكم عليه بالمعصية، لترك التحرز، لأنه يلزم الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم وسلامه - من التحرز ما لا يلزم غيرهم أو أكل منها وهو سكران، قاله ابن المسيب: أو أكل عالماً متعمداً، أو تأول النهي على التنزيه دون التحريم، أو على عين الشجرة دون جنسها، أو على قوله تعالى {مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ
118
هذه الشجرة إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ} [الأعراف: ٢٠].
٣٦ -﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ أزالهما: نَحَّاهما، وأزلهما: من الزلل وهو الزوال عن الحق. والشيطان: إبليس، وسوس لهما من غير مشاهدة، ولا خلوص إليهما، أو خلص إليهما وشافههما بالخطاب، وهو الأظهر، وقول الأكثر. ﴿فَأَخْرَجَهُمَا﴾ نسب الخروج إليه، لأنه سببه. ﴿اهْبِطُواْ﴾ الهُبوط: الزوال، والهبوط: موضع الهَبوط، المأمور به آدم، وحواء، وإبليس، والحية، أو آدم، وإبليس، وذريتهما، أو آدم، وحواء والوسوسة. ﴿عَدُوٌّ﴾ بنو آدم وبنو إبليس أعداء، أو الذين أُمروا بالهبوط بعضهم لبعض أعداء. ﴿مُسْتَقَرٌّ﴾ مقامهم عليها، أو قبورهم. ﴿وَمَتَاعٌ﴾ كل ما انتفع به فهو متاع. ﴿إِلَى حِينٍ﴾ الموت، أو قيام الساعة، أو أجل.
{فتلقىءادم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم (٣٧) قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما
119
يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٣٨) والذين كفروا وكذبوا بئاياتنآ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٣٩) }
٣٧ -﴿كَلِمَاتٍ﴾ الكلام من التأثير، لتأثيره في النفس بما يدل عليه من المعاني، والجرح كلم لتأثيره في الجسد. الكلمات قوله - تعالى -: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ﴾ الآية [الأعراف: ٢٣] أو قول آدم ﷺ لربه تبارك وتعالى " أرأيت إن تبت وأصلحت " فقال: إني راجعك إلى الجنة، أو قوله: " لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنك خير الغافرين، اللهم [٨ / ب] لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك ربي إني ظلمت نفسي فارحمني إنك خير الراحمين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب / إني ظلمت نفسي فتب عليَّ إنك أنت التواب الرحيم " ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ توبة العبد الرجوع عن المعصية، وتوبة الرب عليه قبول ذلك، ورجوعه له إلى ما كان عليه، والتوبة واجبة عليه وعلى حواء، وأفرد بالذكر، لقوله تعالى: ﴿فتلقى آدم﴾ أفرده بالذكر فرد الإضمار إليه، أو استغنى بذكر أحدهما عن الآخر لاشتراكهما في حكم واحد ﴿والله ورسوله أحق أن يرضوه﴾ [النور: ٦٢] ﴿انفَضُّوَاْ إِلَيْهَا﴾﴿التَّوَّابُ﴾ الكثير القبول للتوبة. ﴿الرَّحِيمُ﴾ الذي لا يخلي عباده من نعمه. ولم يهبط عقوبة، لأن ذنبه صغير، وهبوطه وقع بعد قبول توبته، وإنما أُهبط تأديباً. أو تغليظاً للمحنة. الحسن " خلق آدم للأرض، فلو لم يعص لخرج على غير تلك الحال " أو يجوز أن يخلق لها إن عصى ولغيرها إن لم يعص.
120
﴿يا بني إسرآءيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون (٤٠) وءامنوا بمآ أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بئاياتي ثمناً قليلاُ وإياي فاتقون (٤١) ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (٤٢) ﴾
٤٠ -﴿إسرائيل﴾ يعقوب، إسرا - بالعبرانية - عبد، وإيل هو الله - تعالى - فهو عبد الله /. ﴿أذْكُرُواْ﴾ الذّكِر باللسان وبالقلب، والذكر بالشرف بصم الذال وكسرها في القلب واللسان. أو بالضم في القلب وبالكسر في اللسان، ومراد الآية ذكر القلب، يقول: لا تتناسوا نعمتي. ﴿نِعْمَتىَ﴾ إنعامي العام على خلقي، أو أنعامي على آبائكم بما ذكر في هذه السورة، فالإنعام على الآباء شرف للأبناء. ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِى﴾ أوفوا بما أمرتكم به ﴿أوف﴾ بما وعدتكم، أو أوفوا بما أنزلته في كتابكم، " أن تؤمنوا بي وبرسلي " أوف لكم بالجنة، سماه عهداً، لأنه عهد به إليهم في الكتب السالفة، أو جعل الأمر كالعهد الذي هو يمين لاشتراكهما في لزوم الوفاء بهما.
٤١ -﴿بما أنزلت﴾ على محمد ﷺ من القرآن ﴿مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ﴾ من التوراة في التوحيد ولزوم الطاعة، أو مصدقاً لما فيها من أنها من عند الله، أو لما فيها من ذكر محمد ﷺ والقرآن. ﴿أَوَّلَ كَافِرِ﴾ بالقرآن من أهل الكتاب، أو محمد صلى الله عليه وسلم، أو بما في التوراة والإنجيل من ذكر محمد ﷺ والقرآن. ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ لا تأخذوا عليه أجراً، وفي كتابهم " يا ابن آدم عَلم مجاناً كما عُلمت مجاناً "، أو لا تأخذوا على تغييره وتبديله ثمناً، أو لا تأخذوا ثمناً على كتم ما فيه من ذكر محمد ﷺ والقرآن.
٤٢ -﴿ولا تلبسوا﴾ ولا تكتموا الصدق بالكذب، اللبس: الخلط، أو اليهودية والنصرانية بالإسلام، أو التوراة المنزلة بما كتبوه بأيديهم
121
الحق} نبوة محمد ﷺ ﴿وأنتم تعلمون﴾ أنه في كتبكم. ﴿وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين (٤٣) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (٤٤) واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين (٤٥) الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون (٤٦) ﴾ [٩ / أ]
٤٣ -﴿اسْجُدُواْ﴾ أصل السجود: الخضوع، والتطامن، أُمروا بذلك تكريماً لآدم ﷺ وتعظيماً لشأنه، أو جُعل قِبلة لهم، وأُمروا بالسجود إليه. {إِلآ
116
إِبْلِيسَ} امتنع حسداً، وتكبراً، وكان أبا الجن كما آدم ﷺ أبو البشر، أو كان من الملائكة فيكون قوله تعالى ﴿كَانَ مِنَ الجن﴾ [الكهف: ٥٠] وهم حي من الملائكة يسمون جِنّاً، أو كان من خزان الجنة، فاشتق اسمه منها، أو لانه جن عن الطاعة، أو الجن اسم لكل مستتر مجتنن. قال:
(براه إلهي واصطفاه لدينه
وملكه ما بين توما إلى مصر)
(وسخر من جن الملائك تسعة
قياماً لديه يعملون بلا آجر)
واشتق من الإبلاس، وهو اليأس من الخير، أو هو اسم أعجمي لا اشتقاق له. ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾ / صار منهم، أو كان قبله كفار هو منهم، أو كان من [٨ / أ] الجن وإن لم يكن قبله جن، كما كان آدم ﷺ من الإنس وليس قبله إنس.
{وقلنا يآ ءادم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة
117
فتكونا من الظالمين (٣٥) فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين (٣٦) }
118
٤٣ -﴿الزَّكَاةَ﴾ من النماء والزيادة /، لأنها تثمر المال، أو من الطهارة بأدائها يطهر المال فيصير حلالاً، أو تطهر المالك من إثم المنع. ﴿الرَّاكِعِينَ﴾ الركوع من التطامن والانحناء، أو من الذل والخضوع، عُبِّر عن الصلاة بالركوع، أو أراد ركوعها إذ لا ركوع في صلاتهم.
٤٥ -﴿بِالصَّبْرِ﴾ على الطاعة، وعن المعصية، أو بالصوم، ويسمى صبراً لأنه يحبس نفسه عن الطعام والشراب، والصبر: حبس النفس عما تنازع إليه. " كان الرسول ﷺ إذا حزبه أمر استعان بالصلاة والصوم " ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾ وإن الصلاة لثقيلة إلا على المؤمنين، أو إن الصبر والصلاة - أرادهما وأعاد الضمير إلى أحدهما، أو أن إجابة محمد ﷺ لشديدة ﴿إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾ الخشوع
122
والخضوع: التواضع، أو الخضوع في البدن، والخشوع في الصوت والبصر.
٤٦ -﴿يظنون أنهم ملاقو رَبِّهِمْ﴾ بذنوبهم لإشفاقهم منها أو يتيقنون عند الجمهور. ﴿رَاجِعُونَ﴾ بالموت، أو بالإعادة، أو إلى أن لا يملك لهم أحد غيره ضراً ولا نفعاً كما كانوا في بدو الخلق. ﴿يا بني إسرآءيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (٤٧) واتقوا يوماً لا تجزى نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (٤٨) ﴾
٤٨ -﴿لاَّ تَجْزِى﴾ لا تغني، أو لا تقضي، جزاه الله خيراً: قضاه. ﴿شَفَاعَةٌ﴾ لا يقدر على شفيع تقبل شفاعته، أو لا يجيبه الشفيع إلى الشفاعة، وإن كان مشفعاً لو شفع. ﴿عَدْلٌ﴾ فدية، وعِدْل: مثل " لا يقبل منه صرف ولا عدل " الصرف: العمل، والعدل: الفدية. أو الصرف: الدية، والعدل: رجل
123
مكانه. أو الصرف: التطوع، والعدل: الفرض أو الصرف: الحيلة، والعدل: الفدية، قاله أبو عبيدة. ﴿وإذ نجيناكم من ءال فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبنآءكم ويستحيون نسآءكم وفي ذالكم بلآء من ربكم عظيم (٤٩) وإذ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنآ ءال فرعون وأنتم تنظرون (٥٠) ﴾
٤٩ -﴿آل فرعون﴾ آل الرجل: هم الذين تؤول أمورهم إليه في نسب أو صحبة، والآل والأهل سواء [أ] والآل يضاف إلى المُظهر دون المضمر
124
والأهل يضاف إليهما، أهل العلم وأهل البصرة ولا يقال آل العلم ولا آل البصرة. ﴿فِرعَوْنَ﴾ اسم رجل معين، أو فرعون لملوك العمالقة، كقيصر للروم وكسرى للفرس، واسم فرعون " الوليد بن مصعب " ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾ يولونكم " سامه خطة خسفٍ ": أولاه، أو يجشمونكم الأعمال الشاقة، أو يزيدونكم على ذلك سوء العذاب ومساومة البيع: مزايدة كل واحد من العاقدين. ﴿يستحيون نِسَآءَكُمْ﴾ يبقونهم أحياء للاسترقاق والخدمة فلذلك كان من سوء [٩ / ب] العذاب. والنساء يقع على الكبار والصغار، أو تسمى به الصغار، اعتباراُ بما يصرن إليه ﴿وَفِى ذَلِكُم﴾ إنجائكم، أو في سومهم إياكم سوء العذاب. والذبح والإبقاء، والبلاء: يستعمل في الاختبار بالخير والشر. والأكثر في الخير: أبليته أبليه إبلاء، وفي الشر: بلوته أبلوه بلاء.
٥٠ -﴿فَرَقْنَا﴾ فصلنا " أو ميزنا " وسمى البحر بحراً لسعته وانبساطه، تبحر في العلم اتسع فيه. ﴿تُنظُرُونِ﴾ إلى سلوكهم البحر، وانطباقه عليهم. ﴿وَإِذْ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (٥١) ثم عفونا عنكم من بعد ذلك لعلكم تشكرون (٥٢) وإذ ءاتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (٥٣) ﴾
٥١ -[ ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى﴾ ] ووجد موسى [عليه السلام] في اليم بين الماء والشجر فسمى لذلك موسى، مو: هو الماء، وسا: هو الشجر. ﴿الْعِجْلَ﴾ قال الحسن: صار لحماً ودماً له خوار ومنع غيره ذلك لما فيه من الخرق المختص بالأنبياء، وإنما جعل فيه خروقاً تدخلها الريح فتصوت كالخوار. وعلى طريق الحسن فالخرق يقع لغير الأنبياء في زمن الأنبياء، لانهم يبطلونه. وقد قال السامري: ﴿هذا إلهكم وإله موسى﴾ [طه: ٨٨] فأبطل أن يدعي بذلك أعجاز الأنبياء، وسمي عجلاً، لأنه عجل بأن صار له خوار، أو
٥٣ -﴿الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ الكتاب: التوراة، وهي الفرقان، أو الفرقان ما في التوراة من الفرق بين الحق والباطل، أو فرقة - سبحانه وتعالى - بين موسى وفرعون بالنصر، أو انفراق البحر. ﴿وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوآ أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم (٥٤) ﴾
٥٤ -﴿بَارِئِكُمْ﴾ خالقكم والبرية: الخلق متروك همزها من برأ الله الخلق، أو من البري وهو التراب، أو من بريت العود، أو من تبرى شيء من غيره إذا انفصل منه، كالبراءة من الدَّيْن والمرض. ﴿فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ﴾ مكنوا من قتلها، أو ليقتل بعضكم بعضاً. والقتل إماتة الحركة قتلت الخمر بالماء إذا مزجتها به، فسكنت حركتها، ابن جريج، جُعلت توبتهم بالقتل، لأن الذين
126
لم ينكروا خافوا القتل فجعلت توبتهم به. ﴿وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون (٥٥) ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (٥٦) وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوآ أنفسهم يظلمون (٥٧) ﴾
٥٧ -﴿الْغَمَامَ﴾ ما غطى السماء من السحاب، غُم الهلال: غطاه السحاب، وكل مُغطى مغموم. وهذا الغمام هو السحاب، أو الذي أتت فيه الملائكة يوم بدر. ﴿الْمَنَّ﴾ ما سقط على الشجر فأكله الناس / أو صمغة، أو [١٠ / أ] شراب كانوا يشربونه ممزوجاً بالماء. أو عسل ينزل عليهم أو الخبز الرقاق، أو الزنجبيل. أو الترنجبين. ﴿السلوى﴾ السماني أو طائر يشبهه. كانت تحشره عليهم ريح الجنوب. ﴿طيبات﴾ اللذيذة، أو الحلال.
{وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغداً وادخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين (٥٨) فبدّل الذين ظلموا قولاً غير
127
﴿الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزاً من السمآء بما كانوا يفسقون (٥٩) ﴾
٥٨ -﴿الْقَرْيَةَ﴾ بيت المقدس، أو قرية بيت المقدس، أو أريحيا. ﴿الْبَابَ﴾ باب القرية المأمور بدخولها، أو باب حِطة، وهو الثامن من بيت المقدس. ﴿سُجَّداً﴾ ركعاً، أو متواضعين خاضعين، أصل: السجود الانحناء تعظيماً وخضوعاً. ﴿حِطَّةٌ﴾ لا إله إلا الله، أو أُمروا بالاستغفار أو حط عنا خطايانا، أو قولوا: هذا الأمر حق كما قيل لكم. [ ﴿نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ ] نغفرها بسترها عليكم فلا نفضحكم، من الغفر وهو الستر، ومنه بيضة الحديد: مغفر.
٥٩ -﴿فَبَدَّلَ﴾ دخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا حنطة في شعيرة استهزاء منهم. ﴿رِجْزاً﴾ عذاب، أو غضب أو طاعون أهلكهم كلهم، وبقي الأنبياء صلوات الله تعالى عليهم وسلامه. ﴿وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين (٦٠) ﴾
٦٠ -﴿اسْتَسْقَى﴾ طلب السقيا، سقيته وأسقيته، أو سقيته بسقى شفته، وأسقيته دللته على الماء. ﴿فَانفَجَرَتْ﴾ الانفجار: الانشقاق، والانبجاس أضيق منه. ﴿عَيْناً﴾ شبهت بعين الحيوان، لخروج الماء منها كما يخرج الدمع. ﴿كُلُّ أُنَاسٍ﴾ لكل سبط عين عرفها لا يشرب من غيرها. ﴿تَعْثَوْاْ﴾ تطغوا، أو تسعوا " العيث ": شدة الفساد..
128
﴿وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثآئها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصراً فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وبآءو بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بئايات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (٦١) ﴾
٦١ -﴿وَفُومِهَا﴾ الحنطة، أو الخبز، أو الثوم. ﴿مِصْراً﴾ مبهماً، أو مصر فرعون، والمصر من القطع لانقطاعه بالعمارة، أو من الفصل، قال:
(" وجاعل الشمس مصراً لاخفاء به... بين النهار وبين الليل قد فصلا "... ) ﴿الذِّلَّةُ﴾ الصغار، أو ضرب الجزية. ﴿والمسكنة﴾ الفقر، أو الفاقة. ﴿وباءوا﴾ نزلوا من المنزلة، قال رجل للرسول صلى الله عليه وسلم: هذا قاتل أخي [قال] : فهو بواء به: أي ينزل منزلته في القتل، أو أصله التسوية أي تساووا في الغضب: عبادة بن الصامت: جعل الله - تعالى - الأنفال إلى نبيه ﷺ فقسمها
129
بينهم على بواء: أي سواءَ، أو رجعوا. والبواء الرجوع لا يكون إلا بشر أو خير. ﴿ويقتلون النبيين﴾ مكنهم من قتل الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم وسلامه - ليرفع درجاتهم، أو كل نبي أمره بالحرب نصره، ولم يمكن من قتله قال الحسن: والنبي من النبأ، وهو الخبر / لإنبائه عن الله - تعالى - أو من النبوة المكان المرتفع، لارتفاع منزلته، أو من النبي وهو الطريق، لأنه طريق إلى الله - تعالى -. ﴿إن الذين ءامنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من ءامن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٦٢) ﴾
٦٢ -﴿هَادُواْ﴾ من هاد يهود هودا وهيادة إذا تاب. أو من قولهم ﴿هُدْنَآ إِلَيْكَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] أو نسبوا إلى يهوذا أكبر ولد يعقوب - عليه الصلاة والسلام - فعربته العرب بالدال. ﴿وَالنَّصَارَى﴾ جمع نصراني، أو نصرانِ عند سيبويه وعند الخليل نصري. لنصرة بعضهم لبعض، أو لقوله تعالى: ﴿مَنْ أنصارى إِلَى الله﴾ [آل عمران: ٥٢] أو كان يقال لعيسى - عليه الصلاة والسلام - الناصري لنزوله الناصرة فنُسب إليه النصارى. ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ جمع صابئ، من
130
الطلوع والظهور، صبأ ناب البعير: طلع، أو من الخروج من شيء إلى آخر، لخروجهم من اليهودية إلى النصرانية، أو من صبا يصبو إذا مال إلى شيء وأحبه على قراءة نافع بغير الهمز، ثم هم قوم بين اليهود والمجوس، أو قوم يعبدون الملائكة، ويصلون إلى القبلة، ويقرءون الزبور، أو دينهم شبيه بدين النصارى، قبلتهم نحو مهب الجنوب حيال منتصف النهار، يزعمون أنهم على دين نوح - عليه الصلاة والسلام - ﴿من الأمن﴾ نزلت في سلمان، والذين نَصَّروه وأخبروه بمبعث النبي ﷺ أو هي منسوخة بقوله تعالى ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام﴾ [آل عمران: ٨٥] والمراد بالنسخ التخصيص.
{وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا مآ ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه
131
لعلكم تتقون (٦٣) ثم توليتم من بعد ذلك فلولا فضل الله عليكم ورحمته لكنتم من الخاسرين (٦٤) ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردةً خاسئين (٦٥) فجعلناها نكالاً لما بين يديها وما خلفها وموعظةً للمتقين (٦٦) }
٦٥ -﴿اعتدوا﴾ بأخذ الحيتان ااستحلالاً، أو حبسوها يوم السبت، وأخذوها يوم الأحد. ﴿السَّبْتِ﴾ من القطع، فهو القطعة من الدهر، أو سبت فيه خلق كل شيء: قطع وفرغ منه، أو تسبت فيه اليهود عن العمل، أو من الهدوء والسكون، لأنهم يستريحون فيه ﴿نَوْمَكُمْ سُبَاتاً﴾ [النبأ: ٩] والنائم مسبوت. ﴿قِرَدَةً﴾ صاروا في صورها، أو لم يمسخوا بل مثلوا بالقردة، كقوله ﴿كَمَثَلِ الحمار﴾ [الجمعة: ٥] قاله مجاهد. ﴿خَاسِئِينَ﴾ مطرودين مبعدين. أو أذلاء.
٦٦ -﴿فَجَعَلْنَاهَا﴾ العقوبة، أو القرية، أو الأمة، أو الحيتان، أو القردة الممسوخ على صورهم. ﴿نَكَالاً﴾ عقوبة، أو عبرة يَنْكُل بها من رآها، أو النكال / الاشتهار بالفضيحة. ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ من القرى، أو ما بين يديها من يأتي بعدهم، وما خلفها الذين عاصروهم. أو ما بين يديها من الذنوب، وما خلفها عبرة لمن يأتي بعدهم. أو ما بين يديها ذنوبهم، وما خلفها للحيتان التي أصابوها، أو ما بين يديها ما مضى من ذنوبهم، وما خلفها ذنوبهم التي أهلكوا بها. ﴿وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزواً قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين (٦٧) قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما هي قال إنه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك فافعلوا ما تؤمرون (٦٨) قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما لونها قال إنه يقول إنها بقرة صفرآء فاقع لونها تسر الناظرين (٦٩) قالوا ادع لنا ربك يبين لنا ما هي إن البقر تشابه علينا وإنآ إن شآء الله لمهتدون (٧٠) قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها قالوا الئان جئت بالحق فذبحوها وما كادوا يفعلون (٧١) ﴾
٦٨ -﴿بَقَرَةً﴾ من البَقْرِ وهو الشق، لأنها تشق الأرض، والذكر: ثور. ﴿فَارِضٌ﴾ ولدت بطوناً كثيرة فاتسع جوفها، لأن الفارض في اللغة: الواسع، أو الكبيرة الهرمة عند الجمهور. ﴿بِكْرٌ﴾ صغيرة لم تحمل، البكر من البهائم
133
والناس: ما لم يفتحله الفحل، والبكر بفتح الباء: فتى الإبل. ﴿عَوَانٌ﴾ النَّصَف، قد ولدت بطناً أو بطنين.
٦٩ -﴿صَفْرَآءُ﴾ اللون المعروف لقوله - تعالى - ﴿فَاقِعٌ﴾ [يقال] أسود حالك، وأحمر قاني، وأبيض ناصع، وأخضر ناضر، وأصفر فاقع، وقال الحسن وحده: سوداء شديدة السواد، كما قالوا: ناقة صفراء أي سوداء، قال:
(تلك خيلي منه وتلك ركابي
هن صفرٌ أولادها كالزبيبِ)
وأُريد بالصفرة قرنها وظلفها، أو جميع لونها. ﴿فَاقِعٌ﴾ شديد الصفرة، أو خالصها، أو صافيها.
٧١ -﴿ذَلُولٌ﴾ أذلها العمل. ﴿تُثِيرُ الأَرْضَ﴾ والإثارة تفريق الشيء ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ من العيوب، أو من الشية: وهي لون يخالف لونها من سواد أو بياض من وشي الثوب: وهو تحسين عيوبه بألوان مختلفة، الواشي: الذي يحسِّن كذبه عند السلطان ليقبله. ﴿جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ بينت الحق، أو قالوا: هذه بقرة فلان جئت بالحق فيها. ﴿وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ﴾ لغلاء ثمنها، لأنه كان بملء
134
مَسْكها ذهباً أو بوزنها عشر مرات، أو خوفاً من الفضيحة بمعرفة القاتل، وكان ثمنها ثلاثة دنانير. ﴿وإذ قتلتم نفساً فادارءتم فيها والله مخرج ما كنتم تكتمون (٧٢) فقلنا اضربوه ببعضها كذلك يحي الله الموتى ويريكم ءاياته لعلكم تعقلون (٧٣) ﴾
٧٣ -﴿بِبَعْضِهَا﴾ بفخذها، أو ذنبها، أو عظم من عظامها، أو بعض آرابها، أو البضعة التي بين الكتفين. فلما حيي القتيل قال: قتلني ابن
135
أخي، ثم مات فحلف بنو أخيه بالله ما قتلناه. ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منا المآء وإن منها لما يهبط من خشية الله وما الله بغافل عما تعملون (٧٤) ﴾
٧٤ -﴿قَسَتْ قُلُوبُكُم﴾ في ابن أخي الميت لما أنكر قتله بعد سماعه منه، أو في جملة بني إسرائيل قست قلوبهم من بعد جميع الآيات التي أظهرها الله - تعالى - على موسى. ﴿أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ أو ها هنا وفيما أشبهه للإبهام على المخاطب. أبو الأسود الدؤلي:
(أحب محمداً حباً شديداً
وعباساً وحمزة أو علياً)
فلما قيل له في ذلك استشهد بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدىً﴾، أو تكون بمعنى " الواو " قال جرير:
136
(نال الخلافة أو كانت له قدراً
كما أتى ربه موسى على قدر)
أو تكون بمعنى " بل "، أو تكون لإباحة التشبيه بكل واحد منهما. أو هي كالحجارة أو أشد قسوة عندكم. ﴿يَهْبِطُ﴾ هبوطه تفيؤ ظلاله أو هو
137
لجلالة الله سبحانه أو [يُرى] كأنه هابط خاشع لعظم أمر الله تعالى
(لما أتى خبرُ الزبير تواضعت
سورُ المدينة والجبالُ الخشعُ)
أو كل حجر تردى من رأس جبل فمن خشية الله تعالى، أو يعطي بعض الجبال المعرفة [فيعقل طاعة الله - تعالى -] وقد حن الجذع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وسلم عليه حجر بمكة.
138
﴿أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون (٧٥) وإذا لقوا الذين ءامنوا قالوا ءامنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحآجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون (٧٦) ﴾
٧٦ -﴿فَتَحَ اللَّهُ﴾ ذكركم الله - تعالى - به، أو أنزله في التوراة من نبوة محمد ﷺ أو قول بني قريظة للرسول ﷺ لما قال لهم: " يا إخوة القردة " - من حدثك بهذا، أو أسلم منهم ناس، ثم نافقوا وحدثوا العرب بما عُذبوا به، فقال بعضهم لبعض ﴿أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ أي بما قضى وحكم، والفتح: القضاء والحكم. ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلآ أماني وإن هم إلا يظنون (٧٨) فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (٧٩) ﴾
٧٨ -﴿أُمِّيُّونَ﴾ قوم لم يصدقوا رسولاً، ولا كُتباً وكتبوا كتاباً بأيديهم وقالوا لجهالهم هذا من عند الله، والأظهر أن الأمي هو الذي لا يقرأ ولا
139
يكتب، نسب إلى أصل ما عليه الأمَّة من أنها لا تكتب ابتداء، أو أنه على ما ولدته أمه، أو نسب إلى أمه، لأن المرأة لا تكتب غالباً. ﴿أمَانِىَّ﴾ تلاوة، أو كذباً، أو أحاديث، أو يتمنون على الله - تعالى - ما ليس لهم.
٧٩ -﴿فَوَيْلٌ﴾ عذاب، أو تقبيح، أو حزن، أو وادٍ في النار، أو جبل فيها، أو وادٍ من صديد في أصلها. ﴿يَكْتُبُونَ﴾ يغيرون ما في التوراة من ذكر محمد ﷺ ﴿بِأَيْدِيهِمْ﴾ تحقيق للإضافة إليهم، أو من تلقاء أنفسهم. ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ حراماً، أو ﴿مَتَاعُ الدنيا قليل﴾ [النساء: ٧٧]. ﴿وقالوا لن تمسنا النار إلآ أياماً معدودةُ قل أتخذتم عند الله عهداً فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون (٨٠) بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٨١) والذين ءامنوا وعملوا الصالحات أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون (٨٢) وإذ أخذنا مثاق بني إسرآءيل لا تعبدون إلا الله وبالوالدين إحسانا وذي القربى واليتامى والمساكين وقولوا للناس حسناً وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة ثم توليتم إلا قليلا منكم وأنتم معرضون (٨٣) ﴾
٨٠ -﴿مَّعْدُودَةً﴾ سبعة أيام، زعموا أن عمر الدنيا سبعة آلاف وأنهم يعذبون على كل ألف يوماً واحداً من أيام الآخرة، وهو ألف سنة من أيام الدنيا، أو أربعون يوماً التي عبدوا فيها العجل، أو زعموا أن في التوراة أن مسيرة ما بين طرفي [جهنم] أربعون سنة يسيرون كل سنة في يوم فإذا انقطع السير
٨١ -﴿بَلَى﴾ إيجاب للنفي: إذا قال مالي عليك شيء فقال بلى [كان رداً لقوله، وتقديره " بلى لي عليك "]. ﴿سَيِّئَةً﴾ شركاً، أو ذنوباً وعد عليها بالنار. ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ مات عليها، أو سدت / عليه مسالك النجاة. ﴿وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دمآءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون (٨٤) ثم أنتم هؤلآء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقاً منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزآء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون (٨٥) أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون (٨٦) ﴾
٨٤ -[ ﴿لا تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ﴾ ] لا تقتلون أنفسكم لا يقتل بعضكم بعضاً أو لا تقتلوا أحداً فيقتص منكم به، فتكونوا قاتلين لأنفسكم بالتسبب، والنفس من النفاسة، لأنها أنفس ما في الإنسان. ﴿دِيَارِكُمْ﴾ الخليل: كل موضع حله قوم فهو دار وإن لم يكن فيه أبنية، أو الدار موضع فيه أبنية المقام.
٨٥ -﴿تَظَاهَرُونَ﴾ تتعاونون. ﴿الإِثْمِ﴾ الفعل الذي يستحق عليه الذم. ﴿العدوان﴾ مجاوزة الحق، أو الإفراط في الظلم. ﴿أُسَارَى﴾ أَسري جمع أسير، وأُساري جمع أَسرى، أو الأُساري: الذين في الوثاق، والأَسرى: الذين في اليد وإن لم يكونوا في وثاق، قاله ابن العلاء: ﴿ولقد ءاتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وءاتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون (٨٧) وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (٨٨) ﴾
٨٧ -﴿وَقَفَّيْنَا﴾ أتبعنا، التقفية: الإتباع. ﴿الْبَيِّنَاتِ﴾ الحجج، أو الإنجيل أو إحياء الموتى، وخلق الطير، وإبراء الأسقام. ﴿بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ الاسم الذي كان يحيي به الموتى، أو جبريل عليه السلام - على الأظهر - سمي به، لأنه كالروح للبدن يحيا بما يأتي به من الوحي، أو لأن الغالب على جسده الروحانية، أو لأنه وجد بقوله ﴿كن﴾ من غير ولادة، القدس: البركة، أو الطهر لبراءته من الذنوب، والقدس والقدوس واحد.
٨٨ -﴿غُلْفُ﴾ في أغطية لا تفقه، أو هي أوعية للعلم. ﴿لعنهم﴾
142
طردهم وأبعدهم. ﴿فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ﴾ قليلاً من يؤمن منهم، لأن من آمن من المشركين أكثر ممن آمن من أهل الكتاب، أو لا يؤمنون إلا بالقليل من كتابهم، و " ما " صلة. ﴿ولما جآءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فما جآءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (٨٩) بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بمآ أنزل الله بغياً أن ينزل الله من فضله على من يشآء من عباده فبآءو بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين (٩٠) ﴾
٨٩ -﴿كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ القرآن. ﴿مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ﴾ من التوراة والإنجيل أنه من عند الله تعالى، أو مصدق لما فيهما من الأخبار ﴿يَسْتَفْتِحُونَ﴾ يستنصرون.
٩٠ -﴿اشْتَرَوُاْ﴾ باعوا ﴿بَغْياً﴾ حسداً، والبغي: شدة الطلب للتطاول، أصله الطلب، الزانية بغي، لطلبها الزنا. ﴿بغضب على غضب﴾ الأول: كفرهم بعيسى صلى الله عليه وسلم، والثاني: كفرهم بمحمد ﷺ أو الأول: قولهم: عزير ابن الله، ويد الله مغلولة، وتبديلهم الكتاب، والثاني: كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو عبّر بذلك عن لزوم الغضب لهم. ﴿مَهِينٌ﴾ مذل، عذاب الكافر مهين، لأنه لا يمحص دينه بخلاف عذاب المؤمن، لأنه ممحص لدينه.
{وإذا قيل لهم ءامنوا بمآ أنزل الله قالوا نؤمن بمآ أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم
143
مؤمنين (٩١) ولقد جآءكم موسى بالبينات ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (٩٢) }
٩٣ -﴿وَاسْمَعُواْ﴾ اعملوا بما سمعتم، أو اقبلوا ما سمعتم، سمع الله لمن حمده قبل حمده. ﴿سَمِعْنَا) {قولك﴾ (وَعَصَيْنَا} أمرك، قالوه سراً، أو فعلوا ما دل عليه، ولم يقولوه / فقام فعلهم مقام قولهم:
(امتلأ الحوض وقال: قطني... مهلاً رويداً قد ملأتُ بطني) ﴿وَأُشْرِبُواْ فِى قلوبهم﴾ حب العجل. أو برده موسى - عليه الصلاة والسلام - وألقاه في اليم فمن شرب ممن أحب العجل ظهرت سحالة الذهب على شفتيه.
144
﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصةً من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين (٩٤) ولن يتمنوه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين (٩٥) ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون (٩٦) ﴾
٩٤ -﴿من دون الناس﴾ كلهم، أو محمد ﷺ وأصحابه - رضوان الله تعالى عليهم -، قال الرسول ﷺ " لو تمنوا الموت لماتوا ولرأوا مقاعدهم من النار فلم يتمنوه علماً منهم أنهم لو تمنوه لماتوا كما قال: أو صرفوا عن إظهار تمنيه آية للرسول صلى الله عليه وسلم.
٩٦ -﴿ولتجدنهم﴾ اليهود. ﴿الَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ المجوس. ﴿يَوَدُّ﴾ أحد المجوس ﴿لَوْ يعمر ألف سنة﴾﴿بمزحزحه﴾ بمباعده. ﴿قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين (٩٧) من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين (٩٨) ﴾
٩٧ -﴿عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ﴾ نزلت لما قال ابن صوريا للرسول صلى الله عليه وسلم: أي
145
ملك يأتيك بما يقول الله تعالى قال: جبريل - عليه السلام - قال: ذاك عدونا ينزل بالقتال والشدة، وميكائيل يأتي باليسر والرخاء. فلو كان هو الذي يأتيك آمناً بك فنزلت. وجبر: عبد، وميكا: عُبيد، وأيل: هو الله - تعالى -، وهما عبد الله وعُبيد الله، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: ولم يخالف فيه أحد، وخُصا بالذكر وإن دخلا في عموم الملائكة تشريفاً وتكريماً، أو نص عليهما لأنهم يزعمون أنهم ليسوا بأعداء لله - تعالى - ولملائكته أجمع بل هم أعداء لجبريل وحده، فأبطل مثل هذا التأويل بذكر جبريل - عليه السلام -.
٩٨ -﴿عَدُوٌ لِّلْكَافِرِينَ﴾ لم يقل عدو لهم لجواز انتقالهم عن العداوة بالإيمان.
{ولقد أنزلنآ إليك ءايات بينات وما يكفر بهآ إلا الفاسقون (٩٩) أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون (١٠٠) ولما جآءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله ورآء
146
ظهورهم كأنهم لا يعلمون (١٠١) واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ومآ أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (١٠٢) ولو أنهم ءامنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون (١٠٣) }
١٠٢ -﴿مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ﴾ نزلت، لأن كاتب سليمان " آصف بن برخيا " واطأ نفراً من الجن على أن دفنوا كتاب سحر تحت كرسي سليمان - عليه الصلاة والسلام - ثم أخرجوه بعد موت سليمان - عليه الصلاة والسلام - وقالوا: هذا سحر سليمان، فبرأه الله - تعالى - من ذلك، أو استرقت الشياطين السمع، واستخرجت السحر، فاطلع عليه سليمان - عليه الصلاة والسلام - فنزعه منهم ودفنه تحت كرسيه، فلم يقدر الشياطين أن يدنوا إلى الكرسي في حياته، فلما مات قالت: للإنس: إن العلم الذي سخر به سليمان الريح والجن تحت كرسيه فأخرجوه، وقالوا: كان ساحراً، ولم يكن نبياً، فتعلموه وعلموه، فبرأه الله - تعالى - من ذلك. ﴿ولكن الشياطين كفروا﴾ بنسبتهم سليمان - عليه الصلاة والسلام - إلى السحر " أو بما استخرجوه من السحر " ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ بإلقائه في قلوبهم " أو
147
بدلالتهم عليه حتى أخرجوه ". ﴿وَمَآ أُنزِلَ﴾ " ما " بمعنى الذي، أو نافيه. ﴿الْمَلَكَيْنِ﴾ بالكسر علجان من علوج بابل، والقراءة المشهورة بالفتح. زعمت سحرة اليهود / أن جبريل وميكائيل أُنزل السحر على لسانهما إلى سليمان - عليه الصلاة والسلام - فأكذبهم الله، والتقدير: وما كفر سليمان وما أنزل على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس ﴿ببابل هاروت وماروت﴾ وهما رجلان ببابل، أو هاروت وماروت ملكان أُهبطا إلى الأرض في زمن إدريس - عليه الصلاة والسلام - فلما عصيل لم يقدرا على الرقي إلى السماء فكانا يعلمان السحر. ﴿السحر﴾ خدع ومان تحول الإنسان حماراً وتُقلَب بها الأعيان وتنشأ بها الأجسام، أو هو تخييل ولا يقدر الساحر على قلب الأعيان ولا إنشاء الأجسام، قال الله تعالى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن
148
سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تسعى} [طه: ٦٦]، ولما سحر الرسول ﷺ كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن فعله
قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - " الساحر يوسوس ويمرض ويقتل "، إذ التخيل بدو الوسوسة، والوسوسة بدو المرض، والمرض بدو التلف. ﴿بِبَابِلَ﴾ الكوفة وسوادها، سميت بذلك لتبلبل الألسن بها، أو من نصيبين إلى رأس عين، أو جبل نهاوند. ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ على هاروت وماروت أن لا يعلما أحداً حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر بما تتعلمه من السحر. ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾ من هاروت وماروت، أو من السحر والكفر أو من الشياطين والملكين - السحر من الشياطين، وما يفرق بين الزوجين من الملكين. ﴿بِإِذْنِ﴾ ما يضرون بالسحر أحداً ﴿إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بأمره، أو بعلمه. ﴿مَا يَضُرُّهُمْ) {في الآخرة﴾ (وَلا يَنفَعُهُمْ) ﴿في الدنيا﴾ (مِنْ خَلاقٍ} لا نصيب لمن اشترى السحر، أو لا جهة له، أو الخلاق: الدين. ﴿شَرَوْاْ﴾ باعوا ﴿بِهِ أَنفُسَهُمْ﴾ من السحر والكفر بفعله وتعليمه، أو من إضافتهم السحر إلى سليمان - عليه الصلاة والسلام -.
149
﴿يآ أيها الذين ءامنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا واسمعوا وللكافرين عذاب أليم (١٠٤) ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشآء والله ذو الفضل العظيم (١٠٥) ﴾
١٠٤ -﴿رَاعِنَا﴾ لا تقولوا: خلافاً، أو أرعنا سمعك أي اسمع منا ونسمع منك. كانت الأنصار تقولها في الجاهلية فنهوا عنها في الإسلام، أو قالتها اليهود للرسول ﷺ على وجه الاستهزاء والسب، أو قالها رفاعة بن زيد وحده - فنهي المسلمون عنها. ﴿انظُرْنَا﴾ أفهمنا وبيّن لنا، أو أمهلنا، أو أقبل علينا وانظر إلينا، ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ ما تؤمرون به. ﴿ما ننسخ من ءاية أو ننسها نأت بخير منهآ أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (١٠٦) ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (١٠٧) أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سوآء السبيل (١٠٨) ﴾
١٠٦ -﴿مَا نَنسَخْ﴾ نسخها: قبضها، أو تبديلها، أو تبديل حكمها مع بقاء رسمها. ﴿أَوْ نُنسِهَا﴾ ننسكها، كان يقرأ الآية ثم ينسى وترفع، أو يريد به الترك: أي ما نرفع من آية، أو نتركها فلا نرفعها
قاله ابن عباس - رضي الله تعالى
150
عنهما -، " قلت: وفيه إشكال ظاهر "، أو يريد به نمحها / ﴿نَنْسَأَها﴾ نؤخرها أنسأت أخرت، ومنه بيع النسيئة. ﴿بِخَيْرٍ مِّنْهَآ﴾ أنفع، وأرفق، وأخف، فيكون الناسخ أكثر ثواباً آجلاً، كنسخ صوم أيام معدودات برمضان، أو أخف عاجلاً، كنسخ قيام الليل. ﴿أَوْ مِثْلِهَا﴾ مثل حكمها في الخفة والثقل والثواب، كنسخ التوجه إلى القدس بالتوجه إلى الكعبة، فإنه مثله في المشقة والثواب. ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ بمعنى أما علمت، أو هو تقرير وليس باستفهام، أو خوطب به والمراد أمته، ولذلك أردفه بقوله: ﴿وَمَا لَكُم من دون الله﴾ }.
{ودّ كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفاراً حسداً من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير (١٠٩) وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة وما تقدّموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير (١١٠) وقالوا لن يدخل الجنة إلا
151
من كان هوداً أو نصارى تلك أمانيّهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (١١١) بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (١١٢) وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (١١٣) }
١٠٩ -﴿وَدَّ كَثِيرٌ﴾ دعا فنحاص وزيد بن قيس - حذيفة وعمارا إلى دينهما فأبيا عليهما فنزلت. ﴿تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ صحة الإسلام، ونبوة
152
محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. ﴿فَاعْفُواْ﴾ اتركوا اليهود، ﴿وَاصْفَحُواْ﴾ عن قولهم. ﴿بِأَمْرِهِ﴾ بإجلاء بني النضير. وقتل بني قريظة وسبيهم.. ﴿ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابهآ أولئك ما كان لهم أن يدخلوهآ إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم (١١٤) ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (١١٥) ﴾
١١٤ -﴿مساجد الله﴾ المساجد المعروفة، أو جميع الأرض التي تقام فيها العبادة " جعلت لي الأرض مسجدا ". أُنزلت في بختنصر وأصحابه المجوس خربوا بيت المقدس، أو في النصارى الذين أعانوا بختنصر على خرابه، أو
153
في قريش لصدهم الرسول ﷺ عن الكعبة عام الحديبية، أو عامة في كل مشرك منع من مسجد. ﴿خَرَابِهَآ﴾ هدمها، أو منعها من ذكر الله - تعالى - فيها. ﴿خَآئِفِينَ﴾ من الرعب إن قُدِرَ عليهم عوقبوا. ﴿خِزْىٌ﴾ الجزية، أو فتح مدائنهم، عمورية، وقسطنطينية، ورومية.
١١٥ -﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ﴾ لما حولت [القبلة إلى] الكعبة تكلمت اليهود فيها فنزلت، أو أذن لهم قبل فرض الاستقبال أن يتوجهوا حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب، أو في صلاة التطزوع في
154
السفر، وللخائف - أيضاً -، أو في قوم من الصحابة خفيت عليهم القبلة فصلوا على جهات مختلفة ثم أخبروا الرسول ﷺ فنزلت، أو في النجاشي فإنه كان يصلي إلى غير القبلة، أو قالوا لما نزل قوله تعالى: {ادعوني
155
أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: ٦٠] قالوا: إلى أين؟ فنزلت، أو أين ما كنتم من شرق أو غرب فلكم قبلة هي الكعبة. ﴿فَثَمَّ﴾ إشارة إلى المكان البعيد. ﴿وَجْهُ اللَّهِ﴾ قبلته، أو فثم الله كقوله تعالى: ﴿ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ [الرحمن: ٢٧]. ﴿وقالوا اتخذ الله ولداً سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (١١٦) بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون (١١٧) وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينآ ءاية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون (١١٨) ﴾
١١٦ -﴿وَلَداً﴾ نزلت في النصارى، لقولهم في المسيح صلى الله عليه وسلم، أو في العرب، قالوا: الملائكة بنات الله. ﴿قَانِتُونَ﴾ مطيعون أو مقرون بالعبودية، أو قائمون يوم القيامة، والقنوت: القيام.
١١٧ -﴿بَدِيعُ﴾ منشئهما على غير مثال سبق، وكل منشئ ما لم يسبق إليه فهو مبدع. ﴿قَضَى﴾ أحكم وفرغ.
(/ وعليهما مسرودتان قضاهما... داود أو صَنَعُ السَّوابغ تُبعُ) ﴿كُن﴾ هذا أمر للموجودات بالتحول من حال إلى أخرى كقوله - تعالى: - ﴿كونوا قردة﴾ [٦٥] وليس إنشاء للمعدوم، أو هو لإنشاء المعدوم، لأنه لما علم بها جاز أن يقول لها: " كن " لتحققها في علمه، أو عبر عن نفوذ قدرته وإرادته في كل شيء بالقول ولا قول.
(قد قالت الأنساع للبطن الحق... )
١١٨ -﴿الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ اليهود، أو النصارى، أو مشركو العرب ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم﴾ اليهود، أو اليهود والنصارى. ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ شابهت قلوب النصارى قلوب اليهود، أو قلوب مشركي العرب لقلوب اليهود والنصارى. ﴿إنآ أرسلناك بالحق بشيراً ونديراً ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (١١٩) ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهوآءهم بعد الذي جآءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (١٢٠) الذين ءاتنياهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (١٢١) يا بني إسرآءيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (١٢٢) واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون (١٢٣) ﴾
١٢١ -﴿الذين آتيناهم الكتاب﴾ المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب: القرآن، أو علماء اليهود، والكتاب: التوراة، ﴿يتلونه﴾ يقرءونه حق قراءته، أو يتبعونه حق اتباعه بإحلال حلاله، وتحريم حرامه، قاله الجمهور. ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بمحمد صلى الله عليه وسلم. ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين (١٢٤) ﴾
١٢٤ -﴿ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ بالسريانية آب رحيم. ﴿بِكَلمَاتٍ﴾ شرائع الإسلام، ما ابتلى أحد بهذا الدين فقام به كله سواه، فكتب الله - تعالى - له البراءة، فقال - تعالى -: ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى﴾ [النجم: ٣٧] وهي ثلاثون سهماً، عشر في براءة ﴿التائبون العابدون﴾ [١١٢] وعشر في " الأحزاب " ﴿إن المسلمين والمسلمات﴾ [٣٥] وعشر في المؤمنين [١ - ٩]، ﴿وسأل سائل﴾ [٢٢ - ٣٤] إلى قوله ﴿على صلاتهم يحافظون]، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أو هي عشر من سنن الإسلام: خمس في الرأس، قص الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس، وفي الجسد، تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر البول والغائط بالماء، أو هي عشر: ست في الإنسان، حلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وتقليم الإظفار، وقص الشارب، وغسل الجمعة، وأربع في المشاعر الطواف والسعي بين الصفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة، أو مناسك الحج خاصة، أو الكوكب، والقمر، والشمس؛ والنار والهجرة والختان، ابتُلي بهن فصبر،
أو ما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ألا أخبركم لم سمى الله - تعالى - إبراهيم خليله {الذي وفى﴾ ؟ [النجم: ٣٧] لأنه كان يقول كلما أصبح وأمسى ﴿فَسُبْحَانَ الله حِينَ تُمْسُونَ وحين تصبحون﴾ [الروم: ١٧] إلى
159
قوله تعالى ﴿تظهرون﴾، أو قول الرسول / ﷺ " أتدرون ما ﴿وَفَّيَ﴾ ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: وفيَّ عمل يومه أربع ركعات في النهار "، أو قال له ربه: " إني مبتليك، قال: أتجعلني للناس إماماً، قال: نعم: قال: ومن ذريتي قال: لا ينال عهدي الظالمين، قال: تجعل البيت مثابة للناس قال: نعم، قال: وأمنا قال: نعم، قال: وتجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك. قال: وترينا مناسكنا وتتوب علينا قال: نعم، قال: وتجعل هذا البيت آمناً، قال: نعم، قال: وترزق أهله من الثمرات، قال: نعم، فهذه الكلمات التي أبتُلى بها. ﴿إمَاماً﴾ متبوعاً. ﴿عَهْدِى﴾ النبوة، أو الإمامة، أو دين الله، أو الأمان، أو الثواب، أو لا عهد عليك لظالم أن تطيعه في ظلمة، قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.
160
﴿وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى وعهدنآ إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي للطآئفين والعاكفين والركع السجود (١٢٥) وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلداً ءامناً وارزق أهله من الثمرات من ءامن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلاً ثم أضطره إلى عذاب النار وبئس المصير (١٢٦) ﴾
١٢٥ -﴿مَثَابَةً﴾ مجمعاً يجتمعون عليه في النسكين، أو مرجعاً، ثابت العلة: رجَعَت. أي يرجعون إليه مرة بعد أخرى، أو يرجعون إليه في كلا النسكين من حل إلى حرم. ﴿وَأَمْناً﴾ لأهله في الجاهلية، أو للجاني من إقامة الحد عليه فيه. ﴿مَّقامِ إِبْرَاهِيمَ﴾ عرفة ومزدلفة والجمار، أو الحرم كله، أو الحج كله. أو الحجر الذي في المسجد على الأصح. ﴿مُصَلَّى﴾ مُدَّعَى يُدْعَى فيه، أو الصلاة المعروفة وهو أظهر ﴿وَعَهِدْنَآ﴾ أمرنا، أو أوحينا. ﴿طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ من الأصنام، أو الكفار، أو الأنجاس، أُمرا ببنائه مطهراً، أو يُطهرا مكانه. ﴿لِلطَّآئِفِينَ﴾ الغرباء الذين يأتونه من غربة، أو الذين يطوفون به. ﴿وَالْعَاكِفِينَ﴾ أهل البلد الحرام، أو المصلون، أو المعتكفون، أو مجاورو البيت بغير طواف ولا اعتكاف ولا صلاة. ﴿والركع السجود﴾ المصلون.
١٢٦ -﴿من آمن﴾ إخبار من الله - تعالى -، أو من دعاء إبراهيم، ولم تزل مكة حرماً آمناً من الجبابرة والخوف والزلازل، فسأل إبراهيم أن يجعله آمناً من الجدب والقحط، وأن يرزق أهله من الثمرات، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن الله حرم مكة يوم خلق الله السموات والأرض "، أو كانت حلالاً قبل دعوة
161
إبراهيم، وإنما حرمت بدعوة إبراهيم عليه - الصلاة والسلام -، كما حرم الرسول ﷺ المدينة فقال: " وإن إبراهيم قد حرم مكة وإني قد حرمت المدينة ". ﴿وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم (١٢٧) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (١٢٨) ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم ءاياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم (١٢٩) ﴾
١٢٨ -﴿أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ﴾ المسلم: الذي استسلم لأمر الله وخضع له. ﴿وَأَرِنَا﴾ عرفنا ﴿مَنَاسِكَنَا﴾ مناسك الحج، أو الذبائح / والنسك: العبادة، والناسك: العابد، أو من قولهم لفلان منسك أي مكان يعتاد التردد إليه بخير أو
162
شر، فسميت مناسك، لأنه يتردد إليها في الحج والعمرة.
١٢٩ -﴿رسولا منهم﴾ محمداً ﷺ ﴿آياتك﴾ الحجج، أو يبيّن لهم دينك. ﴿الْكِتَابُ﴾ القرآن. ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ السنة، أو معرفة الدين، والتفقه فيه، والعمل به. ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ يطهرهم من الشرك، أو يزكيهم بدينه إذا تابعوه، فيكونون عند الله - تعالى - أزكياء. ﴿ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (١٣٠) إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين (١٣١) ووصى بهآ إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون (١٣٢) أم كنتم شهدآء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإلاه ءابآئك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون (١٣٣) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (١٣٤) ﴾
١٣٢ -﴿وَوَصَّى بِهَآ﴾ بالملة لتقدم ذكرها. ﴿إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ أي لا تفارقوا الإسلام عند الموت. ﴿وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين (١٣٥) قولوآ ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط ومآ أوتي موسى وعيسى ومآ أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون (١٣٦) فإن ءامنوا بمثل مآ ءامنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم (١٣٧) صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون (١٣٨) ﴾
١٣٥ -﴿كُونُواْ هُوداً﴾ قالت اليهود: " كونوا هوداً "، وقالت النصارى: كونوا نصارى. ﴿بَلْ مِلَّةَ﴾ بل نتبع ملة، أو نهتدي بملة. أو الملة من الإملال يُملونها من كتبهم. ﴿حَنِيفاً﴾ مخلصاً، أو متبعاً، أو حاجاً، أو مستقيماً، أخذ الحنيف، من الميل، رجل أحنف: مالت كل واحدة من قدميه إلى الأخرى، سمى به إبراهيم، لأنه مال إلى الإسلام أو أخذ من الاستقامة، وقيل للرجل أحنف تفاؤلاً بالاستقامة، وتطيراً من الميل، كالسليم للديغ، والمفازة للمهلكة.
١٣٨ -﴿صبغة الله﴾ دين الله لظهوره كظهور الصبغ على الثوب، وكانت النصارى يصبغون أولادهم في مائهم تطهيراً لهم كالختان، فرد الله - تعالى - عليهم بأن الإسلام أحسن، أو صبغة الله - تعالى - خلقة الله لإحداثها كحدوث اللون على الثوب. ﴿قل أتحاجوننا في الله وهو ربنا وربكم ولنآ اعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون (١٣٩) أم تقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هوداً أو نصارى قل ءأنتم أعلم أم الله ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون (١٤٠) تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون (١٤١) ﴾
١٤٠ -﴿الأسباط﴾ الجماعة الذين يرجعون إلى آب واحد، من السبط وهو الشجر الذي يرجع بعضه إلى بعض. ﴿شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللَّهِ﴾ هم اليهود كتموا ما في التوراة من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
{سيقول السفهآء من الناس ما ولّاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق
١٤٢ -﴿السُّفَهَآءُ﴾ اليهود، أو المنافقون، أو كفار قريش. ﴿وَلاهُمْ﴾ صرفهم، والقبلة التي كانوا عليها بيت المقدس " صلى إليها الرسول ﷺ بمكة وبعد الهجرة ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً " أو ثلاثة عشر، أو تسعة
166
أشهر، أو عشرة " ثم نسخت بالكعبة والرسول ﷺ بالمدينة قد صلى من الظهر ركعتين فانصرف بوجهه إلى الكعبة ". وقال البراء: " كان في صلاة العصر بقباء، فمر رجل على أهل المسجد فقال: أشهد لقد صليت مع الرسول ﷺ قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت " وقبلة / كل شيء ما قابل وجهه، واستقبل بيت المقدس بأمر الله - تعالى - ووحيه لقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِى كُنتَ عَلَيْهَآ﴾، أو استقبله برأيه واجتهاده تأليفاً لأهل الكتاب، أو أراد [الله تعالى] أن يمتحن العرب بصرفهم عن البيت الذي ألفوه للحج - إلى بيت المقدس.
167
﴿لِّلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ﴾ فحيثما أمر باستقباله فهو له. ﴿وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهدآء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً وما جعلنا القبلة التي كنت عليهآ إلاّ لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلاّ على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم (١٤٣) ﴾
أو لتوسطهم بين اليهود والنصارى في الدين، غَلَتْ النصارى في المسيح وترهبوا، وقصرت اليهود بتبديل الكتاب، وقتل الأنبياء - صلوات الله تعالى عليهم وسلامه - والكذب على الله تعالى، أو عدلاً بين الزيادة والنقصان. ﴿شهداء على الناس﴾ بتبليغ الرسول ﷺ إليهم الرسالة، أو تشهدون على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالة اعتماداً على إخبار الله - تعالى - وهذا مروي عن
168
الرسول ﷺ أو محتجين فعبّر عن الاحتجاج بالشهادة. ﴿شَهِيداً﴾ لكم بالإيمان فتكون " على " بمعنى " اللام "، أو يشهد أنه بلغكم الرسالة. أو محتجاً. ﴿لِنَعْلَمَ﴾ ليعلم رسولي وحزبي، والعرب تضيف فعل الأتباع إلى الرئيس والسيد، فتح عمر - رضي الله تعالى عنه - سواد العراق، وجبى خراجها أي أتباعه أو لنرى بوضع الرؤية موضع العلم وبالعكس، أو لنميز أهل اليقين من أهل الشك، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو ليعلموا أننا نعلم. ﴿يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ لما حولت ارتد جماعة من المسلمين. ﴿وَإِن كَانَتْ﴾ التولية لكبيرة، أو القبلة التي هي بيت المقدس، أو الصلاة إلى بيت المقدس. ﴿إِيمَانَكُمْ﴾ صلاتكم إلى بيت المقدس، سماها إيماناً، لاشتمالها على نية وقول وعمل. نزلت لما سألوا عمن مات وهو يصلي إلى بيت المقدس ﴿لَرَءُوفٌ﴾
169
الرأفة: أشد الرحمة، قال أبو عمرو بن العلا: الرأفة أكثر من الرحمة. ﴿قد نرى تقلب وجهك في السمآء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون (١٤٤) ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل ءاية ما تبعوا قبلتك ومآ أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهوآءهم من بعد ما جآءك من العلم إنك إذاً لمن الظالمين (١٤٥) ﴾
١٤٤ -﴿تَقَلُّبَ وَجْهِكَ﴾ تحول وجهك نحو السماء، أو تقلب عينيك في النظر إليها. ﴿تَرْضَاهَا﴾ تختارها وتحبها، لأنها قبلة إبراهيم، أو كراهة لموافقة اليهود لما قالوا: " يتبع قبلتنا ويخالفنا في ديننا " ﴿شَطْرَ المَسْجِدِ﴾ نحوه، والشطر في الأضداد، شطر إلى كذا أقبل نحوه، وشطر عنه أعرض عنه وبَعُدَ، رجل شاطر، لأخذه في نحو غير الاستواء. والمسجد الحرام: الكعبة، أمر بالتوجه إلى حيال الميزاب، وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما - " البيت كله قبلة، وقبلة البيت الباب " ﴿وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ﴾ من الأرض، واجه الرسول ﷺ بالأمر الأول وواجه الأمة / بالأمر الثاني، وكلاهما يعم. ﴿أُوتُواْ الكِتَابَ﴾ اليهود والنصارى ﴿لَيَعلَمُونَ أَنَّهُ﴾ تحويل القبلة إلى الكعبة.
١٤٥ -﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَآءَهُم﴾ خوطب به والمراد أمته، أو بيّن حكم ذلك لو وقع وإن كان غير واقع.
{الذين ءاتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم
170
يعلمون (١٤٦) الحق من ربك فلا تكونن من الممترين (١٤٧) ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أين ما تكونوا يأت بكم الله جميعاً إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ (١٤٨) }
١٤٦ -﴿الذين آتيناهم الْكِتَابَ) {اليهود والنصارى﴾ (يَعرِفُونَهُ} يعرفون التحويل، أو يعرفون محمداً ﷺ بالنبوة والرسالة. ﴿فَرِيقاً﴾ علماءهم وخواصهم. ﴿الحَقَّ﴾ استقبال الكعبة، أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
١٤٧ -﴿الحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ استقبال الكعبة، لا ما ذكرته اليهود من قبلتهم ﴿المُمْتَرِينَ﴾ الشاكِّين، خوطب به والمراد أمته، امترى بكذا: اعترضه اليقين تارة والشك أخرى يدافع أحدهما بالآخر.
١٤٨ -﴿وَلِكُلٍّ﴾ أهل ملة ﴿وِجْهَةُ﴾ قبلة، أو صلاة ﴿هُوَ مُوَلّيهَا﴾ أي المصلي، أو الله يوليه إليها، ويأمره باستقبالها. ﴿فَاسْتَبِقُواْ الخَيرَاتِ﴾ سارعوا إلى الأعمال الصالحة، أو لا تغلبكم اليهود على قبلتكم بقولهم: " إن اتبعتم قبلتنا اتبعناكم ". ﴿يَأتِ بِكُمُ﴾ يوم القيامة جميعاً. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ قَدِيرٌ﴾ من إعادتكم بعد الموت والبلى. ﴿ومن حيث خرجت فوّل وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون (١٤٩) ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولأتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون (١٥٠) كمآ أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلوا عليكم ءاياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (١٥١) فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون (١٥٢) ﴾
١٤٩ -﴿وَمِن حَيْثُ﴾ لما حرضت اليهود وقالوا: " ارجع إلى قبلتك التي كنت عليها نتابعك، أكد الله - تعالى - الأمر باستقبالها بقوله: ثانياً ﴿وَمِن حَيْثُ خَرَجتَ﴾، ثم أكده - ثالثاً - ليخرج من قلوبهم ما أنكروه من التحويل فالأوامر الثلاثة ملزمة للتوجه إلى الكعبة إلا أن الأول: أفاد النسخ، والثاني: أفاد التحويل إلى الكعبة لا ينسخ بقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ﴾ والثالث: أفاد أنه لا حجة لأحد عليهم.
١٥٠ -﴿إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ فإنهم يحتجون بحجة باطلة كقوله - تعالى - ﴿حجتهم دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ١٦] فسماها حجة، أو إلاَّ بمعنى " بعد " كقوله: ﴿إِلاَّ الموتة الأولى﴾ [الدخان: ٥٦] وكقوله: ﴿إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢] بمعنى " بَعْد فيهما "، والذين ظلموا: قريش واليهود، قالت قريش بعد التحويل: " قد علم أنا على الهدى "، وقالت اليهود: " إن يرجع عنها تابعناه ". ﴿فَلاَ تخشوهم﴾ في المباينة، ﴿واخشوني﴾ في المخالفة.
١٥١ -﴿آياتنا﴾ القرآن. ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ يطهركم من الشرك، أو يأمركم بما تصيرون به عند الله - تعالى - أزكياء. ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن، أو ما في الكتب السالفة من أخبار القرون. ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ السنة، أو مواعظ القرآن. ﴿مَّا لَمْ تَكُونُوا﴾ تعلمون من أمر الدين والدنيا.
١٥٢ -﴿فَاذْكُرُونِى﴾ بالشكر. ﴿أَذكُرْكُمْ﴾ بالنعمة، أو ﴿اذكروني﴾ بالقبول ﴿أذكركم﴾ بالجزاء.
{يآ أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين (١٥٣) ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحيآء ولكن لا تشعرون (١٥٤) ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (١٥٥) الذين إذآ أصابتهم مصيبة قالوآ إنا لله وإنآ إليه راجعون (١٥٦) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (١٥٧))
١٥٤ -﴿أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَآءٌ﴾ النفوس عند الله - تعالى - منعمو الأجسام وإن كانت أجسامهم كأجسام الموتى أو ليسوا أمواتاً بالضلال بل أحياء بالهدى. نزلت لما قالوا في قتلى بدر / وأُحُد مات فلان وفلان.
١٥٥ -﴿ولنبلونكم﴾ لما دعا عليهم الرسول ﷺ بسبع كسبع يوسف - عليه الصلاة والسلام - أجابه بقوله ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم﴾ يا أهل مكة. ﴿الْخَوْفِ﴾ الفزع في القتال. ﴿وَالْجُوعِ﴾ والجدب، ونقص الأنفس: بالقتل والموت.
١٥٨ -﴿الصَّفَا﴾ جمع صفاة، وهي الحجارة البيض. ﴿وَالْمَرْوَةَ﴾ حجارة سود، والأظهر أن الصفا: الحجارة الصلبة التي لا تنبت والمروة: الحجارة الرخوة، وقد قيل ذُكِّر الصفا باسم إساف، وأُنثت المروة بنائلة. ﴿شَعَآئِرِ اللَّهِ﴾ التي جعلها لعبادته معلماً، أو أنه أشعر عباده وأخبرهم بما عليهم من الطواف بهما. ﴿حَجَّ﴾ الحج: القصد، أو العود مرة بعد أخرى، لأنهم يأتون البيت قبل عرفة وبعدها للإفاضة، ثم يرجعون إلى منى، ثم يعودون إليه لطواف الصَّدَر، والعمرة: القصد، أو الزيارة. ﴿فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أّن يَطَّوَّفَ بِهِمَا﴾ لما كانوا يطوفون بينهما في الجاهلية تعظيماً لإساف ونائلة تحرجوا بعد الإسلام أن يضاهوا ما كانوا يفعلونه في الجاهلية فنزلت. وقرأ ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - {فلا جناح عليه أن لا
174
يَطَّوَّفَ بِهِمَا} فلذلك أسقط أبو حنيفة - رحمة الله تعالى - السعي، ولا حجة في ذلك، لأن " لا " صلة مؤكدة ك ﴿ما منعك أن لا تَسْجُدَ﴾ [الأعراف: ١٢] ﴿وَمَن تَطَوَّعَ﴾ بالسعي بينهما عند من لم يوجبه، أو من تطوع بالزيادة على الواجب، أو من تطوع بالحج والعمرة بعد أدائهما. ﴿إن الذين يكتمون مآ أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيّنّاه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (١٥٩) إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (١٦٠) إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (١٦١) خالدين فيها لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ العذاب وَلاَ هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) ﴾
١٥٩ -﴿الَّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ رؤساء اليهود: كعب بن الأشرف وابن
175
صوريا، وزيد بن التابوه. ﴿الْبَيِّنَاتِ﴾ الحجج الدالة على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. ﴿وَالْهُدَى﴾ الأمر باتباعه، أو كلاهما واحد يراد بهما ما أبان نبوته وهدى إلى اتباعه. ﴿بيناه للناس في الكتاب﴾ أي القرآن. ﴿الللاعنون﴾ ما في الأرض من جماد وحيوان إلاَّ الثقلين، أو المتلاعنان إذا لم يستحق اللعنة واحد منهما رجعت على اليهود، وإن استحقها أحدهما رجعت عليه، أو البهائم إذا يبست الأرض قالوا: هذا بمعاصي بني آدم. أو المؤمنون من الثقلين والملائكة فإنهم يلعنون الكفرة.
١٦١ -﴿لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ عذابه، واللعنة من العباد: الطرد. ﴿وَالْنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ أراد به / غالب الناس، لأن قومهم لا يلعنونهم، أو أراد يوم القيامة إذ يكفر بعضهم ببعض، ويلعن بعضهم بعضاً. ﴿وَإِِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لآ إله إلاّ هو الرحمان الرحيم (١٦٣) إنّ في خلق السماوات والأرض واختلاف الّيل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس ومآ أنزل الله من السمآء من مآء فأحيا به الأرض بعد موتها وبثّ فيها من كلّ دآبة وتصريف الرياح والسحاب المسخّر بين السمآء والأرض لآيات لقوم يعقلون (١٦٤) ﴾
١٦٣ -﴿وَإِِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لا ثاني له ولا نظير، أو إله جميع الخلق واحد بخلاف ما فعلته عبدة الأصنام فإنهم جعلوا لكل قوم إلهاً غير إله الآخرين. ﴿الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ رَغَّبهم بذكر ذلك في طاعته وعبادته.
ونجومها. ﴿وَالأَرْضِ﴾ بسهلها، وجبلها، وبحارها، وأنهارها، ومعادنها، وأشجارها ﴿واختلاف الليل وَالنَّهَارِ﴾ بإقبال أحدهما، وإدبار الآخر. ﴿وَالْفُلْكِ﴾ باستقلالها وبلوغها إلى مقصدها، وجمع الفلك ومفردها بلفظ واحد، ويذكَّر ويؤنَّث. ﴿مِن مَّآءٍ﴾ مطر يجيء [غالباً] عند الحاجة إليه، وينقطع إذا استُغني عنه. ﴿فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ﴾ بإنبات أشجارها وزروعها، أو بإجراء أنهارها وعيونها، فيحيا بذلك الحيوان الذي عليها. ﴿دَآبَّةٍ﴾ سمي الحيوان بذلك لدبيبه على وجهها، والآية - بعد القدرة على إنشائها - فيها تباين خلقها، واختلاف منافعها، ومعرفتها بمصالحها. ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ جمع ريح أصلها " أرواح ".
(إذا هبت الأرواح من نحو جانب
به آلُ مي هاج شوقي هبوبُها)
وتصريفها: انتقال الشمال جنوباً، والصبا دَبورا، أو ما فيها من الضر والنفع، شريح: ما هاجت ريح قط إلا لسقم صحيح، أو شفاء سقيم. ﴿الْمُسَخَّرِ﴾ المذلل. وآيته ابتداء نشوءه وتلاشيه، وثبوته بين السماء والأرض، وسيره إلى حيث أراده منه.
{ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين ءامنوآ أشدّ
177
حباً لله ولو يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب أنّ القوة لله جميعاً وأنّ الله شديد العذاب (١٦٥) إذ تبرّأ الذين اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطَّعت بهم الأسباب (١٦٦) وقال الذين اتَّبعوا لو انَّ لنا كرةٍ فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار (١٦٧) }
١٦٥ -﴿ {أَندَاداً﴾ أمثالاً يراد بها الأصنام. ﴿يُحِبُّونَهُمْ﴾ مع عجزهم كحبهم لله مع قدرته. ﴿والذين آمنوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ من حب أهل الأوثان لأوثانهم.
١٦٦ -﴿تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ﴾ وهم السادة والرؤساء من تابعيهم على الكفر، أو الذين اتبعوا: الشياطين، وتابعوهم الإنس، ورأى التابع والمتبوع العذاب. ﴿الأَسْبَابُ﴾ تواصلهم في الدنيا، أو الأرحام، أو الحلف الذي كان بينهم في الدنيا، أو أعمالهم التي عملوها فيها، أو المنازل التي كانت لهم فيها.
﴿ كرة ﴾ رجعة إلى الدنيا. ﴿ أعمالهم ﴾ التي أحبطها كفرهم، أو ما انقضت به أعمارهم من المعاصي أن لا يكون مصروفاً إلى الطاعة. الحسرة : شدة الندامة على فائت.
١٦٩ -﴿بِالسُّوءِ﴾ بالمعاصي لمساءة عاقبتها. ﴿وَالْفَحْشَآءِ﴾ الزنا، أو
178
المعاصي، أو كل ما فيه حد لفحشه / وقبحه. ﴿وَأّن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لا تعلمون﴾ من تحريم ما لم يحرمه، أو أن له شريكاً. ﴿وإذا قيل لهم اتَّبعوا مآ أنزل الله قالوا بل نتَّبع مآ ألفينا عليه ءابآءنا أولو كان ءابآؤهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون (١٧٠) ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلاّ دعآءً وندآءً صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون (١٧١) ﴾
١٧١ -﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ فيما يوعظون به كمثل البهيمة التي تنقع فتسمع الصوت ولا تفهم معناه، أو مثلهم في دعائهم آلهتهم كمثل راعي البهيمة تسمع صوته ولا تفهمه. ﴿صُمُّ﴾ عن الوعظ. ﴿بُكْمٌ﴾ عن الحق. ﴿عُمْىٌ﴾ عن الرشد، والعرب تسمي من سمع ما لم يعمل به أصم، قال:
(أصم عما ساءه سميع... ) ﴿يآ أيها الذين ءامنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إيّاه تعبدون (١٧٢) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ومآ أُهل به لغير الله فمن اضطرَّ غير باغٍ ولا عادٍ فلآ إثم عليه إنًّ الله غفور رحيم (١٧٣) ﴾
التحريم على اللحم، وعداه الجمهور إلى سائر أجزائه. ﴿أهل به﴾ سمى الذبح إهلالاً، لأنهم كانوا يجهرون عليه بأسماء آلهتهم، فسمي كل ذبح إهلالاً، كما سمي الإحرام إهلالاً للجهر للتلبية وإن لم يجهر بها ﴿لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ ذبح لغيره من الأصنام. أو ذكر عليه اسم غيره. ﴿اضْطُرَّ﴾ أكره، أو خاف على نفسه لضرورة دعته إلى أكله قاله الجمهور. ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ على الإمام ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ على الناس بقطع الطريق، أو ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ بأكله فوق حاجته. أو بأكله مع وجود غيره، أو ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ بأكله تلذذاً ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ بالشبع، وأصل
180
البغي طلب الفساد، ومنه البغي للزانية. ﴿إن الذين يكتمون مآ أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاُ أولئك ما يأكلون في بطونهم إلاّ النار ولا يكلِّمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم (١٧٤) أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة فمآ أصبرهم على النار (١٧٥) ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب لفي شقاقٍ بعيد (١٧٦) ﴾
١٧٤ -﴿الِّذِينَ يَكْتُمُونَ﴾ علماء اليهود، كتموا ما في التوراة من صفة محمد صلى الله عليه وسلم، ونبوته. ﴿ثَمَناً﴾ الرشا التي أخذوها على كتم رسالته، وتغيير صفته، وسماه قليلاً، لانقطاع مدته، وسوء عاقبته، أو لقلته في نفسه. ﴿إِلاَّ النَّارَ﴾ سمى مأكولهم ناراً، لأنه سبب عذابهم بالنار، أو لأنه يصير يوم القيامة في بطونهم ناراً، فسماه بما يؤول إليه. ﴿وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ﴾ ولا يُسمعهم كلامه، أو لا يُرسل إليهم بالتحية مع الملائكة، أو عبَّر بذلك عن غضبه عليهم، فلان لا يكلم فلاناً إذا غضب عليه ﴿وَلا يُزَكِّيهِمْ﴾ لا يثني عليهم، أو لا يصلح أعمالهم الخبيثة /.
١٧٥ -﴿فَمَآ أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ فما أجرأهم عليها، أو على عمل يؤدي إليها، أو أي شيء أصبرهم عليها، أو ما أبقاهم عليها، ما أصبر فلاناً على الحبس ما أبقاه فيه.
181
﴿ليس البرَّ أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنًّ البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وءاتى المال على حبِّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسآئلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (١٧٧) ﴾
١٧٦ -﴿كَرَّةً﴾ رجعة إلى الدنيا. ﴿أَعْمَالَهُمْ﴾ التي أحبطها كفرهم، أو ما انقضت به أعمارهم من المعاصي أن لا يكون مصروفاً إلى الطاعة. الحسرة: شدة الندامة على فائت. ﴿يآ أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً ولا تَتَّبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبينٌ (١٦٨) إنما يأمركم بالسوء والفحشآء وَأّن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (١٦٩) ﴾
١٧٧ -﴿لَّيْسَ الْبِرَّ﴾ الصلاة وحدها، أو خاطب به اليهود والنصارى، لصلاة اليهود إلى الغرب، والنصارى إلى الشرق. (وَلكِنَّ الْبِرَّ} إيمان من آمن، أو برّ من آمن بالله، فأقر بوحدانيته ﴿وَالْمَلآئِكَةِ﴾ بما أُمروا به من كَتْب الأعمال. ﴿والكتاب) {القرآن﴾ (والنبيين} فلا يكفر ببعضهم ويؤمن ببعض. ﴿عَلَى حُبِّهِ﴾ حب المال فيكون صحيحاً شحيحاً. ذهب الشعبي والسدي إلى وجوب
182
ذلك خارجاً عن الزكاة، فروى الشعبي أن الرسول ﷺ قال: " إن في المال حقاً سوى الزكاة وتلا هذه الآية "، والجمهور / على ان الآية محمولة على الزكاة، أو على التطوع، وأنه لا حق في المال سوى الزكاة ﴿ذَوِى الْقُرْبَى﴾ إن حُمل على الزكاة شَرَط فيهم الأوصاف المعتبرة في الزكاة وإن حُمل على التطوع فلا. ﴿وَالْيَتَامَى﴾ كل صغير لا أب له، وفي اعتبار فقرهم قولان. ﴿وَالْمَسَاكِينَ﴾ مَنْ عُدِم قدر الكفاية. وفي اعتبار إسلامهم قولان. {وَابْنَ
183
السبيل} فقراء المسافرين. ﴿والسائلين﴾ الذين ألجأهم الفقر إلى السؤال. ﴿وَفِى الرِّقَابِ﴾ المكاتبون أو عبيد يُعتقون. ﴿وَأَقَامَ الصَّلاَةَ﴾ إلى الكعبة بواجباتها في أوقاتها. ﴿وآتى الزَّكاةَ﴾ لمستحقها. ﴿بِعَهْدِهِمْ﴾ بنذرهم لله تعالى، أو العقود التي بينهم وبين الناس. ﴿الْبَأْسَآءِ) {الفقر﴾ (وَالضَّرَّآءِ} السقم. ﴿وَحِينَ الْبأْسِ﴾ القتال. وهذه الأوصاف مخصوصة بالأنبياء لتعذرها فيمن سواهم. أو هي عامة في الناس كلهم. ﴿يآ أيها الذين ءامنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأدآء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليم (١٧٨) ولكم في القصاص حياةٌ يآ أولي الألباب لعلَّكم تتقون (١٧٩) ﴾
١٧٨ -﴿كُتِبَ﴾ فرض.
(يا بنت عمي كتاب الله أخرجني
عنكم فهل أمنعن الله ما فعلا)
﴿الْقِصَاصُ﴾ مقابلة الفعل بمثله من قص الأثر. نزلت في قبيلة من العرب أعزاء لا يقتلون بالعبد منهم إلا السيد، وبالمرأة إلا الرجل، أو في فريقين اقتتلا فقتل منهما جماعة، فقاصص الرسول ﷺ دية الرجل بدية الرجل، ودية
184
المرأة بدية المرأة، ودية العبد بدية العبد، أو فرض في ابتداء الإسلام قتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، ثم نسخ بقوله تعالى: ﴿النفس بالنفس﴾ [المائدة: ٤٥] قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو هو أمر بمقاصة دية الجاني من دية المُجنى عليه، فإذا قتل الحر عبداً فلسيده القصاص، ثم يقاصص بقيمة العبد من دية الحر ويدفع إلى ولي الحر باقي ديته، وإن قتل العبد حراً فقتل به قاصص ولي الحر بقيمة العبد وأخذ باقي دية الحر، وإن قتل الرجل امرأة فلوليها قتله ويدفع نصف الدية إلى ولي الرجل، وإن قتلت المرأة رجلاً فقتلت به أخذ ولي الرجل نصف الدية قاله علي - رضي الله تعالى عنه - ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ هو أن يطلب الولي الدية بالمعروف، ويؤديها القاتل بإحسان ﴿فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌ﴾ أي فضل. إذا قلنا نزلت في فريقين اقتتلا، وتقاصا ديات القتلى، فمن بقيت له بقية فليتبعها بمعروف وليؤد من عليه بإحسان،
وعلى قول علي - رضي الله تعالى عنه - يؤدي الفاضل بعد مقاصصة الديات بمعروف، فالاتباع بمعروف عائد إلى ولي القتيل، والأداء بإحسان عائد إلى الجاني، أو كلاهما عائد إلى الجاني يؤدي الدية بمعروف وإحسان. ﴿تَخْفِيفٌ﴾ تخير ولي / الدم بين القود والدية والعفو، ولم يكن ذلك لأحد قبلنا، كان على أهل التوراة القصاص أو العفو ولا أرش، وعلى أهل الإنجيل الأرش أو العفو ولا قود. ﴿فَمَنِ اعْتَدَى﴾ فقتل بعد أخذ الدية ﴿فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بالقصاص، أو يقتله الإمام حتماً، أو يعاقبه السلطان، أو باسترجاع الدية منه ولا قود عليه.
﴿ كتب ﴾ فرض.
( يا بنت عمي كتاب الله أخرجني *** عنكم فهل أمنعن الله ما فعلا ) ﴿ القصاص ﴾ مقابلة الفعل بمثله من قص الأثر. نزلت في قبيلة من العرب أعزاء لا يقتلون بالعبد منهم إلا السيد، وبالمرأة إلا الرجل، أو في فريقين اقتتلا فقتل منهما جماعة، فقاصص الرسول صلى الله عليه وسلم دية الرجل بدية الرجل، ودية المرأة بدية المرأة، ودية العبد بدية العبد، أو فرض في ابتداء الإسلام قتل الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة، ثم نسخ بقوله تعالى :﴿ النفس بالنفس ﴾ [ المائدة : ٤٥ ] قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو هو أمر بمقاصة دية الجاني من دية المُجنى عليه، فإذا قتل الحر عبداً فلسيده القصاص، ثم يقاصص بقيمة العبد من دية الحر ويدفع إلى ولي الحر باقي ديته، وإن قتل العبد حراً فقتل به قاصص ولي الحر بقيمة العبد وأخذ باقي دية الحر، وإن قتل الرجل امرأة فلوليها قتله ويدفع نصف الدية إلى ولي الرجل، وإن قتلت المرأة رجلاً فقتلت به أخذ ولي الرجل نصف الدية قاله علي - رضي الله تعالى عنه - ﴿ فاتباع بالمعروف ﴾ هو أن يطلب الولي الدية بالمعروف، ويؤديها القاتل بإحسان ﴿ فمن عفي له من أخيه شيء ﴾ أي فضل. إذا قلنا نزلت في فريقين اقتتلا، وتقاصا ديات القتلى، فمن بقيت له بقية فليتبعها بمعروف وليؤد من عليه بإحسان، وعلى قول علي - رضي الله تعالى عنه - يؤدي الفاضل بعد مقاصصة الديات بمعروف، فالاتباع بمعروف عائد إلى ولي القتيل، والأداء بإحسان عائد إلى الجاني، أو كلاهما عائد إلى الجاني يؤدي الدية بمعروف وإحسان. ﴿ تخفيف ﴾ تخير ولي الدم بين القود والدية والعفو، ولم يكن ذلك لأحد قبلنا، كان على أهل التوراة القصاص أو العفو ولا أرش، وعلى أهل الإنجيل الأرش أو العفو ولا قود. ﴿ فمن اعتدى ﴾ فقتل بعد أخذ الدية ﴿ فله عذاب أليم ﴾ بالقصاص، أو يقتله الإمام حتماً، أو يعاقبه السلطان، أو باسترجاع الدية منه ولا قود عليه.
١٧٩ -﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ إذا ذكره الظالم كف عن القتل، أو وجوب القصاص على القاتل وحده حياة له وللمعزوم على قتله فيحييان جميعاً وهذا أعم ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أن تقتلوا فيقتص منكم. {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين
185
بالمعروف حقاً على المتقين (١٨٠) فمن بدّله بعد ما سمعه فإنمآ إثمه على الذين يبدّلونه إن الله سميعٌ عليم (١٨١) فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلآ إثم عليه إن الله غفورٌ رحيم (١٨٢) }
١٨٠ -﴿خَيْراً﴾ مالاً اتفاقاً ها هنا، قال مجاهد: " الخير المال في جميع القرآن ﴿إنه لحب الخير﴾ [العاديات: ٨] ﴿أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير﴾ [ص: ٣٢] ﴿إِنْ عَلِمُتُمْ فِيهِمْ خَيْراً﴾ [النور: ٣٣] أراد المال في ذلك ﴿إني أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ﴾ [هود: ٨٤] بغنى ومال ". كانت الوصية للوالدين والأقربين واجبة قبل نزول المواريث، فلما نزلت المواريث نسخ وجوبها عند الجمهور، أو نسخ منها الوصية لكل وارث وبقي الوجوب فيمن لا يرث من الأقارب. والمال الذي يجب عليه أو أن يوصي منه ألف درهم، أو من ألف إلى خمسمائة، أو يجب في كل قليل وكثير، فلو أوصى بثلثه لغير قرابته رُد الثلث على قرابته، أو يُرد ثلث الثلث على القرابة وثلثا الثلث للمُوصى له، أو ثلثاه للقرابة وثلثه للمُوصى له. ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ التقوى في أن يقدم الأحوج فالأحوج من أقاربه.
١٨٢ -﴿جَنَفاً أَوْ إِثْماً﴾ الجنف الخطأ، والإثم: العمد، أو الجنف: الميل، والإثم: أَثَرة بعضهم على بعض، أصل الجنف الجور والعدول عن الحق ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ﴾ فمن حضر موصياً يجور في وصيته خطأ أو عمداً فأصلح بينه وبين ورثته بإرشاده إلى الحق فلا إثم عليه، أو خاف الوصي جنف المُوصي فأصلح بين ورثته وبين المُوصَى له بردّ الوصية إلى العدل، أو من خاف من جنف الموصي على ورثته بإعطاء بعض ومنع بعض في مرض موته فأصلح بين ورثته، أو من خاف جنفه فيما أوصى به لآبائه وأقاربه على بعضهم لبعض فأصلح بين الآباء والقرابة، أو من خاف جنفه في وصيته لغير وارثه بما يرجع نفعه إلى وارثه فأصلح بين ورثته فلا إثم. ﴿يآ أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون (١٨٣) أيّاماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدَّةٌ من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين فمن تطوّع خيراً فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (١٨٤) ﴾
١٨٣ -﴿الصِّيَامُ﴾ الصوم عن كل شيء الإمساك عنه، ويقال عند الظهيرة صام النهار، لإبطاء سير الشمس حتى كأنها أمسكت عنه. ﴿كَمَا كُتِبَ﴾ شبّه صومنا بصومهم في حكمه وصفته دون قدره، كانوا يصومون من العتمة إلى
187
العتمة ولا يأكلون بعد النوم شيئاً، وكذا / كان في الإسلام حتى نسخ، أو في شبه عدده، فرض على النصارى شهر مثلنا فربما وقع في القيظ فأخروه إلى الربيع وكفروه بعشرين يوماً زائدة، أو شبّه بعدد صوم اليهود ثلاثة أيام من كل شهر وعاشوراء، فصامهن الرسول ﷺ بعد الهجرة سبعة عشر شهراً ثم نسخن برمضان. ﴿الَّذِينَ من قَبْلِكُمْ﴾ جميع الناس، أو اليهود، أو أهل الكتاب. ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ محظورات الصوم، أو الصوم سبب التقوى لكسره الشهوات.
١٨٤ -﴿أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ﴾ هي شهر رمضان عند الجمهور، أو الأيام البيض عند ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ثم نسخت برمضان، وهي الثاني عشر وما يليه، أو الثالث عشر وما يليه على الأظهر. ﴿فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ يجب القضاء عند داود على المسافر والمريض سواء صاما أو أفطرا، وعند الجمهور لا يجب القضاء إلا على من أفطر. ﴿يُطِيقُونَهُ﴾ كانوا مخيّرين بين الصوم والفطر مع الإطعام بدلاً من الصوم، ثم نسخ بقوله تعالى ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ﴾، أو بقوله تعالى ﴿وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أو وعلى الذين كانوا يطيقونه شباباً ثم عجزوا بالكبر أن يفطروا ويفتدوا، وقرأ ابن عباس - رضي الله
188
تعالى عنهما - ﴿يطوقونه﴾ يُكلفونه فلا يقدرون عليه كالشيخ والشيخة والحامل والمرضع - الفدية ولا قضاء عليهم لعجزهم. ﴿فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ بالصوم مع الفدية، أو بالزيادة على مسكين واحد. ﴿شهر رمضان الذي أنزل فيه القرءان هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدَّةٌ من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون (١٨٥) ﴾
١٨٥ -﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ الشهر من الشهرة، شهر سيفه أخرجه. ﴿رَمَضَانَ﴾ قيل أُخذ من الرمضاء لما كان يوجد فيه من الحر حتى يرمض الفصال، وكره مجاهد أن يقال " رمضان "، قائلاً لعله من أسماء الله - تعالى - {أُنزِلَ فِيهِ
189
القرآن} في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نَزَلَ منجماً بعد ذلك، قال الرسول ﷺ " نزلت صحف إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - أول ليلة من رمضان، والتوراة لست مضين منه والإنجيل لتسع عشرة خلت منه، والفرقان لأربع وعشرين منه " أو ﴿أُنزِلَ فِيهِ﴾ في فرض صومه. ﴿هُدىً لِّلنَّاسِ﴾ رشاداً. ﴿وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى﴾ بينات من الحلال والحرام، وفرقان بين الحق والباطل. ﴿فَمَن شَهِدَ﴾ أول الشهر مقيماً لزمه صومه وليس له أن يفطر في بقيته، أو فمن شهده مقيماً فليصم ما شهد منه دون ما لم يشهده إلا في السفر، أو فمن شهده / عاقلاً مكلفاً فليصمه ولا يسقط صوم بقيته بالجنون. ﴿مَرِيضاً﴾ مرضاً لا يطيق الصلاة معه قائماً، أو ما يقع عليه أسم المرض، أو ما يزيد بسبب الصوم زيادة غير متحملة ﴿أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ يبلغ يوماً وليلة، أو ثلاثة أيام، أو ما يقع عليه الإسم، والفطر مباح عند الجمهور، وواجب عند ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقال: " اليسر الإفطار في السفر، والعسر الصوم
190
فيه " ﴿وَلِتُكْمِلُواْ﴾ عدة ما أفطرتم منه بالقضاء من غيره. ﴿وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ﴾ تكبير الفطر حين يهل شوال. ﴿عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ من صوم الشهر. ﴿وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلّهم يرشدون (١٨٦) ﴾
١٨٦ -﴿وإذا سألك عبادي﴾ قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: " أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه " أو سئل عن أي ساعة يدعون فيها، أو سئل كيف ندعوا، أو قال قوم: لما نزل: ﴿ادعونى أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: ٦٠] إلى أين ندعوا فنزلت. ﴿قَرِيبٌ﴾ الإجابة، أو من سماع الدعاء. ﴿أجيب دعوة الداعي﴾ اسمع فعبّر عن السماع بالإجابة، أو أُجيبه إلى ما سأل إذا كان مصلحة مستكملاً لشروط الطلب، وتجب إجابته كثواب الأعمال، فالدعاء عبادة ثوابها الإجابة، أو لا تجب. وإن قصّر في شروط الطلب فلا تجب إجابته وفي جوازها قولان، وإن كان سؤاله مفسدة لم تجز إجابته. ﴿فَلْيَسْتَجِيبُواْ﴾ فليجيبوني، أو الاستجابة
191
طلب الموافقة للإجابة، أو فليستجيبوا لي بالطاعة، أو فليدعوني. ﴿أحلَّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسآئكم هن لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالئان باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الّيل ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد تلك حدود الله فلا تقربوها كذلك يبين الله ءاياته للناس لعلهم يتقون (١٨٧) ﴾
١٨٧ -﴿الرَّفَثُ﴾ من فاحش القول،
(عن اللغا ورفث التكلم... )
عبّر به عن الجماع اتفاقاً لأن ذكره في غير موضعه فحش. ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ﴾ بمنزلة اللباس لإفضاء كل واحد منهما ببشرته إلى صاحبه، أو لاستتار أحدهما بالآخر، أو سكن ﴿الليل لِبَاساً﴾ [النبأ: ١٠] سكناً. ﴿تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ﴾ بالجماع والأكل والشرب، أُبيحا قبل النوم وحرِّما بعده. فطلب عمر زوجته فقالت: قد نمت فظنها تعتل فواقعها، وجاء قيس بن صرمة من عمله في أرضه فطلب الأكل فقالت زوجته نسخن لك شيئاً فغلبته عيناه، ثم قدمت إليه الطعام فامتنع، فلما أصبح لاقى جهداً وأخبر الرسول ﷺ بما جرى لهما فنزلت.... ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ لما كان في مخالفتكم. ﴿وَعَفَا﴾ عن ذنوبكم، أو عن تحريم ذلك بعد النوم. ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ جامعوهن. ﴿مَا كَتَبَ الله لكم﴾
192
الولد، أو ليلة القدر، أو ما رخص فيه. ﴿الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾ قال علي - رضي الله تعالى عنه -: " الخيط الأبيض الشمس ". قال حذيفة " كان رسول الله ﷺ يتسحر وأنا أرى مواقع النبل. فقيل لحذيفة بعد الصبح فقال: هو الصبح إلا أنه لم تطلع / الشمس " والإجماع على خلاف هذا، أو الأبيض الفجر الثاني والأسود سواد الليل قبل الفجر الثاني، كان عدي يراعي خيطاً
193
أبيض وخيطاً أسود جعلهما تحت وسادته فأخبر الرسول ﷺ بذلك فقال: " إنك لعريض الوساد، إنما هو بياض النهار وسواد الليل، أو كان بعضهم يربط في رجليه خيطاً أبيض وخيطاً أسود ولا يزال يأكل حتى يتبينا له فأنزل الله عز وجل ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾، فعلموا أنه إنما يعني الليل والنهار " ﴿الْفَجْرِ﴾ لانبعاث ضوئه: من فجر الماء يفجر فجراً: انبعث وجرى ﴿تُبَاشِرُوهُنَّ﴾ بالقبل واللمس، أو بالجماع عند الأكثرين. ﴿ولا تأكلوآ اموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بهآ إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون (١٨٨) ﴾
١٨٨ -﴿بِالْبَاطِلِ﴾ بالغصب والظلم، أو القمار والملاهي. ﴿وَتُدْلُواْ﴾ تصيروا، أدليت الدلو أرسلته. ﴿أَمْوَالَكُم﴾ أموال اليتامى، أو الأمانات والحقوق
194
التي إذا جحدها قبل قوله فيها. ﴿يسئلونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج وليس البرّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البرّ من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون (١٨٩) ﴾
١٨٩ -﴿الأَهِلَّةِ﴾ من الاستهلال برفع الصوت عند رؤيته. " وهو هلال إلى ليلتين، أو إلى ثلاث، أو إلى أن يحجر بخطة دقيقة، أو إلى أن يبهر ضوءه سواد الليل فيسمى حينئذ قمراً ". ﴿مَوَاقِيتُ﴾ مقادير لأوقات الديون، والحج. ﴿تَأْتُواْ البيوت من ظهورها﴾ كنى به عن إتيان النساء في أدبارهن، لأن المرأة يأوى إليها كما يأوى إلى البيت، أو هو مثل لإتيان البيوت من وجهها ولا يأتونها من غير وجهها، أو كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطاً من بابه فدخل الرسول ﷺ دار رفاعة الأنصاري فجاء فتسور الحائط على الرسول ﷺ فلما خرج الرسول ﷺ من الباب خرج معه رفاعة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
" ما حملك على هذا " فقال: " رأيتك خرجت منه "، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:
195
" إني رجل أحمس " فقال رفاعة: " إن تكن رجلاً أحمس فإن ديننا واحد فنزلت.... "، وقريش يُسمون الحمس لتحمسهم في دينهم، والحماسة: الشدة. ﴿وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم وَلا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠) واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزآء الكافرين (١٩١) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (١٩٢) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلاّ على الظالمين (١٩٣) ﴾
١٩٠ -﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ هذه أول آية نزلت بالمدينة في قتال من قاتل خاصة ﴿وَلا تَعْتَدُوَاْ﴾ بقتال من لم يقاتل. ثم نسخت ب ﴿بَرَآءَةٌ﴾ أو نزلت في قتال المشركين كافة ﴿وَلا تَعْتَدُواْ﴾ بقتل النساء والصبيان، أو لا تعتدوا بالقتال على غير الدين.
١٩١ -﴿ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ ظفرتم بهم. ﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ الكفر ها هنا اتفاقاً لأنه يؤدي إلى الهلاك كالفتنة. ﴿وَلاَ تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ نهوا عن قتال
196
أهل الحرم إلا أن يبدءوا بالقتال ثم نسخ بقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حتى لاَ تَكُونَ فتنة﴾ [١٩٣]، أو هي محكمة فلا يُقَاتل أهل الحرم ما لم يبدءوا بالقتال. ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (١٩٤) ﴾
١٩٤ -﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ لما / اعتمر الرسول ﷺ في ذي القعدة فَصُدًّ، فصالح على القضاء في العام المقبل، فقضى في ذي القعدة نزل ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ﴾ وهو ذي القعدة المقضي فيه ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ المصدود فيه، أُخذ ذو القعدة من قعودهم عن القتال فيه لحرمته. ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ لما فخرت قريش على الرسول ﷺ حين صدته اقتص الله - تعالى - له، أو نزلت لما قال المشركون: " أَنُهِيتَ عن قتالنا في الشهر الحرام، فقال: نعم. فأرادوا قتاله في الشهر الحرام فقيل له: إن قاتلوك في الشهر الحرام فاستحل منهم ما استحلوا منك. {وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين
١٩٥ -﴿سبيل الله﴾ الجهاد. ﴿ولا تلقوا بأيديكم﴾ الباء زائدة، أو غير
197
زائدة أي لا تُلقوا أنفسكم بأيديكم. ﴿التَّهْلُكَةِ﴾ الهلاك لا تتركوا النفقة في الجهاد فتهلكوا بالإثم، أو لا تخرجوا بغير زاد فتهلكوا بالضعف، أو لا تيأسوا من المغفرة عن المعصية فلا تتوبوا، ولا تتركوا الجهاد فتهلكوا، أو لا تقتحموا القتال من غير نكاية في العدو، أو هو عام محمول على ذلك كله. ﴿وَأَحْسِنُواْ﴾ الظن بالقدر، أو بأداء الفرائض أو عودوا بالإحسان على المعدم. ﴿وَأَتِمُّواْ الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فإذآ أمنتم فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم تلك عشرة كاملة ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام واتقوا الله واعلموا أن الله شديد العقاب (١٩٦) ﴾
١٩٦ -﴿وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ﴾ أتموا كل واحد منهما بمناسكه وسننه، أو الإحرام بهما إفراد من دويرة الاهل، أو أن يخرج من دويرة أهله لأجلهما لا يريد غيرهما من كسب ولا تجارة، أو إتمامهما واجب بالدخول فيهما، أو إتمام العمرة الإحرام بها في غير أشهر الحج، وإتمام الحج الإتيان بمناسكه بحيث لا يلزمه دم جبران نقص. ﴿أُحْصِرْتُمْ﴾ بالعدو دون المرض، أو كل حابس من عدو أو مرض أو عذر ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ﴾ بدنة صغيرة أو كبيرة، أو هو شاة عند الأكثرين. ﴿الْهَدْى﴾ من الهدية، أو من هديته إذا سقته إلى الرشاد. ﴿مَحِلَّهُ﴾ محل الحصر حيث أُحصر من حل أو حرم، أو الحرم، أو مَحِله: تحلله بأداء نسكه، فليس لأحد بعد الرسول ﷺ أن يتحلل من إحرامه فإن كان إحرامه عمرة لم يفت، وإن كان حجاً ففاته قضاه بالفوات بعد تحلله منه. ﴿صٍيَامٍ أَوْ صدقة﴾
198
صيام ثلاثة أيام، صدقة: إطعام ستة مساكين، أو صيام عشرة أيام، والصدقة أطعام عشرة، والنسك شاة. ﴿أَمِنتُمْ﴾ من الخوف، أو المرض. ﴿تَمَتَّعَ﴾ بفسخ الحج، أو فعل العمرة في أشهر الحج ثم حج في عامه، أو إذا تحلل الحاج بالإحصار ثم عاد إلى بلده متمتعاً ثم قضى الحج من قابل فقد صار متمتعاً بإحلاله بين الإحرامين. ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْىِ﴾ شاة أو بدنة. ﴿ثلاَثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ﴾ بعد الأحرام به وقبل يوم النحر، أو في أيام التشريق. ولا يجوز تقديمها على الإحرام بالحج / أو يجوز في عشر ذي الحجة ولا يجوز قبله، أو يجوز في أشهر الحج ولا يجوز قبلها. ﴿رَجَعْتُمْ﴾ من حجكم، أو إلى أهلكم في أمصاركم. ﴿كَامِلَةٌ﴾ تأكيد، أو كاملة من الهدي، أو كملت أجره كمن أقام على الإحرام فلم يتحلل منه ولم يتمتع، أو هو خبر بمعنى الأمر أي أكملوا صيامها. ﴿حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أهل الحرم، أو من بين مكة والمواقيت، أو أهل الحرم ومن قرب منه كأهل عُرنة وعَرفة والرجيع، أو من كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة. ﴿الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خيرٍ يعلمه الله وتزوّدوا فإن خير الزّاد التقوى واتقون يآ أولي الألباب (١٩٧) ﴾
١٩٧ -﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ﴾ شوال وذو القعدة وذو الحجة، أو شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، أو شوال وذو القعدة وعشر ليالي من ذي الحجة إلى طلوع الفجر يوم النحر. ﴿فَرَضَ﴾ أحرم، أو أهلَّ بالتلبية. ﴿رَفَثَ﴾ الجماع، أو الجماع والتعرض له بمواعدة ومداعبة أو الإفحاش بالكلام كقوله: " إذا حللت فعلت بكِ كذا من غير كناية ". ﴿وَلا فُسُوقَ﴾ منهيات الإحرام، أو السباب، أو الذبح للأصنام، أو التنابز بالألقاب أو المعاصي كلها. ﴿وَلا جِدَالَ﴾ السباب، أو المِراء والاختلاف أيهم أتم حجاً، أو أن يجادل
199
صاحبه حتى يغضبه، أو اختلاف كان يقع بينهم في اليوم الذي يكون فيه حجهم، أو اختلافهم في موافق الحج أيهم أصاب موقف إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أو لا جدال في وقته لاستقراره وبطلان النسيء الذي كانوا ينسونه فربما حجوا في صفر أو ذي القعدة. ﴿وَتَزَوَّدُوأ﴾ الأعمال الصالحة، أو نزلت في قوم من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد، ويقولون نحن المتوكلون، فنزل ﴿وَتَزَوَّدُواْ﴾ الطعام فإن خيراً منه التقوى. ﴿ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم فإذآ أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضآلين (١٩٨) ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم (١٩٩) ﴾
١٩٨ -﴿فَضْلاً﴾ كانت ذو المجاز وعكاظ متجراً في الجاهلية فلما جاء الإسلام تركوا ذلك حتى نزلت ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ﴾. ﴿أَفَضْتُم﴾ أسرعتم، أو رجعتم من حيث بدأتم. ﴿عَرَفَاتٍ﴾ جمع عرفة، أو اسم واحد وإن كان بلفظ
200
جمع، قاله الزجاج سميت به، لأن آدم - عليه الصلاة والسلام - عرف بها حواء بعد هبوطهما، أو عرفها عند رؤيتها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لما تقدم له من وصفها، أو لتعريف جبريل - عليه الصلاة والسلام - الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - مناسكهم، أو لعلو الناس على جبالها، لأن ما علا عرفة وعرفات، ومنه عرف الديك. ﴿الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ سمي به لأن الدعاء فيه والمقام من معالم الحج.
١٩٩ -﴿أفاض الناس﴾ إبراهيم عليه الصلاة والسلام - عبّر عن الواحد بلفظ الجمع، كقوله ﴿الذين قَالَ لَهُمُ الناس﴾ [آل عمران: ١٧٣] يعني نُعيم بن مسعود، أو أمر قريشا أن يفيضوا / من حيث أفاض الناس وهم العرب - كانوا يقفون بعرفة، لأن قريشاً كانوا يقفون بمزدلفة، ويقولون نحن أهل الحرم فلا نخرج منه فنزلت ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ اللَّهَ﴾ من ذنوبكم، أو من مخالفتكم في الوقوف والإفاضة.
201
﴿فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم ءابآءكم أو أشد ذكراً فمن الناس من يقول ربنآ ءاتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق (٢٠٠) ومنهم من يقول ربنآ ءاتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار (٢٠١) أولئك لهم نصيب مما كسبوا والله سريع الحساب (٢٠٣) ﴾
٢٠٠ -﴿مَّنَاسِكَكُمْ﴾ الذبائح، أو ما أُمرتم به في الحج، والمناسك المتعبدات. ﴿فاذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ بالتكبير أيام منى، أو بجميع ما سُّن من الأدعية بمواطن الحج كلها. ﴿كذكركم آباءكم﴾ كانوا إذا فرغوا من الحج جلسوا بمنى وافتخروا بمناقب آباءهم فنزلت، أو كذكر: الصغير لأبيه إذا قال: يا بابا، أو كان أحدهم يقول: اللهم إن أبي كان عظيم الجفنة عظيم القبة كثير المال فاعطني مثل ما أعطيته فلا يذكر غير أبيه.
٢٠١ -﴿حسنة﴾ العافية في الدنيا والآخرة، أو نعيمهما قاله: الأكثر، أو المال في الدنيا والجنة في الآخرة، أو العلم والعمل في الدنيا والجنة في الآخرة. ﴿واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجَّل في يومين فلآ إثم عليه ومن تأخَّر فلآ إثم عليه لمن اتقى واتقوا الله واعلموآ أنكم إليه تحشرون (٢٠٣) ﴾
٢٠٣ -﴿مَّعْدُودَاتٍ﴾ أيام منى إجماعاً وإن شرك بعضهم بين بعضا وبين الأيام المعلومات. ﴿تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ﴾ النَّفر الأول. ﴿وَمَن تَأَخَّرَ﴾ النَّفر الثاني. ﴿فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ في تعجله ولا تأخره، أو يغفر لكل واحد منهما، أو لا إثم عليه إن أتقى فيما بقي من عمره، أو لا إثم عليه إن اتقى قتل الصيد في الثالث من أيام التشريق، أو إن اتقى ما نُهِي عنه غُفر له ما تقدم من ذنبه.
202
﴿وَاذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ بالتكبير في الأيام المعدودات من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر آخر أيام التشريق، أو من الفجر يوم عرفة إلى العصر يوم النحر، أو من الظهر يوم النحر إلى بعد العصر آخر أيام التشريق، أو بعد صلاة الصبح من آخر التشريق. ﴿ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدُّ الخصام (٢٠٤) وإذا تولَّى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد (٢٠٥) وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد (٢٠٦) ومن الناس من يشري نفسه ابتغآء مرضات الله والله رءوف بالعباد (٢٠٧) ﴾
٢٠٤ -﴿يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ﴾ من الجميل والخير، أو من حب الرسول ﷺ والرغبة في دينه. ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِى قَلْبِهِ﴾ يقول اللهم اشهد عليَّ به، أو في قلبه ما يشهد الله أنه بخلافه، أو يستشهد الله على صحة ما في قلبه والله يعلم أنه بخلافه. ﴿أَلَدُّ﴾ الألد: الشديد الخصومة. ﴿الْخِصَامِ﴾ مصدر، أو جمع خصيم أي ذو جدال، أو كذاب، أو شديد القسوة في المعصية، أو غير مستقيم الخصومة. نزلت في الأخنس بن شَرِيق، أو هي صفة للمنافقين.
٢٠٧ -﴿يَشْرِى﴾ يبتع، نزلت فيمن أمر بمعروف ونهى عن منكر فقتل أو في صهيب اشترى نفسه من المشركين بجميع ماله ولحق بالمسلمين، وقال / الحسن: العمل الذي باع به نفسه الجهاد. ﴿يآ أيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كآفة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين (٢٠٨) فإن زللتم من بعد ما جآءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيزٌ حكيم (٢٠٩) هل ينظرون إلآ أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملآئكة وقضى الأمر وإلى الله ترجع الأمور (٢١٠) ﴾.
٢٠٨ -﴿السِّلْمِ﴾ والسَّلم واحد أو بالكسر الإسلام، وبالفتح المسالمة. ادخلوا في الإسلام، أو الطاعة. ﴿كَآفَّةً﴾ عائد إلى الطاعة، أو إلى تأكد الداخل فيها. ﴿مبين﴾ أبان عدواته بامتناعه من السجود، أو بقوله ﴿لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ [الإسراء: ٦٢] أُمر بها المسلمون أن يدخلوا في شرائع الإسلام كلها، أو في أهل الكتاب آمنوا بمن سلف من الأنبياء، فأُمروا بالدخول في الإسلام، أو نزلت في ابن سلام وجماعة من اليهود لما قالوا للرسول ﷺ " السبت يوم كنا نعظمه ونسيت فيه، والتوراة كتاب الله - تعالى - فدعنا فلنقم بها بالليل ".
٢١٠ -﴿في ظلل﴾ بظلل، أو أمر الله تعالى في ظلل. {سَلْ بَنِى إِسْرَآءِيلَ كم ءاتيناهم من ءاية بينة ومن يبدِّل نعمة الله من بعد ما جآءته فإنَّ الله شديد العقاب (٢١١) زيِّن للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين ءامنوا والذين
205
اتقوا فوقهم يوم القيامة والله يرزق من يشآء بغير حساب (٢١٢) }
٢١١ -﴿سل بني إسرائيل﴾ توبيخاً لهم، أراد علماءهم، أو أنبياءهم، أو جميعهم. ﴿آية بَيِّنَةٍ﴾ فلق البحر، وتظليل الغمام وغيرهما. ﴿نِعْمَةَ الله﴾ العلم / برسوله صلى الله عليه وسلم.
٢١٢ -﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ زينها الله بخلق الشهوات فيها، أو زينها الشيطان، أو المُغوي من الثقلين. ﴿وَيَسْخَرُونَ﴾ من ضعفاء المسلمين، يوهمونهم أنهم على حق، والمراد بذلك علماء اليهود، أو مشركو العرب. ﴿وَالَّذِينَ اتَّقَوْاْ﴾ فوق الكفار. ﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ عبّر بذلك عن سعة ملكه الذي لا يفنيه عطاء ولا يقدر بحساب، أو هو دائم لا يفنى، أو رزق الدنيا بغير حساب لأنه يعم المؤمن والكافر، ولا يُعطى المؤمن على قدر إيمانه، أو رزق المؤمن في الآخرة لا يحاسب عليه، أو التفضل بغير حساب، والجزاء بالحساب، أو كفايتهم بغير حساب ولا تضييق. ﴿كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوافيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جآءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين ءامنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشآء إلى صراط مستقيم (٢١٣) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَأْتِكُم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأسآء والضرآء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين ءامنوا معه متى نصر الله ألآ إن نصر الله قريب (٢١٤) ﴾
٢١٣ -﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ على الكفر، أو على الحق، أو آدم - عليه الصلاة والسلام - كان إمام ذريته فبعث الله - تعالى - النبيين في ولده. أو يوم الذر لما خرجوا من صلب آدم أقروا بالعبودية ثم اختلفوا، وهم عشرة قرون كانوا بين آدم ونوح على الحق ثم اختلفوا.
206
﴿يسألونك ماذا ينفقون قل مآ أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خيرٍ فإن الله به عليم (٢١٥) ﴾
٢١٥ -﴿مَاذَا يُنفِقُونَ﴾ سألوا عن أموالهم اين يضعونها فنزلت أو نزلت في إيجاب نفقة الأهل والصدقة ثم نسخت بالزكاة. ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون (٢١٦) ﴾
٢١٦ -﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ أراد به الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - خاصة، أو الناس عامة إلى حصول الكفاية، أو هو فرض متعين على كل مسلم أبداً، قاله ابن المسيب. ﴿كُرْهٌ لَّكُمْ﴾ الكُره: إدخال المشقة على النفس من غير إكراه أحد، والكَره: إدخال المشقة بإكراه غيره، كره: ذو كره، أو مكروه لكم فأقام المصدر مقامه. مكروه قبل الأمر به وأما بعده فلا، أو كره / في الطباع قبل الأمر وبعده. ﴿وَعَسَى﴾ بمعنى " قد "، أو طمع المشفق مع دخول الشك، ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً﴾ من القتال، ﴿وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ بالظفر والغنيمة والأجر والثواب، ﴿وَعَسَى أَن تُحِبًّواْ شَيْئاً﴾ من [ترك] القتال، ﴿وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ﴾ بظهور عدوكم، ونقصان أجوركم، ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ مصلحتكم، ﴿وأنتم لا تعلمون﴾.
207
﴿يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٢١٧) إن الذين ءامنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمت الله والله غفور رحيم (٢١٨) ﴾
٢١٧ -﴿يسألونك عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ خرج عبد الله بن جحش بأمر الرسول ﷺ في سبعة نفر فلقوا ابن الحضرمي في عِير فَقُتل ابنُ الحضرمي وأسروا آخر، وغنموا العير، وذلك أول ليلة من رجب، فلامه الرسول ﷺ والمسلمون فنزلت فسأله المشركون عن ذلك ليعيّروه ويستحلوا قتاله فيه، قاله الأكثرون. أو سأله المسلمون ليعرفوا حكمه، سألوا عن القتال في الشهر
208
الحرام، فأخبرهم أن الصد عن سبيله وإخراج أهل الحرم والفتنة أكبر من القتل في الشهر، أو سألوا عن القتل في الحرم والشهر الحرام فأخبرهم بأن الصد والإخراج والفتنة أكبر من القتل في الحرم والشهر الحرام. وتحريم ذلك محكم عند عطاء، منسوخ على الأصح، لأن الرسول ﷺ غزا هوازن وثقيفاً، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس في بعض الأشهر الحرم، وبايع على قتال قريش بيعة الرضوان في ذي القعدة. ﴿حَبِطَتْ﴾ أصل الحبوط: الفساد، فإذا بطل العمل قيل حبط لفساده.
٢١٨ -﴿إن الذين آمنوا﴾ قال قوم من المسلمين في سرية أبن جحش: " إن لم يكونوا أصابوا وزراً فليس لهم في سفرهم أجر "، فنزلت ﴿هَاجَرُواْ﴾ دورهم كراهة المقام مع المشركين. ﴿وَجَاهَدُواْ﴾ جهد فلاناً كذا: إذا أكربه وشق عليه ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ طريقه وهي دينه. ﴿يرجون رحمة اللَّهِ﴾ إنما رجوها لأنهم لا يدرون الخواتيم، أو لأنهم لم يتيقنوا آداء كل ما وجب عليهم. ﴿يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهمآ إثم كبير ومنافع للناس وإثمهمآ أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (٢١٩) في الدنيا والآخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شآء الله لأعنتكم إن الله عزيزٌ حكيمٌ (٢٢٠) ﴾
٢١٩ -﴿يسألونك عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ الخمر: ما خامر العقل فيستره، والميسر: القمار. ﴿إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ سكر الشارب وإيذاؤه الناس؛ وإثم الميسر بالظلم ومنع الحق، أو إثم الخمر: زوال العقل حتى لا يعرف خالقه، وإثم الميسر: صده عن ذكر الله وعن الصلاة، وإيقاع العداوة والبغضاء. ﴿وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾ منافع أثمانها، وربح تجارتها، والالتذاذ بشربها.
(ونشربها فتتركنا ملوكا
وأُسداً ما ينهنهنا اللقاء)
210
ومنافع الميسر: كسب المال بغير كد، أو ما كانوا يصيبون به من أنصباء الجزور. ﴿وَإِثْمُهُمَآ﴾ بعد التحريم ﴿أُكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا﴾ قبل التحريم، أو كلاهما قبل التحريم. {الْعَفْوَ) ما فضل عن الأهل، أو ما لا يبين على من أنفقه / أو تصدق به، أو الوسط من غير إسراف ولا إقتار، أو أخذ ما آتوه من قليل أو كثير، أو الصدقة عن ظهر غنى، أو الصدقة المفروضة، وهي محكمة، أو نُسخت بالزكاة، وحُرمت الخمر بهذه الآية، أو بآية " المائدة " على قول الأكثر.
٢٢٠ -﴿ويسألونك عَنِ الْيَتَامَى﴾ لما نزل ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الأسراء: ٣٤] و ﴿إِنَّ الذين يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ اليتامى ظُلْماً﴾ [النساء: ١٠] تحرجوا من خلط طعامهم بأطعمة اليتامى فعزلوا أطعمة اليتامى حتى ربما فسدت عليهم، فنزلت ﴿وَإِن تُخَالِطُوهُمْ﴾ في الطعام والشراب، والسكنى، والدابة، واستخدام العبيد. ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ﴾ الذي يخلط ماله بمال اليتيم، ليفسد مال اليتيم. والمصلح: الذي يريد بذلك إصلاح مال اليتيم. ﴿لأَعْنَتَكُمْ﴾ لشدد عليكم، أو يجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقاً ﴿عَزيزٌ﴾ في سلطانه قادر على الإعنات. ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره بترك الإعنات. {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا
211
تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمن خيرٌ من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعوا إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبيّن ءاياته للناس لعلهم يتذكرون (٢٢١) }
٢٢١ -﴿وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ﴾ محكم في كل مشركة كتابية، أو غير كتابية، أو خُصِّصَ منه أهل الكتاب، أو كانت عامة في كل مشركة فنسخ منها أهل الكتاب، ومراده التزويج، والنكاح: حقيقة في العقد مجاز في الوطء. ﴿مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن) {حرة﴾ (مُّشْرِكَةٍ} وإن شرف نسبها، أو نزلت في عبد الله ابن رواحة، كانت له أَمَة، فخطب عليه حرة مشركة شريفة فلم يتزوجها فأعتق
212
أمته وتزوجها، فطعن عليه ناس من المسلمين فنزلت ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ بجمالها وحسبها ومالها. ﴿وَلا تنكحوا المشركين﴾ هذا على عمومه إجماعاً. ﴿ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً فاعتزلوا النسآء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهَّرن فأتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين (٢٢٢) نسآؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدِّموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين (٢٢٣) ﴾
٢٢٢ -﴿ويسألونك عَنِ الْمَحِيضِ﴾ كانوا يجتنبون مساكنة الحائض والأكل والشرب معها، فسألوا الرسول ﷺ فنزلت، أو سأله ثابت بن الدحداح
213
الأنصاري، أو كانوا يعتزلون الوطء في الفرج ويأتونهن في أدبارهن مدة الحيض فنزلت، قاله مجاهد: ﴿أَذىً﴾ بِنَتَنِه وقذره ونجاسته. ﴿فَاعْتَزِلُواْ النِّسَآءَ﴾ فلا تباشروهن بشيء من أبدانكم، أو ما بين السرة والركبة، أو الفرج وحده. ﴿يَطْهُرْنَ﴾ ينقطع دمهن. ﴿تَطَهَّرْنَ﴾ اغتسلن بالماء: بالوضوء وبالغسل، أو بغسل الفرج وحده. ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ في القُبُل، أو بالنكاح دون السفاح، أو من قُبُل الطهر لا من قُبُل الحيض، أو لا تقربوها صائمة ولا
214
محرمة ولا معتكفة ﴿الْمُتَطَهِّرينَ﴾ بالماء، أو من أدبار النساء، أو من الذنوب بالتوبة.
٢٢٣ -﴿حَرْثٌ لَّكُمْ﴾ مزدرع لنسلكم ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ زعمت اليهود أن من أتى امرأة من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأكذبهم الله / تعالى بقوله ﴿أَنَّى شِئْتُمْ﴾ أو كيف شئتم عازلين أو غير عازلين، أو حيث شئتم من قُبُل أو دُبُر روي ذلك عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - وبه قال ابن أبي مليكة،
215
ويروى عن مالك - رحمه الله تعالى - وقد أُنكرت هذه عن ابن عمر، أو من أي وجه شئتم من دبرها في قبلها، أو من قبلها،
أو قال بعض الصحابة:
216
إني لآتي امرأتي مضطجعة، وقال آخر: إني لآتيها قائمة، وقال آخر: إني لآتيها على جنبها، وقال آخر: إني لآتيها باركة، فقال يهودي بقربهم: ما أنتم إلا أمثال البهائم، ولكنا إنما نأتيها على هيئة واحدة فنزلت.... ﴿وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ﴾ الخير، أو ذكر الله - تعالى - عند الجماع قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. ﴿ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم (٢٢٤) لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفورٌ حليم (٢٢٥) ﴾
٢٢٤ -﴿عُرْضَةً﴾ من القوة والشدة، فالعرضة أن يحلف في كل حق وباطل فيبتذل اسم الله - تعالى - ويجعله عرضة، أو العرضة: علة يعتل بها فيمتنع من فعل الخير، والإصلاح معتلاً بأن حلفت، أو يحلف في الحال فيعتل بيمينه في ترك الخير أو يحلف ليفعلن البر والخير فيقصد بفعله برّ يمينه دون الرغبة في فعل الخير. ﴿أَن تَبَرُّواْ﴾ في أيمانكم، أو تبروا أرحامكم ﴿وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾. ﴿سَمِيعٌ﴾ لأيمانكم ﴿عَلِيمٌ﴾ باعتقادكم.
٢٢٥ -﴿بِاللَّغْوِ﴾ كل كلام مذموم، لغا فلان: قال قبيحاً، فلغو اليمين: ما سبق إليه اللسان من غير قصد، كلا والله، وبلى والله، مر الرسول ﷺ بقوم يتناضلون فرمى رجل فقال: اصبت والله، أخطأت والله، فقال رجل مع الرسول ﷺ حنث الرجل فقال الرسول ﷺ " كلا إن أيمان الرماة [لغو] لا كفارة ولا عقوبة " أو الحلف على شيء ظاناً ثم تبين بخلافه، أو الحلف في حال
217
الغضب من غير عقد ولا عزم بل صلة في الكلام وعن الرسول ﷺ " لا يمين في غضب "، أو الحلف على معصية فلا يؤاخذ بترك المعصية ويكفِّر، وعن الرسول ﷺ " من حلف على معصية فلا يمين له " أو دعاء الحالف على نفسه، كقوله " إن لم أفعل فأعمى الله بصري، او أخرجني من مالي، أو أنا كافر بالله، قاله زيد بن أسلم " أو اللغو: الأيمان المكفَّرة، أو ما حنث فيه ناسياً ﴿كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ عمدتم، أو الحلف كاذباً، أو على باطل، أو اعتقاد الشرك بالله - تعالى - والكفر، عند زيد بن أسلم. ﴿غَفُورٌ﴾ للغو ﴿حَلِيمٌ﴾ بترك معاجلة العصاة.
218
﴿للذين يؤلون من نسآءهم تربص أربعة أشهر فإن فآءو فإن الله غفورٌ رحيم (٢٢٦) وإن عزموا الطلاق فإن الله سميعٌ عليم (٢٢٧) ﴾
٢٢٦ -﴿يُؤْلُونَ﴾ يقسمون، والأليَّة: القسم، يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم فترك لدلالة الكلام عليه، ويختص باليمين بالله - تعالى -، أو يعم في كل ما يُلزم الحانث ما لم يكن يلزمه. يختص بالجماع وبحال الغضب وقصد الإضرار ولا يجري / في حال الرضا وبغير قصد الإضرار، أو يعم الأحوال إذا حلف على الجماع، أو يعم فيما يسوء به زوجته من جماع أو غيره، كقوله: لأسوأنك أو لأغيظنك، قاله الشعبي وابن المسيب والحكم. ﴿فاءوا﴾ رجعوا إلى الجماع، أو الجماع لغير المعذور، والفيئة باللسان للمعذور، أو الفيئة باللسان وحده عند من جعله عاماً في غير الجماع. ﴿غَفُورٌ﴾ بإسقاط الكفارة، أو بإسقاط الإثم دون الكفارة.
٢٢٧ -﴿وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ﴾ بأن لا يطلقوا حتى تمضي الأشهر الأربعة فتطلق بائنة، أو رجعية، أو يوقف بعد مضي الأشهر، فإن فاء وإلا طلق قاله: اثنا عشر من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، أو الإيلاء ليس بشيء قاله ابن المسيب: ﴿سَمِيعٌ﴾ لإيلائه، أو لطلاقه، ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيته، أو بضره. {وَالْمُطَلَّقَاتُ يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في
219
أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم (٢٢٨) }
٢٢٨ -﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ﴾ الطلاق: التخلية، النعجة المهملة بغير راعٍ طالق وبه سميت المرأة. ﴿ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ﴾ مدة ثلاثة قروء، وهي الحيض، أو الأطهار، أخذ من الاجتماع، لاجتماع الدم في الرحم عند من رآها الحيض، أو لاجتماعه في البدن عند من رأها الأطهار، قرأ الطعام في شدقه والماء في حوضه جمعهما، أو القَرء: الوقت لمجىء ما يعتاد مجيئه، أو لإدباره، أقرأ النجم جاء وقت طلوعه أو أفوله. قال:
(إذا ما الثريا وقد أقرأت... أحس السِّما كان منها أفولاً)
(... هبت لقارئها الرياح)
فالقرء: وقت لخروج الدم، أو لاحتباسه. ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ فِى أَرْحَامِهِنَّ﴾ الحيض أو الحمل، أو كلاهما، توعدها لأنها تمنع بالكتمان رجعة الزوج، أو لإلحاق نسب الولد بغيره كفِعل الجاهلية. ﴿بعولتهن﴾ سموا بذلك لعلوهم عليهن، بعلا: ربًّا، لعلوه بالربوبية. ﴿بِرَدِّهِنَّ﴾ برجعهن. ﴿وَلَهُنَّ﴾ من حسن الصحبة مثل الذي للرجال عليهن من حسن الصحبة، أو لهن على الأزواج من
220
التصنع مثل ما لأزواجهن عليهن قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، أو لهن من ترك المضارة مثل ما عليهن. ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ بالميراث والجهاد، أو بالإمرة والطاعة، أو إعطاء الصداق والملاعنة إذا قذفها، أو بالإفضال عليها وأداء حقها والصفح عن حقوقه عليها، أو بأن جعل له لحية قاله حميد. ﴿الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ولا يحل لكم أن تأخذوا ممآ ءاتيتموهن شيئاً إلآ أن يخافآ ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون (٢٢٩) فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره فإن طلقها فلا جناح عليهمآ أن يتراجعآ إن ظنآ أن يقيما حدود الله وتلك حدود الله يبينها لقوم يعلمون (٢٣٠) ﴾
٢٢٩ -﴿الطَّلاقُ مَرَّتَانِ﴾ بيان لسنة الطلاق أن يوقع في كل قرء طلقة، أو بيان لعدد ما ثبت فيه الرجعة، ولتقديره بالثلاث كان أحدهم يطلق ما شاء ثم يراجع، فأراد رجل المضارة بزوجته / بطلاقها ثم ارتجاعها كلما قرب انقضاء عدتها ولا يقربها فشكت إلى الرسول ﷺ فنزلت.......
221
﴿فَإِمْسَاكُ بِمَعْرُوفٍ﴾ الرجعة بعد الثانية، والتسريح بالإحسان الطلقة الثالثة. قيل للرسول ﷺ الطلاق مرتان فأين الثالثة؟ قال: " إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان "، أو التسريح بإحسان: ترك الرجعة حتى تنقضي العدة، والإحسان: أداء حقها وكف الأذى عنها. ﴿يَخَافَآ﴾ يظنا. ﴿أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ بظهور نشوزها وسوء الخلق، أو لا تطيع أمره ولا تبر قسمه، أو تصرح بكراهتها له، أو يكره كل واحد منهما صاحبه فلا يؤدي حقه، قال الرسول ﷺ " المختلعات هن المنافقات " وهي التي تختلع لميلها إلى غير زوجها. ﴿ما افْتَدَتْ بِهِ﴾ من
222
الصداق من غير زيادة، أو يجوز أن تفتدي بالصداق وبجميع مالها. وجواز الخلع محكم عند الجمهور، ومنسوخ عند بكر بن عبد الله. بقوله - تعالى -: ﴿وآتيتم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئاً﴾ [النساء: ٢٠].
٢٣٠ -﴿فَإِن طَلَّقَهَا﴾ الثالثة، أو هو تفسير لقوله - تعالى - ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾﴿تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ الدخول شرط عند الجمهور خلافاً لابن المسيب. ﴿وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا ءايات الله هزواً واذكروا نعمت الله عليكم ومآ أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شيء عليم (٢٣١) ﴾
٢٣١ -﴿بلغن أَجَلهُنَّ﴾ قاربن انقضاء العدة، بلغ البلد إذا قاربه ﴿فَأَمْسِكُوهُنَ﴾ ارتجعوهن. ﴿سَرِّحُوهُنَّ﴾ بتركهن حتى تنقضي العدة {ولا
223
تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا} بالارتجاع كلما طلق ليطول العدة، ﴿ولا تتخذوا آيات اللَّهِ هُزُوًا﴾ كان أحدهم يطلق، أو يعتق ثم يقول " كنت لاعباً "
فقال الرسول ﷺ من طلق لاعباً، أو أعتق لاعباً فقد جاز عليه "، ونزلت ﴿ولا تتخذوا) {﴾ (وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذالكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون (٢٣٢) }
٢٣٢ -﴿فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ بانقضاء العدة. ﴿تَعْضُلُوهُنَّ﴾ العضل المنع، داء عضال: ممتنع أن يداوي، فلان عضلة: داهية، لامتناعه بدهائه، أو العضل: التضييق، أعضل بالجيش الفضاء،
وقال عمر - رضي الله تعالى عنه -: " أعضل رأيي في أهل العراق لا يرضون عن والٍ ولا يرضى عنهم والٍ ". نزلت في معقل بن يسار لما طُلقت أخته، رغب مطلقها في نكاحها فعضلها، أو
224
نزلت في جابر بن عبد الله طُلقت بنت عم له ثم رغب زوجها في نكاحها فعضلها، أو تعم كل ولي عاضل. ﴿تَرَاضَواْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالزوج الكافي، أو بالمهر. ﴿والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم مآ ءاتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموآ أن الله بما تعملون بصير (٢٣٣) ﴾
٢٣٣ -﴿حَوْلَيْنِ﴾ من حال الشيء إذا انقلب، لانقلابه عن الوقت الأول واستحالة الكلام انقلابه عن الصواب، أو من التحول عن المكان، لانتقاله من الزمن الأول. ﴿كَامِلَيْنِ﴾ قيدهما بالكمال، لأنهم يطلقون الحولين / يريدون
225
أحدهما وبعض الآخر، ومنه ﴿فَمَن تَعَجَّلَ فَي يومين﴾ [٢٠٣]، أَمرٌ بإكمالها لمن كان حملها ستة أشهر لقوله تعالى: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً﴾ [الأحقاف: ١٥]، فإن كان حملها تسعاً أرضعت إحدى وعشرين شهراً، قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: أو هو عام في كل مولود طالت مدة حمله، أو قصرت. ﴿الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ الأب، عليه رزق الأم المطلقة إذا أرضعت ولدها ومؤنتها ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بأجرة مثلها، أو رزق الأم المنكوحة وكسوتها بالمعروف لمثلها على مثله من يسار، أو إعسار. ﴿لا تُضَآرَّ وَالدِةٌ﴾ لا تمتنع من الإرضاع إضراراً بالأب عند الجمهور، أو الوالدة هي الظئر، ولا ينتزع الأب المولود له الولد من أمه إضراراً ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ﴾ وهو المولود، أو الباقي من أبويه بعد موت الآخر، أو وارث الوالد، أو وارث الابن من عصبته كالعم وابنه، والأخ وابنه دون الوارث من النساء، أو ذوي الرحم المَحْرم من الورثة، أو الأجداد ثم الأمهات. ﴿مِثْلُ ذَلِكَ﴾ ما كان على الأب من أجرة رضاعه ونفقته، أو من أن لا تضار والدة بولدها ﴿فِصَالاً﴾ فطاماً بفصل الولد من ثدي أمه، فاصلت: فلاناً فارقته [ ﴿وَتَشَاوُرٍ﴾ ] التشاور: استخراج الرأي بالمشاورة. والفصال بالتراضي قبل الحولين، أو قبلهما وبعدهما. ﴿تَسْتَرْضِعُواْ﴾ لأولادكم بحذف [اللام اكتفاء بأن الاسترضاع لا يكون إلا للولد] وهذا عند امتناع الأم من رضاعه ﴿سَلَّمْتُم﴾ إلى الأمهات أجر رضاعهن قبل امتناعهن، أو سلمتم الأولاد إلى المرضعة يرضى الأبوين، أو سلمتم إلى الظئر أجرها. ﴿والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف والله بما تعملونه خبير (٢٣٤) ﴾
٢٣٤ -﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً﴾ زيدت العشر لأن الروح تنفخ فيها قاله ابن
226
المسيب، وأبو العالية، وفي وجوب الإحداد فيها قولان: قال الرسول ﷺ لأسماء بنت عميس لما أصيب جعفر بن أبي طالب: " تسلبي ثلاثاُ ثم أصنعي ما شئت " ﴿فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ﴾ أي في تزوجكم بهن، أو
227
سقط عنكم الإنكار عليهن إذا تزوجن بعد الأجل. ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ بالنكاح المباح، أو بالطيب والزينة والانتقال من المسكن نَسخت هذه لقوله تعالى: ﴿والذين يُتَوَفَّوْنَ﴾ [٢٤٠] وتقدم الناسخ على المنسوخ، لأن القارئ إذا وصل إلى الناسخ واقتصر عليه أجزأه. ﴿ولا جناح عليكم فيما عرَّضتم به من خطبة النسآء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلآ أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله واعلموآ أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن الله غفورٌ حليم (٢٣٥) ﴾
٢٣٥ -﴿عَرَّضْتُم﴾ الإشارة بالكلام إلى ما ليس له فيه ذكر، كقوله ما عليكِ أيمة، ورغب راغب فيك، ولعل الله أن يسوق إليكِ خيراً ﴿خِطْبَةِ﴾ طلب النكاح، والخُطْبة: الكلام الذي يتضمن الوعظ الإبلاغ ﴿أكننتم﴾ سترتم.
228
﴿سِرّاً﴾ زنا، أو الجماع، أو قوله: " لا تفوتيني نفسك " / أو نكاحها في العدة سِراً، أو أخذه ميثاقها أن لا تنكح غيره. ﴿قَوْلاً مَّعْرُوفاً﴾ هو التعريض. ﴿وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ﴾ على عقدة يريد التصريح ﴿الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ فرض الكتاب، أو أراد بالكتاب الفرض تشبيهاً بكتاب الدين. ﴿لا جناح عليكم إن طلقتم النسآء ما لم تمسّوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقاً على المحسنين (٢٣٦) وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلآ أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير (٢٣٧) ﴾
٢٣٦ -﴿أَوْ تَفْرِضُواْ﴾ بمعنى " ولم تفرضوا " أو " فرضتم أو لم تفرضوا " فحذف فرضتم. ﴿فَرِيضَةً﴾ صداقاً، سمي بذلك، لأنه أوجبه على نفسه، وأصل الفرض الواجب ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ بمال ينتفعن به بقدر نصف صداق المثل، أو يقدرها الحاكم باجتهاده، أو خادم ودون ذلك الوَرِق، ودون ذلك الكسوة وهي
229
واجبة لكل مطلقة، أو لغير المدخول بها إذا لم يسمِّ لها صداقاً، أو لكل مطلقة إلا غير المدخول بها، أو هي مندوب إليها.
٢٣٧ -﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ فلكم استرجاعه، أو فهو لهن ليس عليكم غيره. ﴿إِلآ أَن يَعْفُونَ﴾ ليكون مرغباً للأزواج في خطبتها. ﴿الَّذِى بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِكَاحِ﴾ الولي، أو الزوج، أو أبو البكر. ﴿وَأَن تَعْفُواْ﴾ أيها الأزواج أو الأزواج والزوجات. ﴿لِلتَّقْوَى﴾ إلى اتقاء المعاصي، أو إلى أن يتقي كل واحد منهما ظلم الآخر. ﴿حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين (٢٣٨) فإن خفتم فرجالاً أو ركباناً فإذآ أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون (٢٣٩) ﴾
٢٣٨ -﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ بذكرها، أو تعجيلها. ﴿الْوُسْطَى﴾ خُصت بالذكر لانفرادها بالفضل، وهي العصر، لقول الرسول ﷺ " حبسونا عن الصلاة الوسطى. صلاة العصر "، أو الظهر، لأن الرسول ﷺ كان يصليها.
230
بالهاجرة فلم يكن على الصحابة أشد منها فنزلت، لأن قبلها صلاتين وبعدها صلاتين، أو المغرب لتوسط عددها، وأنها لا تقصر، أو الصبح، لقوله - تعالى - ﴿وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ ولا قنوت في غيرها، أو هي مبهمة في الخمس غير معينة ليكون أبلغ في المحافظة على جميعها ﴿قَانِتِينَ﴾ القنوت من الدوام على أمر واحد، أو من الطاعة، أو من الدعاء يريد طائعين، أو ساكتين عن منهي الكلام، أو خاشعين عن العبث والتلفت، أو داعين، أو طول القيام، أو القراءة.
٢٣٩ -﴿رجالا﴾ جمع راجل كقائم وقيام، ولا يغير الخوف عدد الصلاة عند الجمهور، وقال الحسن: " صلاة الخوف ركعة " وفي وجوب قضائها مذهبان ﴿فَاذْكُرُواْ اللَّهَ﴾ فصلوا كما علمكم، أو فاذكروه بحمده، والثناء عليه ﴿كَمَا عَلَّمَكُم﴾ من أمر دينكم ﴿ما لم تكونوا تعلمون﴾. ﴿والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّة لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف والله عزيز حكيم (٢٤٠) وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين (٢٤١) كذلك بين الله لكم ءاياته لعلكم تعقلون (٢٤٢) ﴾
٢٤١ -﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعُ﴾ كل مطلقة، أو الثيب المجامعة، أو لما نزل ﴿حقا على المحسنين﴾ [٢٣٦] قال رجل: " إن أحسنت فعلت / وإن لم أرَ ذلك لم أفعل فنزل ﴿حَقّاً عَلَى المتقين﴾ وخصوا بالذكر تشريفا. ﴿ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون (٢٤٣) وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم (٢٤٤) من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له أضعافاً كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون (٢٤٥) ﴾
٢٤٣ -﴿أُلوُفٌ﴾ مؤتلفو القلوب، أو ألوف في عددهم أربعة آلاف أو ثمانية آلاف أو بضعة وثلاثون ألفاً، أو أربعون ألفاً، والألوف تستعمل فيما زاد على عشرة آلاف. ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ فروا من الجهاد، أو من الطاعون إلى أرض لا طاعون بها فلما خرجوا ماتوا، فمر بهم نبي فدعا أن يُحيوا فأُجيب. ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ﴾ عبّر عن الإماتة بالقول، كما يقال: قالت السماء فمطرت، أو قال قولاً سمعته الملائكة، وإحياؤهم معجزة لذلك النبي.
٢٤٥ -﴿قَرْضاً حَسَناً﴾ في الجهاد، أو أبواب البر. ﴿أَضْعَافًا كَثِيرةً﴾ سبعمائة ضعف، أو ما لا يعلمه إلا الله. ﴿يقبض ويبسط﴾ في الرزق، أو
232
﴿يقبض﴾ الصدقات ﴿ويبسط﴾ الجزاء. ﴿ألم تر إلى الملإ من بني إسرآءيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنآئنا فلما كتب عليهم القتال تولّوا إلا قليلاً منهم والله عليم بالظالمين (٢٤٦) ﴾
٢٤٦ -﴿الْمَلإِ﴾ الأشراف. ﴿لِنَبِىٍّ لَّهُمُ﴾ سمويل، أو يوشع بن نون، أو سمعون، سمته أمه بذلك لأن الله - تعالى - سمع دعاءها فيه، طلبوا ذلك لقتال العمالقة، أو الجبارين الذين استذلوهم. {وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعةً من المال قال إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من
٢٤٧ -﴿طَالُوتَ﴾ لم يكن من سبط النبوة ولا المملكة. ﴿بَسْطَةً﴾ زيادة في العلم، وعظماً في الجسم، كانا قبل الملك، أو زاده ذلك بعد الملك. ﴿وَاسِعٌ﴾ الفضل، أو موسع على خلقه، أو ذو سعة. ﴿وقال لهم نبيهم إن ءاية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك ءال موسى وءال هارون تحمله الملآئكة إن في ذلك لآيةً لكم إن كنتم مؤمنين (٢٤٨) ﴾
٢٤٨ -﴿سكينة﴾ ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان، أو طست ذهب من الجنة كان يغسل فيه قلوب الأنبياء، أو روح من الله تتكلم، أو ما تعرفونه من الآيات فتسكنون إليه، أو الرحمة، أو الوقار. ﴿وبقية﴾ عصا موسى عليه الصلاة والسلام، ورضاض الألواح، أو العلم، أو التوراة، أو الجهاد في سبيل الله - تعالى -، أو التوراة وشيء من ثياب موسى عليه الصلاة والسلام، كان قدر
234
التابوت ثلاثة أذرع في ذراعين ﴿تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ﴾ بين السماء والأرض يرونه عياناً، ويقال نزل آدم - عليه الصلاة والسلام - بالتابوت والركن. وكان التابوت بأيدي العمالقة غلبوا عليه بني إسرائيل، أو كان ببرية التيه خلفه بها يُوشع بن نون، وقيل إن التابوت وعصا موسى - عليه الصلاة والسلام - في بحيرة الطبرية، وأنهما يخرجان قبل يوم القيامة. ﴿فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلآ من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم فلما جاوزه هو والذين ءامنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين (٢٤٩) ﴾
٢٤٩ -﴿بِنَهَرْ﴾ نهر بين الأردن وفلسطين، أو نهر فلسطين ابتلوا به لشكايتهم قلة الماء وخوف العطش. ﴿مِنِّى﴾ من أهل ولايتي. ﴿غُرْفَةَ﴾ الفعل والغُرفة اسم المغروف. ﴿قَليلآً﴾ ثلاثمائة وبضعة عشر عدة أهل بدر، ومن استكثر منه عطش. ﴿جَاوَزَهُ﴾ مع المؤمنين والكافرين ثم انخزلوا عن المؤمنين، وقالوا: لا طاقة لنا اليوم بجالوت /، أو لم يجاوزه إلا مؤمن. ﴿قَالُواْ لا طَاقَةَ﴾ قاله الكفار المنخزلون، أو من قلّت نصرته من المؤمنين. ﴿يَظُنُّونَ﴾ يوقنون، أو يتوقعون ﴿أَنَّهُم مُّلاَقُواْ اللَّهِ﴾
235
بالقتل في تلك الواقعة. ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بالنصر والمعونة. ﴿ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنآ أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين (٢٥٠) فهزموهم بإذن الله وقتل داود جالوت وءاتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشآء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين (٢٥١) تلك ءايات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين (٢٥٢) تلك الرسل فضّلنا بعضهم على بعض منهم من كلّم الله ورفع بعضهم درجات وءاتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شآء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جآءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من ءامن ومنهم من كفر ولو شآء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد (٢٥٣) يآ أيها الذين ءامنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلّة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون (٢٥٤) ﴾
٢٥١ -﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بنصر الله، أضاف الهزيمة إليهم تجوزاً لأنهم بالإلجاء إليها صاروا سبباً لها. ﴿وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾ رماه بحجر بين عينيه فخرج من قفاه فقتل جماعة من عسكره، وكان نبياً قبل قتله لوقوع هذا الخارق على يديه، أو لم يكن نبياً، لأنه لا يجوز أن يولى على النبي من ليس بنبي. ﴿الْمُلْكَ﴾ السلطان. ﴿وَالْحِكْمَةَ﴾ النبوة. ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ قيل صنعة الدروع، والتقدير في السرد. ﴿دفع الله﴾ الهلاك عن البر بالفاجر، أو يدفع
236
باللطف للمؤمن وبالرعب في قلب الكافر. ﴿لَّفَسَدَتِ الأرض﴾ لعم فسادها. ﴿الله لآ إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلاّ بما شآء وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم (٢٥٥) ﴾
٢٥٥ -﴿الْحَىُّ﴾ ذو الحياة، أو تسمى به لتصريفه الأمور وتقديره الأشياء، أو اسم تسمى به فيقبل تسليماً لأمره. ﴿الْقَيُّومُ﴾ القائم بتدبير الخلق، أو القائم على كل نفس بما كسبت فيجزيها بما علمه منها، أو القائم الموجود، أو العالم بالأمور، قام فلان بالكتاب إذا كان عالماً به، أو أخذ من الاستقامة. ﴿سِنَةٌ﴾ نعاس، والنعاس ما كان في العين، فإذا صار في القلب صار نوماً. ﴿مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ الدنيا ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الآخرة. ﴿كُرْسِيُّهُ﴾ علمه، أو العرش، أو سرير دون العرش، أو موضع القدمين، أو الملك، وأصل الكرسي: العلم ومنه الكراسة، والعلماء كراسٍ، لأنه يُعْتَمد عليهم كما قيل: أوتاد الأرض. ﴿ولا يؤوده﴾ لا يثقله إجماعاً، والضمير عائد إلى الله تعالى أو إلى الكرسي. ﴿الْعَلِىُّ﴾ بالاقتدار، ونفوذ السلطان، أو العلي: عن الأشباه والأمثال. ﴿لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم (٢٥٦) ﴾
٢٥٦ -﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ في الكتابي إذا بذل الجزية، أو نسخت
237
بفرض القتال، أو كانت المقلاة - من الأنصار - تنذر إن عاش لها ولد أن تهوّده رجاءً لطول عمره، وذلك قبل الإسلام، فلما أجلى الرسول ﷺ بني النضير وفيهم أولاد الأنصار، قالت الأنصار كيف نصنع بأبنائنا فنزلت قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ﴿بِالطَّاغُوتِ﴾ الشيطان، أو الساحر، أو الكاهن، أو الأصنام، أو مردة الإنس والجن، أو كل ذي طغيان على الله - تعالى - عبده مَنْ دُونه بقهر منه أو بطا [عة] إنساناً كان أو صنماً. ﴿بِالْعُرْوَةِ﴾ الإيمان بالله تعالى. ﴿لا انفِصَامَ﴾ لا انقطاع، أو لا انكسار، أصل الفصم الكسر. ﴿الله ولي الذين ءامنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أوليآؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٢٥٧) ﴾
٢٥٧ -﴿مِّنَ الظُّلُمَاتِ﴾ الضلالة إلى الهدى. ﴿مِّنَ النُّورِ إِلى الظُّلُمَاتِ﴾ / نزلت في مرتدين، أو في كافر أصلي، لأنهم بمنعهم من الإيمان كأنهم أخرجوهم منه. {ألم تر إلى الذي حآج إبراهيم في ربه أن ءاتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من
238
المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين (٢٥٨) }
٢٥٨ -﴿الذي حاج إبراهيم﴾ - عليه الصلاة والسلام -: النمروذ بن كنعان أول من تجبر في الأرض وادعى الربوبية. ﴿آتاه الله الملك﴾ الضمير لإبراهيم - عليه الصلاة والسلام -، أو لنمروذ. ﴿أحيي وَأُمِيتُ﴾ أترك من لزمه القتل، وأقتل بغير سبب يوجب القتل. عارض اللفظ بمثله، وعدل عن اختلاف الفعلين، فلذلك عدل إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إلى حجة أخرى لظهور فساد ما عارض به، أو عدل عما شغب به إلى ما لا إشغاب فيه، استظهاراً عليه. ﴿فَأًتِ بها من المغرب﴾ لم يعارضه نمروذ بأن يأتي بها ربه، لأن [الله] خذله بالصَّرفة عن ذلك، أو علم أنه لو طلب ذلك لفعل لما رآه من الآيات فخاف ازدياد الفضيحة. ﴿فَبُهِتَ﴾ تحيّر، أو انقطع. ﴿أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك ءاية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير (٢٥٩) ﴾
٢٥٩ -﴿كالذي مر﴾ عزيز، أو أرميا، أو الخضر. ﴿قَرْيَةٍ﴾ بيت المقدس لما خربه بختنصر، أو القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت. ﴿خَاوِيَةٌ﴾ خراب، أو خالية من الخواء وهو الخلو، ومنه خوت الدار، والخواء الجوع
239
لخلو البطن. ﴿عروشها﴾ العروش البناء. ﴿يحيي هَذِهِ اللَّهُ﴾ بالعمارة ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ بالخراب. ﴿يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ قال ذلك، لأنه مات أول النهار، وعاش بعد المائة آخر النهار فقال: يوماً، ثم رأى بقية الشمس فقال: أو بعض يوم. ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ لم يأتِ عليه السنون فيتغير، أو لم يتغير بالأسن. ﴿ننشرها﴾ نحييها، من نشر الثوب، لأن الميت كالثوب المطوي، لانقباضه عن التصرف فإذا عاش فقد انتشر بالتصرف. ﴿نُنِشزُهَا﴾ نرفع بعضها إلى بعض، النشز المكان المرتفع، نشزت المرأة لارتفاعها عن طاعة زوجها، قاله ملك، أو نبي، أو بعض المعمرين ممن شاهد موته وحياته. ﴿وَإِذْ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءاً ثم ادعهن يأتينك سعياً واعلم أن الله غزيز حكيم (٢٦٠) ﴾
٢٦٠ -﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنىِ﴾ لما حاجه نمروذ في الإحياء، أو رأى جيفة تمزقها السباع. ﴿أو لم تُؤْمِن﴾ ألف إيجاب.
(ألستم خير من ركب المطايا... )
240
﴿ليطمئه قلبي﴾ بعلم المشاهدة بعد علم الاستدلال من غير شك. ﴿أَرْبَعَةً﴾ ديك، وطاووس، وغراب، وحمام. ﴿صرهن﴾ بالضم والكسر واحد ضمهن إليك، أو قطعهن فيتعلق إليك بخذ. ﴿عَلَى كُلِّ جَبَلٍ﴾ أربعة أجبال، أو سبعة، أو كل جبل. ﴿مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشآء والله واسع عليم (٢٦١) ﴾
٢٦١ -﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الجهاد، أو أبواب البر كلها، فالنفقة في الجهاد بسبعمائة ضعف، وفي غيره بعشرة أمثاله، أو تجوز مضاعفتها / بسبعمائة. ﴿وَاسِعٌ﴾ لا يضيق عن الزيادة ﴿عَلِيمٌ﴾ بمستحقها، أو ﴿وَاسِعٌ﴾ الرحمة لا يضيق عن المضاعفة ﴿عليم﴾ بالنفقة. ﴿الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون مآ أنفقوا مناً ولآ أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٢٦٢) قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعهآ أذى والله غني حليم (٢٦٣) يآ أيها الذين ءامنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئآء الناس ولا يؤمن بالله واليوم الآخر فمثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركه صلداً لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي القوم الكافرين (٢٦٤) ﴾
٢٦٤ -﴿لا تُبْطِلُواْ﴾ فضل صدقاتكم دون ثوابها، بخلاف المرائي فإنه لا ثواب له، لانه لم يقصد وجه الله تعالى. ﴿صَفْوَانٍ﴾ جمع صفوانة وهي حجر أملس. والوابل: المطر الشديد الواقع. والصلد: من الحجارة ما صلب، ومن الأرض: ما لم ينبت تشبيهاً بالحجر. ﴿شَىْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ﴾ أنفقوا، لما طلبوا بها الكسب سميت كسباً، وهو مثل المرائي في بطلان ثوابه، والمانِّ في بطلان فضله. ﴿ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغآء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فئاتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير (٢٦٥) ﴾
٢٦٥ -﴿وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أين يضعون الصدقة، أو توطيناً لها بالثبوت على الطاعة، أو بقوة اليقين، ونصرة الدين. ﴿بِرَبْوَةٍ﴾ مكان مرتفع، نبتها أحسن، وريعها أكثر. ﴿أُكُلَهَا﴾ الأكل للطعام. ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ مثلين، ضعف الشيء: مثله زائداً عليه، وضعفاه: مثلاه زائداً عليه عند الجمهور، أو ضعف الشيء: مثلاه. ﴿أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفآء فأصابهآ إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون (٢٦٦) ﴾
٢٦٦ -﴿إِعْصَارٌ﴾ ريح تهب من الأرض إلى السماء كالعمود، لأنها تلتف كالتفاف الثوب المعصور، وتسميها العامة " الزوبعة " قال:
242
(إن كنت ريحاً فقد لاقيت إعصاراً... )
مثل لانقطاع أجر المرائي عند حاجته، أو مثل للمفرط في الطاعة بملاذ الدنيا، أو للذي يختم عمله بفساد. قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. ﴿يآ أيها الذين ءامنوآ أنفقوا من طيبات ما كسبتم وممآ أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بئاخذيه إلآ أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد (٢٦٧) الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشآء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم (٢٦٨) يؤتى الحكمة من يشآء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً وما يذكر إلآ أولوا الألباب (٢٦٩) ﴾
٢٦٧ -﴿أنفقوا﴾ الزكاة المفروضة، أو التطوع. ﴿كَسَبْتُمْ﴾ من الذهب والفضة، أو من التجارة. ﴿أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ﴾ من الزروع والثمار ﴿وَلا تَيَمَّمُواْ﴾ الخليل: " أممته: قصدت أمامه، ويممته: تعمدته من أي جهة كان "، أو هما سواء. ﴿الْخَبِيثَ﴾ حشف كانوا يجعلونه في تمر الصدقة، أو الحرام، والخبيث: الرديء من كل شيء. ﴿تُغْمِضُواْ﴾ تتساهلوا، أو تحطوا في الثمن أو إلاَّ أن يُوكَسَ.
٢٦٩ -﴿الْحِكْمَةَ﴾ الفقه في القرآن، أو العلم بالدين، أو الفهم أو النبوة،
243
أو الخشية، أو الإصابة، أو الكتابة. ﴿ومآ أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار (٢٧٠) إن تبدوا الصدقات فنعمّا هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقرآء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعلمون خبير (٢٧١) ﴾
٢٧١ -﴿فَنِعِمَّا هِىَ﴾ ليس في إبدائها كراهة. ﴿وَإِن تخفوا﴾ صدقة التطوع، أو الفرض والتطوع. ﴿مِّن سَيِّئَاتِكُمْ﴾ من " زائدة " أو للتبعيض، لأن الطاعة بغير التوبة لا تكفر إلا الصغائر. ﴿ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشآء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغآء وجه الله وما تنفقوا من خير يوّف إليكم وأنتم لا تظلمون (٢٧٢) للفقرآء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنيآء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسئلون الناس إلحافاً وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم (٢٧٣) الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٢٧٤) ﴾
٢٧٤ -﴿الذين ينفقون﴾ نزلت في علي - رضي الله تعالى عنه - كان معه أربعة دنانير فأنفقها على هذا الوجه، أو في النفقة على خيل الجهاد، أو في كل نفقة طاعة. ﴿الذين يأكلون الربا لا يقومون إلاّ كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوآ إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جآءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (٢٧٥) يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم (٢٧٦) إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون (٢٧٧) ﴾
٢٧٥ -﴿يَأْكُلُونَ﴾ يأخذون، عبّر به عن الأخذ، لانه الأغلب والربا: الزيادة على الدَّيْن لمكان الأجل، رَبَا السويق زاد. ﴿لا يَقُومُونَ﴾ من قبورهم يوم القيامة. ﴿يَتَخَبَّطُهُ﴾ يتخنقه الشيطان في الدنيا. ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ وهو الجنون، وذلك لغلبة السوداء، فنسب إلى الشيطان تشبيهاً بما يفعله من إغوائه به، أو هو فعل للشيطان، لجوازه عقلاً، وهو ظاهر القرآن. ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ﴾ قالته ثقيف، وكانوا من أكثر العرب رِباً. ﴿مَا سَلَفَ﴾ ما أَكل من الربا لا يلزمه رده.
٢٧٦ -﴿يمحق الله الربا﴾ ينقصه شيئاً بعد شيء، من محاق الشهر،
245
لنقصان الهلال فيه. ﴿وَيُرْبِى الصَّدَقَاتِ﴾ يضاعف أجرها وعداً منه واجباً، أو ينمي المال الذي أخرجت منه ﴿يآ أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين (٢٧٨) فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله وإن تبتم فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون (٢٧٩) وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون (٢٨٠) واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون (٢٨١) ﴾
٢٧٨ -﴿وَذَرُواْ مَا بَقِىَ﴾ نزلت في بقية من الربا للعباس ومسعود وعبد يا ليل وحبيب وربيعة. ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ على ظاهره، أو من كان مؤمناً فهذا حكمه.
٢٨٠ -﴿فَنَظِرَةٌ﴾ يجب الإنظار في دَين الربا خاصة، أو في كل دَين، أو الإنظار في دَين الربا بالنص وفي غيره بالقياس. ﴿مَيْسَرَةٍ﴾ أن يوسر عند الأكثر، أو الموت - عند إبراهيم ﴿وَأَن تَصَدَّقُواْ﴾ على المعسر بالإبراء خير من الإنظار.
٢٨١ -﴿إِلَى اللَّهِ﴾ إلى جزائه، أو ملكه. ﴿مَّا كَسَبَتْ﴾ من الأعمال، أو الثواب والعقاب. ﴿لا يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ما يستحقونه من الثواب، ولا بالزيادة على ما يستحقونه من العقاب، هذه آخر آية نزلت، وقال ابن جريج: " مكث الرسول ﷺ بعدها تسع ليال ". {يآ أيها الذين ءامنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم
247
كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئاً فإن كان الذي عليه الحق سفيهاً أو ضعيفاً أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهدآء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهدآء إذا ما دعوا ولا تسئموآ أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذالكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلآ أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضآر كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم (٢٨٢) }
٢٨٢ -﴿تَدَايَنتُم﴾ تجازيتم، أو تعاملتم، ﴿فاكْتُبُوهُ﴾ ندب، أو فرض. ﴿فَلْيَكْتُبْ﴾ فرض كفاية على الكاتب، أو واجب في حال فراغه، أو ندب، أو نُسِخَ بقوله - تعالى - ﴿وَلا يُضَآرَّ كَاتِبٌ﴾﴿وَلا يَبْخَسْ) {لا ينقص﴾ (سَفِيهاً} لا يعرف الصواب في إملاء ما عليه، أو الطفل، أو المرأة والصبي، أو المبذر لماله المفسد لدينه. ﴿ضَعِيفاً﴾ أحمق، أو عاجزاً عن الإملاء، لِعَيٍّ، أو خرس. ﴿لايستطيع﴾ لِعَيِّه وخرسه، أو لجنونه، أو لحبسه، أو غيبته. ﴿وَلِيُّهُ﴾ ولي الحق، أو ولي من عليه الدَّيْن. ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ﴾ ندب، أو فرض كفاية. ﴿تَرْضَوْنَ﴾ الأحرار المسلمون العدول، أو المسلمون العدول وإن كانوا أرقاء. ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ / من الذكر، أو بجعلها كَذَكَر من الرجال ﴿دُعُواْ﴾ لتحملها وكتابتها، أو لأدائها، أولهما وذلك ندب، أو
248
فرض كفاية، أو فرض عين. ﴿ولا تسأموا﴾ لا تملوا ﴿صَغِيراً﴾ لا يراد به التافه الحقير كالدانق لخروجه عن العرف. ﴿أَقْسَطُ﴾ أعدل. ﴿وَأَقْوَمُ﴾ وأصح من الاستقامة. ﴿وَأَشْهِدُواْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ فرض، أو ندب. ﴿وَلا يُضَآرَّ كَاتِبٌ﴾ بأن يكتب ما لم يُمل عليه، ولا يشهد الشاهد بما لم يُستشهد، أو يمنع الكاتب أن يكتب والشاهد أن يشهد، أو يدعيان وهما مشغولان. ﴿فسوق﴾ معصية، أو كذب. ﴿وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضاً فليؤد الذي اؤتمن أمانته وليتق الله ربه ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه ءاثم قلبه والله بما تعملون عليم (٢٨٣) ﴾
٢٨٣ -﴿ {آثم قَلْبُهُ﴾ فاجر، أو مكتسب لإثم الكتمان. ﴿لِّلَّهِ ما في السماوات وما في الأرض وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشآء ويعذّب من يشآء والله على كل شيء قدير (٢٨٤) ﴾
٢٨٤ -﴿لله ما في السموات﴾ له تدبير ذلك، أو ملكه. ﴿وَإِن تُبْدُواْ مَا فِى أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ كتمان الشهادة، أو ما حَدَّث به نفسه من سوء أو معصية، فنسخت بقوله تعالى ﴿رَبَّنَا لا تؤاخذنا) {إلى﴾ (الْكَافِرِينَ}، أو هي محكمة فيؤاخذ الإنسان بما أضمره إلا أن [الله] يغفره للمؤمن فيؤاخذ به الكافر، أو هي عامة في المؤاخذة بما أضمره، أو هي عامة ومؤاخذة المسلم بمصائب الدنيا.
249
{ءامن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل ءامن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير (٢٨٥) لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين (٢٨٦)
٢٨٦ -﴿وُسْعَهَا﴾ طاقتها ﴿كَسَبَتْ﴾ من الحسنات ﴿اكْتَسَبَتْ﴾ من السيئات. ﴿نَسِينَآ﴾ أمرك أو تركناه ﴿أَخْطَأْنَا﴾ أصبنا من المعاصي بالشبهات، أو تعمدنا. ﴿إِصْراً﴾ عهداً نعجز عن القيام به، أو لا تمسخنا قردة وخنازير، أو أو الذنب الذي لا توبة له ولا كفارة، أو الثقل العظيم. ﴿الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا﴾ بنو إسرائيل فيما حُمِّلوه من قتل أنفسهم. ﴿لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ من العذاب، أو مما كُلِّفته بنو إسرائيل. ﴿مَوْلانَا﴾ وليّنا وناصرنا.
250
(سورة آل عمران)
(مدنية اتفاقا)
بسم الله الرحمن الرحيم
{ألم (١) الله لا إله إلا هو الحي القيوم (٢) نزل عليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل (٣) من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام (٤) إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء (٥) هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم (٦)
251
سورة البقرة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات
سورةُ (البقرةِ) هي أطولُ سورةٍ في القرآنِ العظيم، وفيها أطولُ آيةٍ؛ وهي آيةُ (الدَّين)، وكذلك فيها أعظمُ آيةٍ؛ وهي آيةُ (الكُرْسيِّ)، وإنما جاءت كذلك - لا سيَّما وهي ثاني سورةٍ في القرآن الكريم -؛ لأنها أبانت عن مقصدِ القرآن الأعظم، وفصَّلتْ في أحكامِ الدِّينِ وشرائعه ومعاملاته؛ فافتُتحت ببيانِ مقصدِ هذا الكتاب العظيم؛ وهو {هُدٗى لِّلْمُتَّقِينَ}؛ فهذا الكتابُ إنما نزَل للهداية والإرشاد. ثم أوضَحتِ السُّورةُ ردودَ أفعال الناس تُجاهَ هذا الكتاب، مقسِّمةً إياهم إلى (مؤمن، وكافر، ومنافق)، كما فصَّلتِ الكثيرَ من الشرائع المتعلقة بالصَّدَقات، والطلاق، والمعاملات. ولهذه السُّورةِ فضلٌ عظيم؛ فلا يستطيعها السَّحَرةُ والبَطَلة، كما قُدِّمَ حافظُها على غيره، وكانت تُعطَى له القيادةُ والرياسة؛ لعظيم شأنها، ولِما اشتملت عليه من أحكامٍ. وفيها قصةُ (بقرةِ بني إسرائيل) التي سُمِّيتِ السورة باسمها.
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «أقبَلتْ يهُودُ إلى النبيِّ ﷺ، فقالوا: يا أبا القاسمِ، نسألُك عن أشياءَ، فإن أجَبْتَنا فيها اتَّبَعْناك، وصدَّقْناك، وآمَنَّا بك.
قال: فأخَذَ عليهم ما أخَذَ إسرائيلُ على بَنِيهِ إذ قالوا: ﴿اْللَّهُ عَلَىٰ مَا نَقُولُ وَكِيلٞ﴾ [يوسف: 66].
قالوا: أخبِرْنا عن علامةِ النبيِّ ﷺ، قال: «تنامُ عيناه، ولا ينامُ قلبُه».
قالوا: أخبِرْنا كيف تُؤنِثُ المرأةُ، وكيف تُذكِرُ؟ قال: «يلتقي الماءانِ؛ فإذا علا ماءُ المرأةِ ماءَ الرَّجُلِ آنثَتْ، وإذا علا ماءُ الرَّجُلِ ماءَ المرأةِ أذكَرتْ»، قالوا: صدَقْتَ.
قالوا: فأخبِرْنا عن الرَّعْدِ؛ ما هو؟ قال: «مَلَكٌ مِن الملائكةِ موكَّلٌ بالسَّحابِ، معه مَخاريقُ مِن نارٍ، يسُوقُ بها السَّحابَ حيث شاء اللهُ»، قالوا: فما هذا الصوتُ الذي يُسمَعُ؟ قال: «زَجْرُه بالسَّحابِ إذا زجَرَه، حتى ينتهيَ إلى حيث أُمِرَ»، قالوا: صدَقْتَ.
قالوا: أخبِرْنا ما حرَّم إسرائيلُ على نفسِه؟ قال: «كان يسكُنُ البَدْوَ، فاشتكى عِرْقَ النَّسَا، فلم يَجِدْ شيئًا يلاوِمُه إلا لحومَ الإبلِ وألبانَها؛ فلذلك حرَّمها»، قالوا: صدَقْتَ.
قالوا: أخبِرْنا مَن الذي يأتيك مِن الملائكةِ؛ فإنَّه ليس مِن نبيٍّ إلا يأتيه مَلَكٌ مِن الملائكةِ مِن عندِ ربِّهِ بالرسالةِ وبالوحيِ، فمَن صاحبُك؛ فإنَّما بَقِيَتْ هذه حتى نُتابِعَك؟ قال: «هو جِبْريلُ»، قالوا: ذلك الذي يَنزِلُ بالحربِ وبالقتلِ، ذاك عدوُّنا مِن الملائكةِ، لو قلتَ: ميكائيلُ، الذي يَنزِلُ بالقَطْرِ والرحمةِ؛ تابَعْناك.
جاء عن كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّ كعبَ بنَ الأشرَفِ اليهوديَّ كان شاعرًا، وكان يهجو النبيَّ ﷺ، ويُحرِّضُ عليه كفَّارَ قُرَيشٍ في شِعْرِه، وكان المشركون واليهودُ مِن المدينةِ حين قَدِمَها رسولُ اللهِ ﷺ يُؤذُون النبيَّ ﷺ وأصحابَه أشَدَّ الأذى، فأمَر اللهُ تعالى نبيَّهُ بالصَّبْرِ على ذلك، والعفوِ عنهم؛ وفيهم أُنزِلتْ: {وَدَّ كَثِيرٞ مِّنْ أَهْلِ اْلْكِتَٰبِ} إلى قولِه: {فَاْعْفُواْ وَاْصْفَحُواْ} [البقرة: 109]». أخرجه أبو داود (رقم ٣٠٠٠).
عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ - رضي الله عنهما -، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي وهو مُقبِلٌ مِن مكَّةَ إلى المدينةِ على راحلتِهِ حيث كان وجهُهُ، قال: وفيه نزَلتْ: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اْللَّهِۚ﴾». أخرجه مسلم (700).
سببُ نزولِها: ما جاء عن أنسٍ - رضي الله عنه -، قال: «قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ - رضي الله عنه -: وافَقْتُ ربِّي في ثلاثٍ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو اتَّخَذْنا مِن مقامِ إبراهيمَ مُصلًّى؛ فنزَلتْ: ﴿ وَاْتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَٰهِـۧمَ مُصَلّٗىۖ ﴾ [البقرة: 125].
وآيةُ الحجابِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، لو أمَرْتَ نساءَك أن يَحتجِبْنَ؛ فإنَّه يُكلِّمُهنَّ البَرُّ والفاجرُ؛ فنزَلتْ آيةُ الحجابِ.
واجتمَعَ نساءُ النبيِّ ﷺ في الغَيْرةِ عليه، فقلتُ لهنَّ: ﴿ عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُۥٓ أَزْوَٰجًا خَيْرٗا مِّنكُنَّ ﴾؛ فنزَلتْ هذه الآيةُ». أخرجه البخاري (٤٠٢).
* قوله تعالى: {سَيَقُولُ اْلسُّفَهَآءُ مِنَ اْلنَّاسِ مَا وَلَّىٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ اْلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَاۚ}[البقرة: 142]: عن البراءِ رضي الله عنه، قال: كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصلِّي نحوَ بيتِ المقدسِ، ويُكثِرُ النظرَ إلى السماءِ ينتظِرُ أمرَ اللهِ؛ فأنزَلَ اللهُ: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي اْلسَّمَآءِۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةٗ تَرْضَىٰهَاۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِۚ}[البقرة: 144]، فقال رجالٌ مِن المسلمين: وَدِدْنا لو عَلِمْنا عِلْمَ مَن مات قبل أن نُصرَفَ إلى القِبْلةِ؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ}[البقرة: 143]، وقال السُّفهاءُ مِن الناسِ: ما ولَّاهم عن قِبْلتِهم التي كانوا عليها؟ فأنزَلَ اللهُ: {سَيَقُولُ اْلسُّفَهَآءُ مِنَ اْلنَّاسِ}[البقرة: 142] إلى آخرِ الآيةِ. "الصحيح المسند من أسباب النزول" (ص 25، 26).
ممَّا صحَّ: ما جاء عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما -، قال: «لمَّا وُجِّهَ النبيُّ ﷺ إلى الكعبةِ، قالوا: يا رسولَ اللهِ، كيف بإخوانِنا الذين ماتوا وهم يُصَلُّون إلى بيتِ المقدسِ؟ فأنزَلَ اللهُ: ﴿وَمَا كَانَ اْللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَٰنَكُمْۚ﴾ [البقرة: 143]». أخرجه أبو داود (٤٦٨٠)، والترمذي (٢٩٦٤).
جاء عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ - رضي الله عنهما - أنَّه قال: «كانت المرأةُ مِن الأنصارِ تكونُ مِقْلاةً، لا يكادُ يعيشُ لها ولَدٌ، فتَجعَلُ على نفسِها إن عاش لها ولَدٌ أن تُهوِّدَهُ، فلمَّا أُجلِيَتْ بنو النَّضيرِ، كان فيهم مِن أبناءِ الأنصارِ، فقالوا: لا ندَعُ أبناءَنا؛ فأنزَلَ اللهُ: ﴿ لَآ إِكْرَاهَ فِي اْلدِّينِۖ ﴾ [البقرة: 256]». أخرجه أبو داود (٢٦٨٢).
سببُ نزولِ هذه الآيةِ: ما جاء عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه -، قال: «لمَّا نزَلتْ على رسولِ اللهِ ﷺ: ﴿ لِّلَّهِ مَا فِي اْلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي اْلْأَرْضِۗ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اْللَّهُۖ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَاْللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٖ قَدِيرٌ ﴾ [البقرة: 284]، قال: فاشتَدَّ ذلك على أصحابِ رسولِ اللهِ ﷺ، فأتَوْا رسولَ اللهِ ﷺ، ثم برَكُوا على الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِن الأعمالِ ما نُطِيقُ؛ الصَّلاةَ، والصِّيامَ، والجهادَ، والصَّدقةَ، وقد أُنزِلتْ عليك هذه الآيةُ ولا نُطِيقُها، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «أتُريدون أن تقولوا كما قال أهلُ الكتابَينِ مِن قَبْلِكم: سَمِعْنا وعصَيْنا؟! بل قُولوا: سَمِعْنا وأطَعْنا، غُفْرانَكَ ربَّنا وإليك المَصِيرُ»، قالوا: سَمِعْنا وأطَعْنا، غُفْرانَكَ ربَّنا وإليك المَصِيرُ، فلمَّا اقترَأَها القومُ، ذَلَّتْ بها ألسنتُهم؛ فأنزَلَ اللهُ في إثرِها: ﴿ ءَامَنَ اْلرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِۦ وَاْلْمُؤْمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَمَلَٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَاۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ اْلْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 285]، فلمَّا فعَلوا ذلك، نسَخَها اللهُ تعالى؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: ﴿ لَا يُكَلِّفُ اْللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اْكْتَسَبَتْۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأْنَاۚ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نَعم. ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرٗا كَمَا حَمَلْتَهُۥ عَلَى اْلَّذِينَ مِن قَبْلِنَاۚ ﴾ [البقرة: 286]، قال: نَعم. {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ}، قال: نَعم. {وَاْعْفُ عَنَّا وَاْغْفِرْ لَنَا وَاْرْحَمْنَآۚ أَنتَ مَوْلَىٰنَا فَاْنصُرْنَا عَلَى اْلْقَوْمِ اْلْكَٰفِرِينَ}، قال: نَعم». صحيح مسلم (125).
* ثبَت لسورة (البقرة) اسمٌ آخَرُ؛ وهو (الزَّهراء):
لِما جاء في حديث أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «اقرَؤُوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عمرانَ». أخرجه مسلم (804).
وقد عَدَّ بعضُ العلماء أنَّ ذِكْرَ (الزَّهْراوَينِ) في هذا الحديثِ هو مِن باب الوصف، لا التسمية. انظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (3 /143)، "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /20).
* أمَرنا النبيُّ ﷺ أن نقرأَها في بيوتِنا؛ فإنَّ الشيطانَ يَنفِرُ منها:
كما جاء عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: «لا تَجعَلوا بيوتَكم مقابرَ؛ إنَّ الشيطانَ يَنفِرُ مِن البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ». أخرجه مسلم (780).
* هي السُّورة التي لا يستطيعها البَطَلةُ:
فعن بُرَيدةَ بن الحُصَيب الأَسْلمي رضي الله عنه، قال: كنتُ جالسًا عند النبيِّ ﷺ، فسَمِعْتُه يقول: «تَعلَّموا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه أحمد (٢٢٩٥٠).
* آخِرُ آيتَينِ منها تكفيانِ قارئَهما:
فعن عبدِ الرحمنِ بن يَزيدَ، قال: لَقِيتُ أبا مسعودٍ رضي الله عنه عند البيتِ، فقلتُ: حديثٌ بلَغني عنك في الآيتَينِ في سورةِ (البقرة)، فقال: نعم، قال رسولُ الله ﷺ: «الآيتانِ مِن آخِرِ سورةِ البقرةِ، مَن قرَأهما في ليلةٍ كَفَتَاهُ». أخرجه مسلم (807).
* سورة (البقرة) تُحاجُّ عن صاحبها يومَ القيامة:
فعن أبي أُمامةَ الباهليِّ رضي الله عنه، قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقول: «اقرَؤوا القرآنَ؛ فإنَّه يأتي يومَ القيامةِ شفيعًا لأصحابِه؛ اقرَؤوا الزَّهْراوَينِ: البقرةَ، وسورةَ آلِ عِمْرانَ؛ فإنَّهما تأتيانِ يومَ القيامةِ كأنَّهما غَمامتانِ، أو كأنَّهما غَيَايتانِ، أو كأنَّهما فِرْقانِ مِن طيرٍ صوافَّ، تُحاجَّانِ عن أصحابِهما، اقرَؤوا سورةَ البقرةِ؛ فإنَّ أَخْذَها برَكةٌ، وتَرْكَها حَسْرةٌ، ولا يستطيعُها البَطَلةُ». أخرجه مسلم (804).
* لحافِظِها فضلٌ خاصٌّ وشأن عظيم:
فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: «كان الرَّجُلُ إذا قرأ البقرةَ وآلَ عِمْرانَ، جَدَّ فينا - يعني: عظُمَ -»، وفي روايةٍ: «يُعَدُّ فينا عظيمًا»، وفي أخرى: «عُدَّ فينا ذا شأنٍ». أخرجه أحمد (3/120) (12236).
وعن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: بعَث رسولُ اللهِ ﷺ بَعْثًا، وهم ذو عَدَدٍ، فاستقرَأهم، فاستقرَأ كلَّ رجُلٍ منهم ما معه مِن القرآنِ، فأتى على رجُلٍ منهم - مِن أحدَثِهم سنًّا -، فقال: «ما معك يا فلانُ؟!»، قال: معي كذا وكذا، وسورةُ البقرةِ، قال: «أمعك سورةُ البقرةِ؟!»، فقال: نعم، قال: «فاذهَبْ؛ فأنت أميرُهم»، فقال رجُلٌ مِن أشرافِهم: واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما منَعني أن أتعلَّمَ سورةَ البقرةِ إلا خشيةُ ألَّا أقُومَ بها! فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «تعلَّموا القرآنَ، واقرَؤوه؛ فإنَّ مثَلَ القرآنِ لِمَن تعلَّمَه، فقرَأه وقام به: كمثَلِ جرابٍ محشوٍّ مِسْكًا، يفُوحُ رِيحُه في كلِّ مكانٍ، ومثَلَ مَن تعلَّمَه، فيرقُدُ وهو في جوفِه: كمثَلِ جرابٍ وُكِئَ على مِسْكٍ». أخرجه الترمذي (٢٨٧٦).
* لها نزَلتِ الملائكةُ مستمِعةً:
فعن أُسَيدِ بن حُضَيرٍ رضي الله عنه، قال: يا رسولَ اللهِ، بينما أنا أقرأُ الليلةَ سورةَ البقرةِ، إذ سَمِعْتُ وَجْبةً مِن خَلْفي، فظنَنْتُ أنَّ فَرَسي انطلَقَ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «اقرَأْ يا أبا عَتِيكٍ»، فالتفَتُّ فإذا مِثْلُ المِصباحِ مُدَلًّى بين السماءِ والأرضِ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: «اقرَأْ يا أبا عَتِيكٍ»، فقال: يا رسولَ اللهِ، فما استطعتُ أن أمضيَ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «تلك الملائكةُ؛ نزَلتْ لقراءةِ سورةِ البقرةِ، أمَا إنَّك لو مضَيْتَ، لرأيْتَ العجائبَ». أخرجه ابن حبان (779).
* فيها أعظَمُ آيةٍ في كتابِ الله؛ وهي آيةُ (الكُرْسيِّ):
عن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه، قال: قال رسولُ الله ﷺ: «يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟»، قال: قلتُ: اللهُ ورسولُه أعلَمُ، قال: «يا أبا المُنذِرِ، أتدري أيُّ آيةٍ مِن كتابِ اللهِ معك أعظَمُ؟»، قلتُ: {اْللَّهُ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ اْلْحَيُّ اْلْقَيُّومُۚ}، قال: فضرَب في صدري، وقال: «واللهِ، لِيَهْنِكَ العِلْمُ أبا المُنذِرِ». أخرجه مسلم (٨١٠).
* لعلَّ رسولَ الله ﷺ قرَأها في صلاةِ الكسوف:
فقد جاء عن عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: «لمَّا كسَفتِ الشمسُ على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، توضَّأَ، وأمَرَ فنُودي: إنَّ الصَّلاةَ جامعةٌ، فقام، فأطال القيامَ في صلاتِهِ، قالت: فأحسَبُه قرَأَ سورةَ البقرةِ، ثم ركَعَ، فأطال الرُّكوعَ، ثم قال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ثم قام مِثْلَ ما قام، ولم يسجُدْ، ثم ركَعَ، فسجَدَ، ثم قام، فصنَعَ مِثْلَ ما صنَعَ، ثم ركَعَ ركعتَينِ في سَجْدةٍ، ثم جلَسَ، وجُلِّيَ عن الشمسِ». أخرجه البخاري (١٠٤٦).
* وكذا كان يَقرَؤُها ﷺ في قيامِهِ بالليل:
فعن حُذَيفةَ بن اليمانِ رضي الله عنهما، قال: «صلَّيْتُ مع رسولِ اللهِ ﷺ ذاتَ ليلةٍ، فاستفتَحَ بسورةِ البقرةِ، فقرَأَ بمائةِ آيةٍ لم يَركَعْ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها في الرَّكعتَينِ، فمضى، قلتُ: يَختِمُها ثمَّ يَركَعُ، فمضى حتى قرَأَ سورةَ النِّساءِ، ثم قرَأَ سورةَ آلِ عِمْرانَ، ثم ركَعَ نحوًا مِن قيامِهِ، يقولُ في ركوعِهِ: سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، سبحانَ ربِّيَ العظيمِ، ثم رفَعَ رأسَهُ، فقال: سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه، ربَّنا لك الحمدُ، وأطال القيامَ، ثم سجَدَ، فأطال السُّجودَ، يقولُ في سجودِهِ: سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، سبحانَ ربِّيَ الأعلى، لا يمُرُّ بآيةِ تخويفٍ أو تعظيمٍ للهِ عزَّ وجلَّ إلا ذكَرَهُ». أخرجه النسائي (١١٣٢). وقد ورَد نحوُ هذا الحديث عن عوفِ بن مالك الأشجَعيِّ. انظر: النسائي (١١٣١).
حوَتْ سورةُ (البقرةِ) كثيرًا من الموضوعات المتنوِّعة، وقد جاءت على هذا الترتيبِ:
هداية القرآن وخلافة الإنسان (١-٣٩).
هداية القرآن وموقف الناس منها (١-٢٠).
أمر الناس باتِّباع المنهج، ونموذج الاستخلاف الأول (٢١- ٣٩).
بنو إسرائيل ومسوِّغات عزلِهم عن الخلافة (٤٠-١٦٢).
تذكير وعتاب (٤٠-٤٨).
ثم ذِكر أحوال بني إسرائيل ومسوِّغات عزلِهم عن الخلافة (٤٩-٧٤).
وبعد ذلك ذِكر مواقفِ اليهود المعاصرين للنبيِّ عليه السلام (٧٥-١٢٣).
دعوة إبراهيم وتبرئتها من انتساب اليهود والنصارى إليها (١٢٤-١٤١).
انتقال القِبْلة والإمامة في الدِّين لأمَّة محمد عليه السلام (١٤٢-١٦٢).
مقوِّمات استحقاقِ أمَّة الإسلام للخلافة (١٦٣-٢٨٣).
الشرائع التفصيلية للدِّين الإسلامي (١٦٣-١٧٧).
تفصيل بعض أمور البِرِّ (١٧٨-٢٠٣).
نماذجُ بشرية ومواعظُ إلهية (٢٠٤-٢٢٠).
تفصيل أحكام الأُسرة (٢٢١-٢٤٢).
قِصص الإحياء والإماتة (٢٤٣-٢٦٠).
الإنفاق؛ آدابه والمستحِقون له (٢٦١-٢٧٤).
حفظ الأموال عن الحرام والإضاعة (٢٧٥-٢٨٣).
دعاءٌ وإجابة (٢٨٤-٢٨٦).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسُوَر القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (1 /19).
جاءت هذه السُّورةُ الكريمة ببيانِ منهج خلافة الله في الأرض بين مَن أضاعوه ومَن أقاموه، وسُمُوِّ هذا الدِّين على ما سبَقه، وعُلُوِّ هَدْيِه، وأصولِ تطهيره النفوسَ بعد تبيينِ شرائعِ هذا الدِّين لأتباعه، وإصلاحِ مجتمَعِهم بعد إقامة الدليل على أنَّ الكتابَ هدًى؛ ليُتَّبعَ في كلِّ حال. وأعظَمُ ما يَهدِي إليه: الإيمانُ بالغيب؛ ومَجمَعُه: الإيمان بالآخرة، ومدارُه: الإيمان بالبعث، الذي أعرَبتْ عنه قصةُ (البقرة)، التي مدارها: الإيمانُ بالغيب؛ فلذلك سُمِّيتْ بها السورةُ. ينظر: "مصاعد النظر" للبقاعي (2 /10)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (1 /203).