ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
١ - قوله عزّ وجلّ ﴿الم﴾: إجماع النحويين أن (٢) هذه الحروف ما دامت حروف هجاء غير معطوفة، ولا موقعة موقع الأسماء، أنها سواكن الأواخر في الإدراج والوقف، وذلك قولك (٣): (ألف (٤)، با تا ثا) إلى آخرها، وذلك أنها أسماء الحروف الملفوظة بها في صيغ الكلم، بمنزلة أسماء الأعداد، نحو: ثلاثة، أربعة، خمسة. ولا تجد لها رافعاً، ولا ناصباً، ولا جاراً، وإذا (٥) جرت مجرى الحروف لم يجز تصريفها، ولا اشتقاقها (٦)،(٢) من هذا الموضع نقل المؤلف هذا الكلام من كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح عثمان بن جني، فصل: في تصريف حروف المعجم واشتقاقها وجمعها. قال: اعلم أن هذِه الحروف مادامت حروف هجاء غير معطوفة ولا... الخ ٢/ ٧٨١ - ٧٨٤.
(٣) في (ب): (قوله).
(٤) في (أ)، (ج): (أ) وما في (ب) موافق لـ "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٨١
(٥) في (ب): فإذا.
(٦) في (ج): (اشقاقها).
(٢) في (ب): (أنها).
(٣) في (ب): (ولا يجوز).
(٤) (ويا) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (فلا يزال)، وفي (ج): (فلا تنال).
(٦) اسم فعل بمعنى: اسكت. انظر "المقتضب" ٣/ ٢٠٢، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٤٩٤، ٦٠٠.
(٧) اسم فعل بمعنى. اكفف. انظر المصدرين السابقين.
(٨) في (ب): (عاقه). و (غاق) حكايته لصوت الغراب. انظر "الكتاب" ٣/ ٣٠٢، "المقتضب" ٣/ ١٨٠، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٤٩٤.
(٩) اسم فعل. تقول: إيه يا فتى: إذا أردت أن يزيدك من الحديث. انظر "المقتضب" ٣/ ٢٥، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٤٩٤.
(١٠) في (ب): (قول).
(١١) انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٨٢، وانظر: "المقتضب" ١/ ٣٧١.
وإذا أخبرت عن حروف الهجاء، أو أسماء الأعداد فقد أخرجتها بذلك عن حيز الأصوات، وأدخلتها في جملة الأسماء المتمكنة (٣)، فاستحقت أن تعرب للإخبار عنها، فإنه لا معنى [للحرفية فيها إذا] (٤) زال إدارة الحكاية بها، فدخل بذلك في حد [المتمكنات، وخرج] (٥) من باب الأصوات.
وكذلك العدد إذا أردت به معدودًا، ولم ترد به العدد وحده دون المعدود أعربت كقولك (٦): ثمانية ضعف أربعة، وسبعة أكثر من أربعة بثلاثة، فأعربت هذه الأسماء ولم تصرفها لاجتماع التأنيث والتعريف فيها، ألا ترى أن (٧) (ثلاثة) عدد معروف القدر، وأنه أكثر من اثنين بواحد، وكذلك سائر الأعداد (٨).
(٢) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٨٢، وانظر "معاني القرآن" للأخفش١/ ١٦٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١، (الأصول في النحو) لابن السراج ٢/ ١٣٩.
(٣) غير واضح في (ب). (المتمكن) هو الاسم الذي يتغير آخره بتغير العوامل، ولم يشبه الحرف، انظر "معجم المصطلحات النحوية" ص ٢١٣.
(٤) ما بين المعقوفين غير واضح في (ب).
(٥) ما بين المعقوفين غير واضح في (ب).
(٦) في (ب): (كقوله).
(٧) في (ج): (أنك).
(٨) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٨٣، وانظر: "الكتاب" ٣/ ٢٦٤ - ٢٦٦، "الأصول في النحو" ٢/ ١٣٩.
أقبلت من عند زياد كالخرف | تخطّ رجلاي بخط مختلف |
كأنه قال (٣): (لام ألف) إلا أنه ألقى حركة (الهمزة) على (الميم) للوزن ولم يعرب (٤).
قال أبو إسحاق (٥): وهذه الحروف ليست كالحروف (٦) المتمكنة، والأفعال المضارعة التي يجب لها الإعراب، وإنما هي تقطيع الاسم
(٢) معنى الأبيات: كان لأبي النجم صديق يسقيه الخمر، فينصرف من عنده ثملًا. لا يملك نفسه، مثل الخرف وهو الذي فسد عقله من الكبر، وكان يتمايل فتخط رجلاه في الطريق ما يشبه: لام ألف، أو أنه تارة يمشي معوجاً فتخط رجلاه ما يشبه: اللام، وتارة يمشي مستقيماً فتخط رجلاه خطأ مستقيما يشبه: الألف. والأبيات في "ديوان أبي النجم" ص ١٤١، وهي عند أبي عبيدة في "المجاز" ١/ ٢٨ والمبرد في "المقتضب" ١/ ٢٣٧، ٣/ ٣٥٧، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٢، و"المخصص" ١٤/ ٩٥، ١٧/ ٥٣، و"سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٥١، و"الخزانة" ١/ ٩٩ - ١٠٢، والبيت الثالث عند سيبويه ٣/ ٢٦٦.
(٣) (قال) ساقط من (ج).
(٤) في (ب) (يعرف). أي أنها ساكنة، لم يجر عليها الإعراب، وعلى هذا استشهد بها سيبويه، ومكان إيراد هذِه الأبيات بعد ذكر وجه البناء، كما هو عند سيبويه والزجاج وغيرهما. ولابن جني توجيه آخر للأبيات غير ما ذكر، رده البغدادي في (الخزانة). انظر "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٥٢، (الخزانة) ١/ ٩٩.
(٥) هو الزجاج. انظر "معاني القرآن" ١/ ٢٢، نقل عنه بتصرف.
(٦) في "معاني القرآن": (.. ليست تجري مجرى الأسماء المتمكنة، والأفعال المضارعة..) ١/ ٢٢، فقوله هنا (ليست كالحروف المتمكنة) لعله تصحيف.
فأما قول الشاعر:
كافاً وميمَين وسينًا طاسما (٢)
فإنما أعرب لأنه أجرى الحروف مجرى الأسماء. وقال يزيد بن الحكم (٣):
إذا اجتمعوا على ألف وياء (٤) | وواو هاج بينهم جدال (٥) |
(٢) (ب): (كاسما). الرجز استشهد به سيبويه ٣/ ٢٦٠، وابن الأنباري في "المذكر والمؤنث" ص ٤٥٠، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٣، والأزهري في "التهذيب" ١/ ٩١، وابن سيده في "المخصص" ١٧/ ٤٩، "اللسان" ١/ ١٦. والشاهد عندهم أنه ذكر (طاسما) وهي صفة (للسين) فذكره، ولو أنثه لجاز ذلك. واستشهد به ابن جني في "سر صناعة الإعراب" على أنه أعرب الحروف وأجراها مجرى الأسماء، كما عند المؤلف هنا ٢/ ٧٨٢. ولم ينسب البيت أحد. ومعنى البيت. أنه يشبه آثار الديار بحروف الكتاب. والطاسم: الدارس. وقد روى (طامسا) انظر: "الكتاب" ٣/ ٢٦٠ (مع هامش عبد السلام هارون).
(٣) هو يزيد بن الحكم بن أبي العاص الثقفي البصري، من فصحاء الشعراء، وقد على سليمان بن عبد الملك فوصله وأكرمه. وكان قد عُيِّن لإمرة فارس. انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" ٤/ ٢/ ٢٥٧، "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥١٩، "الخزانة" ١/ ١١٣.
(٤) في (ب): (وباء).
(٥) أورده المبرد في "المقتضب" ١/ ٢٣٦، قال: قال رجل من الأعراب يذم النحويين إذ سمع خصومتهم فيه:
إذا اجتمعوا على ألف وباء | وتاء هاج بينهم قتال |
إذا اجتمعوا على ألف وواو | وياء لاح بينهمُ جدال |
ويجوز (١) تأنيث هذه الحروف وتذكيرها، فمن أنث فلمعنى [الكلمة. ومن ذكر فلمعنى] (٢) الحرف (٣). ولا محل لها من الإعراب لأنها حكايات وضعت على هذه الحروف، ولم تجر مجرى الأسماء المتمكنة، ولا الأفعال المضارعة، وإنما هي كقولهم: (غاق يا فتى) إذا حكوا صوت الغراب، فهذه الحروف وإن كانت إشارات إلى معان فلا موضع لها من الإعراب (٤).
ومن قال: إنها أسماء للسور (٥) والقرآن، قال: محلها رفع (٦)، كأنه
(١) في (ب): (وبجو).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢، "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص ٤٤٩، ٤٥٠، "المخصص" ١٧/ ٤٩.
(٤) انظر: "الكتاب" ٣/ ٢٦٦، "المقتضب" ١/ ٢٣٦ - ٢٣٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٨١، ٧٨٢. قال السمين الحلبي: في إعراب الحروف المتقطعة في أوائل السور ثلاثة أقوال: إحداها: أنها أسماء حروف التهجي لا محل لها من الإعراب، وهو أصحها، والثاني: أنها معربة بمعنى أنها صالحة للإعراب، وإنما فات شرط وهو التركيب، وإليه مال الزمخشري، والثالث: أنها موقوفة لا معربة ولا مبنية. "الدر المصون" ١/ ٧٩.
(٥) في (ب): (اسما للسورة)، و (جـ): (لسور).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٩٠، و"ابن عطية" ١/ ٩٦، "البحر المحيط" ١/ ١٤١، "البيان في غريب القرآن" ١/ ٤٣، و"القرطبي" ١/ ١٥٧، "الدر المصون" ١/ ٨١ قال الزمخشري: ومن لم يجعلها أسماء للسور لم يتصور أن تكون لها محل في مذهبه، كما لا محل للجمل المبتدأة وللمفردات المعددة. "الكشاف" ١/ ١٠٧، ١٠٨، ونحوه قال الرازي ٢/ ١٢.
فأما التفسير: فقد كثر اختلاف الناس في هذه الحروف المقطعة وأشباهها في القرآن. فذهب قوم إلى أن الله لم يجعل لأحد سبيلا إلى إدراك معانيها، وأنها مما استأثر الله بعلمها، فنحن نؤمن بظاهرها ونكل (٥) علمها إلى الله تعالى (٦).
وعن الشعبي (٧) أنه قال: لله في كل كتاب سر، وسره في القرآن
(٢) في (ب): (وعد بك).
(٣) في (ج): (عليك).
(٤) ذكر الواحدي بعض الأوجه في إعراب الحروف المقطعة في أوائل السور وهناك أوجه أخرى، فقيل: إنها في محل نصب بتقدير: أقرأ (ألم)، وقيل: في موضع خفض بالقسم، لقول ابن عباس: إنها قسم أقسم الله بها. انظر ابن عطية ١/ ١٤١، "البحر المحيط" ١/ ٣٥، "البيان في غريب القرآن" ١/ ٤٣، والقرطبي ١/ ١٣٦، "الدر المصون" ١/ ٨١.
(٥) في (ب): (وبكل).
(٦) ذكره الثعلبي في "الكشف" ١/ ٣٧/ أ. انظر الطبري ١/ ٨٨، "تفسير أبي الليث" ١/ ٨٧، وذكره ابن عطية ونسبه للشعبي وسفيان الثوري وجماعة من المحدثين ١/ ١٣٨، وذكره في "البحر المحيط"، ومال إليه. ١/ ٣٥، والقرطبي ١/ ١٥٤، وقال: روي عن أبي بكر وعلي، وابن كثير١/ ٣٨.
(٧) هو عامر بن شراحيل بن عبد، تابعي شهر بالرواية والحفظ، ولد ونشأ بالكوفة. والشعبي نسبة إلى (شعب) بطن من همدان، مات سنة خمس ومائة، وقيل: غير ذلك، انظر: "تاريخ بغداد" ١٢/ ٢٢٧، "حلية الأولياء" ٤/ ٣١٠.
ومثل هذا روي عن أبي بكر الصديق وعلي (٢) رضي الله عنهما.
والأكثرون من أهل التفسير تكلموا في معاني هذه الحروف واستنبطوا لها وجوها من التأويل (٣)، وقالوا: لا يجوز أن يلغى شيء من كتاب الله تعالى، لأنه قال: ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٥].
فيروى عن ابن عباس في ﴿الم﴾ ثلاثة أوجه (٤):
أحدها: أن الله تعالى أقسم بهذه الحروف، أن هذا الكتاب الذي أنزل على محمد الكتاب الذي عند الله، لا شك فيه (٥).
(٢) انظر أقوالهم في "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٠/ أ، و"القرطبي" ١/ ١٣٤، و"ابن كثير" ١/ ٣٨. روي عن علي: أنها اسم الله الأعظم. انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٨٧، و"ابن عطية" ١/ ١٣٨، و"ابن كثير" ١/ ٣٩.
(٣) انظر: الطبري ١/ ٨٦ - ٩٣، و"ابن عطية" ١/ ١٤٠، و"البحر المحيط" ١/ ٣٥، و"القرطبي" ١/ ١٥٥.
(٤) انظر. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩، ٢٠، "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨.
(٥) بهذا اللفظ ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٩، والأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨، وأبو الليث ونسبه للكلبي١/ ٨٧. وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس قال: هو قسم أقسم الله به، وهو من أسماء الله، وذكره السيوطي في "الدر" =
الوجه الثاني: أن هذه الحروف وإن كانت متفرقة في النزول، فإذا ألّفت ضربًا من التأليف كانت (٨) اسمًا لله، وإن كنا لا نقف على تأويلها، فـ (ألف، لام، را)، و (حم)، و (ن) (٩) اسمه: الرحمن (١٠). إلا أنا لا نقف
(١) في (ب): (اختاره).
(٢) في (ب): (وشرفها).
(٣) في (ب): (وفضّلها).
(٤) في (ب): (أنها).
(٥) في (ب): (بالألسن).
(٦) في (ب): (وكأنه).
(٧) كلام الأخفش ذكره الثعلبي ١/ ٤٠ ب، ولم أجده في "معاني القرآن" للأخفش.
(٨) في (ب). (كان).
(٩) في (ب): (كألف لام حاميم نون).
(١٠) في "معاني القرآن" للزجاج (الر)، و (حم)، و (نون) اسم للرحمن، مقطع في اللفظ موصول في المعنى ١/ ٢٠، ونحوه في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨، وقد أخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس في قوله: (ألم) و (حم) و (ن) قال اسم مقطع. وفي سنده (الباهلي) قال شاكر: لم أقف له على ترجمة. انظر الطبري مع تحقيق شاكر ١/ ٢٠٧، وأخرجه ابن أبي حاتم، وفي سنده الباهلي قال محققه: لم أقف له على =
قال سعيد بن جبير (١): لو أحسن الناس تأليفها لعلموا (٢) اسم الله الأعظم (٣).
الوجه الثالث عنه (٤): ﴿الم﴾: أنا الله أعلم، و ﴿الر﴾ (٥): أنا الله أرى، و ﴿المص﴾ [الأعراف: ١]: أنا الله أعلم وأفصل (٦)، و ﴿المر﴾ [الرعد: ١]: أنا الله أعلم وأرى (٧). وهذا الوجه اختيار الزجاج.
(١) هو سعيد بن جبير بن هشام الأسدي بالولاء، كان من سادات التابعين علمًا وفضلًا وورعًا وفقهًا، قتله الحجاج سنة خمس وتسعين. انظر ترجمته في: "تذكرة الحفاظ" ١/ ٧٦، "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ١٨٨.
(٢) في (ب): (تعلموا).
(٣) ذكره الثعلبي بدون سند. ١/ ٤٠ أ، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٤.
(٤) أي عن ابن عباس.
(٥) في (ب): (الرا).
(٦) في (ب): (وأفضل).
(٧) ذكره الزجاج بنصه حيث قال: والثالث عنه: ثم ذكره ١/ ٢٠، وفي تهذيب القول الثالث: (الم) معناه: أنا الله أعلم وأرى ١٥/ ٦٧٧، وأخرج ابن جرير بسنده عن ابن عباس: (الم) قال: أنا الله أعلم. الطبري ١/ ٨٨، وأخرجه ابن أبي حاتم بنحو رواية ابن جرير. قال المحقق: في سنده عطاء وشريك، اختلطا وساء حفظهما. (تفسير ابن أبي حاتم) ١/ ٣٢، وأخرجه أبو جعفر النحاس في "القطع والائتناف" قال: (الم) أنا الله أعلم. و (المر) قال أنا الله أرى، و (المص) قال أنا الله أفصل. ص ١١١، وذكره السيوطي في "الدر" بمثل رواية ابن جرير وعزاه إلى وكيع وعبد ابن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس ١/ ٥٤.
قلت لها قفي فقالت قاف (٣)...................
فنطق (٤) - بقاف- فقط، يريد قالت: أقف (٥). وقال الفراء: معنى هذه الحروف [المقطعة في أوائل السور: أن هذه الحروف] (٦) ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أنزله عليك، لأن قوله: ﴿سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى﴾ [الأعلى: ٦] وعد من الله تعالى أن ينزل عليه كتابا، فلما أنزل عليه القرآن قال: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾ الذي وعدتك أن أقرئكه فلا تنسى، فاكتفى من حروف (أ، ب، ت، ث) بـ ﴿الم﴾، و ﴿المص﴾، وأشباه ذلك؛ لأن هذه الحروف لما
(٢) (هو) ساقط من (ب).
(٣) البيت بتمامه في (المعاني):
قلنا لها قفي قالت: قاف... لا تحسبي أنا نسينا الإيجاف
"معاني القرآن" ١/ ٢٤ ومثله عند الطبري ١/ ٩٠، وكذا في "الخصائص" ١/ ٣٠، ٨٠، ٤٢٦، ٢/ ٣٦١، وهو في (تأويل مشكل القرآن) وفيه (... قالت لي: قاف...) ص ٣٠٨، وورد في "معاني القرآن" للفراء٣/ ٧٥، "اللسان" (وقف) ٨/ ٤٨٩٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٥. والرجز للوليد بن عقبة خرج يريد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما طلبه حين شهد عليه عنده أنه يشرب الخمر، فخرج الوليد مع بعض رفقته ونزل يسوق الإبل بهم ويرتجز بأبيات منها المذكورة هنا.
(٤) في (ج). (تنطق).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
لما رأيت أنها في حُطِّي | أخذتُ منها بقرونٍ شُمْطِ (٢) |
وهذا القول اختيار الحسن (٤) بن محمد بن نصر الجرجاني (٥)، فإنه
(٢) الأبيات لبعض بني أسد، وسماه بعضهم بأبي القماقم الأسدي، يتحدث عن امرأة لا يرضى خلقها، حاول إصلاحها فلم تنقد له، كأنها تستمر في أول تعلمها كالصبي الذي لا يعدو في تعلمه حروف الهجاء. و (القرون الشمط). خصل الشعر المختلط فيه السواد والبياض. والأبيات عند الفراء:
لما رأيت أمرها في حُطِّي | وفَنَكَتْ في كذب ولَطِّ |
أخذتُ منها بقرون شمط | ولم يزل ضربي لها ومَعْطِي |
"معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٦٩، وذكر منها في "تأويل مشكل القرآن" البيتين اللذين ذكرهما الواحدي ص ٣٠، وكذا الثعلبي ١/ ٤١، وذكر الطبري الأبيات مثل ما عند الفراء مع اختلاف يسير ١/ ٨٩، ووردت في "كنز الحفاظ في كتاب تهذيب الألفاظ" ص ٤٤٧، "أمالي القالي" ٢/ ٢٠٠، "تفسير السجاوندي" ص ٢٤.
(٣) الكلام الذي نسبه للفراء لم أجده بهذا النص في "معاني القرآن"، وللفراء كلام بمعناه ١/ ٣٦٨، ٢/ ٣، وذكر الثعلبي قريبا مما ذكر الواحدي هنا، قال بعده: هذا قول المبرد وجماعة من أهل (المعاني). الثعلبي ١/ ٤٠/ ب، ٤١/ أوذكر الواحدي في "البسيط" نحو الكلام الذي نسبه للفراء، وعزاه لابن الأنباري. انظر "الوسيط" ١/ ٢٦.
(٤) في (ب): (الحسين).
(٥) هو الحسن بن محمد أو ابن يحيى بن نصر الجرجاني، أبو علي، صاحب "نظم القرآن" نقل عنه الواحدي كثيرا، انظر ما تقدم في مصادر الواحدي في تفسيره.
ومنه قول النبي - ﷺ - "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله" (٦) وقد كان - ﷺ - يقاتل اليهود والنصارى، وهم يقولون: لا إله إلا الله، [وهو أراد (لا إله إلا الله)] (٧) وما اتصل بها من أسبابها، فجعل (لا إله إلا
(٢) في (ب): (التي).
(٣) في (ب): (ص) و (حم) و (نون).
(٤) في (ب): (لا يريد به).
(٥) (مما) ساقط من (ب).
(٦) الحديث بلفظ: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله... الحديث). عن أبي هريرة: قال السيوطي: متواتر: "فيض القدير" ٢/ ٢٣٨، وكذا قال الألباني. انظر "الأحاديث الصحيحة" ١/ ٦٩١ (٤٠٧). والحديث أخرجه البخاري (١٣٩٩) كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة، "الفتح" ٣/ ٢٦٢، و"كتاب استتابة المرتدين" باب (قتل من أبى قبول الفرائض) ١٢/ ٢٧٥، وكتاب "الاعتصام بالكتاب والسنة" باب "الإقتداء بسنن رسول الله - ﷺ -" ١٣/ ٢٥٠، ومسلم ٢٠، ٢١ كتاب الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وأبو داود (١٥٥٦) كتاب الزكاة، والترمذي (٢٦٠٧) كتاب الإيمان، باب: أمرت أن أقاتل الناس.. ، والنسائي ٥/ ١٤ كتاب الزكاة، باب: مانع الزكاة. وأحمد في "المسند" ١/ ١٩، ٣٥، ٤٨، ٢/ ٤٢٣، ٥٢٨. والأحاديث بنحو لفظه كثيرة عن ابن عمر وأنس وغيرهم.
(٧) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
وعلى هذا قوله: ﴿وذلك﴾ مبتدأ ثان و ﴿الكتاب﴾ (١) خبره، وهما جميعا خبر للمبتدأ الأول (٢)، لأنهما صارا قصة وشأنا، مثل قولك: (زيد أبوه قائم) و (عمرو وجهه حسن).
وزعم قطرب (٣): أن هذه الحروف المقطعة ذكرت في القرآن لتدل على أن هذا القرآن المؤلف من هذه الحروف المقطعة التي هي مقدورة للمشركين في تخاطبهم، فلولا أنه من عند الله نزل وأنه معجز في نفسه، وإلا وهلا جئتم بمثله لأنكم (٤) متمكنون من المخاطبة بهذه الحروف. (٥)
وحكي عنه- أيضا- قول آخر، وهو أنه قال (٦): يجوز أن يكون لما لغا القوم في القرآن فلم يتفهموه (٧) حين قالوا: ﴿لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ (٨) وَالْغَوْا فِيهِ﴾ [فصلت: ٢٦] أنزل الله سبحانه هذه الحروف المقطعة، ولم
(٢) انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٢/ ب، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٦، وابن عطية ١/ ١٤٣، "البحر" ١/ ٣٦.
(٣) هو محمد بن المستنير المعروف بـ (قطرب) أحد العلماء المشهورين بالنحو واللغة، أخذ عن سيبويه، مات سنة ست ومائتين. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص ٩٩، "تاريخ بغداد" ٣/ ٢٩٨، "معجم الأدباء" ١٩/ ٥٢، "إنباه الرواة" ٣/ ٢١٩، "المزهر" ٢/ ٤٠٥.
(٤) في (ب): (وأنتم).
(٥) ذكر المؤلف قول قطرب بمعناه، وتصرفه في اللفظ أخل به، انظر نص قوله في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩، "تهذيب اللغة" ١/ ٨٩، "اللسان" ١/ ١٥.
(٦) (قال) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (يتفهموا).
(٨) في (ب): (القول) تصحيف في الآية.
ويروى عن الحسن أنه قال: ﴿الم﴾ وسائر حروف التهجي في القرآن أسماء للسور (٥).
فعلى هذا إذا قال القائل (٦): قرأت (المص) عرف السامع أنه قرأ السورة المخصوصة التي افتتحت بـ (المص) كما أنه إذا قال: لقيت عمرا، علم السامع أنه يريد شخصاً معلومًا عنده.
ويجوز أن يكون ﴿الم﴾ اسما للسورة المفتتحة بها، ثم لا تعرف تلك السورة بعينها ما لم يقرن بـ ﴿الم﴾ لفظ آخر، فيقال: سورة ﴿الم ذَلِكَ﴾،
(٢) هذا آخر وجه (أ) من لوحة (٣٩) في نسخة (ب) وفي أسفل الصفحة في الهامش كتب بخط مختلف: (هذا آخر الاختلاف وليس في هذِه النسخة غيره).
(٣) في (ب) (وتأكيداً).
(٤) انظر نص كلام قطرب في: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤، "تهذيب اللغة" ١/ ٨٩، "اللسان" ١/ ١١، "تفسير أبي الليث" ١/ ٨٧، وذكره الطبري ولم يعزه ١/ ٨٩، وذكره الرازي ونسبه لابن روق وقطرب ٢/ ٦، ومال إليه ٢/ ١١.
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٦، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٣٤، وأورد الطبري هذا القول ونسبه لزيد بن أسلم ١/ ٢٠٦، وكذا الثعلبي ١/ ٤٠/ أ، وابن عطية ١/ ١٣٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢١، وأبو حيان في (البحر) ١/ ٣٤، والسيوطي في "الدر" ١/ ٥٥.
(٦) نقل عن الطبري بتصرف. انظر الطبري ١/ ٩٠.
وقول الحسن (١١) هذا مختار عند النحويين، من قبل أن الأسماء
(٢) في (ب). (احتاجهم).
(٣) (عرف) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (أبا).
(٥) في (ب): (و).
(٦) انظر الطبري ١/ ٩٠، وانظر "تأويل المشكل" لابن قتيبة ص ٣٠٠.
(٧) في (ب): (زيدا في الأصل).
(٨) في (ب): (فإن).
(٩) في (ب). (التشبه).
(١٠) قوله: (لخولة أطلال) مطلع معلقة طرفة بن العبد. انظر "شرح القصائد المشهورات" للنحاس ص ٥٣. و (قفا نبك) مطلع معلقة امرئ القيس. انظر "شرح القصائد" ص ٣. وقوله "أما صحا" لم أعثر عليها فيما قرأت.
(١١) وهو أن الحروف المقطعة أسماء للسور، وهذا القول نسبه أكثر المفسرين لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه. انظر ما سبق ص ٣٨٩.
ولا خلاف بينهم أن لك أن تسمي بحروف المعجم كما أن لك أن تسمي بالجمل (٤) كقولهم (٥): (تأبط شرًّا (٦))، و (ذرّى حبًّا (٧))، قال الشاعر:
إن لها لَرَكَبًا (٨) إرزَبَّا (٩) | كأنه جبهةُ ذرّى حَبَّا (١٠) |
(٢) في (ب): (ذاك).
(٣) ذكره ابن دريد قال: أوس بن حارثة بن لأم، رأس طييء، عاش مائتي سنة. وفسر (لأم) فقال: (اللأم) السهم المريش إذا استوت قذذه. (الاشتقاق) ص ٣٨٢، ٣٨٣. وانظر مادة (لأم) في "اللسان" ٧/ ٣٩٧٦، "القاموس" ص١١٥٦. وقد أورد الواحدى الاسم على أن المراد (لام) الحرف، نقل فأصبح علمًا على اسم معين، وعلى ما ذكر ابن دريد لا شاهد فيه للواحدي.
(٤) تحكى الجملة على حالها فتصبح علمًا للمسمى انظر "الكتاب" ٣/ ٣٢٦ "المقتضب" ٤/ ٩، "شرح المفصل" ١/ ٢٨.
(٥) في (ب): (كقولك).
(٦) في (ب): (سابط).
قيل: سمي بذلك لأنه تأبط حية. انظر (شرح المفصل) ١/ ٢٨.
(٧) دي (ب): (وروا حبا). وذرى حبا: اسم رجل. انظر: "الكتاب" ٣/ ٣٢٦، "المقتضب" ٤/ ٩، "شرح المفصل" ١/ ٢٨، و"اللسان" (حبب) ١/ ٢٩٦.
(٨) في (ب). (الركبا).
(٩) في (ج). (اردبا).
(١٠) نسبه سيبويه لرجل من بني طهية. يروى (مركبا) و (مركنا) وهو منبت المعانة =
وقال أبو العالية: ليس منها حرف إلا وهو مفتاح اسم من أسماء الله عز وجل، وليس منها حرف إلا وهو في آلائه وبلائه، وليس منها حرف إلا وهو في مدة قوم وآجال آخرين (٥).
(١) في (ب): (كل).
(٢) (زيد) ساقط من (ب).
(٣) انظر: "شرح المفصل" ١/ ٣٠.
(٤) مابين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٥) بهذا النصر ذكره الثعلبي في "تفسيره" بدون نسبه ١/ ٤٠ أ، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" بسنده عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية: في قوله (الم) قال: (هذِه الأحرف الثلاثة من التسعة والعشرين حرفا، دارت فيها الألسن كلها. ليس منها حرف...) الخ الأثر كما عند المؤلف هنا. قال المحقق: رجال هذا الإسناد يحتج بروايتهم، لكن أبا العالية يرسل كثيراً، ورواية أبي جعفر الرازي عن أنس مضطربة والمتن في بعض ألفاظه نكارة. "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٦٨ (رسالة دكتوراه). وأخرجه ابن جرير بسنده عن الربيع بن أنس، بنفس اللفظ١/ ٨٨، وذكره ابن كثير في " تفسيره" عن أبي العالية، وتكلم فيه من جهة معناه. ابن كثير ١/ ٤١، وذكره =
(١) في (ب): (هذا).
(٢) في (ب): (يكون).
(٣) في (ب). (ما).
(٤) وإلى نحو هذا مال ابن جرير حيث قال: (والصواب من القول عندي في تأويل مفاتيح السور، التي هي حروف المعجم: أن الله جل ثناؤه جعلها حروفا مقطعة، ولم يصل بعضها ببعض -فيجعلها كسائر الكلام المتصل الحروف- لأنه عز ذكره أراد بلفظه الدلالة بكل حرف منه على معان كثيرة، لا على معنى واحد، كما قال الربيع بن أنس. وإن كان الربيع قد اقتصر به على معان ثلاثة، دون ما زاد عليها. والصواب في تأويل ذلك عندي: أن كل حرف منه يحوي ما قاله الربيع، وما قاله سائر المفسرين غيره فيه.... الخ. واستثنى بعض الأقوال لضعفها. انظر الطبري ١/ ٩٣، وانظر "تأويل المشكل" لابن قتيبة ص ٢٩٩، ٣٠٠، وقد ذكر ابن كثير كلام الطبري، ولم يرضه، ثم ذكر أقوالاً أخرى وبين ضعفها ثم قال: وقال آخرون: بل إنما ذكرت هذِه الحروف في أوائل السور التي ذكرت فيها بيانا لإعجاز القرآن وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله، هذا مع أنه مركب من هذِه الحروف المقطعة التي يتخاطبون بها، وقد حكى هذا المذهب الرازي في "تفسيره" عن المبرد وجمع من المحققين، وحكى القرطبي عن الفراء وقطرب نحو هذا، وقرره الزمخشري في "كشافه" ونصره أتم نصر، واليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس ابن تيمية، =
قلنا: لأنه لم يقصد به الهجاء، إنما هي حروف اجتمعت يراد بكل حرف منها معنى، فهي وإن كانت في صورة الهجاء فإن تحتها معاني، فكانت من هذا الوجه في معنى الكلمات الموصولة (١).
فإن قيل: فلم قطعت ﴿حم عسق﴾ ولم تقطع ﴿كهيعص﴾.
قلنا: لأن (حم) قد ذكرت في أوائل سور أخرى، فقطعت مما (٢) بعدها، لأن هذه السور كغيرها (٣) مما افتتح بـ (حم) (٤).
هذا هو الكلام في الحروف المقطعة في هذه السورة. (٥) فأما في سائر السور فسنأتي على بيانها إن شاء الله.
٢ - وقوله تعالى: ﴿ذَالِكَ اَلكِتَبُ﴾. قال أبو الهيثم (٦): (ذا) اسم كل
(١) هذا السؤال والإجابة عليه ذكره ابن الأنباري في "إيضاح الوقف والابتداء" ص ٤٧٩، وانظر: "القطع والائتناف" للنحاس ص ١٠٩، "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٤٣١.
(٢) في (ب): (ما).
(٣) في (ب): (لغيرها).
(٤) ذكره ابن الأنباري في "إيضاح الوقف والابتداء" ص ٤٧٩، والنحاس في "القطع والائتناف" ص ١٠٩، والزركشي في "البرهان" ١/ ٤٣١.
(٥) أي في سورة (البقرة) (الم).
(٦) قول أبي الهيثم ذكره الأزهري في (التهذيب) في مواضع متعددة أخذ الواحدي منه بالاختصار وجمعه مع بعضه. قال الأزهري: أخبرني المنذرى عن أبي الهيثم أنه قال: ذا اسم كل مشار إليه..) "التهذيب" (ذا) ٢/ ١٢٥٨.
(٢) في (ج): (ذلك).
(٣) في "التهذيب": (ليست في موضع خفض ولا نصب، إنما أشبهت..) ٢/ ١٢٥٨.
(٤) في "التهذيب": (فتوهم السامعون أن قول القائل: ذاك أخوك كأنها في موضع خفض لاشباهها (كاف)، (أخاك). وليس ذلك كذلك، إنما تلك (كاف) ضمت إلى (ذا) لبعد (ذا) من المخاطب، فلما دخل...) "التهذيب" ٢/ ١٢٥٨.
(٥) في "التهذيب": (وفي الجماعة: أولئك اخوتك). مراتب المشار اليه عند بعضهم اثنتان:
الأولى: القربى ويشار لها بذا.
الثانية: البعدى سواء كان البعد قليلاً أو كثيرًا ويشار لها بذاك. وعلى هذا الرأي زيدت اللام لرفع اللبس، كما ذكر الواحدي، أو لتأكيد بعد المشار إليه. أما عند الجمهور فمراتب المشار إليه ثلاث: قريب يشار له بذا، ومتوسط يشار له بذاك، وبعيد ويشار له بذلك، وعلى هذا: اللام لبعد المشار اليه، وليست لرفع اللبس. انظر "حاشية الصبان" ١/ ١٣٩، ١٤٢.
(٦) في (ب): (مبين).
(٧) هذا الكلام عن أبي الهيثم بمعناه، "التهذيب" ٢/ ١٢٥٨.
وقال الزجاج (٢): كسرت (اللام) في (ذلك) لالتقاء الساكنين (٣)، قال: ولم يذكر الكوفيون كسرة هذه (اللام).
قال أبو الفتح الموصلي (٤):
(اللام) قد تزاد في الكلمة مبنية (٥) معها، غير مفارقة لها، كقولهم: (ذلك) و (ألالك) (٦)، و (هنالك) و (عبدل) (٧)، و (زيدل) (٨)، و (فيشله) (٩). والذي يدل على زيادة (اللام) في هذه الحروف قولهم: (ذاك) (١٠) بمعنى:
(٢) قول الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣١، إلا قوله: (قال: ولم يذكر الكوفيون...
إلخ)، ونقله الأزهري في "التهذيب"، ١٥/ ٣٤، ٣٥.
(٣) المراد بالساكنين: (الألف) من (ذا) واللام التي بعدها. انظر "المعاني" للزجاج ١/ ٣١.
(٤) كلام أبي الفتح في "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢١، وقد تصرف المؤلف فيه، ونقله بالمعنى مع الاختصار. قال أبو الفتح: (وإذا كانت اللام زائدة فهي على ضربين: أحدهما: أن تزاد في الكلمة مبنية معها غير مفارقة لها، والآخر أن تزاد فيها لمعنى، ولا تكون من صيغة الكلمة....).
(٥) في (ب): (مبينة).
(٦) كذا في (أ)، وفي (ب)، (ج): (إلا لك) وفي "سر صناعة الإعراب" (أولا لك) ١/ ٣٢١. وهذا هو الصواب، ولعل ما أثبت في النسخ اختلاف في الرسم.
(٧) في (ب): (عندك).
(٨) في (ب): (زيدك).
(٩) في (ج): (فشيله). في "اللسان": (الفيشلة) كالفيشه، واللام فيها عند بعضهم زائدة، وقيل اللام أصل. والفيشة: أعلى الهامة، أو الكمرة، أو الذكر المنتفخ. "اللسان" (فيش) ٦/ ٣٤٩٩.
(١٠) في (ب): (ذلك).
وأما (٦) (الكاف) فهي في (ذاك)، و (ذلك)، و (تلك)، و (تانك) (٧)، و (ذانك)، و (أولئك) حرف يفيد الخطاب، وليست باسم (٨).
والدليل (٩) على ذلك ثبوت النون [في (ذانك، وتانك) ولو كانت اسما لوجب حذف النون] (١٠) قبلها، وجرها بالإضافة، كما تقول: غلاماك وصاحباك.
والعرب قد تزيد (الكاف) للخطاب كقولهم: (النجاءك) أي: انج، ولو كانت (١١) (الكاف) اسما لما جازت إضافة ما فيه (الألف واللام)
(٢) في (ب): (ومعنى عندك كمعنى عند).
(٣) في (ب): (ومعنى زيد كمعنى زيدك).
(٤) في (ب): (بمعنى).
(٥) انظر. "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢٢، (معنى الفيشة) مر قريبا.
(٦) الكلام عن (الكاف) أخذه المؤلف عن أبي الفتح من موضع آخر ١/ ٣٠٩، بتصرف واختصار.
(٧) في (ب): (تاتك).
(٨) انظر: "الأصول في النحو" ٢/ ١٢٧.
(٩) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣١٥.
(١٠) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(١١) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٠٩ - ٣١٠.
وزاد غيره بيانا فقال: (الكاف) في (ذلك) حرف، وفي (غلامك) وأشباهه اسم، الدليل على هذا أنك تؤكد (الكاف) في غلامك، كما تؤكد الاسم، فتقول: جاءني غلامك نفسك، ولا تؤكد (الكاف) في ذلك، فلا يجوز أن تقول: ذلك نفسك، على معنى تأكيد (الكاف) بالنفس (٤).
قوله تعالى: ﴿الْكِتَابُ﴾ يقال: كتب يكتب كتابًا وكَتْبًا وكتابةً. و (الكتاب) أيضا اسم لما كتب، وهو من باب تسمية المفعول بالمصدر، وهو كثير (٥). وأصل (الكتب) في اللغة جمعك بين الشيئين، يقال: اكتب بغلتك، وهو أن يضم بين شفريها بحلقة (٦)، ومن ذلك سميت (الكتيبة) لأنها تكتبت واجتمعت (٧).
ويقال: كتبت السقاء أكتبه كَتْبًا إذا خرزته (٨). وهي الكُتْبة وجمعها
(٢) عند أبي الفتح: (لا يجوز أن تكون (الكاف) اسما لأن هذا الفعل لا يتعدى إلى ضمير المأمور به..) ١/ ٣١١.
(٣) انظر كلام أبي الفتح ١/ ٣١٠، ٣١١.
(٤) ذكره سيبويه. انظر: "الكتاب" ١/ ٢٤٥، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠، "تهذيب اللغة" (ذاك) ٢/ ١٢٥٩.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (كتب) ٤/ ٣٥٩٧، "معجم مقاييس اللغة" (كتب) ٥/ ١٥٨، "الكشف" للثعلبي ١/ ٤٢/ب.
(٦) في (ب): (لحلقة).
(٧) في (ب): (فاجتمعت). ذكره الأزهري عن شمر، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٠٩٧.
(٨) في (ب): (جررته). ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن أبي زيد. "التهذيب" (كتب) ٢/ ٢٠٧٩.
فأما التفسير فقوله (٣): ﴿ذلك﴾ يجوز أن يكون بمعنى: (هذا) عند كثير من المفسرين وأهل المعاني (٤).
قال الفراء: وإنما يجوز (ذلك) بمعنى: (هذا) لما مضى، وقرب وقت تقضيه، أو تقضي ذكره، فأما الموجود الحاضر (٥) فلا يقال فيه (ذلك) (٦) مثاله أنك تقول (٧): قد قدم فلان، فيقول السامع: قد بلغنا ذلك، وبلغنا هذا الخبر، فصلحت فيه (هذا)، لأنه قرب من جوابه (٨)، فصار كالحاضر الذي تشير (٩) إليه، وصلحت (ذلك) لانقضائه، والمنقضي
(٢) الأزهري عن شمر ٢/ ٢٠٧٩.
(٣) في (ب). (وقوله).
(٤) انظر: الطبري ١/ ٩٦، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩، ونسب القول فيه للأخفش وأبي عبيدة، و"مجاز القرآن" ١/ ٢٨، وابن عطية ١/ ١٤١.
(٥) الموجود الحاضر لا يقال فيه (ذلك) لأنك تراه بعينه، بل تشير له بهذا، الدالة على الحاضر في الذهن. انظر "معاني القرآن" للفراء١/ ١١.
(٦) في (ج): (ذاك).
(٧) في "معاني القرآن" للفراء: (يصلح (ذلك) من جهتين، وتصلح فيه (هذا) من جهة، فأما أحد الوجهين من (ذاك) فعلى معنى: هذِه الحروف يا أحمد، ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك. والآخر أن يكون (ذلك) على معنى يصلح فيه (هذا) لأن قوله: (هذا) و (ذلك) يصلحان في كل كلام، إذا ذكر ثم أتبعته بأحدهما بالإخبار عنه. ألا ترى أنك تقول: قد قدم فلان... الخ.) ١/ ١٠.
(٨) في (ب): (حركه).
(٩) في (ب): (يشير).
وتقول: أنفقت ثلاثة وثلاثة، فذلك ستة، وإن شئت قلت: فهذا ستة، وقد قال الله عز وجل: ﴿فَحَشَرَ فَنَادَى﴾ [النازعات: ٢٣] تْم قال: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى﴾ [النازعات: ٢٦]، وقال: ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ (٢) [الأنبياء: ١٠٥]، ثم قال: ﴿إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا﴾ [الأنبياء: ١٠٦] (٣).
وقال محمد بن جرير: أشار بقوله: ﴿ذلك﴾ إلى ما تقدم ومضى من قوله: ﴿الم﴾ لأن كل ما تقضى (٤) وقرب تقضيه من الأخبار فهو في حكم الحاضر، كالرجل يحدث الرجل الحديث، فيقول السامع: (إن ذلك لكما (٥) قلت)، و (هذا والله كما قلت)، فيخبر مرة عنه بمعنى الغائب (٦)، إذا كان قد تقضى، ومرة بالحاضر لقرب جوابه من كلامه، كأنه غير متقض (٧)، فكذلك لما ذكر الله سبحانه ﴿الم﴾ التي ذكرنا تصرفها في وجوهها من المعاني، قال: يا محمد هذا الذي ذكرته وبينته لك: الكتاب، [فحسن وضع (ذلك) في موضع (هذا) (٨) وروى عن ابن عباس أنه قال:
(٢) في (ج) تصحيف في الآية (من بعد ما الذكر).
(٣) الكلام بنصه في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠. وانظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١.
(٤) في (ب). (ما يقضى). في الطبري: (لأن كل ما تقضى بقرب تقضيه..) وفي الحاشية في المطبوعة (وقرب تقضيه) يريد: أن ذكر ما نقضى، وانقضاؤه قريب من إخبارك عنه. (تفسير الطبري) ١/ ٩٦.
(٥) في (ب): (كما).
(٦) أي إذا أشار إليه بـ (ذلك) وبمعنى الحاضر إذا أشار إليه بـ (هذا).
(٧) في (ب). (مقتض) وفي الطبري: (منقض).
(٨) "تفسير الطبري" ١/ ٩٦، وذكر المؤلف كلام الطبري بتصرف واختصار، واختار=
وقال يمان بن رباب (٤): ذلك (٥) الكتاب الذي ذكرته في التوراة (٦) والإنجيل (٧).
وهذان القولان (٨) متقاربان، والأول (٩) اختيار ابن الانباري،
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٢) في (ب): (أوجه).
(٣) ذكره الثعلبي عن أبي الضحى عن ابن عباس١/ ٤٣/أ، وذكره أبو الليث في "تفسيره" ولم يسنده لأحد ١/ ٨٩، وانظر "البحر المحيط" ١/ ٣٦، والقرطبي ١/ ١٣٧، "زاد المسير" ١/ ٢٣.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هذا الكتاب. الطبري ١/ ٩٦.
(٤) (يمان بن رباب) مكانه بياض في (ب)، وفي (أ): (رياب) بالياء و (رباب) بالباء في (ج) وهو عند الثعلبي ١/ ٤٣ أ، ولم أجد (يمان بن رباب) ولا (رياب) سوى ما ذكره البغدادي في "هدية العارفين" قال: (اليمان بن رباب البصري من رءوساء الخوارج، له: "إثبات إمامة أبي بكر الصديق". و"أحكام المؤمنين".) ولم يذكر سنة وفاته. "هدية العارفين" ١/ ٧٣٥، فلا أدرى هل هو المذكور، أو شخص غيره؟ والله أعلم.
(٥) في (ب): (كل).
(٦) في (ج): (التوريه).
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" بعد قول ابن عباس السابق، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٣أ، وذكر الزجاج بمعناه ولم ينسبه ١/ ٣٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٣، القرطبي ١/ ١٣٧، وأبو حيان في "البحر" ونسبه لابن رئاب ١/ ٣٦.
(٨) أي: قول ابن عباس وقول يمان بن رباب.
(٩) أي قول ابن عباس: ذلك الكتاب الذي أخبرتك أني أوحيه إليك.
أما ابن الانباري فقال: إنما قال عز (٣) ذكره: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ﴾، فأشار إلى غائب، لأنه (٤) أراد هذه الكلمات يا محمد: ذلك الكتاب الذي وعدتك أن أوحيه إليك، لأن الله تعالى لما أنزل على نبيه - ﷺ - ﴿إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا﴾ [المزمل: ٥]، كان عليه السلام واثقا بوعد الله إياه، فلما أنزل عليه ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ١، ٢]. دله على (٥) الوعد المتقدم (٦).
وقال الزجاج: القرآن، ذلك الكتاب الذي وعدوا به على لسان موسى وعيسى (٧).
فجعل ﴿الم﴾ بمعنى القرآن، لأنه من القرآن فهو قرآن.
والمراد بالكتاب هاهنا: القرآن في (٨) قول ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد والضحاك، ومقاتل (٩).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩.
(٣) في (ب): (عن).
(٤) في (ب): (كأنه).
(٥) في (ب): (ذله الوعد).
(٦) ذكر نحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٣، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١/ ١٣٧ - ١٣٨.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩.
(٨) في (ب): (فهو في).
(٩) ذكره الثعلبي فىِ "تفسيره" ١/ ٤٣ ب، وذكر ابن أبي حاتم قول الحسن، وابن عباس ١/ ٣٤، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٩٦، و"ابن كثير" ١/ ٤٢.
وهذا (٣) أرجح عندي من قول من قال: إنه سمي به لما فرض فيه (٤)، وأوجب العمل به (٥)، ألا ترى أن جميع التنزيل مكتوب، وليس كله فروضًا، وإذا كان كذلك كان العام (٦) الشامل [بجميع المسمى أولى مما كان بخلاف ذلك. فإن جعلت ﴿الم﴾ متعلقا بما بعده، فهو ابتداء، وخبره] (٧) ﴿ذلك﴾، والكتاب تفسير وبيان (٨) للمشار إليه (٩). ويصح أن
(٢) في ج (الخلوق)، وهذا المعنى ذكره الثعلبي ١/ ٤٢ ب.
(٣) في (أ)، (ج): (قال: وهذا أرجح.. إلخ) واخترت ما في (ب) لأني لم أجد لوجود (قال) معنى. فكلام الزجاج قد انتهى، وما بعده أخذه عن الثعلبي بمعناه ولم يصرح باسمه، وليس الكلام بعد (قال) في "تفسيره"، ولم يكن من نهج الواحدي أن يفتتح قوله هو بـ (قال) لذلك اعتبرتها زيادة في (أ)، (ج).
(٤) في (ب): (به).
(٥) أي أن المراد بالكتاب: المكتوب، بمعنى المفعول، أرجح ممن قال: إنه سمي كتابا لما فرض فيه، وأوجب العمل به، فإن الكتاب يطلق على معان كثيرة منها: الفرض، والأمر، والجعل. انظر "مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ١١، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" لأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني ١/ ٤٦١ رسالة ماجستير، "تهذيب اللغة" (كتب) ٤/ ٣٠٩٧، "تفسير الرازي" ٢/ ١٤، والقرطبي ١/ ١٣٨.
(٦) أي أن الكتاب بمعنى المكتوب.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٨) أي: عطف بيان، أو بدل. انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥، "إعراب القرآن" للنحاس١/ ١٢٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٤٣.
(٩) (إليه) ساقط من (ج).
وقوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾. الريب: الشك يقال: رابني فلن يريبني أي: علمت من الريبة، وأرابني (٣) أوهمنيها ولم يحققها (٤)، وقال:
أَخُوكَ الذي إنْ رِبْتَهُ قَالَ إنَّمَا | أرَابَ وإنْ عَاتَبْتَهُ (٥) لاَنَ جَانِبُه (٦) |
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٢ ب، وانظر "إيضاح الوقف والابتداء" لابن الأنباري ١/ ٤٨٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠ - ٣٣، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٨، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٧، ١٥، وقد ذكر الواحدي بعض الوجوه في إعراب (الم. ذلك الكتاب).
(٣) في (ب): (فأرابني).
(٤) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣١، والأزهري، وقال: وأنشد أبو زيد ثم ذكر البيت. "تهذيب اللغة" (راب) ٢/ ١٣٠٦ - ١٣٠٧.
(٥) في (ب): (عاينته).
(٦) نسب البيت للفرزدق، ولم أجده في "ديوانه"، ونسب للمتلمس، ولبشار، وهو الصحيح، حيث ورد في "ديوانه" من قصيدة يمدح بها عمر بن هبيرة قوله: (أراب) كذا ورد في جميع النسخ، وفي "الديوان" وغيره من المصادر (اربت) ومعناه: أخوك الذي إن ربته بريبة قال: أنا الذي أربت، أي: أنا صاحب الريبة، وروي (أربت) بفتح التاء، أي: أوجبت له الريبة. وقوله: (عاتبته) كذا وردت عند الزجاج، وفي المصادر الأخرى (لاينته) بمعنى: عاتبته، انظر "ديوان بشار" ص ٤٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١، "تهذيب اللغة" (راب) ٢/ ١٣٠٦ - ١٣٠٧، "اللسان" (ريب) ٣/ ١٧٨٨ - ١٧٨٩.
(٧) في (ب): (به).
(٨) في (ب): (سموهمها).
وقال سيبويه: (أراب) الرجل أي: صار صاحب ريبة. كما قالوا: ألام أي: استحق أن يلام (٢). وأما (رابني) فمعناه: جعل في ريبة (٣)، كما تقول: قطعت النخل، أي: أوصلت إليه القطع، واستعملته فيه (٤).
وقال أبو زيد (٥): قد رابني من فلان أمر رأيته منه رَيْبًا، إذا كنت مستيقنا منه بالريبة، فإذا أسأت به الظن ولم تستيقن بالريبة منه قلت: قد أرابني من فلان أمر هو فيه، إذا ظننته من غير أن تستيقنه (٦). وقوم على أن: (راب) و (أراب) بمعنى واحد (٧)، وينشدون قول الهذلي (٨):
(٢) في (ب) (تلام).
(٣) في "الكتاب" (وأما رابني فإنه يقول: جعل لي ريبة..) ٤/ ٦٠.
(٤) "الكتاب" ٤/ ٦٠، والنص في "الحجة" لأبي علي١/ ١٧٩.
(٥) في (ب) (يزيد). وأبو زيد هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، صاحب النحو واللغة، توفي سنة خمس عشرة ومائتين. انظر "طبقات النحويين واللغويين" ص١٥٦، "تاريخ بغداد" ٩/ ٧٧، "إبناه الرواة" ٢/ ٣٠.
(٦) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ١٧٩، ونحوه عند الأزهري قال: هذا قول أبي زيد (راب) ١٥/ ٢٥٢، ولم أجده في "نوادر أبي زيد".
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (راب) ٢/ ١٣٠٦ - ١٣٠٧، "الصحاح" (ريب) ١/ ١٤١، "اللسان" (ريب) ٣/ ١٧٨٨ - ١٧٨٩.
(٨) في ج (الهزلي). و (الهذلي) هو خالد بن زهير الهذلي أحد شعراء الهذليين المشهورين عشق امرأة كان يأتيها أبو ذؤيب الهذلي خاله، وجرت بينهما أشعار في ذلك منها، "بيت الشاهد" وقتل خالد بسبب تلك المرأة في قصة طويلة. انظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ٢٠٧، "الخزانة" للبغدادي ٥/ ٧٦ - ٨٦.
والحذاق (٢) على الفرق بينهما، كما أخبرتك، قال الأزهري: والقول في (راب وأراب) قول أبي زيد (٣).
وموضح (ريب) نصب (٤)، قال سيبويه: (لا) تعمل فيما بعدها فتنصبه، ونصبها لما بعدها كنصب (إن) إلا أنها تنصب بغير تنوين (٥). وإنما شبه (لا) بـ (إن)، لأن (إن) للتحقيق في الإثبات، و (لا) في النفي، فلما كان (لا) تقتضي (٦) تحقيق النفي، كما تقتضي (إن) تحقيق الإثبات أجري مجراه. وزعم سيبويه أنها مع ما بعدها بمنزلة شيء واحد (٧)؛ لأنها جواب لما يكون بمنزلة شيء واحد، ولذلك لم ينون وبني على الفتحة، كأنها جواب قول
ياقوم ما بال أبي ذؤيب... يمس رأسي ويشم ثوبي
كأنني أتوته بريب
انظر "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٢٠٧، "الحجة" لأبي على ١/ ١٨٠، "تهذيب اللغة" (أتى) ١/ ١١٦ - ١١٧، "المخصص" ١٢/ ٣٠٣، ١٤/ ٢٤، ٢٨، "الصحاح" ١/ ١٤١، "اللسان" (ريب) ٣/ ١٧٨٨ - ١٧٨٩، "الخزانة" ٥/ ٨٤.
(٢) في (ب): (فالحلاف).
(٣) في "التهذيب" (قول أبي زيد أحسن) ٢/ ١٣٠٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١، وانظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٦.
(٥) أي مبنى على الفتح لأن (لا) نافية للجنس، "الكتاب" ٢/ ٢٧٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١، والعبارة للزجاج، وانظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٦.
(٦) في (ب): (يقتضي).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١، "الكتاب" ٢/ ٢٧٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٦، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٨.
فإن قلت: (هل رجل في الدار) أو (لا رجلٌ في الدار)، جاز أن يكون في الدار رجلان، لأنك إنما أخبرت أنه ليس فيها واحد، فيجوز أن يكون فيها أكثر منه، فإذا قلت: (لا رجلَ في الدار)، فهو نفي عام، وكذلك ﴿لا رَيْبَ فِيهِ﴾ (٣) وموضع ﴿لا رَيْبَ﴾ رفع بالابتداء عند سيبويه، لأنه بمنزلة خمسة (٤) عشر (٥)، إذا ابتدأت به، ولهذا جاز العطف عليه بالرفع في قوله:
لا أُمَّ لي إنْ (٦) كان ذَاكَ ولا أَبُ (٧)
(٢) في "المعاني" للزجاج (عموم) ١/ ٣٢، ولعله أصوب.
(٣) الكلام للزجاج، انظر "المعاني" ١/ ٣٢، وانظر "الكتاب" ٢/ ٢٧٤ - ٢٧٦، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٩.
(٤) في (ب): (خمس).
(٥) قال سيبويه: (لا وما عملت فيه في موضع ابتداء) "الكتاب" ٢/ ٢٧٥، ٢٨٤، وانظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٦.
(٦) في (ب): (وان).
(٧) اختلف في نسبة البيت، فقيل: لضمرة بن ضمرة، وقيل: لهمام بن مرة، وقيل: لبعض مذحج، وقيل: لزرافة الباهلي، وقيل: لهني بن أحمر، وفيه أقوال أخرى. قيل: إن هذا الشاعر كان بارًّا بأمه، وكان له أخ تؤثره عليه، فقال هذِه الأبيات، والشطر الأول:
هذا وجدكم الصغار بعينه
والشاهد فيه: رفع الاسم الثاني مع فتح الأول، إما بإلغاء الثانية ورفع ما بعدها بالعطف=
وقوله تعالى: ﴿فِيهِ﴾. يجوز (٣): أن تجعله خبرا للابتداء الذي هو ﴿لَا رَيْبَ﴾ ويجوز: أن تجعله صفة لقوله ﴿لَا رَيْبَ﴾، وإذا جعلته صفة أضمرت الخبر، كأنه قيل: لا ريب فيه واقع أو كائن، فإن جعلته خبرا كان موضعه رفعا من وجهين:
أحدهما: بكونه خبرًا (٤) للمبتدأ (٥). والثاني: من حيث كان خبر إن رفعا (٦)، وقد ذكرنا أن (لا) بمنزلة (إن).
(١) في (ب): (العطوف).
(٢) انظر "الكتاب" ٢/ ٢٩١، ٢٩٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١، ٢٦٥، "المشكل" لمكي١/ ١٦، "الدر المصون" للسمين١/ ٨٠، "شرح المفصل" لابن يعيش ٢/ ١٠٩.
(٣) أخذه عن أبي علي الفارسي، "الحجة" ١/ ١٨٩.
(٤) في (ب): (خبر).
(٥) في "الحجة" (وإن جعلته خبرا كان موضعه رفعا في قياس قول سيبويه من حيث يرتفع خبر المبتدأ....) ١/ ١٨٩، فيكون خبر لـ (لا) مع اسمها، حيث أنهما في محل رفع مبتدأ.
(٦) في "الحجة": (.. وعلى قول أبي الحسن موضعه رفع من حيث كان خبر (إن) =
فلا أبَ وابْنًا مِثْلُ مَرْوانَ (٤)
ومن وصفه على الموضع (٥)، كما عطف على الموضع في قوله:
لا أمَّ لي إنْ كان ذَاكَ ولا أَبُ (٦)
كان موضعه على هذا رفعا (٧). وفي قوله: ﴿فِيهِ﴾: قراءتان، إشباع (الهاء) حتى تلحق به (ياء) وكذلك في (الهاء) المضمومة (٨) مثل (منهو) و (عنهو)، وهو مذهب ابن كثير (٩).
(١) يقول: إن جعلت (فيه) صفة جاز فيها النصب على الوصف للفظ اسم (لا) وهو (ريب) كما عطف عليه بالنصب في قول الشاعر: (فلا أب وابنا...) وجاز رفع الصفة على موضع (لا ريب) كما عطف عليه بالرفع كما سبق.
(٢) في (ج) (ثم أعطف).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) في (أ)، ج (مثل مر) والجملة ساقطة من ب. والبيت من شواهد سيبويه، وهو:
لا أب وابنا مثل مروان وابنه | إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا |
(٥) في (ج) (ومن وصف على اللفظ الموضع).
(٦) مر تخريج البيت قريبًا. انظر ص ٣٩.
(٧) في ج (رفع).
(٨) في (أ)، (ج) (المضموم).
(٩) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٣٢، "الحجة" ١/ ١٧٧. وابن كثير هو عبد الله =
وأصل (الهاء) في ﴿فيه﴾ الضم، لأن الأصل (فيهو) كما ذكرنا في (عليهو) ثم كسرت (الهاء) للعلة التي ذكرنا في (عليهم) (٢) فمن اقتصر على الضمة والكسرة قال: إن (الهاء) حرف خفي (٣)، فإذا اكتنفها (٤) ساكنان من حروف اللين صار كأن الساكنين قد التقيا (٥)؛ لخفاء (الهاء)، وأنهم لم يعتدّوا بها حاجزًا (٦) للخفاء في مواضع.
ألا ترى أن من قال: (رُدُّ)، فأتبع الضمة الضمة، فإذا وصل الفعل بضمير (٧) المؤنث قال: (ردَّها)، فلم يتبع الضم الضم، كما كان يتبع قبل، لأنه جعله بمنزلة (رُدَّا) وفي (رُدَّا) لا يمكن إتباع الضم الضم، وفي (رُدَّها) (٨)
(١) انظر: "السبعة" ص١٣١، ١٣٠، "الحجة" ١/ ١٧٥ - ١٧٧، "الكشف" لمكي ١/ ٤٢.
(٢) إشارة إلى ما سبق في الفاتحة في القراءات في قوله (عليهم) وانظر العلة التي ذكرها أبو علي في "الحجة" ١/ ٢٠٧.
(٣) نقل المؤلف من "الحجة"، قال أبو علي: (ومما يحسن الحذف هاهنا -مع ما ذكرنا من اجتماع المتشابهة- أن (الهاء) حرف خفي..... إلخ) "الحجة" ١/ ٢٠٩.
(٤) في (ج): (فإذا كثفها).
(٥) في (ب). (التقتا).
(٦) كلمة (حاجزا) ليست عند أبي علي١/ ٢٠٩.
(٧) في (ب): (لضمير).
(٨) عبارة أبي علي: (.. بمنزلة (ردَّا)، فكما لم يعتد بها هاهنا، وجعلت الدال في حكم الملازقة للألف، كذلك إذا لم يعتد بها في نحو: فيهي..) "الحجة" ١/ ٢٠٩.
ومثل (الهاء) (٤) في أنه (٥) لما كان حرفا خفيًّا لم يعتدوا به حاجزًا (النون)، وذلك في قولهم: (هو (٦) ابن عمي دِنْيا) (٧) و (قِنْيَة) (٨)، لما كانت (النون) خفية صارت (الواو) كأنها وليت الكسرة، فقلبتها كما قلبتها في
(٢) في (ب): (إذا).
(٣) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ٢٠٩.
(٤) "الحجة" ١/ ٢١٠، والمعنى: مثل الهاء النون في كونه حرفا خفيا لا يعتد به حاجزا.
(٥) في (ب): (إيه).
(٦) في (ب): (هط).
(٧) يقال: هو ابن عمه دُنْيَا مقصور، ودِنْيَةً ودِنْياً منون وغير منون، إذا كان ابن عمه لَحَّا أي أقرب من غيره ويقال ذلك في ابن العمة وابن الخال والخالة. انقلبت فيها (الواو)، (ياء) لمجاورة الكسرة، ولأن (النون) حاجز ضعيف. انظر "تهذيب اللغة" (دنا) ٢/ ١٢٣٣، و"اللسان" (دنا) ٣/ ١٤٣٦.
(٨) في "الحجة": (وفي قولهم: "هو ابن عمي دنيا" وفي "غنية") ١/ ٢١٠، والقنية والقنوة بكسر القاف وضمها بالياء وبالواو: الكسبة، وهي كل ما اكتسبه الإنسان لنفسه ولم يعده للتجارة، وإذا كانت واوية الأصل فقد جرى فيها القلب، وعلى هذا سار أبو علي وتبعه الواحدي، ومنهم من قال أصلها يائية فلا تغيير فيها. انظر: "الحجة" ١/ ٢١٠، "تهذيب اللغة" (قنا) ٣/ ٣٠٥٠، "مقاييس اللغة" ٥/ ٢٩، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٣٦، "اللسان" (قنا) ٦/ ٢٧٥٩.
وأما ابن كثير: فإنه يتبع هذه (الهاء) في الوصل (الواو) و (الياء) (٦) ويسوى بين حروف اللين وبين (٧) غيرها من الحروف، إذا (٨) وقعت قبل (الهاء) وحجته: أن (الهاء) وإن كانت خفية (٩) فليس يخرجها (١٠) ذلك من أن تكون كغيرها من حروف المعجم التي لاخفاء فيها، نحو: (الدال) و (الصاد) و (الهاء).
و (النون) عند الجميع في وزن الشعر بمنزلة الدال والصاد (١١)، وإذا
(٢) (النون) ساقط من (ب).
(٣) (العدوة): صلابة من شاطئ الوادي. انظر "معجم مقاييس اللغة" (عدو) ٤/ ٢٥٢.
(٤) أي (النون) في مثل (دنيا) و (قنية).
(٥) "الحجة" ١/ ٢١٠.
(٦) قال أبو علي في "الحجة": (الحجة لابن كثير في إتباعه هذِه (الهاء) في الوصل (الواو) أو (الياء) وتسويته بين حروف اللين وبين غيرها من الحروف إذا وقعت قبل (الهاء) من حجته أن (الهاء) وإن كانت خفية... إلخ) ١/ ٢١١.
(٧) (بين) ساقط من (ب).
(٨) في (ب): (وإذا).
(٩) في (ب): (خفيفة).
(١٠) في (ب): (مخرجها).
(١١) عبارة أبي علي في "الحجة": (.. من حروف المعجم التي لا خفاء فيها - نحو: =
وقوله تعالى ﴿هُدًى﴾:
قال سيبويه: قلّما (٣) يكون ما ضم أوله من المصدر إلا منقوصًا، لأن (فُعَل) لا تكاد (٤) تراه مصدرًا من غير بنات (٥) (الياء) و (الواو) (٦) كالهُدى والسُّرى، والنُّهى (٧)، والتُّقَى، والقِرى، والقِلَى (٨)، وقالوا: كِسْوَة، ورِشْوَة، وجِذْوَة، وصُوَّة (٩)، وإذا (١٠) جمعوا جمعوها على (فِعَل)
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٢) "الحجة"١/ ٢١١، وانظر: "الكشف" لمكي ١/ ٤٢، ٤٣.
(٣) (قل) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (لا يكاد).
(٥) في (ب): (من غير أن تران).
(٦) (غير بنات الواو والياء، أي: الصحيح اللام، فـ (فُعَل) لا يكون مصدرا في الصحيح اللام إلا قليلا، والمعتل يجري مجرى الصحيح.
انظر "الحجة" ١/ ١٨٠، وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" ٤/ ٤٦.
(٧) (النهى) ساقط من (ب).
(٨) في "الحجة": (قالوا: هَدَيْته هُدى ولم يكن هذا في غير (هدى)، وذلك لأن (الفِعَل) لا يكون مصدراً في هديته، فصار (هُدى) عوضا منه، قالوا: قريته قِرى وقليته قِلَى فأشركوا بينهما في هذا..) ١/ ١٨١ فأشركوا بين (فُعَل) و (فِعَل) انظر "الكتاب" ٤/ ٤٦.
(٩) (الصوة) جماعة السباع، والحجر يكون علامة في الطريق، ومختلف الريح وصوت الصدى، وما غلظ وارتفع من الأرض. انظر "اللسان" (صوى) ١٤/ ٤٧١، "القاموس" ص ١٣٠٤.
(١٠) في (ب): (فإذا).
وقال أناس من النحويين (٤): إنه قد تجرى الأسماء التي ليست بمصادر مجرى المصادر فيقولون: جلس جلسة، وركب ركبة، ويقولون: عجبت من دهنك لحيتك (٥)، وينشدون:
وبعد عطائك المائة الرتاعا (٦)
فيجري (٧) مجرى الإعطاء، وقال لبيد (٨):
(٢) في (ب): (ونحوه).
(٣) في أ (الجميع). مثال المكسور في الواحد والمضموم في الجمع: (رشوة ورشا) "الكتاب" ٤/ ٤٦.
(٤) في "الحجة". (ويقويه -أيضًا- أن ناسًا من النحويين يزعمون أنه قد يجري الأسماء التي ليست لمصادر... إلخ) ١/ ١٨٢.
(٥) قوله. (جلسة) و (ركبة) و (دهن) ليست مصادر وأجريت مجرى المصادر.
(٦) البيت من قصيدة للقطامي يمدح بها زفر بن الحارث الكلابي، وصدر البيت:
أَكُفْراً بَعْدَ رَدِّ المَوْتِ عَنِّي
يقول: لا أكفر معروفك بعد أن أطلقتني من الأسر، وأعطيتني مائة من الإبل الرتاع أي الراعية، ورد البيت في "الشعر والشعراء" ص ٤٨٣، "الحجة" ١/ ١٨٢، "الخصائص" ٢/ ٢٢١، "شرح المفصل" ١/ ٢٠، "شرح شذور الذهب" ص ٤٩١، "الهمع" ٣/ ١٠٣، "الخزانة" ٨/ ١٣٦، والشاهد: إعمال العطاء على أنه بمعنى الإعطاء.
(٧) في (ب): (فتجرى) وفي "الحجة": (فيجرونه مجرى الإعطاء) ١/ ١٨٢.
(٨) هو لبيد بن ربيعة بن مالك بن كلاب العامري، كان من شعراء الجاهلية وأدرك الإسلام وأسلم، وقدم على رسول الله - ﷺ - في وفد بني كلاب، مات بالكوفة في خلافة معاوية، وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة. انظر: "الشعر والشعراء" ص١٦٧، "طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٣، "الإصابة" ٣/ ٣٢٦، "الخزانة" ٢/ ٢٤٦.
وفسروه على حاجتي (٣) إليها (٤)، فأضيف إلى المفعول كما يضاف المصدر إليه، فعند هؤلاء (الهُدى والسُّرى والتُّقَى) أسماء أجريت مجرى المصادر (٥)، وليست مصادر (٦) حقيقة.
وزعم الأخفش: أن من العرب (٧) من يؤنث الهدى (٨).
ومعنى الهدى: البيان، لأنه قد قوبل به الضلال في قوله عز وجل ﴿وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ﴾ [البقرة: ١٩٨]، [أي من قبل هداه] (٩).
(٢) البيت من معلقة لبيد وتمامه:
بادرتُ حاجَتها الدجاجَ بسحرة | لِأُعَلَّ منها حين هبّ نيامُها |
(٣) (حاجتي) ساقط من (ب).
(٤) في "الحجة". (وفسروه على باكرت حاجتي إليها..) وروايته للبيت (باكرت) ١/ ١٨٣.
(٥) فتضاف للمفعول كما يضاف المصدر إليه. انظر "الحجة" ١/ ١٨٣.
(٦) في (ج): (مصاد).
(٧) هم بنو أسد. انظر (المذكر والمؤنث) للفراء ص ٨٧.
(٨) في "الحجة": وقال أبو الحسن: زعموا أن من العرب من يؤنث الهدى. "الحجة" ١/ ١٨٣، وانظر: "معاني القرآن" للاخفش ١/ ١٧٩.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (ب) والكلام أخذه عن أبي علي في "الحجة" ١/ ١٨٦، وانظر: "الطبري" ١/ ٩٨، "معاني الزجاج" ١/ ٣٣، "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٠.
وكان (اتقى) (٦) في الأصل (اوْتقى) (٧) لأنه (افتعل) (٨) من الوقاية، وأصل هذا الباب بالواو (٩)، كالاتزان (١٠) من الوزن، والاتضاح من
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (تقي)، (وقى) ١/ ٤٤، "الصحاح" (وقى) ٦/ ٢٥٢٧، "اللسان" (وقى) ٨/ ٤٩٠٢، (لباب التفاسير) للكرماني ١/ ١١١، (رسالة دكتوراه).
(٣) أخرجه مسلم في "صحيحه" في قصة غزوة حنين وفيه: (... قال البراء: كنا والله إذا أحمر البأس نتقى به وإن الشجاع منا للذي يحاذى به، يعني رسول الله - ﷺ -) مسلم ١٧٧٦/ ٧٩، كتاب الجهاد، غزوة حنين، وذكره البيهقي في "دلائل النبوة" ٥/ ١٣٥.
(٤) في (ب): (عما أمر) تصحيف.
(٥) في (ب): (يدعو).
(٦) في (ب): (من في).
(٧) بكسر الهمزة وسكون الواو.
(٨) في (ج): (لا افتعل).
(٩) في (ج): (من الواو).
(١٠) في (ب): (كالا يزان).
وقال أبو الفتح الموصلي (٣): إن (افْتَعَل) إذا كانت فاؤه (واوا)، فإن (واوه) تقلب (٤) (تاء)، وتدغم في (تاء) (افْتَعَل) مثل (اتَّعد) (٥) و (اتَّلج) (اتَّصف).
والعلة في قلب هذه الواو (تاء)، أنهم لو لم يقلبوها (تاء) لوجب أن يقلبوها إذا انكسر ما قبلها (ياء)، فيقولوا: (٦) (ايتقى) (٧) وإذا (٨) انضم ما قبلها ردت إلى (الواو) فقالوا: (مُوتَق) (٩)، وإذا انفتح ما قبلها قلبت (ألفا)، فقالوا: (ياتقي) (١٠)، فلما (١١) كانوا لو لم يقلبوها (تاء) صائرين من قلبها (١٢) مرة (ياء) ومرة (ألفا)، ومرة (واوا)، أرادوا أن يقلبوها حرفا جلدا
(٢) انظر. "تهذيب اللغة" (تقى) ١/ ٤٤٤، "الصحاح" (وقى) ٦/ ٢٥٢٦، "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٤٧.
(٣) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٤٧.
(٤) في (ج): (تقلب الفاتا).
(٥) في (ب): (ما اتعد).
(٦) في جميع النسخ (فيقولون). وفي "سر صناعة الإعراب" (فيقولوا) وفي الحاشية قال: في ل (فيقولون) ١/ ١٤٧.
(٧) عند أبي الفتح فيقولوا: (أيتزن، ايتعد، ايتلج) ١/ ١٤٧، فلم يرد لفظ (أيتقى).
(٨) في (ج): (إذا) مكررة.
(٩) عند أبي الفتح (مُوتَعِد) و (مُوتَزِن) و (مُوتَلج) ١/ ١٤٧.
(١٠) عند أبي الفتح: يَا تَعِدُ، ويَا تَزِنُ، ويَا تَلِجُ ١/ ١٤٨.
(١١) في (ج): (فكانوا).
(١٢) في جميع النسخ (قبلها): والتصحيح من "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٤٨.
وإدغام (الياء) في (التاء) على هذه الجهة، إنما يجوز إذا كانت (٦) في كلمة واحدة، فإذا التقتا من كلمتين لم يجز الإدغام، نحو قولك: (في تبيانه)، و (في تمثاله)، وذلك أنه (٧) لو أجرى (٨) الكلام هاهنا على الإدغام، أشبه الألف واللام. هذا هو الأصل، ثم صارت التاء لازمة حتى صارت كالأصلية (٩)، لأنه لا يجوز إظهار (١٠) هذا الإدغام في حال (١١).
(٢) في (ب): (أتقا) وعند أبي الفتح (أتعد، واتزن) ١/ ١٤٨.
(٣) في (ب): (السر).
(٤) في (ج): (التبس).
(٥) عند أبي الفتح: (.. وذلك لأنهم كرهوا انقلابها (واوا) متى انضم ما قبلها في نحو: (موتبس) وألفا في (يا تبس)، فأجروها مجرى الواو فقالوا: اتَّبَس وأتَّسَر. ومن العرب من لا يبدلهما (تاء) ويجري عليهما من القلب ماتنكبه الآخرون فيقول: إيتَعد أيتَزن ايتبس... واللغة الأولى أكثر وأقيس...)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٤٨، وانظر "المنصف" ١/ ٢٢٢، ٢٢٨.
(٦) كذا ورد في جميع النسخ ولعل الأولى (إذا كانتا).
(٧) (أنه) ساقط من (ج).
(٨) في (ب): (أجرا).
(٩) في (ب): (كالا مطيه).
(١٠) في (ب): (إظهارها).
(١١) انظر "تهذيب اللغة" (تقى) ١/ ٤٤٤.
الحراني (٣) عن ابن السكيت (٤) يقال: اتَّقَاه بِحَقِّه يَتَّقِيه، وتَقَاهُ يَتَّقِيه، وأنشد عن الأصمعي (٥) قال:
أنشدني عيسى بن عمر (٦):
جَلَاهَا الصَّيْقَلُونَ فَأخْلَصوهَا | خِفَافاً كُلُّهَا يَتَّقِي بِأَثْرِ (٧) |
(٢) انظر: "الكتاب" ٤/ ٣٣٢.
(٣) أبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني اللغوي، لغوي صدوق، أخذ عن ابن السكيت، ونقل عنه الأزهري في "التهذيب" من طريق المنذري، توفي سنة خمس وتسعين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" ١٣/ ٥٣٦، "إنباه الرواه" ٢/ ١١٥، "سير أعلام النبلاء"١٣/ ٥٣٦.
(٤) أبو يوسف يعقوب بن إسحاق السكيت، النحوي اللغوي، كان موثقا بروايته، مات سنة أربع وأربعين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" ١٤/ ٢٧٣، "وفيات الأعيان" ٦/ ٣٩٥، "إنباه الرواة" ٤/ ٥٠، "معجم الأدباء" ٢٠/ ٥٠.
(٥) في "التهذيب": (وأخبرني المنذري، عن الحراني، عن ابن السكيت، قال: يقال: اتقاه... الخ. وأنشد ثم ذكر بيتين غير ما ذكر المؤلف، ثم قال: وقال الأصمعي: أنشدني عيسى بن عمر) (التهذيب) (تقى) ١/ ٤٤٤، وانظر كلام ابن السكيت في "إصلاح المنطق" ص ٢٤.
(٦) ورد اسمه في "التهذيب": (عيسى بن عمرو) وهو تصحيف، والصحيح (ابن عمر) وهو عيسى بن عمر البصري الثقفي المقرئ النحوي، كان في طبقة أبي عمرو بن العلاء، وعنه أخذ الخليل، توفي سنة تسع وأربعين ومائة. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص ٤٠، "نزهة الألباء" ص ٢٨، "إنباه الرواة" ٢/ ٣٧٤، "معجم الأدباء" ٤/ ٥١٩، "وفيات الأعيان" ٣/ ٤٨٦.
(٧) البيت لخفاف بن ندبة، يذكر السيف. والصيقلون: جمع صيقل وهو شحاذ السيوف =
وقال أوس بن حجر:
تَقَاكَ بِكَعْب وَاحِدٍ وَتَلَذُّهُ | يَدَاكَ إذَا مَا هُزَّ بالكَفِّ يَعْسِلُ (٢) |
قال: ويقال: إبلك (٧) اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار مما
(١) في (ج): (بفيرنده). (إصلاح المنطق) ص ٤، "التهذيب" (تقى) ١/ ٤٤٤.
(٢) يصف رمحاً يقول: اتقاك برمح تلذه يداك: أي لا يثقلهما، إذا هز بالكف يعسل أي. يضطرب ويهتز. ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص ٢٤، "الخصائص" ٢/ ٢٨٦، "الصحاح" (عسل) ٥/ ١٧٦٥، (وقى) ٥/ ٢٥٢٧، "المحكم" ١/ ١٧٠، "اللسان" (عسل) ٥/ ٢٩٤٦، (وقى) ١٥/ ٤٠٣، (أساس البلاغة) (كعب) ٢/ ٣١٢، "الحجة" لأبي علي٣/ ٢٨.
(٣) (واحدا) ساقط من (ب).
(٤) في (ب). (يقال).
(٥) في (ب): (يهتر) في (ج): (كأنه يقول كأنه كعب).
(٦) هو الحسن بن الحسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن العلاء بن أبي صفرة بن المهلب بن أبي صفرة السكري النحوي، كان ثقة دينا صادقا، انتشر عنه من كتب الأدب شيء كثير (٢١٢ - ٢٧٥ هـ). انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" ٧/ ٢٩٦، "معجم الأدباء" ٢/ ٤٧٨، "إنباه الرواة" ١/ ٢٩١، "نزهة الألباء" ص ١٦٠.
(٧) في (ب): (ابنك).
وقوله: (تقاك) تقديره (٢) (تَعَلَكَ) (٣) والأصل: (اتَقَاك)، فحذف (فاء) الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها (٤). وقولهم في المضارع (يتقى) تقديره (يَتَعِل) (٥).
قال الأزهري: اتَّقَى كان في الأصل (اوْتَقَى) فأدغمت الواو في التاء وشددت فقيل (اتَّقَى) ثم حذفوا ألف الوصل، والواو التي انقلبت تاء، فقيل: تَقَى يَتَقِى، بمعنى (٦): استقبل الشيء بالشيء وتوقاه.
قال السكري: وتَقَى يَتَقِى بفتح (التاء) شاذ جدا، لأنه لا يقال: تَضح بمعنى اتَّضح (٧)، ولا تَزَن بمعنى اتَّزَن (٨).
قال (٩) الأزهري: وإذا قالوا: تَقِيَ يَتْقَى (١٠) فالمعنى: أنه صار تقيا (١١).
(٢) في (ج): (تقريره).
(٣) في (ب): (تعلل).
(٤) في "الحجة" لأبي علي: (... وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطرد وقولهم في المضارع... إلخ) ٣/ ٢٩.
(٥) انظر قول السكري في "الحجة" لأبي علي٣/ ٢٩.
(٦) في "التهذيب" (بمعنى: توقي). "التهذيب" (تقى) ١/ ٤٤٤.
(٧) في (ب): (بفتح معنى الفتح).
(٨) انظر "اللسان" (وقى) ٨/ ٤٩٠٢.
(٩) (قال) ساقط من (أ) و (ج).
(١٠) في (ب): (تقى يقي).
(١١) "تهذيب اللغة" (تقى) ١/ ٤٤٤.
وقيل: إن الكتاب بيان بنفسه ودلالة على الحق، ولكنه أضافه إلى المؤمنين خصوصا، لانتفاعهم به، والكافر لو تأمل القرآن لوجده بيانا، فهو في كونه بيانا في نفسه لا يتخصص بقوم دون قوم، ولكنه أضيف إلى المؤمنين على الخصوص لانتفاعهم به دون الكفار (٣) كقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا﴾ [النازعات: ٤٥]، وكان - ﷺ - منذرا لمن يخشى ولمن لم يخش.
وقال ابن الأنباري: معناه: هدى للمتقين والكافرين، فاكتفى بأحد (٤) الفريقين من (٥) الآخر، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل:
(٢) رجح ابن جرير: أن المراد عموم التقوى، ولا تخص معنى دون معنى، ثم قال: فقد تبين إذا فساد قول من زعم أن تأويل ذلك إنما هو. الذين اتقوا الشرك وبرئوا من النفاق، لأنه قد يكون كذلك، وهو فاسق غير مستحق أن يكون من المتقين... الخ. "تفسير الطبري" ١/ ١٠١، وانظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٠، وابن عطية ١/ ١٤٤
(٣) ذكره أبو الليث في "تفسيره" ١/ ٩٠، ونحوه في القرطبي ١/ ١٤٠ - ١٤١، "زاد المسير" ١/ ٢٤.
(٤) في (ب): (بإحدى).
(٥) في (ب): (عن).
وقال أبو ذؤيب (٢):
فَمَا أَدْرى أَرُشْدٌ طِلابُهَا (٣)
(وأراد: أم غيّ).
والدليل على هذا: أنه قال في موضع آخر: ﴿هُدًى لِّلنَّاسَ﴾ (٤) فجعله هدى للناس عاما، على أنه ليس في الإخبار أنه ﴿هُدًى للِمُتَّقِينَ﴾ ما يدل على أنه ليس هدى لغيرهم.
فأما إعراب ﴿هُدًى﴾ فقال أبو إسحاق (٥): موضعه نصب من وجهين:
(٢) هو خويلد بن خالد الهذلي، شاعر مجيد مخضرم، أدرك الإسلام وقدم المدينة عند وفاة النبي - ﷺ - وأسلم، توفي في غزوة افريقية مع ابن الزبير، انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٤٣٥، "الاستيعاب" ٤/ ٦٥، "معجم الأدباء" ٣/ ٣٠٦، "الخزانة" ١/ ٤٢٢.
(٣) جزء من بيت لأبي ذؤيب الهذلي، من الطويل. وتمامه:
عصاني إليها القلب إني لأمره | سميع فما أدرى أرشد طلابها |
(٤) سورة آل عمران: ٤، كما ورد هذا في ذكر الكتاب الذي أنزل على موسى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ [الأنعام: ٩١].
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٣٣.
والثاني: أن يكون منصوبا على الحال من (الهاء) في قوله: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ كأنك قلت: لا شك فيه هاديا، والعامل فيه معنى ريب (٢).
والفراء يسمي الحال هاهنا: قطعا (٣)، لأنه قال (٤): تجعل ﴿الكتاب﴾ خبرا لـ ﴿ذلك﴾ وتنصب ﴿هدى﴾ (٥) على القطع، لأن ﴿هدى﴾ نكرة اتصلت بمعرفة، والنكرة لا تكون دليلا على معرفة.
قال: وإن شئت قطعته (٦) من الهاء التي (٧) في ﴿فيه﴾، كأنك قلت: لا شك فيه هاديا.
قال أبو إسحاق (٨): ويجوز أن يكون موضعه رفعا من جهات:
إحداها: أن يكون (٩) خبرا بعد خبر، كأنه قال: (ذلك الكتاب هدى)، أي قد جمع أنه الكتاب الموعود، وأنه هدى، كما تقول: هذا حلو
فيكون حالا من الكتاب | إلى (في ذلك) ليس في "المعاني" ١/ ٣٣. |
(٣) وبهذا أخذ الكوفيون. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣٠.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٥، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٩٩، وقد رد الطبري على الفراء قوله.
(٥) (هدى) ساقط من (أ) و (ج) وثابت في (ب)، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٢.
(٦) عبارة الفراء: (وإن شئت نصبت (هدى) على القطع من الهاء التي في (فيه)...) ١/ ١٢.
(٧) في (ب): (إلى).
(٨) "معاني القرآن" ١/ ٣٣.
(٩) في (ب): (تكون).
ويجوز: أن يكون رفعا على إضمار (هو) كأنه لما تم الكلام قيل: هو هدى (٢).
ويجوز: أن يكون الوقف على قولك (٣): ﴿لَا رَيْبَ﴾، [أي: ذلك الكتاب لا ريب] (٤) ولا شك (٥)، كأنك قلت: ذلك الكتاب حقا، لأن (لا شك) بمعنى: حق، ثم قيل (٦) بعد (فيه هدى) (٧).
فإن قيل: كيف قال: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ (٨)، وقد ارتاب فيه المرتابون؟ قيل: معناه أنه حق في نفسه وصدق، وإن ارتاب المبطلون (٩)، كما (١٠) قال الشاعر:
(٢) عبارة الزجاج: (.. كأنه لما تم الكلام فقيل: ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ قيل: هو هدى) ١/ ٣٣.
(٣) في (ج): (قوله).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) عبارة الزجاج كما في المطبوع: (ويجوز أن يكون رفعه على قولك: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) كأنك قلت: ذلك الكتاب حقا... إلخ) فلعل وجود (فيه) في المطبوع تصحيف. والله أعلم. انظر "المعاني" ١/ ٣٣.
(٦) (قيل) ساقط من (ب).
(٧) انتهى كلام الزجاج. أنظر "المعاني" ١/ ٣٣، وانظر "معاني القرآن" للفراء ص ٤٤، "تفسير الطبري" ١/ ٩٩، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٢٩ - ١٣٠، "المشكل" لمكي١/ ١٧، و"إملاء ما من به الرحمن" ١/ ١١.
(٨) (فيه) ساقط من (ب).
(٩) ذكره بمعناه أبو الليث ١/ ٩٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" واستشهد بالبيت ١/ ٢٤.
(١٠) (كما) ساقط من (ب).
ليس في الحق يا أُمَيمةَ (١) رَيْبٌ | إنَّما الرَّيْبُ ما يَقُول الكَذُوبُ (٢) |
٣ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾.
قال الزجاج (٨): موضع ﴿الَّذِين﴾ جر، تبعا ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾، ويجوز أن يكون موضعه (٩) رفعا على المدح، كأنه لما قيل: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾، قيل: من هم؟ فقيك: هم ﴿الَّذِينَ﴾، ويجوز أن يكون موضعه نصبا على المدح، كأنه قيل: أذكر (١٠) الذين (١١).
(٢) البيت لعبد الله بن الزبعرى ورد في الماوردي ١/ ٦٧، رسالة دكتوراة "زاد المسير" ١/ ٢٤، والقرطبي١/ ١٣٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٣، "الدر المصون" ١/ ٨٦.
(٣) أي فالاعتبار لمن كان معه من الأدلة ما لو تأمله المنصف المحق لم يرتب فيه، ولا
اعتبار لمن وجد منه الريب، لأنه لم ينظر حق النظر. "الفتوحات الإلهية" ١/ ١١.
(٤) في (ب): (الأمر).
(٥) في (ب): (لا يرتابوا).
(٦) في (ب) لفظ (ولا فسوق) مكرر.
(٧) ذكر هذا الكلام ابن الجوزي في "زاد المسير"، ونسبه للخليل، وابن الأنباري ١٠/ ٢٣، وقد أجاب الواحدي عن السؤال بجوابين، وهناك جواب ثالث: وهو أنه مخصوص والمعنى (لا ريب فيه عند المؤمنين)، والجواب الأول أحسنها. ذكر ذلك الجمل في "الفتوحات الإلهية" ١/ ١١.
(٨) "معاني القرآن" ١/ ٣٣.
(٩) في "معاني القرآن" (موضعهم) قال المحقق: وهو ناظر فيه إلى معنى الكلمة ١/ ٣٣.
(١٠) في (ب): (اذكروا) مكررة.
(١١) انتهى من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣، ٣٤، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣١، "الإملاء" للعكبري ١/ ١١.
ومعنى التصديق: هو اعتقاد السامع صدق (٢) المخبر فيما يخبر، وأصله في اللغة: الطمأنينة إلى الشيء، من قولهم: أمن يأمن أمنا، إذا اطمأن وزال (٣) الخوف عنه.
وآمنت فلانا، إذا جعلته يطمئن وتسكن نفسه. وآمن بالله ورسوله إذا صدقهما واثقا (٤) بذلك مطمئنا إليه.
(٢) في (ب): (مع صدق).
(٣) في (ب): (وزوال).
(٤) في (ب): (واقي).
وإنما قيل للمصدق: مؤمن، وقد آمن؛ لأنه دخل في أداء الأمانة التي ائتمنه الله عليها (٤).
وأنشد ابن الأنباري على أن (آمن) معناه: صدّق (٥) قول الشاعر:
وَمِنْ قَبْلُ آمنَّا وَقَدْ كَانَ قَوْمُنَا | يُصلُون للأوْثَانِ قَبْلُ مُحَمَّدَا (٦) |
قال أبو علي الفارسي (٩): ويجوز من حيث قياس اللغة، أن يكون (آمن) [صار ذا أمن] (١٠)، مثل: أجدب، وأعاه (١١)، أي: صار ذا عاهة في
(٢) في (ب): (عن).
(٣) في (ب): (فقد).
(٤) نقل كلام الأزهري بمعناه، انظر "التهذيب" (أمن) ١/ ٢١١.
(٥) "تهذيب اللغة" (أمن) ١/ ٢١١، وانظر "الزاهر" ١/ ٢٠٣.
(٦) البيت أنشده ابن الأنباري في "الزاهر" بدون عزو ١/ ٢٠٣، وكذلك الأزهري في "التهذيب"، (أمن) ١/ ٢١٢، "اللسان" (أمن) ١/ ١٤٢.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب) و (ج).
(٨) انظر كلام ابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ٢٠٢، ٢٠٣.
(٩) "الحجة" ١/ ٢٢٠.
(١٠) ما بين المعقوفين ساقط من (ب) وفي (ج) (ذا أمر).
(١١) في "الحجة": (أجرب، وأقطف، وأعاه) ١/ ٢٢٠.
والقول في معنى الإيمان: ما قاله الأزهري (٢).
على أن أبا القاسم الزجاجي شرح معنى الإيمان بما هو أظهر مما ذكره الأزهري، وهو أنه قال (٣): معنى التصديق في الإيمان لا يعرف من طريق اللغة إلا بالاعتبار والنظر، لأن حقيقته ليست للتصديق، ألا ترى أنك إذا صدقت إنسانا فيما يخبرك به، لا تقول: آمنت به، لكنك إذا نظرت في موضوع (٤) هذه الكلمة وصرّفته حق التصريف، ظهر لك من باطنها معنى يرجع إلى التصديق (٥).
(٢) أي بمعنى التصديق، فإن أراد المعنى اللغوي، فقد سبق ذكر اعتراض بعض العلماء عليه، وإن أراد المعنى اللغوي والشرعي فهذا مردود، فإن معنى الإيمان عند السلف: تصديق القلب ونطق (اللسان)، وعمل الجوارح. ولو قلنا: إن الإيمان في اللغة التصديق، فإن الشارع استعمله في معنى أوسع من ذلك، كما استعمل الصلاة والزكاة وغيرها من المصطلحات الشرعية التي نقلت من معناها اللغوي إلى معنى شرعي خاص، أو أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة.
انظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ص٣١٤ - ٣٣٢، "مجموع الفتاوى" ٧/ ١٧٠، ٢٨٧، ٢٩٨.
(٣) لم أجده فيما اطلعت عليه من كتب الزجاجي والله أعلم.
(٤) في (ب): (موضع).
(٥) إذا حقيقة الإيمان في أصلها ليست للتصديق فقط، وإن كان التصديق أحد معانيها، =
و (الباء) في قولك: (آمنت بالله)] (٤) ليست (باء) التعدية، إنما هي (باء) الإلصاق التي يسميها (٥) النحويون (باء) الاستعانة (٦)، كما تقول: قطعت القلم بالسكين.
قال شارح الطحاوية: (ومما يدل على عدم الترادف، أنه يقال للمُخْبَر إذا صدَّق: صدقه، ولا يقال: آمنه، ولا آمن به، بل يقال: آمن له، كما قال تعالى: ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ [العنكبوت: ٢٦]. ﴿فَمَآءَامَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِيَّهُ مِّن قَومِهِ عَلىَ خَوْفٍ﴾ [يونس: ٨٣]. وقال تعالى: ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦١] ففرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالأول يقال للمُخْبَر به، والثاني للمُخْبِر..) "شرح الطحاوية" ص٣٢١، وانظر: "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٩٠.
(١) في (ب): (تصديقي).
(٢) في (ب). (آمن من نفسه).
(٣) في (ب): (الآخر).
(٤) ما بين المعقوفين مكرر في (ب).
(٥) في (ب): (يسموها).
(٦) سماها شارح الطحاوية باء التعدية، لكن هناك فرق بين المعدى بالباء والمعدى باللام، فالمعدى بالباء للمخبر به، وباللام للمخبر. انظر: "شرح الطحاوية" ص ٣٢١، "مجموع الفتاوى" ٧/ ٢٨٨.
وأما الفرق بين الإيمان والإسلام فسنذكره عند قوله: ﴿قُل لم تُؤمِنُواْ وَلَكن قُولُوا أسلمَنَا﴾ (٢) [الحجرات: ١٤] إن شاء الله.
وسمي أحدهما (٣) باسم الآخر (٤) مجازا وتوسعا، كقوله تعالى:
أي بمقر لنا ومصدق لنا، لأنهم أخبروه عن غائب | ). "الإيمان الأوسط" ص ٧١. |
(٣) أي: الإيمان والإسلام.
(٤) ذكره أبو علىِ الفارسي، انظر: "الحجة" ١/ ٢٢٠. قال ابن كثير -رادا على من قال ذلك- عند تفسير قوله تعالى: ﴿فأَخرَجنا مَن كاَنَ فِيهَا مِنَ المُؤمنِينَ (٣٥) فما وَجدنَا﴾ الآية قال: (احتج بهذِه من ذهب إلى رأي المعتزلة ممن لا يفرق بين مسمى الإيمان والإسلام، لأنه أطلق عليهم المؤمنين والمسلمين، وهذا الاستدلال ضعيف، لأن هؤلاء كانوا قوما مؤمنين، وعندنا أن كل مؤمن مسلم، ولا ينعكس، فاتفق الإسمان هاهنا لخصوصية الحال، ولا يلزم ذلك في كل حال)، "ابن كثير" ٤/ ٢٤٩٨. ط. دار الفكر.
وفي بعض القراءات ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢] بكسر الألف (١)، بمعنى الشهادة باللسان (٢).
وفي قوله ﴿يُؤمِنُونَ﴾ قراءتان، تحقيق الهمزة وتليينها (٣).
فمن حقق، فحجته (٤): أن الألف في (آمن) لا تخلو إما أن تكون زائدة، أو منقلبة، فلا (٥) يجوز أن تكون زائدة، لأنها لو كانت كذلك لكان (فَاعَل) [ولو كان (فَاعَل)،] (٦) كان مضارعه (يُفَاعِل) فلما كان مضارعه (يؤمن) دل على أنها غير زائدة، فإذا لم تكن زائدة كانت منقلبة، ولا يخلو أنقلابها من أن يكون عن: (الواو) أو عن (الياء) أو عن (الهمزة)، ولا يجوز أن تكون منقلبة عن (الواو)، لأنها في موضع سكون، [وإذا كانت في موضع سكون] (٧) وجب تصحيحها، وبمثل هذه الدلالة لا يجوز انقلابها
(٢) في (ب): (اللسان). انظر: "الحجة" ١/ ٢٢٢.
(٣) قرأ ورش عن نافع، وأبو عمرو (يومنون) بغير همز، وبقية السبعة يهمزون. انظر "الحجة" لأبي علي١/ ٢١٤، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٨٤.
(٤) نقله عن "الحجة" لأبي علي، قال في "الحجة": (الإعراب: لا تخلو الألف في (آمن) من أن تكون زائدة، أو منقلبة، وليس في القسمة أن تكون أصلا. فلا يجوز أن تكون زائدة لأنها...) ١/ ٢٣٥.
(٥) في (ب): (ولا يجوز).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
فمن حقق (٨) (الهمز) في ﴿يؤمنون﴾ فلأنه إنما ترك (الهمز) من (أومن) لاجتماع الهمزتين، كما أن تركها في (آمن) كذلك (٩)، فلما زال اجتماعها مع سائر الحروف المضارعة سوى (١٠) الهمزة، رد (١١) الكلمة إلى
(٢) في (ج): (ووأس).
(٣) بنصه في "الحجة" ١/ ٢٣٥، وانظر "الكتاب" ٣/ ٥٤٣.
(٤) في جميع النسخ (ااتى) ورسمتها حسب ما في "الحجة" ١/ ٢٣٥.
(٥) الآدر: وهو المنتفخ الخصية. انظر: "اللسان" (أدر) ١/ ٤٤.
(٦) (ائذن) مكانها بياض في (ب).
(٧) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ٢٣٦، وما بعده نقله من موضع آخر ١/ ٢٣٨ حيث قال أبو علي: (أما حجة من قرأ (يؤمنون) بتحقيق الهمز، فلأنه إنما ترك الهمز في (أومن) لاجتماع الهمزتين...)، ١/ ٢٣٨، ٢٣٩.
(٨) في (ج): (خفف).
(٩) في (أ)، (ج): (لذلك) واخترت ما في ب، لأنه أصح وموافق ما في "الحجة" ١/ ٢٣٨.
(١٠) في (ب): (سرى).
(١١) في (ب): (ورد).
ومما (١) يقوي الهمزة (٢) أن من تركها إنما يقلبها (واوا) (٣) ساكنة وما قبلها متحرك بالضم، و (الواو) الساكنة إذا انضم ما قبلها فقد استجازوا قلبها (٤) همزة.
يدل (٥) على هذا، ما ذكره المازني عن الأخفش، قال (٦): كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة نحو: (مؤسى) (٧) وأشباهه.
وتقدير ذلك: أن الحركة لما كانت تلي الواو من (مؤسى) (٨) صارت كأنها عليها، والواو إذا تحركت بالضمة أبدل منها الهمزة.
وإذا جاز إبدال (الهمزة) من (الواو الساكنة) التي قبلها ضمة، واجتلابها وإن لم تكن من الكلمة، فالهمزة التي هي أصل في الكلمة أولى بالتحقيق، وأن لا يبدل منها الواو.
وحجة من لم يهمز (٩): أن هذه الهمزة قد لزمها البدل في مثالين من
(٢) في (ج): (أن الهمزة أن من تركها).
(٣) في (ب): (واو).
(٤) في (ب): (قبلها).
(٥) في (ب): (نيل).
(٦) في "الحجة": (قال محمد بن يزيد: أخبرني أبو عثمان، قال: أخبرني الأخفش قال: كان أبو حية النميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة وينشد:
لَحُبَّ المُؤقِدَانِ إلى مُؤْسَى
وتقدير ذلك أن الحركة... إلخ) ١/ ٢٣٩.
(٧) (موسى) غير مهموزة في جميع النسخ، وهمزتها كما في "الحجة" ١/ ١٣٩.
(٨) انظر التعليق السابق.
(٩) "الحجة" ١/ ٢٤٠.
(٢) في "الحجة" (يلزمها) ١/ ٢٤٠.
(٣) في (ب): (يلزم).
(٤) أصل (أُكْرِم) (أُؤكْرِمُ) مضارع (أَكْرَمَ)، ثم حذفت الهمزة في (أُؤَكْرِم) لاجتماع الهمزتين، ثم حملت الياء في (يُكرم) على الهمزة في (أكرم) فحذفت الهمزة معه مثل حذفها مع (أُكْرِم) ليتفق الباب. انظر "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٨٥.
(٥) لأن الواو في (يَعِد) حذفت لوقوعها بين ياء وكسرة، وحملت الهمزة في (أعد) على ذلك، وحذفت الواو معها حتى لا يختلف الباب. انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٨٥.
(٦) في (ج): (تختاريتك).
(٧) أي الإعلال في الماضي نحو (آمن)، والمضارع (أُومِنُ).
(٨) أي أن حذف الهمزة في (يؤمنون) إعلال لا تخفيف قياسي. والتخفيف القياسي ما ذكره سيبويه بقوله: (وإن كان ما قبلها مضموماً -أي الهمزة- فأردت أن تخفف، أبدلت مكانها واوا، وذلك قولك في (الجؤنة) و (البؤس) و (المؤمن): الجونة والبوس والمومن) "الكتاب" ٣/ ٥٤٣.
(٩) في (ب): (جونة). و (الجؤنة): سليلة مستديرة مغشاة بجلد، يستعملها العطار ظرفا للطيب. انظر: "تهذيب اللغة" (جون) ١/ ٦٨٩٣.
(١٠) إلى هنا انتهى ما نقله الواحدي عن "الحجة" ١/ ٢٤٠.
وقوله تعالى: ﴿بِالْغَيْبِ﴾ (٤) الغيب: مصدر غاب يغيب غيبا، وكل (٥) ما غاب عنك فلم تشهده فهو غيب (٦)، قال الله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ (٧) والعرب تسمى (٨) المطمئن من الأرض: الغيب (٩)، لأنه غاب عن الأبصار.
ومه قول لبيد:
وَتَسمَّعَت رِزَّ الأَنِيس فرَاعَها | عَن ظَهْرِ (١٠) غَيْبٍ والأنيسُ سَقَامُها (١١) |
(٢) (الواو) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): (للهمز).
(٤) في (ب): (الغيب) تصحيف.
(٥) في (ب): (وكلما)
(٦) انظر: " تفسير الطبري" ١/ ١٠٢، و"ابن عطية" ١/ ١٤٦، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٤٢.
(٧) هذا جزء من آية وردت في مواضع وهي: ٧٣ من الأنعام، و ٩٤ و ١٠٥ من التوبة و ٩ من الرعد، و ٩٢ من المؤمنون، و ٦ من السجدة و ٤٦ من الزمر، و ٢٢ من الحشر، و ٨ من الجمعة، و ١٨ من التغابن.
(٨) (تسمى) ساقط من (ج).
(٩) "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦١٦.
(١٠) في (ج): (صهر).
(١١) البيت في "ديوان لبيد"، وروايتة: (وتوجست رز..) ويروى: (.. ركز الأنيس) =
وللفؤاد وجيب تحت أبهره | لدم (٣) الغلام وراء الغيب بالحجر (٤) |
والمراد بالغيب المذكور هاهنا: ما غاب علمه (٦) وعن الحس
(١) هو شمر بن حمدويه الهروي، اللغوي الأديب، لقي أبا عبيدة، وابن الأعرابي، والأصمعي والفراء وغيرهم، ألف كتابا كبيرا في اللغة على حروف المعجم، وفقد بعده، توفي سنة خمس وخمسين ومائتين.
انظر: "إنباه الرواة" ٢/ ٧٧، "معجم الأدباء" ٣/ ٤١٠، "إشارة التعيين" ص١٤١.
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦٢١.
(٣) في (ب): (دم).
(٤) البيت لابن مقبل. (الوجيب): تحرك القلب تحت الأبهر، و (اللدم): الضرب، و (الغيب): ما كان بينك وبينه حجاب، يقول: إن للقلب صوتا يسمعه ولا يراه، كما يسمع صوت الحجر الذي يرمى به الصبي ولا يراه. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (بهر) ١/ ٤٠١، "الصحاح" (بهر) ٢/ ٥٩٨، "معجم مقاييس اللغة" (لدم) ٥/ ٢٤٣، "الزاهر" ١/ ٣٩٨، ٥٥٢، "أساس البلاغة" (لدم) ٢/ ٣٣٨، و"اللسان" (بهر) ١/ ٣٧٠، (لدم) ٤/ ٣٢٥٥.
(٥) لم أجده في "نوادر أبي زيد"، وذكره الأزهري نحوه ولم ينسجه لأبي زيد. "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦١٦.
(٦) في (ب): (محله).
ولذلك (٣) استوجبوا حسن الثناء بالإيمان بالغيب، لأنه تصديق بما أخبروا به مما لا يعلم حسا وضرورة، ويكون العلم به مكتسبا، فيدخل (٤) في جملة هذا ما أخبر عنه الرسول عليه السلام من أمر الجنة والنار والوعد وغير ذلك (٥).
قال أبو العالية في قوله: ﴿يُؤمِنوُنَ بِالغيَب﴾ قال: يؤمنون بالله (٦)، وملائكته وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وجنته، وناره، ولقائه (٧)، وبالبعث بعد (٨) الموت (٩).
وكأن هذا إجمال ما فصل في قوله: ﴿كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]
(٢) الغيب قسمان. قسم لا دليل عليه وهو المعني بقوله: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأنعام: ٥٩]، وقسم نص عليه دليل كوجود الخالق سبحانه، واليوم الآخر، وغير ذلك من أمور الغيب، وهو المراد هنا، أي: يستدلون عليه فيؤمنوا به. انظر البيضاوي ١/ ٧، والرازي ٢/ ٢٣.
(٣) في (ب): (وكذلك).
(٤) في (ج): (يدخل).
(٥) انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥.
(٦) في (ب): (به).
(٧) (الواو) ساقطة من (ب).
(٨) في (ب): (هذا).
(٩) ذكره الثعلبي بسنده عن الربيع عن أبي العالية ١/ ٤٦ أ، وأخرجه ابن جرير عن الربيع بن أنس. قال شاكر: لعل ذكر: عن أبي العالية سقط من الإسناد من نسخ الطبري، لثبوته عند الناقلين عنه. الطبري ١/ ٢٣٧ (ط. شاكر)، وأخرجه ابن أبي حاتم في (تفسيره) ١/ ٣٦، وذكره ابن كثير ١/ ٤٤، "الدر" ١/ ٦٠.
وكذلك روى أبو العباس عن ابن الأعرابي (٣) في قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ قال (٤): يؤمنون بالله. قال (٥): والغيب- أيضًا- ما غاب عن العيون وإن كان محصلا في القلوب (٦).
قال أبو إسحاق: وكل ما غاب عنهم مما أخبرهم به النبي - ﷺ - فهو غيب. (٧). هذا طريق المفسرين في معنى (الغيب).
ولأهل المعاني فيه طريق آخر (٨)، وهو أن معنى قوله: ﴿يُؤِمنوُنَ
(٢) أخرجه ابن أبي حاتم عن عطاء بن أبي رباح، قال المحقق: رجال إسناده ثقات ابنِ أبي حاتم ١/ ١٧٨ (رسالة دكتوراه). وأخرجه الثعلبي بسنده عن عطاء قال: {الًذِين يُؤمنوُنَ بِالغيبِ﴾ قال: هو الله عز وجل من آمن بالله فقد آمن بالغيب. الثعلبي في ١/ ٤٦ ب، وذكره ابن كثير ١/ ١٨١.
(٣) هو محمد بن زياد الأعرابي، مولى العباس بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، كان راوية للأشعار نحويا، كثير الحفظ، توفي سنة إحدى وثلاثين ومائتين. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٩٥، "إنباه الرواة" ٣/ ١٢٨، "نزهة الألباء" ص ١١٩.
(٤) في (ب): (ملا).
(٥) (قال) ساقط من (ب).
(٦) "تهذيب اللغة" (غاب) ٣/ ٢٦١٦.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥.
(٨) ما ذكره قال به عدد من المفسرين، ولم أجد أحدا من أهل المعاني فيما اطلعت عليه قال به، بل كلام الزجاج السابق بخلافه وهو أحد أهل المعاني، فلا وجه لتخصيص أهل المعاني بالذكر.
وقوله تعالى: ﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ﴾:
أي: يديمونها (٢)، ويحافظون عليها، ويقال: قام الشيء إذا دام وثبت، وأقامه إذا أدامه (٣)، والذي يدل على أن قيام الشيء إنما يعنى به دوامه وثباته (٤) ما أنشده أبو زيد:
إنِّي إذَا لم يُنْدِ حَلْقاً رِيقُه | وَرَكَدَ السَّبُّ فَقَامَتْ سُوقُهْ (٥) |
(٢) أنظر: "تفسير أبي الليث" قال: يقيمون الصلاة يحافظون على الصلوات، وقد قيل: معنى يقيمون أي: يديمون الصلاة، ١/ ٩٨٠. وذكره ابن الجوزي وعزاه لابن كيسان، "زاد المسير" ١/ ٢٥.
(٣) في (ب): (دام).
(٤) انظر. "التهذيب" (قام) ٣/ ٢٨٦٤، "اللسان" (قوم) ٦/ ٣٧٨٢.
(٥) أبيات من الرجز أنشدها أبو زيد في "النوادر" مع أبيات أخرى ولم يعزها، "النوادر" ص ١٦٩، وذكر ابن الأنباري في "المذكر والمؤنث" البيت الثاني (وركد السب.. إلخ) مع بيت آخر ص٣٥٥، وكذا ورد البيت الثاني في "المخصص" ١٧/ ٢١.
(٦) في "غريب الحديث" لأبي عبيد: الدائم الراكد الساكن، ١/ ١٣٧، وانظر: "تهذيب اللغة" (دام) ٢/ ١١٣٤، (الزاهر) ٢/ ٣٧٢.
قال أبو علي الفارسي: وهذا التفسير أشبه من أن يفسر بـ (يتمونها) (٣). وأما (الصلاة) فمعناها في اللغة: الدعاء (٤)، ومنه الحديث: "إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليصل" (٥) قال أبو عبيد: قوله: "فليصل" أي: فليدع له بالبركة والخير، وكل داع فهو مصل (٦).
قال الأعشى:
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٠٤.
(٣) وبهذا أخذ الزجاج حيث قال: معناه يتمون الصلاة، كما قال: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [البقرة: ١٩٦]. "المعاني" ١/ ٣٥. وقال ابن جرير: إقامتها. أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها، على ما فرضت عليهم ١/ ١٠٤، وانظر ابن كثير ١/ ٤٥.
(٤) أنظر: الطبري ١/ ١٠٤، "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩.
(٥) الحديث أخرجه مسلم عن أبي هريرة (١٤٣١٢) في كتاب النكاح، باب: الأمر بإجابة الدعوة دون قوله (إلى طعام)، وأبو داود بمثل رواية مسلم (٢٤٦٠) في كتاب الصوم، باب. في الصائم يدعى إلى وليمة، وأخرج (٣٧٣٦) في كتاب الأطعمة، باب: ما جاء في إجابة الدعوة، نحوه عن ابن عمر.
وأخرجه الترمذي (٧٩٨٠) في كتاب الصيام، باب: ما جاء في إجابة الدعوة دون قوله: (فإن كان مفطرا فليطعم) في لفظه (إلى طعام)، وأحمد في "مسنده" ٢/ ٥٠٧، ٢/ ٤٨٩ دون قوله (فإن كان مفطرا فليطعم).
(٦) في "غريب الحديث": (قال: قوله: فليصل... قال أبو عبيد: كل داع فهو مصل) في الهامش: قالا: أي ابن علية ويزيد. أنظر "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١١٠. فالكلام الأول نقله أبو عبيد، والمؤلف هنا نقل من الأزهري وتابعه في نسبة النص لأبي عبيد، "التهذيب" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩.
عَلَيْكِ مثل الذي صَلَّيْتِ فَاغْتَمِضي | نَومًا (١) فإنَّ لِجَنْبِ المرءِ مُضْطَجعا (٢) |
وصَلَّى عَلى دَنِّهَا وارْتَسَمْ (٣)
قال: دعا لها أن لا تحمض ولا تفسد (٤).
هذا معنى الصلاة في اللغة، ثم ضمت إليها هيئات وأركان سميت بمجموعها صلاة، هذا مذهب الأكثرين.
وقال الزجاج (٥): الأصل في الصلاة اللزوم، يقال: قد صلى
(٢) البيت في "ديوان الأعشى" ص ١٠٦، وهو من قصيدة يمدح بها (هوذة بن علي الحنفي) ويروى: (يوما) بدل (نوما) ذكره أبو عبيدة في "المجاز"، وقال: فمن رفع (مثل) جعله. عليك مثل الذي قلت لي ودعوت لي به، ومن نصبه جعله. أمرا، يقول: عليك بالترحم والدعاء لي، وذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢١٤، وابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ١٣٩، وأبو بكر بن عزيز في "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ٢/ ٥٣٩ رسالة ماجستير، وأبو عبيد في "غريب الحديث" ١/ ١١١، والأزهري في "التهذيب" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩، وورد في "الدر المصون" ١/ ٩٢ و"القرطبي" ١/ ١٤٦، و"ابن كثير" ١/ ٤٦، "البحر المحيط" ١/ ٣٨.
(٣) البيت للأعشى من قصيدة يمدح به قيس بن معد يكرب، وصدره:
قابلها الريح في دنها
يصف الخمر، صلى: دعا، ارتسم: كبَّر ودعا وتعوَّذ مخافة أن يجدها فسدت، فتبور تجارته. انظر: "ديوان الأعشى" ص ١٩٦، "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١١١ والطبري ١/ ١٠٤، "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩، وابن كثير ١/ ٤٦.
(٤) "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٢١٥.
ومن اختار هذه الطريقة (٣) قال: معنى قولهم للداعي إذا دعا: (صلى) معناه: أنه لزم الدعاء لشدة حاجته إلى الإجابة.
و (الصَّلَوَان) من الفرس، العظمان اللذان في العجز (٤)، والواحد: (صلا)، سميا للزوم كل واحد منهما الآخر (٥)، والمُصَلِّي: الذي يأتي في أثر السابق من هذا، لأنه يأتي ورأسه مع ذلك المكان من السابق (٦)، ومنه حديث علي - رضي الله عنه -: (سبق رسول الله - ﷺ - وصلى أبو بكر) (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَمِمَّا رزَقنَهُم﴾. يقال: رَزَق الله الخلق رَزْقا ورِزْقا،
(٢) "معاني القرآن" للزجاج، دون قوله: (وألزم ما أمرت به من العبادات) ١/ ٢١٥، وذكره في "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٤٩.
(٣) أي: أن الصلاة بمعنى اللزوم.
(٤) انظر. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٥، "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٤٩، "مجمل اللغة" (صلى) ٢/ ٥٣٨.
(٥) في (ب): (للآخر).
(٦) المراجع السابقة.
(٧) أخرجه أحمد في "المسند": (عن علي -رضي الله عنه- قال: سبق رسول الله - ﷺ - وصلى أبو بكر وثلث عمر، ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما يشاء) "المسند" ١/ ١١٢، ١٢٤، ١٣٢، ١٤٧. وأخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" ٦/ ١٣٠، وذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" ٢/ ١٤٢، والأزهري في "تهذيب اللغة" (صلى) ٢/ ٢٠٥٠.
وقوله تعالى: ﴿يُنفِقُونَ﴾ معنى الإنفاق في اللغة: إخراج المال من اليد. ومن هذا يقال: نفق المبيع إذا كثر مشتروه، فخرج عن يد البائع، ونفقت الدابة إذا خرجت روحها (٢)، والنفق (٣) سرب له مخلص إلى مكان آخر يخرج منه (٤)، والنافقاء من جحرة اليربوع: وهو الذي يخرج منه إذا أخذ من جهة أخرى، ومنه المنافق، لخروجه عن الإيمان بما ينطوي عليه من الكفر (٥).
والمراد بالإنفاق هاهنا: إنفاق فيما يكون طاعة فرضا أو نفلا؛ لأن الله تعالى مدحهم بهذا الإنفاق (٦).
٤ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾. قال مجاهد: الآيات الأربع من أول هذه السورة نزلت في جميع المؤمنين (٧) سواء كانوا من العرب، أو من أهل الكتاب.
(٢) ذكره الثعلبي ١/ ٤٧ أ، ب. وانظر. "تهذيب اللغة" (نفق) ٤/ ٣٦٣٤.
(٣) في (ب): (النعفق).
(٤) في (ب): (منه إذا)، وعند الثعلبي (يخرج إليه) ١/ ٤٧ ب، وهو في "التهذيب" دون قوله: (يخرج منه نفق) ٤/ ٣٦٣٥.
(٥) انظر: "التهذيب" (نفق) ٤/ ٣٦٣٥.
(٦) ذكر الطبري نحوه، ١/ ١٠٥.
(٧) الأثر عن مجاهد أخرجه الطبري ١/ ١٠٣، وذكره الثعلبي ١/ ٤٧ب، وابن كثير، وقال: قاله مجاهد، وأبو العالية، والربيع بن أنس، وقتادة ١/ ٤٦.
إلى الملكِ القَرْم وابنِ (٢) الهُمام | وليثِ الكتيبةِ في المُزْدحَمْ (٣) |
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح، وابن مسعود في رواية مرة (٤): (إن آيتين من أول السورة نزلتا في مؤمني العرب، والآيتان بعدهما نزلتا في مؤمني أهل الكتاب)، لأنه لم يكن للعرب كتاب كانوا مؤمنين به قبل محمد
(٢) في (ج): (بن).
(٣) البيت غير منسوب في "معاني القرآن" للفراء١/ ١٠٥، و"الثعلبي" ١/ ٧٣ أ، "الكشاف" ١/ ١٣٣، و"القرطبي" ١/ ٣٢٨، وابن كثير ١/ ٤٦، "خزانة الأدب" ١/ ٤٥١، ٥/ ١٠٧، ٦/ ٩١، "البحر" ١/ ٢٠٢، "الدر المصون" ١/ ٩٧.
القرم: الفحل المكرم الذي لا يحمل عليه، ويسمى السيد من الناس قرما، والهُمام: من أسماء الملوك، لعظم همتهم، أو لأنه إذا هم بأمر فعله، والكتيبة. الجيش، المزدحم. المعركة، لأنها موضع المزاحمة والمدافعة.
(٤) ذكره ابن جرير بسنده من طريق السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي - ﷺ - ١/ ١٠٥ - ١٠٦، وانظر ابن كثير ١/ ٤٦. وأبو صالح هو مولى أم هانئ بنت أبي طالب، اسمه (باذان) تابعي وثقه أكثرهم. انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" ٢/ ٤٣١، "تهذيب التهذيب" ١/ ٢١١. ومُرَّة هو مُرَّة بن شراحيل الهمداني الكوفي، من كبار التابعين ثقة. انظر ترجمته في "الجرح والتعديل" ٨/ ٣٦٦، "تهذيب التهذيب" ٤/ ٤٨. وقد تكلم أحمد شاكر كلامًا جيدًا وأطال حول هذا الإسناد في حاشية الطبري ١/ ١٥٦ - ١٥٩ (ط. شاكر). أفاد فيه أن للسدي كتابا في التفسير جمع فيه مفرق =
فعلى هذا (الواو) (٢) لعطف مؤمني أهل الكتاب على مؤمني العرب (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِليْكَ﴾ الأصل في (إليك) و (عليك): (إلاك) و (علاك)، كما تقول: إلى زيد، وعلى زيد، إلا أن (الألف) غيرت مع الضمير (٤)، وأبدلت (ياء) ليفصل بين (الألف) التي في آخر المتمكنة مثل: القفا والعصا، وبين الألف في أواخر غير المتمكنة [التي] (٥) الإضافة لازمة لها، ألا ترى أن (إلى) و (على) و (لدى) (٦) لا تنفرد من الإضافة (٧).
وقوله تعالى: ﴿هُمْ يُوقِنُونَ﴾. دخلت (هم) توكيدًا، يسميه الكوفيون: عمادا، والبصريون: فصلاً (٨).
(١) ذكره ابن جرير واستدل على هذا بقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ﴾. وذكر قولا ثالثا. أن الآيات الأربع في مؤمني أهل الكتاب خاصة. وقد رجح أن الآيتين من أول السورة في مؤمني العرب، والآيتين بعدهما في مؤمني أهل الكتاب. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٠٢، ١٠٦، ١٠٧.
ورجَّح ابن كثير في "تفسيره" قول مجاهد ١/ ٤٧.
(٢) (الواو) ساقطة من (ب).
(٣) انظر: "الكشاف" ١/ ١٣٥.
(٤) في (ب): (المضمر) ومثله عند الزجاج في "المعاني" ١/ ٣٧.
(٥) في جميع النسخ (إلى) وفي "معاني القرآن" للزجاج (التي) والكلام بنصه منقول منه ١/ ٣٧.
(٦) في (ب): (لدن).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج١/ ٣٧.
(٨) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٤٧ ب، ويجوز: في (هم) أن تكون ابتداءً ثانيًا =
واليقين: هو العلم الذي يحصل بعد (٤) استدلال ونظر، لغموض المنظور (٥) فيه أو لإشكاله على الناظر (٦)، يقوي ذلك قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] ولذلك (٧) لم يجز أن يوصف القديم سبحانه به، لأن علمه لم يحصل عن نظر واستدلال (٨).
(١) انظر: "الكتاب" ٤/ ٣٣٨، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٨٤، وقال العكبري: (أصله (يؤيقنون) لأن ماضيه (أيقن) والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في (يؤمنون) وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها) (الإملاء) ١/ ١٣.
(٢) مع سكون (الياء) انظر "الكتاب" ٤/ ٣٣٥، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٣٢.
(٣) في (ب): (اسياق) ولم أجدها فيما اطلعت عليه من كتب اللغة.
(٤) في (ب): (به).
(٥) في (ب): (المقصود).
(٦) قال ابن عطية: (اليقين أعلى درجات العلم وهو الذي لا يمكن أن يدخله شك بوجه) ١/ ١٤٩، وعرفه الراغب فقال: (هو سكون الفهم مع ثبات الحكم) مفردات الراغب ص ٥٥٢. وانظر كتاب "معرفة أسماء نطق بها القرآن" ٢/ ٦١٨ (رسالة ماجستير)، "تفسير الرازي" ٢/ ٣٢، ٣٥.
(٧) في (ب): (وكذلك).
(٨) انظر: "تفسير الرازي" ٢/ ٣٢. ومذهب السلف: أن الله لا يوصف بذلك لعدم ورود النص به.
وقوله تعالى: ﴿وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ﴾. تخصيص بعد التعميم على قول مجاهد (٢)، لأن الإيقان بالآخرة داخل في قوله: ﴿يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ على التفسير الأول في (٣) (الغيب) (٤) ومثل هذا قوله: ﴿الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢)﴾ [العلق: ١، ٢] عمَّ بقوله: ﴿خَلَقَ﴾ جميع المخلوقات، ثم خص بعد.
٥ - قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى﴾ الآية. (أولاء) كلمة معناها الكناية عن جماعة، وهي لا تعرب لأنها اسم الإشارة، وكسرت الهمزة فيها لالتقاء الساكنين (٥)، قال الله تعالى: ﴿هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي﴾ [طه: ٨٤] ودخلت الكاف للمخاطبة كما ذكرنا في قوله (ذلك)، وفيه ثلاث لغات: (أولئك) و (أولاك) و (أولالك) (٦).
قال الشاعر:
(٢) هو ما سبق من قوله: إن الآيات الأربع في جميع المؤمنين. انظر ص ٤٤٥.
(٣) التفسير الأول للغيب هو ما ذكره عن أبي العالية. يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وجنته وناره ولقائه وبالبعث بعد الموت.
(٤) في (أ)، (ب): (للغيب).
(٥) انظر. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٧.
(٦) انظر: "الأصول في النحو" ٢/ ١٢٨، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٢٢، "تهذيب اللغة" ١/ ٧٤، "المنصف" ١/ ١٦٥، ١٦٦، ٣/ ٢٦، "تفسير القرطبي" ١/ ١٥٧ "الدر المصون" ١/ ١٠٢.
أولئك قومي لم يكونوا أُشابةً | وهل يَعِظُ الضِّلِّيلَ إلا أولالكا (١) |
أولاكَ بنو (٢) خير وشرٍّ كليهما (٣) | جميعًا ومعروفٍ ألمَّ ومُنكرِ (٤) |
لعمرك إنّا والأحاليف هؤلا | لَفي فتنةٍ أظفارُها لم تُقَلَّمِ (٦) |
ألم تك قد جربت ما الفقر والغنى | ولا يعظ الضليل إلا ألالكا |
(٢) في جميع النسخ (بني) والتصحيح حسب المصادر التي ورد فيها البيت.
(٣) في (ب): (كلاهما) وفي (ج): (كله هما).
(٤) في (ج): (وينكر).
البيت لمسافع بن حذيفة العبسي، شاعر جاهلي، قوله (أولاك) مبتدأ و (بنو) خبر المبتدأ، أراد أنهم ملازمون لفعل الخير والشر مع الأصدقاء والأعداء، و (معروف) و (منكر) معطوف على خير، وهما أخص من الخير والشر، و (ألم). نزل. انظر. "الخزانة" ١/ ١٧١ وانظر: "حاشية يس على التصريح" ٢/ ١٢٤، (مطبوع في هامش التصريح)، "الحماسة بشرح المرزوقي" ٢/ ٩٩٠.
(٥) انظر: "الأصول في النحو" ٢/ ١٢٧.
(٦) رواية البيت (حقبة) بدل (فتنة) يقول: نحن في حرب، والأظفار: كناية عن السلاح. انظر: "ديوان أوس" ص١٢٠، "المعاني الكبير" ٢/ ٨٩٨، "الخزانة" ٣/ ١٧، ٧/ ١٨.
وقوله تعالى: ﴿عَلَى هُدًى﴾ معنى: (على) كمعنى: (فوق) (٤). وهي (٥) تكون: اسما وحرفا (٦)، يقول: عليه مال (٧)، فهذا حرف، وكأنه شيء اعتلاه. وقول الشاعر:
غَدَتْ مِنْ عليه تنفُضُ الطَّلَّ بعدما | رأتْ حاجبَ الشمسِ استوى فترفَّعا (٨) |
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٠٦، وابن "تفسير كثير" ١/ ٤٧.
(٣) في محل ﴿أُولَئِكَ﴾ من الإعراب أقوال وهي: أنها مبتدأ وخبره الجار والمجرور بعده، والجملة إما مستأنفة، أو خبر عن قوله: ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ الأولى أو الثانية، ويجوز. أن تكون ﴿أُولَئِكَ﴾ وحدها خبراً عن ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ الأولى أو الثانية، ويجوز: أن يكون ﴿الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ﴾ مبتدأ، و ﴿أُولَئِكَ﴾ بدل أو بيان. انظر "الدر المصون" ١/ ١٠٢.
(٤) تكون بمعنى (فوق) إذا كانت اسما. انظر: "الكتاب" ١/ ٢٦٨، "مغني اللبيب" ١/ ١٤٥.
(٥) في (ب): (وهو).
(٦) وإذا كانت حرفا فلها عدة معان. انظر: "مغني اللبيب" ١/ ١٤٣.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة": (على) ٣/ ٢٥٥٩.
(٨) نسبه أبو زيد في "النوادر" لبعض القشيريين، ونسب في "اللسان" ليزيد ابن الطثرية، يقول: غدت الظبية من فوقه. والشاهد فيه (من عليه) استعمل (على) اسما بمعنى: فوق لما دخل عليها حرف الجر (من). ورد البيت في "نوادر أبي زيد" ص ٤٥٣، "المقتضب" ٢/ ٣٢٠، ٣/ ٥٣، "الأزهية" ص ١٩٤، "اللسان" (علا) ٥/ ٣٠٩٢، "شرح المفصل" ٨/ ٣٨.
وقوله تعالى: ﴿هُمُ اَلمُفلِحُونَ﴾. (هم) دخلت فصلا (٢)، وإن شئت كان تكريرا للاسم، كما تقول: زيد هو العالم، ترفع (٣) (زيدا (٤)) بالابتداء، و (هو) ابتداء ثان، و (العالم) خبر له (٥)، وهما جميعا خبر لزيد، وكذلك قوله: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾. وإن شئت جعلت (هو) فصلا، وترفع (زيدا)، و (العالم) على الابتداء والخبر، والفصل هو الذي يسميه (٦) الكوفيون عماداً.
قال سيبويه (٧): دخل الفصل في قوله: ﴿تَجِدُوهُ عنِدَ اللهِ هُوَ خَيراً﴾ [المزمل: ٢٠].
وفي قوله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ﴾ (٨) [آل عمران: ١٨٠].
وفي قوله: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ
(٢) نقله الواحدي عن الزجاج بتصرف يسير. انظر: "معاني القرآن" ١/ ٣٧.
(٣) مكانها بياض في (ب).
(٤) في (ب): (زيد).
(٥) أي خبر هو. انظر: "معاني القرآن" ١/ ٣٧.
(٦) في (أ): (تسمية) وما في (ب، ج) أصح في السياق.
(٧) في "معاني القرآن": (وسيبويه يقول: إن الفصل لا يصلح إلا مع الأفعال التي لا تتم، نحو: كان زيد هو العالم، وظننت زيدا هو العالم. وقال سيبويه. دخل الفصل في قوله عز وجل.. إلخ)، وقوله: (وسيبويه يقول... إلى: وظننت زيدا هو العالم (ليس موجودا في بعض مخطوطات المعاني.
انظر: حاشية "معاني القرآن" ١/ ٣٨، وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" ٢/ ٣٨٩ - ٣٩٥.
(٨) سقط (لهم) من (أ)، (ب)، والآية (١٨٠) من آل عمران.
وقوله ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ قال أبو عبيد (٤): أصل الفلاح: البقاء (٥)، وأنشد للأضبط (٦) بن قريع (٧) السعدي:
لِكلِّ هَمِّ من الهموم سَعَةْ... والمُسْيُ والصبحُ لا فلاحَ مَعَهْ (٨)
يقول: ليس مع كر الليل والنهار بقاء. ومنه قول عَبِيد (٩):
(٢) في (ج): (وذان هذا بمنزلة ها).
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣٨، كلام سيبويه في "الكتاب" ٢/ ٣٩١، ولم يذكر سيبويه الآية.
(٤) في (ب) (أبو عبيدة) وهو خطأ. وكلام أبي عبيد في "غريب الحديث" ٤/ ٣٨، وانظر "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦.
(٥) في (ب) (التقى).
(٦) في (ب)، (ج). (وأنضد الأضبط) وما في (أ) موافق لـ"تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦، وعبارة "غريب الحديث": قال الأضبط... ، ٢/ ١٨٣.
(٧) في (ب): (فيع). وهو الأضبط بن قريع بن عوف بن كعب بن سعد، السعدي شاعر جاهلي قديم. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٢٤٢، "الخزانة" ١١/ ٤٥٥.
(٨) البيت في "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ١٨٣، "الزاهر" ١/ ٣١، "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩/أ، "اللسان" ٦/ ٣٤٥٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٥٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٥٨، "الدر المصون" ١/ ١٠٤ "الخزانة" ١١/ ٤٥٢، وقد ذكره في "الشعر والشعراء" ونصه:
ياقوم من عاذرى من الخدعة... والمسى.......... إلخ ١/ ٣٩٠
(٩) هو عبيد بن الأبرص كما في "غريب الحديث" ٤/ ١٨٣.
أفلِحْ بما شئتَ فقد يُبلَغ بالـ | ـضَّعف (١) وقد يُخْدَعُ الأريبُ (٢) |
قال: وإنما قيل لأهل الجنة: مفلحون، لفوزهم ببقاء الأبد، ومن هذا يقال للسحور (٤): الفلح والفلاح، أي: أن (٥) به بقاء الصوم (٦). الحراني عن ابن السكيت (٧) الفلح والفلاح: البقاء، وأنشد لعدي بن زيد:
ثم بعد الفلاح والرشد والإ | مَّة وارَتْهمُ هناك القبورُ (٨) |
(٢) البيت يروى (يدرك) بدل (يبلغ) و (يخدع) بالتشديد، وهو في "غريب الحديث" ٢/ ١٨٣، ٢٠٠، "ديوان عبيد" ص١٤، و"تفسير الطبري" ١/ ١٠٨، (مجاز القرآن) ١/ ٣٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٩، "الزاهر" ١/ ١٣٢، وفيه (يفلح) بدل يبلغ، "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦، "اللسان" (فلح) ٦/ ٣٤٥٨، وفيه (بالنوك) بدل (بالضعف)، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٥٨، "الدر المصون" ١/ ١٠٤.
(٣) في (ب): (ما).
(٤) في (ب): (السحور).
(٥) في (ب): (اذ به).
(٦) انتهى كلام أبي عبيد، "غريب الحديث" ٢/ ١٨٣، وانظر: "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦.
(٧) "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦، وفيه بيت الأعشى مقدم على بيت عدي.
(٨) من قصيدة لعدي بن زيد، ذكرها ابن قتيبة في "الشعر والشعراء"، وتعتبر من غرر شعره، ويروى (الملك) بدل (الرشد) و (الإمه) بكسر الهمزة: غضارة العيش والنعمة. انظر "الشعر والشعراء" ص١٣٠، "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦، "اللسان" (فلح) ٦/ ٣٤٥٨.
ولَئن كُنَّا كقومٍ (١) هلكوا | ما لِحَيٍّ يا لَقومٍ مِنْ فَلَحْ (٢) |
نَحُلّ بلاداً كلُّها (٣) حُلَّ قبلنا | ونرجو الفلاحَ بعد عادٍ وحِمْيَرِ (٤) |
ثم يقال لكل من ظفر ببغيته وأصاب خيرا: أفلح (٥)، وقال (٦) لبيد:
اعْقِلي إن كنت لمّا تَعْقِلي | ولقد أفلحَ مَنْ كان عَقَلْ (٧) |
فمعنى قوله: ﴿الْمُفْلِحُونَ﴾ أي: هم الذين أدركوا البغية، ووجدوا
(٢) البيت في (غريب الحديث) للخطابي١/ ٥٢٣، "تهذيب اللغة" (فلح) ٣/ ٢٨٢٦، "اللسان" (فلح) ٦/ ٣٤٥٨، (الصحاح) (فلح) ١/ ٣٩٢، "ديوان الأعشى" ص ٣٨، وفيه (أو لئن)، (يا لقومي) وهو من قصيدة يمدح بها إياس بن قبيصة الطائي، ومعنى (فلح): بقاء.
(٣) في (ب): (حلها).
(٤) البيت في ديوان لبيد (مع شرحه) ص ٥٧، "مجاز القرآن" ١/ ٣٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٩، والطبري ١/ ١٠٨، والثعلبي ١/ ٤٧/ب، والقرطبي ١/ ١٥٨، وابن عطية ١/ ١٥٠، (زاد المسير) ١/ ٢٧، "الدر المصون" ١/ ١٠٤.
(٥) انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٠٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٩.
(٦) في (ب): (وقال).
(٧) "ديوان لبيد مع شرحه" ص ١٧٧، "مجاز القرآن" ١/ ٣١، و"تفسير الطبري" ١/ ١٨٠، و"تفسير أبن عطية" ١/ ١٠٤، "الزاهر" ١/ ١٣١، وقوله: (أعقلي) يخاطب عاذلته، أو نفسه.
(٨) في (ب): (ببغيته).
انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٠٨، "مجاز القرآن" ١/ ٣١.
٦ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُوا﴾ الآية. ﴿إِنَّ﴾ الثقيلة تكون منصوبة الألف وتكون مكسورة الألف. فإذا (٢) كانت مبتدأة ليس قبلها شيء تعتمد (٣) عليه، أو جاءت بعدها (لام) مؤكدة يعتمد عليه (٤) أو جاءت بعد القول وما تصرف (٥) منه، وكانت حكاية: كسرت الألف، وفيما سوى ذلك تنصب (٦). ومعناها في الكلام: التوكيد، وهي التي تنصب الأسماء وترفع الأخبار، وإنما نصبت ورفعت، لأنها تشبه بالفعل، وشبهها أنها لا تلي الأفعال ولا تعمل فيها، وأنها يذكر بعدها الاسم والخبر، كما يذكر بعد الفعل الفاعل والمفعول، إلا أنه قدم المفعول فيها ليفصل بين ما يشبه بالفعل وليس لفظه لفظ الفعل (٧)، وبين ما يشبه بالفعل ولفظه لفظ الفعل،
(٢) في (ب): (وإذا).
(٣) في (ب)، (ج): (يعتمد) وهو موافق لـ"تهذيب اللغة" ١/ ٢٢٢، والكلام منقول منه.
(٤) (عليه) في جميع النسخ. وفي "تهذيب اللغة" (عليها) ١/ ٢٢٢.
(٥) في (ب): (يصرف).
(٦) في (ب). (ينصب) وفي "تهذيب اللغة" (تنصب الألف).
والكلام بنصه ذكره الأزهري عن الليث عن الخليل، سوى قوله: أو جاءت بعد القول فذكره عن الفراء. "تهذيب اللغة" (أن) ١/ ٢٢٢، وانظر مواضع فتح وكسر همزة (إن) في "الكتاب" ٣/ ١٣٤ وما بعدها، "الأصول في النحو" ١/ ٢٦٢ وما بعدها.
(٧) من هنا بدأ سقط لوحة كاملة من (ب).
وقوله تعالى: ﴿كَفَرُوا﴾ معنى الكفر في اللغة: التغطية.
أقرأني أحمد بن محمد بن عبد الله بن يوسف العروضي (٢) -رحمه الله- قال: أخبرني الأزهري، عن المنذري، عن الحراني، عن ابن السكيت قال: إذا لبس الرجل فوق درعه ثوباً فهو كافر، وقد كفر فوق درعه، وكل ما غطى شيئاً فقد كفره. ومنه قيل لليل: كافر، لأنه ستر بظلمته وغطى، وأنشد لثعلبة بن صُعَير المازني (٣):
فتذكّرا ثَقَلًا رثيداً بعدما | ألقت ذكاءُ يمينَها في كافرِ (٤) |
ومنه يسمى الكافر كافراً، لأنه ستر نعم الله.
(٢) شيخ الواحدي، تقدمت ترجيته مع شيوخه.
(٣) هو ثعلبة بن صعير بن خزاعي المازني، شاعر جاهلي قديم، قال الأصمعي: لو قال ثعلبة بن صعير مثل قصيدته خمساً كان فحلاً، انظر "فحولة الشعراء" الأصمعي ص ١٢، "الأعلام" للزركلي ٢/ ٩٩.
(٤) البيت من قصيدة له، ذكرها المفضل الضبي في "المفضليات" ص ١٢٨ - ١٣١، والبيت في "إصلاح المنطق" ص ٤٩، ٣٣٩، وفي "تهذيب اللغة" (كفر) ٤/ ٣١٦٢، "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح" ١/ ٣٣٢، ٢/ ٦٧٩، "أمالي القالي" ٢/ ١٤٥، "الصحاح" (كفر) ٢/ ٨٠٨، "مقاييس اللغة" (كفر) ٥/ ١٩١، "المخصص" ٦/ ٧٨، ٩/ ١٩، ٧/ ١٧، "اللسان" (رثد) ٣/ ١٥٩٨١، و (كفر) ٧/ ٣٨٩٩، و (ذكا) ٣/ ١٥١٠، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٥١، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٥٩، و"تفسير الطبري" ١/ ١١٠، "الدر المصون" ١/ ١٠٧.
وفي هذا البيت يذكر الظليم والنعامة، والثقل: بيضهما، والرثد: المتاع المرثود، وذكاء. الشمس، أي بدأت في المغيب، والكافر: الليل.
قد درسَتْ (١) غير رمادٍ مكفورْ | مكتئبِ اللون مَريحٍ ممطورْ (٢) |
فوردَتْ قبلَ انبلاجِ (٤) الفَجْرِ | وابنُ ذُكاءٍ كامنٌ فى كَفْرِ (٥) |
(٢) الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي، وقيل: لأبي مهدي. وقبله:
هل تعرف الدار بأعلى ذى القور؟
يقول: درست معالم الدار إلا رماداً مكفوراً، أي: سفت عليه الريح، والأبيات في "إصلاح المنطق" ص ٣٤٠، وفي "التهذيب" (كفر) ٤/ ٣١٦٢، "الصحاح" (كفر) ٢/ ٨٠٧، "المخصص" ٦/ ٧٨، "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح" ٢/ ٦٧٩، "مقاييس اللغة" (كفر) ١٠/ ١٩٨، "اللسان" (كفر) ٧/ ٣٩٠٠. وكلهم رووه (مروح ممطور) سوى (المخصص) فنصه مثل رواية المؤلف هنا.
(٣) هو حميد الأرقط.
(٤) في (ج): (ابلاج).
(٥) قال ابن السكيت. ويروى: (في كفر) وهما لغتان. وابن ذكاء: يعني الصبح، "إصلاح المنطق" ص ٣٤٠، وانظر: "تهذيب اللغة" (كفر) ٤/ ٣١٦٢، ورد البيت كذلك في "الصحاح" (كفر) ٧/ ٣٩٠٠، "المخصص" ٦/ ٧٨، "المشوف المعلم" ٢/ ٦٧٩، "اللسان" (كفر) ٧/ ٣٩٠٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٦٠، "الدر المصون" ١/ ١٠٦.
(٦) في (أ)، (ج): (إلى)، وفي "إصلاح المنطق"، "التهذيب": (أي) وهو الصحيح. "الإصلاح" ص ٣٤٠، "التهذيب" (كفر) ٤/ ٣١٦٢.
(٧) انتهى كلام ابن السكيت وهو في "الإصلاح" ص ٣٣٩، ٣٤٠، "تهذيب اللغة" (كفر) ٤/ ٣١٦٢، ونص الواحدي من "التهذيب".
قال الأزهري: وهذا يحتاج إلى إيضاح. وهو: أن (الكفر) في اللغة:
التغطية، فالكافر معناه: ذو الكفر، ذو تغطية لقلبه بكفره، كما يقال للابس السلاح: كافر، وهو الذي غطاه السلاح. ومثله: رجل كاس أي: ذو كسوة، وناعل: ذو نعل (٢).
وقول ابن (٣) السكيت في معنى الكافر أبين وأصح (٤). والنعمة التي أنعم الله على العبد فكفرها (٥) الكافر، أي: سترها، هي الهدى والآيات التي أبانت لذوي التمييز أن الله واحد لا شريك له، فمن لم يصدق بها وردها فقد كفر النعمة، أي: سترها وغطاها.
ويجوز أن يقال: إن الكافر لما دعاه الله إلى توحيده فقد دعاه إلى نعمة أوجبها له إذا أجابه إلى ما دعاه إليه، فإذا لم (٦) يجب كان كافرا لتلك النعمة، أي: مغطيا لها، مكذبًا بها، حاجبا لها عنه (٧).
قال شمر: قال بعض أهل العربية (٨): الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار، وكفر جحود، وكفر معاندة، وكفر نفاق، من لقي ربه بشيء من ذلك
(٢) في (التهذيب) بدل (فاعل: ذو نعل)، وماء دافق: ذو دفق ٤/ ٣١٦١.
(٣) في (ج): (بن).
(٤) قال الأزهري: قلت: وما قاله ابن السكيت بيِّن صحيح، ٤/ ٣١٦١.
(٥) في "التهذيب": (والنعم التي سترها الكافر هي الآيات التي أبانت لذي التمييز.. إلخ) ٤/ ٣١٦٢.
(٦) في "التهذيب": (.. فقد دعاه إلى نعمة ينعم بها عليه إذا قبلها، فلما رد ما دعاه إليه من توحيده كان كافرا نعمة الله..)، ٤/ ٣١٦١.
(٧) "التهذيب" (كفر) ٤/ ٣١٦٠، وقد تصرف الواحدي في نقل كلام الأزهري.
(٨) في "التهذيب" (قال شمر: قال بعض أهل العلم)، ٤/ ٣١٦٠.
فأما كفر الإنكار: فهو أن يكفر بقلبه ولسانه ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد.
وكذلك روي في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾ [البقرة: ٦]، أي: الذين كفروا بتوحيد الله.
وأما كفر الجحود: فأن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه، فهذا كافر جاحد ككفر إبليس، وكفر أمية بن أبي الصلت (١)، ومنه قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩]، يعني: كفر الجحود. وأما كفر المعاندة: فهو أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل، ككفر أبي طالب حيث يقول:
ولقد علمتُ بأنّ (٢) دين محمد | من خير أديان البرية دينا (٣) |
لولا الملامةُ أو حِذارُ مسَبّةٍ | لوجدتَني سمحاً (٤) بذاك متينا (٥) |
(٢) في (ج): (أن).
(٣) إلى هنا ينتهي السقط من (ب).
(٤) في (ب): (سحا).
(٥) كذا جاءت الأبيات في "التهذيب" ٤/ ٣١٦٠، "اللسان" (كفر) ٧/ ٣٨٩٨، و"تفسير البغوي" ١/ ٦٤، وفي "تفسير النسفي" ١/ ٥٠، (ضمن مجموعة من التفاسير) وفيها (سمحا بذلك مبينا) وفي "تفسير القرطبي" (بقينا) ٦/ ٤٠٦. وذكرها المؤلف في "أسباب النزول" بمثل روايته لها هنا. ص ٢١٠.
قال (١): والكفر -أيضا- يكون بمعنى: البراءة، كقول الله عز وجل خبرًا عن الشيطان ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ﴾ [إبراهيم: ٢٢]، أي تبرأت (٢). ويقال: كفر كفراً وكفوراً، كما يقال: شكر شكراً وشكوراً (٣) قال الله تعالى: ﴿فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾ [الإسراء: ٨٩].
وقوله تعالى: ﴿سَوَآءُ عَلَيهِم﴾. السواء (٤)، والعدل، والوسط، والقصد، والنصف: ألفاظ متقاربة في المعنى. يقال للعدل: السواء، قال زهير (٥).
أرُوني (٦) خُطَّةً لا خَسْفَ فيها | يُسَوِّي (٧) بيننا فيها السَّوَاءُ (٨) |
(٢) كلام شمر جميعه في "تهذيب اللغة" (كفر) ٤/ ٣١٦٠، "اللسان" (كفر) ٧/ ٣٨٩٨، وانظر أنواع الكفر في "التصاريف" المنسوب ليحيى بن سلام ص ١٠٤، ١٠٥، و"النسفي" ١/ ٥٠ (ضمن مجموعة من التفاسير).
(٣) "الحجة" لأبي علي١/ ٢٤٥، وانظر "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٦٠.
(٤) الكلام في "الحجة" بنصه ١/ ٢٤٥. وانظر "التصاريف" ص ١١١، ١١٢، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٩٥، "الصحاح" (سوا) ٦/ ٢٣٨٤.
(٥) هو زهير بن أبي سلمى، أحد فحول شعراء الجاهلية، توفي قبل المبعث بسنة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٦٩، "الخزانة" ٢/ ٣٣٢.
(٦) في "الحجة" (أرونا) وفي الهامش في ط (أرني) ١/ ٢٤٦.
(٧) في (ب): (يسوا).
(٨) رواية البيت في الديوان: أرونا سنة لا عيب فيها.
يقول: أرونا سنة لا عيب فيها ولا ظلم، تسوى بيننا بالحق، "ديوان زهير" ص ٨٤، "الحجة" ١/ ٢٤٦، "تهذيب اللغة" "لفيف السين" ٢/ ١٧٩٥، "البحر" ١/ ٣٤٧، "الدر المصون" ١/ ١٠٨.
أبَينا فلا نُعطي السَّواءَ عدوَّنا | قيامًا بأعضاد السَّراءِ المُعَطَّفِ (٢) |
و (سواء) مأخوذ من الاستواء والتساوي، وهو الاعتدال (٤)، قال الشاعر:
وليلٍ يقولُ المرءُ من ظلماته | سواءٌ صحيحاتُ العيونِ وعُورُها (٥) |
وقالوا: سِيٌّ بمعنى: سواء، كما قالوا: قِيّ وقَواء (٦)، ولا يثنى (سواء) كما ثني (سيان) وإن كانوا قد جمعوه جمع التكسير في قولهم:
(٢) البيت من قصيدة قالها عنترة يوم (عرار) يخاطب فيها بني حنيفة، قوله: السواء: الصلح، أعضاد: جمع عضد، وهو القوس، والسراء: شجر يتخذ منه القسي، المعطف: المعوج، انظر. "ديوان عنترة" ص ٥٢، "نوادر أبي زيد" ص ٣٧٧، "الحجة" ١/ ٢٤٦.
(٣) كلمة (في) في الآية ساقط من (أ).
(٤) "الأضداد" لابن الأنباري ص ٤٣.
(٥) البيت للأعشى كما في "ديوانه" ص ٦٨، وفيه: "يقول القوم" سواء بصيرات.. " وهو في "الأضداد" لابن الأنباري ص ٤٣، وفيه "يقول القوم"، "الطبري" ١/ ١١١، "البحر المحيط" ١/ ٤٧، "القرطبي" ١/ ١٦٠، "الدر المصون" ١/ ١٠٧.
(٦) (القي) بالكسر والتشديد (فعل) من القوا (وهي الأرض القفر) "اللسان" (قوا) ٦/ ٣٧٨٩، انظر: "الصحاح" ٦/ ٢٤٧٠، "مقاييس اللغة" (قوي) ٥/ ٣٧.
قال أبو الهيثم (٢): يقال فلان وفلان سواء (٣)، أي: متساويان، وقوم سواء، لأنه مصدر، لا يثنى ولا يجمع. قال الله عز وجل: ﴿لَيسُواْ سَوَآء﴾ [آل عمران: ١١٣] أي: ليسوا مستوين (٤)، وإذا قلت: سواء عليّ، احتجت أن تترجم عنه بشيئين، كقولك: سواء حرمتني أو أعطيتني.
وحكى السكري عن أبي حاتم إجازة تثنية (سواء) (٥).
قال أبو علي الفارسي: لم يصب ابن (٦) السجستاني في ذلك، لأن الأخفش وأبا عمر الجرمي (٧) زعما (٨) أن ذلك لا يثنى، كأنهم استغنوا بتثنية (سي) (٩) عن تثنية (سواء)، كما استغنوا عن (ودع)، بـ (ترك) (١٠). وأنشد أبو زيد:
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٩٣.
(٣) في "التهذيب": (فلان وفلان سواعد، أي: متساويان) وهو تصحيف ٢/ ١٧٩٥.
(٤) في (ب): (مستويين).
(٥) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ٢٦٨.
(٦) في (ب): (لم يصف ممن).
(٧) هو صالح بن إسحاق، أبو عمر الجرمي، النحوي، بصري، قدم بغداد، لقي الفراء، وأخذ عن الأخفش وأبي عبيدة والأصمعي، وكان ذا دين وورع، توفى سنة خمس وعشرين ومائتين. انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" ٩/ ٣١٣، "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٧٤، (إنباه الرواة) ٢/ ٨٠، "وفيات الأعيان" ٢/ ٤٨٥.
(٨) في (ب): (زعموا).
(٩) في (ب): (بتثنيته شي).
(١٠) في (ب) (بكرا). "الحجة" ١/ ٢٦٨، وما بعده في "الحجة" في موضع آخر.
هلاّ، (١) كوصل ابن عمّارٍ تُواصلني | ليس الرجالُ وإن سُوُّوا بأسواءِ (٢) |
وقوله تعالى: ﴿ءَأَنذَرتَهُم﴾ (٧). الإنذار: إعلام مع تخويف، فكل منذر معلم، وليس كل معلم منذراً (٨). وأنذرت يتعدى إلى مفعولين كقوله تعالى: ﴿فَقُل أَنذَرتُكُم صعِقَةً﴾ [فصلت: ١٣] وقوله: ﴿إِنَّا أَنذَرناكم عَذَابًا قَرِيبًا﴾ [النبأ: ٤٠] ويقال: أنذرتُه فنَذِرَ، أي: علم بموضع الخوف (٩).
(٢) أنشده أبو زيد في (النوادر) قال: (وقال رافع بن هريم، وأدرك الإسلام، ثم ذكر البيت وبيتين قبله، "النوادر" ص ٢٨٢، وانظر: "الحجة" ١/ ٢٤٧، "اللسان" (سوا) ٤/ ٢١٦٠.
(٣) (من) ساقطة من (ب).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في "الحجة": (وإن كان جمع سواء فهو مثل ما حكاه أبو زيد من قولهم: جواد وأجواد..)، ١/ ٢٤٧.
(٦) انتهى من "الحجة" ١/ ٢٤٧، ٢٤٨.
(٧) في (أ) رسمت: (آنذرتهم).
(٨) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ٢٥٣، وانظر (تفسير أبي الليث) ١/ ٩٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨/أ.
(٩) "الحجة" ١/ ٢٥٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨ أ.
وقد جاء: النذير والنذر مصدرين كالإنذار (٢)، فجاء المصدر على: (فعيل) و (فعل). وفي القرآن ﴿فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ (٣) وفيه ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ [القمر: ١٦]. وقيل في قوله: ﴿نَذِيَرًا لِلْبَشَرِ﴾ [المدثر: ٣٦]: إنه مصدر في موضع الحال من قوله: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ [المدثر: ٣٥]، كما تقول (٤): جاء (٥) ركضاً. فتجعل المصدر حالاً (٦).
وجعل (نذير) أيضًا مصدراً في قوله: ﴿وَجَآءكُمُ اَلنذِير﴾ [فاطر: ٣٧] إذا فسر بأنه الشيب (٧).
(٢) في "الحجة": (وقالوا: النذير والنذر، كما قالوا: النكير والنكر، فجاء المصدر على فعيل وعلى فعل..) ١/ ٢٥٤.
(٣) جزء من آية في الحج: ٤٤، وسبأ: ٤٥، وفاطر: ٢٦، والملك: ١٨.
(٤) (تقول) ساقط من (ب).
(٥) في (ج): (أجاء).
(٦) في "الحجة": (فأما قوله تعالى: ﴿نَذِيَرًا لِلْبَشَرِ﴾ فقد قيل فيه قولان: أحدهما: أن يكون حالا من (قم) المذكورة في أول السورة والآخر: أن يكون حالا من قوله: ﴿إِنَّهَا لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ فإذا جعل (نذيرا) حالا مما في (قم) فإن (النذير) اسم فاعل بمعنى المنذر.. وإن جعلته حالا من قوله: ﴿لَإِحْدَى الْكُبَرِ﴾ فليس يخلو الحال أن يكون من المضاف أومن المضاف إليه.. وفي كلا الوجهين ينبغي أن يكون (نذيرا) مصدرا، والمصدر يكون حالا من الجميع كما يكون حالا من المفرد. تقول: جاؤوا ركضًا، كما تقول: جاء ركضًا..) ١/ ٢٥٥.
(٧) في "الحجة". (.. فمن قال: إن النذير النبي - ﷺ - كان اسم فاعل كالمنذر، ومن قال: إنه الشيب كان الأولى أن يكون مصدرًا كالإنذار)، "الحجة" ١/ ٢٥٥.
فمن حققهما (٣) فحجته (٤): أن الهمزة حرف من حروف الحلق، فجاز أن يجتمع مع مثله كسائر الحروف الحلقية، نحو: فَهَّ (٥) وفَهِهْتُ، وكَعَّ (٦) وكَعَعْتُ، كذلك حكم الهمزة.
ومما يقوّي ذلك قولهم: (رَأّس) (٧) وسأّل، (تذأَّبت الريح) (٨)، و (رأيت (٩) الرجل). وكما جمع الجميع بينهما إذا كانتا عينين، كذلك يجوز الجمع بينهما في غير هذا الموضع (١٠).
(٢) بالتحقيق قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي، وابن عامر. "السبعة" لابن مجاهد ص ١٣٧، "الكشف عن وجوه القراءات" ١/ ٧٣. وبتليين الثانية قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو. "السبعة" لابن مجاهد ص ١٣٧، "الكشف" ١/ ٧٣ قال في (السبعة). من قول أبي عمرو أنه يدخل بين الهمزتين ألفا.
(٣) في (ب): (حققها) وفي (ج): (حقق).
(٤) "الحجة" ١/ ٢٧٤.
(٥) الفهّ: الكليل اللسان العيي، وفه عن الشيء: نسيه، وقد فهه كفرح. عيي. انظر: "اللسان" (فهه) ٦/ ٣٤٨١، "القاموس" (فهه) ص ١٢٥١.
(٦) الكع. الضعيف العاجز، وكع الوجه: رقيقه، وكع يكع: جبن وضعف. انظر. "اللسان" (كعع) ٨/ ٣١٢، "القاموس" (كع) ص ٧٥٩.
(٧) وهو الذي يبيع الرؤوس. إصلاح المنطق ص ١٤٨.
(٨) (تذأبت الريح) إذا جاءت مرة من هاهنا، ومرة من هاهنا. "إصلاح المنطق" ص ١٤٤، " اللسان" (ذأب) ٣/ ١٤٧٩.
(٩) رأيته: إذا أريته على خلاف ما أنا عليه. انظر: "القاموس" ص ١٢٨٥.
(١٠) "الحجة" ١/ ٢٧٥، وانظر: "الكشف" لمكي ١/ ٧٣.
ولما كسروا وحقروا جعلوا هذه المبدلة بمنزلة مالا أصل له في الهمزة فقالوا: أواخر وأويخر (٥)، فأبدلوا منها (الواو)، كما أبدلوها مما هو ألفط لا يناسب (٦) الهمزة، نحو: ضوارب وضويرب، وفي هذا دلالة بينة على رفضهم اجتماعهما.
ألا تراهم لم يرجعوها (٧) في التحقير والتكسير، كما رجعوا (الواو) في: ميقات وميعاد (٨)، و (الياء) في: موسر (٩)، في قولهم: مواقيت ومياسير، وفي ذلك دلالة بينة على رفضهم لجمعها (١٠).
ومن ذلك أيضا أنا لم نجد كلمة عينها همزة ولامها كذلك، كما
(٢) في (ب): (جمعها).
(٣) في "الحجة" (أنهم لما اجتمعتا...)، ١/ ٢٧٥.
(٤) أبدلوا مكانها الألف، انظر "الكتاب" ٣/ ٥٥٢.
(٥) وقالوا في آدم: أوادم في الجمع، وفي التصغير: أويدم. انظر "الكتاب" ٣/ ٥٥٢.
(٦) في (أ): (تناسب) وما في (ب)، (ج) موافق لما في "الحجة" ١/ ٢٧٦.
(٧) في (ب): (يرجعوا لها).
(٨) (وميعاد) ساقط من (ب).
(٩) في (ب): (مولس)
(١٠) (لجمعها) كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة" (لجمعهما) ١/ ٢٧٦، وهذا هو الصحيح أي: جمع الهمزتين.
ومن ذلك (٩) أنهم ألزموا باب (رزيئة) و (خطيئة) (١٠) القلب (١١) في الجمع، لما يؤدي اجتماع الهمزتين، فقالوا: (خطايا) و (رزايا) (١٢)، فلو
(٢) في (أ): (فة) وفي "الحجة" (فه) بدون نقط وهو الصحيح ١/ ٢٧٦، فه عن الشيء: إذا نسيه، والفه: اللسان العيى. "اللسان" (فهه) ٦/ ٣٤٨١.
(٣) (مح): المح: الثوب الخلق، مح: أخلق. "اللسان" (محح) ٧/ ٤١٤٣.
(٤) في (أ): (مح) وفي (ب)، (ج) بدون نقط أو تشكيل. وفي "الحجة" (مخ) ١/ ٢٧٦.
(٥) في "الحجة": (الموضع) ١/ ٢٧٦.
(٦) في "الحجة": (وكررت) ١/ ٢٧٦، أي جمع بين حروف الحلق وكررت
(٧) في (ب). (بعصهم).
(٨) في "الحجة": (لجمعهما) ١/ ٢٧٦ أي الهمزتين.
(٩) انظر بقية كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ٢٧٧.
(١٠) في (ج): (ذربه) و (خطئه).
(١١) في "الحجة": (.. عما يؤدي إلى اجتماع همزتين فيه، فقالوا...) ١/ ٢٧٧.
(١٢) قال المازني: (اعلم أنك إذا جمعت (خطيئة) و (رزيئة) على (فعائل) قلت: (خطايا) و (رزايا) وما أشبه هذا مما لامه همزة في الأصل، لأنك همزت ياء (خطيئة) و (رزيئة) في الجمع كما همزت ياء (قبيلة) و (سفينة) حين قلت: (قبائل) و (سفائن) وموضع اللام من (خطيئة) مهموز فاجتمع همزتان، فقلبت الثانية ياء، لاجتماع الهمزتين فصارت (خطائى) ثم أبدلت مكان الياء ألفاء... فصارت (خطاءا) وتقديرها: (خطاءا) والهمزة قريبة المخرج من الألف فكأنك جمعت =
قيل: هذا يجري مجرى الأصول المرفوضة (٣) نحو:
............. ضننوا (٤)
........... والأظلل (٥)
ولا يعتد بذلك (٦).
(١) (القلب) ساقط من (ب).
(٢) انظر "المقتضب" ١/ ١٥٩، "المنصف" ٢/ ٥٧، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٧١، قال ابن جني: حكاه أبو زيد.
(٣) قال أبو الفتح ابن جني: شاذ لا يقاس عليه. "سر صناعة الإعراب" ١/ ٧٢.
(٤) جزء من بيت كما في "الحجة" ١/ ٢٧٧ وتمامه:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي | أني أجود لأقوام وإن ضننوا |
(٥) المراد بالأظلل ما ورد في قول الراجز: تشكو الوجى من أظلل وأظلل ففك الإدغام في (أظلل) ضرورة، والبيت للعجاج، وبعضهم نسبه لأبي النجم. وهو في "ديوان العجاج" ص ١٥٥، "الكتاب" ٣/ ٥٣٥، "النوادر" ص ٢٣٠، "المقتضب" ١/ ٢٥٢، ٣/ ٣٥٤، "الخصائص" ١/ ١٦١، ٣/ ٨٧، "المنصف" ١/ ٣٣٩ "اللسان" (ظلل) ٤/ ٢٧٥٦، و (ملل) ٧/ ٤٢٧١، وقوله (تشكو): أي: الإبل و (الوجى): الحفى، الأظلل: باطن الخف.
(٦) "الحجة" ١/ ٢٧٧، ٢٧٨.
ومن ذلك أيضًا أن من قال: هذا فرجّ، وهو يجعلّ، فضاعف (٦) في الوقف حرصاً على البيان، في يضاعف نحو: (البناء) (٧)، و (الرشاء)، لكنه رفض (٨) هذا الضرب (٩) من الوقف، وما كان يحرص عليه من البيان لما كان يلزمه الأخذ بما تركوه، والاستعمال لما رفضوه من اجتماع الهمزتين (١٠).
وإذا كان الأمر على هذا (١١)، فالجمع في: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ (١٢) أقبح من الجمع في كلمتين منفصلتين، نحو: قرأ أبوك، ورشاء أخيك، لأن الهمزة
(٢) في "الحجة" (ناء وساء وشاء).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (تا). وترك التمثيل لاسم الفاعل من (جاء) وهو: (جاء) والأصل فيها (شائئ) و (جائئ) و (نائئ) فلما التقت همزتان أبدلت الثانية (ياء) ثم عوملت مثل (قاض). انظر: "المنصف" ٢/ ٥٢.
(٥) انظر بقية كلام أبي علي في: "الحجة" ١/ ٢٧٨.
(٦) في (ب): (تضاعف).
(٧) في "الحجة" (النبأ).
(٨) في (ب): (نفض).
(٩) في (ب): (الصوت).
(١٠) "الحجة" ١/ ٢٧٩.
(١١) أي: رفض اجتماع الهمزتين. قال أبو علي بعد سياق تلك الحجج، (فهذِه الأشياء تدل على رفض اجتماع الهمزتين في كلامهم. فأما جمعهما وتحقيقهما في (أأنذرتهم) فهو أقبح....) ١/ ٢٨٠.
(١٢) في (أ)، (ب): (أنذرتهم) بهمزة واحدة، وما في (ج) موافق لما في "الحجة".
فأما إذا كانتا (٥) من كلمتين، فاجتماعهما في القياس أحسن من هذا (٦)، ألا ترى أن المثلين إذا كانا في كلمة نحو: يرد ويعض، لا يكون فيها (٧) إلا الإدغام.
ولو كانا منفصلين نحو: (يد داود)، لكنت (٨) في الإدغام والبيان بالخيار. فعلى هذا تحقيق الهمزتين في: ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ (٩) -وما أشبهه- أبعد منه في الكلمتين المنفصلتين.
ومما يقوي ترك الجمع بين الهمزتين: أنهم قالوا في جمع (ذؤابة): ذوائب، فأبدلوا (١٠) من الهمزة التي هي عين (١١) (واوا) في التكسير كراهة
(٢) في (ب): (إذا قالوا).
(٣) أصلها: (عضد).
(٤) في (ب): (آخرها).
(٥) أي: (الهمزتان)
(٦) قال سيبويه: (وأعلم أن الهمزتين إذا التقتا وكانت كل واحدة منهما من كلمة فإن أهل التحقيق يخففون إحداهما ويستثقلون تحقيقهما...)، "الكتاب" ٣/ ٥٤٨.
(٧) في "الحجة" (فيهما) ١/ ٢٨٠.
(٨) في (ب): (الكنت).
(٩) في جميع النسخ (أنذرتهم) بهمزة واحدة والتصحيح من "الحجة" ١/ ٢٨١.
(١٠) في (ب): (وأبدلوا).
(١١) في (ب): (غير).
وأيضاً فإنهم كرهوا (٣) الهمزة المفردة حتى قلبوها أو حذفوها، وذلك إجماعهم (٤) في (٥) (يرى) (٦) على حذف الهمزة (٧)، فلما كرهوا ذلك في الإفراد وجب أن لا يجوز في المتكرر (٨) إلا التغيير.
وإذا كان الجمع بينهما في [البعد على هذا، فالجمع بينهما في] (٩): (أئمة) (١٠) أبعد، لأن الهمزتين لا تفارقان الكلمة (١١)، وهمزة الاستفهام قد تسقط في الإخبار وغيره، فلما كانت أشد لزومًا للكلمة كان التحقيق
(٢) في (ب): (واحد). "الحجة" لأبي علي ١/ ٢٨١.
(٣) الضمير يعود على من يقول بتخفيف الهمزة، قال في "الحجة": (من ذلك أن الهمزة إذا كانت مفردة غير متكررة، كرهها أهل التخفيف، حتى قلبوها أو حذفوها، لئلا، يلزمهم تحقيقها، وقد وافقهم في بعض ذلك أهل التحقيق، كموافقتهم لهم في: (يرى)..)، ١/ ٢٧٩.
(٤) أي. أهل التخفيف والتحقيق. انظر كلام أبي علي السابق.
(٥) (في) ساقطة من (ج).
(٦) في (ب): (ترى).
(٧) (يرى) مضارع (رأى) اتفق أهل تحقيق الهمزة، وتخفيفها، على حذفها على التخفيف. انظر "الكتاب" ٣/ ٥٤٦، "المسائل الحلبيات" لأبي علي ص ٨٣، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٧٦.
(٨) أي: الهمزة المكررة. "الحجة" ١/ ٢٧٩.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(١٠) في (أ): (أأيمة) وفي (ب)، (ج): (أئمة) ومثله في "الحجة" ١/ ٢٨١.
(١١) في (ب): (الضمة).
وأما أبو عمرو فكان يلين الثانية ويجعل بينهما مدة (٢). وحجته: أنه وإن خفف الثانية بأن جعلها بين الألف والهمز، فذلك لا يخرجها عن أن تكون همزة متحركة، وإن كان الصوت بها أضعف؛ ألا ترى أنها إذا كانت مخففة في الوزن مثلها إذا كانت محققة (٣)، فلولا ذلك لم يتزن (٤) قوله (٥):
.... آأنتَ (٦) زيد الأراقم (٧)
(٢) انظر "السبعة" ص ١٣٦، "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٨٥، "الكتاب" ٣/ ٥٥١، قال في "الكشف": وهو مذهب أبي عمرو، وقالون عن نافع، وهشام عن عامر ١/ ٧٤.
(٣) في (ب)، (ج): (مخففة).
(٤) في (ب): (تبرز).
(٥) أي: لو لم تكن الهمزة المخففة بزنة المحققة لا نكسر وزن الشعر. انظر "الكتاب" ٣/ ٥٥٠، "الحجة" ١/ ٣٨٥.
(٦) في (ب) (أنت).
(٧) الكلام بنصه في "الحجة"، قال: (.. ولولا ذلك لم يتزن قوله: أأن رأت رجلاً =
وقوله تعالى: ﴿ءَأَنذَرتَهُم﴾: لفظه لفظ الاستفهام (٣)، ومعناه الخبر، ومثل ذلك قولك: ما أبالي (٤) أشهدت أم غبت، وما أدري أأقبلت (٥) أم أدبرت.
وإنما جرى عليه لفظ الاستفهام وإن كان خبرا، لأن فيه التسوية التي في الاستفهام، ألا ترى أنك إذا استفهمت فقلت: أخرج زيد أم أقام؟ فقد استوى الأمران عندك في الاستفهام، وعدم علم أحدهما بعينه، كما أنك (٦) إذا أخبرت (٧) فقلت. سواء عليّ أقعدت أم قمت، فقد سويت الأمرين
تطاللت فاستشرفته فعرفته... فقلت له: آأنت زيد الأراقم
وروايته في "ديوان ذي الرمة"، وفي "الحجة" وغيرهما (زيد الأرانب). نظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨/ أ، "الحجة" ١/ ٢٧٩، "تهذيب اللغة" (اجتماع الهمزتين) ١/ ٧٣، "اللسان" (حرف الهمزة) ١/ ١٨، "ديوان ذى الرمة" ٣/ ١٨٤٩.
(١) في (ب): (لأنه كان تجتمع) مثله في "الحجة": (لأنه كان يجتمع فيه ساكنان) ١/ ٢٨٦، وقصد الواحدي بثلاثة سواكن هي: السكون الذي في مدة الهمزة الأولى وسكون الثانية على الاحتمال الممنوع، وسكون النون.
(٢) في (ب): (يجعل)، (ويكون) بالياء في الموضعين.
(٣) من قوله: وقوله تعالى ﴿ءَأَنذَرْتَهُم﴾.. نقله من "الحجة" بنصه، ١/ ٢٦٤.
(٤) في (ب): (لا أبالي).
(٥) في (ب): (أقبلت).
(٦) في (ب): (أنت).
(٧) في (ب): (اختبرت).
وحرر أبو إسحاق هذا الفصل فقال (٢): إنما (٣) دخلت ألف الاستفهام وأم التي هي للاستفهام (٤)، والكلام خبر، لمعنى التسوية، والتسوية آلتها (٥) الاستفهام وأم. تقول من ذلك (٦): أزيد في الدار أم عمرو؟ فإنما دخلت الألف وأم، لأن علمك (٧) قد استوى في زيد وعمرو، وقد علمت أن أحدهما في الدار لا محالة، ولكنك استدعيت (٨) أن يبين (٩) لك الذي علمت ويلخص (١٠) لك علمه من غيره، ولهذا تقول (١١). قد علمت أزيد في الدار أم عمرو، وإنما تريد أن تسوي عند من تخبره العام الذي قد خلص
(٢) في "معاني القرآن" ١/ ٤١.
(٣) في (ب): (إذا).
(٤) في (ب): (الاستفهام).
(٥) في "معاني القرآن": (والكلام خبر فإنما وقع ذلك لمعنى التسوية، والتسوية آلتها (ألف) الاستفهام و (أم)، تقول: أزيد في الدار أم عمر.). ١/ ٤١.
(٦) في (ب): (في ذلك) وفي (ج) (يقول).
(٧) في (ب): (عليك).
(٨) في "المعاني": (أردت) ١/ ٤١.
(٩) في (ب): (تبين).
(١٠) كذا رسمت في (أ)، (ج)، وفي (ب) (ويلحظ) وفي "المعاني" (ويخلص) وهو الأصوب.
(١١) في (ج): (يقول).
ولا يجوز هاهنا (أو) مكان (أم) لأن (أم) للتسوية بين الشيئين، و (أو) إنما هي لأحد شيئين (٢)، يدلك (٣) على هذا أن (أم) (٤) تكون مع الألف بتأويل (أي) فإذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ فكأنك قلت: أيهما (٥) عندك، [وإذا قلت: أزيد عندك أو عمرو؟ لم يكن على معنى: أيهما عندك (٦)]، هذا اختلاف الجواب، لأنك إذا قلت: أزيد عندك أم عمرو؟ فجوابه: زيد أو عمرو (٧)، وكذلك في (أي) جوابه أن يذكر أحد الاسمين بعينه، فأما إذا قلت: أزيد عندك أو عمرو؟ فجوابه: نعم أو لا، فهذا فرق بينهما واضح (٨).
ومثل هذه الآية قوله (٩): ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ [المنافقون: ٦]، وقوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا﴾ [إبراهيم: ٢١]
و ﴿سَوَاءٌ﴾ في الآية رفع بالابتداء، ويقوم ﴿أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ مقام الخبر في المعنى، كأنه بمنزلة قولك: (سواء عليهم الإنذار وتركه) لا
(٢) انظر: "الحجة" ١/ ٢٦٥، ٢٦٦، "مغني اللبيب" ١/ ٤٣.
(٣) في (ب): (فذلك).
(٤) في (ب): (لم).
(٥) في (ب): (أنهما).
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (ونحوا به زيدا وعمرا).
(٨) انظر: "الكتاب" ٣/ ١٦٩، ١٧٠، ١٧١، "مغني اللبيب" ١/ ٤٢.
(٩) انظر: "الحجة" ١/ ٢٧١.
والجملة في موضع رفع، بأنها (٢) خبر ﴿إن﴾ (٣).
ويجوز أن يكون خبر ﴿إن﴾ قوله: ﴿لَا يؤْمِنُونَ﴾ كأنه قيل: (إن الذين كفروا لا يؤمنون سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم). فيكون قوله: ﴿سَوَآءٌ عَلَيهمءَأَنذَرتَهُم﴾ جملة معترضة بين الاسم والخبر، وجاز ذلك، لأنه تأكيد لامتناعهم عن الإيمان (٤)، ولو كان كلاماً أجنبياً لم يجز اعتراضه بينهما، وسترى لهذا (٥) نظائر.
ومعنى: ﴿سَوَآءٌ عَلَيْهِم﴾ أي: معتدل متساو، و ﴿سَوَآءٌ﴾ اسم مشتق من التساوي. يقول: هما عندي سواء، ومنه قوله ﴿فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ﴾ [الأنفال: ٥٨]، يعني: أعلمهم (٦) حتى يستوي علمك وعلمهم (٧). و ﴿سَوَآءٌ اَلْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٥٥] وسطه، لاستواء مقادير نواحيه إليه.
(٢) في (ب): (بأن).
(٣) "الحجة"، ١/ ٢٦٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤١.
(٤) "الحجة" ١/ ٢٦٨، ٢٦٩، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤١، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣٤، "المشكل" لمكي ١/ ٢٠، "الدر المصون" للسمين الحلبي ١/ ١٠٥.
(٥) في (ب): (لها).
(٦) في (أ)، (ج): (علمهم). وأثبت ما في (ب)، لأنه المناسب للسياق.
(٧) ذكره الطبري ١٠/ ٢٧، وانظر: "الثعلبي" ١/ ٤٨ أ.
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في اليهود الذين كانوا بنواحي المدينة (٤) على عهد رسول الله - ﷺ -. وهذا القول اختيار ابن جرير، قال: لأن الله تعالى إنما ذكر هؤلاء عقيب مؤمني أهل الكتاب، فذكر بعد مؤمنيهم كافريهم، والكلام بعضه لبعض تبع (٥).
وقال الضحاك: نزلت في أبي جهل وخمسة (٦) من أهل بيته (٧).
وقال الربيع: نزلت في قادة الأحزاب يوم بدر (٨)، وكذلك الآية التي بعدها.
(٢) (أي) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): (لاستوائك).
(٤) ذكره الطبري ١/ ١٠٨، وابن أبي حاتم ١/ ١٨٦ - ١٨٧ وذكره الثعلبي عن الكلبي ١/ ٤٧ ب، ومثله أبو الليث ١/ ٩٢، والبغوي ١/ ٦٤، وانظر ابن كثير ١/ ٤٨.
(٥) "تفسير الطبري" ١/ ١٠٩.
(٦) في (ب): (وحمته).
(٧) ذكره الثعلبي١/ ٤٧ ب.
(٨) أخرجه الطبري بسنده عن الربيع ١/ ١٠٩، وأخرجه ابن أبي حاتم بسنده عن الربيع ابن أنس عن أبي العالية ١/ ٤٠، وفي حاشيته: قال المحقق: في سنده اضطراب وذكره ابن كثير، قال: قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ثم ذكره، ١/ ٤٨. وذكره السيوطي في "الدر" عن أبي العالية ونسبه إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، ١/ ٦٥، وهو عند ابن جرير عن الربيع بن أنس ولم يوصله لأبي العالية كما سبق.
٧ - ﴿خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِم﴾ الآية. (الختم) في اللغة بمعنى: الطبع، والخاتم: الفاعل. وأصله من آخر الشيء (٤)، ومنه قوله تعالى: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ [المطففين: ٢٦]، قال ابن مسعود: عاقبته (٥) طعم المسك (٦) وروي
(٢) أبو سفيان هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، رأس قريش وقائدهم في يوم الأحزاب، أسلم يوم الفتح، كان من دهاة العرب، توفي بالمدينة سنة إحدى وثلاثين. انظر ترجمته في "الإصابة" ٢/ ١٧٨ - ١٧٩، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ١٠٥ - ١٠٧.
(٣) الحكم بن أبي العاص بن أمية، ابن عم أبي سفيان، من مسلمة الفتح، وله نصيب من الصحبة، نفاه النبي - ﷺ - إلى الطائف، وأقدمه للمدينة عثمان - رضي الله عنه - مات سنة إحدى وثلاثين. انظر ترجمته في: "الإصابة" ١/ ٣٤٥، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ١٠٧، "الجرح والتعديل" ٣/ ١٢٠.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (ختم) ١/ ٩٨٣ - ٩٨٤، وفيه: خاتم كل شيء: آخره.
(٥) في (ج): (عاقبه).
(٦) ذكره الأزهري في "التهذيب" (ختم) ١/ ٩٨٤، وأخرج الطبري عن ابن مسعود في تفسير الآية: قال: (خلطه مسك) وعنه: (طعمه وريحه) وأخرج عن إبراهيم، والحسن: عاقبته مسك. الطبري ٣٠/ ١٠٦، ١٠٧، وفي "الدر": أخرج سعيد بن منصور، وهناد؛ وابن أبي حاتم، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في "البعث"، عن ابن مسعود، وفيه: (يجدون عاقبتها طعم المسك)، ٦/ ٥٤٤.
قال الليث: وخاتمة السورة: آخرها، وخاتم كل شيء: آخره (٤). ومنه ختم القرآن، لأنه حال الفراغ من قراءته، وختم الكتاب عند طيه والفراغ منه (٥). وقيل في قول ابن مقبل (٦) يصف الخمر:
بالفُلْفُلِ الجَوْنِ والرُّمَّانِ مَخْتومُ (٧)
(٢) لعل المراد أبو عبيدة كما في "الحجة" حيث قال: (وأظن أبا عبيدة اعتبر ما روي عن الحسن في تفسير الآية، لأنه قال في قوله: ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾: له ختام، أي: عاقبة ختامه مسك، أي: عاقبته، وأنشد لابن مقبل... فتأول الختام على العاقبة، ليس على الختم الذي هو الطبع، وهذا قول الحسن، مقطعه مسك)، "الحجة" ١/ ٢٩٢، وانظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٢٩٠.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٤٤، "التهذيب" (ختم) ١/ ٩٨٤.
(٤) ذكره الأزهري عن الليث، "تهذيب اللغة" (ختم) ١/ ٩٨٤.
(٥) انظر: "العين" ٤/ ٢٤٢، "الصحاح" (ختم) ٥/ ١٩٠٨، "معجم مقاييس اللغة" (ختم) ٢/ ٢٤٥.
(٦) هو: الشاعر تميم بن أبي بن مقبل العجلاني، شاعر مخضرم، أدرك الجاهلية والإسلام، وبلغ مائة وعشرين سنة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٢٩٧، "الإصابة" ١/ ١٨٧، "الخزانة" ١/ ٢٣١.
(٧) صدره في "الحجة":
مما يفتق في الحانوت ناطفها
وورد صدره في "ديوانه":
صرف ترقرق في الناجود ناطلها
يفتق: يشق، الحانوت: دكان الخمار، ناطفها: النطف سيلان الماء، الجون: يطلق على الأبيض والأسود، وقوله (ترقرق): تترقرق أي: تتلألأ، الناجون: =
وقال أبو إسحاق: معنى: ختم وطبع (٣) في اللغة واحد، وهو التغطية على الشيء، والاستيثاق منه بأن لا يدخله شيء، كما قال: ﴿أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤]، وكذلك قوله: ﴿طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ (٤) هذا كلام أبي إسحاق.
واعلم أن الختم على الوعاء يمنع (٥) الدخول فيه والخروج منه، كذلك الختم على قلوب الكفار يمنع دخول الإيمان فيها وخروج الكفر منها، وإنما يكون ذلك بأن يخلق الله الكفر فيها (٦)، ويصدهم عن الهدى،
(١) في (ب): (النذر).
(٢) "التهذيب" (ختم) ١/ ٩٨٥، وفيه: (ختم البذر: تغطية).
(٣) في (ب): (تطبع).
(٤) جاءت في عدة آيات في التوبة ﴿وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [التوبة: ٩٣]، وفي النحل: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [النحل: ١٠٨]، وفي محمد: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [محمد: ١٦]. والآية وردت في "تهذيب اللغة" ضمن كلام أبي إسحاق، "التهذيب" (ختم) ١/ ٩٨٤، ويظهر أن الواحدي نقل كلام الزجاج عنه، وفي "معاني القرآن" للزجاج ورد مكانها: (طبع عليها بكفرهم) ووضع المحقق لها رقم (النساء: ١٥٥)، وسياق آية النساء: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾. انظر "معاني القرآن" للزجاج١/ ٤٦.
(٥) في (ب): (ممنع).
(٦) قال ابن كثير: (.. ختم على قلوبهم، وحال بينهم وبين الهدى، جزاء وفاقا على تماديهم في الباطل، وتركهم الحق، وهذا عدل منه تعالى حسن، وليس بقبيح...)، =
فأما قول من قال: معنى ﴿خَتَمَ اَللَّهُ عَلىَ قُلُوبِهِم﴾: حكم الله بكفرهم (٢)، فغير صحيح، لأن أحدنا يحكم بكفر الكافر، ولا يقال (٣): ختم على قلبه.
وذهب بعض المتأولين من القدرية إلى أن معنى ﴿ختم الله على قلوبهم﴾: وسمها سمة (٤) تدل (٥) على أن فيها الكفر، لتعرفهم الملائكة بتلك السمة، وتفرق (٦) بينهم وبين المؤمنين الذين في قلوبهم الشرع (٧).
قال: والختم والطبع واحد، وهما سمة وعلامة في قلب المطبوع
(١) في (ب): (فلا يدخل). ولعله أولى.
(٢) ذكره الفارسي في "الحجة" ١/ ٣٠٩، والثعلبي ١/ ٤٨ ب، وهذا قول المعتزلة ذكره القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، أحد علمائهم في كتابه "متشابه القرآن" ١/ ٥١، ٥٢ تحقيق عدنان زرزور. وانظر "الكشاف" للزمخشري ١/ ١٥٧ - ١٦٢، وانظر رد الأسكندري عليه في "الحاشية"، "البحر المحيط" ١/ ٤٨.
(٣) في (ب): (ولان يقال).
(٤) في (ج): (وسمة).
(٥) في (ب): (يدل).
(٦) في (ب): (يفرق)
(٧) في (ب): (السرح) وفي (ج): (الشرح).
وقوله تعالى ﴿عَلىَ قُلُوبِهِم﴾. قال الليث: القلب مضغة من الفؤاد، معلقة بالنياط (٢). وكأنه أخص من الفؤاد، ولذلك (٣) قالوا: أصبت حبة قلبه، وسويداء قلبه.
وقيل: القلوب والأفئدة: قريبان من السواء (٤). وقال بعضهم: سمي القلب قلبا لتقلبه (٥)، وأنشد:
ما سمي القلب (٦) إلا من تقلبه | والرأي (٧) يصرف بالإنسان أطوارا (٨) |
(١) ذكره أبو علي الفارسي في "الحجة" عن قوم من المتأولين، ١/ ٣٠١.
(٢) "تهذيب اللغة" (قلب) ٣/ ٣٠٢٦.
(٣) في (ب): (وكذلك).
(٤) في (ب): (العوا).
(٥) "تهذيب اللغة" (قلب) ٣/ ٣٠٢٦.
(٦) في (ج): (ما سمي القلب قلبا إلا من..).
(٧) في (ب): (الذي).
(٨) البيت في "التهذيب" (قلب) ٣/ ٣٠٢٦، وكذا "اللسان" (قلب) ٦/ ٣٧١٤، بهذا النص، وورد في القرطبي ١/ ١٦٣، و"الدر المصون" ١/ ١١٤، "روح المعاني" ١/ ١٣٥، شطره الثاني: =
وقال ابن الأنباري: أراد (٣): وعلى مواضع سمعهم، فحذف المضاف، كما تقول العرب: تكلم المجلس، وهم يريدون أهله، وحذف المضاف كثير في التنزيل والكلام (٤).
وقيل: اكتفى من الجمع بالواحد (٥)، كما قال الراعي (٦):
بها جيف الحسرى فأما عظامها | فبيض وأما جلدها فصليب (٧) |
غير منسوب في جميع المصادر.
(١) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧، "تهذيب اللغة" (سمع) ٢/ ١٧٥٦، والثعلبي ١/ ٤٨/ب، "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٣، "زاد المسير" ١/ ٢٨، والقرطبي ١/ ١٦٥. وقيل: وحد السمع، لأن المسموع واحد وهو الصوت، وقرئ شاذا ﴿وعلى أسماعهم﴾. انظر. "الفتوحات الإلهية" ١/ ١٥.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في جميع النسخ (أرادوا على) زيادة ألف بعد الواو والصحيح حذفها.
(٤) لم أجده منسوبا لابن الأنباري. وورد بمعناه في "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٣، والقرطبي ١/ ١٦٦، "تهذيب اللغة" (سمع) ٢/ ١٧٥٧.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧، والثعلبي ١/ ٤٨ ب، و"تفسير أبي الليث" ١/ ٩٣، و"تهذيب اللغة" (سمع) ص ١٧٥٧.
(٦) كذا نسبه الثعلبي ١/ ٤٨ ب، والبيت لعلقمة بن عبدة الفحل كما في "الكتاب" وغيره.
(٧) البيت لعلقمة بن عبدة الفحل، قاله يصف طريقاً شاقًّا، قطعه لممدوحه. الحسرى: جمع حسير، والحسير: البعير المعيب يتركه أصحابه فيموت، وابيضت عظامه لما أكلت السباع والطير ما عليه من لحم، صليب: يابس لم يدبغ. الشاهد (جلدها) مفرد أريد به الجمع، أي: جلودها. =
وقال سيبويه (١): توحيد السمع يدل على الجمع، لأنه توسط جمعين، كقوله: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [البقرة: ٢٥٧]، وقوله: ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨].
وتم الكلام (٢) ههنا (٣).
ثم قال: ﴿وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ﴾ الأبصار جمع البصر، والبصر العين، إلا أنه مذكر، ويقال: تبصرت الشيء بمعنى رمقته (٤)، ومنه قول زهير:
تبصر خليلي هل ترى من ظعائن................ البيت (٥)
(١) انظر. "الكتاب" ١/ ٢٠٩، والنص من الثعلبي ١/ ٤٨/ب.
(٢) في (ج): (السلام).
(٣) انظر. "معاني القرآن" للفراء١/ ١٣، "مجاز القرآن" ١/ ١٣ "تفسير الطبري" ١١٣ - ١١٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨/ ب، وذكر النحاس عن الأخفش سعيد، ويعقوب: أن وقف على (قلوبهم) كان أيضا تاما، وتعقبه النحاس فقال: (إذا وقف على (قلوبهم) وقدره بمعنى: وختم على سمعهم لم يكن الوقت على قلوبهم تماماً، لآن الثاني معطوف على الأول، وإن قدر الختم على القلوب خاصة فهو (تام)..)، "القطع والائتناف" ص ١١٦.
(٤) "تهذيب اللغة" (بصر) ١/ ٣٤٠.
(٥) وتمامه كما في الديوان:
تحملن بالعليا من فوق جرثم
"ديوان زهير" ص ٩. =
وفيه ثلاث لغات: ضم الغين وفتحها وكسرها (٣). والأفصح الكسر، لأن كل ما كان مشتملاً على شيء فهو مبني على (فعالة) كالعمامة والقلادة والعصابة. وكذلك أسماء الصناعات، لأن معنى الصناعة الاشتمال على (٤) كل ما فيها، نحو: الخياطة والقصارة، وكذلك كل من استولى، فاسم ما استولى عليه الفعالة نحو: الخلافة والإمارة (٥).
قال أبو علي الفارسي: ولم أسمع منه فعلاً متصرفا بالواو، ولامه (ياء) لأنك تقول: غشي يغشى، والغشيان وغشيته أي: ألبسته وسترته، والغشاوة من الغشيان كالجباوة من جبيت، في أن (الواو) كأنها بدل من (الياء) إذ (٦) لم يصرف منه فعل بالواو كما لم يصرف من الجباوة (٧).
(١) في (ب): (والعطاء).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (غشى) ٣/ ٢٦٦٨، "اللسان" (غشى) ٦/ ٣٢٦١.
(٣) ذكره في "الحجة"، قال: روى لنا عن الكسائي وعن غيره ١/ ٣١، وانظر: "اللسان" ٦/ ٣٢٦١.
(٤) (على) ساقطة من (ب).
(٥) في (ج): (الامارمه). والكلام بنصه في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٨، وانظر "تهذيب اللغة" (غشى) ٣/ ٢٦٦٨، و"اللسان" (غشى) ٦/ ٣٢٦١..
(٦) في (أ)، (ج): (إذا) وفي (ب) و"الحجة": (إذ). وهو الأولى لصحة السياق.
(٧) في (ب): (الجباره). انظر كلام أبي علي في "الحجة" ١/ ٣٠٠، نقله الواحدي بتصرف، قال ابن فارس (غشى): الغين والشين والحرف المعتل، أصل صحيح =
وقرأ المفضل (٦) ﴿غِشَاوَةٌ﴾ بالنصب (٧). وله وجهان:
قال السمين الحلبي بعد أن ذكر كلام أبي علي: وظاهر عبارته أن الواو بدل من الياء، فالياء أصل؛ بدليل تصرف الفعل منها دون مادة الواو، والذي يظهر أن لهذا المعنى مادتين: غ ش و، غ ش ى، ثم تصرفوا في إحدى المادتين واستغنوا بذلك عن التصرف في المادة الأخرى، وهذا أقرب من ادعاء قلب الواو ياء من غير سبب..)، "الدر المصون" ١/ ١١٦.
(١) قرأ السبعة كلهم برفع الغشاوة، إلا ما روى المفضل الضبي، عن عاصم أنه قرأ بالنصب. انظر "الحجة" لأبي علي ١/ ٢٩١، ٣١٢، وقال الطبري: إن قراءة الرفع هي الصحيحة، والنصب شاذة، ١/ ٢٦٢، ونحوه قال أبو الليث في "تفسيره" ١/ ٩٣.
(٢) في "الحجة": (فكما) ١/ ٣٠٩.
(٣) في "الحجة" (كذلك لا تحمل في هذِه التي في مسألتنا) ١/ ٣٠٩.
(٤) فى (ب): (فتكون من موسه بعلى).
(٥) في "الحجة": (ملها على (ختم) قطعها عنه وإذا قطعها عن (ختم) كانت مرفوعة إما بالظرف، وإما بالابتداء، "الحجة" ١/ ٣٠٩. قال مكي: (غشاوة: رفع بالابتداء، والخبر. وعلى أبصارهم)، (المشكل) ١/ ٢٠، وقال العكبري: (وعلى قول الأخفش (غشاوة) مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل)، "الإملاء" ١/ ١٥.
(٦) هو المفضل بن محمد الضبي الكوفي، إمام مقرئ، نحوي، إخباري، أخذ القراءة عن عاصم، ومات سنة ثمان وستين ومائة.
انظر ترجمته في: "تاريخ بغداد" ١٣/ ١٢١، "الأنساب" ٨/ ٣٨٥، "إنباه الرواة" ٣/ ٢٩٨، "غاية النهاية" ٢/ ٣٠٧.
(٧) قال ابن مجاهد: "قرأوا كلهم (غشاوة) في (البقرة) رفعا وبالألف، إلا أن المفضل =
والوجه الثاني: ما قاله الفراء (٥)، وهو أنه نصبها بإضمار (وجعل)، كقوله في الجاثية: ﴿وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً﴾ [الجاثية: ٢٣].
والكلام إذا اجتمع ودل أوله على آخره حسن الإضمار، كقولك: أصاب فلان المال، فبنى الدور والعبيد والإماء واللباس، فـ (بنى) لا يقع على العبيد (٦) وإلاماء، واللباس فبنى لا يقع على العبيد والإماء ولكنه (٧)، صفات اليسار، فحسن الإضمار لما عرف، ومثله كثير. والذي لا يحسن من الإضمار (٨) ما يشتبه ولا يعرف المعنى، كقولك: ضربت فلانًا وفلانًا،
(١) في (ج): (أحدها).
(٢) (فكذلك) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): (حمل).
(٤) بنصه في "الحجة"، ١/ ٣٠٩، ٣١٠.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ١٣، ١٤، ونقله بتصرف يسير.
(٦) في (ب) (العبد).
(٧) في (ب): (لكن).
(٨) في (ب): (لا يشتبه).
قال الزجاج في هذه الآية: إنهم كانوا يسمعون ويبصرون ويعقلون، ولكن لم يستعملوا (٢) هذه الحواس استعمالاً يجدي عليهم، فصاروا كمن لا يعقل ولا يسمع ولا يبصر (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. (العذاب): كل ما يُعَنَي الإنسان ويشق عليه، وذكرت اشتقاقه عند قوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ [البقرة: ١٠].
و (العظيم) فعيل من العظم، ومعنى العظم: هو كثرة المقدار في الجثة (٤)، ثم استعير ذلك في الصفات، فقيل: كلام عظيم، [وأمر عظيم، أي: عظيم (٥)] القدر، يريدون به المبالغة في وصفه، ومن هذا الباب العظام، لأنها من (٦) أكبر ما ركب منه البدن، فالعظم في الأصل الزيادة على المقدار (٧)، ثم ينقسم إلى عظم الأجسام، وعظم الشأن (٨)، وهو
(٢) في (ب): (لا يسمعوا).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧.
(٤) في (ب): (الجنة).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) (من) ساقطة من (ب).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (عظم) ٣/ ٢٤٨٨، "معجم المقاييس" (عظم) ٤/ ٣٥٥، "اللسان" (عظم) ٥/ ٣٠٠٤.
(٨) في (ب): "اللسان".
ومعنى وصف العذاب بالعظم، هو المواصلة بين أجزاء الآلام بحيث لا تتخللها (٣) فرجة، أو إحداث ألم في كل جزء، أو (٤) يخلق ألما أشد من ألم.
٨ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الآية. روى ثعلب عن سلمه (٥) عن الفراء (٦) قال: يكون (٧) (من) ابتداء غاية، ويكون بعضًا، ويكون صلة، قال الله: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ﴾ [يونس: ٦١]. المعنى: مثقال ذرة (٨).
قال أبو عبيد (٩): والعرب تضع (من) مواضع (مذ) يقال: ما رأيته من [سنة، أي:] (١٠) مذ سنة. قال زهير:
(٢) انظر: "تفسير الرازي" ٢/ ٥٤.
(٣) في (ب): (لا محللها).
(٤) في (ب): (جزوو أو يحلو).
(٥) هو سلمة بن عاصم النحوي، روى عن الفراء، كان أديبا فاضلا، سمع منه ثعلب كتاب "لمعاني" للفراء، توفي بعد السبعين ومائتين. انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٣٧، "معجم الأدباء" ٣/ ٣٩١، "إنباه الرواة" ٢/ ٥٦، "غاية النهاية" ١/ ٣١١.
(٦) في "تهذيب اللغة" (سلمه عن الفراء ثم ذكره بنصه). "التهذيب" (من) ٤/ ٣٤٥٣.
(٧) في "التهذيب": (تكون) في المواضع الثلاثة.
(٨) في "التهذيب": (أي: ما يعزب عن علمه من مثقال ذرة) ٤/ ٣٤٥٣.
(٩) "تهذيب اللغة" (من) ٤/ ٣٤٥٤.
(١٠) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
أي: مذ حجج (٢). ويكون (٣) (من) بمعنى البدل، كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً﴾ [الزخرف: ٦٠]. معناه: بدلكم (٤)، وسنذكره في موضعه. (٥) وأما الأصل [في (الناس) (٦)] فقد أقرأني العروضي قال: أقرأني الأزهري قال (٧): (أخبرني المنذري عن أبي الهيثم (٨) أنه سأله (٩) عن (الناس) (١٠) ما أصله؟
لمن الديار بقنة الحجر
القنة: أعلى الجبل، الحجر: بكسر الحاء منازل ثمود، ويروى بالفتح موضع باليمامة، أقوين: أقفرت، الحجج: بكسر الحاء جمع حجة وهي السنة، ومن شهر: واحد الشهور، ويروى ومن دهر. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (من) ٤/ ٣٤٥٤، "الجمل المنسوب" للخليل ص ١٦١، "الجمل" للزجاجي ص ١٣٩، "مغني اللبيب" ١/ ٣٣٥، "الهمع" ٣/ ٢٢٦، "شرح المفصل" ٤/ ٢٩٣، ٨/ ١١، "الإنصاف" ص ٣١٥، "الخزانة" ٩/ ٤٣٩، "شرح ديوان زهير" ص ٨٦.
(٢) أي: مذ حجج ومذ شهر.
(٣) في "التهذيب": (من) ٤/ ٣٤٥٤.
(٤) في (ب): (بدله).
(٥) عند أبي عبيد وتكون (من) بمعنى: اللام الزائدة. انظر بقية كلامه في "التهذيب" (من) ٤/ ٣٤٥٤، وذكر ابن هشام في "مغني اللبيب": أن (من) تأتي على خمسة عشر وجها، ١/ ٣١٨.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) (التهذيب) (أنس) ١/ ٢١٦.
(٨) في (ب) (أبي القاسم).
(٩) في (ج) (سأل).
(١٠) (عن الناس) ساقط من (ب).
إن المنايا يَطّلعـ... ـنَ على الأناس الآمنينا (٧)
قال الأزهري: وهذا قول حذاق (٨) النحويين (٩). و (الناس) لفظ وضع
(٢) في (ب): (التعريف).
(٣) في "التهذيب" (وأصل تلك اللام سكون أبدا إلا في أحرف قليلة، مثل: الاسم والابن، وما أشبهها من الألفات الوصلية، فلما زادوهما على أناس صار الاسم: الأناس....) ١/ ٢١٧.
(٤) في (ب): (فاستقلوها).
(٥) في "التهذيب": (..... فتركوها وصار باقي الاسم (ألناس) بتحريك اللام في الضمة، فلما تحركت اللام والنون أدغموا اللام في النون...) ١/ ٢١٧.
(٦) في "التهذيب": (فلما طرحوا الألف واللام ابتداء والاسم فقالوا: قال ناس من الناس. انتهى كلام أبي الهيثم في "التهذيب"، وقول الواحدي: وقد استعمله الشاعر... الخ مع البيت ليس في "التهذيب" ١/ ٢١٧.
(٧) البيت لذي جدن الحميري، ورد في "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٧٠، "الخزانة" ٢/ ٢٨٠، "الخصائص" ٣/ ١٥١، "تفسير البيضاوي" ١/ ٩٩، "الدر المصون" ١/ ١١٩، "اللسان" (نوس) ٨/ ٤٥٧٥.
(٨) في (ب): (خلاف).
(٩) في "التهذيب": (قلت: وهذا الذي قاله أبو الهيثم تعليل النحويين) وفي الهامش في (ج) (قول حذاق النحويين)، "التهذيب" ١/ ٢١٧.
فمن قال: (أنيس) وهو قول أكثر النحويين (٢)، دل على (٣) أن أصله (أناس) لثبوت الهمزة في التصغير. ومن قال: نويس، جعل اشتقاق الناس من (النوس) وهو الاضطراب والحركة (٤) يقال ناس ينوس إذا تذبذب وتحرك، وأناس إذا حرك (٥). ومنه قول المرأة في حديث أم زرع: (أناس من حلي أذني) (٦).
(٢) قال سيبويه: (ليس من العرب أحد إلا ويقول: نويس)، انظر "الكتاب" ٣/ ٤٥٧، وانظر "المسائل الحلبيات" لأبي علي الفارسي ص ١٧١، ١٧٢.
(٣) (دل على) مطموس في (ب).
(٤) (الحركة) ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): (إذ بريدت).
(٦) في (ب): (أرلى). قطعة من حديث طويل، فقد أخرج البخاري بسنده عن عائشة، قالت (جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً...)، وفيه: (قالت الحادية عشرة: زوجي أبو زرع فما أبو زرع أناس من حلي أذني.....). أخرجه البخاري (٥١٨٩) كتاب النكاح، باب: حسن المعاشرة مع الأهل، ومسلم (٢٤٤٨) كتاب فضائل الصحابة، باب: فضائل عائشة، قال ابن حجر اختلف في رفعه ووقفه، ثم ذكر الخلاف في ذلك، وقال: (قلت: المرفوع منه في الصحيحين: (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) وباقيه من قول عائشة، وجاء خارج الصحيحين مرفوعا كله...). (الفتح) ٩/ ٢٥٥ - ٢٥٧. وقد =
قال الأزهري (٥): وأصل الإنس، والإنسان، والناس، من آنس يؤنس (٦) إذا أبصر، لأنهم يؤنسون، أي: يبصرون، كما قيل للجن: جن، لأنهم مجتنّون، لا يؤنسون أي: لا يبصرون (٧). وقد روي عن ابن عباس أنه
(١) المراد الأزهري فبعد كلامه السابق الذي ذكره الواحدي وهو قوله: (قلت: وهذا الذي قاله أبو الهيثم تعليل النحويين... قال: وإنسان في الأصل:
إنسيان وهو فعليان من الإنس | إلخ) وما بينهما ليس في "التهذيب". انظر "التهذيب" ١/ ٢١٦. |
(٣) في (ج): (بين).
(٤) انظر "تهذيب اللغة" (أنس) ١/ ٢١٦، وانظر "الكتاب" ٣/ ٤٨٦.
(٥) "تهذيب اللغة" (أنس).
(٦) في "التهذيب" (قلت: واصل الإنس والأنس والإنسان من الإيناس وهو الإبصار)، وفي الهامش في (ج) (وأصل الإنسان والناس من أنس يؤنس إذا أبصر)، ٢١٦ - ٢١٧.
(٧) انتهى كلام الأزهري. انظر: "التهذيب" ١/ ٢١٦ - ٢١٧.
وذكر أبو علي في "المسائل الحلبية" (٣): أن الكسائي قال: إن الأناس (٤) لغة، والناس لغة أخرى (٥)، كأنه يذهب إلى أن (الفاء) محذوف من الناس، كما يذهب إليه سيبويه (٦)، والدلالة على أنهما من لفظ واحد، وليسا من كلمتين مختلفتين أنهم قالوا: (الأناس) في المعنى الذي قالوا فيه (الناس) وقالوا: الإنس والأنس والإنسي والأناسي (٧)، وإذا كان كذلك ثبت أن الهمزة (فاء) الفعل، وأن الألف من (أناس) زائدة (٨)، وأن (فاء) الفعل من الناس هي الهمزة المحذوفة، وهذا من مبادئ التصريف وأوائله (٩).
(٢) انظر: "المسائل الحلبيات" ص ١٧١، والقرطبي ١/ ١٦٨، "الدر المصون" ١/ ١١٩، ١٢٠.
(٣) في (ب): (الجلسه).
"المسائل الحلبيات" أحد كتب أبي علي المشهورة، طبع بتحقيق د/ حسن هنداوي، وقد نقل الواحدي كلام أبي علي بمعناه. انظر: "المسائل الحلبيات" ص ١٦٨ - ١٧٣.
(٤) في (ب): (الإنسان).
(٥) لم أجد هذا القول للكسائي في "المسائل الحلبيات". انظر: "المسائل الحلبيات" ص١٦٨ - ١٧٣، وانظر "تهذيب اللغة" (أنس) ١/ ٢١٦ - ٢١٧.
(٦) انظر "الكتاب" ٢/ ١٩٦.
(٧) قوله: (وقالوا: الإنس والأنس والأنسي والأناسي) ليس فىِ "الحلبيات"، انظر ص ١٦٨ - ١٧٣.
(٨) في (ب): (فائده).
(٩) في (ج): (وأوئله). أنظر: "المسائل الحلبيات" ص ١٦٨.
وقوله تعالى: ﴿مَن يَقُولُ﴾. روى سلمة، عن الفراء، عن الكسائي (٥) قال: ﴿مِنَ﴾ يكون اسماً، ويكون شرطاً ويكون معرفة، ويكون نكرة، ويكون للواحد والاثنين (٦) وللجميع، ويكون (٧) للإنس (٨) والملائكة والجن (٩)، وهذه الوجوه كلها موجودة في التنزيل (١٠)، ستمر بك مشروحة
(٢) إذا حذفت الهمزة منه يصير (ويلمه) الأصل فيها (ويل لأمه) أدغمت (لام) ويل في الجارة في (لأمه) ثم حذفت (لام) ويل لكثرة الاستعمال ثم حذفت الهمزة. انظر "المسائل الحلبيات" ص ٤٣.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) في (ج): (فاء العمل).
(٥) في "التهذيب" سلمة عن الفراء عن الكسائي قال: (من) تكون اسما، وتكون جحدا، وتكون استفهاما، وتكون شرطا، وتكون معرفة، وتكون نكرة، وتكون للواحد، وتكون للأثنين، وتكون خصوصا، وتكون للأناس، والملائكة والجن وتكون للبهائم إذا خلطت بغيرها. "التهذيب" (من) ٤/ ٣٤٥٣، وذكر في "مغني اللبيب" أن (من) تأتي على خمسة أوجه ١/ ٣٢٧.
(٦) في (ب): وللأثنين.
(٧) في (ب): (تكون).
(٨) في (أ)، (ج): (الأنس).
(٩) في (ب): (للملائكة وللجن).
(١٠) في "التهذيب" (قلت: هذِه الوجوه التي ذكرها الكسائي موجودة فىِ الكتاب...)، ثم ذكر الأزهري أمثلة لها من القرآن. "التهذيب" ٤/ ٣٤٥٣.
وقوله تعالى: ﴿وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (اليوم) مقداره من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، وجمعه: أيام، وكان الأصل (أيوام) واجتمعت الياء والواو، وسبقت إحداهما الأخرى بالسكون، فأدغمت (٤). والآخر: نقيض المتقدم (٥)، يعني باليوم الآخر: يوم القيامة، ويسمى (٦) آخراً، لأنه (٧) بعد أيام الدنيا، وقيل: لأنه (٨) آخر يوم ليس بعده ليلة، والأيام إنما تتميز بالليالي (٩)، فإذا لم يكن بعده ليل لم يكن بعده يوم على الحقيقة (١٠).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾. دخلت (الباء) مؤكدة لمعنى النفي، لأنك إذا قلت: (ما زيد أخوك) فلم يسمع السامع (ما) ظن أنك موجب،
(٢) في (ب): (من).
(٣) قال الزجاج في (المعاني): (لأنها لا تكون اسما تاما في الخبر إلا بصلة، فلا يكون الإعراب في بعض الاسم)، ١/ ٤٩.
(٤) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" وفيه: (وجعلوا الياء هي الغالبة) أي: غلبوا (الياء) فقلبوا (الواو) (ياء) وأدغموها في (الياء). انظر "تهذيب اللغة" (يوم)، ٤/ ٣٩٩٠.
(٥) ذكره الأزهري عن الليث. "التهذيب" (أخر) ١/ ١٣١.
(٦) في (ب): (وسمى).
(٧) في (ب): (إلا أنه).
(٨) في (ب): (أنه).
(٩) قال الطبري: فإن قال قائل: وكيف لا يكون بعده يوم، ولا انقطاع للآخرة، ولا فناء ولا زوال؟ قيل: إن اليوم عند العرب، إنما سمي يوما بليلته التي قبله، فإذا لم يتقدم النهار ليل لم يسم، فيوم القيامة يوم لا ليل بعده.... ١/ ١١٧.
(١٠) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٥٩.
قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في المنافقين (٥) حين أظهروا كلمة الإيمان وأسرّوا الكفر (٦). فأخبر الله سبحانه أنهم يقولون: إنا مؤمنون، ويظهرون كلمة الإيمان، ثم نفى عنهم الإيمان فقال ﴿وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ﴾ فدل أن حقيقة الإيمان ليس الإقرار فقط (٧).
٩ - قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية. ﴿يُخَادِعُونَ﴾: يفاعلون من الخدع والخداع.
واختلف أهل اللغة في أصل الخداع، فقال قوم: (٨) أصله من إخفاء
(٢) ذكره الزجاج بنصه، دون قوله. وإن لم يسمع (ما)، "معاني القرآن" ١/ ٥٠.
(٣) (لفظ) ساقط من (ب).
(٤) (من) لها لفظ ومعنى، فلفظها مفرد مذكر، ومعناها يصلح للجمع وغيره، فيجوز مراعاة اللفظ فيعود الضمير مفردا، ويجوز مراعاة المعنى فيعود الضمير جمعا. انظر"الدر المصون" ١/ ١٢١.
(٥) في (ب): (للمنافقين).
(٦) قال الطبري: أجمع جميع أهل التأويل على أن الآية نزلت في قوم من أهل النفاق. الطبري ١/ ٢٦٨، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٩، "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٤، وابن عطية١/ ١٥٩، وابن كثير ١/ ٥٠.
(٧) قال الطبري: (وفي هذِه الآية دلالة واضحة على بطول ما زعمته الجهمية من أن الإيمان هو التصديق بالقول دون سائر المعاني غيره...)، ١/ ١١٧، وانظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٤، وابن عطية ١/ ١٥٩.
(٨) فيه طمس في (ب).
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٩ ب، "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٣.
(٣) (قال ومن) فيه طمس في (ب).
(٤) في (أ)، (ج) (جرشته). الخدع: التواري، وخَدْعُ الضب إنما يكون من شدة حذره، وصفة خدعه أنه يعمد بذنبه باب جحره ليضرب به من يعتدى عليه، فيجئ المحترش: أي المعتدى فيخرج الضب ذنبه إلى نصف الجحر، فإن دخل عليه شيء ضربه، وإلا بقى في جحره. وقد ورد المثل (أخدع من ضب)، انظر "المستقصى في أمثال العرب" ١/ ٩٢، ٩٥، "مجمع الأمثال" ١/ ٢٦٠، "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤.
(٥) (منى) غير واضح في (ب).
(٦) انتهى كلام الليث. "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤.
(٧) في (ب) (والضب).
(٨) (خدع) غير واضح في (ب).
(٩) في (ب) (حجر) وفي (ج) (حجره).
(١٠) في (ج) (العميثك). وأبو العميثل أعرابي، اسمه: عبد الله بن خالد، مولى جعفر ابن سليمان، كان يؤدب ولد عبد الله بن طاهر بخراسان، وكان يفخم كلامه ويعربه. توفي سنة أربعين ومائتين. انظر ترجمته في "إنباه الرواة" ٤/ ١٤٣، "وفيات الأعيان" ٣/ ٨٩.
(١١) في (ب) (أجدع).
(١٢) (أذا دخل) غير واضح في (ب).
ويقال: خدع خير (٣) الرجل، أي: قل وخفي. وخدعت الضبع في وجارها، وخدع الثعلب إذا أخذ في الروغان (٤). قال (٥) الليث: والأخدعان: عرقان في صفحتي العنق قد خفيا وبطنا (٦).
وطريق خدوع وخادع، إذا كان يبين (٧) مرة ويخفى أخرى (٨)، ومنه قول الطرماح (٩):
(٢) ذكره الأزهري. "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤، وهو في "الفائق" ١/ ٢٥٦، وفي "النهاية في غريب الحديث" ٢/ ١٤.
(٣) في (أ)، (ج): (خبر) وفي (ب) بدون نقط، وفي "التهذيب" (خدع خير الرجل أي: قل) ١/ ١٥٨.
(٤) "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤.
(٥) (قال) ساقط من (أ)، (ج).
(٦) "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤، وانظر (العين) ١/ ١٣٣.
(٧) في (أ)، (ج): (يتبين) وما في (ب) موافق لما في "تهذيب اللغة".
(٨) ذكره الأزهري في "التهذيب"، وأنشد بعده بيتا غير بيت الطرماح الذي ذكره المؤلف هنا.
انظر: " التهذيب" (خدع) ١/ ٩٩٤، (العين) (خدع) ١/ ١٣٢.
(٩) الطرماح بن حكيم الطائي، والطرماح بكسر الطاء والراء المهملتين، شاعر إسلامي في الدولة المروانية، ولد ونشأ بالشام، ثم انتقل إلى الكوفة، واعتنق مذهب الشراة من الخوارج.
انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٣٨٨، "الخزانة" ٨/ ٧٤.
خَادِعَةُ المسلَكِ أرْصَادُهَا | تُمسي (١) وُكُوَنًا فَوْقَ آرَامِهَا (٢) |
فَقَدْ أُدَاهى (٤) خِدْعَ من تَخَدَّعَا (٥)
وأجاز غيره (خَدْعا) بالفتح (٦).
وعلى هذا الأصل (٧) معنى قوله: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ أي: يظهرون غير ما في نفوسهم، ليدرؤوا عنهم أحكام الكفار في ظاهر الشريعة من القتل والجزية وغيرهما.
ولما كان القوم عملوا (٨) عمل المخادع [قال الله تعالى: {يُخَادِعُونَ
(٢) البيت من قصيدة للطرماح، يمدح المهلب بن أبي صفرة الأزدي، وقوله: (خادعة المسلك): تخدع سالكها فلا يهتدي، و (الأرصاد): القوم يرصدون الطرق من المرتفعات، وكون: جالسون، من الوكن وهو موقع الطائر، (الآرام): (الأعلام)، ورد البيت في "العين" (خدع) ١/ ١٣٢، "اللسان" (خدع) ٢/ ١١٣، "ديوان الطرماح" ص ٤٥٣.
(٣) هو الراجز المشهور ابن الراجز، رؤبة بن العجاج من بني مالك بن سعد بن مناة بن تميم، كان أكثر شعرا من أبيه وأفصح، كان مقيما بالبصرة، ولحق الدولة العباسية كبيرا، ومات بالبادية سنة خمس وأربعين ومائة. انظر "الشعر والشعراء" ص ٣٩٢، "تهذيب التهذيب" ١/ ٩٩٣، "الخزانة" ١/ ٨٩.
(٤) في (ب): (أوداهى).
(٥) ورد الرجز في (ديوان رؤبة) ص ٨٨، "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٣، "اللسان" (خدع) ٢/ ١١١٢.
(٦) "التهذيب" (خدع) ١/ ٩٩٣، "اللسان" (خدع) ٢/ ١١٢.
(٧) وهو أن الخداع من إخفاء الشيء.
(٨) (عملوا) ساقطة من (ب).
وقال آخرون: أصل الخداع والخدع من الفساد (٢) روى ثعلب عن ابن الأعرابي (٣) قال: الخادع (٤):] الفاسد من الطعام وغيره، وأنشد قوله:
..................... إذا الرِّيقُ خَدَعْ (٥)
قال ابن الأعرابي: خدع الريق أي: فسد (٦)
ومنه الحديث: "يكون قبل خروج الدجال سنون خداعة" (٧).
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٩ أ، وانظر. "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤، "الحجة" ١/ ٣١٣، والقرطبي في "تفسير" ١/ ١٧٠.
(٣) "الحجة" ١/ ٣١٣، وفي "التهذيب" روى ابن الأنباري عن ثعلب عن ابن الأعرابي ثم ذكره، ١/ ٩٩٤.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) البيت لسويد بن أبي كاهل اليشكرى، يصف ثغر امرأة وتمامه:
أبْيَضُ اللَّوْنِ لَذِيذٌ طَعْمُهُ | طَيِّبُ الرِّيقِ إذا الرِّيقُ خَدَعْ |
(٦) قال في (الصحاح): خدع الريق، أي: يبس، ثم ذكر البيت وقال: لأنه يغلظ وقت السحر فييبس وينتن. "الصحاح" (خدع) ٣/ ١٢٠٢.
(٧) بهذا اللفظ ذكره الخطابي في "غريب الحديث" ١/ ٥٣٠، والازهري في "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤، وابن الجوزي في "غريب الحديث" ١/ ٢٦٧، وابن الأثير في "النهاية" ٢/ ١٤. وأخرج ابن ماجه عن أبي هريرة: "سيأتي على الناس سنوات خداعات... "، ابن ماجه (٤٠٣٦) كتاب الفتن، باب: شدة الزمان، وأخرجه أحمد في "المسند" ولفظه:
(١) "تهذيب اللغة" (خدع) ١/ ٩٩٤.
(٢) أي: أن أصل الخداع من الفساد.
(٣) في (أ)، (ب): قال لي الأنباري، وفي (ج): (قال لي ابن الأنباري) وصححت العبارة على ما في "التهذيب" حيث قال: (قال أبو بكر) ١/ ٩٩٤.
(٤) في (أ): (معنى تأويله)، وفي (ج) (معنى قوله) وأثبت ما في (ب) لأنه الأنسب.
(٥) في (أ)، (ج): (تفسدون)، وما في (ب) موافق لما في "تهذيب اللغة" وفيه: (قال أبو بكر: فتأويل قوله: (يخادعون الله) يفسدون.. الخ. (خدع) ١/ ٩٩٤.
(٦) هو أبو بكر بن الأنباري.
(٧) في (ب): (بالاحتيال) ولعلها أولى.
(٨) في (أ)، (ج): (ما يذخر).
(٩) (ويؤخر) ساقط من (ب).
(١٠) في (ب): (فعله).
وهذا الذي قاله محمد بن القاسم مطرد (٥) على الأصلين (٦)، أما الإخفاء فقد ذكره (٧)، وأما الفساد، فكما أنهم يفسدون ما يظهرون من الإيماد بما يضمرون، كذلك الله تعالى أفسد عليهم نعيمهم في الدنيا بما
(٢) (بالله) مكرر في (ج).
(٣) في (ج): (خلافه).
(٤) وإلى هذا المعنى مال الطبري حيث قال رادًّا على أبي عبيدة في دعواه. أن (يخادع) بمعنى يخدع (قال: (قد قال بعض المنسوبين إلى العلم بلغات العرب: إن ذلك الحرف جاء بهذِه الصورة أعني (يخادع) بصورة (يفاعل)، وهو بمعنى (يفعل) في حروف أمثالها شاذة من منطق العرب نظير قولهم: قاتلك الله، بمعنى قتلك الله)، ثم ذكر رأيه: وليس القول في ذلك عندي كالذي قال، بل ذلك من (التفاعل) الذي لا يكون إلا من اثنين، كسائر ما يعرف من معنى (يفاعل ومفاعل) في كل كلام العرب. وذلك أن المنافق يخادع الله جل ثناؤه بكذبه بلسانه -على ما تقدم وصفه- والله تبارك اسمه خادعه بخذلانه عن حسن البصيرة بما فيه نجاة نفسه في آجل معاده، كالذي أخبر في قوله: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ [آل عمران: ١٧٨]، "تفسيرالطبري" ١/ ١١٩، وانظر: "تفسير البغوي" ١/ ٦٥.
(٥) في (ب): (مطردا).
(٦) المرأد بالأصلين في الخداع، هل هو من الفساد أو من الإخفاء؟
(٧) حيث قال: ويضمرون خلاف ما يظهرون والله عز وجل يظهر لهم من الإحسان في الدنيا خلاف ما يغيب عنهم ويستر من عذاب الآخرة.
وقال الحسن: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ أي: نبيه، لأن الله بعث نبيه (٤) بدينه، فمن أطاعه فقد أطاع الله، كما قال: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النساء: ٨٠]. وقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ [الفتح: ١٠] فعلى هذا من خادعه فقد خادع الله، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٥٧] أي أولياءه، وعلى (٥) هذا التأويل (المخادعة) أيضًا من الواحد (٦).
(٢) هو علي بن حازم اللحياني، لغوي معروف، عاصر الفراء وتصدر في أيامه. انظر ترجمته في "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٩٥، "إنباه الرواة" ٢/ ٢٥٥، "معجم الأدباء" ١٤/ ١٠٦.
(٣) انظر كلام اللحياني في: "التهذيب" (خدع) ١/ ٩٩٤، وكلام أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ص ٣١ ونحو هذا المعنى ذكر الزجاج في "المعاني" ١/ ٥٠، وسبق ذكر رد الطبري على أبي عبيدة، انظر "تفسير الطبري" ١/ ١١٩، "تفسير البغوي" ١/ ٦٥.
(٤) (نبيه) ساقط من (ب).
(٥) (الواو) ساقطة من (ب).
(٦) ذكره أبو علي في "الحجة"، حيث قال: قال بعض المتأولين أظنه الحسن، ثم ذكره، ووجه هذا القول، كما نقل المؤلف هنا، ١/ ٣١٤، ٣١٥، ونسب القول للحسن ابن عطية ١/ ١٦٣، والبغوي ١/ ٦٥، والقرطبي ١/ ١٧٠، وذكره ابن الجوزي ونسبه للزجاج. "زاد المسير" ١/ ٢٩.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾. قرئ بوجهين (٣). فمن قرأ بالألف قال: هو من المفاعلة التي تقع (٤) من الواحد كقوله: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ فلما وقع الاتفاق على الألف في قوله: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾ أجري الثاني
(٢) ذكره الثعلبي ١/ ٤٩ ب، وفي الأقوال الثلاثة الأخيرة، محاولة تأويل الآية، لنفي الخداع عن الله، وقد انتصر لبعضها أبو علي الفارسي في "الحجة" ١/ ٣١٤ - ٣١٦. كما انتصر لها الزمخشري في "الكشاف" وذكر في تفسير الآية وجوها أخرى قريبة منها في المعنى، وقد رد عليه صاحب "الإنصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال". ومما قاله في رده: (.. ومع ذلك يمنع أن ينسب الخداع إلى الله تعالى لما يوهم ظاهره من أنه يكون عن عجز عن المكافحة وإظهار المكتوم هذا هو الموهم منه في الاطلاق، ولكن حيث أطلقه تعالى مقابلا لما ذكره من خداع المنافقين كمقابلة المكر بمكرهم، علمنا أن المراد منه أنه فعل معهم فعلا سماه خداعا مقابلة ومشاكلة... هذا معتقد أهل السنة في هذِه الآية وأمثالها، لا كالزمخشري وشيعته الذين يزعمون أنهم يوحدون فيجحدون وينزهون فيشركون والله الموفق للحق. "الكشاف" ١/ ١٧١. و"الإنصاف" بهامشه.
وقد ذكرت فيما سبق قريبا رد الطبري على أبي عبيدة، وذكرت القول الذى ارتضاه في معنى الآية.
(٣) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (يخادعون)، (وما يخادعون) بالألف والياء المضمومة. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (يخادعون) (وما يخدعون) بفتح الياء من غير ألف. أنظر "السبعة" ص ١٤١، "الحجة" لأبي علي ١/ ٣١٣، ٣١٢، "الكشف" ١/ ٢٢٤.
(٤) في (ب): (تضع).
فَنَجْهَلَ فوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِينَا (٣)
وقوله تعالى: ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (٤) [البقرة: ١٩٤] فلأن يجرى للتشاكل ما يصح في المعنى أولى (٥). وأيضا فإنهم كانوا يخادعون أنفسهم بالتسويف والتشكيك إذ (٦) نازعتهم دواعي الإيمان، ودعتهم خواطر الحق، كانوا يقابلون (٧) ذلك بالجحد والتكذيب وترك النظر، والخاطران في قلب واحد إذا كانا يتعارضان جعلا بمنزلة نفسين (٨)
(٢) عبارة أبي علي في "الحجة": (وإذا كانوا قد استجازوا لتشاكل الألفاظ وتشابهها أن يجروا على الثاني طلبا للتشاكل ما لا يصح في المعنى على الحقيقة، فأن يلزم ذلك ويحافظ عليه فيما يصح في المعنى أجدر وأولى، وذلك نحو: ألا لا يجهلن...) ١/ ٣١٥، ٣١٦.
(٣) عجز بيت من معلقة عمرو بن كلثوم وصدره:
ألا لا يجهلن أحد علينا
والشاهد فيه: أنه جعل انتصاره جهلا طلبا للمشاكلة، وتسمية للفعل الثاني بالفعل الأول المسبب له. انظر: "الحجة" ١/ ٣١٦، "شرح القصائد المشهورات" للنحاس ٢/ ١٢٥، "البحر المحيط" ١/ ٥٧.
(٤) والشاهد فيها: أنه سمى القصاص عدوانا، من باب التشاكل اللفظي.
(٥) في (ب) (أولا) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ٣١٥، ٣١٦، وانظر "الكشف عن وجوه القراءات" ١/ ٢٢٥، "البحر المحيط" ١/ ٥٧.
(٦) في (ب): (إذا) ولعله أصوب.
(٧) في (أ)، (ج): (يقاتلون).
(٨) في (ب): (تفسير). انظر: "الحجة" ١/ ٣١٧، "البحر المحيط" ١/ ٥٧.
"ستأتي على الناس سنون خداعة | " الحديث، ٢/ ٢٩١، = |
تذكر من أنّى ومن أين شربه | يؤامر نفسَيه كذي الهَجْمة الأَبِلْ (٤) |
(٢) في (ب) (ألا ترى الكميت في ذلك ذكر حمار).
(٣) في (أ)، (ج) (في ذكر حمار أباد الورود).
(٤) يؤامر: يشاور الهجمة: القطعة من الإبل، والأبل: على وزن (فَعِل) بفتح الفاء وكسر العين من صيغ المبالغة، وهو من حذق مصلحة الإبل، ورد البيت في "الحجة" ١/ ٣١٧ "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦١، "اللسان" (أبل) ١/ ١٠، "البحر المحيط" ١/ ٥٧، فيه (البهجة) والبيت نسبه بعضهم للكميت كما فعل الواحدي، أما أبو علي في "الحجة" فقال: للكميت أو غيره، وهو في "شعر الكميت" جمع داود سلوم ص ٣٩٦.
(٥) في (ب): (للماء).
(٦) في (ب): (التمثيل) ومثله فى "الحجة" ١/ ٣١٨.
(٧) وهي قراءة حمزة والكسائي: (اعلم) ألف وصل وسكون الميم (فعل أمر)، وقراءة ابن كثير ونافع وعاصم وأبي عمرو وابن عامر: (أعلم) بقطع الألف وضم الميم، (فعل مضارع). انظر "السبعة" لابن مجاهد ص ١٨٩، "الكشف" ١/ ٣١٢.
(٨) الكلام في "الحجة"١/ ٣١٨، وانظر: "الكشف" لمكي ١/ ٣١٢.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ (٤). معناه أنهم راموا الخداع فلم يخدعوا الله ولا المؤمنين، وما خدعوا إلا أنفسهم؛ لأن وبال خداعهم عاد عليهم، وهذا كقولك: قاتل فلان فلانا فما قتل إلا نفسه، أي: رام قتل صاحبه فلم يتمكن وعاد وبال فعله إليه، كذلك المنافقون في الحقيقة إنما يخدعون أنفسهم (٥)، لأن الله سبحانه يطلع نبيه -عليه الصلاة والسلام- على أسرارهم ونفاقهم (٦)، فيفتضحون في الدنيا، ويستوجبون العقاب (٧) في العقبى (٨).
(٢) في (أ)، (ج): الأكثر إلا من أن يكون..)، وعبارة "الحجة" (الذي في أكثر الأمر أن يكون لفاعلين) وهي أوضح ١/ ٣١٧. وانظر: "الكشف" لمكي ١/ ٢٢٤.
(٣) رجح ابن جرير قراءة ﴿وما يخدعون﴾ بدون ألف، وقال: هي أولى بالصحة من قراءة من قرأ ﴿وما يخادعون﴾، ١/ ١٢٠، وكذا مكي حيث قال: وقراءة من قرأ بغير ألف أقوى في نفسي. ثم ذكر حججه على ذلك، وقال: والقراءة الأخري حسنة..) وقال: وحمل القراءتين على معنى واحد أحسن وهو أن (خادع) و (خدع) بمعنى واحد في اللغة. "الكشف" ١/ ٢٢٥، ٢٢٧.
(٤) على قراءة نافع وأبن كثير وأبي عمرو.
(٥) "تفسير الطبري" ١/ ١١٩، وانظر "تفسير القرطبي" ١/ ١٧١، "زاد المسير" ١/ ٣٠، "تفسير ابن كثير" ١/ ٥١.
(٦) انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٥.
(٧) في (ب): (العذاب).
(٨) انظر: "زاد المسير" ١/ ٣٠، "تفسير البغوي" ١/ ٦٦.
وقال ابن الأنباري: سميت النفس نفسا لتولد النفس منها، كما سموا الروح روحا؛ لأن الروح موجود به (٧). وسنذكر (٨) معاني النفس بأبلغ من هذا عند قوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ (٩) [الزمر: ٤٢]. إن شاء الله.
وفي قوله: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ﴾ (١٠) تحقيق أن المخادعة وقعت بهم لا بغيرهم، كما تقول: رأيت نفس الشيء، أخبرت أن الرؤية وقعت عليه لا على مثاله (١١).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (نفس) ٤/ ٣٦٣٠، "الصحاح" (نفس) ٣/ ٩٨٤.
(٣) انطر المراجع السابقة.
(٤) في (ب) (اليقين).
(٥) في أ (للمرأة) وما في (ب، ج) موافق لما في "تهذيب اللغة".
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (نفس) ٤/ ٣٦٣١، "الصحاح" (نفس) ٣/ ٩٨٤، وللنفس معان أخرى منها: الجسد، والعين وغير ذلك. انظر: "الصحاح" (نفس) ٣/ ٩٨٤، "مقاييس اللغة" (نفس) ٥/ ٤٦٠.
(٧) "الزاهر" لابن الأنباري ٢/ ٣٨٦، وانظر "تهذيب اللغة" (نفس) ٤/ ٣٦٢٩.
(٨) في (ب): (وسنذكره).
(٩) لفظ الجلالة، ليس في (ج).
(١٠) على قراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو.
(١١) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١١٩ - ١٢٠، "البحر المحيط" ١/ ٥٨، "الدر المصون" ١/ ١٢٧، ١٢٨.
قال الفرزدق (٦):
(٢) في (ب): (الدربة) بالباء الموحدة ن وكذا ورد عند ابن فارس في "المقاييس" ٣/ ١٩٤. وعند سيبويه ٤/ ٤٤، وابن سيده في "المخصص" ٣/ ٣٢، (الدرية) كما هنا.
(٣) قال سيبويه: (هذا باب ما تجيء فيه الفعلة تريد بها ضربا من الفعل)، ثم قال: (.. وقد تجيء الفعلة لا يراد بها هذا المعنى وذلك نحو: الشدة، والشعرة، والدرية.. وقالوا: ليت شعري في هذا الموضع، استخفافا، لأنه كثر في كلامهم، كما قالوا: ذهب بعذرتها، وقالوا: هو أبو عذرها لأن هذا أكثر...)، "الكتاب" ٤/ ٤٤، وانظر "الصحاح" (شعره) ٢/ ٦٩٩، "اللسان" ٤/ ٤٠٩.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (حسن).
(٦) هو الشاعر المشهور همام بن غالب بن صعصعة بن تميم البصري، مات سنة عشر ومائة. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٣١٠، "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٢٩٨، "الخزانة" ١/ ٢١٧.
لَبِسْنَ (١) الفِرِنْدَ الخُسْرُوَانِي فَوْقَهُ | مَشَاعِرَ مِنْ خَزِّ العِرَاقِ المُفَوَّفُ (٢) |
وقوله في وصف الكافرين ﴿لَا يَشْعُرُونَ﴾ أبلغ في الذم من وصفهم بأنهم لا يعلمون؛ لأن البهيمة قد تشعر من حيث تحس (٥)، فكأنهم وصفوا بنهاية الذهاب عن الفهم، وعلى هذا قال: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ١٥٤] ولم يقل: (ولكن لا تعلمون) لأن المؤمنين إذا أخبرهم الله تعالى بأنهم أحياء علموا أنهم أحياء،
(٢) البيت في "ديوان الفرزدق" وفيه (دونه) بدل (فوقه) ٢/ ٢٤، "المخصص" ٣/ ٣٢، "شرح الأبيات المشكلة الإعراب" للفارسي ص ٢٩٩، "جمهرة أشعار العرب" ص ٣١٤، وفيه (الفريد) بدل (الفراند)، و (خزي) بدل (من خز)، و (الفراند): يطلق على وشى السيف، وعلى السيف نفسه، وعلى الورد الأحمر، وقال في "اللسان" (فرند): دخيل معرب اسم ثوب، "اللسان" (فرند) ٦/ ٣٤٠٥، و (الفريد): قلائد اللؤلؤ، و (الخسرواني): الذي يشتري بالمال الكثير، ولا تحسب فيه خسارة، و (المشاعر). الثياب التي يلي البدن، و (المفوف): المُوَشَّى.
(٣) فبينهما عموم وخصوص مطلق.
(٤) في "المخصص": (... ولهذا لم يجز في وصف الله تعالى كما لم يجز في وصفه (دوى)، وكان قوله تعالى في وصف الكافرين...). ، ٣/ ٣٢.
(٥) في (ب): (لا تحس). وفي "المخصص": (.. من حيث كانت تحس..)، ٣/ ٣٢.
١٠ - قوله تعالى ﴿فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾:
قال أبو بكر بن الأنباري (٦): أصل المرض في اللغة: الفساد، ومرض فلان، فسد جسمه، وتغيرت حالته، وكذلك مرضت الأرض معناه (٧) تغيرت وفسدت (٨).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في (أ)، (ب) يشعرون (بالياء) وما في (ج) موافق لـ"المخصص" ٣/ ٣٢. وهو الوارد في الآية، وهو ما أثبته.
(٤) في "المخصص" (حياتهم) ٣/ ٣٢، والمراد الشهداء.
(٥) في (المخصص) (لا تشعرون). انتهى ما نقله الواحدي من كلام أبي علي. انظر "المخصص" ٣/ ٣٢.
(٦) انظر: "الزاهر" ١/ ٥٨٥، وانظر: "تفسير القرطبي" ١/ ١٧١، "تفسير النسفي" ١/ ١٨، "البحر اليحيط" ١/ ٥٣. قال ابن فارس: (الميم والراء والضاد) أصل صحيح يدل على ما يخرج به الإنسان عن حد الصحة في أي شيء كان،..)، "مقاييس اللغة" (مرض) ٥/ ٣١١، "تهذيب اللغة" (مرض) ٤/ ٣٣٧٨.
(٧) (معناه) مكرر في (ب).
(٨) في "التهذيب" (أرض مريضة، إذا ضاقت بأهلها، وأرض مريضة: إذا كثر بها الهرج والفتن والقتل "تهذيب اللغة" مرض) ١٢/ ٣٥.
إذا هبط الحَجَّاج أرضًا مريضةً | تتبَّع أقصى (٢) دائها فشفاها (٣) |
ألم تر أن الأرض أضحت مريضة | لفقد الحسين والبلاد اقشعرت (٤) |
رَاحَتْ لأربعك الرياح مريضة (٩)
(٢) في (ب): (دهاء).
(٣) ورد البيت في "الزاهر" ١/ ٥٦٠، ٥٨٦، "أساس البلاغة" (مرض) ٢/ ٣٧٩، "جواهر البلاغة" للهاشمي ص ٣١٥.
(٤) البيت من قصيدة لسليمان بن قَنَّة يرثي الحسين بن علي -رضي الله عنه- وردت في "الاستيعاب" ١/ ٤٤٤، "سير أعلام النبلاء" ٣/ ٣١٩، "والبداية والنهاية" ٨/ ٢١١، والقصيدة في حماسة أبي تمام بشرح المرزوقي، دون البيت المستشهد به هنا ٢/ ٩٦١.
(٥) في (ب): (فقال يقال).
(٦) في (أ)، (ج): (غير) وفي (ب) (عن) والصواب (عين) قال الثعلبي: (المرض في العين: فتورالنظر) "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٠ أ، وانظر "الصحاح" (مرض) ٣/ ١١٠٦ "البحر المحيط" ١/ ٥٣.
(٧) (أي) ساقطة من (ب).
(٨) في (ب): (يفسر).
(٩) لم أعثر عليه ولم أعرف قائله فيما اطلعت عليه والله أعلم.
ثعلب عن ابن الأعرابي (١): أصل المرض: النقصان. بدن مريض: ناقص القوة. و (٢) قلب مريض: ناقص الدين، ومَرَّض (٣) في حاجتي إذا نقصت حركته فيها.
وقال الأزهري: أخبرني المنذري، عن بعض أصحابه قال: المرض إظلام الطبيعة واضطرابها بعد صفائها، قال: والمرض: الظلمة، وأنشد (٤):
ولَيْلَةٍ مَرِضَتْ مِنْ كُلِّ ناحيةٍ | فما يُضيءُ لها شَمْسٌ ولا قَمَرُ (٥) |
(٢) (الواو) ساقطة من (ب).
(٣) في "التهذيب": (مرض فلان في حاجتى) ٤/ ٣٣٧٨.
(٤) في "التهذيب": (وأنشد أبو العباس)، ٤/ ٣٣٧٨، وذكره ابن الأنباري في "الزاهر" قال: أنشدنا أبو العباس ١/ ٥٨٥.
(٥) البيت لأبي حية النميري ولفظه في "التهذيب" (فلا يضيء) ٤/ ٣٧٧٨، وذكره ابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ٥٨٥ والكرماني في "لباب التفسير" ١/ ١٢٦ (رسالة دكتوراه)، وورد في "اللسان" (مرض) ٧/ ٤١٨٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٥، "الدر المصون" ١/ ١٢٩.
(٦) (هذا) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (والجهل هذا والحيرة) وفي ج (والحيرة والجهل).
وقال ابن جرير (٣): معناه في اعتقاداتهم مرض، أي: شك وشبه، فاستغنى بذكر القلوب عن ذكر الاعتقادات؛ لأن محلها القلوب كقولهم: (يا خيل الله اركبي) (٤).
وليس الأمر على ما قال؛ لأن الشك في القلب على الحقيقة، فأي فائدة لتقدير الاعتقاد ههنا؛ ولأن الشك ينافي الاعتقاد، وهم ليسوا
(٢) انظر أقوالهم والآثار عنهم في: "تفسير الطبري" ١/ ١٢٢، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٤٣ - ٤٤، "تفسير ابن كثير" ١/ ٥٢، "الدر" ١/ ٦٧ - ٦٨.
(٣) "تفسير الطبري" ١/ ١٢٢، نقل الواحدي كلامه بتصرف.
(٤) قوله: (كقولهم: يا خيل الله اركبي) ذكره ابن الأنباري في "الزاهر"، قال ومعناه. فرسان خيل الله اركبوا وابشروا بالجنة. "الزاهر" ٢/ ١٠٠، ومنه الحديث (يا خيل الله اركبي) ذكره ابن الأثير في "النهاية" ٢/ ٩٤، وذكره السيوطي في "الدرر المنتثرة"، وعزاه للعسكري في "الأمثال"، "الدرر المنتثرة" ص ١٤٤ (٤٦٣)، وذكره العجلوني في "كشف الخفاء" وعزاه لأبي الشيخ في "الناسخ والمنسوخ"، وللعسكري ولابن عائذ في "المغازي" وغيرهم. انظر "كشف الخفاء" ٢/ ٣٧٩، ٣٨٠، وقد رجعت إلى "جمهرة الأمثال" للعسكري ولم أجده، وترجم أبو داود في "سننه" (باب في النداء عند النفير: يا خيل الله اركبي) كتاب (الجهاد) وساق حديث سمرة بن جندب: أما بعد: فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمى خيلنا خيل الله (٢٥٦٠)، "سنن أبي داوود" ٣/ ٥٥ معه "معالم السنن".
وقوله تعالى: ﴿فَزَادَهُمُ اَللَّهُ مَرَضًا﴾. يقال: زاد يزيد زيادة وزيدا (٣)، أنشد أبو زيد:
كذلك زَيْدُ المَرْءِ بعدَ انتِقَاصِه (٤)
وقال ذو الإصبع (٥):
وأنتمُ معشرٌ زَيْدٌ على مائة | فأجمِعُوا أمركم طُرًّا فكيدوني (٦) |
(٢) وفيما قاله الواحدي وجاهة وقوة.
(٣) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٢٢.
(٤) أنشده أبو زيد مع ثلاثة أبيات قبله ونسبها لحسان السعدي ورواية أبي زيد له مع عجزه:
كذلك زيد المرء ثم انتقاصه | وتكراره في إثره بعد ما مضى |
(٥) هو حرثان بن محرث ذو الإصبع العدواني شاعر جاهلي معمر عاش ثلاثمائة سنة انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٤٧٣، "الخزانة" ٥/ ٢٨٤.
(٦) البيت ضمن قصيدة لذى الإصبع العدواني في "المفضليات" ص ١٦١، وفيه بدل (طرا)، (كلا) ووردت في ص ١٦٣، وفيه (شتى)، وهي في "الأمالي" لأبي علي القالي١/ ٢٥٦، وفي "شرح المفصل" لابن يعيش ١/ ٣٠.
(٧) في (ب): (كان).
(٨) في (ب): (على مائة فأجمعوا).
(٩) أي: (زاد).
وكان حمزة يميل (زاد) في جميع القرآن (٣) كأنه أراد أن يدل بالإمالة على أن العين (٤) (ياء) [ليحافظ] (٥) على الحرف الذي هو أصل، كما أنهم قالوا في جمع أبيض وأعين: بيض وعين، فأبدلوا (٦) من الضمة كسرة، لأن جمع (أَفْعَل) (٧) (فُعْل) لتصح (٨) (الياء) ولا تنقلب إلى (الواو) (٩) فكما حوفظ على تصحيح (١٠) (الياء) في هذه الحروف كذلك حوفظ على (الياء)
(٢) الكلام نقله عن "الحجة" لأبي علي١/ ٣٢٢.
(٣) قال ابن مجاهد: (قرأ حمزة [وحده] ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ﴾ بكسر الزاي [المراد الإمالة] وكذلك (شاء) و (جاء) و (خاب) و (طاب) و (ضاق) و (خاف) و (حاق)... ثم قال. وكان ابن عامر يكسر من ذلك كله ثلاثة أحرف: (فزادهم) و (شاء) و (جاء)، "السبعة" لابن مجاهد ص ١٤١، ١٤٢، وذكر نحوه مكي، وقال: ووافقه ابن ذكوان في (جاء) و (شاء) حيث وقعا وعلى إمالة (زاد) في أول سورة البقرة خاصة. "الكشف" ١/ ١٧٤، وانظر: "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٢٠.
(٤) في (ب): (المعين).
(٥) في جميع النسخ (لتحافظ) بالتاء، وكتبتها بالياء حسب ما ورد في "الحجة" والكلام منقول منه وهو الصحيح، انظر "الحجة"١/ ٣٢٦، ٣٢٧.
(٦) في (أ)، جـ، (فأبدوا) وأثبت ما في (ب).
(٧) في (ب): (أفضل).
(٨) في (ب): (النصح).
(٩) جمع (أبيض) على القياس (بوض) فأبدلوا ضمة (الباء) كسرة حتى لا تقلب الياء واوا.
(١٠) في (ب): (الصحيح).
ومما يقوي الإمالة في (زاد) ونحوه: أنه اجتمع فيه أمران كل واحد يوجب الإمالة:
أحدهما: ما ذكرنا (٥) والثاني: لحَاقُ الكسرة أول فَعَلْتَ (٦)، وكل واحدة من هاتين الحالتين توجب الإمالة بانفرادها (٧).
ومعنى قوله. ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ أى: شكًّا على شكٍّ وفسادَا على فساد (٨). وهذا يدل على أن كفرهم كان مخلوقًا لله تعالى (٩)؛ لأنه لو لم
(٢) أي ما كان أصل العين فيه ياء.
(٣) في "الحجة": (زاد وباع وناب وعاب) ١/ ٣٢٧.
(٤) (في الكلمة) ساقط من (ب).
(٥) وهو أن تمال الألف ليعلم أنها من الياء،. "الحجة" ١/ ٣٢٨.
(٦) كذا ورد في "الحجة" ١/ ٣٢٨ والمراد أن الحرف الأول من فعل زاد يكون مكسورا إذ أسند هذا الفعل إلى تاء المتكلم أو المخاطب أو المخاطبة فتقول: زدتُ، زِدتَ، زِدتِ انظر "الكشف" ١/ ١٧٤.
(٧) الكلام بتصرف يسير من "الحجة" ١/ ٣٢٧، ٣٢٨.
(٨) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٢٢ - ١٢٣، و"تفسير البغوي" ١/ ٦٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ٥٢.
(٩) المعنى صحيح فإن الله خالق كل شيء من الطاعات والكفر لكن السلف لم يستعملوا هذا اللفظ تأدبا مع الله تعالى انظر التعليق السابق عند تفسير قوله تعالى: ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلىَ قُلوُبِهِم﴾ [البقرة: ٧].
قال أبو إسحاق (٢): المرض (٣) في القلب يصلح لكل ما خرج به الإنسان عن الصحة في الدين (٤).
وقوله تعالى ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا﴾ (٥) أي بما أنزل من القرآن، فشكّوا فيه كما شكّوا في الذي قبله كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ﴾ الآية [التوبة: ١٢٤].
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ﴾. أصل العذاب في كلام العرب: من العذب، وهو المنع؛ يقال: عَذَبتَه عَذْبًا أي منعتَه مَنْعَا، فعَذَبَ عُذوبًا أي امتنع (٦)، ومنه يقال للفرس إذا قام في المِعْلف ولم يتناول العلف وامتنع عنه: عَذُوبٌ وعَاذِبٌ، ومنه الماء العَذْب؛ لأنه يمنع العطش (٧). فسمي العذاب عذابًا؛ لأنه يَعْذُبُ المعاقب عن معاودة ما عوقب عليه، ويعذب
(٢) هو الزجاج.
(٣) (المرض) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (على).
(٥) كلام الزجاج: (وقوله: ﴿فَزَادهمُ الله مَرَضًا﴾ فيه جوابان قال بعضهم زادهم الله بكفرهم كما قال عز وجل: ﴿بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾ [النساء: ١٥٥] وقال بعض أهل اللغة: فزادهم الله بما أنزل عليهم من القرآن...)، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥١.
(٦) انظر. "تهذيب اللغة" (عذب) ٣/ ٢٣٦٥، "تفسير الدر المصون" ١/ ١٧٨ "تفسير البيضاوي" ١/ ١٠.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (عذب) ٣/ ٢٣٦٤، "الصحاح" (عذب) ١/ ١٧٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨ ب، "الكشاف" ١/ ١٦٤.
وقوله تعالى: ﴿أَلِيمٌ﴾ الأليم بمعنى المؤلم (٣) كالسميع: بمعنى المسمع (٤)، وقال ذو الرمة (٥):
وترفع (٦) من صدور شَمَرْدَلاتٍ | يصُكُّ وجوهَها وَهَجٌ (٧) أليمُ (٨) |
(٢) انظر: "مقاييس اللغة" (عذب) ٤/ ٢٦٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨ ب، "الكشاف" ١/ ١٦٥، "تفسير البيضاوي" ١/ ١٠، "تفسير القرطبي" ١/ ١٧٢.
(٣) انظر. "تفسير الطبري" ١/ ١٢٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥١، "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٥.
(٤) في (أ)، (ج) (السمع) وأثبت ما في (ب).
(٥) هو غيلان بن عقبة من بني صعب بن مالك بن عدي بن عبد مناة، و (الرُّمَّة) بضم الراء وتشديد الميم: قطعة من الحبل الخلق، قيل إن مية لقبته بذلك، شاعر إسلامي عاصر جرير والفرزدق. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص ٣٥٠، "وفيات الأعيان" ٤/ ١١، "الخزانة" ١/ ١٠٦.
(٦) كذا في (أ)، (ج) وفي (ب) محتملة ونحوه في "تفسير الطبري" وما عداه من المصادر فيها: (نرفع).
(٧) في (ب) (هجم).
(٨) قوله: الشمردلات الإبل الحسان الجميلة الخلق، يصك: يضرب، وهج أليم: شدة الحرارة، البيت في "ديوانه" ٢/ ٦٧٧، "مجاز القرآن" ١/ ٣٢ و"تفسير الطبري" ١/ ١٢٣، وفيه (يصد) بدل (يصك)، "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٨، و"الدر المصون" ١/ ١٣٠.
(٩) هو عمرو بن معد يكرب، وفد على النبي - ﷺ - سنة تسع أو عشر، فأسلم، فارس مشهور، له وقائع في الجاهلية والإسلام، انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص ٢٣٥، "الإصابة" ٣/ ١٨، "الخزانة" ٢/ ٤٤٤.
أي: المسمع. ومعنى العذاب الأليم (٢): الذي يخلص وجعه إلى قلوبهم.
"قوله تعالى: ﴿بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾. (ما) في تأويل المصدر (٣) كأنه قيل: بكونهم مكذبين وبتكذيبهم. وسنذكر القول في ذلك عند قوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ [البقرة: ٢٨]، إن شاء الله.
وحقيقة الكذب: الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو به، وقد يستعار لفظ الكذب فيما ليس بكذب في الحقيقة (٤)، كقول الأخطل (٥):
يؤرقني وأصحابي هجوع
وريحانة: أخت عمرو، وكان الصمة أبو دريد قد غزا بني زبيد وسباها، وغزاهم عمرو مرارًا ولم يقدر عليها، وقيل: ريحانة امرأة أراد أن يتزوجها فهو يشبب بها. البيت في "الشعر والشعراء" ص ٢٣٥، و"تفسير الطبري" ١/ ١٢٣، "معاني القرآن" للزجاج١/ ٥١، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٥٠ أ، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٥، "الأصمعيات" ص ١٧٢، "البحر المحيط" ١/ ٥٩.
(٢) في (ب): (هو العذاب الذي...).
(٣) هذا على قول من يجعل لـ (كان) مصدرًا ومن لا يجيز ذلك يجعل ما بمعنى الذي وسيأتي للمسألة مزيد إيضاح عند قوله ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ [البقرة: ٢٨]، وقد ذكر المذهبين الطبري في "تفسيره" ١/ ١٢٣، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٦٠ والسمين الحلبي في "الدر المصون" ١/ ١٣٠.
(٤) قال أبو حيان: والكذب له محامل في لسان العرب، أحدها: الإخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه. والثاني: الإخبار بالذي يشبه الكذب ولا يقصد به إلا الحق. والثالث: الخطأ. الرابع: البطول. الخامس: الإغراء بلزوم المخاطب الشيء المذكور. "البحر المحيط" ١/ ٦٠، وانظر: "الكشاف" ١/ ١٧٨، "الدر المصون" ١/ ١٣٢.
(٥) هو غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة التغلبي، الشاعر المشهور كان نصرانيًّا =
كأنها لما أوهمته خلاف الحقيقة كانت بمنزلة ما كذبته (٢).
وقرأ أهل الكوفة (٣) ﴿يَكْذِبُونَ﴾ بالتخفيف من الكذب، وهو أشبه بما قبله وبما بعده؛ لأن قبله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ٨] وهذا كذب منهم، وبعده قوله: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ﴾ [البقرة: ١٤] وهذا يدل على كذبهم في دعوى الإيمان.
وأيضا فإن قوله تعالى ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ﴾ لا يخلو إما أن يراد به المنافقون، أو المشركون، أو الفريقان جميعاً. فإن أراد المنافقين فقد (٤) قال فيهم: ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (١)﴾ [المنافقون: ١].
وإن كانوا المشركين فقد قال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ﴾ [المؤمنون: ٩٠ - ٩١]. وإن كانوا الفريقين فقد أخبر عنهم جميعا بالكذب الذي يلزم (٥) أن يكون فعله (يكذبون) بالتخفيف.
(١) البيت مطلع قصيدة للأخطل يهجو بها جريرا وقوله (كذبتك عينك): أي خيل إليك، وواسط: مكان بين البصرة والكوفة. البيت من شواهد سيبويه ٣/ ١٧٤. وورد في "المقتضب" ٣/ ٢٩٥، "تهذيب اللغة" (الكذب) ٤/ ٣١١٤، "مغنى اللبيب" ١/ ٤٥.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (كذب) ٤/ ٣١١٤.
(٣) عاصم وحمزة والكسائي انظر "السبعة" لابن مجاهد ص ١٤٣، "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٢٩، "الكشف" لمكي١/ ٢٢٧، و"تفسير الطبري" ١/ ١٢١ - ١٢٣.
(٤) في (أ)، (ج): (وقد) وأثبت ما في (ب) ومثله في "الحجة" ١/ ٣٣٨.
(٥) في (ب): (يلتزم).
١١ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ﴾ الآية. موضع (إذا) من الإعراب نصب لأنه اسم للوقت كأنك قلت: (وحين قيل لهم) أو (ويوم قيل لهم) إلا أنها تشبه حرف الجزاء (٤) وسيأتي الكلام في (إذ) و (إذا) بعد هذا إن شاء الله.
وكان الكسائي يُشِمّ ﴿قِيلَ﴾ (٥) وأخواتها (٦) (الضم)، ليدل بذلك على أنه كان في الأصل (فُعِل) (٧)، كما أنهم قالوا: أنت تغزُين، فألزموا الزاي إشمام الضمة، و (زين) من (تغزين) بمنزلة: (قيل). ومن قال (قُيل) بإشمام
(٢) في (أ)، (ج): (الثقيل) وأثبت ما في (ب) ومثله في "الحجة" ١/ ٣٣٨.
(٣) أخذه عن "الحجة" لأبي علي، بتصرف ١/ ٣٣٧. وانظر "الكشف" لمكي ١/ ٢٢٨، وقد رجح مكي قراءة (التشديد) ورجح الطبري قراءة (التخفيف) ١/ ١٢٣.
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣٧، "البيان" ١/ ٥٥، ٥٦، "الدر المصون" ١/ ١٣٢.
(٥) وروي عن هشام مثل الكسائي، وعن نافع وابن عامر الإشمام في بعض أخوات (قيل) دونها. انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٤٣، "الحجة" ١/ ٣٤٠، "الكشف" لمكي ١/ ٢٢٩.
(٦) في (أ)، (ج): وأخواته. وأثبت ما في (ب).
والمراد بأخواتها: سيء وسيق وحيل وجيء وغيض والسادس قيل فهي ستة أفعال معتلة العين. انظر: "الكشف" لمكي ١/ ٢٢٩ والإشمام سبق تعريفه.
(٧) فعل: مبني للمجهول.
وأما من (٢) حرك الفاء بالكسر ولم يشم الضمة، قال (٣): هذا كان في الأصل (قُوِلَ) فنقلت كسرة الواو إلى القاف، فسكنت الواو وانكسر ما قبلها، فصارت (ياء) فلزم كسر القاف وصار الأصل هذا (٤).
قال المفسرون: ومعنى الآية: وإذا قيل لهؤلاء المنافقين: لا تفسدوا في الأرض بالكفر وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد - ﷺ - (٥). ويقال: أفسد الشيء يفسده إفساداً، ومفعول الإفساد محذوف (٦) على معنى: (لا تفسدوا أنفسكم بالكفر، أو (٧) الناس بالتعويق عن الإيمان)، على ما ذكره المفسرون.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾. (٨) (نحن) تدل على جماعة.
(٢) وهم ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة هؤلاء كسروا أوائل (قيل) وأخواتها ونافع وابن عامر وافقاهم في بعضها ومنها (قيل)، انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٤٣، ١٤٤، "الحجة" ١/ ٣٤٠ - ٣٤١، "الكشف" ١/ ٢٢٩.
(٣) في (ب): (كان).
(٤) انظر: "الحجة" ١/ ٣٤٩ - ٣٥٠ "الكشف" ١/ ٢٣٠.
(٥) انظر. "تفسير الطبري" ١/ ١٢٥، "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٠ ب، "تفسير ابن كثير" ١/ ٥٣، و"تفسير البغوي" ١/ ٦٦، "تفسير الخازن" ١/ ٥٨.
(٦) في (ب): (محذوف).
(٧) في (ب): (بالواو).
(٨) في (ج): (قالوا إنما نحن مصلحون).
وقال بعضهم. ضم آخرها تشبيهاً بالغاية، نحو: قبلُ وبعدُ (٧)، ووجه الشبه بينهما (٨) ذكرنا في قوله: ﴿هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ﴾ [البقرة: ٢٥]. وقال قوم: كان أصلها (نَحُنْ) (٩) ثم فعل بها ما فعل بـ (قط) لتشبه أخواتها (١٠)، وأصل (قط): (قطط)، والقياس عند الإدغام يوجب نقل ضمة العين إلى اللام، دلالة على حركة العين في الأصل.
(٢) في (ب): (ونحن).
(٣) في (أ)، (ب)، (ج): (قالوا ومن) والتصحيح من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٥.
(٤) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٥٤. وانظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ٢٤١.
(٥) في (ب): (أناس).
(٦) "الأضداد" لابن الأنباري ص ١٨٤، "تهذيب اللغة" (أنا) ١/ ٢١٣.
(٧) ذكره النحاس ونسبه لمحمد بن يزيد، "إعراب القرآن" للنحاس١/ ١٣٨ - ١٣٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٢٤.
(٨) (بينهما) ساقط من (ب) وفي ج (بينهم).
(٩) في (أ): (نَحْنُ) وفي ب، ج غير مشكولة والصحيح (نَحُنْ) كما في "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣٨ - ١٣٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٢٥، وفي (نحن) نقلت الضمة إلى (النون) وسكنت (الحاء).
(١٠) أخوات (قط): (قبل) و (بعد) و (حسب) لأنها غاية مثلهن: انظر "تهذيب اللغة" (قط) ٣/ ٢٩٩١، "الكتاب" ٣/ ٢٧٦.
والتأويل: إنما نحن مصلحون أنفسنا أو الناس، على ما ذكرنا في
قوله: ﴿لَا تُفْسِدُوا﴾ لأن الإصلاح واقع، ولا بد له من مفعول، وقولهم: فلان مصلح، يراد أنه مصلح لأعماله وأموره.
١٢ - وقوله تعالى: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾. رد الله عليهم قولهم: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ و (ألا) كلمة يستفتح (٢) بها الخطاب (٣).
قال الكسائي: وهي تنبيه، ويكون بعدها أمر أو نهي أو إخبار، نحو قولك: ألا قم، ألا لا تقم، ألا إن زيدا قد قام (٤). وقال النحاة: أصلها (لا) دخلت عليها ألف (٥) الاستفهام (٦) والألف إذا دخلت على الجحد (٧)
(٢) في (أ) (تستفتح).
(٣) انظر "معاني الحروف" للرماني ص ١١٣، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٥٧، "البحر المحيط" ١/ ٦٢، "الدر المصون" ١/ ١٣٩.
(٤) ذكره الأزهري عن سلمة عن الفراء عن الكسائي "تهذيب اللغة" (ألا) ١٥/ ٤٢٢.
(٥) في ج (همزة).
(٦) انظر: "الكتاب" ٢/ ٣٠٧، "الجمل في النحو" للزجاجي ص ٢٤٠، "الكشاف" ١/ ١٨٠، واختار أبو حيان. أنه حرف بسيط غير مركب ورد على الزمخشري في ذلك، "البحر" ١/ ٦١، وأخذ يقول أبي حيان السمين الحلبي في "الدر المصون" ١/ ١٣٩.
(٧) أي النفي.
وقال الزجاج: (ألا) كلمة يبتدأ بها، ينبه بها المخاطب توكيدا، يدل على صحة ما بعدها.
ذكر هذا في آخر سورة: (حم السجدة) (٤).
وقوله تعالى: ﴿هُمُ﴾ إن شئت جعلته تأكيدا (٥)، وإن شئت جعلته ابتداء، و (المفسدون) خبره، وجعلتهما خبر (إن) (٦). ودخلت الألف واللام في (المفسدين) للجنس، كأنه جعلهم جنس المفسدين تعظيماً لفسادهم، كأنه لا يعتد بفساد غيرهم مع فسادهم، وكل فساد يصغر في جنب فسادهم،
(٢) انظر: "الكشاف" ١/ ١٨٠.
(٣) العرض: هو الطلب بلين ورفق، والتحضيض: هو الطلب بحث وإزعاج، والمثال المذكور للعرض. و (ألا) تأتي على أوجه أخرى، انظر "حروف المعاني" للرماني ص١١٣، "الأزهية" ص١٦٣، "تهذيب اللغة" (ألا) ١/ ١٧٨، "مغني اللبيب" ١/ ٦٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٣٩٢ (ط: عالم الكتب).
(٥) في (ج) (توكيد). وهو توكيد للضمير في أنهم فيكون في محل نصب. انظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٣٩، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٨، "الدر المصون" ١/ ١٣٩.
(٦) ويجوز وجه ثالث. وهو أن يكون (هم) فصلا ويسميه الكوفيون (عمادا) فلا موضع له من الإعراب انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٣، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٧ - ١٦٨، "الدر المصون" ١/ ١٣٩.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾. أصل ﴿لكن﴾، (لا، ك، إن)، (لا) للنفي و (الكاف) للخطاب و (إن) للإثبات. فحذفت الهمزة استخفافا (٢). ومعناها: استدراك (٣) بإيجاب بعد نفي (٤)، أو نفي بعد إيجاب (٥)، فإذا قيل: ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ (٦) الْمُفْسِدُونَ﴾ سبق إلى الوهم أنهم يفعلون (٧) ذلك من حيث يشعرون. فقال: ﴿وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ (٨).
وكذلك (٩) إذا قال: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: ٤٠] أوهم ذلك استبهام صفاته، فقال: ﴿وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ﴾، [والمعنى:
(٢) في (ب): (استحقاقا). والقول الذي حكاه الواحدي هو رأي الكوفيين أما البصريون فيرون أنها بسيطة غير مركبة. انظر "الإنصاف" ص ١٧١ - ١٧٨، "مغني اللبيب" ١/ ٢٩١.
(٣) في (ب): (استدرك).
(٤) في (ب): (بعد بعد).
(٥) قال النحويون: (لكن) لا يتدارك بها بعد إياب إلا إذا وقع بعدها جملة، كما سيأتي في كلام المبرد الذي نقله المؤلف. انظر "الكتاب" ١/ ٤٣٥، ٤/ ٢٣٢، "المقتضب" ١/ ١٢، "معاني الحروف" للرماني ص ١٣٣، "حروف المعاني" للزجاج ص ١٥، ٣٣.
(٦) (هم) ساقطة من (ب).
(٧) في (ب): (يضلون).
(٨) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٢٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٨، "الدر المصون" ١/ ١٤٠.
(٩) في (ب): (لذلك).
وقال المبرد: (لكن) من حروف العطف، وهي للاستدراك (٤) بعد النفي، ولا يجوز أن يدخل بعد واجب (٥)، إلا لترك قصة إلى قصة تامة [نحو قولك: جاءني زيد لكن عبد الله لم يأت، وما جاءني زيد لكن عمرو (٦).
وفي الآية أتت بعد الإيجاب لترك قصة إلى قصة (٧) تامة] (٨)، وهو قوله: ﴿إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ﴾. فأما التشديد والتخفيف في ﴿لكن﴾ استعماله (٩) بالواو وبغير الواو، فقد ذكرناها عند قوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ [البقرة: ١٠٢].
ومعنى قوله: ﴿وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أي: لا يعلمون أنهم مفسدون، بل يحسبون أنهم مصلحون.
وقيل: ولكن لا يعلمون ما عقوبة فعلهم وما يحل بهم، وذلك أن مفعول العلم محذوف فيحتمل القولين (١٠).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (اشتراك).
(٤) في (ب): (استدراك).
(٥) أي موجب والمراد غير منفي.
(٦) "المقتضب" ١/ ١٢.
(٧) أي جملة تامة إلى جملة تامة.
(٨) ما بين المعقوقين ساقط من (ب).
(٩) في (ب): (استعمال).
(١٠) وهناك قول ثالث: أنهم يعلمون الفساد سرا ويظهرون الصلاح، وهم لا يشعرون أن أمرهم يظهر عند النبي - ﷺ -. انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٨، "تفسير البغوي" ١/ ٦٦، "زاد المسير" ١/ ٣٣، "تفسير القرطبي" ١/ ١٧٧ - ١٧٨.
و (الألف واللام) فيه للمعرفة (٢)؛ لأن أولئك كانوا معروفين عند المخاطبين بهذا (٣).
وقوله تعالى: ﴿أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾. (الألف) في أنؤمن استفهام [معناه: الجحد والإنكار (٤)، لا نفعل كما فعلوا، وسيأتي وقوع الاستفهام، (٥) موقع الجحد مشروحاً بعد هذا. والسفهاء: الجهال (٦) الذين قلت عقولهم، جمع (السفيه) ومصدره: (السَّفَه والسَّفَاه والسَّفَاهَةُ) (٧).
(٢) أي العهد الخارجي العلمي، أو (الألف واللام) للجنس، والمراد الكاملون في الإنسانية، انظر "الفتوحات الإلهية" ١/ ١٨، ١٩.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٢٧ - ١٢٨.
(٤) انظر: "الوسيط" للمؤلف ١/ ٤٢، "الكشاف" ١/ ١٨٢، "تفسير البيضاوي" ١/ ٩، "الدر المصون" ١/ ١٣٤.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٦) في (أ)، (ج): (الححال الحهال) معناها غير واضح فلعل أحد النساخ كتب الجهال وطمسها فنقلت وما في (ب) يوافق عبارة المؤلف في "الوسيط": (السفهاء: الجهال الذين قلت عقولهم)، ١/ ٤٢.
(٧) انظر. "اللسان" (سفه) ٤/ ٢٠٣٢.
مَشَيْنَ كَمَا اهْتَزَّتْ رِمَاحٌ تَسَفَّهَتْ | أَعَالِيهَا (٣) مَرُّ الرِّيَاحِ النَّوَاسِمِ (٤) |
........ سفيهٍ جديلُها (٥)
ولهذا المعنى سمى الله تعالى الصبيان والنساء: السفهاء في قوله ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ [النساء: ٥] لجهلهم وخفة عقلهم (٦).
(٢) في (ب): (سفهت).
(٣) في (ب): (من).
(٤) البيت لذي الرمة يصف نسوة، جعل النساء في اهتزازهن في المشي بمنزلة الرماح، تستخفها الرياح فتزعزعها، والنواسم: الرياح الضعيفة في أول هبوبها. البيت في "الديوان" ٢/ ٧٥٤، وفيه (رويدا) بدل (مشين)، "الكتاب" ١/ ٥٢، ٦٥، "المقتضب" ٤/ ١٩٧، "تهذيب اللغة" (سفه) ٢/ ١٧١٠، "معجم مقاييس اللغة" (سفه) ٣/ ٧٩، "اللسان" (سفه) ٤/ ٢٠٣٤، (الخصائص) لابن جني ٢/ ٤١٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٩، "تفسير القرطبي" ١/ ١٧٨.
(٥) جزء من بيت وتمامه:
وأبيض موشيَّ القميص نصبته | على خصر مِقْلاتِ سَفِيهٍ جَدِيلُهَا |
وبهذا انتهى ما نقله من "تهذيب اللغة" (سفه) ٢/ ١١٧١.
(٦) انظر: "تهذيب اللغة" (سفه) ٢/ ١١٧١.
١٤ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. قال المفسرون: يعني: أبا بكر -رضي الله عنه- وأصحابه (٧). و (لقوا) في الأصل (لقيوا) فاستثقلت الضمة على
(٢) (فيها) غير واضحة في (ب).
(٣) يريد ما سبق في قوله: ﴿كَمَا آمَنَ النَّاسُ﴾ حيث قال: الألف واللام للمعرفة لأن أولئك كانوا معروفين عند المخاطبين بهذا.
(٤) في (أ)، (ج): (المجاهدة) وما في (ب) موافق لما في "الوسيط" ١/ ٤٣ وهو ما أثبته.
(٥) في (ب): (وأنهم).
(٦) انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٧٨.
(٧) لعل المؤلف هنا يثير إلى الأثر الطويل الذي أخرجه في (أسباب النزول) بسنده عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والذي ورد فيه قصة لقاء عبد الله بن أبي ومعه طائفة من أصحابه بأبي بكر ومعه نفر من الصحابة.. الأثر. "أسباب النزول" للواحدي ص ٢٥. وأخرجه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥١ أ، وأورده =
لَقِيتُه لقَاءً ولِقْيَاناً ولُقِيًّا (٢) ولُقًى (٣).
الليث: وكل شيء استقبل شيئا أو صادفه فقد لقيه من الأشياء كلها (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ﴾. يقال: خَلاَ المكان يَخْلُو (٥) خَلَاءً وهو خَلاَء (٦) وخَالٍ (٧)، وخَلَوْتُ بفلان، أَخْلُو به خَلْوَةً وَخَلاَءً (٨)،
(١) في "الكشف" للثعلبي (فاشتقلت الضمة على (الياء) فنقلت إلى القاف، وسكنت، و (الواو) ساكنة فحذفت لاجتماعها) ١/ ٥١ أ، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٩، "تفسير القرطبي" ١/ ١٧٩.
(٢) (ولقيا) ساقط من (ب).
(٣) "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩٠، وانظر كلام ابن السكيت في "إصلاح المنطق" ص ٣١١. قال أبو حيان: (سمع لـ (لقى) أربعة عشر مصدرًا)، "البحر" ١/ ٦٢، "الدر المصون" ١/ ١٤٤.
(٤) "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩٠.
(٥) في (أ)، (ج): (مخلو) وأثبت ما في (ب).
(٦) في (ب): (يخلو خلاوة وخلاء).
(٧) في "التهذيب" قال الليث: خلا المكان والشيء يَخْلُو خُلْوَّا وخَلاَءً وأَخْلَى إذا لم يكن فيه أحد ولا شيء فيه، وهو خال. "التهذيب" (خلا) ١/ ١٠٧٣، وانظر "اللسان" (خلا) ٢/ ١٢٥٤، "القاموس" (خلا) ص ١٢٨٠.
(٨) ذكره الأزهري عن اللحياني. "التهذيب" (خلا) ١/ ١٠٧٣.
وقال النحويون: معنى الآية: إذا انصرفوا من لقاء المؤمنين إلى شياطينهم، فدخلت (إلى) لدلالة (٦) الكلام على معنى الابتداء (٧) والانتهاء؛ لأن أول لقائهم للمؤمنين ثم للشياطين، فكأنه (٨) قال: وإذا خلوا من المؤمنين وانصرفوا (٩) إلى شياطينهم. وهذا أحسن من إخراج
(٢) هو النضر بن شميل بن خَرَشة بن يزيد التميمي، من أهل مرو، كان صاحب غريب وشعر، ورواية للحديث، من أصحاب الخليل بن أحمد، توفي سنة ثلاث ومائتين. انظر ترجمته في: "إنباه الرواة" ٣/ ٣٤٨، "نزهة الألباء" ص ٧٣، "وفيات الأعيان" ٥/ ٣٩٧، "إشارة إلى التعيين" ص ٣٦٤.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥١ أ، وذكره الجوهري ولم ينسبه للنضر. "الصحاح" (خلا) ٦/ ٢٣٣٠، "اللسان" (خلا) ٢/ ١٢٥٤، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٣١.
(٤) وردت في سورة آل عمران: ٥٢ قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ الآية. وفي سورة الصف: ١٤ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾ الآية.
(٥) انظر: "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٧١.
(٦) في (أ)، (ج) (الدلالة) وأثبت ما في (ب).
(٧) في (ب): (الابتدار الانتهاء).
(٨) في (ب): (فكانوا).
(٩) في (ب): (فانصرفوا).
والشيطان كل متمرد عات من الجن والإنس (٢)، قال الله تعالى. ﴿شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ﴾ [الأنعام: ١١٢]. واختلفوا في اشتقاقه: فقال الليث: الشيطان فَيْعَال من شَطَن أي: بعد، يقال: نَوى شَطُون (٣) وشَطَنَت (٤) الدار، أي: بعدت، ويقال: شَيْطَن (٥) الرجل وتَشَيْطَن (٦) إذا صار (٧) كالشيطان وفعل فعله.
وقال رؤبة:
(٢) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٣٢، "تفسير الطبري" ١/ ٤٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٥ ب.
(٣) النوى: الدار، ويطلق على التحول من مكان إلى آخر. "اللسان" (نوى) ١٥/ ٣٤٧. والكلام لأبي عبيد أدخله المؤلف في كلام الليث، قال في "التهذيب" (أبو عبيد: نوى شطون: أي بعيدة شَاطَّة، وقال الليث: غزوة شطون: أي بعيدة، وشَطَنَت الدار شُطُونا، إذا بعدت...). "التهذيب" (شطن) ٢/ ١٨٧٧.
(٤) في (ب): (وشطين الداري) ولفظ الداري بخط مخالف كبير.
(٥) في (ب): (شيطان).
(٦) في (ب): (شيطن).
(٧) في (ب): (صاب).
فمعنى الشيطان: البعيد من الجنة. وقال قوم: الشيطان فعلان من شاط يشيط إذا هلك واحترق، بوزن: هَيْمَان وعَيْمَان (٢)، من هام وعام (٣) وقال الأعشى:
وقد يشيط على أرماحنا البطل (٤)
قال أبو علي: هو (فَيْعَال) من شَطَن (٥) مثل: البَيْطَار والغَيْدَاق (٦). وليس بفَعْلَان من قوله: وقد يَشِيُط البيت.
(٢) في (ب) (عثمان) وفي "التهذيب" (غيمان) ٢/ ١٨٧٧.
(٣) الكلام بنصه في "التهذيب" (شطن) ٢/ ١٨٧٨، ونسب أبو حيان القول للكوفيين. "البحر" ١/ ٦٢، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٤٩، "الحجة" ٢/ ٢٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٧٦.
(٤) صدره:
قد نخضب العير من مكنون فائله
العير: حمار الوحش، الفائل: عرق يجرى من الجوف إلى الفخذ، ومكنون الفائل: الدم، يشيط: يهلك. انظر (ديوان الأعشى) ص ١٤٩، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٢، "شرح المفصل" ٥/ ٦٤، "البحر المحيط" ١/ ٦٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٧٩.
(٥) في (ب): (شيطن).
(٦) (الغيداق) الكريم، وولد الضب، والطويل من الخيل. "القاموس" ص ٩١٤. و (البيطار): الخياط. "القاموس" ص ٣٥٢.
نعلم أن (٢) هذا الوزن جاء في كلامهم (٣). ومثل (فَيْعَل) بَيْطَر وَهَيْنَم (٤)،
والحجة القاطعة قول أمية:
أيُّمَا شاطنٍ عصاهُ عكاهُ | ثُمَّ يُلْقَى في السِّجْنِ والأكْبَالِ (٥) |
(٢) في (ب) (لأن).
(٣) نص كلام أبي علي في "الحجة": (ألا ترى أن سيبويه حكى: شَيْطَنتُه فَتَشَيْطَن، فلو كان من يَشِيطُ لكان شَيْطَنَتُه (فَعْلَنْتُه)، وفي أنا لا نعلم هذا الوزن جاء في كلامهم ما يدلك أنه. (فَيْعَلْتُه)، مثل: بَيْطَرتُه ومثل: هَيْنَم. وفي قول أمية أيضا دلالة عليه، وهو قوله:...) ٢/ ٢٢. وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" ٣/ ٢١٧، ٢١٨.
(٤) الهينمة: (الصوت الخفي) "القاموس" ص١١٧٢.
(٥) البيت لأمية بن أبي الصلت يذكر سليمان -عليه السلام- يقول: أيما شيطان عصى سليمان، عكاه: شده بالأكبال، وهي القيود ثم يلقى في السجن. انظر "تفسير الطبري" ١/ ٤٩، "الحجة" ٢/ ٢٢، "التهذيب" (شطن) ٢/ ١٨٧٨، (إعراب ثلاثين سورة) لابن خالويه ص ٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ٧٦، "زاد المسير" ١/ ٣٤، و"تفسير القرطبي" ١/ ٧٩، "البحر المحيط" ١/ ٦٢، "اللسان" (شطن) ٤/ ٢٢٦٥، "الدر المصون" ١/ ١٠.
(٦) انتهى ما نقله عن أبي علي من "الحجة" ١/ ٢٢، وقد نصر جمهور العلماء هذا الرأي وأن شيطان (فَيْعَال) من شَطن، منهم ابن جرير في "تفسيره" ١/ ٤٩، والأزهري في "تهذيب اللغة" (شطن) ٢/ ١٨٧٨، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٧٦٠.
قال السمين الحلبي: قال جمهورهم: هو مشتق من شَطَن يَشْطُن، أي بعد. "الدر المصون" ١/ ١٠.
قال ابن عباس: أراد بشياطينهم كبراءهم وقادتهم (٢).
وقوله تعالى ﴿إِنَّا مَعَكُمْ﴾. (مع) كلمة تضم الشيء إلى الشيء، ونصبها كنصب الظروف؛ لأن تأويل قولك: (أنا معك): أنا مستقر معك، كما تقول: أنا خلفك (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ﴾. (الهُزْءُ): السخرية، يقول: هَزِئَ به يَهْزَأُ (٤) وتَهَزَّأ به واسْتَهْزَأَ به (٥)، وهو أن يظهر غير ما يضمر استصغارا وعبثا (٦).
١٥ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾. قال ابن عباس: (هو (٧) أنهم
(٢) أخرج ابن جرير بسنده عن السدي خبرا ذكره عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس. وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول الله - ﷺ -: أما شياطينهم: فهم رؤوسهم في الكفر. وأخرج نحوه عن قتادة ومجاهد وغيرهم.
انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٣٠، وأخرج هذِه الآثار ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٤٧ - ٤٨، وانظر "الدر" ١/ ٦٩ - ٧٠.
(٣) في (ب): (جعلك). انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٤، "تهذيب اللغة" (مع) ٤/ ٣٤١٧، "مغني اللبيب"١/ ٣٣٣.
(٤) في (ب): (هزاته يهزئ).
(٥) ذكره الأزهري عن الليث. "التهذيب" (هزأ) ٤/ ٣٧٥٥، "الصحاح" (هزأ) ١/ ٨٤.
(٦) انظر: "الكشاف" ١/ ١٨٦، و"تفسير الرازي" ٢/ ٦٩، "لباب التفاسير" للكرماني ١/ ١٣٤ (رسالة دكتوراه).
(٧) (هو أنهم) ساقط من (ب).
وقال ابن الأنباري: الاستهزاء من الله جل وعز مخالف الاستهزاء من المخلوقين؛ لأن استهزاءه أن يستدرجهم من حيث لا يعلمون (٣).
وقال جماعة أهل المعاني: معنى الله يستهزئ بهم: يجازيهم (٤) جزاء استهزائهم، فسمى الجزاء باسم المجازى عليه، كقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤] ومنه قول عمرو:
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (٥)
وهذا هو الاختيار (٦)؛
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٣٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٥، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٥٢ أ، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٧، "زاد المسير" ١/ ٣٦، و"تفسير الرازي" ٢/ ٧٠، وقد ضعف الرازي هذا وقال: لأن الله أظهر الأدلة الواضحة بما يعاملون به في الدار الآخرة.
(٣) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٦.
(٤) (يجازيهم) ساقط من (أ)، (ج).
(٥) البيت لعمرو بن كلثوم وصدره:
ألا لا يجهلن أحد علينا
وقد سبق تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ﴾.
(٦) هذا القول ذكره الطبري ورده كما سيأتي، وذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٥٦، وأبو الليث في "تفسيره" ١/ ٩٧، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٧، و"تفسير =
وقوله تعالى: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾. أصل (المد) في اللغة: الزيادة، والمد: الجذب (٢): لأنه سبب الزيادة في الطول.
(١) في (ب): (لأن).
(٢) انظر. "اللسان" (مدد) ٧/ ٤١٥٦، "القاموس" ص ٣١٨.
(والمادة) كل شيء يكون مددا (٣) لغيره (٤). و (المُدَّةُ) (٥) الأوقات المتزايدة إلى غاية، ومنه مد الله في عمرك (٦).
الأصمعي: امتد النهر ومد إذا امتلأ بالزيادة، ومده نهر آخر (٧).
ابن المظفر (٨): وادي كذا يمد في نهر كذا. أي: يزيد فيه (٩) وأنشد (١٠):
سَيْلٌ أَتِيٌّ مَدَّهُ أَتيُّ (١١)
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٢٩، وانظر "التهذيب" (مد) ٤/ ٣٣٦١. وقد نقل المؤلف كلام الفراء بتصرف.
(٣) في "التهذيب": (مدادا).
(٤) ذكره الأزهري عن الليث. "التهذيب" (مد) ٤/ ٣٣٦١.
(٥) في (أ)، (ج): (المد)، وأثبت ما في (ب).
(٦) انظر "تهذيب اللغة" (مد) ٤/ ٣٣٦١، "الصحاح" (مدد) ٢/ ٥٣٧.
(٧) "تهذيب اللغة" (مد) ٤/ ٣٣٦١.
(٨) هو الليث بن المظفر، ويقال له. الليث بن نصر، صاحب الخليل، ينقل الواحدي كلامه كثيرًا من طريق "تهذيب اللغة". انظر مقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٤٧، "إنباه الرواة" ٣/ ٤٢.
(٩) في (أ)، (ج): (يزيده)، وما في (ب) موافق لما في "تهذيب اللغة" وهو ما أثبته.
(١٠) الكلام في "التهذيب" ويظهر أنه من كلام الأصمعي حيث عطفه عليه، ولم يرد ذكر الليث في هذا الموضع. "التهذيب" (مد) ٤/ ٣٣٦١، وأنظر: "اللسان" (مدد) ٣/ ٣٩٧.
(١١) البيت منسوب للعجاج، وهو في "التهذيب" (مد) ٤/ ٣٣٦١، "الصحاح" (مدد) ٢/ ٥٣٧، "اللسان" (مدد) ٧/ ٤١٥٧، وقد نسبه للعجاج وأنشد بعده: =
قال أهل التفسير في قوله ﴿يَمُدُّهُمْ﴾: أي يمهلهم (٤) ويطول في أعمارهم ومدتهم (٥).
و (الطغيان): مصدر كالرجحان والكفران والعدوان (٦). قال الليث: [والطُّغْوَان لغة فيه] (٧) والفعل: طَغَوْت وطَغَيْتُ، ومعناه مجاوزة القدر، وكل شيء جاوز القدر فقد طغى، كما طغى الماء على قوم نوح. قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ﴾ [الحاقة: ١٢] وطغت الصيحة على ثمود (٨)،
وفي "ديوان العجاج":
مَاءٌ قَريٍّ مَدَهُ قَرِيُّ | غِبَّ سَمَاءٍ فَهْوَ رَقَرَاقِيُّ |
(١) في (ب): (والمداد يمد).
(٢) في (ب): (للرجل).
(٣) ذكره في "التهذيب" عن ابن أبي حاتم عن الأصمعي (مد) ٤/ ٣٣٦١.
(٤) في (ب): (يهملهم) تصحيف.
(٥) اختلف العلماء في ﴿يَمُدُّهُمْ﴾ هل هي من المد بمعنى الإمهال والتطويل فىِ العمر. أو من المدد بمعنى: الزيادة. وقد رجح هذا الطبري حيث قال: وأولى الأقوال بالصواب أن يكون بمعنى: يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم. "تفسير الطبري" ١/ ١٣٥، وانظر: "تفسير أبن عطية" ١/ ١٧٧ - ١٧٨، "الكشاف" ١/ ١٨٨، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٨٢.
(٦) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٦٦.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٨) انتهى كلام الليث وقد نقله المؤلف بتصرف، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٦، "العين" ٤/ ٤٣٥.
فأما الطغوى والطاغية والطاغوت فهي مذكورة في مواضعها مشروحة. وكان الكسائي يميل ﴿طُغْيَانِهِمْ﴾ في رواية أبي عمر (٤) ونصير (٥) (٦). وذلك لأن (٧) الألف قد اكتنفها شيئان كل واحد منهما يجلب الإمالة [وهما، الياء التي قبلها، والكسرة التي بعدها.
فإن قلت: إن أول الكلمة حرف [مستعل] (٨) مضموم، وكل واحد من هذين يمنع الإمالة] (٩). قيل: إن المستعلي تراخى عن الألف بحرفين فلم يمنع الإمالة.
(٢) (طغى) ساقط من (ب).
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٢ ب.
(٤) هو حفص بن عمر عبد العزيز المقرئ النحوي البغدادي الضرير، قرأ عن الكسائي ويحيى اليزيدي، توفي سنة ست وأربعين ومائتين. انظر ترجمته في "معرفة القراء الكبار" ١/ ١٩١، "غاية النهاية" ١/ ٢٥٥.
(٥) ونصير ساقط من (ب). ونصير هو: نصير بن أبي نصر الرازي ثم البغدادي النحوي، أبو المنذر، صاحب الكسائي، مات في حدود الأربعين ومائتين. انظر ترجمته في: "معرفة القراء الكبار" ١/ ٢١٣، "غاية النهاية" ١/ ٢٥٥.
(٦) انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٤٤، "الحجة" لأبي علي١/ ٣٦٥، "الكشف" لمكي ١/ ١٧١.
(٧) في (ب): (أن).
(٨) في (ب): (مستعمل) وصححت الكلمة من "الحجة" ١/ ٣٦٨.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج). الكلام في "الحجة" مع الاختصار ١/ ٣٦٧، ٣٦٨، وانظر: "الكشف" ١/ ١٧١.
قال أهل المعاني: قوله: ﴿وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ كالتفسير لقوله: ﴿اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ﴾ لأن معناه يطول أعمارهم ومدتهم ليتحيروا في طغيانهم وكفرهم، مكراً (٣) بهم، وهم يحسبون أن ذلك مسارعة لهم في الخيرات، ولا يشعرون أنه عقوبة لهم في الحقيقة (٤).
١٦ - قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى﴾ الآية. حقيقة الاشتراء: الاستبدال، وكل اشتراء استبدال، وليس كل استبدال اشتراء، ووضع الاشتراء موضع الاستبدال هاهنا، لأنه أدل على الرغبة (٥)، وذلك أن المشتري للشيء (٦) محتاج إليه راغب فيه، فهو أبلغ من لفظ الأصل مع ما فيه من حسن التصرف في الكلام، والرب تجعل من آثر شيئاً على شيء مشترياً له وبائعاً للآخر، وإن لم يكن ثم شراء ولا بيع ظاهر (٧).
(٢) "تهذيب اللغة" (عمه) ٣/ ٢٥٧٥، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٨ ب.
(٣) في (ب): (ومكرا).
(٤) هذا على أن (يمدهم) من المد بمعنى الإمهال والتطويل، وقد سبق بيان ذلك عند قوله ﴿وَيَمُدُّهُمْ﴾، وأنظر "تفسير الطبري" ١/ ١٣٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٦، "الكشاف" ١/ ١٨٨.
(٥) في (أ): (الرعية).
(٦) في (ب): (التي).
(٧) انظر. "تفسير الطبري" ١/ ١٣٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٧، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٧٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٨٣، =
قال أهل المعاني: هؤلاء المنافقون لم يكونوا على الهدى قط، لكنهم (٢) لما تركوا الواجب عليهم من الهدى، واستبدلوا به الضلالة قيل في صفتهم: اشتروا الضلالة بالهدى (٣).
وأصل ﴿اشْتَرَوُا﴾ اشتريوا، فلما تحركت (الياء) وانفتح ما قبلها صارت (ألفا)، فاجتمع ساكنان، فحذفت (الألف) (٤) فصار (اشتروا) ساكنة
(١) أخرج ابن جرير بسنده عن السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي - ﷺ -: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. "تفسير الطبري" ١/ ١٣٧، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن السدي ١/ ٥٠، وانظر. "تفسير ابن كثير" ١/ ٥٦.
(٢) في (ب): (ولكنهم).
(٣) للعلماء في معنى الآية أقوال ذكرها ابن جرير في "تفسيره" وهي: منهم من قال إن معنى اشتروا استحبوا كما قال: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧]، فالمعنى اختاروا الضلالة على الهدى. ومنهم من قال: إنهم كانوا مؤمنين وكفروا، ولو كان الأمر على ذلك لكان هؤلاء تركوا الإيمان واستبدلوا به الكفر، وهو المفهوم من معاني الشراء والبيع، ولكن دلائل الآيات في نعوتهم دالة على أنهم لم يكونوا مؤمنين قط، إنما أظهروا الإيمان كذباً. ومنهم من قال: المراد أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، فكل كافر مستبدل بالإيمان كفرا، وهذا ما اختاره ابن جرير وهو أختيار أكثر المفسرين. انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٣٧ - ١٣٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٨٢ - ١٨٣، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٥٦.
(٤) لأن حذفها أولى لأن الواو دخلت لمعنى والألف لم تدخل لمعنى "البيان" لابن الأنباري ١/ ٥٨.
وقالوا: مُصْطَفَوُ الله؛ لأن الضم أدل على الجمع وأشكل به، وهذه الواو للجمع فحرك بما هو أدل على الجمع (٥). ألا ترى أن (٦) الواو في (أو) أو (لو) لما لم تكن للجمع لم تحرك بالضم، بل حركت بالكسر، فقرئ (٧) ﴿وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا﴾ [الجن: ١٦] (٨).
انظر: "البيان" لابن الأنباري ١/ ٥٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٩، "الدر المصون" ١/ ١٥٢.
(٢) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ٣٦٩.
(٣) اتفقوا على أن (الواو) في (اشتروا) تحرك لالتقاء الساكنين، ثم اختلفوا لماذا اختبر الضم على الكسر؟ انظر: "الحجة" ١/ ٣٦٩.
(٤) في (ب): (كأنها).
(٥) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٦٩، وانظر: "الكتاب" ٤/ ١٥٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٥، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٠٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٩ أ، "البيان" لابن الأنباري ١/ ٥٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٩.
(٦) (أن) ساقطة من (ب).
(٧) في (ب): (فقرا)
(٨) قراءة الجمهور بالكسر، وقرئ في الشاذ بضم الواو، روى عن الأعمش وابن وثاب. انظر: "البحر المحيط" ٨/ ٣٥٢.
وقال ناس: إن (٥) (الواو) ضمت ههنا لأنه فاعل في المعنى (٦) فجعلت حركة التقاء الساكنين فيه كحركة الإعراب. وهذا لا يستقيم، لأنهم كسرو (الياء) في قولهم: (أخْشَيِ الله يا امرأة) والياء فاعلة في المعنى (٧).
وقوم كسروا الواو في مسألتنا (٨) وفي قوله: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] (٩) فلو كان كما ذكروا (١٠)، لم يجز الاختلاف (١١)
انظر: "الحجة" ١/ ٣٧٠، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٠٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ١٨٢، "الدر المصون" ١/ ١٥١.
(٢) في (أ)، (ج): (وجازوا) وأثبت ما في (ب).
(٣) وهي قراءة شاذة حيث قرأ بالضم الأعمش وزيد بن علي، انظر "البحر" ٥/ ٤٦.
(٤) انتهى من "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٦٩.
(٥) (إن) ساقطة من (ب).
(٦) في (ب): (بالمعنى).
(٧) (المعنى) ساقط من (ب). أي: وسع كونها فاعلا في المعنى لم تحرك بالضم، انظر "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٧١، "الكتاب" ٤/ ١٥٥، "الدر المصون" ١/ ١٥١.
(٨) المراد قوله: (اشتروا) وقد سبق بيان أن قراءة الكسر شاذة.
(٩) قال أبو حيان: قرأ يحيى بن يعمر: (ولا تَنْسَوِ الفضل) بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين تشبيها للواو التي هي (ضمير) بواو (لو) في قوله تعالى: ﴿لَوِ اسْتَطَعْنَا﴾، كما شبهوا واو (لو) بـ (واو) الضمير فضموها. "البحر" ٢/ ٢٣٨.
(١٠) ما ذكروه: هو أن (الواو) ضمت لأنها فاعل في المعنى.
(١١) أي لم يجز الاختلاف في حركة الواو هل هي بالضم أو بالكسر.
وقال الفراء: إنهم إنما حركوا (الواو) هاهنا بالحركة التي كانت تجب للام الفعل من الضمة (٣).
قال أبو علي (٤): الذي ذهب إليه الفراء هو أن الحركة في (الواو) ليست لالتقاء الساكنين كما يذهب إليه سيبويه وأصحابه (٥). ولا يستقيم ما ذهب إليه؛ لأنا رأينا الحركات إنما تلقى على الحروف التي تكون قبل الحرف الذي ينقل منه، ولا ينقل إلى ما بعد الحروف المنقولة منها الحركة، كما تقول في: (بِعت)، و (قُلت)، و (خِفت)، و (مِست) (٦)، و (ظِلْت)، و (أَحَسْت) (٧)، و (أَصَمّ) (٨)، و (أَعَدّ)، و (أَخِلَة). وكذلك نقل
(٢) ذكره أبو علي في "الحجة" ١/ ٣٧٢.
(٣) ذكره أبو علي قال: حكاه أحمد بن يحيى عن الفراء. "الحجة" ١/ ٣٧٢.
(٤) "الحجة" ١/ ٣٧٢، وما قبله كله من كلام أبي علي وقد اعتمد الواحدي في هذا المبحث على "الحجة".
(٥) انظر: "الكتاب" ٤/ ١٥٥.
(٦) الميس: التبختر، ماس يَميِس مَيْسا ومَيَسَانا: تبختر واختال. انظر. "اللسان" (مَيَس) ٦/ ٢٢٤، "القاموس" (مَيَس) ص ٥٧٦.
(٧) أصلها: أحسست، حذفت السين الثانية، وهي بمعنى: علمت. انظر. "تهذيب اللغة" (حس) ١/ ٨١٧، "اللسان" (حسس) ٢/ ٨٧١. في هذِه الكلمات نقلت حركة العين إلى الفاء، ولم تنقل إلى ما بعدها. انظر: "الحجة" ١/ ٣٧٢، ٣٧٣. ولكن نلحظ فيما سبق عند الكلام على (نحن) أنه ورد في أحد الأقوال: إن حركة الضمة نقلت من الحاء إلى النون.
(٨) في (أ): (أضم) وكذا في (ج) بدون شكل، وما في (ب) موافق لما في "الحجة".
(٢) (المَرَة) أصلها (المرأة) خففت الكلمة بحذف الهمزة، ونقلت حركتها إلى الراء، بعضهم قال: تخفيف قياسي مطرد، وبعضهم قال: غير مطرد. "اللسان" (مرأ) ٧/ ٤١٦٦.
(٣) (ما) ساقطة من (ب).
(٤) في (أ)، (ج) (وثبت) زيادة واو.
(٥) في (ب) (لرفع).
(٦) في (أ)، (ج) (وقوله تعالى)، وفي (أ) كتبت بخط كبير.
(٧) في (ب) (الياء).
(٨) قوله (ذلك وقوله يوجب.... إلى قوله: لا إلى ما بعده كما بينا) ليس في "الحجة". انظر: "الحجة" ١/ ٣٧٣.
(٩) عبارة أبي علي: (فلو كانت حركة نقل كما قال، لوجب أن يتحرك الحرف الذي نقلت إليه بها، التقى مع ساكن، أو لم يلتق...) "الحجة" ١/ ٣٧٤.
(١٠) في (ب): (يليق).
(١١) في (ب): (لتحرك).
قال أبو أسحاق: من أبدل واو (٣) ﴿اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ﴾ همزة، غالط؛ لأن الواو المضمومة إنما تبدل همزة إذا لزمت ضمتها، نحو: ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ﴾ (٤) [المرسلات: ١١] وكذلك: (أَدْؤُرٌ) (٥) فيمن همزها، والضمة هاهنا إنما هي لالتقاء الساكنين فلا يلزم (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ﴾. (الربح) الزيادة على أصل المال (٧). و (التجارة) تقليب الأموال وتصريفها لطلب النماء (٨). يقال: تَجَرَ الرجل يَتْجُر تِجَارَة فهو تَاجِر (٩).
(٢) في (أ): (آخر) وفي (ب)، (ج)، بدون همز، وما أثبت موافق لما في "الحجة". بهذا انتهى رد أبي علي على الفراء، وقد اختصر الواحدي بعض كلامه. انظر "الحجة" ١/ ٣٧٢ - ٣٧٤.
(٣) نص كلام الزجاج: (فأما من يبدل من الضمة همزة فيقول: (اشترؤ الضلالة) فغالط...)، "معاني القرآن" ١/ ٥٧.
(٤) قال الزجاج: الأصل وقتت ١/ ٥٧.
(٥) قال الزجاج: وكذلك (أَدْؤر) إنما أصلها (أَدْوُر) ١/ ٥٧.
(٦) انتهى كلام الزجاج. انظر "معاني القرآن" ١/ ٥٧، وقوله: (فلا يلزم) ليس من كلام الزجاج، والمعنى: أن ضمة (اشتروا) إنما هي لالتقاء الساكنين فليست ضمة لازمة، فلا تقلب الواو المضمومة همزة، لعدم لزوم الضمة فيها.
(٧) انظر: "لباب التفسير" ١/ ١٤٢، "البحر" ١/ ٦٣، "الدر المصون" ١/ ١٥٤، "تفسير أبي السعود" ١/ ٤٩.
(٨) انظر: "مفردات الراغب" ص ٧٣، وانظر المصادر السابقة.
(٩) انظر: "مجمل اللغة" (تجر) ١/ ٤٩، "مقاييس اللغة" ١/ ٣٤١، "مفردات الراغب" ص ٧٣، وقالوا: ليس في كلام العرب تاء بعدها جيم إلا هذا اللفظ.
قَدْ تَجَرَتْ في سُوقِنَا عَقْرَبٌ | لا مَرْحَبًا بالعَقْرَبِ التَّاجِرَه (١) |
وقال جرير:
وأعْوَر مِنْ نَبْهَان أمَّا نَهاره | فَأعْمَى وأمَّا لَيْلُهُ فَبَصِيرُ (٤) |
(٢) (خسر بيعك) ساقط من (ب).
(٣) انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٣٩، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٠٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٨، "تأويل مشكل القرآن" ص ١٣٨، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٢، "زاد المسير" ١/ ٣٨.
(٤) من قصيدة له هجا فيها النبهاني، وكان قد هجا جريرا، ورد البيت في "الطبرى" ١/ ١٤٠، "ديوان جرير" ص ٢٠٣.
قال الفراء: وهذا إنما يجوز إذا عرف الكلام ولم يشكل، فإذا أشكل لم يجز، كما لو قال: خسر عبدك، وأراد أن يجعل العبد تجارة يربح فيه، أو يوضع (٢)، لأنه قد يكون العبد تاجرا فيربح، فلا يعرف معناه إذا ربح (٣) من معناه إذا كان مَتْجُورًا (٤) فيه (٥).
١٧ - قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ الآية. قال أبو عبيد عن الفراء: يقال (٦): مَثَل ومِثْل وشَبَه وشِبْه بمعنى واحد (٧).
وقال الليث: المثل: الشيء الذي يضرب (٨) مثلا لشيء، فيجعل مثله (٩). وقال المبرد (١٠): (المثل): مأخوذ من المثال، والمثل من الكلام: قول سائر نشبه (١١) به حال الثاني بالأول، والأصل فيه التشبيه، فمعنى قولهم: (مثل بين يديه) إذا انتصب، معناه: أشبه الصورة المنتصبة بين يديه،
(٢) أي: يخسر فيه.
(٣) في "معاني القرآن" للفراء: (إذا ربح هو) ١/ ١٥.
(٤) في (ب): (متجوزا).
(٥) نقل كلام الفراء بمعناه انظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥.
(٦) في (ب): (ويقال).
(٧) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤١.
(٨) في (ب): (لا يضرب) و (ج) (ضرب).
(٩) "تهذيب اللغة" (مثل) ٤/ ٣٣٤١.
(١٠) أورد الميداني كلام المبرد في "مجمع الأمثال" ١/ ٧.
(١١) في "مجمع الأمثال" (يشبه به).
والِمثَال: القصاص لتسوية (٣) الحالتين، وتشبيه حال المقتص منه بحال الأول، والامتثال: الاقتصاص من هذا.
و (الأمثال) (٤): أصل كبير في بيان الأشياء، لأن الشيء يعرف بشبهه ونظيره. [و (الأمثال): يخرج ما يخفى تصوره إلى ما يظهر تصوره، و (المثل): بيان ظاهر على أن الثاني مثل الأول] (٥).
و (الأمثال): متداولة سائرة في البلاد، وفيها حكم عجيبة وفوائد كثيرة، وقد ذكر الله تعالى الأمثال في غير موضع من كتابه، لما (٦) فيها من حسن البيان وقرب الاستدلال.
والمقصود بالمثل: البيان عن حال الممثل (٧). وحقيقته: ما جعل من القول كالعلم للتشبيه بحال الأول، مثال ذلك قول كعب بن زهير (٨):
(٢) في "مجمع الأمثال" (أشبه بما له [من] الفضل) ١/ ٧، ويظهر أن (من) مضافة من المحقق لاستقامة المعنى.
(٣) في (أ) (لتشويه). وقوله: (المثال القصاص لتسوية الحالتين) ليس في "مجمع الأمثال" ١/ ٧.
(٤) في (ب): (الامتثال).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) في (ب): (التي فيها).
(٧) في (ب): (الممتثل).
(٨) هو كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني، شاعر مشهور، وصحابي معروف، قدم على رسول الله صلى الله عيه وسلم وأسلم وأنشده قصيدته المشهورة (بانت سعاد). انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٨٩٠، "الإصابة" ٣/ ٢٩٥.
كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَنا (١) مَثَلاً | وَمَا مَوَاعِيدُهُ إلاَّ الأَبَاطِيلُ (٢) |
وذُكِر لفظ (المثل) لأن المراد تشبيه الحالة بالحالة، وذكرنا أن لفظ المثل (٥) قد صار كالعلم للتشبيه بحال الأول، ولو قيل ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ لم يُعرف ما الغرض من التشبيه، فإذا ذكر لفظ المثل عُلم أن المراد تشبيه الحال بالحال (٦).
و ﴿اسْتَوْقَدَ﴾ بمعنى: أوقد (٧) في قول أكثر أهل اللغة (٨).
وقال بعضهم: استوقد، معناه: استدعى بالنار الضياء (٩)، والأول
(٢) بيت من قصيدة كعب (بانت سعاد) المشهورة التي قالها أمام الرسول ﷺ فأعطاه بردته، و (عرقوب): اسم رجل مشهور بخلف الوعد فيضرب به المثل، فيقال: (مواعيد عرقوب)، أورد القصيدة ابن هشام في "السيرة" ٤/ ١٥٢، وأورد بعضها ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" ص ٨٠، وورد البيت المستشهد به في "الدرة الفاخرة في الأمثال السائرة" ١/ ١٧٧، "مجمع الأمثال" للميداني ١/ ٧.
(٣) في (ج): (مثالا).
(٤) انتهى كلام المبرد، وقد ذكره الميداني في مقدمة "مجمع الأمثال" واختصر بعضه، ١/ ٧.
(٥) في (ب): (الملك).
(٦) انظر: "الطبري" ١/ ١٤٠، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥، "الكشاف" ١/ ١٩٧.
(٧) (أوقد) ساقط من (ب).
(٨) فعلى هذا (السين) و (التاء) زائدتان: انظر "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٠٨، "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٦٢، "تفسير الطبري" ١/ ١٤٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٣، "زاد المسير" ١/ ٣٩، "القرطبي" ١/ ١٨٣، "البحر" ١/ ٧٥.
(٩) وقيل: المراد طلب من غيره أن يوقد له. انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٤، "زاد =
وقال أبو عبيد: أَضَاءَت النار، وأَضَاءَها غيرها (٦). والنار تضيء في نفسها، وتضيء غيرها من الأشياء، قال الشاعر:
أَضاءتْ لهم أَحَسابُهُم وَوُجُوههم | دُجَى الليْلِ حتَّى نَظَّم الجَزْعَ ثَاقِبُهْ (٧) |
(١) وهو اختيار الأخفش وابن جرير وغيرهم كما سبق.
(٢) وبعضهم جعلها مشتقة من نار ينور إذا نفر، لأن فيها حركة واضطرابا، والنور مشتق منها. ذكره الزمخشري في "الكشاف" ١/ ١٩٧، انظر: "معجم مقاييس اللغة" (نور) ٥/ ٣٦٨.
(٣) انظر "تهذيب اللغة" (نار) ٤/ ٣٤٧٩، وفي "القرطبي" جمعها (نور وأنوار ونيران)، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٤.
(٤) الفعل الواقع هو المتعدي إلى مفعول به أو أكثر.
والمطاوعة: هي قبول فاعل فعل أثر فاعل فعل آخر يلتقيان في الاشتقاق، مثل: أدبته فتأدب، فالتأدب أثر التأديب. انظر (معجم المصطلحات النحوية والصرفية) ص ١٤١، ٢٤٥.
(٥) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٣٥ أ، ب، "الصحاح" (ضوأ) ١/ ٦٠، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٨٤، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٥، "زاد المسير" ١/ ٣٩، "الكشاف" ١/ ١٩٨.
(٦) "تهذيب اللغة" (ضاء) ٣/ ٢٠٧٧.
(٧) في (أ)، (ج) (ناقبه) بالنون وما في (ب) موافق لجميع المصادر. والبيت نسبه بعضهم لأبي الطمحان القيني، وبعضهم للقيط بن زرارة، يقول: إن أحسابهم =
وقوله تعالى: ﴿مَا حَوْلَهُ﴾. محل (ما) منصوب بوقوع الإضاءة عليه، و (حوله) نصب على الظرف (٤). والعرب تقول: رأيت الناس حَوْلَه، وحَوْلَيْه، وحَوَالَهُ، وحَوَالَيْهِ. فَحَوَالَهُ وُحْدَان حَوَالَيْه، وَحَوْلَيْه تَثْنِيةُ حَوْلَه وينشد: مَاءٌ رَوَاهٌ ونَصيٌّ حَوْلَيَه (٥) ومما ينشد على لسان البهائم أن الضب
(١) انظر "الصحاح" (ضوأ) ١/ ٦٠، "تهذيب اللغة" (ضاء) ٣/ ٢٠٧٧، "اللسان" (ضوأ) ٥/ ٢٦١٨.
(٢) انظر: "القرطبي" في: "تفسيره" ١/ ١٨٥، "زاد المسير" ١/ ٣٩.
(٣) أي متعد، وقيل: لازم، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٤، "الكشاف" ١/ ١٩٨، "زاد المسير" ١/ ٣٩، "البحر المحيط" ١/ ٧٨، "الدر المصون" ١/ ١٦٠.
(٤) هذا على أن (أضاء) متعد، فإن كان لازما، فالفاعل ضمير النار، و (ما) زائدة، وأجاز الزمخشري: أن تكون موصولة فاعله، وحوله منصوب على الظرفية. انظر (إعراب القرآن) للنحاس ١/ ١٤٣، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢١، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٤، "الكشاف" ١/ ١٩٨، "البحر المحيط" ١/ ١٧٨، "الدر المصون" ١/ ١٦٠.
(٥) الرِجز للزَّفَيَان السعدي، يروى البيت (حَوْلَيَه) و (حَولِيه) و (حَوْلَيْهْ) ورد البيت عند أبي زيد ص٣٣١، وفي "التهذيب" (حال) ١/ ٧١٠، "الخصائص" ١/ ٣٣٢، وليس في "كلام العرب" لابن خالويه ص ٤١، "اللسان" (روى) ٢/ ١٠٥٥. قال محقق "نوادر أبي زيد": المثبت هنا رواية أبي زيد والبصريين على أنه من الرجز وهي =
أهَدَمُوا بَيْتَكَ لا أبَالَكا | وأنا أمْشِي (٢) الدَّأَلَى حَوَالَكَا (٣) |
فأما التفسير: فقال ابن عباس وقتادة والضحاك ومقاتل والسدي: يقول: مثل هؤلاء المنافقين كمثل رجل أوقد ناراً في ليلة (٨) مظلمة في مفازة فاستضاء بها واستدفأ، ورأى ما حوله فاتقى ما يحذر ويخاف وأمن، فبينما
(١) في (ب): (للحسك) والحِسْل: ولد الضب. "تهذيب اللغة" (حسل) ٤/ ٣٠٣.
(٢) في (ب): (استي).
(٣) الرجز من "شواهد سيبويه" ١/ ٣٥١، وهو في "الكامل" ٢/ ١٩٨، "المخصص" ١٣/ ٢٢٦، "أمالي الزجاجي" ص١٣٠، "همع الهوامع" ١/ ١٣٥، "اللسان" (حول) ٢/ ١٠٥٥ الدألي. مشية فيها تثاقل، وهو من تكاذيب الأعراب يزعمون أنه من قول الضب لولده أيام كانت الأشياء تتكلم.
(٤) في (ب): (للشيء).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (نار) ٤/ ٣٤٨٢.
(٦) (بن الخطاب) سقط من (ب).
(٧) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ولفظه: (فرض عمر بن الخطاب للجد ثم أنارها زيد بن ثابت)، أي: نورها وأوضحها "تهذيب اللغة" (نار) ٤/ ٣٤٧٩، ونحوه عند ابن الجوزي في "غريب الحديث" ٢/ ٤٤٠، وعند ابن الأثير في "النهاية" ٥/ ١٢٥. وأخرج عبد الرزاق في "المصنف" بسنده عن الزهري نحوه ولفظه: (إنما هذِه فرائض عمر، ولكن زيدا أثارها بعده وفشت عنه)، "المصنف" ١٠/ ٢٦٦، ٢٦٧ رقم (١٩٠٦٠) و (١٩٠٦١)، ونحوه في "كنز العمال" عن عبد الرزاق ١١/ ٦٢.
(٨) في (ب): (ليل).
وهذا القول اختيار الزجاج، لأنه قال: هذا المثل ضربه الله للمنافقين في تجملهم بظاهر الإسلام، فمثل ما تجملوا به من الإسلام كمثل النار التي يستضيء (٣) بها المستوقد (٤).
وعلى ما قاله أبو إسحاق: التمثيل وقع بين تجملهم (٥) بالإسلام، وبين النار التي (٦) يستضاء بها.
وقال غيره: معنى الآية: مثل استضاءتهم (٧) بكلمة الإيمان كمثل استضاءة الموقد بالنار. فالتمثيل وقع بين الاستضاءتين، وحذف الاستضاءة، لأنه مضاف فأقيم المضاف إليه مقامه (٨).
وهذا قول الفراء، لأنه قال: شبههم وهم جماعة بالذي استوقد نارًا
(٢) ذكره "الطبري" ١/ ١٤٣ - ١٤٤، من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس، وعن قتادة والضحاك ورجحه. وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٥٠ عن ابن عباس. وذكره ابن كثير عن قتادة. انظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ٥٨، "الدر المصون" ١/ ٣٢.
(٣) في (أ)، (ج): (تستضيء)، وأثبت ما في (ب) لمناسبته للسياق.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٨.
(٥) في (ب): (تحكمهم).
(٦) في (ب): (الذي).
(٧) في (ب) (استضابهم).
(٨) ذكره "الطبري" ١/ ١٤١.
قال: ولو أراد تشبيه الذوات لقال: (كالذين)، كما قال: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ﴾ [المنافقون ٤٠] وقال: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧] وعلى هذا ﴿الَّذِي﴾ في قوله: ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ﴾ واحد (٣).
وقوله تعالى بعد هذا: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾. قال الزجاج: معناه والله أعلم إطلاع الله المؤمنين على كفرهم، فقد ذهب منهم نور الإسلام بما أظهر الله عز وجل من كفرهم، ويجوز أن يكون ذهب الله بنورهم في الآخرة، لأن الله عز وجل قد جعل للمؤمنين في الآخرة نورا، وسلب الكافرين ذلك النور، وهو قوله: ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا﴾ (٤) [الحديد: ١٣].
ومثل هذا قال الفراء، فقال: إنما قال: ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ لأن المعنى ذهب إلى المنافقين (٥).
(٢) في (ب) (للذات).
(٣) انظر كلام الفراء في: "معاني القرآن" ١/ ١٥، نقله الواحدي بمعناه، وانظر "الطبري" في تفسيره ١/ ١٤١.
(٤) كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٥٩.
(٥) قال الفراء بعد هذا: (... فجمع لذلك، ولو وحد لكان صوابًا...) "معاني القرآن" ١/ ١٥. ومعنى كلام الفراء: أن المعنى انصرف إلى المنافقين، وليس للذي استوقد نارًا، ولو كان المعنى له لقال: بنوره. وقول الفراء (لو وحد لكان صوابًا) =
وكان يجب في حق النظم أن يكون اللفظ (٣): (فلما أضاءت ما حوله أطفأ الله ناره) ليشاكل جواب (لما) معنى هذه القصة (٤). ولكن لما كان إطفاء النار مثلا لإذهاب نورهم، أقيم ذهاب النور مقام الإطفاء، وجعل جواب (لما) (٥) اختصارا وإيجازا، وهذا طريق حسن في الآية.
وفيها طريق آخر: وهو أن ﴿الَّذِي﴾ في قوله: ﴿الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾
(١) أي: قول الزجاج والفراء.
(٢) وإلى هذا ذهب "الطبري" وغيره. والمعنى عند "الطبري": فلما أضاءت ما حوله: ذلك أن المنافق لم يزل مستضيئا بضوء القول الذي قاله منافقا في حياته، ثم في يوم القيامة أنطفأ ذلك النور، وقال: الهاء والميم في (بنورهم) عائد على (الهاء والميم) في قوله: (مثلهم). "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٥، وبعضهم قال: (الهاء والميم) تعود على (الذي). انظر "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٣.
(٣) (أن يكون اللفظ) ساقط من (ب).
(٤) هذا التعبير لا يناسب مقام كتاب الله، وإن كان للعبارة وجه من الاحتمال، لكن الأولى استعمال الألفاظ والأساليب التي تليق بكلام الله الذي هو في قمة الفصاحة والبلاغة، والله سبحانه قال ﴿ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ﴾ وهذا أبلغ مما ذكر الواحدي في قوله: (أطفأ الله ناره) فالنار إذا انطفأت يمكن إيقادها، ولكن إذا ذهب نورها وسلب فلا فائدة فيها. وكذا قوله: (وهذا طريق حسن في الآية) وهل هناك أحسن مما تكلم الله به؟!.
(٥) للعلماء في جواب (لما) قولان: أحدهما: أنه محذوف تقديره (خمدت وانطفأت) وهذا رأي "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٥، والزمخشري في "الكشاف" ١/ ١٩٨، وقد انتصرا لهذا الوجه ورجحاه. ورد أبو حيان قول الزمخشري، وقال: لا ينبغي آن يفسر كلام الله بغير ما يحتمله ولا أن يزاد فيه، بل يكون الشرح طبق المشروح =
وإنَّ الذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُم | هُمُ القَوْمُ كُل القَوْمِ يا أُمَّ خَالِد (٣) |
(١) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، وقيل: المروزي، النحوي اللغوي، سكن بغداد، له المصنفات المشهورة (٢٢٣ - ٢٧٦ هـ) انظر "طبقات النحويين واللغويين" ص١٨٣، "إنباه الرواة" ٢/ ١٤٣، "تاريخ بغداد" ١٠/ ١٧٠، "وفيات الأعيان" ٣/ ٤٢.
(٢) انظر "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٦١، وانظر "الكشاف" ١/ ١٩٦، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٠.
(٣) البيت للأشهب بن رميلة، وهو من "شواهد سيبويه"، استشهد به على حذف النون من (الذين) عند طول الصلة. "الكتاب" ١/ ١٨٧، وكذا في "المقتضب" ٤/ ١٤٦، وفي "تأويل مشكل القرآن" ص ٣٦١، "تفسير الطبري" ١/ ١٤١، "المنصف" ١/ ٦٧، "زاد المسير" ١/ ٤٠، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٢٩، (الخزانة) ٦/ ٢٥، (شرح المفصل) ٣/ ١٥٤ - ١٥٥، (همع الهوامع) ١/ ٦٨، ٤/ ٣٨٠، "الدر المصون" ١/ ١٥٧، "مغني اللبيب" ١/ ١٩٤، "البحر المحيط" ١/ ٧٦، "معجم البلدان" ٤/ ٢٧٢، قال ياقوت: فَلْج: واد بين البصرة وحمى ضرية، وقيل: طريق تأخذ من طريق البصرة إلى اليمامة. وقعت فيه الوقعة التي يصفها الشاعر، هم القوم كل القوم: أي الكاملون في قوميتهم. فاعلمي ذلك وابكي عليهم يا أم خالد.
(٤) في (الذي) لغات منها: إثبات الياء، وحذفها مع بقاء الكسرة، وحذف الياء مع إسكان الذال، وتشديد الياء مكسورة، ومضمومة. انظر "البحر المحيط" ١/ ٧٤، =
(١) ذكر نحوه الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ٢٠٩، وانظر "زاد المسير" ١/ ٣٩، "الدر المصون" ١/ ١٥٦.
(٢) في (ج) (في اللفظ واحد له) وفي (أ)، صححت في الهامش بإضافة (لا).
(٣) وقد رد على ابن قتيبة "الطبري" حيث قال: (وقد زعم بعض أهل العربية من أهل البصرة: أن (الذي) في قوله: ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ بمعنى (الذين) كما قال جل ثناؤه: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ﴾ [الزمر: ٣٣]. وكما قال الشاعر: فإن الذي... البيت (ثم قال: (وقد أغفل قائل ذلك فرق ما بين (الذي) في الآيتين والبيت.... وغير جائز لأحد نقل الكلمة التي هي الأغلب في استعمال العرب على معنى، إلى غيره إلا بحجة يجب التسليم لها). "تفسير الطبري" ١/ ١٤١، وانظر "البحر" ١/ ٧٧، "الدر المصون" ١/ ١٥٧.
(٤) (مثل) ساقط من (ب).
(٥) في (ب) الذي.
(٦) انظر "البحر" ١/ ٧٤.
(٧) فأعاد الضمير في استوقد إلى لفظ الذي انظر "الدر المصون" ١/ ١٥٧.
وعلى هذا القول، الكناية في قوله: ﴿بِنُورِهِم﴾ راجعة إلى المستوقدين (٣)، وهو جواب (فلما) في الظاهر والمعنى جميعا (٤).
وإنما قال: بنورهم والمذكور في أول الآية النار، لأن النار شيئان، النور والحرارة، والنور هاهنا كان أجدى (٥) المنفعتين (٦).
وذكر صاحب النظم في الآية طريقة ثالثة، وهو أنه قال: العلة في توحيد ﴿الَّذِي﴾ (٧) وجمع الكناية في قوله: ﴿بِنُورِهِم﴾ أن المستوقد كان واحداً من جماعة تولى الاستيقاد لهم، وكانت الكناية في الاستيقاد عنه خصوصا دون أصحابه لتوليه ذلك دونهم، فلما ذهب الضوء، رجع ذهابه عليهم جميعا، فرجع الخبر إلى جماعتهم لما عموا به.
١٨ - قوله تعالى: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ﴾. (الصم): جمع الأصم، وهو الذي به صمم، وهو انسداد الأذن، ويقال: رمح أصم: إذا لم يكن
(٢) ما بين المعقوفين فيه سقط وتقديم وتأخير في (ب).
(٣) وقيل يعود على معنى الذي انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٢، "الدر المصون" ١/ ١٦٣.
(٤) وهذا بخلاف قول الفراء والزجاج فإنه جواب فلما حسب الظاهر فقط لأن المعنى على قوليهما راجع إلى المنافقين لا إلى المستوقدين ولهذا ادعى البعض أن جواب لما محذوف وهو طفئت أو خمدت كما مر قريبا وهو قول "الطبري" والزمخشري انظر "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٣، "الكشاف" ١/ ١٩٨.
(٥) في (ج) أحدى.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٣ ب، وانظر "تفسير البيضاوي" ١/ ١١، وأبي السعود في "تفسيره" ١/ ٥٠، والقاسمي في "تفسيره" ٢/ ٦٢.
(٧) الذي ساقطة من (ب).
وقال أبو إسحاق (٤): كأنه قال: هؤلاء الذين قصتهم ما مضى (صم) (٥). ويجوز الاستئناف قبل تمام القصة، كقوله تعالى: ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابً﴾ [النبأ: ٣٦]، ثم قال: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (٦) وقال أيضا ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ (٧) [التوبة: ١١٢] ثم قال:
(٢) انظر "تهذيب اللغة" (صم) ٢/ ٢٠٥٨، "الصحاح" (صمم) ٥/ ١٩٦٧، "مقاييس اللغة" (صمم) ٣/ ٢٧٨، "مفردات الراغب" ص ٢٨٦، (تفسير "القرطبي") ١/ ١٨٥.
(٣) قال ابن جرير: (... يأتيه الرفع من وجهين، والنصب من وجهين. فأما أحد وجهي الرفع: فعلى الاستئناف لما فيه من الذم... والوجه الآخر: على نية التكرار من (أولئك)... فأما على تأويل ما روينا عن ابن عباس من غير وجه رواية علي بن أبي طلحة عنه، فإنه لا يجوز فيه الرفع إلا من وجه واحد، وهو الاستئناف... والقراءه التي هي القراءة، الرفع دون النصب...) "تفسير الطبري" ١/ ١٤٦.
(٤) الزجاج.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٥٩، نقل كلام الزجاج بمعناه.
(٦) قال الفراء: (ولو تم الكلام ولم تكن آية، لجاز أيضا الاستئناف، قال تعالى: ﴿جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (٣٦) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ﴾ (الرحمن) يرفع ويخفض في الإعراب وليس الذي قبله بآخر آية). "معاني القرآن" ١/ ١٦. وما ذكره الواحدي يتم على قراءة الرفع في (رب) وبها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو. انظر "السبعة" ص ٦٦٩، "القطع والاستئناف" للنحاس ص ٧٥٩، "الغاية" ص ٢٨٦.
(٧) (وأموالهم) ساقط من (أ)، (ج).
تَوَهَّمْتُ آياتٍ لها فَعَرَفْتُها | لستَّةِ أعوامٍ وَذَا العَامُ سَابِع (٢) |
قال أهل المعاني: وإنما وصفهم الله تعالى بالصم (٥) لتركهم قبول ما يسمعون، والعرب تقول لمن يسمع ولا يعمل على ما يسمعه: أصم. قال الشاعر:
أَصَمُّ عَمَّا سَاءَهُ سَمِيعُ (٦)
و (بكم) عن الخير، فلا (٧) يقولونه، و (عمي)، لأنهم في تركهم ما
(٢) البيت للنابغة الذبياني يمدح النعمان، ومعنى توهمت: أي لم يعرفها إلا توهما لخفاء معالمها، آيات: علامات للدار وما بقى من آثارها، لستة أعوام: أي بعد ستة أعوام ثم قال بعده:
رَمَادٌ كَكُحل العَيْنِ لأيًا أُبِينُهُ | ونؤى كجذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ |
(٣) أي: في البيت الذي بعد سبق ذكره.
(٤) ذكره أبو عبيدة. انظر: "مجاز القرآن" ص ٣٣.
(٥) في (ب): (بالصم).
(٦) ورد هذا الرجز في "تهذيب اللغة" (صمم) ٢/ ٢٠٥٨، "اللسان" (صمم) ٤/ ٢٥٠٠، "شرح الحماسة" للمرزوقي ٣/ ١٤٥٠، "الكشاف" ١/ ٢٠٤، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٦. جميعها بدون نسبة، ومعناه: هو أصم عما لا يليق به، معرض عما ساءه مع أنه يملك السمع.
(٧) في (أ)، (ج) (ولا) وما في (ب) أولى لصحة المعنى.
وقوله تعالى: ﴿لَا يَرْجِعُونَ﴾ أي إلى الإسلام، أو عن الجهل والعمى (٢). قال محمد بن جرير: هذه الآية معناها التقديم والتأخير، والتقدير (وما كانوا مهتدين صم بكم...) الآية، ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي﴾ [البقرة: ١٧]، ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٩]، مثل آخر عطف على الأول.
قال: لأن قوله ﴿وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ﴾ [البقرة: ١٧] في الآخرة، إذا قلنا: إنه وصف المنافقين (٣)، والخبر بأنهم صم بكم في الدنيا، فلهذا قلنا: إن هذا على التقَديم والتأخير (٤). وقال غيره: يجوز أن يعترض ذكر حالهم في الدنيا بعد وصف حالهم في الآخرة.
١٩ - قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾. ﴿أَوْ﴾ دخلت هاهنا للإباحة (٥)، لا للشك (٦)، ومعناه أن التمثيل مباح لكم، إن مثلتموهم بالذي استوقد نارا، فهو مثلهم، [أو بأصحاب الصيب فهو مثلهم] (٧)، أو بهما جميعا فهما مثلاهم (٨)، كما تقول: جالس الحسن أو ابن سيرين، إن (٩) جالست
(٢) انظر "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٦، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٤ أ.
(٣) في (ج) (للمنافقين).
(٤) ذكر كلام ابن جرير بمعناه انظر (تفسيره) ١/ ١٤٦.
(٥) وقيل: للتخيير، انظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٩٩، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٨٩، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٦، "الدر المصون" ١/ ١٦٧، "الكشاف" ١/ ٢١٣.
(٦) ذكر السمين الحلبي أحد الأقوال فيها: أنها للشك. "الدر المصون" ١/ ١٦٧.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٨) في (ج) (مثالهم).
(٩) في (ب) (إذا).
ومثله قوله: ﴿فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [البقرة: ٧٤]، هذا قول جميع أصحاب المعاني (٢).
وقال ابن الأنباري: ﴿أو﴾ دخلت للتمييز والتفصيل (٣)، المعنى بعضهم يشبهون الذي استوقد نارا، وبعضهم يشبهون أصحاب الصيب. ومثله قوله: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ [البقرة: ١٣٥] [معناه: قال بعضهم: كونوا هودا، وهم اليهود، وقال بعضهم: كونوا نصارى] (٤)، وهم النصارى، فدخلت (أو) لمعنى التفصيل، ومثله قوله: ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾ [الأعراف: ٤] معناه (٥): فجاء (٦) بعض أهلها بأسنا بياتًا، وجاء بعض أهلها في وقت القيلولة (٧).
وقيل: إن (أو) هاهنا بمعنى الواو (٨)، كقول جرير:
(٢) بل قول بعضهم، وما ذكره الواحدي هو كلام الزجاج. انظر "معاني القران" ١/ ٦٢، ١٢٩، وانظر "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦٠، ونسب الثعلبي لأهل (المعاني) أنها بمعنى (الواو) ١/ ٥٤ أ.
(٣) في (ب) (فالتفضيل).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) قوله: (﴿أَوْ هُمْ قَائِلُونَ﴾: معناه...) ساقط من (ب).
(٦) في (ب): (وجاء).
(٧) ذكره المرتضى في "أماليه" ٢/ ٥٤، ٥٥، ولم ينسب لأبن الأنباري، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٤٢، وذكره السمين الحلبي، وقال: وهو الأظهر، "الدر المصون" ١/ ١٦٧.
(٨) في (ب) (بمعنى الواحد). وهو قول "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٩، وذكره أبو الليث في "تفسيره" ١/ ٩٩، والفراء في "تفسيره" ١/ ١٧، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٤ أ، =
نَال الخِلاَفَة أوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا | كَمَا أتى رَبَه مُوسَى عَلَى قَدَرِ (١) |
وقَد زَعَمَتْ سَلْمَى بِأَنِّي فَاجِرٌ | لِنَفْسِي تُقَاهَا أوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا (٣) |
١ - أنها للشك بمعنى أن الناظر يشك في تشبيههم.
٢ - أو للتخيير.
٣ - أنها للتفصيل.
٤ - بمعنى الواو.
٥ - بمعنى بل.
(١) البيت لجرير من قصيدة يمدح بها عمر بن عبد العزيز، انظر (الديوان) ص ٢١١، وفيه: (إذا كانت له قدرا) فلا شاهد فيه هنا، وورد البيت في "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٩، (الأضداد) لابن الأنباري ص ٢٧٩، "أمالي المرتضى" ٢/ ٥٧، "تفسير السجاوندي" ١/ ٣٢ (مخطوط)، "همع الهوامع" ١/ ١٦٧، "مغني اللبيب" ١/ ٦٢، "الدر المصون" ١/ ١٦٧.
(٢) هو توبة بن الحُمَيِّر من بني عقيل بن كعب، وكان شاعرا لصا، أحد العشاق، صاحب ليلى. انظر: "الشعر والشعراء" ص ٢٨٩.
(٣) رواية البيت المشهورة (وقد زعمت ليلى...) فهو يذكر محبوبته ليلى الأخيلية. انظر "أمالي المرتضى" ٢/ ٥٧، و"الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٩، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٧٩، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٤ أ، "أمالي القالي" ١/ ٨٨، ١٣١، "همع الهوامع" ٥/ ٢٤٨، "مغني اللبيب" ١/ ٦١.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٠، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦٠، =
و (الصيب) من المطر: الشديد، من قولهم: صاب يصوب، إذا نزل من علو إلى أسفل (٢).
قال:
تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاء يَصُوبُ (٣)
وأصله (صَيْوِب) (٤) فسبقت الياء الواو [بالسكون، فصيرتا (ياء مشددة) كما قالوا: سيِّد وميِّت وهيِّن، وهو أصل مطرد في الياء والواو] (٥) إذا (٦)
(١) لأن الواو في (يجعلون) تدل على المضاف المقدر وهو (أصحاب) فهو وإن حذف فمعناه باق فيجوز أن يعود عليه الضمير.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٠، و"الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٨، (غريب القرآن) لابن قتيبة ١/ ٢٥، "غريب القرآن" لليزيدي ص ٦٥.
(٣) عجز بيت وشطره الأول:
فَلَسْتَ لإنْسِيٍّ ولكِنْ لمَلأكٍ
نسبه بعضهم لعلقمة بن الفحل، يمدح الحارث بن جبلة، وقيل: لرجل من عبد القيس جاهلي، يمدح بعض الملوك، قاله أبو عبيدة، وقيل: لأبي وجزة السعدي يمدح عبد الله بن الزبير. ورد البيت في "الكتاب" ٤/ ٣٨٠، و"الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٨، "المفضليات" ص ٣٩٤، "مجاز القرآن" ص ٣٣، "المنصف" ٢/ ١٠٢، "الجمل" للزجاجي ص ٤٧، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٨٩، "الاشتقاق" لابن دريد ص ٢٦، "اللسان" (صوب) ١/ ٢٥١٩، و (ألك) ١/ ١١١، "الدر المصون" ١/ ١٦٨.
(٤) في (ب): (صيبوب).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) في (ب): (وإذا).
وقوله تعالى: ﴿مِنَ السَّمَاءِ﴾. قال [الزجاج] (٧): السماء في اللغة: يقال لكل ما ارتفع وعلا قد سما يسمو، وكل سقف فهو سماء، ومن هذا قيل للسحاب: سماء، لأنها عالية (٨).
(٢) هكذا في جميع النسخ ولعل الصواب (أو تأخرت) والله أعلم.
(٣) في (أ)، (ب): (مده ليا). أصل (ليّا) (لويا) فقلبت الواو ياء وإدغمت في الياء، انظر "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٥٨٥.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٤ ب، و"الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٤٨، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٤٣ - ١٤٤، "الإملاء" ١/ ٢٢، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٨٩، "الإنصاف" ص ٦٣٩.
(٥) في (أ)، (ب): (صيب) وما في (ج) موافق لما عند الثعلبي، وهو ما أثبته. وقيل: أصله عندهم (صوِيب) وردَّ بأنه لو كان كذلك لصحت (الواو) كما تصح في (طويل). انظر "إعراب القرآن" للنحاس١/ ١٤٣ - ١٤٤، "الإملاء" ١/ ٢٢، "الإنصاف" ص ٦٣٩، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٨٩، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٦.
(٦) في (ب): (فاستقلت).
(٧) في جميع النسخ (الرجال) والصحيح (الزجاج) كما في "تهذيب اللغة" (سما) ٢/ ١٧٤٧.
(٨) انظر كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٧٥، "التهذيب" (سما) ٢/ ١٧٤٨، والنص من "التهذيب".
وأما (الرعد)، فقال ابن عباس: الرعد ملك يسوق السحاب، كما يسوق الحادي الإبل بحدائه (٣).
وكذلك قال مجاهد وطاووس (٤) وعكرمة وأصحاب ابن عباس: إن الرعد ملك يسوق السحاب، والرعد الذي هو الصوت سمي باسمه (٥).
(٢) "تهذيب اللغة" (سما) ٢/ ١٧٤٨.
(٣) في (ج): (بحاديه). ذكره "الطبري" بسنده عن الضحاك، وعن السدي عن أبي مالك، وعن مجاهد، وعن شهر بن حوشب، وكلهم عن ابن عباس. انظر "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٠ - ١٥١، وقد أخرج أبن أبي حاتم عن ابن عباس مرفوعا في سؤال اليهود للرسول ﷺ وفيه: (ملك من ملائكة الله موكل بالسحاب) قال المحقق. إسناده حسن. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٢١ (رسالة دكتوراه)، وأخرجه أحمد في "مسنده"، قال أحمد شاكر: (إسناده صحيح). انظر: "مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر" ٤/ ١٦١ ح (٣٤٨٣)، وذكر الحديث الشوكاني في "فتح القدير" وقال: في إسناده مقال. "فتح القدير" ١/ ٧٧.
(٤) هو أبو عبد الرحمن طاووس بن كيسان الخولاني الهمداني اليماني، من أبناء الفرس، أحد أعلام التابعين، ومن كبار أصحاب ابن عباس، توفي سنة خمس ومائة، وقيل: ست. انظر ترجمته في: (وفيات الأعيان) ٢/ ٥٠٩، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٣٨، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٢٣٥، "غاية النهاية" ١/ ٣٤١.
(٥) انظر الروايات عنهم في "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٠ - ١٥١، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٥ أ، "زاد المسير" ١/ ٤٣، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٨٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٦٩، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ٢١٧، (فتح القدير) ١/ ٧٧.
وسئل علي -رضي الله عنه- عن الرعد، فقال: ملك، وعن البرق، فقال: مخاريق بأيدى الملائكة من حديد (٣).
وسئل وهب بن منبه (٤) عن الرعد، فقال: الله أعلم (٥).
ويقال: برقت السماء ورعدت، ومنه يقال: برق الرجل ورعد، إذا تهدد وأوعد (٦). وأبرق وأرعد - أيضا في قول أبي عبيدة، وأنكره الأصمعي.
(٢) أخرجه "الطبري" من طرق في "تفسيره" ١/ ١٥٢، وأبن أبي حاتم، وقال المحقق إسناده حسن "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٢٢.
(٣) أخرجه "الطبري" بروايتين، إحداهما عن الرعد، والأخرى عن البرق، "الطبري" ١/ ١٥١ - ١٥٢، وأخرج ابن أبي حاتم عنه في (البرق) في "تفسيره" ١/ ٥٥، ونحوه في الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٥ أ، وانظر "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٨٧ - ١٨٨.
(٤) أبو عبد الله، وهب بن منبه اليماني، صاحب القصص والأخبار، كانت له معرفة بأخبار الأوائل والأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه وثقه أكثرهم، وضعفه عمرو بن علي الفلاس. توفي سنة عشر ومائة. وقيل: ست عشرة، وبينهما أقوال. انظر "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٤٣، "حلية الأولياء" ٤/ ٢٣، "وفيات الأعيان" ٦/ ٣٥، "تهذيب التهذيب" ٤/ ٣٣٢.
(٥) مما أحسن هذا الجواب!، والله لم يكلف الأمة بعلمه، لاسيما أن مثل هذا لا يثبت إلا بنص صحيح صريح، أو بدلالة حسية جازمة، والعلم به لا يتعلق به حكم من الأحكام، والله أخبر أن الرعد يسبح بحمده، وهو دلالة على عظمة الخالق سبحانه.
(٦) ذكره الأزهري عن الأصمعي. "التهذيب" (برق) ١/ ٣١٥، وانظر "مقاييس اللغة" (برق) ١/ ٢٢٣.
وأما (الصواعق)، فهي جمع صاعقة، والصاعقة والصعقة: الصيحة يغشى منها على من يسمعها أو يموت (٣). قال الله عز وجل: ﴿وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ﴾ [الرعد: ١٣] يعني أصوات الرعد، ويقال لها: الصواقع (٤) أيضا ومنه قول الأخطل:
كَأنَّمَا كانُوا غُرَاباً وَاقِعا | فَطارَ لمَّا أبْصَرَ الصَّوَاقِعا (٥) |
أُحادَ وَمثنى أصْعَقَتْهَا صَوَاهِلُه (٦)
(٢) "تهذيب اللغة" (برق) ٩/ ١٣٢، "معجم مقاييس اللغة" ١/ ٢٢٢.
(٣) وقيل: الصاعقة قطعة من نار تسقط بأثر الرعد، لا تأتي على شيء إلا أحرقته. انظر "اللسان" (صعق) ٤/ ٢٤٥٠.
(٤) بتقديم القاف على العين.
(٥) أنشده الأزهري في "تهذيب اللغة" (صعق) ٢/ ١٠١٨، وورد في "اللسان" (صقع) ٤/ ٢٤٧١، وفي شعر الأخطل ورد شطره الأول ص ٣١٠. نقله من "تهذيب اللغة" (صعق) ٢/ ١٠١٨.
(٦) البيت لابن مقبل، يصف فرساً بشدة الصهيل، وأن صهيله يقتل الذباب، وهي
النعرات: ذباب يسقط على الدواب، واللبان: الصدر. وشطر البيت الأول:
تَرى النُّعَرَاتِ الزُّرْقَ تَحْتَ لَبَانِه
انظر: "أمالي المرتضى" ٢/ ١٩١، "المشوف المعلم في ترتيب الإصلاح" ٢/ ٧٧٨، "تهذيب اللغة" (صعق) ٢/ ٢٠١٨، "الصحاح" (صعق) ٤/ ١٥٠٧، "اللسان" (صعق) ٤/ ٢٤٥٠، "همع الهوامع" ١/ ٨٣، "القرطبي" ١/ ١٩٠، "ديوان ابن مقبل" ص ٢٥٢.
ويقال للرعد والبرق إذا [قتلا] (١) إنسانا: أصابته صاعقة، وقال لبيد يرثي أخاه أَرْبَد (٢):
فَجَّعَنِي الرَّعْدُ والصَوَاعِقُ بالْـ | ـفَارِس يَوْمَ الكَرِيَهةِ النَّجُدِ (٣) |
وقال آخرون: الصاعقة: كل عذاب مهلك (٦).
وقيل: الصاعقة: الصوت الشديد من الرعد، يسقط معها قطعة نار (٧).
فأما معنى الآية، فقال المفسرون: إن الله تعالى ضرب للمنافقين مثلًا آخر، وشبههم بأصحاب مطر. وأراد بالمطر: القرآن (٨)،
(٢) (أرْبَد) أخوه لأمه، وهو ابن عمه، وكانت قد أصابته صاعقة، لما دعا عليه الرسول صلى الله عيه وسلم انظر "الشعر والشعراء" ص ١٦٩، "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٣٦، "الخزانة" ٢/ ٢٥٠، ٣/ ٨١.
(٣) البيت للبيد يرثي أخاه وقد أصابته صاعقة، انظر "التهذيب" (صعق) ٢/ ٢٠١٨، "اللسان" (صعق) ٤/ ٢٤٥٠، "شرح ديوان لبيد" ص ١٥٨.
(٤) في (ب): (قول الله).
(٥) "تهذيب اللغة" (صعق) ٢/ ٢٠١٨.
(٦) "اللسان" (صعق) ٤/ ٢٤٥٠.
(٧) "الصحاح" (صعق) ٤/ ١٥٠٦، "اللسان" ٤/ ٢٤٥٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩١ - ١٩٢.
(٨) انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٠، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٩٢، وبعضهم قال: الإسلام، انظر "الكشاف" ١/ ٢٠٩، وأما ابن جرير فقال: (فالصيب مثل لظاهر ما أظهر المنافقون بألسنتهم من الإقرار والتصديق، والظلمات التي هي فيه =
(١) في (ب): (وشبه).
(٢) في (أ)، (ج): (يسمعون).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٦ أ.
(٤) قوله: (بجعل الذي في هذا المطر... إلخ) متعلق بقوله: (وشبه جعل المنافقين... إلخ) وقد ضعف هذا المعنى ابن جرير ورجح أن المراد بجعل أصابعهم في آذانهم مثلا لاتقائهم رسول الله ﷺ والمؤمنين، بالإقرار بما جاء به محمد ﷺ مخافة على أنفسهم من الهلاك ونزول النقمات فيتقون بما يبدون بألسنتهم من ظاهر الإقرار، كما يتقي الخائف أصوات الرعد بتصيير أصابعه في أذنيه. "الطبري" ١/ ١٥٧.
(٥) في (ب): (استدعاهم).
قال الزجاج: وليس نصبه لسقوط اللام، وإنما نصبه أنه في تأويل المصدر، كأنه (٧) قال: يحذرون حذرا (٨)، لأن جعل الأصابع في الآذان يدل على الحذر، كما قال:
وَأَغْفِر عَوْرَاءَ الكَرِيِم ادِّخَارَهُ (٩)
(٢) في (الحجة) (كثرة) ولعله خطأ مطبعي.
(٣) في (ب): (الأعراف).
(٤) فهو يميل الألف نحو الياء لمكان الكسرة بعدها التي على النون. انظر "الكشف" ١/ ١٧١.
(٥) في (ب): (سانه)، "الحجة" ١/ ٣٦٨.
(٦) (له) ساقطة من (ج).
انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٣، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٤٤، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦١.
(٧) في (أ)، (ج) (لأنه) وما في (ب) أصح في السياق، وموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٣.
(٨) الزجاج يرى أنه منصوب على أنه مفعول لأجله، حيث قال: (وإنما نصبت (حذر الموت) لأنه مفعول له، والمعنى يفعلون ذلك لحذر الموت...)، ثم قال: (... كأنه قال يحذرون حذرا...). وهذا التقدير لا يتناسب مع الكلام الأول، لأنه في الأخير مفعول مطلق. انظر "معاني القرآن" ١/ ٦٣.
(٩) صدر بيت لحاتم الطائي وعجزه: =
وقال الفراء: نصبه على التفسير كقوله: ﴿وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ [الأنبياء: ٩٠] وكقوله: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥].
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ﴾. يقال: أُحِيط بفلان، إذا دنا هلاكه، وهو (٢) محاط به، قال الله تعالى: ﴿وَأُحِيطَ بثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢]، أي: أصابه ما أهلكه وأفسده (٣).
والإحاطة تستعمل بمعنى العلم (٤) كقوله: ﴿أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢] أي: لم يشذ عن علمه شيء. ويستعمل بمعنى القدرة، كأن قدرته أحاطت بهم (٥)، فلا محيص (٦) لهم عنه.
وجاء في التفسير أن معناه: والله مهلكهم وجامعهم في النار (٧). دليله
ومعنى قوله عوراء: الكلمة القبيحة أو الفعلة، ادخاره: إبقاء عليه. ورد البيت في "نوادر أبي زيد" ص ٣٥٥، وسيبويه ١/ ٣٦٨، "المقتضب" ٢/ ٣٤٧ "الكامل" ١/ ٢٩١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٣، "الجمل" للزجاجي ص ٣١٩، "شرح المفصل" ٢/ ٥٤، "الخزانة" ٣/ ١٢٢، "ديوانه" ص ٨١، وفيه (اصطناعه) بدل (ادخاره) وهي رواية عند أبي زيد، "الكشاف" ١/ ٢١٨.
(١) انتهى من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٣.
(٢) في "التهذيب" (فهو محاط به).
(٣) "تهذيب اللغة" (حاط) ١/ ٧٠٧.
(٤) انظر "الصحاح" (حوط) ٣/ ١١٢١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٠.
(٥) انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٥ أ، و"الطبري" في تفسيره ١/ ١٥٨.
(٦) في (ب) (له).
(٧) ذكره "الطبري" عن مجاهد انظر "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٨، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٥ أ، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ١٩٣، في تفسيره والبغوي ١/ ٧٠، (أضواء البيان) ١/ ١١٤.
وأمال أبو عمرو والكسائي (الكافرين) (٢) في جميع القرآن: لأن الكسرة لزمت الراء بعد الفاء المكسورة، والراء بما فيها من التكرير يجرى مجرى الحرفين المكسورين، وكلما كثرت الكسرات حسنت الإمالة، ولا يميلان نحو (٣): ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ [البقرة: ٤١] وذلك لأن كسرة الراء غير لازمة (٤) لزومها في (الكافرين) (٥).
٢٠ - قوله تعالى: ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ﴾ [البقرة: ٢٠]. (كاد) موضوع عند العرب لمقاربة (٦) الفعل (٧)، فإذا نفيت (٨) في اللفظ كان في المعنى إثباتا، وإذا أثبت كان نفيًا (٩)، بيانه أنك تقول: كاد يضربني، فهذا إثبات في اللفظ نفي للضرب (١٠)، لأن معناه قرب من الضرب ولم يضرب، وإذا قلت: ما
(٢) وذلك إذا كان جمعا في موضع نصب أو خفض، أما إذا كان مفردا أو جمعا في موضع رفع لم يمل، وبهذا قرأ أبو عمرو، والكسائي في رواية أبي عمر الدوري ونصير بن يوسف. انظر "السبعة" ص١٤٧، "الحجة" ١/ ٣٧٩، "الكشف" ١/ ١٧٣. وبهذا قرأ قتيبة ورويس، وورش بين بين، والبقية على الفتح للكاف. انظر "الغاية" ص ٩١، "وتحبير التيسير" للجزري ص ٧٠، ٧١.
(٣) وهو المفرد المجرور. انظر "الحجة" ١/ ٣٨٩، "الكشف" ١/ ١٩٧.
(٤) لأنها كسرة إعراب فتتغير.
(٥) "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٨٩، وانظر "الحجة" لابن خالويه ص ٧٣، "الكشف" ١/ ١٩٧.
(٦) في (ب): (لمفارقه).
(٧) انظر "تهذيب اللغة" (كاد) ٤/ ٣٠٧٦، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٢٩، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦١، "حروف المعاني" للزجاجي ص ٦٧.
(٨) في (ب): (بقيت).
(٩) في (ب): (بقى).
(١٠) في (ب): (في الضرب).
قال ابن الأنباري: (قال اللغويون: كدت أفعل، معناه عند العرب: قاربت الفعل ولم أفعل، وما كدت أفعل، معناه: فعلت بعد إبطاء (٢) هذا معنى (كاد)، وقد تستعمل (٣) بغير هذا المعنى (٤)، وسنذكر ذلك عند قوله: ﴿إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ [النور: ٤٠].
وذكر أبو بكر بإسناده أن ذا الرمة الشاعر قدم الكوفة فأنشد [بالكُناسة] (٥) وهو على راحلته قصيدته (الحائية)، فلما انتهى إلى قوله:
إِذَا غَيَّرَ النَّأيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ | رَسيِسُ الهَوى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَح (٦) |
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (كاد) ١٠/ ٣٢٩.
(٣) في (أ)، (ب) (يستعمل) وأثبت ما في (ج).
(٤) (المعنى) ساقط من (ب). قال ابن الأنباري: (وقد يكون ما كدت أفعل بمعنى: ما فعلت ولا قاربت إذا أكد الكلام بـ (أكاد)، انظر "التهذيب" ٤/ ٣٠٧٧، وهو بقية كلامه الذي نقل الواحدي بعضه. وفي "الخزانة": (قال صاحب اللباب: وإذا دخل النفي على (كاد) فهو كسائر الأفعال على الصحيح، وقيل. يكون للإثبات، وقيل: يكون في الماضي دون المستقبل...)، "الخزانة" ٩/ ٣٠٩.
(٥) في (أ)، (ج): (ما الكناسة) وهي ساقطة من (ب) والصحيح (بالكناسة) كما في "أمالي المرتضى" "الخزانة" كما سيأتي. و (الكناسة) بضم أوله محلة معروفة بالكوفة، كان بنو أسد وبنو تميم يطرحون فيها كناستهم. انظر "معجم ما استعجم" ٤/ ١١٣٦، "معجم البلدان" ٤/ ٤٨١.
(٦) قوله (النأي): البعد، (رسيس الهوى): مسه، ورد البيت في (ديوان ذي الرمة) =
........ لَمْ أَجِدْ رسيِسَ... الهَوى مِنْ حُبِّ مَيَّهَ يَبْرَحُ (٢)
ومعنى الآية: يكاد ما في القرآن من الحجج تخطف (٣) قلوبهم من شدة إزعاجها (٤) إلى النظر في أمر دينهم (٥).
وقال ابن عباس في رواية مقاتل والضحاك: معناه: يكاد الإيمان يدخل في قلوبهم (٦).
(١) هو عبد الله بن شبرمة بن حسان الضبي الكوفي، أبو شبرمة، كان شاعراً فقيهاً ثقة (٧٢ - ١٤٤هـ). انظر (طبقات ابن خياط) ص ٢٨٣، (الجرح والتعديل) ٥/ ٨٢، (تهذيب التهذيب) ٢/ ٣٥١.
(٢) وردت القصة مسندة في "أمالي المرتضى" ١/ ٣٣٢، "الخزانة" ١/ ٣١١، ويستشهد العلماء بهذا البيت على أن النفي إذ دخل على (كاد) تكون في الماضي للإثبات، وفي المستقبل كالأفعال، وبعضهم قال: كالأفعال في الماضي والمستقبل، وقيل: تكون للإثبات في الماضي والمستقبل. انظر: "الخزانة" ٩/ ٣٩، "شرح المفصل" ٧/ ١٢٥.
(٣) في (ج): (بخطف).
(٤) في (ب) (ازعاجها لهم).
(٥) ذكر هذا المعنى في "الوسيط" وقال: من تمام التمثيل ١/ ٥٢، وفي "الوجيز" ١/ ٦. قال ابن عطية: تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم، ومن جعل (البرق) في المثل: الزجر والوعيد، قال: يكاد ذلك يصيبهم. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٤، ونحوه في "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٢.
(٦) لم أجد هذِه الرواية عن ابن عباس، وفي "الطبري" عن الضحاك عن ابن عباس. قال: يلتمع أبصارهم ولما يفعل ١/ ١٥٨، "وتفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٥٧، =
قال ابن عباس: يقول: إذا قرئ عليهم شيء من القرآن مما يحبون صدقوا، وإذا سمعوا شيئاً من شرائع النبي ﷺ مما يكرهون وقفوا عنه، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ (٢).
وقال قتادة: هو المنافق إذا كثر ماله وأصاب رخاء وعافية قال للمسلمين: أنا معكم وعلى دينكم، وإذا أصابته النوائب قام متحيرا؛ لأنه لا يحتسب أجرها (٣). كأصحاب الصيب إذا أضاء لهم البرق فأبصروا الطريق مشوا، فإذا عادت الظلمة وقفوا متحيرين. ومثله قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ﴾ [الحج: ١١]. وقيل: شبه الغنيمة بالبرق، يقول (٤): الطمع في الغنيمة يزعج قلوبهم، ﴿كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ﴾: أي كثرت الغنائم
(١) انظر "معاني القرآن" للفراء١/ ١٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٤، "وتفسير القرطبي" ١/ ١٩٣.
(٢) ذكره ابن الجوزي عن ابن عباس والسدي، "زاد المسير" ١/ ٤٦، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٩١، وذكر ابن عطية عن ابن عباس نحوه ١/ ١٩٥، وكذا "القرطبي" ١/ ١٩٣.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٦ أ، وأخرجه "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٥، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى عبد بن حميد وابن جرير ١/ ٧٢، وقد ورد نحوه عن ابن عباس. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٥٤، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٥٩، "الدر" ١/ ٧٢.
(٤) في (ب): (لقول).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾. خص هاتين الجارحتين لما تقدم ذكرهما في قوله: ﴿آذَانِهِمْ﴾ و ﴿يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ﴾ فيقول: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ عقوبة لهم على نفاقهم، فليحذروا عاجل عقوبة الله وآجله، فإن الله على كل شيء قدير من ذلك (٤).
وقيل: ولو شاء الله لذهب بأسماعهم الظاهرة، وأبصارهم الظاهرة كما ذهب بأسماعهم وأبصارهم الباطنة، حتى صاروا صُمًّا عُمْيًا (٥).
وكان حمزة يسكت على الياء في ﴿شَيْءٍ﴾ (٦) قبل الهمزة سكتة خفيفة، ثم يهمز (٧). وذلك (٨) أنه أراد بتلك الوقيفة [في صورة لا يجوز فيها
(٢) في (ب): (فله).
(٣) ذكر نحوه "الطبري"، إلا أنه قال: (جعل البرق لإيمانهم مثلا، وإنما أراد بذلك أنهم كلما أضاء لهم الإيمان، وإضاءته لهم: أن يروا ما يعجبهم في عاجل الدنيا....)، "تفسير الطبري" ١/ ١٥٨، وانظر: "تفسير الخازن" ١/ ٧١، ٧٢، "البحر" ١/ ٩١.
(٤) ذكره "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٥٩، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٥.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠١، و"تفسير البغوي" ١/ ٧١.
(٦) من قوله: ﴿عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، وكذلك يفعل بكل حرف سكن قبل الهمزة.
(٧) انظر: "السبعة" ص ١٤٨، "الحجة" لأبي علي ١/ ٣٩١، "الحجة" لابن خالويه ص٧٢، "الكشف" ١/ ٢٣٤، "التيسير" ص ٦٢.
(٨) في (ب): (من ذلك).
٢١ - قوله تعالى: ﴿يَأَيُّهَا اَلنَّاسُ أعبُدُواْ رَبَّكُمُ﴾ الآية. (يا) حرف ينادي به (٣)، ولا تكاد تجد في كلام العرب حرفاً تألف مع اسم فكانا جملة كاملة سوى حرف النداء.
و (أي) (٤) اسم مبهم مبني على الضم، لأنه منادى مفرد، و ﴿النَّاسُ﴾ صفة لأي لازمة، تقول: يا أيها الرجل أقبل، ولا يجوز (٥): يا الرجل، لأن (يا) تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل، فلا يجمع بين (يا) وبين الألف واللام (٦). و (ها) لازمة لأي (٧)، وهي عوض من الإضافة في (أي) لأن
(٢) في (ب): (تحقيقها). الكلام لأبي علي كما في "الحجة" ١/ ٣٩١، ويريد حمزة بهذا أن يحقق الهمزة وينطق بها صحيحة، وبقية السبعة على عدم الوقف، لأنه لا يوقف على بعض الاسم دون الإتيان على آخره، ولذلك فالإعراب في آخر الاسم. انظر "الحجة" لابن خالويه ص ٧٢.
(٣) قال أبو حيان: زعم بعضهم: أنها اسم فعل معناها (أنادي). "البحر" ١/ ٩٢، وانظر "الدر المصون" ١/ ١٨٤.
(٤) نقله من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٤.
(٥) في (أ)، (ج): (لا يجوز) بسقوط الواو.
(٦) انظر: "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٣.
(٧) في "المعاني" (للتنبيه) ١/ ٦٤.
قال أبو إسحاق: وقوله قياس؛ لأن موضوع المنادى المفرد نصب، فحمل (٤) صفته على موضعه، وهذا في غير (٥) (يا أيها الرجل) جائز عند جميع النحويين، نحو قولك: (يا زيد الظريفُ والظريفَ) (٦) والنحويون غيره (٧) لا يقولون في هذا إلا الرفع، والعرب لغتها في هذا الرفع، لأن المنادي في الحقيقة (الرجل) و (أي) وصلة له (٨). وذلك أنهم لما أرادوا نداء
(٢) في (أ)، (ج): (تخير) واخترت ما في (ب) لأنه أصح وموافق لما في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٤، وحذف الواحدي بعض كلام الزجاج ونص عبارة الزجاج: (وزعم سيبويه عن الخليل أن المنادي المفرد مبني، وصفته مرفوعة رفعاً صحيحاً لأن النداء يطرد في كل اسم مفرد، فلما كانت البنية مطردة في المفرد خاصة، شبه المرفوع فرفعت صفته، والمازني يجيز في (يا أيها الرجل) النصب في (الرجل) ولم يقل بهذا القول أحد من البصريين غيره). وانظر "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦٢ "الإملاء" ١/ ٢٣، قال العبكري -بعد أن ذكر قول المازني-: وهو ضعيف. وقد رد الزجاج نفسه هذا القول في موضوع آخر فقال: (فهذا مطروح مرذول). انظر "معاني القرآن" ١/ ٢١١.
(٤) في "المعاني" (فحملت) وفي الهامش: (في الأصل) (فحمل) أي: (المازني) "معاني القرآن" ١/ ٦٤.
(٥) في (ب): (غيره).
(٦) (الظريف) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (في غيره). والمعنى: النحويون غير المازني.
(٨) انتهى كلام الزجاج. "معاني القرآن" ١/ ٦٤، ٦٥، نقله بتصرف.
(٢) وعليه فلا يجوز النصب (للناس) حملا على الموضع كما سبق، انظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٤٧، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٦٢، "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٣، "البحر المحيط" ١/ ٩٤، "الدر المصون" ١/ ١٨٥.
(٣) انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٦٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٥ ب، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠١.
(٤) الإمام الحافظ، أبو شبل، علقمة بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي، لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم، وحدث عن عدد من الصحابة، اختلف في سنة وفاته. فقيل سنة إحدى وستين وقيل: خمس وستين، وقيل: غير ذلك. انظر "تاريخ بغداد" ١٣/ ٢٩٦، "حلية الأولياء" ٢/ ٦٨، "سير أعلام النبلاء" ٤/ ٥٣.
(٥) أخرجه الواحدي بسنده في كتابه "أسباب نزول القرآن" عن علقمة، ص ٢٦، وذكره في (الوسيط) ١/ ٥٣، وذكره السيوطي في "الدر" وغزاه لأبي عبيد، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن الضريس وابن المنذر، وأبي الشيخ أبن حيان في "التفسير". وورد في "الدر" نحوه عن ابن مسعود، والضحاك، وميمون بن مهران، وعروة وعكرمة. "الدر" ١/ ٧٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" عن ابن عباس ١/ ٥٦، وابن عطية عن مجاهد، وقال: وقد يجيء في المدني ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ وأما ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ فصحيح. "تفسير ابن عطية" ١/ ١٧٩، ونحوه قال "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٩٤، وانظر "البرهان" ١/ ١٨٩ - ١٩٠.
وقوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾. (الخلق): ابتداع شيء لم يسبق إليه (٢). وكل شيء خلقه الله فهو مبتدئه على غير مثال سبق إليه (٣). والعرب تقول: خلقت الأديم إذا قدرته (٤). لتقطع منه مزادة أو قِرْبةً أو خُفًّا (٥). قال زهير:
وَلَأنْتَ تَفْرِي (٦) ما خَلَقْتَ وَبَعْـ | ـضُ القَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لا يَفْري (٧) |
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (خلق) ١/ ١٠٩٣.
(٣) انظر: كتاب "الزينة" ٢/ ٥٢، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ١/ ١٠١، ١٠٢، (رسالة ماجستير).
(٤) في (ب): (قدته).
(٥) "تهذيب اللغة" (خلق)، ١/ ١٠٩٣.
(٦) في (ب): (تقوى).
(٧) في (ب): (لا يقوى). ورد البيت في "الكتاب" ٤/ ١٨٥، "الزاهر" ١/ ١٨٤، "الجمهرة" ٢/ ٢٤٠، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٣٦، "اشتقاق أسماء الله" ص ١٦٦، "إعراب ثلاثين سورة" ص ٤٥، "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ٢٩٢، "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٠٧، "تهذيب اللغة" (خلق) ١/ ١٠٩٣، "معجم مقاييس اللغة" (خلق) ٢/ ٢١٤، (فرى) ٤/ ٤٩٧، "البحر" ١/ ٩٣، "القرطبي" ١/ ١٩٥، "ديوان زهير" ص ٩٤. ومعناه: أنت مضاء العزيمة، وغيرك ليس بماضي العزم.
ومعنى الآية: أن الله تعالى احتج على العرب بأنه خالقهم وخالق من قبلهم، لأنهم كانوا مُقِرّين بأنه خالقهم، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ [الزخرف: ٨٧]، فقيل لهم: إذ (٣) كنتم معترفين بأنه خالقكم فاعبدوه ولا تعبدوا الأصنام، فإن عبادة الخالق أولى من عبادة المخلوقين من الأصنام (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾. قال ابن الأنباري: (لعل) يكون (٥): ترجياً، ويكون بمعنى: (كي)، ويكون: ظناً كقولك: لعلي أحج العام، معناه: أظنني سأحج (٦).
وقال يونس (٧): (لعل) يأتي في كلام العرب بمعنى: (كي)، من
(٢) انظر: كتاب "الزينة" ٢/ ٥٣، ٥٢، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ١/ ١٠١، ١٠٢، "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٣٥، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ١٦٦، "معجم مقاييس اللغة" (خلق) ٢/ ٢١٤، "الجمهرة" (خ ق ل) ١/ ٦١٩، "تهذيب اللغة"، خلق١/ ١٠٩٣، "مفردات الراغب" ص ١٥٧.
(٣) كذا وردت في جميع النسخ، ولعلها (إذا).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦٠، "القرطبي" ١/ ١٩٥.
(٥) في (ب): (تكون) في المواضع الثلاثة.
(٦) ذكره الأزهري حيث قال: (وأثبت عن ابن الأنباري...) ثم ذكر لها خمسة وجوه، ذكر الواحدي منها ثلاثة، والرابع: بمعنى: (عسى)، والخاص: بمعنى: (الاستفهام)، "تهذيب اللغة" (عل) ٣/ ٢٥٥٣.
(٧) ذكره الأزهري بسنده قال: (أخبرني المنذري عن الحسين بن فهم أن محمد بن سلام أخبره عن يونس..)، "تهذيب اللغة" (عل) ٣/ ٢٥٥٣. ويونس: هو يونس بن حبيب أو عبد الرحمن الضبي بالولاء، كان النحو يغلب عليه، أخذ عن أبي عمرو بن =
قال (٥): وتقول (٦): انطلق بنا لعلنا نتحدث، أي: كي نتحدث (٧). ومثل هذا قال قطرب في (لعل) (٨).
وقال سيبويه: (لعل) كلمة ترجية وتطميع للمخاطبين (٩). أي كونوا على رجاء وطمع أن تتقوا بعبادتكم عقوبة الله أن تحل بكم (١٠)، كما قال
(١) في (ب): (من قولك).
(٢) الآية: ٢١، ١٧٩، ٦٣، ١٨٣ من سورة البقرة، و١٧١ من سورة الأعراف. وفي "تهذيب اللغة" (لعلهم يتقون).
(٣) (لعلهم يذكرون) جزء من آية في الأعراف: ٢٦، ١٣٠، وفي الأنفال: ٥٧. وفي (ب): (لعلكم تذكرون) وكذا في "تهذيب اللغة"، وهي جزء من آية في الأنعام: ١٥٢، والأعراف: ٥٧ والنحل: ٩٠، والنور: ١، ٢٧، والذاريات ٤٩.
(٤) كذا وردت في (أ)، (ج)، وفي (ب) بدون نقط، وفي "تهذيب اللغة" (كقولك) والأولى (تقول).
(٥) (قال) ساقط من (ب).
(٦) في (أ)، (ج): (ويقول) وأثبت ما في (ب).
(٧) آخر ما نقله الواحدي من كلام يونس، وانظر بقية كلامه في "تهذيب اللغة" (عل) ٣/ ٢٥٥٣، وانظر معاني (لعل) في "الأزهية في علم الحروف" للهوري ص ٢١٧، "مغني اللبيب" ١/ ٢٨٧.
(٨) قال أبو حيان لا تكون بمعنى (كي) خلافا لقطرب وابن كيسان. "البحر" ١/ ٩٣،
(٩) في "الكتاب": فإذا قلت: (لعل) فأنت ترجوه أو تخافه في حال ذهابه ٢/ ١٤٨، وقال: (لعل وعسى طمع واشفاق) ٤/ ٢٣٣. وانظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب.
(١٠) فتكون لعل على بابها للترجي، كما هو رأي سيبويه، وبعض المفسرين يقول: إذا =
٢٢ - قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾: (الأرض): التي عليها الناس، وجمعها: (أَرَضُون) (٢) و (أَرَضَات) (٣)، وحكي: (أُرُوض) (٤). فإن قيل: الجمع بالواو والنون [إنما هو لأسماء الأعلام، فما بالهم جمعوا الأرض بالواو والنون؟] (٥). قيل: إن الأرض اسم مؤنث،
(١) ذكره "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ١٩٥، وذكر ابن هشام في "مغني اللبيب": أن بعضهم جعل من معاني "لعل" التعليل كالأخفش والكسائي، وحملوا عليه قوله: ﴿لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ ومن لم يثبت لها معنى "التعليل" يحمله على الرجاء ويصرفه للمخاطبين، أي: اذهبا على رجائكما، ١/ ٢٨٨.
(٢) كذا ورد عند سيبويه، انظر "الكتاب" ٣/ ٥٩٩، "المذكر والمؤنث" لابن الأنبارى ص ١٨٨، "تهذيب اللغة" (أرض) ١/ ١٤٨، وقال ابن سيده في "المخصص": عن أبي حنيفة: (أرض) و (أَرْضُون) بالتخفيف و (أَرَضُون) بالتثقيل، (المخصص) ١٠/ ٦٧.
(٣) ذكره سيبويه وغيره، انظر "الكتاب" ٣/ ٥٩٩، قال ابن الأنباري (يجوز في القياس: أرضات ولم يسمع) "المذكر والمؤنث" ص ١٨٨.
(٤) جمع تكسير، انظر "المخصص" ١٠/ ٦٧، "تهذيب اللغة" (أرض) ١/ ١٤٨.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب). وقد نقل الواحدي هذا السؤال والإجابة عنه من كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني ٢/ ٦١٣.
وفتحوا (الراء) (٦) في (أَرَضِين) ليدخل الكلمة ضرب من التكسير، استيحاشا من أن يوفوه لفظ التصحيح من جميع الوجوه، ومعنى التصحيح هو أنهم إنما جمعوا بالواو والنون الأسماء التي هم بها معنيون، ولتصحيح ألفاظها لفرط اهتمامهم بها مؤثرون، كيلا يقع في واحده إشكال، ألا ترى
(٢) في (أ)، (ج): (صلح) وفي "سر صناعة الإعراب" (ريح) وفي الحاشية قال: في (ل) و (ش): (ملح)، ٢/ ٦١٤. وهذا يوافق ما في (ب).
(٣) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٦١٤، وانظر: "الكتاب" ٣/ ٥٩٩ "المخصص" ١٠/ ٦٧، ٦٨ و ١٧/ ٤ "اللسان" (أرض) ١/ ٦١.
(٤) في (ب): (ما).
(٥) انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٣.
(٦) "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٤، وقال بعضهم: ربما سكنت فقيل: (أرضون)، انظر "الصحاح" (أرض) ٣/ ١٠٦٣، "المخصص" ١٠/ ٦٧.
(٢) انظر. "الكتاب" ٣/ ٥٩٨ - ٦٠٠، "المخصص" ١٠/ ٦٨، ١٧/ ٤، "الصحاح" (أرض) ٣/ ١٠٦٣، "اللسان" (أرض) ١/ ٦١.
(٣) في (أ)، (ج): (أحرها) وفي (ب): (أخرت) والصحيح ما أثبت كما في "سر صناعة الإعراب"، ٢/ ٦١٤.
(٤) في (ب): (لا مجرى).
(٥) اختصر الواحدي كلام أبي الفتح وترك بعض الوجوه، قال أبو الفتح: (فالجواب: أن العرب قد أجرت (هاء التأنيث) مجرى لام الفعل في أماكن: منها: أنهم حقروا ما كان من المؤنث على أربعة أحرف، نحو: (عقرب) و (عناق)... وذلك قولهم: (عقيرب).... ومنها: أنهم قد عاقبوا بين هاء التأنيث وبين اللام، وذلك نحو قولهم: (بُرَّة وبراً) و (لُفَة ولُفَى)...). ومنها: أن الهاء وإن كانت أبدا في تقدير الانفصال فإن العرب قد أحلتها -أيضا- محل (اللام) وما هو الأصل أو جار مجرى الأصل وذلك نحو قولهم: (ترقوة)، و (عرقوة)... ، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٤ - ٦١٦، وذكر الواحدي في جوابة على السؤال الوجه الأخير فقط.
(٦) (الْعَرْقُوة) خشبة معروضة على الدلو. انظر "اللسان" (عرق) ٥/ ٢٩٠٨.
(٧) (ترقوة) ساقط من (ب). والترقوة واحدة الترقوقان، وهما العظمان المشرفان بين تغرة النحر والعاتق، تكون للناس وغيرهم، ولا يقال (ترقوة) بالضم. انظر "اللسان" (ترق) ١٠/ ٣٢.
(٨) في (أ)، (ج): (يقلب) وما في (ب) موافق لـ "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٦.
وقوله تعالى: ﴿فِرَاشًا﴾ الأرض فراش الأنام على معنى أنها فرشت لهم، أي (٩): بسطت، وهذا كقوله: ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (١٩)﴾ [نوح: ١٩] والمعنى أنه لم يجعلها حزنة غليظة لا يمكن (١٠) الاستقرار
(٢) (وتقلب) ساقط من (ج).
(٣) (الحَقْوُ) بفتح الحاء وكسرها: الكشح، ومعقد الأزار، والخصر والجمع (أحْقٍ) و (أَحقَاء) و (حِقِى) و (حقا). انظر: "اللسان" (حقا) ص ٩٤٨.
(٤) جمع (دلو)، انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٦.
(٥) في جميع النسخ (أحر) بالحاء، والتصحيح من "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٦، و (أَجْرٍ): جمع جرو وهو الصغير من كل شيء. انظر "اللسان" (جراً) ١/ ٦٠٩.
(٦) أى كما صحت (الواو) قبل (الهاء) في (تَرْقُوة) و (عَرْقُوة) لأنها في تقدير الاتصال، وأجروها مجرى (الراء) و (الطاء) في (منصور) و (عضرفوط) فصحت الواو قبل الراء والطاء، فكما جاز أن تشبه (هاء التأنيث) في هذا باللام الأصلية، جاز أن تجرى الهاء المقدرة في أرض مجرى اللام الأصلية، فيعوض من حذفها في (أرض) أن يجمع بالواو والنون في (أرضون). "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٦.
(٧) (الْعَضْرَفُوط) دويبة بيضاء ناعمة، أو ذكر العظاء. انظر "اللسان" (عضرط) ٥/ ٢٩٨٦.
(٨) في (أ)، (ج): (التصحيح) وعبارة أبي الفتح: (... وقد أجروا (الهاء) في (ترقوة)... مجرى (الراء) في (منصور) و (الطاء) في (عضرفوط) فصحت (الواو) قبلها كما صحت قبل الراء والطاء...)، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦١٦.
(٩) في (ب): (لهم أنبسطت).
(١٠) في (أ): (لم يكن) وفي (ب): (ولا يمكن).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾. الأزهري: أصل الماء (مَاهَ) بوزن (قَاه) (٢)، [فثقلت] (٣) (الهاء) مع الساكن قبلها، فقلبوا الهاء مدة فقالوا: ماء (٤).
قال الليث: والمدة في (الماء) خَلَفٌ (٥) من (هاء) محذوفة، ويدل على أن الأصل في الماء (الهاء): التصغير، والتصريف، والجمع، فالتصغير (مُوَيْه) (٦) ويقال: هذه مُوَيْهَة عذبة (٧).
وقال (٨) الأصمعي: مَاهَت البئر، وهي تَمَاه [وتَمُوه مَوْهاً إذا كثر ماؤها (٩).
(٢) في (أ)، (ج) (فاة)، وفي "تهذيب اللغة" (تاه) ١/ ٤٢٣، وفي "اللسان" (قاه) "اللسان" (موه) ٧/ ٤٣٠٢. وهو موافق لما في (ب) وهو ما أثبته.
(٣) في (أ)، (ب)، (ج) (فنقلت) وصححت العبارة على ما في "تهذيب اللغة" (الماء) ١٥/ ٦٤٨.
(٤) "تهذيب اللغة" (الماء) ٤/ ٣٣٢٠، وانظر "الصحاح" (موه) ٤/ ٢٢٥٠، "اللسان" (موه) ٧/ ٤٣٠٢ (المنصف) ٤/ ٣٣٢٠.
(٥) في (ب) (خلف خلف هاء).
(٦) انتهى كلام الليث نقله الواحدي بمعناه. انظر "تهذيب اللغة" ١٥/ ٦٤٨، وانظر "الصحاح" ٦/ ٢٢٥٠، "اللسان" ١٣/ ٥٤٣.
(٧) من كلام الأزهري، انظر "تهذيب اللغة" ١٥/ ٦٤٨.
(٨) في (ب): (قال) سقطت الواو.
(٩) في "تهذيب اللغة": (قال الأصمعي: ماهت البئر تَمُوه وتَمَاه موها إذا كثر ماؤها)، "تهذيب اللغة" (ماه) ٤/ ٣٣٣١، وانظر "الصحاح" (موه) ٦/ ٢٢٥٠، "اللسان" (موه) ٧/ ٤٣٠٢.
قال الليث: وأَماهت الأرض إذا ظهر فيها النَّزُّ (٥). والنسبة إلى الماء (ماهِيٌّ) (٦)، وغيره (٧) يقول: مَائِيٌّ (٨). وجمع الماء: (مياه) و (أمواه) (٩)، قال الشاعر:
سَقَى اللهُ أَمْوَاهاً عَرَفْتُ مَكَانها | جُرَاباً ومَلْكُوماً وبَذَّرَ والْغَمْرَا (١٠) |
(٢) في "التهذيب" و"اللسان": (أسالت).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج).
(٤) "تهذيب اللغة" (ماه) ٤/ ٣٣٣١، "اللسان" (موه) ٧/ ٤٣٠٢.
(٥) "تهذيب اللغة" (ماه)، ٤/ ٣٣٣١وانظر "الصحاح" (موه) ٦/ ٢٢٥٠، "اللسان" (موه) ٧/ ٤٣٠٢.
(٦) نسب الواحدي الكلام لليث، وهو في "التهذيب" إما من كلام ابن الأعرابي أو من كلام الأزهري. انظر: "تهذيب اللغة" (ماه) ص ٣٣٣، "اللسان" (موه) ٧/ ٤٣٠٢.
(٧) أي: عند غير الليث.
(٨) في (ب) (ما هي). قال الجوهري: والنسبة للماء: (مَائِيٌّ) وإن شئت (مَاوِيٌّ) عند قول من يقول (عَطَاوِيٌّ)، "الصحاح" ٦/ ٢٢٥١، "اللسان" ٧/ ٤٣٠٢.
(٩) انظر. "تهذيب اللغة" (ماه) ٤/ ٣٣٣١، قال الجوهري: بجمع على (أمواه) في القلة، و (مياه) في الكثرة. "الصحاح" ٦/ ٢٢٥٠، وذكره في "اللسان" وقال: وحكى ابن جني في جمعه (أمواء) ٧/ ٤٣٠٢.
(١٠) البيت لكثير عزة ورد في (ديوانه) مع أبيات مفردة ص ٥٠٣، وأورده عبد السلام هارون في حاشية "الكتاب"، لأنه ورد في بعض نسخ "الكتاب"، ولم يرد في الأصل. انظر "الكتاب" ٣/ ٢٠٧، ٢٠٨، "المنصف" ٣/ ١٥٠، ٣/ ١٢١، "شرح =
أَمِنْكِ بَرْقٌ أَبِيتُ (٢) اللَّيْلَ أَرْقُبُهُ | كَأنَّه في عِرَاضِ الشَّأْمِ مِصْباحُ (٣) |
وقوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ﴾. الثمرات: جمع (الثمرة) وهي حمل الشجرة (٥) في الأصل، ثم صارت اسمًا لكل (٦) ما ينتفع به، مما هو زيادة على أصل المال (٧).
(١) ذكره في "الوسيط"، ١/ ٥٥، وانظر: "تفسير أبي السعود" ١/ ٦١.
(٢) في (ب): (أربك).
(٣) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، قوله: (أمنك برق) أي: من نحو منزلك، من الشق الذي أنت به، (عراض الشأم) نواحيها. انظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ١٦٧، "شرح الأبيات المشكلة الإعراب" الفارسي ص ٣٦٤.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب، "تفسير ابن عطية" ١٩٩، "تفسير البيضاوي" ١/ ١٤، والخازن ١/ ٧٦، "تفسير أبي السعود" ١/ ٦١، "الفتوحات الإلهية" ١/ ٢٦.
(٥) ذكره الأزهري عن الليث وغيره، "تهذيب اللغة" (ثمر) ١/ ٤٩٧.
(٦) في (ج): (اسما لما ينتفع به).
(٧) ذكره الواحدي في "الوسيط"، وانظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٩.
قال المفسرون في معنى الثمرات في هذه الآية: أراد جميع ما ينتفع به مما يخرج من الأرض (٩).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾. روى شمر عن الأخفش قال: (الند) الضد والشبه. أي: لا تجعلوا (١٠) لله أضدادا وأشباها، وفلان نِدُّ فلان ونَدِيدُه ونَدِيدَتُه أي: مثله وشبهه (١١).
(٢) ذكر الأزهري نحوه عن الأصمعي "تهذيب اللغة" (ثمر) ١/ ٤٩٧، وانظر: "اللسان" (ثمر) ١/ ٥٠٣.
(٣) في (أ)، (ج). (النصر) والمراد النضر بن شميل.
(٤) في (أ)، (ج): (التميز)، وفي (ب): (التميير) والصحيح (الثمير) كما في "تهذيب اللغة" (ثمر) ١/ ٤٩٧.
(٥) في (أ)، (ج): (محص) وفي (ب): (محض)، و (مخض) في " التهذيب".
(٦) انظر كلام النضر في "تهذيب اللغة" (ثمر) ١/ ٤٩٧. وانظر: "الصحاح" (ثمر) ٢/ ٦٠٦، "اللسان" (ثمر) ٤/ ١٠٨.
(٧) "تهذيب اللغة" (ثمر) ١/ ٤٩٧.
(٨) قال ابن فارس: (الثاء والميم والراء أصل واحد)، وهو شيء يتولد عن شيء متجمعا، ثم يحمل عليه غيره استعارة، "مقاييس اللغة" (ثمر) ١/ ٣٨٨.
(٩) انظر "الطبري" ١/ ١٦٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٩، "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٨.
(١٠) في (ب): (جعلوا).
(١١) في (ب): (شبههه).
لِكَيْمَا (٢) يكُون السَّنْدَرِيُّ نَدِيدَتِي | فَأَشتمَ (٣) أقَوْاماً عُمُوماً (٤) عَمَاعِمَا (٥) |
أتَهْجُوهُ وَلَسْتَ لَهُ بِنِدٍّ | فَشَرُّكُمَا لِخَيْركُمَا الفِدَاءُ (٧) |
(٢) في (ب): (لكي لا يكون) وهي رواية في البيت.
(٣) في (ب): (فاستمر)، وفي "تهذيب اللغة" (واجعل) وفي حاشيته: في (د)، (ج) (أشتم) ٤/ ٣٥٤٠.
(٤) في (ب): (عمواما).
(٥) البيت من قصيدة قالها لما دعاه عامر بن الطفيل لينافر علقمة بن علاثة، و (السندري): شاعر معروف وهو ابن عيساء، ينسب لأمه، (العموم): جمع العم، و (العماعم): الجماعات. انظر "شرح ديوان لبيد" ص ٢٨٦ "تهذيب اللغة" (ند) ٤/ ٣٥٤٠، "الصحاح" (ندد) ٢/ ٥٤٣، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٤، "الأضداد" أبي حاتم ص ٧٤ "اللسان" (ندد) ٣/ ٤٢٠ "مقاييس اللغة" (ند) ٥/ ٣٥٥، "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٩. وكلام الأخفش في "تهذيب اللغة" (ند) ٤/ ٣٥٤٠ نقله الواحدي بتصرف، وانظر "اللسان" (ندد) ٧/ ٣٤٨٢.
(٦) في جميع النسخ (يستقل) وفي "تهذيب اللغة" (تستقل) وهو الصواب، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٤٠.
(٧) البيت من قصيدة يهجو بها سفيان بن الحارث قبل فتح مكة، انظر "ديوانه" ص ٧٦، "تهذيب اللغة" (ند) ٤/ ٣٥٤٠ "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٤، "الأضداد" لأبي حاتم ص ٧٤، "مجاز القرآن" ص ٣٤، "تفسير الطبري" ١/ ١٠٦٣ "تفسير القرطبي" ١/ ١٩٨، "اللسان" (ندد) ٧/ ٣٤٨٢.
أتَيْماً يَجْعَلُونَ إليَّ نِدّاً | وَمَا تَيْمٌ لِذِي حَسَبٍ نَدِيدُ (٣) |
وقال ابن زيد: الأنداد الآلهة (٦) التي جعلوها معه (٧).
وقال أبو إسحاق: هذا احتجاج عليهم لإقرارهم بأن الله خالقهم، فقيل
(٢) انظر: "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٤، "مجاز القرآن" ص ٣٤، "الأضداد" للصاغاني ص ٢٤٦، قال أبو حاتم: (زعم قوم أن بعض العرب يجعل (الضد) مثل (الند) ويقول: هو يضادني، ولا أعرف أنا ذلك..) (الأضداد) لأبي حاتم السجستاني ص ٧٥.
(٣) قاله يهجو تيما.
انظر: "ديوان جرير" ص ١٢٩، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٤، "الأضداد" لأبي حاتم ص ٧٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٦، "ومجالس العلماء" للزجاجي ص ١١٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٦ ب
(٤) في (أ)، (ج): (يطيعونهم)، وفي (ب): (تضيعونهم).
(٥) أخرجه "الطبري" بسنده عن ابن عباس وعن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي - ﷺ - "تفسير الطبري" ١/ ١٦٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٥ ب، وانظر: "الدر المنثور" ١/ ٧٦.
(٦) في (ب): (الآله).
(٧) أخرجه "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٦٣، "زاد المسير" ١/ ٤٩، والمراد عموم الأنداد والشركاء مع الله من الرجال أو الحجارة أو غير ذلك.
قال ابن (٣) الأنباري: قوله: ﴿وَأَنتُم تَعلَمُونَ﴾، (٤) لا تتنافى مع قوله: ﴿قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ﴾ [الزمر: ٦٤] لأن هذا العلم الذي وصفهم به في هذه الآية لا يزيل عنهم الجهل؛ لأنه أراد: وأنتم تعلمون أن الأنداد التي تعبدونها لم ترفع لكم السماء ولم تمهد تحتكم (٥) الأرض، ولم ترزقكم رزقا. فعبدة الأصنام وغيرهم يتساوى علمهم في هذا المعنى، وإنما وصفهم الله جل ذكره بهذا العلم لتتأكد الحجة عليهم إذا اشتغلوا (٦) بشىء (٧) يعلمون (٨) أن الحق فى سواه (٩).
٢٣ - وقوله (١٠) تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ﴾ الآية. قال النحويون: (إن) دخلت هاهنا لغير شك، لأن الله تعالى علم أَنهم مرتابون، ولكن هذا عادة العرب في خطابهم، كقولك: (إن كنت إنساناً فافعل كذا)، وأنت تعلم أنه إنسان، و (إن كنت ابني فاعطف علي) فالله تعالى خاطبهم على عادة
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٥.
(٣) (ابن) ساقط من (ج).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في (ج): (لكم).
(٦) في (ب): (اشغلوا).
(٧) في (ج): (في شيء).
(٨) في (ب): (يعلموا).
(٩) نحو هذا المعنى ذكر "الطبري" عن ابن عباس وقتادة، ورجحه. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦٣.
وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٩، "زاد المسير" ١/ ٤٩.
(١٠) في (ج): (قوله) بسقوط الواو.
وقيل: هو بمعنى (إذ) (٢) قال أبو زيد: وتجيء (٣) (إن) بمعنى (إذ) نحو قوله: ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨]، وقوله ﴿وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] ونحوهما (٤).
قال الأعشى:
وسمعتَ حَلْفتَها التي حلفتْ | إن كان سمعُك غيرَ ذي وَقْرِ (٥) |
(٢) ذكره الثعلبي مع الأدلة من الآيات وبيت الأعشى. "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٧ أ، وانظر: "تهذيب اللغة" (إن) ١/ ٢٢٤.
(٣) في (أ)، (ج) (يجيء)، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق وموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٤) قول أبي زيد في "تهذيب اللغة"، (إن) ١/ ٢٢٤، وانظر: "زاد المسير" ١/ ٤٩، "الدر المصون" ١/ ١٩٧.
والقول: إنَّ (إنْ) تأتي بمعنى (إذ) قول الكوفيين، أما البصريون فمنعوا مجيئها بمعنى (إذ). انظر: "الإنصاف" ص٥٠.
(٥) البيت عند الثعلبي ١/ ٥٧ أ، "الوسيط" للواحدي ١/ ٥٧ منسوب للأعشى، ولم أجده في (ديوانه)، وهو في "الإنصاف" ص ٥٠٢. غير منسوب، وذكره عبد السلام هارون في "معجم الشواهد العربية" ص ١٨٧، ولم ينسبه.
(الحلفة): واحدة الحلف وهو القسم.
(الوقر): ثقل السمع.
والشاهد فيه عند الواحدي، وعند الكوفيين ورود (إنْ) بمعنى (إذ).
(٦) في (ج): (للسورة).
سِرْتُ إِلَيْهِ في أَعَالي السُّور (٣)
وأقرأني العروضي، قال: أقرأني الأزهري، قال (٤): أخبرني المنذري، عن أبي الهيثم أنه رد على أبي عبيدة قوله، وقال: إنما يجمع (٥) (فُعْلَة) على (فُعْل)، بسكون العين، إذا سبق الجمعَ الواحدُ، مثل: صوفة وصوف، وسورة البناء وسورٌ (٦)، والسور جمع سبق وحدانه (٧)، قال الله تعالى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ﴾ [الحديد: ١٣].
والسُّور عند العرب حائط المدينة، وهو أشرف الحيطان، وشبه الله
(٢) في (ج): (وكذلك قوله الصورة).
(٣) الرجز للعجاج، ورد في "المجاز" لأبي عبيدة ١/ ٥، وقبله:
فرب ذي سرادق محور
"ديوان العجاج": ص ٢٢٤. رقم القصيدة (١٩)، وفي "الكتاب" ٤/ ٥١، "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦، "تفسير الطبري" ١/ ٤٦، "تهذيب اللغة" (سار) ٢/ ١٥٩٢، "اللسان" (سور) ٤/ ٢١٤٧، "الزاهر" ١/ ٥٢٦. والسرادق: ما أحاط بالشيء من بناء أو خباء أو غيره، وسرت: من سار الحائط يسوره وتسوره، أي: تسلق. وكلام أبي عبيدة بنصه في "التهذيب" "سار" ٢/ ١٥٩٣. وانظر "مجاز القرآن" ١/ ٣، ٤، ٤٣، "اللسان" (سور) ٤/ ٢١٤٧. (الزاهر) ١/ ١٧٠. "تفسير ابن عطية" ١/ ٧٠.
(٤) في "تهذيب اللغة": وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم:
أنه رد على أبي عبيدة قوله | الخ كلام أبي الهيثم. |
(٥) في "التهذيب": (تجمع) وكذا في "اللسان".
(٦) في "اللسان" (وسُوْرُهُ).
(٧) في (التهذيب) (فالسورة جمع سبق وُحْدَانَه في هذا الموضع جمعه) ٢/ ١٥٩٣.
ألم تر أنَّ الله أعطاك سورةً | ترى كل مَلْكٍ دونها يتذبذبُ (٤) |
أما سورة القرآن، فإن الله تعالى جمعها على: (سُوَر) مثل: غُرْفَة وغُرَفُ، ورُتْبَة ورُتَب، وزُلفَة وزُلَف، فدل على أنه لم يجمعها كما قال (٦)، ولم يجعلها من سُورِ (٧) البناء، لأنها لو كانت منه لقال: (بعشرِ سُوْر) ولم
(٢) في (أ)، (ج): (يعرف) واخترت ما في (ب)، لأنه أصح، وموافق لما في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٣.
(٣) كذا في جميع النسخ، "اللسان" ٤/ ٢١٤٨. وفي "تهذيب اللغة" (الفرق) ٢/ ١٥٩٣.
(٤) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمدح النعمان، ويعتذر إليه.
وقوله (السورة): المنزلة الرفيعة، (والملك بتذبذب): يتعلق ويضطرب، يريد أن منازل الملوك دون منزلته. انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٤. "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٢٦. "تفسير الطبري" ١/ ٤٦. "المصون في الأدب" للعسكري: ص ١٥٠، ١٥١. "التهذيب" (سار) ٢/ ١٥٩٣. "اللسان" (سور) ٤/ ٢١٤٨. "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠١. "ديوان النابغة": ص ٢٨. "الزاهر" ١/ ١٧١.
(٥) في (أ): (سِوَر) وفي (ب): (سواري رفع).
(٦) قوله: (فدل على أنه لم يجمعها كما قال) ليس في "تهذيب اللغة" ولا "اللسان"، والمعنى لم يجمعها (سُوْرٌ) بالسكون كما قال أبو عبيدة.
(٧) في (ب): (سورة).
وكأن أبا عبيدة أراد أن [يؤيد] (٤) قوله في (الصور) أنه جمع (صورة) (٥)، وكان ينكر أن (الصور) قرن خلقه الله للنفخ فيه، ونذكر (٦) قوله ذلك والرد عليه إذا أتينا على ذكر (الصور) إن شاء الله.
قال أبو الهيثم: والسورة (٧) من سور [القرآن] (٨) عندنا: قطعة من القرآن، سبق وُحْدانُها جَمْعَها، كما أن الغرفة (٩) سابقة للغرف. وأنزل الله القرآن على نبيه ﷺ شيئاً بعد شيء، وجعله مفصلاً، وبيّن كل سورة بخاتمتها وبادئتها، وميزها من التي تليها (١٠).
(٢) في (ب): (بسوره).
(٣) في (ب): (سوره).
(٤) في جميع النسخ (يريد) والتصحيح من "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٣. "اللسان" ٤/ ٢١٤٨.
(٥) في "تهذيب اللغة" (فأخطأ في الصور والسور، وحرَّف (كلام العرب) عن صيغته | إلخ). انظر "تهذيب اللغة" (سار) ٢/ ١٥٩٣. "اللسان" (سور) ٤/ ٢١٨٤. |
(٧) في (ب) (السور).
(٨) (القرآن) غير موجود في جميع النسخ، والتصحيح من "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٣، "اللسان" ٤/ ٢١٤٨.
(٩) في (ب) (المعرفة).
(١٠) انتهى كلام أبي الهيثم، "تهذيب اللغة" (سار) ٢/ ١٥٩٤، "اللسان" (سور) ٤/ ٢١٤٨.
قال (٢): وأخبرني المنذري، عن أبي العباس، عن ابن الأعرابي قال: (السورة) الرفعة وبها سميت السورة من القرآن، أي رفعة وخير (٣)، فأرى ابن الأعرابي وافق قوله قول أبي عبيدة (٤).
قال: (٥) والبصريون يجمعون (الصورة) و (السورة) وما أشبههما (٦) على (صُوَر وصُوْر)، و (سُوَر وسُوْر) ولا يميزون بين ما سبق جمعه وحدانه وبين ما سبق وحدانه جمعه، والذي حكاه أبو الهيثم هو قول (٧) الفراء.
(٢) أي: الأزهري.
(٣) ونحوه عند "الطبري" فإنه قال: (والسورة بغير همز: المنزلة من منازل الارتفاع). انظر: "تفسيره" ١/ ٤٦. وقد ذكر هذين المعنيين للسورة ابن قتيبة في "غريب القرآن": ١/ ٢٦. وانظر: "الزاهر" ١/ ١٧١. "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٢٦٣، ٢٦٤. "الإتقان" ١/ ١٨٦. "تفسير ابن كثير" ١/ ٦٤.
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٤. "اللسان" ٤/ ٢١٤٨.
(٥) أي الأزهري. انظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٤، وربما أوهم صنيع الواحدي أن الكلام لابن الأعرابي.
(٦) في (أ) و (ج): (وما أشبهها).
(٧) في "التهذيب": (والذي حكاه أبو الهيثم هو قول الكوفيين، وهو يقول به إن شاء الله) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٩٤. "اللسان"٤/ ٢١٤٨.
فإن قيل: فما (٤) الفائدة في تفصيل القرآن على السور؟ قيل: فيه فوائد كثيرة، منها: أن القارئ إذا خرج من سورة إلى سورة كان أنشط لقراءته وأحلى في نفسه.
ومنها: أن تخصيص كل سورة بقدر مخصوص كاختصاص القصائد.
ومنها: أن الإنسان قد يضعف أو يكسل عن حفظ الجميع فيحفظ سورة تامة فربما كان ذلك سبباً يدعوه إلى حفظ غيرها (٥).
قال المفسرون: ومعنى الآية: أن الله تعالى لما احتج عليهم [في إثبات توحيده احتج عليهم] (٦) -أيضا- في إثبات نبوة محمد صلى الله عليه
(٢) انظر: "الزاهر" ١/ ١٧١. "الدر المصون" ١/ ٢٠١.
(٣) وهذا القول كأنه يرجع إلى قول أبي عبيدة وابن الأعرابي، وفي معنى السورة أقوال أخرى. انظر: "الزاهر" ١/ ١٧١، "جمهرة اللغة" ٢/ ٧٢٢، "تفسير الطبري" ١/ ٤٦، وابن عطية ١/ ٧٠، "تفسير ابن كثير" ١/ ٦٤، "البرهان" ١/ ٢٦٣، ٢٦٤، "الكشاف" ١/ ٢٣٩.
(٤) في (ب): (ما).
(٥) وذكر بعض العلماء حكماً أخرى لتفصيل القرآن إلى سور، وكلها حكم وفوائد مستنبطة، والله أعلم بحكمة ذلك. انظر: "الكشاف" ١/ ٢٤٠ - ٢٤١، "البرهان" ١/ ٢٦٤ - ٢٦٥.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
ودليل هذا التأويل قوله: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤]. وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ (٥)، وقوله: ﴿لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] كل ذلك يريد به مثل القرآن، ومعناه: فأتوا بسورة مثل ما أتى به محمد في الإعجاز وحسن النظم والإخبار عما كان وما يكون، على جهة الابتداء دون الاحتذاء، وتعلم الكتب ودراسة الأخبار.
و (من) يكون للتبعيض (٦) على هذا القول، لأن التحدي في هذه الآية وقع ببعض القرآن، وهو السورة. ويحتمل أن تكون للتجنيس (٧)، أي: من
(٢) ذكر نحوه "الطبري" عن قتادة ومجاهد، وذكر قولاً آخر، وهو: (من مثله) من مثل محمد من البشر، لأن محمداً بشراً مثلكم، ورجح القول الأول "الطبري" ١/ ١٦٥. وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٦، والثعلبي ١/ ٥٧ أ، وذكر أبو الليث أن الخطاب في قوله: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ﴾ لليهود، و (من مثله): من التوراة. (تفسير أبي الليث) ١/ ١٠٢، انظر: "القرطبي" ١/ ٢٠٠.
(٣) في (ب): (فالكناية).
(٤) وعلى القول الثاني: تعود على (عبدنا) ذكره ابن الأنباري في (البيان في غريب إعراب القرآن) ١/ ٦٤. وقال "القرطبي": (وقيل: يعود على التوراة والإنجيل). انظر "القرطبي" ١/ ٢٠٠.
(٥) في (أ) و (ج): ﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ تصحيف في الآية. والآية: ٣٨، من سورة يونس.
(٦) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٢.
(٧) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٢، "زاد المسير" ١/ ٥٠، "الدر المصون" ١/ ٢٠٠.
وَمَا أُحَاشِي مِنَ الأقْوَامِ مِنْ أَحَدٍ (٣)
أي: أحداً.
قال النحويون: (مِنْ)، يكون على أربعة أوجه: أحدها: ابتداء الغاية، وهو أصلها (٤)، كقولك: سرت (٥) من الكوفة إلى البصرة.
والثاني: التبعيض، كقولك: خذ من الثياب ثوباً.
(٢) في (ب): (معناها).
(٣) البيت للنابغة من المعلقة التي يمدح بها النعمان، ويعتذر إليه، وصدره:
ولا أَرى فَاعِلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ
يقول: لا أرى فاعلاً يفعل الخير يشبهه، والضمير للنعمان، وما أحاشي من أحد أي: لا أستثني أحداً. و (من) زائدة، وهذا وجه الاستشهاد عند الواحدي. وقد ورد في بعض المصادر (ولا أحاشي) ورد البيت في "الديوان": ص ١٢، و"جمل الزجاجي": ص ٢٣٣، "الإنصاف" ١/ ٢٤١، "مغني اللبيب" ١/ ١٢١، "شرح المفصل" ٢/ ٨٥، ٨/ ٤٨ - ٤٩، "الخزانة" ٣/ ٤٠٣، "همع الهوامع" ٣/ ٢٨٨، شاهد رقم (٩١٨).
(٤) قال ابن هشام: (هو أصلها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه)، "مغني اللبيب" ١/ ٣١٨.
(٥) في (ب): (سرق).
والرابع: الزيادة، كقولك: ما أتاني من أحد (١)
وهاهنا فصل يحاج إليه في كثير من المواضع، وذكرته هاهنا (٢)، وهو (أن الحروف عند النحويين لا يليق بها الزيادة ولا الحذف، وأن أعدل أحوالها (٣) أن تستعمل غير مزيدة ولا محذوفة، فأما (٤) امتناع حذفها، فمن قبل أن الغرض في هذه الحروف إنما هو الاختصار، ألا ترى أنك إذا قلت: (ما قام زيد) فقد نابت (ما) عن (أنفي)، وإذا قلت: (هل قام زيد)؟ نابت (هل) عن (أستفهم) (٥)، فوقوع الحرف مقام الفعل وفاعله غاية الاختصار، فلو ذهب (٦) بحذف الحرف تخفيفا، لأفرطت في الإيجاز، لأن اختصار المختصر إجحاف (٧) به. وأما وجه ضعف زيادتها، فلأن الغرض (٨)
(٢) هذا الفصل منقول بنصه من "سر صناعة الإعراب" لابن جني. قال: (اعلم أن الحروف لا يليق بها الزيادة ولا الحذف.. إلخ) ١/ ٢٦٩.
(٣) في (ب): (أحولها).
(٤) عند أبي الفتح بن جني (فأما وجه القياس في امتناع حذفها...) ١/ ٢٦٩.
(٥) في (ج): (استفهام).
(٦) عند أبي الفتح بن جني (فلو ذهبت تحذف..) ١/ ٢٦٩. وهو الأنسب للسياق.
(٧) في (ج): (حجازيه).
(٨) عند أبي الفتح (فمن قبل أن الغرض في الحروف الاختصار...) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٦٩.
(٢) قال أبو الفتح بعده: (فاعرف هذا، فأن أبا علي حكاه عن الشيخ أبي بكر -يريد ابن سراج - رحمهما الله-، وهو نهاية في معناه، ولولا أن الحرف إذا زيد... إلخ) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٧٠.
(٣) في (ب): (ولو).
(٤) عند أبي الفتح: (لما جاز حذفه البتة، فإنما جاز فيه الحذف والزيادة من حيث أريتك، على ما به من ضعف القياس، وإذا كان الأمر كذلك..) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٧٠.
(٥) عند أبي الفتح (أننا)، ١/ ٢٧٠.
(٦) في (ب): (فقد).
(٧) في (ب): (للتوكيد).
(٨) في (ب): (واعترفوه).
(٩) عند أبي الفتح (ولا حذف) وفي الحاشية (لا) سقطت من (ب، ل، ش) "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٧٠. لعل الواحدي اعتمد على إحدى هذِه النسخ.
(١٠) انتهى ما نقله من "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) هذا الكلام فيه إيهام وإشكال، حيث إن قوله: (والقراءة المعهودة، وهي مخلوقة) في احتمالان:
أحدهما: أن يكون قوله: (والقراءة المعهودة مخلوقة) مستأنف -وهي كالجملة المعترضة- وعلى هذا الاحتمال: إن قصد بالقراءة. المقروء فهو باطل، لأن معناه القول بخلق القرآن، وإن قصد بالقراءة صوت القارئ فقوله: (وهي مخلوقة) صحيح، لكن إطلاق هذِه العبارة بدعة لم يستعملها السلف. وكان يمكن حمل كلام الواحدي على هذا، لولا قوله فيما بعد: (وما كان منظوما مؤلفا فمن الواجب أن يكون له في قدرة الله أمثال (فكأنه أراد الخلق، بينما الكلام صفة لله تعالى، والله يتكلم إذا شاء متى شاء.
ثانيهما: أن يكون قوله: (والقراءة المعهودة) معطوف على قوله: (النظم المخصوص) فيكون قوله: (وهي مخلوقة) راجع إلى النظم والقراءة، وهذا على رأي الأشاعرة الذين يقولون بقدم الكلام النفسي، أما القرآن المتلو فهو عندهم حادث مخلوق، ولذلك صرح الإيجي في (المواقف) بأنهم يوافقون المعتزلة في أنه مخلوق قال: (قالت المعتزلة: أصوات وحروف يخلقها الله في غيره كاللوح المحفوظ، أو جبريل أو النبي، وهو حادث..) ثم قال: (ونحن لا ننكره) وقال: (فاعلم أن ما يقوله المعتزلة وهو خلق الأصوات والحروف وكونها حادثة قائمة فنحن نقول به، ولا نزل بيننا وبينهم في ذلك...) "المواقف": ص ٢٩٣ - ٢٩٤. وجمهور المفسرين وفي مقدمتهم ابن جرير على أن المراد: من مثله في (البيان)، لأنه نزل بلسان عربي مبين، فكلام العرب له مثل في معنى العربية، وأما المعنى الذي باين به القرآن سائر كلام المخلوقين فلا مثل له من ذلك الوجه، ولا =
ويجوز أن] (١) يكون (٢) الكناية في مثله يعود إلى قوله: ﴿عَلَى عَبْدِنَا﴾ وهو النبي ﷺ ومعناه: فأتوا بسورة من رجل أميّ، لا يحسن الخط والكتابة ولم يدرس الكتب (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾. (الشهداء): جمع شهيد والشهيد يجوز أن يكون بمعنى: مشاهد كالجليس والشريب (٤) والأكيل والشريك، ويجوز أن يكون بمعنى: شاهد كالعليم (٥) والعالم، والقدير القادر، ويجوز أن يكون بمعنى: مشهود فعيل بمعنى مفعول، والشهود: الحضور، ومنه قوله تعالى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ﴾ [البقرة: ١٨٥] أي حضر، والمشاهد للشيء: الحاضر عنده، وسمي الشاهد شاهداً: لأنه يخبر عما شاهد (٦)
(١) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
(٢) في (ب): (تكون).
(٣) سبق ذكر هذا القول انظر الهامش: ٢/ ٢٤١. والقول الأول هو قول جمهور المفسرين. انظر "الطبري" ١/ ١٦٥. وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٦٣.
(٤) في (أ) و (ج): (السريب)، وفي "الوسيط" للواحدي (الشريب) ١/ ٥٩.
(٥) في (ب): (كالعلم).
(٦) انظر. "تفسير الطبري" ١/ ١٦٧. "تهذيب اللغة" (شهد) ٢/ ١٩٤٢. "معجم مقاييس اللغة" (شهد) ٣/ ٢٢١. "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي: ص ١٣٢. "مفردات الراغب" ص ٢٦٨. "اللسان" (شهد) ٤/ ٢٣٤٨.
فأما التفسير، فقال ابن عباس: (شهداءكم) يعني: أعوانكم وأنصاركم الذين يظاهرونكم على تكذيبكم (٢). فعل هذا القول (الشهيد) بمعنى: المشاهد (٣)، وسمى أعوانهم شهداء، لأنهم يشاهدونهم عند المعاونة (٤)، وهذا القول اختيار أبي إسحاق (٥)، لأنه قال في تفسيره: ادعوا من رجوتم معونته (٦). و (الدعاء) على هذا القول بمعنى: الاستعانة، والعرب كثيراً ما تستعمل (الدعاء) في معنى الاستعانة، وذلك أن الإنسان إذا إستعان بغيره دعاه (٧)، فلما كان في الاستعانة يحتاج إلى الدعاء، سمى الاستعانة دعاء (٨).
من ذلك قول الشاعر:
(٢) أخرجه ابن جرير بسنده عن ابن عباس في "تفسيره" ١/ ١٦٦. وابن أبي حاتم في تفسيره ١/ ٦٤. وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ٧٧. وانظر "زاد المسير" ١/ ٥١. "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٣) في (ب): (الشاهد).
(٤) انظر "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٦٦، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٣، (غريب القرآن) لابن قتيبة: ١/ ٢٦، "زاد المسير" ١/ ٥١.
(٥) أي: الزجاج.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٦.
(٧) في (ب): (وعاه).
(٨) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٧ أ، وأبي الليث في "تفسيره" ١/ ١٠٢. "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ٢٠٠. "زاد المسير" ١/ ٥٠.
دَعَوْتُ بني قَيْس إليَّ فَشَمَّرَتْ | خَنَاذِيذُ مِنْ سَعْدٍ طِوَالُ السَّواعِدِ (١) |
وقالت امرأة من طيء:
دَعَا دَعْوَةً يَوْمَ الشَّرى يَالَ مَالِكٍ | ومَنْ لا يُجِبْ عِنْدَ الحَفِيظَة يُكْلَمِ (٢) |
وقال الفراء: يريد (آلهتهم)، يقول: استغيثوا بهم، وهو كقولك للرجل: إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين، معناه استغث (٣) بالمسلمين (٤).
(٢) ورد البيت في "ديوان الحماسة" بشرح المرزوقي ١/ ٢١١، "معجم ما استعجم من البلدان" ٣/ ٧٨٥، "معجم البلدان" ٣/ ٣٣٠، وكلهم نسبوه لامرأة من طيئ. قيل: هي بنت بهدل بن قرفة الطائي، أحد لصوص العرب في زمن عبد الملك بن مروان. و (الشرى): مكان وقعت فيه الوقعة المذكورة، و (الحفيظة) الخصلة التي يحفظ الإنسان عندها أي يغضب. و (يكلم): يقتل أو يغلب.
(٣) في (أ) و (ج): (استغيث) وأثبت ما في (ب) لأنه أصوب، ومثله ورد في "معاني القرآن" للفراء.
(٤) في (ب): (بالمسلمين فمعناه). وبهذا انتهى كلام الفراء. انظر: "معاني القرآن" ١/ ١٩.
وروى عن مجاهد والقرظي (٢) في قوله: ﴿وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ﴾ أي: ناسا يشهدون لكم على صدق (٣) ما قلتم وما تأتون به من معارضة للقرآن (٤). فإن قيل: كان يمكنهم أن يعارضوه بما هو دونه في الفصاحة ثم يأتوا بقوم يشهدون لهم بالباطل أنه مثل القرآن.
قيل: إن الله سبحانه أعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن، وصرفهم أيضًا عن (٥) الشهادة على ما هو باطل وفاسد بأنه مثل القرآن، ألا ترى أنه لم يوجد منهم هذا (٦)،
(٢) هو محمد بن كعب القرظي، تابعي، ولد في حياة النبي ﷺ كان عالما بالتفسير، سقط عليه سقف المسجد فمات سنة مائة وثمان، وقيل: سنة سبع عشرة، وقيل: سنة عشرين ومائة. انظر "تهذيب التهذيب" ٣/ ٦٨٤، "غاية النهاية في طبقات القراء" ٢/ ٢٣٣.
(٣) (صدق) ساقط من (ج).
(٤) ذكره الثعلبي في (تفسيره) ١/ ٥٧ أ، والرواية عن مجاهد أخرجها "الطبري" من عدة طرق ١/ ١٦٧، وابن أبي حاتم ١/ ٦٤، وذكرها ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٥١، وابن كثير ١/ ٦٣.
(٥) في (ب): (على).
(٦) عبارة الواحدي فيها إيهام حيث قال: (أعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن...) ثم عطف عليه وقال: (وصرفهم -أيضاً- عن الشهادة على ما هو باطل)، فقوله (أعجز) إن كان بمعنى: (تحدي) فصحيح، وإن كان بمعنى (منع) فباطل، إذ حقيقة =
وقوله تعالى: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. (دون) يرد في الكلام على معان كثيرة (٤)، يكون بمعنى: (قبل) كقولك: دون النهر قتال. ودون قتل الأسد أهوال، وقمت دون فلان، إذا نضحت عنه (٥)، ومنه قول
(١) (ذلك) ساقط من (ج).
(٢) (الموافق) ساقط من (ب).
(٣) أي قول المجاهد: ادعوا ناسا يشهدون لكم. وقد ضعف ابن جرير هذا القول، وقال. لا وجه له، وقال: إن القوم كانوا على عهد رسول الله ﷺ ثلاثة أصناف، أهل إيمان صحيح، وأهل كفر صحيح، وأهل نفاق، فأهل الإيمان من المحال أن يدعي الكفار أنهم لهم شهداء، فمن أي الفريقين يكون شهداؤهم؟ انظر. "تفسير الطبري" ١/ ١٦٧.
(٤) ذكر هذِه (المعاني) مفصلة الأزهري حيث قال: لـ (دون) تسعة معان، ثم أخذ في شرحها كما نقل المؤلف هنا، انظر: "التهذيب" ٢/ ١٢٤٩، وانظر: "البرهان" ٤/ ٢٧٥، "الإتقان" ٢/ ٢٣٥، "اللسان" (دون) ٣/ ١٤٦٠. قال السمين الحلبيّ:
(دون) من ظروف الأمكنة، ولا تتصرف على المشهور إلا بالجر بـ (من)، وزعم الأخفش أنها متصرفة.. وهو من الأسماء اللازمة للإضافة | وأما (دون) التي بمعنى رديء فتلك صفة كسائر الصفات.. وليست مما نحن فيه. "الدر المصون" ١/ ٢٠٢. |
......... وأنَّى تَخَلَّصَتْ... إليَّ وبابُ السَّجْنِ دُونِيَ مُغْلَقُ (٢)
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: "المقتول دون ماله شهيد" (٣).
ويكون (دون) بمعنى: (وراء)، كقولك: (هو أمير على ما دون جَيْحُون) (٤)، أي على ما وراءه (٥). ويكون بمعنى: (تحت)، يقال: هو
(٢) البيت من قصيدة لجعفر بن علبة وصدره:
عَجِبْتُ لمسْرَاها وأنَّى تَخَلَّصَتْ
يقول: عجبت من سير هذا الخيال إلي مع أن باب السجن موثق بيني وبينها. أورد القصيدة أبو تمام في "ديوان الحماسة" ١/ ٥١ - ٥٢، بشرح المرزوقي، والبغدادي في "الخزانة" ١٠/ ٣٠٧.
(٣) أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو "من قتل دون ماله فهو شهيد" البخاري في كتاب المظالم، باب من قتل دون ماله، حديث رقم (٢٤٨٠). ومسلم (١٤١) كتاب الإيمان، باب: هدر دم من قصد أخذ مال غيره بغير حق. وأخرجه أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٢١ - ٢٢٣. مع بعض الاختلاف في لفظه، وأبو داود عن سعيد بن زيد بنحو لفظ البخاري ومسلم، (٤٧٧٢) كتاب السنة، باب قتال اللصوص، والترمذي عن سعيد بن زيد وعبد الله بن عمرو (١٤١٩) (أبواب الديات)، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد، والنسائي عن عبد الله بن عمرو في كتاب تحريم الدم، باب من قتل دون ماله ٧/ ١١٤، وابن ماجه عن سعيد بن زيد وعن عبد الله بن عمرو، وأبي هريرة بلفظ آخر، في (٢٥٨٠) كتاب الحدود، باب من قتل دون ماله فهو شهيد).
(٤) (جيحون) نهر عظيم في خراسان. انظر: "معجم البلدان" ٢/ ١٩٦.
(٥) "التهذيب" ٢/ ١٢٤٩، "اللسان" ٣/ ١٤٦٠.
ويكون (دون) بمعنى: (خذ) وهو بمعنى الإغراء، يقال: دونك زيدا، أي خذه (٣)، قال الشاعر:
يَا أيَّها المَائِحُ دَلْوِي دُوَنكَا (٤)
ويكون بمعنى: (الوعيد)، كقولك: دونك فتمرس بي (٥).
قال الشاعر:
فَدُوَنُكما فَمَا قَيْسٌ بِشَحْمٍ | لمُخْتَلِس وَلاَ فقعٍ بِقَاع (٦) |
(٢) في "تهذيب اللغة": عن الفراء: (.... ودون ذلك الغوص يريد سوى الغوص، من البناء..)، (التهذيب) ٢/ ١٢٤٩، انظر "اللسان" ٣/ ١٤٦٠.
(٣) "تهذيب اللغة" تكون بمعنى الأمر دونك الدرهم أن خذه وفي الإغراء دونك زيداً أي الزم زيدًا في حفظه.
(٤) سبق البيت وتخريجه: الفاتحة: ٢، والشاهد فيه هنا: أنه استعمل (دون) بمعنى خذ، أي خذ دلوي، انظر: "مغني اللبيب" ٢/ ٦١٨، ٦٠٩، "الخزانة" ٦/ ٢٠٠.
(٥) في "التهذيب": (الوعيد كقولك: دونك صراعي، ودونك فتمرس بي)، ٢/ ١٢٤٩، "اللسان" دون ٣/ ١٤٦٠.
(٦) لم أعثر عليه، ولم أعرف قائله.
(٧) ذكره الأزهري عن شمر عن أبن الأعرابي، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٤٩، وانظر "اللسان" ٣/ ١٤٦٠.
(٨) في (ب): (حباب)، وفي "تهذيب اللغة" (خباب) ٢/ ١٢٤٩، ومثله في "اللسان" =
(الشريج) القوس، وقول الأعشى:
يَزِيدُ يَغُضُّ الطَّرْفَ دُونِي... (٢)
قال أبو الهيثم: أي: فيما بيني وبينه من المكان، يقال: اُدن دونك، أي: اقترب مني فيما بيني وبينك (٣).
ويكون (دون) بمعنى: (الخسيس) من قولهم: رجل دون، أي خسيس، ولم يصرّف فعله (٤).
ويكون بمعنى: (أقل من ذا) (٥)، كقولك: يكفيني (٦) دون هذا.
فأما قوله في هذه الآية: ﴿مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي غير الله (٧)، كما يقال: ما دون الله مخلوق، يريد: وادعوا من اتخذتموه معاونين من غير الله على
(١) ورد البيت في "تهذيب اللغة" (دون) ٢/ ١٢٤٩، "اللسان" (دون) ٣/ ١٤٦٠، وقوله: (الغرار): النوم، و (الشريج): القوس.
(٢) البيت من قصيدة للأعشى يهجو يزيد بن مسهر الشيباني، والبيت:
يزيد يغض الطرف دوني كأنما... زوى بين عينيه عليّ المحاجم
انظر. "ديوانه": ص ١٧٨، "تهذيب اللغة" (دون) ٢/ ١٢٤٩، "اللسان" (دون) ٣/ ١٤٦٠.
(٣) "تهذيب اللغة" (دون) ٢/ ١٢٤٩، "اللسان" ٣/ ١٤٦٠.
(٤) ذكر الأزهري نحوه عن الفراء وعن الأصمعي، "تهذيب اللغة" (دون) ٢/ ١٢٤٩، وانظر: "اللسان" ٣/ ١٤٦٠.
(٥) ذكره الأزهري عن سلمة عن الفراء، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٤٩، "اللسان" ٣/ ١٤٦٠.
(٦) في (ب): (يلقني).
(٧) انظر: "الطبري" ١/ ١٦٧، "القرطبي" ١/ ٢٠٠، "الدر المصون" ١/ ٢٠١.
وعلى قول الفراء (٢) يقول: ادعوا من اتخذتم إلها من دونه.
وعلى (٣) قول القرظي ومجاهد، يقول: ادعوا من يشهد لكم دون الله، فإن الله تعالى لا يشهد (٤) لكم بالصدق، كما يشهد لمحمد، فاطلبوا غيره شهداء إن كنتم صادقين في أن هذا الكتاب يقوله محمد من نفسه، وأنه ليس من عند الله، وفي قولكم: لو أردنا لأتينا بمثله (٥).
وقال أبو علي الجرجاني (٦): نظم الآية: فأتوا بسورة من مثله من دون الله وادعوا شهداءكم، أي من مثل القرآن من غير الله، يريد أن محمدا يأتي بالقرآن من عند الله، فأتوا أنتم إن استطعتم بمثل القرآن من غير الله. قال. ومثل هذا قوله: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ (٧) [هود: ١٣]، ونظمه: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات من دون الله، وادعوا من استطعتم من الناس، معنى (ادعوا): استعينوا.
(٢) قول الفراء: (شهدائكم) آلهتكم سبق في ٢/ ٢٤٨، وانظر: "معاني القرآن" ١/ ١٩، "الدر المصون" ١/ ٢٠١.
(٣) الواو ساقطة من (أ) و (ج)، وانظر قول القرظي ومجاهد: ٢/ ٢٤٩.
(٤) في (ج): (لا شهد).
(٥) انظر: "تفسير الثعلبي"١/ ٥٧ أ، و"تفسير الطبري" ١/ ١٦٧، "الدر المصون" ١/ ٢٠١.
(٦) هو أبو علي الجرجاني صاحب "نظم القرآن"، وكتابه مفقود.
(٧) قوله: ﴿وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ ساقط من (ب).
(لم) حرف يجزم الفعل المضارع، ويقع بعدها بمعنى الماضي، كما يقع الماضي بعد حرف (١) الجزاء بمعنى الاستقبال، ولهذه المشابهة بينها وبين حروف الجزاء اختير الجزم بـ (لم) (٢) وإنما جزمت حروف الشرط والجزاء، لأنها تقتضي جملتين كقولك: (إن تضرب أضرب) فلطول ما يقتضيه الشرط والجزاء (٣) اختير الجزم، لأنه حذف وتخفيف.
وأما (لن) (٤) فهي حرف قائم بنفسه، وضع لنفس الفعل المستقبل، ونصبه للفعل كنصب (أن). وليس ما بعد (لن) بصلة لها (٥)، لأن (لن يفعل) (٦) نفى سيفعل، وتُعْمِل ما بعدها فيما (٧) قبلها، كقولك: (زيدا لن أضرب) (٨).
(٢) ذهب الزجاج إلى أنها جزمت الفعل بعدها، لأنها نقلته من المستقبل إلى الماضي، ولأن ما بعدها خرج من تأويل الاسم. انظر "معاني القرآن" ١/ ٦٦ - ٦٧، ونحوه قال الليث فيما نقل عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" (لم) ٤/ ٣٢٩٤، وكذا الرماني في "معاني الحروف": ص ١٠٠. وقد رد أبو علي الفارسي قول الزجاج وأطال في بيان عدم صحته. انظر. "الإغفال". ص ٩٥ - ١٠١.
(٣) (الجزاء) ساقط (ب).
(٤) في (ب): (لم).
(٥) فلا تؤول معه بمصدر كما تؤول (أن) وما بعدها بمصدر.
(٦) (لن) ساقطة من (ب).
(٧) في (ب): (فما).
(٨) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٣٤ - ١٣٥، وانظر: "تهذيب اللغة" (لن) ٤/ ٣٣٠٣، "معاني الحروف" للرماني: ص ١٠٠، "البحر المحيط" ١/ ١٠٢، "الدر المصون" ١/ ٢٠٣.
وزعم سيبويه أن هذا ليس بجيد، ولو كان كذلك لم يجز (زيدا لن أضرب) لأن ما بعد (أن) لا يعمل فيما قبلها، لأن ذلك يؤدي إلى تقديم الصلة على الموصول (٤).
وللخليل أن ينفصل من هذا بأن يقول: الحروف إذا ركبت خرجت عما كانت عليه، ألا ترى أن (هل) أصلها الاستفهام، ولا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها، لو قلت (٥): (زيدا هل ضربت) لم يجز، فإذا زِيدَ (٦) على (هل) (لا)، ودخلها (٧) معنى التحضيض، جاز أن يتقدم ما بعدها عليها، كقولك: (زيدا هلا ضربت) (٨) إلا أن قول الخليل ضعيف في الجملة من
(٢) في (ب): (أن).
(٣) حذفت الهمزة استخفافا، ثم حذفت الألف من (لا) لالتقاء الساكنين فصارت الكلمة على حرفين، "المسائل الحلبيات": ص ٤٥.
(٤) انظر رد سيبويه على الخليل في "الكتاب" ٣/ ٥، وانظر "معاني القرآن" الزجاج ١/ ١٣٤ - ١٣٥، "المسائل الحلبيات": ص ٤٥، "معاني الحروف" للرماني: ص١٠٠، والرأي المشهور فيها كما عند سيبويه وغيره أنها حرف بسيط ثنائي غير مركب، انظر: "البحر" ١/ ١٠٢، "الدر المصون" ١/ ٢٠٤.
(٥) (قلت) ساقطة من (ب).
(٦) (فإذا زيد) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (ولا دخلها).
(٨) ذكر هذا الدفاع عن قول الخليل الرماني في "معاني الحروف": ص ١٠٠، ونحوه قال أبو علي في "المسائل الحلبيات": ص ٤٦.
وقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَفْعَلُوا﴾ كلام (٧) معترض بين الشرط والجواب (٨). وقد يقع الاعتراض بين الشرط والجواب كهذا، وبين المبتدأ والخبر كقولك: (زيد فافهم ما أقول رجل صدق) وبين اسم (إن) وخبرها، كقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ﴾ الآية [الكهف: ٣٠]. فقوله: (إنا لا نضيع) اعتراض، والخبر: (أولئك).
وقوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا النَّارَ﴾. أي: فاحذروا أن تصلوا النار بتكذيبكم، وإنما قيل لهم هذا بعد أن ثبتت الحجة عليهم في التوحيد
(٢) في (ب): (ظاهر).
(٣) في (ب): (إن).
(٤) (أن) ساقطة من (ج).
(٥) فتكون (لن) حرف نفي بسيط ثنائي غير مركب، ولا يعدل بها عن هذا الأصل إلا بدليل، انظر: "البحر" ١/ ١٠٢.
(٦) ذكره الثعلبي ١/ ٥٧ب، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦٧، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٣، "زاد المسير" ١/ ٥١، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٠١.
(٧) في (ب): (الكلام).
(٨) انظر: "الكشاف" ١/ ٢٤٧، "البحر" ١/ ١٠٧، "الدر المصون" ١/ ٢٠٣.
و (الفاء) في قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ﴾ للعطف، وفي قوله: ﴿فَاَتَّقُواْ﴾ للإتباع دون العطف (٢).
وإنما (٣) اختاروا (الفاء) من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط، وليس في جميع حروف العطف حرف يوجد هذا المعنى فيه سوى (الفاء). فدخلت (الفاء) في جواب الشرط توصلا إلى المجازاة بالجملة المركبة من المبتدأ والخبر، والكلام (٤) الذي يجوز أن يبتدأ به نحو: الأمر والنهي (٥)، فالجملة (٦) نحو قولك: (إن تحسن إليّ فالله يكافئك) لولا
(٢) ذكر أبو الفتح بن جني أن الفاء إذا وقعت في أوائل الكلم، وهي ليست من أصل الكلمة، فإنها على ثلاثة أضرب: ضرب تكون للعطف والإتباع جميعًا، وضرب تكون فيه للإتباع مجردا من العطف، وضرب تكون فيه زائدة، انظر "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٢٥١. وتكون للإتباع دون العطف إذا وقعت في جواب الشرط، كما في قوله تعالى: ﴿فَاتَّقُوا﴾، انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٤٩، "الدر المصون" ١/ ٢٠٣.
(٣) الكلام عن الفاء إذا وقعت في جواب الشرط، نقله الواحدي عن كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح بن جني، قال أبو الفتح: (... وإنما اختاروا الفاء هنا من قبل أن الجزاء سبيله أن يقع ثاني الشرط... فإن قيل: وما كانت الحاجة إلى الفاء في جواب الشرط؟ فالجواب: أنه إنما دخلت الفاء في جواب الشرط توصلا إلى (المجازاة..)، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥٢.
(٤) في "سر صناعة الإعراب": (.. أو الكلام..) وفي هامشه في (ل) و (ش): (والكلام) ١/ ٢٥٣.
(٥) قوله: (نحو: الأمر والنهي)، ليست عند أبي الفتح ١/ ٢٥٣.
(٦) في (ب): الجملة.
ومن ذلك قولك (٢): (إن يقم فاضربه) فالجملة التي هي: (اضربه) جملة أمرية، وكذلك: (إن (٣) يقعد فلا تضربه) جملة (٤) نهيية، وكل واحدة (٥) من الجملتين يجوز أن يبتدأ بهما (٦)، فلما كان الابتداء بها يصح وقوعه في الكلام، احتاجوا إلى (الفاء) ليدلوا على أن مثالي الأمر والنهي ليسا على ما يعتد (٧) في الكلام (٨) من وجودهما مبتدأين غير معقودين بما قبلهما (٩).
وقوله تعالى: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾. قال ابن السكيت: (الوقود) بالضم، المصدر يقال: وَقَدت النار، تَقِدُ (١٠) وُقُوداً (١١). ويقال: ما أجود هذا الوَقُود للحطب (١٢).
(٢) (قولك) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (إن تفعل).
(٤) عند أبي الفتح (فقولك لا تضربه جملة نهيية) ١/ ٢٥٣.
(٥) في (ب): (واحد).
(٦) في (ب): (بها) ومثله عند أبي الفتح ١/ ٢٥٣.
(٧) عند أبي الفتح: (يعهد).
(٨) في (ب): (ليسا على ما بعد بما قبلهما في الكلام).
(٩) انتهى نقل الواحدي من أبي الفتح من كتاب "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٥٢ - ٢٥٣.
(١٠) في (ج): (يقد) وفي (أ) غير منقوط. وأثبت ما في (ب).
(١١) في (ب): (وقود).
(١٢) في (ب): (الحطب). "إصلاح المنطق": ص ٣٣٢، والنص من "تهذيب اللغة" (وقد) ٤/ ٣٩٢٩.
و (الحجارة) جمع حجر، وليس بقياس، ولكنهم قالوه كما قالوا: جمل وجِمَالة، وذكر وذِكَارة، والقياس أحجار (٦). وجاء في التفسير أن (٧) الحجارة هاهنا: حجارة الكبريت، عن ابن عباس وغيره (٨).
(٢) من قوله: (ويقال: ما أجود هذا الوقود... إلى قوله: تقد وقودا) مكرر في (أ) و (ج).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) في (ب) (وانفتح).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج: ص ٦٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٢٩، و"الطبري" ١/ ١٦٩، والثعلبي ١/ ٥٧ ب.
(٦) ذكر الأزهري نحوه عن الليث. "تهذيب اللغة" (حجر) ١/ ٧٤٦، "اللسان" (حجر) ٢/ ٧٨١.
(٧) (أن) ساقط من (ب).
(٨) أخرجه "الطبري" بسنده عن ابن مسعود وابن عباس وابن جريج ١/ ١٦٨ - ١٦٩، وذكره ابن أبي حاتم عن مجاهد والسدي وعمرو بن دينار، ١/ ٦٤/ ٦٥، وانظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٧ ب. ذكر الثعلبي في الحجارة قولا آخر، وهو أن المراد بها: الأصنام، ودليله قوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٨]، وذكره بعض المفسرين، انظر "الكشاف" ١/ ٢٥٢، "القرطبي" ١/ ٢٥٢، "الدر" ١/ ٧٨. قال الزمخشري رادًا على من قال: إنها حجارة الكبريت: (وهو تخصيص بغير دليل، وذهاب عما هو المعنى =
وقيل: ذكر الحجارة دليل على عظم تلك النار، لأنها لا تأكل الحجارة إلا كانت فظيعة (٢).
وقوله: ﴿وَقُودُهَا النَّاسُ﴾ لا يدل (٣) على أنها غير مخلوقة بأن الناس لم (٤) يدخلوها بعد، لأنها متقدة (٥) بغير الناس، فإذا دخلها الناس صاروا وقودها، وفي قوله: ﴿أُعِدَّتْ﴾ أوضح دلالة على وجودها، لأن المعدوم لا يسمى مُعَدَّا (٦).
وإنما قال: ﴿أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾ وإن (٧) كان العصاة من المسلمين
(١) في (ب) و (ج): (وهي).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٧ ب، "الكشاف" ١/ ٢٥٢، والرازي ١/ ١٢٢.
(٣) في (ج): (لا تدل).
(٤) في (ج): (لا).
(٥) في (أ) و (ج) (متقد)، وأثبت ما في (ب)، لأنه أنسب للسياق.
(٦) ذكره الثعلبي ١/ ٥٧ ب، وهذا منهج أهل السنة وهو: أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن، وذهب بعض المبتدعة من المعتزلة والجهمية إلى أنهما لم تخلقا بعد، وأنهما ستخلقان، انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٤ - ٢٠٥. "لقرطبي" ١/ ٢٠٣. وابن كثير ١/ ٦٦. والبيضاوي ١/ ١٦. "البحر" ١/ ١٠٨.
(٧) في (ب): (فإن).
ولما ذكر جزاء الكافرين لتكذيبهم (٢) ذكر جزاء المؤمنين لتصديقهم فقال عز من قائل:
٢٥ - ﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الآية. و (التبشير) إيراد الخبر السارّ الذي يظهر (٣) السرور في بشرة المخبر، ثم كثر استعماله حتى صار بمنزلة الإخبار، واستعمل في نقيضه كقوله: ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ (٤) إلا أنه (٥) فيما يسرّ أكثر (٦)، ونظيره قول الشاعر:
بَكَرَتْ تَلُومُكَ بَعْدَ وَهْنِ في النَّدى | بَسْلٌ عَلَيْكِ مَلاَمَتِي وِعِتَابِي (٧) |
(٢) قوله: (ذكر جزاء الكافرين لتكذيبهم) مكرر في (أ).
(٣) في (ب) (يظهر أثر السرور).
(٤) طرف من آية في آل عمران: ٢١، والتوبة: ٣٤، والانشقاق: ٢٤.
(٥) (إلا أنه) ساقط من (ب).
(٦) انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٦٩، "الزاهر" ٢/ ١٣٥، "تهذيب اللغة" (بشر) ١/ ٣٣٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٦، "زاد المسير" ١/ ٥٢، "القرطبي" ١/ ٢٠٤، "مفردات الراغب": ص ٤٧ - ٤٨.
(٧) البيت لضَمْرة بن ضَمْرة مع أبيات أخرى قالها يخاطب امرأته لما لامته على البذل، بكرت: عجلت، بعد وهن: بعد النوم، الندى: السخاء، بسل عليك: حرام عليك. ورد البيت في "النوادر" لأبي زيد: ص ١٤٣، "أمالي القالي" ٢/ ٢٧٩، "الزاهر" =
وقوله تعالى: ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي: الفعلات أو الأعمال، فالموصوف بها محذوف. قال ابن عباس: عملوا الطاعات فيما بينهم وبين ربهم (٤).
وقوله تعالى: ﴿أنَّ لَهُمْ﴾ موضع (أن) نصب، معناه: بشرهم بأن لهم فلما سقطت (الباء) وصل الفعل إلى (أن) فنصب (٥).
(١) (إذا) كذا ورد في جميع النسخ، ولعل الأولى (إذ).
(٢) (قد) ساقطة من (ب).
(٣) انظر "الزاهر" ٢/ ١٣٥. وقال ابن فارس: وربما حمل عليه غيره من الشر، وأظن ذلك جنسا من التبكيت، فأما إذا أطلق الكلام إطلاقا فالبشارة بالخير والنذارة بغيره، "مقاييس اللغة" (بشر) ١/ ٢٥١. وانظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٦. وانظر "الكشاف" ١/ ٢٥٤، وقال أبو حيان:
(وظاهر كلام الزمخشري أنه لا يكون إلا في الخير | وهو محجوج بالنقل)، "البحر" ١/ ١٠٩. |
(٥) ذكر الزجاج في "معاني القرآن"١/ ٦٨. وفيه (فنصبت) وذكر قولا آخر وهو أنه يجوز أن، تكون (أن) في موضع خفض، إن سقطت الباء. انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٧، "القرطبي" ١/ ٢٠٥، "البحر" ١/ ١١٢.
وَجْنَّ الخَازِبازِ بِه جُنُونَا (٥)
جعل بعضهم (الخَازِبَازِ) نبتاً، وجنونه التفافه (٦). ويقال لكل ما ستر: قد جنّ وأجنّ، ومنه جنون الليل، والجَنَانُ والجَنِينُ والْجَنَنُ (٧).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ أي: من تحت أشجارها ومساكنها (٨)،
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ أ، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٠٧، "القرطبي" ١/ ٢٠٥.
(٣) "تهذيب اللغة" (جن) ١/ ٦٧٣، وانظر "الصحاح" (جنن) ٥/ ٢٠٩٣، "اللسان" (جنن) ٢/ ٧٠١.
(٤) (وقال) مكانها بياض في (أ) وساقط من (ج).
(٥) البيت لابن أحمر وصدره:
تَفَقَّأ فَوْقَه القَلَعُ السَّوَارِي
ويروى (تَفَقَّع) و (تكسر فوقها) وهو يصف روضة، و (القلع): السحاب، ورد البيت في "تهذيب اللغة" (خزب) ١/ ١٠٢٠، و (فقأ) ٣/ ٢٨١١، و (جن) ١/ ٦٧٣، (الآن) ١/ ٩٨، وفي "الصحاح" (جن) ٥/ ٢٠٩٣، وفي "مجمع الأمثال" للميداني ١/ ٤٣٨، وفي "اللسان" (جنن) ٢/ ٧٠٥، و (قلع) ٦/ ٣٧٢٤.
(٦) وقال بعضهم: هو (ذباب) وجنونه كثرة ترنمه في طيرانه. انظر: "تهذيب اللغة" (جن) ١/ ٦٧٣، "الصحاح" (جنن) ٥/ ٢٠٩٣.
(٧) (الجَنَان): روعُ القلب، و (الجنين): الولد في الرحم، و (الجنَنُ): القبر، انظر "تهذيب اللغة" (جن) ١/ ٦٧٣.
(٨) انظر: "الطبري" ١/ ١٧٠، والثعلبي١/ ٥٨ أ، وابن عطية ١/ ٢٠٧، "زاد المسير" ١/ ٥٢.
وجاء في الحديث: "أنهار الجنة تجري في غير أخدود" (٣) وعلى هذا فالجري في النهر على ظاهره.
وقوله تعالى: ﴿كُلَّمَا﴾. (كل) (٤): حرف جملة، ضم إلى (ما) الجزاء، فصار أداة للتكرار، وهي منصوبة على الظرف (٥). ﴿رُزِقوُاْ﴾ أي: أطعموا (٦). ﴿مِن ثَمَرَةٍ﴾ (من) صلة (٧) أي: ثمرة (٨).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ أ، وابن عطية ١/ ٢٠٧ - ٢٠٨، "القرطبي" ١/ ٢٠٥.
(٣) بهذا اللفظ ذكره الثعلبي قال: جاء في الحديث: "أنهار الجنة تجري في غير أخدود" "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ أ. وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" موقوفاً على مسروق ولفظه. "أنهار الجنة في غير أخدود.. "، مصنف ابن أبي شيبة، كتاب "الجنة" ٧/ ٥٣ - ٥٤، وكذا أخرجه "الطبري" موقوفاً على مسروق ولفظه: (... وماؤها يجري في غير أخدود) ١/ ١٧٠، وذكره. "القرطبي" قال: (روي أن أنهار الجنة ليست في أخاديد) "تفسير القرطبي" ١/ ٢٠٦. وقال ابن كثير ١/ ٦٧: جاء في الحديث أن أنهارها تجري في غير أخدود. وذكره السيوطي في "الدر" عن مسروق، وعزاه لابن المبارك، وابن أبي شيبة، وهناد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ، والبيهقي في "البعث"، "الدر" ١/ ٨٢.
(٤) (كل) ساقط من (ب).
(٥) أنظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٥١، "إملاء ما من به الرحمن": ص ٢٣، "البيان في غريب إعراب القرآن": ص ٦٢، "الدر المصون" ١/ ١٧٩.
(٦) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ أ.
(٧) في (ب): (طلة).
(٨) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ أ.
وقوله تعالى: ﴿قَالُواْ هَذَا اَلَّذِى رُزِقنَا مِن قَبل﴾. (٢) لتشابه ما يؤتون به، ولم يريدوا بقولهم: (هذا الذي رزقنا من قبل) نفس ما أكلوه، ولكن أرادوا: هذا من نوع ما رزقنا من قبل (٣)، كما يقول الرجل: فلان قد أعد لك الطبيخ والشواء، فيقول: هذا طعامي في منزلي كل يوم، يريد هذا الجنس (٤).
و (قبل) يبنى على الضم في مثل هذا الموضع، لأنها تضمنت معنيين، أحدهما: معناها في ذاتها، وهو السبق (٥).
والآخر: معنى ما بعدها، لأن التأويل: هذا الذي رزقنا من قبله، فهو وإن لم يضف ففيه معنى الإضافة (٦)، فلما أدت عن معنيين قويت فحملت
(٢) (قالوا) ساقط (ب).
(٣) ذكر ابن جرير في قوله: (هذا الذي رزقنا من قبل) قولين: أحدهما: هذا الذي رزقنا من قبل في الدنيا. ورجح هذا القول، لأن أول رزق في الجنة لم يسبقه شيء. الثاني: هذا الذي رزقنا من ثمار الجنة من قبل هذا. انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٧١ - ١٧٢، وانظر "القرطبي" ١/ ٢٠٦، "البحر" ١/ ١١٤.
(٤) ذكره "الطبري" في جواب سؤال أورده وهو قوله: فإن سألنا سائل، فقال: وكيف قال القوم: هذا الذي رزقنا من قبل، والذي رزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه؟ وكيت يجوز أن يقول أهل الجنة قولا لا حقيقة له؟ ثم أجاب عنه بنحو ما ذكر الواحدي هنا، "الطبري" ١/ ١٧٢.
(٥) بنيت على الضم لأنها غاية، انظر "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٢٠، والزجاج ٤/ ١٧٦، "تهذيب اللغة" (قبل) ٣/ ٢٨٧٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ أ، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٥١، "البحر" ١/ ١١٤.
(٦) انظر المراجع السابقة.
وهذا مذهب الفراء (٣) والمبرد (٤)، واختيار ابن الأنباري، لأنه قال: العرب إذا وجدت الحرف مؤدياً عن معنيين ألزموه الضم، كقولهم (٥): (نحن)، ألزموه الضم (٦)، لأنه يؤدي معنى التثنية والجمع، وكذلك (قط) يؤدي عن زمانين كقوله: ما رأيته قط، معناه من أول أوقاتي (٧) إلى الساعة، وسمعت أبا الحسن (٨) الضرير النحوي -رحمه الله- يقول: إنما بني على الضم دون غيره من الحركات، لأنه لما أعرب (٩) عند الإضافة نحو: (قبلك ومن قبلك) بالنصب والخفض لم يبق عند الإفراد والبناء إلا الضم فبني عليه (١٠)، وهذا معنى قول الزجاج، لأنه يقول: ضم (قبل) لأنها غاية كان
في الإضافة النصب والخفض | فلما عدلا عن بابهما حركا بغير الحركتين اللتين |
(٢) انظر. "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣١٩، والزجاج ٤/ ١٧٦، "القرطبي" ١/ ٢٠٦.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣١٩، ٣٢٠.
(٤) انظر: "المقتضب" ٣/ ١٧٤، ١٧٥.
(٥) في (ب): (كقوله).
(٦) انظر ما سبق عن (نحن) في قوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ﴾ [البقرة: ١١]: ٢/ ١٥٨ - ١٥٩.
(٧) في (أ) و (ج): (أوتاتي).
(٨) أحد شيوخ الواحدي في النحو، وقد تقدمت ترجمته في الكلام عن شيوخه.
(٩) في (ب): (أعرف).
(١٠) وهو قول الزجاج في "معاني القرآن" ٤/ ١٧٦، والنحاس في "إعراب القرآن" ١/ ١٥١.
وقوله تعالى: ﴿وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾. أي بعضها يشبه بعضاً في اللون والصورة مختلفاً في الطعم، وذلك أبلغ في باب الإعجاب وأدل على الحكمة، وهذا قول ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة (٤).
وقال الحسن وقتادة وابن جريج: متشابها في الفضل، خيار كله لا رذال (٥) فيه (٦).
كما يؤتى الرجل بأثواب ليختار منها، فإذا قلبها (٧) قال: لا أدري أيها
(٢) في (ب) و (ج): (تبنى).
(٣) انظر كلام الزجاج في "معاني القرآن" ٤/ ١٧٦، نقله الواحدي بمعناه.
(٤) أخرجه "الطبري" بسنده عن طريق السدي عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن أبن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي - ﷺ - وعن الثوري، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ١/ ١٧٣، وذكر ابن أبي حاتم نحوه عن أبي العالية ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس والسدي ١/ ٦٧، وذكره الثعلبي عن ابن عباس ومجاهد والسدي ١/ ٥٨ ب، وانظر: "الدر" ١/ ٨٣، ابن كثير ١/ ٦٧، "زاد المسير" ١/ ٥٣، وأخرج ابن جرير عن مجاهد: (متشابهاً) في اللون والطعم ١/ ١٧٣.
(٥) عند "الطبري" (لا رذل) ١/ ١٧٢.
(٦) أخرجه "الطبري" بسنده عن الحسن وقتادة وابن جريج، ١/ ١٧٢ - ١٧٣. وابن أبي حاتم عن قتادة ١/ ٦٧، والثعلبي عن الحسن وقتادة ١/ ٥٨ ب، وانظر (الدر) ١/ ٨٣، "زاد المسير" ١/ ٥٣، والبغوي ١/ ٧٤.
(٧) في (ب): (قبلها).
مَنْ تَلْقَ مِنْهُمْ تقل (٢) لاقيت سيدهم | مثل النجوم التي يسري بها الساري (٣) |
وقوله تعالى: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ﴾. (الأزواج) جمع زوج وزوجة، وشكل كل شيء: زوجه (٨). وقوله تعالى: ﴿مُطَهَّرُةٌ﴾ أي: من
(٢) في (ب) (تقول).
(٣) ذكره المبرد في "الكامل" مع أبيات أخرى، ونسبه لعبيد بن العرندس يصف قوما نزل بهم ضيفاً، "الكامل" ١/ ٧٨، ٧٩. وأنشده ابن الأنباري في "الأضداد": ص ٣٨٧، وهو في شواهد "الكشاف"، ونسبه لعبيد بن الأبرص قال: وقيل: العرندس: ص ٥٧، والصحيح: العرندس كما قال المبرد، وليس في ديوان عبيد بن الأبرص.
(٤) "الأضداد" لابن الأنباري: ص ٣٨٧.
(٥) في (ب): (من).
(٦) (الأضداد) لابن الأنباري. ص ٣٨٦، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٨، "زاد المسير" ١/ ٥٣.
(٧) لم أجد من قال به فيما اطلعت عليه.
(٨) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٩، (الأضداد) لابن الأنباري: ص ٣٧٤، "تهذيب اللغة" (زاج) ٢/ ١٥٧٤.
وقيل: عن مساوئ الأخلاق (٣)، لما فيهمنّ من حسن التبعل، ودل على هذا قوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧)﴾ [الواقعة: ٣٦ - ٣٧]. وقيل: من آفات الشيب والهرم (٤).
ويقال: إنه أراد زوجاتهم من الآدميات، ويقال: أراد من الحور العين (٥).
﴿وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ لأن تمام النعمة بالخلود والبقاء فيها، كما أن التنغيص (٦) بالزوال والفناء (٧).
٢٦ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾ الآية. قال ابن عباس في رواية أبي صالح: لما ضرب الله سبحانه هذين المثلين للمنافقين قالوا: الله أجل وأعلى من (٨) أن يضرب الأمثال فأنزل الله هذه الآية (٩).
(٢) ذكر ابن جرير عن عدد من الصحابة ومن بعدهم ١/ ١٧٥ - ١٧٦. وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٩، (تفسير أبي الليث) ١/ ١٠٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ ب، وابن عطية ١/ ٢١٠.
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٩، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٤، والثعلبي ١/ ٥٨ ب، "الكشاف" ١/ ٢٦٢.
(٤) والأولى أن يراد بها ما يعم كل طهارة، كما قال الزجاج: إن (مطهرة) أبلغ من (طاهرة) لأن (مطهرة) للتكثير ١/ ٦٩. وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢١٠.
(٥) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٨ ب.
(٦) في (ب): (التبعيض).
(٧) انظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ٦٨.
(٨) (من) ساقط من (ب).
(٩) ذكره الواحدي في "أسباب النزول": ص ٢٦، وأخرجه "الطبري" بسنده عن ابن عباس =
قال أهل المعاني: قوله ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي﴾ خرج على لفظهم (٣)، حيث قالوا: إن الله يستحي (٤) أن يضرب المثل بالذباب والعنكبوت (٥)، كقوله: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: ١٣] لما قالوا: إنه سحر مفترى (٦).
(١) (الواو) ساقطة من (ب).
(٢) ذكره الواحدي في "أسباب النزول": ص ٢٦ - ٢٧، وذكره ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن": ص ٤٤ ولم ينسبه، وكذا الثعلبي بنحوه ١/ ٥٩ أ. وأخرج ابن جرير عن قتادة وفيه: قال المشركون: ما بال العنكبوت والذباب يذكران... إلخ، ١/ ١٧٧ - ١٧٨، ونحوه عند ابن أبي حاتم، وقال: روي نحوه عن الحسن ١/ ٦٩. قال السيوطي في "لباب النقول" بعد أن ذكر قول قتادة: (وذكر المشركين لا يلائم كون الآية مدنية، وما أوردناه عن قتادة والحسن حكاه عنهما الواحدي بلا إسناد بلفظ: (قالت اليهود) وهو أنسب، "لباب النقول": ص ١٣، وانظر: ابن كثير ١/ ٦٨، "زاد المسير" ١/ ٥٤، "الكشاف" ١/ ٢٣٦، "البحر" ١/ ١٢٠.
(٣) أي: لفظ اليهود أو المشركين الذين قالوا ذلك.
(٤) في (ب): (لا يستحيي).
(٥) ذكره الزمخشري في "الكشاف"، وجعله من باب (القابلة) "الكشاف" ١/ ٢٣٦، " البحر" ١/ ١٢١، ١٢٢.
(٦) ورد هذا فيما حكاه الله من رد قوم موسى في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرًى﴾ [القصص: ٣٦].
وقيل: معنى: ﴿لَا يَسْتَحْيِي﴾: لا يترك، لأن أحدنا إذا استحيا من شيء تركه (٥)، ومعناه أن الله لا يترك ضرب المثل ببعوضة فما فوقها إذا علم أن فيه عبرة لمن اعتبر، وحجة على من جحد (٦). وقيل: معناه (لا
(٢) في (أ) و (ج): (بالتعرض) وما في (ب) هو الصحيح.
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ أ.
(٤) ومن أجل هذا أول معنى الآية، وجميع الوجوه التي أوردها في تفسير الآية تأويل، وهذا وافق نهج المتكلمين في باب الصفات، الذين يستعملون تلك المقدمات العقلية لنفي بعض الصفات. أما السلف فإنهم يعتصمون بالنص في الإثبات والنفي، فما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله أثبتوه وما نفاه الله عن نفسه أو نفاه عنه رسوله نفوه. انظر: "شرح العقيدة الطحاوية": ص ١٧٨، "الرسالة التدمرية". ص ٧٠، والأولى في معنى الآية ما ذكره "الطبري" قال: (.. معنى الكلام: إن الله لا يستحيي أن يصف شبها لما شبه به الذي هو ما بين البعوضة إلى ما فوق البعوضة). "الطبري" ١/ ١٧٨ - ١٧٩، وقد نقل الواحدي عن "الطبري" قولاً آخر وادعى أن اختاره والأمر بخلاف ذلك كما سيأتي.
(٥) ذكره ابن عطية ١/ ٢١٢، "القرطبي" ١/ ٢٤٢، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٥٤، والزمخشري (الكشاف) ١/ ٢٦٣.
(٦) في (ب) (حجه).
قال أهل اللغة: أصل الاستحياء من الحياة (٥)، واستحيا الرجل لقوة الحياة فيه (٦)، لشدة علمه بمواقع العيب (٧)، فالحياء من قوة الحس ولطفه (٨)
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (يستحيا منه).
(٤) لقد وهم الواحدي في زعمه أن هذا اختيار "الطبري"، وتبعه على هذا الوهم أبو حيان في "البحر" ١/ ١٢١. قال "الطبري": (وأما تأويل قوله: (إن الله لا يستحي) فإن بعض المنسوبين إلى المعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى (إن الله لا يستحي): أن الله لا يخشى أن يضرب مثلاً... فيقول: الاستحياء بمعنى الخشية، والخشية بمعنى الاستحياء...). قال محمود شاكر: (... إن لفظ "الطبري" دال على أنه لم يحقق معناه ولم يرضه، ولم ينصره...) ١/ ٤٠٢، ٤٠٣ (ط. شاكر). ثم قال محمود شاكر في موضع آخر: (هذا بقية تفسير الكلمة على مذهب من قال: إن الاستحياء بمعنى الخشية، لا ما أخذ به "الطبري"، "تفسير الطبري" صريح، بيّن في آخر الآية) ١/ ٤٠٤. ونجد "الطبري" يقول في آخر الآية: (فقد تبين إذا بما وصفنا، أن معنى الكلام: إن الله لا يستحي أن يصف شبها لما شبه به الذي هو ما بين بعوضة إلى ما فوق البعوضة) ١/ ١٧٩. فلم نر "الطبري" يؤول (الاستحياء) بـ (الخشية) والله أعلم.
(٥) في (أ)، (ب): (الحيوة).
(٦) في (ب): (واستحيا الرجل لقلة الحياة، واستحيا الرجل لقوة الحياة فيه...).
(٧) في (ب): (الغيب).
(٨) في (ب): (ولفظه).
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا﴾ الضرب في المثل مستعار، ومعناه (٣) التسيير للمثل، والجعل لها (٤) يسير في البلاد (٥)، وذكرنا معنى المثل مستقصى فيما (٦) تقدم (٧).
وقوله تعالى: ﴿مَا بَعُوضَةً﴾. النصب في بعوضة من جهتين (٨)، أحدهما: أن تكون (ما) زائدة، كأنه قال: إن الله لا يستحيي أن يضرب بعوضة مثلا، ومثلا بعوضة، و (ما) زائدة مؤكدة كقوله ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٥٩] فـ (ما) في التوكيد بمنزلة (حق) إلا أنه لا إعراب لها.
(٢) قال ابن فارس: (الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خلاف الموت، والآخر الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة) "مقاييس اللغة" (حي) ٢/ ١٢٢، وانظر "تهذيب اللغة" (حي) ١/ ٩٥٤، "الصحاح" (حيا) ٦/ ٢٣٢٤، "اللسان" ٢/ ١٠٨٠، "مفردات الراغب": ص١٤٠، "التاج" (حي) ١٩/ ٣٥٩، "الكشاف" ١/ ٢٦٣.
(٣) في (ب): (ومعناه السير للمثل).
(٤) كذا ورد في جميع النسخ ولعل الصواب (له).
(٥) قال "الطبري": (يبين ويصف)، ١/ ١٧٩، وذكر ابن الجوزي عن ابن عباس: أن يذكر شبها. "زاد المسير" ١/ ٥٤، وقيل ومعنى يضرب: يذكر، أو يصير. انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ٢١٢ - ٢١٣، "القرطبي" ١/ ٢٠٨، "البحر" ١/ ١٢٢.
(٦) في (ب): (مما).
(٧) عند قوله تعالى: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ الآية [البقرة: ١٧]، انظر: ص ١٨٦ - ١٨٨.
(٨) ذكره الزجاج قال: (فأما إعراب (بعوضة) فالنصب من جهتين في قولنا وذكر بعض النحويين جهة ثالثة، فأما أجود هذِه الجهات فأن تكون (ما) زائدة مؤكدة..) "معاني القرآن" ١/ ٧٠.
فإذا جعلت (ما) زائدة نصبت بعوضة على أنها المفعول الثاني (ليضرب) (٢)، لأن (يضرب) [هاهنا معناه: يجعل. هذا هو الاختيار عند البصريين (٣).
الوجه الثاني: أن تكون (ما)] (٤) نكرة (٥) بمنزلة شيء، فيكون المعنى: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً شيئاً من الأشياء، ثم أبدل بعوضة من شيء (٦)، فقال: ﴿بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ وهذا (٧) قول الفراء (٨).
وقال الكسائي: معناه: أن يضرب مثلاً ما بين بعوضة إلى ما فوقها،
(٢) في (ب): (كيضرب).
(٣) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٠، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢١.
وفيه وجه آخر: وهو أن (بعوضة) بدل من (المثل)، انظر الثعلبي ١/ ٥٩ أ، "الإملاء" ١/ ٢٦، "البيان" ١/ ٦٥، "الكشاف" ١/ ٢٦٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٥٢، قاله الزجاج ١/ ٧١.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (ذكره).
(٦) في (أ)، (ج): (شيئاً).
(٧) في (ب): (فهذا).
(٨) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٢، والقول الذي اختاره الفراء القول الآتي الذي نسبه الواحدي للكسائي، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٠، و"الطبري" ١/ ١٨٠، والثعلبي ١/ ٥٩ أ.
وأنكر المبرد هذين القولين فقال: أما قول الفراء: إنه يجعل (ما) اسما تاما، وينصب بعوضة بدلا منه (٥)، فإن القول في ذاك ما قال الخليل وسيبويه، قالا جميعاً: إن (من) و (ما) يكونان (٦) نكرتين، فيلزمهما الصفة كلزوم الصلة (٧) إذا كانا معرفتين، تقول (٨): مررت بمن صالحٍ، أي: بإنسان
(٢) (زبالة) و (الثعلبية) موضوعان معروفان من المنازل في الطريق بين الكوفة ومكة. انظر: "معجم ما استعجم" ١/ ٣٤١، ٢/ ٦٩٣، "معجم البلدان" ٢/ ٧٨، ٣/ ١٢٩.
(٣) في "معاني القرآن" للفراء (وهي) ١/ ٢٢، وكذا في "الطبري" ١/ ١٨٠.
(٤) المعنى: ما بين القرن والقدم. ورد الكلام في "معاني القرآن" للفراء ولم ينسبه للكسائي ١/ ٢٢، وذكره "الطبري" ولم يعزه، وعزاه محمود شاكر في حاشية "الطبري" للفراء ١/ ٤٠٥، وفي الآية وجه آخر ذكره بعض المفسرين: وهو أن تكون (ما) بمعنى (الذي) و (بعوضة) مرفوع، لأنه خبر مبتدأ مقدر، أي: الذي هو بعوضة، وأنكر الزجاج هذا الوجه، لأنه لم يثبت قراءة، وإن كان صحيحاً في الإعراب. انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧١.
أما "الطبري" فاختار هذا الوجه، ولكن على نصب (بعوضة) وذكر لنصبها وجهين... انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٧٩، وانظر: "البيان" ١/ ٦٦، وابن عطية ١/ ٢١٣.
(٥) الفراء لم يرجح هذا القول، وإنما رجح القول الذي نسبه الواحدي للكسائي حيث قال: (الوجه الثالث: -وهو أحبها إليَّ- فأن تجعل المعنى على: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين البعوضة إلى ما فوقها..)، "معاني القرآن" ١/ ٢٢.
(٦) (يكونان) ساقطة من (ج).
(٧) في (ب): (الصفة).
(٨) في (أ)، (ج): (يقول).
وأما قول الكسائي: (ما بين كذا إلى كذا) (٦) فإنما يحكى هذا الكلام عن أعرابي وحده، وإن صح فوجهه غير ما ذكر، وهو أن يكون (ما) صلة، فيكون الكلام: (مطرنا (٧) زبالة فالثعلبية) كما تقول: أتيت الكوفة فالبصرة. ولو كان معناه (ما بين)، لم يكن المطر بزبالة ولا الثعلبية، لأن ما بينهما غيرهما، وإضمار (بين) فبعيد جداً.
و (البعوض) صغار البق، الواحدة بعوضة، وذلك لأنها كبعض البق في الصغر (٨).
(٢) انظر: "الكتاب" ٢/ ١٠٥ - ١٠٧.
(٣) الفراء اختار غير هذا القول كما سبق، وانظر: "معاني القرآن" ١/ ٢٢.
(٤) (سيبويه) ساقط من (ب).
(٥) انظر: "الكتاب" ٢/ ١٠٦.
(٦) هذا الكلام في "معاني القرآن" ولم يعزه للكسائي، عزا إليه كلاما بمعناه قال: (قال الكسائي سمعت أعرابيًّا ورأى الهلال فقال: الحمد لله ما إهلالك إلى سَرارِك، يريد ما بين إهلالك إلى سرارك... وحكا الكسائي عن بعض العرب: الشَّنَقُ ما خمسا إلى خمس وعشرين، يريد ما بين خمس إلى خمس وعشرين. والشَّنَقُ: ما لم تجب فيه الفريضة من الإبل..)، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٢، ٢٣.
(٧) في (ب) (فيكون) (الكلام مثل ما زبالة).
(٨) انظر: "الصحاح" (بعض) ٣/ ١٠٦٦، "زاد المسير" ١/ ٥٥، "القرطبي" ١/ ٢٠٩، ورجح الدميري: أن البعوض غير البق، انظر: "حياة الحيوان" ١/ ١٧٩.
قال ابن عباس: يعني الذباب والعنكبوت (٢)، وهما فوق البعوض. [وقيل: أراد بما فوق البعوض] (٣) الفيل، وذلك أن الله تعالى خلق للبعوضة من الأعضاء مثل ما خلق للفيل (٤) على عظمه، وزاد للبعوض جناحين، ففي ضربه المثل به أعظم عبرة وأتم دلالة على كمال قدرته وتمام حكمته.
وقال بعضهم: فما فوقها، يعني في الصغر، يريد فما هو أصغر منها (٥)، لأنه يقال: فلان فوق فلان في الحقارة والدناءة. واختار قوم هذا (٦)، لأن الغرض المطلوب هاهنا الصغر.
فإن قيل: إذا كانت البعوضة هي النهاية في الصغر، فلا معنى في (٧) (فما فوقها) في الصغر، قيل: ليس الأمر على ما قلتم، لأن ما دون
(٢) ذكر الثعلبي ١/ ٥٩ أ، وأبو الليث ١/ ١٠٤، وابن قتيبة في "غريب القرآن" ولم يعزه لابن عباس: ص ٢٧.
(٣) ما بين المعقوفين مكرر في (ب).
(٤) في (ب): (الفيل).
(٥) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٠، والزجاج في "المعاني" ١/ ٧١، والأخفش في "المعاني" ١/ ٢١٥، و"الطبري" ١/ ١٨٠، وضعفه، وذكره أبو الليث ١/ ١٠٤، وأبو عبيده في "المجاز" ١/ ٣٥، وابن قتيبة في "المشكل": ص ٢٧، وابن الأنباري في "الأضداد": ص ٢٥٠، والزمخشري في "الكشاف" ١/ ٢٦٥.
(٦) كأبي عبيدة في "المجاز" ١/ ٣٥، وابن قتيبة في "المشكل": ص ٢٧.
(٧) في (ب): (فلا معنى فيما).
وَمَسْنُونةٌ زُرْقٌ كَأنْيَابِ أغْوَالِ (١)
ولم ير ناب الغول. ويؤكد هذا التأويل قول أبي عبيدة في هذه الآية وهو أنه (٢) قال: (فما فوقها) يعني: فما دونها (٣). و (فوق) من الأضداد، لأنه لا فوق (٤) إلا ويصلح أن يكون دون، لأن من فوقك (٥) يصلح أن يكون دون غيرك فذلك فوق (٦) من وجه ودون من وجه (٧). وإذا كان (فوق) بمعنى
أيقْتُلُنِي والمشْرَفِيُّ مُضَاجِعِي
المشرفي: السيف، (مسنونة زرق): سهام محددة الأزجه صافية، شبهها بأنياب الأغوال، تشنيعا ومبالغة في الوصف، والأغوال: الشياطين، وقيل: الحيات. انظر "ديوان امرئ القيس": ص ١٢٥، "تهذيب اللغة" (غال) ٨/ ١٩٣، "المخصص" ٨/ ١١، "اللسان" (غول) ٦/ ٣٣١٨، "البحر المحيط" ٢/ ٣٠٤.
(٢) في (ب): (أن).
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٥.
(٤) في (ب): (لا فرق).
(٥) في (ب): (فوق الصلح).
(٦) (فوق) ساقط من (ب).
(٧) انظر: "الأضداد" لأبي حاتم: ص١٠١، ولابن الأنباري: ص ٢٥٠، وقد ذكر عن قطرب: (أن فوق تكن بمعنى: (دون) مع الوصف، كقول العرب: إنه لقليل وفوق القليل، ولا تكون بمعنى: (دون) مع الأسماء، كقول العرب: هذِه نملة وفوق النملة...) ورد أقوال المفسرين الذين قالوا: إن (فوقا) في الآية بمعنى (دون)، وغلّطه ابن الأنباري في هذا ورد عليه. والأقرب أن (فوق) في الآية تكون بمعنى: أعظم، وبمعنى: دون، وهذا هو اختيار ابن الأنباري، وانظر: "المشكل" لابن قتيبة: ص ٢٧، "البحر" ١/ ١٢٣، وابن كثير ١/ ٦٩.
وقد استشهد على استحسان ضرب المثل بالحقير [في] (١) كلام العرب بقول الفرزدق:
ضَرَبَتْ عَلَيْكَ العَنْكَبوُتُ بِنَسْجِهَا | وَقَضَى (٢) عَلَيْكَ بِهِ الكِتَابُ المُنْزَلُ (٣) |
وَهَل شَيءٌ يَكُوُن أذَل بَيتَاً (٤) | مِنَ اليَرْبُوعِ يَحْتَفِرُ التُّرَابَا (٥) |
وقوله تعالى: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾. قال أبو إسحاق: (ماذا) يجوز أن يكون (ما) و (ذا) اسماً واحداً، ويكون موضعها نصباً، المعنى:
(٢) في (ب): (ومعن).
(٣) استشهد الواحدي بالبيت في "الوسيط" ١/ ٦٦، وهو في "ديوان الفرزدق" ٢/ ١٥٥، من قصيدة طويلة ضمن نقائضه مع جرير.
(٤) (بيتا) ساقط من (ب).
(٥) استشهد الواحدي بالبيت في "الوسيط" ١/ ٦٦، وهو في "ديوان الفرزدق" ١/ ١٠٣.
(٦) (في) ساقط من (ب).
(٧) قال "الطبري": يعرفون أن المثل الذي ضربه الله، لما ضربه له مثل، ثم ذكر عن الربيع وقتادة أن هذا المثل الحق من ربهم، وأنه كلام الله ١/ ١٨١، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧١/ "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ أ.
وفائدة الوجهين يتبين في الجواب، فإنك إن جعلته اسمًا واحداً كان جوابه منصوبًا، وإن جعلت (ما) ابتداء و (ذا) خبره كان الجواب مرفوعا، مثاله أنَّ قائلا لو (٣) قال لك: ماذا أراد الله بهذا مثلا؟ قلت: البيانَ لحال (٤) الذي ضرب له المثل، لأنك أبدلته من (ماذا) وهو نصب. وفي الوجه الثاني قلت: البيانُ بالرفع؛ لأن (ذا) محله رفع بخبر الابتداء (٥). وجاء في القرآن بالتقديرين (٦) جميعًا في قوله: ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْرًا﴾ [النحل: ٣٠]، و ﴿مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [النحل: ٢٤] فعلى النصب كأنه قيل: أي شيء أنزل ربكم (٧)؟، وعلى الرفع (٨): أي شيء الذي (٩) أنزله (١٠)
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٢، وانظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ٣٢، "البيان" ١/ ٦٦، "الإملاء" ١/ ٢٦، وقد ذكر النحويون أن (ماذا) تأتي في ستة أوجه، لكن يجوز في الآية وجهان ذكرهما المؤلف، انظر مغنى اللبيب ١/ ٣٠٠ "البحر" ١/ ١٢٤، و"الدر المصون" ١/ ٢٢٣.
(٣) (لو) ساقطة من (ب).
(٤) في (أ)، (ج): (الحال) أتنبت ما في (ب) لمناسبته للسياق.
(٥) انظر: "الكتاب" ٢/ ٤١٧، ٤١٨، "الكشاف" ١/ ٢٦٦، "البحر" ١/ ١٢٤،.
(٦) في (ب): (التقدير).
(٧) وعليه جاءت الآية الأولى: (قالوا خيرا).
(٨) وعليه جاءت الآية الثانية: (قالوا أساطير الأولين) انظر "الكتاب" ٢/ ٤١٧.
(٩) (الذي) ساقط من (ب).
(١٠) في (ج): (أنزل).
ألا تسألانِ المرءَ ماذا يُحاوِلُ | أَنَحْبٌ فَيُقْضَى أمْ ضَلالٌ وَبَاطِلُ (٢) |
وفي نصب قوله: ﴿مَثَلًا﴾ وجوه، أحدها: الحال (٤)، لأنه جاء بعد تمام الكلام كأنه قيل: ماذا أراد الله بهذا مبينا. والثاني: التمييز والتفسير للمبهم (٥)، وهو (هذا) كأنه قيل ماذا أراد الله بهذا من
(٢) البيت مطلع قصيدة للبيد بن ربيعة، يرثي بها النعمان بن المنذر.
النحب: النذر، يقول: ألا تسألان رجلًا مجتهداً في أمر الدنيا والسعي خلفها، كأنه أوجب على نفسه نذرا في ذلك، فهو يجري لقضاء ذلك النذر، أم هو ضلال وباطل من أمره. ورد البيت عند سيبوبه ٢/ ٤١٧، "معاني القرآن" للفراء١/ ١٣٩، (المعاني الكبير) ٣/ ١٢٠١، "جمل الزجاجي" ص ٣٤٩، "المخصص" ١٤/ ١٠٣، "مغني اللبيب" ١/ ٣٠٠، "شرح المفصل" ٣/ ١٤٩، ٤/ ٢٣، "الخزانة" ٢/ ٢٥٢، ٦/ ١٤٥، "الدر المصون" ١/ ٢٢٩ (ديوان لبيد) ص ٢٥٤، والشاهد (أنحب) حيث جاء مرفوعًا فدل على أن (ذا) في معني (الذي).
(٣) (عم ذا تسأل) بحذف ألف (ما) لأن (ما) إذا كانت استفهاما ودخل عليها حرف الجر حذفت ألفها، فلما ثبتت الألف دل على أنها مركبة مع (ذا)، انظر: "الكتاب" ٢/ ٤١٨، "شرح المفصل" ٣/ ١٥٠.
(٤) اختلف في صاحب الحال، فقيل: اسم الإشارة، وقيل لفظ الجلالة (الله)، انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٤١٨، "المشكل" لمكي ١/ ٢٣١، وبن عطية ١/ ٢١٣، "البيان" ١/ ٦٧، "البحر" ١/ ١٢٥، "الدر المصون" ١/ ٢٣١.
(٥) في (ب) (للمتهم).
قال (٨) الأزهري: (والإضلال) في كلام العرب ضد الهداية والإرشاد، يقال (٩): أضللت فلانا، إذا وجهته للضلال عن الطريق فلم (١٠) ترشده، وإياه أراد لبيد بقوله:
(٢) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٥٤، والثعلبي ١/ ٩٥ أ، "البحر" ١/ ١٢٥،
وقال أبو حيان: إن هذا مذهب الكوفيين، والمراد بالقطع: أنه يجوز أن يعرب
بإعراب الاسم الذي قبله، فإذا لم تتبعه في الإعراب وقطعته عنه نصب على
القطع، وقال: وهذا كله عند البصريين منصوب على الحال، ولم يثبت البصريون
النصب على القطع، انظر: "الدر المصون" ١/ ٢٣١.
(٣) في (ب): (ذكره).
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٥٤، "البحر" ١/ ١٢٥.
(٥) قوله: (يهدي به كثيرا) ساقط من (أ)، (ج).
(٦) في (ب): (وكذلك).
(٧) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ ب.
(٨) في (ب): (كذلك قال الأزهري).
(٩) في (ب): (يقول).
(١٠) قوله: (فلم ترشده) ليس في "تهذيب اللغة".
مَنْ هَدَاهُ سُبُلَ الخَيْرِ اهْتَدى | نَاعِمَ البَالِ ومَنْ شَاءَ أَضَل (١) |
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ﴾. قال الليث: (الفسق) الترك لأمر الله، ومثله (الفسوق) (٧). قال أبو عبيدة: وأصله في اللغة الجور
(٢) في (ب): (تضل وتهدي).
(٣) جزء من آية في النحل: ٩٣، وسورة فاطر آية: ٨
(٤) "تهذيب اللغة" (ضل) ٣/ ٢١٣٠، وانظر: "اللسان" (ضلل) ٥/ ٢٦٠١.
(٥) في (ب): (بضلال).
(٦) يرد بهذا على المعتزلة الذين قالوا: إن الله لا يخلق الضلال، ومعناه الإضلال عندهم هنا: الحكم أو التسمية، أو أنه من إسناد الفعل إلى السبب كما قال الزمخشري في "الكشاف" ١/ ٢٦٧.
وعند أهل السنة: أن الله خالق العباد وخالق أفعالهم، انظر "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٥، وابن عطية ١/ ٢١٦ - ٢١٧، "الإنصاف" فيما تضمنه "الكشاف" من الاعتزال حاشية على "الكشاف" ١/ ٢٦٧، "القرطبي" ١/ ٢٠٩ - ٢١٠. قال ابن كثير: قال السدي في "تفسيره": عن أبي مالك، وعن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة: (يضل به كثيرا) يعني به المنافقين (ويهدي به كثيرا) يعني به المؤمنين فيزيد هؤلاء ضلالة إلى ضلالتهم لتكذيبهم.. ويهدي به بمعنى: المثل كثيرا من أهل الإيمان والتصديق فيزيدهم هدى إلى هداهم وإيمانا إلى إيمانهم لتصديقهم..) ابن كثير ١/ ٦٩ - ٧٠.
(٧) "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨.
فواسِقًا عَنْ قَصْدِهِ (٢) جَوَائِرا (٣)
وقال الفراء (الفسق) (٤) الخروج عن الطاعة، قال: والعرب تقول: فسقت الرطبة من قشرها، لخروجها منه، وكأن الفأرة إنما سميت (فويسقة) لخروجها من جحرها على الناس (٥). وقال أبو العباس: (الفسوق) الخروج (٦). وقال أبو الهيثم: وقد يكون الفسوق شركًا، ويكون إثمًا (٧). والذي أريد به هاهنا الكفر (٨) لقوله (٩) تعالى:
٢٧ - ﴿الَّذِينَ ينَقُضُونَ﴾. (والذين) من صفة الفاسقين. و (النقض) في
(٢) في (ب): (أمره) وهي رواية وردت في "اللسان" (فسق) ٦/ ٣٤١٤.
(٣) البيت لرؤبة كما في "مجاز القرآن" وقبله:
يهوِين في نَجد وغورًا غائرا
يصف إبلا منعدلة عن قصد نجد ورد البيت في "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٦، وفيه (قصدها) بدل (قصده) ومثله عند "الطبري" ١٥/ ٢٦١، وبمثل رواية الواحدي ورد في "الزاهر" ١/ ٢١٨، "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٨٨، "اللسان" ٦/ ٣٤١٤، "القرطبي" ١/ ٢١٠.
(٤) (الفسق) ساقط من (ب)
(٥) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٤٧، وفيه قوله: (ففسق عن أمر ربه) أي: خرج عن طاعة ربه، والعرب تقول:.. ونحوه في "التهذيب" (فسق).
(٦) "تهذيب اللغة" (فسق) ٣/ ٢٧٧٨.
(٧) في "التهذيب" وقال أبو الهيثم: الفسوق يكون الشرك ويكون الإثم (فسق) ٣/ ٢٧٨٩، وانظر: "اللسان" (فسق) ٦/ ٣٤١٤.
(٨) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٢، و"ابن كثير" ١/ ٧٠، "زاد المسير" ١/ ٥٦، و"القرطبي" ١/ ٢١٠.
(٩) في (ب): (كقوله).
والمناقضة في الشعر أن (٥) يقول الشاعر قصيدة، فينقض عليه شاعر آخر حتى يجيء بغير ما قال، والاسم النقيضة (٦) ويجمع على النقائض، ولهذا المعنى قالوا: نقائض (٧) جرير والفرزدق (٨).
وقوله تعالى: ﴿عَهْدَ اللَّهِ﴾. (العهد) في اللغة يكون لأشياء مختلفة (٩)، والذي أريد به هاهنا الوصية (١٠) والأمر من قولهم: عهد الخليفة إلى فلان كذا وكذا، أي (١١): أمره. ومنه قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ﴾ [يس:
(٢) في (أ): (نقيض).
(٣) في (أ) و (ج): (ما تنقضه) وما في (ب) أصح، وموافق لما في "الوسيط" ١/ ٦٨.
(٤) النقض: لغة: هو الكسر، وفي الاصطلاح: بيان تخلف الحكم المدعي عليه ثبوته أو نفيه عن دليل المعلل الدال عليه في بعض الصور. انظر "التعريفات" للجرجاني ص ٢٤٥. والتناقض: (اختلاف قضيتين بالإيجاب والسلب بحيث يقتضي لذاته أن يكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة) انظر: "تيسير القواعد المنطقية شرح الرسالة الشمسية" ١/ ١٦٩.
(٥) في (ب): (الشعر أو يقول...).
(٦) في (ب): (النقضة).
(٧) في (ب): (أنقاض).
(٨) ذكره الأزهري في "التهذيب" عن الليث (نقض) ٨/ ٣٦٤، انظر "اللسان" (نقض) ٨/ ٤٥٢٤.
(٩) ذكر الأزهري عن أبي عبيد أن العهد يكون في أشياء مختلفة ثم ذكرها، انظر: "التهذيب" (عهد) ٣/ ٣٢٦٠٧.
(١٠) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢١٧.
(١١) في (ب): (أدا).
وذكر أبو إسحاق للعهد (٤) المذكور في هذه الآية وجهين (٥) أحدهما: ما أخذه على النبيين ومن اتبعهم ألا يكفروا بالنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١].
وقال (٦): يجوز أن يكون عهد الله الذي أخذه من بين آدم من ظهورهم يوم الميثاق حين قال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢] ثم جحدوا ونقضوا ذلك العهد في حال كمال عقولهم.
والوجه الأول أصحهما، من قبل أن الله لا يحتج عليهم بما لا يعرفون، لأنه بمنزلة ما لم يكن إذا كانوا لا يشعرون به، ولا لهم دلالة عليه. والثاني مع هذه صحيح، لأنهم (٧) عرفوا ذلك العهد بخبر الصادق، فكان كما لو كانوا يشعرون به (٨).
(٢) في (ج): (أيضم).
(٣) انظر: "التهذيب" (عهد) ٣/ ٢٦٠٧، "مفردات الراغب" ص ٣٥٠.
(٤) في (ب): (العهد).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٣، ٧٢، وقد ذكر ثلاثة أوجه، وجهان ذكرهما المؤلف هنا، والثالث حين قال: وقال قوم: إن عهد الله: هو الاستدلال على توحيده، وأن كل مميز يعلم أن الله خالق، فعليه الإيمان به، ثم قال: والقولان الأولان في القرآن ما يصدق تفسيرهما. وذكر "الطبري" هذِه الوجوه وغيرها.
(٦) هذا هو الوجه الثاني.
(٧) في (أ)، (ج): (لأنه) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٨) وبهذا يستدرك الواحدي على كلامه السابق عن العهد الذي أخذه الله على بني آدم حين استخرج ذرية آدم من ظهره، فهذا العهد ثابت بالخبر الصحيح، أخرجه "الطبري" في (تفسيره)، وجمع محمود شاكر طرقه وانتهى إلى الأخذ بما قرره =
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾. (من) صلة لأجل التأكيد (٤). والميثاق: ما وقع التوثيق (٥) به، كما أن الميقات ما وقع التوقيت به، ومواقيت الحج من ذلك، لأنه وقع توقيت الإحرام ببلوغها. والكتاب أو
(١) في (أ)، (ج): (هذِه) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٢) في (ب): (الذين).
(٣) سورة الأعراف: ١٧٢. الأثر عن ابن عباس ذكره الواحدي في "الوسيط" قال (وهذا قول ابن عباس في رواية عطاء) "الوسيط" ١/ ٦٨. ولم أجد الأثر عن ابن عباس في هذا المعنى في آية (البقرة) ولا في آية (الرعد) وقد وردت آثار عن ابن عباس من طريق عطاء في الميثاق الذي أخذه الله على بني آدم أوردها "الطبري" في تفسير قوله تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف: ١٧٢] وليس في الآثار ذكر أنه هو العهد المراد بآية البقرة أو الرعد. انظر: "تفسير الطبري" ٩/ ١١٠ - ١١٨.
(٤) وقيل: لابتداء الغاية، انظر: "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٢٧، "زاد المسير" ١/ ٥٦، "البحر" ١/ ١٢٧، قال أبو حيان: إن القول إنها زائدة بعيد.
(٥) في (ب): (للتوثيق).
و (الياء) في الميثاق منقلبة عن الواو (٤).
وقال الفراء: يقال في جمع الميثاق: مياثق ومواثق، قال (٥):
حِمىً لاَ يُحَلُّ الدَّهْرَ إلَّا بِإذْنِنَا | وَلَا نَسْأَلُ الأَقْواَمَ عَقْدَ المَيَاثِقِ (٦) |
(٢) في (ب): (الصداق).
(٣) انظر. "الوسيط" ١/ ٦٩، و"الطبري" ١/ ١٨٤، "تهذيب اللغة" (وثق) ٤/ ٣٨٣٤، "الكشاف" ٢/ ٢٦٨، "البحر" ١/ ١٢٧، "القرطبي" ١/ ٢١١.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ ب، "القرطبي" ١/ ٢١١.
(٥) قول الفراء أورده الأزهري في "تهذيب اللغة"، قال: وأنشد في لغة (الياء)، أي (مياثق) "التهذيب" (وثق) ٤/ ٣٨٣٤، وانظر "اللسان" (وثق) ٨/ ٤٧٦٤.
(٦) البيت لعياض بن درة الطائي، وقيل: عياض بن أم درة، يصف قومه بالمنعة والقوة يقول: لنا حمى لا يحله احد إلا بإذننا، ولا نسأل أحدا عقد ميثاق حماية. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (وثق) ٤/ ٣٨٣٤، "إصلاح المنطق" ص ١٣٨، "الخصائص" ٣/ ١٧٥، "اللسان" (وثق) ٨/ ٤٧٦٤، "شرح المفصل" ٥/ ٢٢١، وأورد أبو زيد البيت على رواية (المواثق) وقال عن راوية المياثق: إنها شاذة: انظر "النوادر" ص ٢٧١.
(٧) في (أ)، (ج): (يكون) واخترت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج) والزيادة في (ب) يقتضيها السياق وقد وردت في "الوسيط" ١/ ٦٩.
(٩) انظر "الطبري" ١/ ١٨٤، وابن عطية ١/ ٢١٨، "زاد المسير" ١/ ٥٦، "الإملاء" ١/ ٢٧، "الكشاف" ١/ ٢٦٨.
وقيل: هو الإيمان بجميع الرسل والكتب، وهو نوع من الصلة، لأنهم قالوا: ﴿نُؤمِنُ بِبَعضٍ وَنَكفُرُ بِبَعضٍ﴾ [النساء: ١٥٠] فقطعوا. وهذا الوجه هو قول ابن عباس ذكره في الآية التي في (الرعد) (٣)، وقال: المؤمن لا يفرق [بين أحد من رسله فوصلوا (٤).
قال الزجاج: وموضع ﴿أَنْ يُوصَلَ﴾ خفض على، (٥) البدل من (الهاء) المعنى: ما أمر الله أن يوصل (٦).
﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾ بالمعاصي، وتعويق الناس عن الإيمان بمحمد ﷺ (٧).
وقوله تعالى: ﴿أُوْلئِكَ هُمُ الخاَسِرُونَ﴾. أصل الخسران في التجارة
(٢) وهي عامة لكل قاطع لما أمر الله بوصله، انظر: "الطبري" ١/ ١٨٥.
(٣) وهي قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾.
(٤) وصلوا بينهم الإيمان بجميع الرسل. انظر: "الوسيط" ١/ ٦٩. والرواية عن ابن عباس ذكرها أبو الليث من طريق الضحاك وعطاء، في آية (البقرة) ولم أجد أحدًا - فيما اطلعت عليه- ذكرها في الرعد، الظر: "الطبري" ١٣/ ١٣٩ - ١٤٠، وقد ذكر الثعلبي١/ ٥٩ ب، والبغوي ١/ ٧٧، كلام ابن عباس بمعناه ولم ينسباه.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) انتهي كلام الزجاج، "معاني القرآن" ١/ ٧٣، وفيه (بأن يوصل).
(٧) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٥، والثعلبي ١/ ٥٩ ب.
٢٨ - قوله تعالى: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾ الآية. قال النحويون: (كيف) في الأصل سؤال عن الحال، لأن جوابه يكون بالحال، وهي منتظمة جميع الأحوال (٦). ونظيرها في الاستفهام (كم) لأنها تنتظم جميع الأعداد و (ما) (٧) وهي تنتظم جميع الأجناس، و (أين) وهي تنتظم جميع الأماكن، و (متى) [وهي تنظم جميع الأزمان، و (من)] (٨) وهي تنتظم جميع ما يعقل (٩).
قال الزجاج: تأويل (كيف) هاهنا استفهام في معنى التعجب، وهذا
(٢) في (ب): (وصفقته).
(٣) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٥، "التهذيب" (خسر) ١/ ١٠٢٨، "مفردات الراغب" ١٤٧.
(٤) في (ب): (نقضوا).
(٥) انظر: "الطبري" ١/ ١٨٥، والثعلبي ١/ ٥٩ ب، "القرطبي" ١/ ٢١٢.
(٦) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٣٣، "المقتضب" ٣/ ٢٨٩، ٦٣، "حروف المعاني" للزجاجي ص ٣٥، ٥٩، وقد ذكر الزجاجي أنها تقع في ثلاثة مواضع: تقع بمنزلة (كما)، واستفهاما عن حال، وبمعنى التعجب واستشهد على هذا المعنى بالآية ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ﴾، وانظر: "البرهان" ٤/ ٣٣٠، "مغني اللبيب" ١/ ٢٠٤.
(٧) (و) ساقطة من (ب).
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٩) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٣٣، "المقتضب" ٣/ ٦٣، ٢٨٩.
وقال الفراء: هذا على وجه التعجب والتوبيخ لا على الاستفهام المحض، أي: ويحكم كيف تكفرون؟ وهو كقوله: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ (٣) [التكوير: ٢٦].
وقوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾. قال النحويون: (كان) تقع (٤) في الكلام على وجوه: تامة وناقصة وزائدة (٥). فالتامة: هي المكتفية باسمها دون خبرهما كقولك: كان القتال، أي وقع وحدث.
والناقصة: هي التي لا تتم دون خبرها كقولك: كان زيد أميرا.
والزائدة: هي التي تكون (٦) دخولها في الكلام كخروجها (٧). كقوله: ﴿مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] (٨).
(٢) في (ب): (عليكم). انتهى من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧، انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ب، وابن عطية ١/ ٢٢٠، وبمعناه كلام الفراء الآتي بعده.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٣، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٩٠.
(٤) في (أ): (يقع) وما في (ب، ج) أنسب للسياق.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (كان) ٤/ ٣٠٨٣ - ٣٠٨٤. وذكر الهروي وجهاً رابعاً وهو: أن تكون (كان) مضمرا فيها اسمها (ضمير الشأن) وبعد كان جملة من مبتدأ وخبر مرفوعين. انظر: "الأزهية في علم الحروف" ص ١٧٩.
(٦) كذا في جميع النسخ الأولى (يكون).
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (كان) ١٠/ ٣٧٧، و"الأزهية في علم الحروف" ص١٨٣، و"مغني اللبيب" ٢/ ٥٥٩.
(٨) وقد ذكر الأزهري عن ثعلب: أن للعلماء في الآية قولين: منهم من قال: (كان) =
قال الفراء: [تقول] (٦) في ذوات (الياء): الطَّيْرُوَرة والحَيْدوَدة (٧) والزَّيْغُوغَة فيما لا يحصى من هذا الضرب. فأما ذوات (الواو) مثل: قلت ورضت، فإنهم لا يقولون ذلك فيه، وقد أتى عنهم في أربعة أحرف منها: الكَيُنونَة من (كُنْتُ) والدَّيْمُومَة من (دُمْتُ) والْهَيْعُوعَة من (الْهُوَاع) (٨)،
وجعلها المبرد زائدة مؤكدة. انظر: "المقتضب" ٤/ ٤١٧.
وقد قال ابن هشام: إن وجه الزيادة في (كان) هو أضعف الوجوه. انظر: "مغني اللبيب" ٢/ ٥٥٩.
(١) في (أ)، (ج): (ينصرف) واخترت ما في (ب)، لمناسبته للسياق.
(٢) في (أ)، (ج): (يدل) واخترت ما في (ب)، لمناسبته للسياق.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) انظر: "الإيضاح العضدي" للفارسي ١/ ٩٥، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٦٥، "الأزهية في علم الحروف" ص١٨٣، "مغني اللبيب" ٢/ ٥٥٩. (٨٣٣).
(٥) ذكره الازهري وقال: و (الْكَيْنَونَة) أحسن. "التهذيب" ٤/ ٣٠٨٤.
(٦) في (أ)، (ج) (يقول) وفي (ب) بدون نقط والعبارة كما في "التهذيب": قال الفراء: (العرب تقول ذوات الياء... إلخ)، "التهذيب": ٤/ ٣٠٨٣.
(٧) في (ب) (الحيرورة)، وفي "التهذيب" (الحيدودة) وهذا الأقرب؛ لأنه قال: الطيرورة من طرت والحيدودة من حدت. "التهذيب" ٤/ ٣٠٨٣.
(٨) الهوع بالفتح والضم: سوء الحرص وشدته، والعداوة، وهاع: قاء من غير تكلف، =
قال: وكان الخليل يقول: كَيْنُونَة (فَيْعَلُولَة)، وهي الأصل (كَيْوَنُونَة) (٢) التقت (ياء) و (واو)، والأولى منهما ساكنة فصيرتا [ياء] (٣) مشددة (٤)، مثل ما قالوا: الهَيِّن، ثم خففوها، فقالوا: (كَيْنُونَة)، كما قالوا: هَيْن لَيْن. قال الفراء: وقد ذهب مذهبا، إلا أن القول عندي هو الأول (٥).
قال: ويضمر (٦) هاهنا (قد) والتقدير (٧): (وقد كنتم أمواتا) ولولا إضمار (قد) لم يجز مثله في الكلام. وكذلك قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ
(١) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٢) في (ب): (في الاكونونه).
(٣) (ياء) ساقطة من جميع النسخ، والتصحيح من "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٠٨٤.
(٤) فصارت (كَينُونَة) انظر "اللسان" (كون) ٧/ ٣٩٥٩.
(٥) انتهى كلام الفراء كما في "التهذيب" بنصه، ٤/ ٣٠٨٤ (كان).
وانظر "اللسان" (كون) ٧/ ٣٩٥٩، وفيه عن ابن بري نحو كلام الخليل، وما بعد هذا من كلام الفراء لا ارتباط له بما سبق حيث الكلام السابق ورد بتهذيب اللغة ولعله أخذه عن كتاب المصادر للفراء وما بعده من كتاب "معاني القرآن" كما سيأتي.
(٦) في (ب): (ويضم).
(٧) في "معاني القرآن" (وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ المعنى والله أعلم وقد كنتم، ولولا إضمار (قد)... إلخ) ١/ ٢٤.
وحكى الكسائي: أصبحت [(٣) نظرت إلى (ذات التنانير) يريد: قد نظرت، وذات التنانير) موضع (٤). وتقدير الآية: كيف تكفرون وحالكم أنكم كنتم أمواتا.
ومثل هذا قال الزجاج: فإنه قال: ومعنى (كنتم): وقد كنتم وهذه الواو، (واو الحال) (٥).
قال أبو الفتح: إنما احتيج إلى إضمار (قد) لأن (قد) تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون: (قد قامت الصلاة) قبل حال قيامها، وعلى هذا قول الشاعر:
(٢) انتهى ما نقله عن الفراء، انظر: "معاني القرآن" ١/ ٢٤، وما ذكره الفراء يقرر القاعدة التي عند الجمهور وهي أن الجملة الفعلية، إذا كان فعلها ماض ووقعت حالا لابد من (قد) ظاهرة أو مقدرة، وبهذا قال "الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٩٠، والزجاج في "المعاني" ١/ ٧٤، الثعلبي ١/ ٥٩ ب، أبو حيان في "البحر" ١/ ١٣٠ وغيرهم.
(٣) من هنا يبدأ سقط لوحة كاملة في نسخة (ب).
(٤) (التنانير) جمع (تنور) وهو واد ذو شجر يقع بين الكوفة وبلاد غطفان، انظر "معجم ما استعجم" ١/ ٣٢٠، "معجم البلدان" ٢/ ٤٧.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٤.
فكأنه قال: حابٍ (٣) أو دارج (٤). ومثل هذه الآية قوله: ﴿أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ﴾ [النساء: ٩٠] على معنى: قد حصرت (٥).
فأما أحكام واو الحال فإنها مذكورة عند قوله: ﴿وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
وقوله تعالى: ﴿أَمْوَاتًا﴾ قال ابن عباس في رواية الضحاك: أراد (٦): وكنتم تراباً ردّهم إلى أبيهم آدم (٧).
(٢) الرجز لجندب بن عمرو يعرض بامرأة الشماخ في قصة أوردها البغدادي في "الخزانة" ٤/ ٢٣٨، وهي في "ديوان الشماخ" ص ٣٥٣، و (أم صبي): هي امرأة الشماخ، ورد البيت في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢١٤، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٤١، "الخزانة" ٤/ ٢٣٨، "ديوان الشماخ" ص ٣٦٣، "اللسان" (درج) ٣/ ١٣٥٣، "أوضح المسالك" ص١٩٣.
(٣) في (أ) و (ج): (حباب) وما في (ب) موافق لما في "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح.
(٤) قال في "اللسان": وجاز له ذلك؛ لأن (قد) تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه أو تكاد. "اللسان" (درج) ٣/ ١٣٥١.
(٥) انتهى ما نقله المؤلف -بتصرف- من كتاب "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني ٢/ ٦٤١.
(٦) في (أ): (أرادوا)، وما في (ب، ج) هو الصحيح.
(٧) الأثر عن ابن عباس أخرجه "الطبري" من طريق الضحاك عن ابن عباس، ١/ ١٨٧، وكذا ابن أبي حاتم ١/ ٧٣، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، (الدر) ١/ ٨٩، وذكره ابن كثير عن الضحاك عن ابن عباس ثم قال: وهكذا روى السدي بسنده عن أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس، وعن مُرة عن ابن مسعود، وعن ناس من الصحابة، وعن أبي العالية، والحسن، =
٢٩ - قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ الآية قال المفسرون لما استعظم المشركون أمر الإعادة عرفهم خلق السموات والأرض، ليدل بذلك على أن إعادة الحياة فيهم وقد خلقهم أولاً ليس بأكثر من خلقه السموات والأرض وما فيهما (٣).
(١) وبهذا النص ذكره الفراء في "معاني القرآن" ولم ينسبه لأحد، ١/ ٢٥، والذي ورد عن ابن عباس من طريق عطاء: كنتم أمواتا فأحياكم في أصلاب آبائكم لم تكونوا شيئًا حتى خلقكم، ثم يميتكم موتة الحق، ثم يحييكم حين يبعثكم، أخرجه ابن أبي حاتم ١/ ٧٣، وأخرج نحوه ابن جرير ١/ ١٨٩، وذكره السيوطي في "الدر" ونسبه إلى ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم. "الدر" ١/ ٨٩، وذكره ابن كثير ١/ ٧١، وانظر: "تحقيق المروي عن ابن عباس" في سورة الفاتحة والبقرة وآل عمران ١/ ١٨٩ (رسالة ماجستير إعداد محمد العبد القادر). قال "الطبري" -بعد أن ذكر نحو هذا التفسير-: (وهذا قول ووجه من التأويل، لو كان به قائل من أهل القدوة الذين يرتضى للقرآن تأويلهم، ثم قال: وأولى ما ذكرنا من الأقوال: القول الذي ذكرنا عن ابن عباس وابن مسعود: من أن معنى قوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ أموات الذكر خمولًا في أصلاب أبائكم نطفا، لا تعرفون ولا تذكرون: فأحياكم بإنشائكم بشرا سويا حتى ذكرتم وعرفتم وحييتم...) ١/ ١٨٩.
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ ب.
(٣) ذكره أبو الليث عن الكلبي ١/ ٣٠٩، والآية فيها دلائل نعمه عليهم مما يوجب عليهم شكره، ودلائل توحيده، انظر: "الطبري" ١/ ١٩٠، وابن كثير ١/ ٧٢.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾. أخبرني أبو سعيد بن أبي عمرو النيسابوري (٦) رحمه الله ثنا محمد بن يعقوب المعقلي (٧) أبنا (٨) محمد ابن (٩) الجهم عن الفراء قال: (الاستواء) في كلام العرب على جهتين،
(٢) في (أ)، (ج): (أرى)، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.
(٣) في (ج): (عليه).
(٤) في (ج): (إليه).
(٥) وفي خلق هذِه الأشياء التي ذكر حكم كثيرة، منها ما علم للبشر، ومنها ما لم يعلم، وما ذكره بعض هذِه الحكم. انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٢٣، "الكشاف" ١/ ١٧٠، "زاد المسير" ١/ ٥٨، "القرطبي" ١/ ٢١٦.
(٦) هو أبو سعيد، محمد بن موسى بن الفضل بن شاذان الصيرفي، بن أبي عمرو النيسابوري، سمع من الأصم وأكثر عنه، كان ثقةً مأمونًا، مات في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة. انظر: "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٣٥٠، "شذرات الذهب" ٣/ ٢٢٠.
(٧) هو الإمام المحدث محمد بن يعقوب المعقلي المعروف بالأصم، تقدمت ترجمته في المقدمة.
(٨) في (ج): (ثنا).
(٩) هو محمد بن الجهم السمري، أبو عبد الله، الكاتب، تلميذ الفراء وراوية كتبه، =
وأقرأني العروضي، عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري، قال: سئل أحمد بن يحيى عن (الاستواء) في صفة الله، فقال: الاستواء الإقبال على الشيء (٤).
وأقرأني سعيد بن محمد الحيري (٥) رحمه الله عن أبي الحسن بن مقسم وأبي علي الفارسي عن الزجاج قال: قال قوم في قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: عمد وقصد إلى السماء، كما تقول: فرغ الأمير من بلد كذا، ثم استوى إلى بلد كذا، معناه: قصد بالاستواء إليه. قال: وقول ابن عباس: ﴿اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ أي صعد، معناه صعد أمره إلى السماء (٦)، انتهى
(١) في "معاني القرآن" للفراء (أو) وهو أصح ١/ ٢٥، وانظر "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٩٤.
(٢) في (أ)، (ج): (يكلمين) غير واضحة المعنى، والتصحيح من "معاني القرآن"، ومن "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٩٤.
(٣) انتهى ما نقله عن الفراء، وفي "معاني القرآن" قال: (وقال ابن عباس ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ صعد.. وكل كلام في كلام العرب جائزٌ، انظر: "معاني القرآن" ١/ ٢٥، "تهذيب اللغة" (لفيف السين) ٢/ ١٧٩٤.
(٤) "تهذيب اللغة" (لفيف السين) ٢/ ١٧٩٤.
(٥) أحد شيوخ الواحدي مضت ترجمته.
(٦) هذا تأويل وصرف لكلام ابن عباس.
وحكى أهل اللغة أن العرب تقول: كان الأمير يدبر أهل الشام ثم استوى إلى أهل الحجاز، أي: تحول فعله وتدبيره إليهم (٣).
والأصل في (الاستواء) الاستقامة (٤)، وإنما قيل للقصد إلى الشيء
(٢) نهاية السقط من نسخة (ب).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢١٨، "تفسير الطبري" ١/ ١٩١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٤.
وكل هذِه "المعاني" التي ذكرها من باب التأويل، والمنهج السوي أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، فهو سبحانه مستو على عرشه عال على خلقه، ولا يلزم لهذا أي لازم باطل مما يلزم لاستواء المخلوقين.
قال الأشعري في "الإبانة عن أصول الديانة": (وإن قال قائل ما تقولون في الاستواء؟ قيل له: نقول إن الله عز وجل مستو على عرشه كما قال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)﴾ [طه: ٥]، وقد قال الله عز وجل: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: ١٠]، وقال: ﴿بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ﴾ [النساء: ١٥٨]..) ثم قال: (.. وقد قال قائلون من المعتزلة والجهمية والحروية: إن قول الله عز وجل: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
[طه: ٥]، إنه استولى وملك وقهر، وإن الله عز وجل في كل مكان وجحدوا أن يكون الله عز وجل على عرشه كما قال أهل الحق، وذهبوا في الاستواء إلى القدرة، ولو كان هذا كما ذكروه كان لا فرق بين العرش والأرض، فالله سبحانه قادر عليها وعلى الحشوش، وعلى كل ما في العالم..) "الإبانة عن أصول الديانة" ص ٨١، انظر "شرح العقيدة الطحاوية" ص ٣٤٣، "الرسالة التدمرية" ص ٨١، "مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" ٥/ ٩٥، ١٤٤، ١٣٦.
(٤) الاستواء في (كلام العرب) يأتي على وجوه كما مر قريبا في كلام الفراء ومن تلك الوجوه ما ذكره عن ابن عباس: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾: صعد، ثم قال: (وكل في (كلام العرب) جائز) انظر "معاني القرآن" للفراء١/ ٢٥، "تفسير الطبري" ١/ ١٩١، "تهذيب اللغة" (لفيف السين) ٢/ ١٧٩٤.
وأما استوى بمعنى: استولى، فقد يكون، وكأنه يقول: (استوت له الأمور فاستولى) (٢)، ثم وضع (استوى) موضع (استولى) (٣).
وقال الأخفش: استوى (٤) أي: علا، تقول (٥): استويت فوق الدابة وعلى ظهر البيت أي علوته (٦).
(٢) في (ب): (واستولى).
(٣) قال أبو الحسن الأشعري في (الإبانة): (... فلو كان الله مستويا على العرش بمعنى الاستيلاء، وهو عز وجل مستول على الأشياء كلها، لكان مستويا على العرش وعلى الأرض وعلى السماء.... لأنه قادر على الأشياء مستول عليها.. لم يجز أن يكون الاستواء على العرش: الاستيلاء الذي هو عام في الأشياء كلها، ووجب أن يكون معناه استواء يختص العرش دون الأشياء كلها...) "الإبانة عن أصول الديانة" ص ٤٩. وذكر ابن تيمية اثني عشر وجها في الرد على من فسر ﴿اسْتَوَى﴾ معنى (استولى) ومن تلك الوجوه: أنه لم يرد عن أحد من الصحابة ولا التابعين لهم، بل تفسير حدث من المبتدعة بعدهم. ثم هو ضعيف لغة. انظر: "مجموع الفتاوى" ٥/ ١٤٤ - ١٤٩.
(٤) في (ب): (يقول: أي علا).
(٥) في (ب): (يقول) وفي "تهذيب اللغة" (وتقول) ٢/ ١٧٩٤.
(٦) انظر كلام الأخفش في "تهذيب اللغة" (لفيف السين) ٢/ ١٧٩٤.
وقوله تعالى ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾. حقيقة (التسوية) الجعل على الاستواء، يقال سويت الشيئين فاستويا، والفرق بينه وبين التقويم أن التسوية قد تكون بالحكم أن الشيئين يستويان، والتقويم لا يكون بالحكم، وإنما يكون
(٢) رجح ابن جرير: أن الاستواء بمعنى العلو، فقال -بعد أن ذكر الأقوال في الاستواء-: (وأولى المعاني) بقول الله جل ثناؤه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ﴾ علا عليهن وارتفع، فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات. والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾، الذي هو بمعنى العلو والارتفاع، هربا عند نفسه من أن يلزمه بزعمه -إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك- أن يكون إنما علا وارتفع بعد أن كان تحتها، إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر، ثم لم ينج مما هرب منه!، فيقال له: زعمت أن تأويل قوله: (استوى) أقبل، أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها؟ فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل، ولكنه إقبال تدبير، قيل له فكذلك، فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال، ثم لن يقول في شيء من ذلك قولا إلا ألزم في الآخر مثله، ولولا أنا كرهنا إطالة الكتاب بما ليس من جنسه، لأنبأنا عن فساد قول كل قائل قال في ذلك قولا، لقول أهل الحق فيه مخالفا....) "الطبري" ١/ ١٩٢. ونرى في سياق كلام الطبري أنه رجح في معنى (الاستواء) ما قال به السلف ثم أخذ يحاور المؤوّلين، ومن باب إلزام الحجة لهم قال: (قل: علا عليها علو ملك وسلطان...) ولا شك أن هذِه العبارة ليس من نهج السلف في الإثبات والله أعلم.
(٣) قول ابن عباس: إنه بمعنى صعد، كما ذكر الفراء ١/ ٢٥، وإنما أوله الزجاج بمعنى: يصعد أمره. انظر. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٥.
وجمع الكناية (٢) في ﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾ لأنه أراد بلفظ (السماء) جميع السموات كقولهم: كثر الدرهم والدينار في أيدي الناس، يراد الجمع (٣)، وكثيراً ما يذكر الواحد والمراد به الجمع، كقوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي﴾ [الشعراء: ٧٧] وقوله: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦]. وكما أنشده (٤) قطرب:
أَلاَ إِنَّ جِيرَانِي العَشِيَّة رَائِحٌ | دَعَتْهُمْ دَوَاعٍ مِنْ هَوى وَمنَادِحُ (٥) |
(٢) الكناية: الضمير.
(٣) ذكره الزجاج عن الأخفش، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٥، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢١٧، "معانىِ القرآن" للفراء ١/ ٢٥، وذكر هذا الرأي "الطبري"، وأختار غيره كما يأتي ١/ ١٩٣.
(٤) في (ب): (أنشد).
(٥) البيت لحيان بن جُلْبَة المحاربي، جاهلي ذكره أبو زيد في "نوادره" مع بيت بعده ص ٤٤٤، وكذا البكري في "معجم ما استعجم" ١/ ١٣٧، والسيوطي في "همع الهوامع" ٦/ ١١٩.
(٦) ذكره عند قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ البقرة: ١٩، ص ٥٤٧، وقد ذكر هذا الرأي "الطبري" واختاره ١/ ١٩٢، والزجاج ١/ ٧٥.
(٧) فجمع باعتبار تعدد أجزائها ونواحيها، انظر "الطبري" ١/ ١٩٣.
ولهذا علل كثيرة يذكر (٤) في غير هذا الكتاب (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾. أي من كفرهم ونفاقهم وكتمهم وصفك يا محمد.
وقيل: إنه لما ذكر ما يدل على القدرة والاستيلاء (٦) وصل (٧) ذلك بوصفه بالعلم، إذ به يصح الفعل المحكم المتقن. وقيل: هو (٨) بكل شي عليم من الخلق والتسوية (٩).
والآية لا تدل على أنه خلق السماء بعد الأرض، إنما تدل على أنه
(٢) في (ب): (تعليقه بعد ذلك).
(٣) الأول في العدد (ثلاثة) وفي المعدود المذكر، والثاني في العدد (ثلاثة) وفي المعدود المؤنث.
(٤) (يذكر) ساقط من (ب)، والأولى للسياق تذكر.
(٥) اختلف النحويون في علة ذلك على أقوال كثيرة، انظر بعض هذِه العلل في "جمل الزجاجي" ص ١٢٥، "وشرح جمل الزجاجي" لابن عصفور ٢/ ٣٠.
(٦) هذا من التأويل، بل (الاستواء العلو).
(٧) في (ب): (وصف).
(٨) في (ب): (وهو).
(٩) والأولى عموم ذلك، فالذي خلقكم وخلق لكم ما في الأرض، وسوى السموات السبع فأحكمهن واستوى على عرشه، لا يخفى عليه منكم شيء، انظر. "الطبري" ١/ ١٩٥، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٧، "الكشاف" ١/ ٢٧١، "القرطبي" ١/ ٢٢٣.
وكان أبو عمرو والكسائي يخففان (وهو)، (فهو) ويسكنان (الهاء) مع الواو والفاء واللام (٢).
وذلك أنهما يجعلان هذه الحروف كأنها من نفس الكلمة، لما (٣) لم يكن لها إذا (٤) أفردت معنى، فأشبهت في حال دخولها الكلمة ما كان من نفسها (٥).
وإذ كان كذلك خففت (الهاء) كما خففت (العينات) (٦) في (سَبُع)
(٢) الهاء إذا سبقت بالواو أو الفاء أو اللام أو ثم (وهو، فهو، ولهو، وثم، هو) فابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة يقرؤون بتحريك الهاء في ذلك كله، والكسائي بتخفيف ذلك وإسكان الهاء، وأبو عمرو يسكنها في القرآن ماعدا قوله تعالى: ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ [القصص: ٦١]، فيضم الهاء، وعن نافع روايتان التثقيل والتخفيف، انظر "السبعة" لابن مجاهد ص ١٥١، "الحجة" لأبي علي ١/ ٤٠٦، "الكشف" ١/ ٢٣٤، "التيسير" ص ٧٢، "النشر" ٢/ ٢٠٩.
(٣) في (ب): (مما لم).
(٤) في (ب): (إذ).
(٥) في (ب): (تقسيمها).
(٦) في (ب): (العينان).
ومثل تخفيفهم (٥) (لَهْو) قولهم: (أَرَاك مُنْتَفْخاً) (٦) لما كان (تَفِخًا) (٧)، مثل [كَتِف] (٨) خفف، وكذلك قراءة من قرأ (٩) ﴿وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ﴾ [النور: ٥٢]، لما كان (تَقِه) (١٠)، مثل (كتف) خفف.
ومثل ذلك ما أنشده الخليل:
أَلاَ رُبَّ مَوْلُودٍ وَلَيْسَ لَهُ أَبٌ | وَذِي وَلَدٍ لَمْ يَلْدهُ أَبَوَانِ (١١) |
(٢) قوله: (ولا يخففان) يعود على الكسائي وأبي عمرو، والصحيح (ولا يخفف أبو عمرو، أما الكسائي فإنه يخفف (ثم هو) انظر: "الحجة" ١/ ٤٠٧ - ٤٠٩، فلعل العبارة تصحيف، أو وهم من المؤلف.
(٣) إذا اتصل بالكلمة بخلاف (ثم)، انظر: "الحجة" ١/ ٤٠٨.
(٤) فجعلوا اللام كأنها من بنية الكلمة، وأبدلوها مكان (الراء).
(٥) في (ب): (تحقيقهم).
(٦) في (ب): (مستحقا).
(٧) الأصل في (تفخا) كسر الفاء، وخففت في (مُنْتَفْخاً) بالإسكان.
(٨) في جميع النسخ (كيف) والتصحيح من "الحجة" ١/ ٤٠٨، و (كتف) يخفف في لغة بإسكان الوسط فيقال. (كَتْف).
(٩) وهي قراءة حفص عن عاصم (ويَتَّقْه)، انظر "السبعة" ص ٤٠٨، "الكشف" ٢/ ١٤٠.
(١٠) أي أنه شبه (تقه) (كتف) حيث خفف الثاني بالإسكان.
(١١) البيت لعمرو الجنبي، ونسبه سيبويه لرجل من أزد السراة، والمولود الذي ليس له =
(١) في (أ)، (ج). (كيف) وأثبت ما في (ب) لأنه الصواب وموافق لما في "الحجة".
(٢) في (ب): (لا كان).
(٣) في (ب): (هوى).
(٤) في (أ)، (ج): (من ها ولا مكان) وأثبت ما في (ب) لأنه هو الصحيح وموافق لما في "الحجة" ١/ ٤٠٩.
(٥) في (ج): (ولم). ومن خفف هو الكسائي: انظر: "الحجة" ١/ ٤٠٩.
(٦) في (ج): (تقول).
(٧) في (ب): (ليس).
(٨) في (ب): (أقدموا).
(٩) فأدغموا الدال من (يد) في دال (داود) وهما في كلمتين منفصلتين وكذا (جعل لك).
(١٠) وهما في كلمة واحدة.
فَالْيَومَ أَشْرَبْ غَيْرَ (١) مُسْتَحْقِبِ (٢)
فـ (رَبْ غَيْ) (٣) مثل: (سبع)، وقد أسكن. وأنشد أبو زيد على هذ:
قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا دَقِيقًا (٤)
(٢) البيت لامرئ القيس وتمامه:
إِثْمًا مِنَ الله وَلَاَ واغِل
قاله بعد أن أدرك ثأره في أبيه، وكان قد نذر لا يشرب الخمر، فلما أدرك ثأره رأى أنه تحلل من نذره، والمستحقب: المتكسب، وأصل الاستحقاب حمل الشيء في الحقيبة، والواغل: الداخل على القوم يشربون ولم يدع. والبيت من "شواهد سيبويه" ٤/ ٢٠٤، "الحجة" ١/ ١١٧/، ٤١٠، ٢/ ٨٠، "نوادر أبي زيد" ص١٨٧، "الخصائص" ١/ ٧٤، ٢/ ٣١٧، ٣٤٠، ٣/ ٩٦، "شرح المفصل" ١/ ٤٨، "الهمع" ١/ ١٨٧، "الخزانة" ١/ ١٥٢، ٣/ ٤٦٣، ٤/ ١٠٦، ٤٨٤، ٨/ ٣٣٩، وفي "ديوان امرئ القيس" ص ١٢٢، برواية (أسقى) بدل أشرب، وعليه فلا شاهد فيه، وبهذا أخذ المبرد، ولكنه في "الديوان" ص ١٣٤، برواية (أَشربْ) والشاهد فيه عند النحويين، تسكين الحرف في أشرب، وحذف الضمة.
(٣) في (ب): (على)، وفي "الحجة" فـ (رب غ) أي أنه جعل آخر كلمة (أشرب) مع أول كلية (غير) مثل كلمة واحد كـ (سبع) فأسكن.
(٤) الرجز لرجل من كندة يقال له: (العُذَاِفِر الكندي) وبعده:
وهَات بُرَّ البَخْسِ أَوْ دَقِيقَا
وفي جميع المصادر (سويقا) بدل (دقيقًا)، أورده أبو زيد في "النوادر" ص ١٧٠، وفي "الحجة" لأبي على١/ ٦٧، ٤١٠، "التكملة" ص ٨، "الخصائص" ٢/ ٣٤٠، ٣/ ٩٦، "المنصف" ٢/ ٢٣٧، "اللسان" (بخس) ٦/ ٢٥. وبهذا البيت ينتهي ما نقله الواحدي في هذا الموضع من (الحجة) أبي علي الفارس بتصرف ١/ ٤٠٧، ٤١٠، وانظر: "الحجة في القراءات" لابن خالويه ص ٧٣، "الكشف" لمكي ١/ ٢٣٤، ٢٣٥.
قال المبرد: إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه المضي نحو قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ﴾ [الأنفال: ٣٠]، ﴿وَإِذْ تَقُولُ﴾ [الأحزاب: ٣٧] يريد: وإذ مكر، وإذ قلت. وإذا جاء (إذا) (٣) مع الماضي كان معناه الاستقبال (٤) كقوله: ﴿فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ﴾ [النازعات: ٣٤] و ﴿إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ﴾ [النصر: ١] أي يجيء (٥).
فإن قيل: إذا كانت (إذ) لما مضى (٦)، فكيف جاز (٧) ﴿وَإِذ قَالَ اللهُ
(٢) قال الثعلبي (إذ وإذا حرفا توقيت، إلا أن (إذ) للماضي و (إذا) للمستقبل وقد يوضع أحدهما موضع الآخر) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ أ، وذكر نحوه ابن الأنباري في (الأضداد) ص ١١٨، وكذا الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ١٣٧، وقال سيبويه: (إذا لما يستقبل من الدهر... وهي ظرف... وتكون إذ مثلها، "الكتاب" ٤/ ٢٣٢، وانظر: "مغني اللبيب" ١/ ٨٠، ٨٧.
(٣) في (ب): (إذ).
(٤) في (ب) كان معناه الاستقبال في (المعنى وفي اللفظ)، وهذِه الزيادة غير موجودة في (أ)، (ج). ولا في "تفسير الثعلبي" الذي نقل الواحدي عنه.
(٥) في (أ)، (ج). (تجئ) وفي (ب) بدون إعجام، والتصحيح من "تفسير الثعلبي"، انظر كلام المبرد في "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ أ، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ٢٢٣، ولم أجده بهذا النص فيما اطلعت عليه من كتب المبرد، انظر: "المقتضب" ٢/ ٥٢ - ٥٧، ٧٦، ٧٧، ١٧٦، ١٧٨، "تهذيب اللغة" ١/ ١٣٧، "الأضداد" لابن الأنباري ص ١١٨.
(٦) سبق قريبًا أن (إذ)، قد تأتي للمستقبل إذا شهر المعنى، ذكر هذا ابن الأنباري واستشهد بقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: ١١٠] انظر "الأضداد" ص ١١٨.
(٧) في (ب): (جاد).
والجواب أن هذا خرج على تقدير الاستقبال في المعنى، وفي اللفظ على صورة المضي (١)، لأن ما تحقق كونه فهو بمنزلة ما قد كان، كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٤٤]، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [الأعراف: ٥٠] وأشباهه (٢).
وقال أبو عبيدة: (إذ) هاهنا (٣) زائدة، معناه: وقال ربك للملائكة (٤). وأنكر الزجاج وغيره هذا القول (٥)، وقالوا (٦): إن الحرف إذا أفاد
(٢) انظر: "الأضداد" لابن الأنباري ص ١١٩، "تهذيب اللغة" ١/ ١٣٧.
(٣) في المكرر (في هذا الموضع).
(٤) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٥٩ ب، و"الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٩٥، وبنحو قول أبي عبيدة قال ابن قتيبة، انظر: "غريب القرآن" ص ٤٥.
(٥) قال الزجاج في رده على أبي عبيدة (هذا إقدام من أبي عبيدة، لأن القرآن لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بغاية تجري إلى الحق و (إذ) معناها الوقت، وهي اسم، فكيف يكون لغوا...)، "معاني القرآن" ١/ ٧٥، وممن أنكر على أبي عبيدة النحاس في "إعراب القرآن"، ١/ ١٥٦، و"الطبري" في "تفسيره" ١/ ١٩٥.
(٦) في المكرر (وهو أن الحرف إذا كان مفيدًا معنى...)، وفي (ب) (مقيد).
وقال أبو إسحاق (٢): إن الله جل ذكره ذكر خلق الناس في هذه الآية فكأنه قال: ابتدأ خلقكم إذ قال ربك للملائكة (٣).
وأكثر المفسرين (٤) على أن كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فالذكر فيه مضمر (٥).
وأما (٦) (الملائكة) فقال سيبويه (٧): واحدها ملك، وأصله مَلْأَك، مهموز، حذف همزه لكثرة الاستعمال، وأنشد:
فَلَسْتَ لإنْسِيٍّ ولكن لمَلْأَكٍ | تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السِّماء يَصُوبُ (٨) |
(٢) في المكرر (الزجاج).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٦.
(٤) في (ب): (المفسرون) وفي المكرر (وعند غيره من المفسرين...).
(٥) انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٧، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٤٠، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ٢٢٤.
(٦) (الواو) ساقطة من (ب).
(٧) انظر كلام سيبويه في (الكتاب) ٤/ ٣٧٩.
(٨) البيت لعلقمة الفحل، وقيل: لرجل من عبد القيس جاهلي، وقيل لأبي وجزة السعدي، وقد سبق تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ١٩] ص ٥٧٢.
(٩) أصلها (ملْأك)، يحذفون الهمزة منه، وينقلون حركتها إلى اللام وكانت مسكنة في حال همز الاسم. فإذا جمع الاسم ردوا الهمزة على الأصل فقالوا: (ملائكة)، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٩٧، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٠ أ، "مجاز القرآن" ١/ ٣٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٠، "تهذيب اللغة" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، =
١ - الملائكة جمع (ملك) على أصله في الهمز بعد القلب وهو (مَلْأَك) وأصل (مَلْأَك): (مَأْلكَ) لأنه من أَلكَ إذا أرسل، ووزنه على الأصل (مَفْعَل) فنقلت العين إلى موضع الفاء فصار (مَلْأكًا).
٢ - أنه مشتق من (لَأَك) إذأ أرسل، فاللام (فاء) والهمز (عين) ولا قلب فيه.
٣ - أنه مشتق من (مَلَكْت)، الميم أصلية ووزنه (فَعَلٌ) انظر "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٧٠.
(١) أي قلب المكان.
(٢) في (ب): (لؤك).
(٣) في (ب): (الملاك).
(٤) في (ج): (الفعل).
(٥) (له) ساقط من (ب).
(٦) قال مكي: قال أبو عبيد: هو مشتق -أي: ملك- من (لأك) إذا أرسل، فالهمزة عين ولا قلب فيه، انظر (مشكل إعراب القرآن) ١/ ٣٦، وقد أورد صاحب "اللسان" مادة (لأك) وتكلم عنها، ولم يذكر أنها مهملة، انظر "اللسان" (لأك) ٧/ ٣٩٧٥.
(٧) (لما) ساقطة من (أ)، (ج)، والسياق يقتضيها.
(٨) في (ب): (المألكه).
ومعنى (أَلكَ) في اللغة: علك، يقال الخيل تَأْلُك اللجم، بمعنى: تعلُك، والرسالة سميت (أَلُوكا) لأن الإنسان يَأْلُكُها، ويدير الكلام في فيه، كما يَأْلُك الفرس اللجام (٢).
فعلى هذا (ملك) وزنه (مَفَل) (٣)، وكان في الأصل (٤) (مَعْفَل)، لأنه مَلْأَك، هو مقلوب من (٥) (مأْلَك)، وأوردوا أن يكون مفعلًا من (الألوك)، إلا أنهم قلبوا كما ذكرنا (٦). هذا قول عامة أهل اللغة والنحو في هذا الحرف (٧).
وذهب بعض (٨) المتأخرين من أصحاب أبي علي الفارسي وهو أبو القاسم الزجاجي إلى خلاف ما ذهب إليه هؤلاء فقال: قول من يقول: إن تركيب ملك من (م، ل، ك) أولى من قول من يقول: إنه (مَفْعَل) (٩) من
(٢) ذكره الأزهري عن الليث، انظر: "تهذيب اللغة" (ألك) ١/ ١٨٤، وانظر "اللسان" (ألك) ١/ ١١٠.
(٣) بل الصواب وزنه (مَعَل) لأن المحذوف فاء الكلمة وهي الهمزة، انظر "البيان" ١/ ٧٠.
(٤) (في الأصل) ساقط من (ب).
(٥) في (ج): (عن).
(٦) انظر: "المحكم" (ل أك) ٧/ ٦٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٦، "البيان في غريب إعراب القرآن"، ١/ ٧٠.
(٧) في (ب): (الحروف).
(٨) في (ب): (ذهب المتأخرون).
(٩) انظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٦، "البيان" ١/ ٧٠، وقد رد ابن سيده القول =
وما يتركب من (م، ل، ك) هو في كلامهم الاستيلاء على الشيء وإجادته وإنعامه كملك الشيء وملك العجين، وإملاكه هو إنعام عجنه، ولا يصل إلى ذلك إلا بالاستيلاء عليه، وإملاك الرجل أن يجعله مالكًا لعقد النكاح، وكل شيء مكنت غيرك منه وجعلته له فقد أملكته (٢) إياه وملكته، وجميع ما يتركب من هذه الحروف راجع إلى ما ذكرنا، وهذا قد مر ذكره في قوله تعالى: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ﴾ [الفاتحة: ٤].
فـ (الْمَلكَ) (٣) اسم الجنس يقع على الواحد والجمع (٤)، ويدل على
(١) في (ب): (مَفْعُول).
(٢) في (ب): (أمكنته).
(٣) في (ب): (والملك).
(٤) من جعل (مَلَك) هو الأصل فهو مفرد جمعه (فعائلة) وهو جمع شاذ كما قال العكبري في (الإملاء) ١/ ٢٨، وقال أبو البركات ابن الأنباري: (مجيء هذا =
والله تعالى ذكره وإن كان قد ملك كل الخلق، فإنه أجرى هذه اللفظة على الجنس، لأنه (١) وصفهم فقال: ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: ١٦] وبهذه الصفة يجب أن يكون (٢) كُلٌّ مملوكاً (٣)، فلما وجد فيهم (٤) المعنى الذي يجب أن يكون عليه المملوك من الطاعة سماهم (الملك)، ومثل هذا الاختصاص كثير نحو: (ناقة الله) و (بيت الله).
قال (٥): وذكر ابن دريد في الجمهرة فقال: (ويجمع (الْملَكُ) أمْلاَكًا وَملاَئِك) (٦)، وهذا قد أزال (٧) الخلاف لأن (أَفْعَالاً)، لا يجوز أن يكون جمع ما في أوله ميم زائدة.
وحكى أبو القاسم الآمدي (٨) عن علي بن سليمان الأخفش (٩) أنه
(١) في (ب): (لأنهم).
(٢) (يكون) ساقطة من (ج).
(٣) في الأصل (مملوك) والتصحيح من المحقق.
(٤) في (ب): (منهم).
(٥) أي الزجاجي.
(٦) "جمهرة اللغة" ٢/ ٩٨١.
(٧) في (ب): (ارال).
(٨) هو الحسن بن بشر الآمدي البصري المنشأ، إمام في الأدب، قدم بغداد وأخذ عن الحسن بن علي بن سليمان الأخفش، والزجاج، وابن دريد، وفاتهم سنة سبعين وثلاثمائة، انظر ترجمته في: "إنباه الرواة" ١/ ٢٨٥، "معجم الأدباء" ٢/ ٤٦٩، "بغية الوعاة" ١/ ٥٠٠.
(٩) هو علي بن سليمان بن الفضل، أبو الحسن، المعروف (د) (الأخفش الصغير) =
وحكي عن العرب (مالك الموت) في (ملك الموت) فلولا أنهم عرفوا أن الأصل فيه (م ل ك) ما عبروا عن (ملَك) بمالك.
قال رويشد بن حنظلة (٢):
غَدَا مالِكٌ يَبْغِي نِسَائِي كَأَنَّمَا | نِسَائِي لسَهْمَيْ مَالِكٍ غَرَضَانِ |
فَيَارَبِّ فَاتْرُكْ لِي جُهَيْمةَ (٣) أَعْصُراً | فَمَالِكُ مَوْتٍ بِالْفِرَاقِ دَهَانِي (٤) |
(١) انظر كلام الأخفش في "الزينة" ٢/ ١٦٢.
(٢) خطأ الأكثرون هذا الشاعر، قال ابن سيده: (ورأيت في بعض الأشعار: مالك الموت في ملك الموت...) ثم ذكر البيت، ثم قال: (وهذا عندي خطأ، وقد يجوز أن يكون من جفاء الأعراب وجهلهم، لأن ملك الموت مخفف عن (مَلْأك)...) "المحكم" ٧/ ٤٧. وقال في موضع آخر: (فإنه ظن ملك الموت من (م ل ك) فصاغ (مالكا) من ذلك، وهو غلط منه، وقد غلط بذلك في غير موضع من شعره... وذلك أنه رآهم يقولون: (ملك) بغير همز، وهم يريدون: (مَلْأَك) فتوهم أن الميم أصل، وأن مثال ملك (فَعَل): كَفَلَك، وسَمَك، وإنما مثال (ملك): (مَفَل) والعين محذوفة ألزمت التخفيف إلا الشاذ.. ومثل غلط رويشد كثير في شعر الأعراب الجفاة) "المحكم" ٧/ ٦٩. وعقد ابن جني في "الخصائص" بابا في أغلاط العرب، وذكر أبيات رويشد، ثم قال: (وحقيقة لفظه غلط وفساد..)، "الخصائص" ٣/ ٢٧٣، ٢٧٤، انظر: "اللسان" (لأك) ٧/ ٣٩٧٥. وروشيد بن حنظلة لم أجد له ترجمة.
(٣) في (ب): (جهينة) وهي رواية في البيت.
(٤) ورد البيتان في "المحكم" ٧/ ٤٧، ٧/ ٦٩، "الخصائص" ٢/ ٧٢، ٣/ ٢٧٣، "اللسان" (لأك) ٧/ ٣٩٧٥.
وأما الجمع فالملائك (فعائل) كالجمائل في جمع الجمل (٧).
ويجوز أن يكون الملائك (مفاعلا)، وإن كان الواحد (فَعَلاً)، لأن باب الجمع ليس بمطرد ولا مقيس، ألا ترى أنهم قالوا في جمع القبح (٨):
(٢) في (ج): (يلبث).
(٣) في (ب): (الملك) والبيت هو ما احتج به سيبويه وغيره من أهل اللغة والنحو وهو قول علقمة الفحل أو غيره: فَلَسْتَ لِإنْسِيٍّ وَلَكِنْ لِمَلْأَكٍ. وقد سبق آنفاً.
(٤) في (أ)، (ج): (لا شاعر) واخترت ما في (ب) لأنه أصح في السياق.
(٥) (يَزْأَنِيّ) نسبة إلى ذي يزن من ملوك حمير نسبت الرماح له لأنه أول من عملت له، والأصل (يَزَنِيُّ) و (أزَنِي) وبعضهم زاد الهمزة فقال: (يَزْأَنِي) انظر "اللسان" (يزن) ٨/ ٤٩٥٦.
(٦) الأصل (حَلَّيْت السويق) أي جعلته حلوا وهمزه شاذ، انظر "سر صناعة الإعراب" ١/ ٩٠، ٤٢٠، "اللسان" (حلا) ٢/ ٩٨٣.
(٧) قوله (في جمع الجمل) ساقط من (ب). وقوله: (فعائل) هذا عند من يرى أن (الميم) في (ملك) أصلية، أما على قول الجمهور فجمعه (معافله) أو (مفاعلة)، انظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٦، ٣٧.
(٨) في (ب): (الفتح: مفاتح).
والأمر فيه عند المحققين أن كل لفظة من هذه الألفاظ التي وردت في الجمع مخالفة للقياس هي موضوعة للجمع من غير أن كُسِّر (٣) عليها الواحد، فالمحاسن لفظة نابت (٤) عن جمع الحسن، وكذلك (٥) أشباهها، هذا كلامه وهو طويل وقد (٦) اختصرته (٧).
وحكي عن النضر بن شميل، أنه قال في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه وهو مما فات (٨) علمه، فهذا الذي ذكرنا طرف من الكلام في أصل هذا الحرف (٩) على مقدار ما يليق بهذا الكتاب (على (١٠) صورة
(٢) في (ب): (وهذا جمع واجب يتبع).
(٣) أي: جمع تكسير.
(٤) في (ب): (ثابت).
(٥) في (ب): (وذلك).
(٦) في (ب): (وهو).
(٧) يريد كلام أبي القاسم الزجاجي وسيأتي في المكرر إشارة له بقوله: (وقال بعض المتأخرين أصله (ملك) كما هو الآن... فخالف بهذا القول جميع أهل اللغة، واحتج على ما ذهب إليه بما يطول ذكره) ولعل الواحدي ترك ذكر كلام الزجاجي مفصلا واكتفى عن ذلك بالإشارة إليه.
(٨) في (أ)، (ج): (مات) وما في (ب) موافق لما عند الثعلبي فقد نقل عنه الواحدي كلام النضر والتعليق عليه. "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ أ.
(٩) في (ب): (هذِه الحروف).
(١٠) قوله: (على صورة الماضي).. من هنا إلى قوله: (واحتج على ما ذهب إليه بما =
وقال أبو عبيدة (إذ) في هذا الموضع (٢) زائدة. معناه: وقال ربك للملائكة. وأنكر الزجاج وغيره هذا القول، وهو (٣) أن الحرف إذا كان مفيداً (٤) معنى صحيحاً لم يجز إلغاؤه، قالوا: وفي الآية محذوف معناه: واذكر يا محمد إذ قال لربك.
وقال الزجاج (٥): إن الله جل ذكره ذكر خلق الناس (٦) في هذه الآية فكأنه قال: ابتدأ خلقكم إذ قال ربك للملائكة. وعند غيره من المفسرين (٧): أن كل ما ورد في القرآن من هذا النحو فالذكر فيه مضمر.
و (الملائكة) (٨): الرسل واحدها مَلَك وأصله (مَأْلَك) وجمعها
(١) سورة الأعراف: ٤٤. وفي كلامه المكرر السابق أورد آيتين قال: (كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾، ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ﴾...)
(٢) هناك في المكرر قال: (هاهنا).
(٣) كذا ورد في جميع النسخ وفي الموضع السابق: (وقالوا: إن الحرف...).
(٤) في (ب): (مقيدًا).
(٥) في كلامه المكرر السابق (أبو إسحاق).
(٦) في (ب): (السموات).
(٧) في الكلام المكرر: (وأكثر المفسرين). وتخريج الأقوال والتعليق عليها ذكر في الكلام السابق فلا أطيل بإعادته.
(٨) تفسير لفظ (الملائكة) هنا مختلف عما سبق وأكثر اختصار منه.
ثم خفف (٥) بالحذف فقيل: ملك وأصله من المأْلُكة والمَأْلَكَة (٦) والألوك وهي: الرسالة، ويقال: ألِكْني (٧) إليه، أي: كن رسولي، وبلغ إليه رسالتي. قال لبيد:
وغُلَامٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ | بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ (٨) |
(٢) ويسمى قلبًا مكانيًا، انظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٦.
(٣) قال في "اللسان": (قُسي) و (قِسي) كلاهما على القلب عن (قُووس) وإن كان (قُووس) لم يستعمل استغنوا بقسيِّ عنه، فلم يأت إلا مقلوبا...) "اللسان" (قوس) ٦/ ٣٧٧٣.
(٤) في (أ) (شئمال وشأمل)، والصحيح ما أثبت كما في (ب) و (ج)، ومثله عند "الطبري"، وهو على القلب المكاني. انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٩٨.
(٥) في (ج): (خففت).
(٦) (والمألكة) ساقطة من (ب).
(٧) في (ب): (اللي).
(٨) ورد البيت في (ديوان لبيد) مع شرحه: ص ١٧٨، "تفسير الطبري" ١/ ١٩٨، "المعاني الكبير" ١/ ٤١٠، ٣/ ١٢٣٨، "الزاهر" ٢/ ٢٦٧، "المحكم" (أَلك) ٧/ ٦٨، "الخصائص" ٣/ ٢٧٥، "المنصف" ٢/ ١٠٤، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٢٤، "الدر المصون" ١/ ٢٥٠، "إملاء ما مَنَّ به الرحمن" ١/ ٢٧، "اللسان" (ألك) ١/ ١١٠. يقول (أرسلت هذا الغلام أمُّه برسالة فأعطيناه ما طلب).
والمعروف: يَلُوك (٤). وقال عبد بني الحسحاس (٥):
أَلِكني إليْهَا عَمْرَكَ اللهُ يَا فَتَى | بآيةِ (٦) مَا جَاءَتْ إليْنَا تَهَادِيَا (٧) |
فَلَسْتَ لإنسيٍّ ولكن لمَلأَكٍ (٩) | تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ (١٠) |
(٢) في (ب): (تألك، وتعضه، وتمضع) بالتأنيث في المواضع الثلاثة.
(٣) في (ب)، (ج): (الحديد).
(٤) "تهذيب اللغة" (ألك) ١/ ١٨٤.
(٥) هو سحيم عبد بني الحسحاس، أدرك الجاهلية والإسلام، ولا يعرف له صحبة، كان أسود شديد السواد وبنو الحسحاس: من بني أسد بن خزيمة. انظر ترجمته في: "الشعر والشعراء" ص ٢٥٨، "الخزانة" ٢/ ١٠٢.
(٦) في (أ)، (ج): (كآية) وما في (ب) تفسير موافق لجميع المصادر التي ورد فيها البيت.
(٧) ورد البيت في (ديوان سحيم): ص ١٩، و"الطبري" ١/ ١٩٨، "الخصائص" ٣/ ٢٧٤، "معجم مقاييس اللغة" ١/ ١٣٣، "مجمل اللغة" (ألك) ١/ ١٠٢، أساس البلاغة (ألك): ص ٨، "الخزانة" ٢/ ١٠٤. قوله: ألكني إليها: بلغها عني رسالة، والآية: العلامة، والتهادي: التمايل في المشي.
(٨) قوله: (فرد الملك إلى الأصل) ورد في (ب) بعد البيت وهذا أولى، والمعنى رد الملك إلى أصله وهو (ملأك).
(٩) في (أ) و (ج): (لها لا ك) وهو تصحيف يخالف رواية البيت المشهورة.
(١٠) سبق تخريج البيت.
ويقال في الجمع الملائكة والملائك، قال كثير:
كَمَا قَدْ عَمَمْتَ المؤْمِنِينَ بِنَائِلٍ | أَبَا (٣) خَالِدٍ صَلَّتْ عَلَيْكَ المَلاَئِكُ (٤) |
وقال النضر بن شميل في الملك: إن العرب لا تشتق فعله ولا تصرفه، وهو مما فات (٦) علمه.
وقال بعض المتأخرين (٧): أصله ملك كما (٨) هو الآن وهو بمعنى
(٢) انظر: "الكتاب" ٣/ ٤٦٦، ٤/ ٣٧٨، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٠٧.
(٣) في (ب): (اخالد).
(٤) ورد البيت في "المنصف" ٢/ ١٠٣، "البحر" ١/ ١٢٧، "الدر المصون" ١/ ٢٥١، غير منسوب فيها كلها.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (ملك) ٤/ ٣٤٤٩، (ألك) ١/ ١٨٤، "تفسير الطبري" ١/ ١٩٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٠، "مجاز القرآن" ١/ ٣٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ أ، "الكشاف" ١/ ٣٧١.
(٦) في (ج): (من مات عليه) وكلام النضر ورد في "تفسير الثعلبي" قال: وهو مما فات عليه ١/ ٦٠ أ. وقد سبق كلام النضر. وانظر التعليق عليه.
(٧) هو أبو القاسم الزجاجي ذكره فيما سبق قال: (وذهب بعض المتأخرين من أصحاب أبىِ علي الفارسي، وهو أبو القاسم الزجاجي...). والتعليق عليه هناك، حيث إن للزجاجي قولاً آخر يوافق الجمهور.
(٨) (كما) ساقطة من (أ) و (ج) والسياق يقتضيها.
و (الخليفة) الذي يخلف الذاهب أي يجيء بعده، ويقال للسلطان: خليفة لأنه يخلف من قبله، يقال: خلف فلان مكان فلان، يخلف [إذا كان في مكانه (٤).
اللحياني: خلف فلان فلانا في أهله وفي مكانه يخلفه، (٥) خلافة حسنة، وكذلك (٦) قيل: أوصى له بالخلافة، ويقال: خلفني ربي في أهلي وولد في أحسن الخلافة (٧).
وأصل الخليفة خليف بغير هاء، لأنه (فَعِيل) بمعنى: (فاعل)، كالعليم والسميع، فدخلت (الهاء) للمبالغة بهذا الوصف، كما قالوا: راوية (٨) وعلاَّمة (٩). وقال ابن السكيت: أما الخليفة فإنه وقع للرجال خاصة، وإن كان (١٠) فيه (الهاء)، ألا ترى أنهم قد جمعوه (خلفاء) كما
(٢) في (ب): (بالنقض).
(٣) وقد سبق ذكر احتجاجه مفصلاً في الكلام السابق.
(٤) أنظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٩٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ أ.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) في "تهذيب اللغة" (ولذلك) ١/ ١٠٨٩.
(٧) "تهذيب اللغة" (خلف) ١/ ١٠٨٩.
(٨) وفي (ج): (رواية).
(٩) انظر: "الزاهر" لابن الأنباري ٢/ ٢٤١، "الصحاح" (خلف) ٤/ ١٣٥٦، "اللسان" (خلف) ٢/ ١٢٣٥.
(١٠) (كان) ساقط من (ب).
أَبُوك خَلِيفَةٌ وَلَدَتْه أُخْرى | وَأَنْتَ خَلِيفَةٌ ذَاكَ الكَمَالُ (٣) |
(٢) سورة يونس: ١٤، وفي فاطر: ٣٩.
(٣) البيت استشهد به الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٠٨، ولم ينسبه، وورد في "الزاهر" ٢/ ٢٤٢، "والمذكر والمؤنث" لابن الأنباري: ص ٥٦٥، ونسبه لـ (نُصيب) قال المحقق: ليس في شعره، وورد في "تهذيب اللغة" (خلف) ١/ ١٠٩٠، "الصحاح" ٤/ ١٣٥٦، "اللسان" ٢/ ١٢٣٥، كلهم قالوا: أنشد الفراء.
والشاهد فيه: قوله: (أخرى) فأنث لتأنيث اسم الخليفة، والوجه أن تقول: ولده آخر. قاله الفراء.
(٤) هو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي، بالولاء، مدني روى عن أبيه زيد بن أسلم، ضعيف. مات سنة اثنتين وثمانين ومائة. انظر ترجمته في: "الجرح والتعديل" ٥/ ٢٣٣، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٥٠٧، "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ٢٧١.
(٥) ورد ضمن آثار رويت عن ابن عباس وابن مسعود وابن زيد ذكرها الطبري في "تفسيره" بسنده، وقد علق الأستاذ محمود شاكر على هذِه الآثار بكلام طويل، محصلته أن الطبري استدل بهذِه الآثار لبيان معنى لفظ (خليفة) وتحقيق معناه، ولم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه، وقد رجح الطبري: أن المراد بالخلافة خلافة قرن منهم قرنًا غيرهم، وأن الذي يفسد ويسفك الدماء غير آدم.
وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٥١ - ٤٥٣، وذكر نحوه ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٧٥ وساق الآثار على هذا.
قال المفسرون: وذلك أن الله تعالى خلق السماء والأرض، وخلق الملائكة والجن، فأسكن الملائكة السماء وأسكن الجن (٢) الأرض، فغبروا دهراً طويلاً في الأرض، ثم ظهر فيهم الحسد والبغي، فاقتتلوا وأفسدوا، فبعث إليهم جندا من الملائكة يقال لهم: الجن ورأسهم إبليس، وهم خزان الجنان، اشتق لهم اسم من الجنة، فهبطوا إلى الأرض، وطردوا الجن عن وجوهها إلى شعوب الجبال، وجزائر البحور، وسكنوا الأرض، وكانوا أخف الملائكة عبادة، لأن أهل السماء الدنيا أخف عبادة من الذين فوقهم، وكذلك أهل كل سماء، وهؤلاء الملائكة لما صاروا سكان الأرض خفف الله عليهم العبادة، وخلقت الملائكة كلها من نور غير هذا الحي (٣) الذين يقال لهم: الجن (٤)، فأحبوا (٥) البقاء في الأرض.
(٢) (الجن) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (الجن).
(٤) في "تفسير الطبري": (الحن) بالمهملة. قال شاكر في هامش "الطبري": في المطبوعة في موضعين (الجن) بالجيم وهو خطأ، يدل عليه سياق الأثر، فقد ميز ما بين إبليس، وبين الجن الذين ذكروا في القرآن.. والجن (بالجيم) أول من سكن الأرض، وإبليس جاء لقتالهم في جند من الملائكة..) "تفسير الطبري" ١/ ٤٥٥ (ط. شاكر).
(٥) في (ب): (واحبوا).
وإخبار (٢) الله تعالى الملائكة بهذا يكون على جهة البشارة لهم بمكان آدم كما جرت به سنته بالبشارة بالأنبياء قبل خلقهم وقبل إرسالهم (٣). ولا يكون ذلك (٤) على جهة المشاورة معهم (٥)، لامتناع
(٢) في (ب): (واختار).
(٣) أنظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ٧٤.
(٤) في (أ)، (ج): (على ذلك جهة) وأثبت ما في (ب)، لأنه أصح لاستقامة السياق.
(٥) أورد ابن أبي حاتم في "تفسيره" أثرًا منكرا عن السدي، وفيه: (فاستشار الملائكة في خلق آدم) قال المحقق: هذا خبر منكر، انظر "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٧٦. وأورده ابن كثير في تفسير، وقال: وهذِه العبارة إن لم ترجع إلى معنى الإخبار =
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ﴾. قال الفراء (١): أراد: فقالوا فحذف فاء النسق كقول الشاعر:
لمَّا رَأَيْتُ نَبَطاً أَنْصَارَا
شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِي الإزَارَا
كُنْتُ لَهْمْ مِنْ النَّصَارى جَارَا (٢)
أي: فكنت لهم. واختلفوا (٣) في قول الملائكة: (أتجعل فيها) على أي وجه حصل منهم هذا: فروي أن الذين قالوا هذا عشرة آلاف من الملائكة، فأرسل الله (٤) عليهم نارا فأحرقتهم (٥).
وقال بعض أهل المعاني: فيه إضمار واختصار، معناه: أتجعل فيها من يفسد فيها [ويسفك الدماء؟ أم تجعل فيها من لا يفسد فيها] (٦) ولا يسفك الدماء؟ كقوله تعالى: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ﴾ [الزمر: ٩]، يعني
(١) أنظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٤، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ ب.
(٢) أنشد الفراء الرجز ونسبه لبعض الأعراب "معاني القرآن" ١/ ٤٤، وأورده "الطبري" في "تفسيره" ١/ ٣١٨، والثعلبي ١/ ٦٠ ب، وهو في "الزاهر" ١/ ٢٢٥، "تفسير الماوردي" ١/ ١٣٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٩، "الدر المصون" ١/ ٤٠٧.
(٣) في (ب): (فاختلوا).
(٤) لفظ الجلالة غير موجود في (ب).
(٥) هذا الكلام ورد في رواية منكرة غريبة أخرجها ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن يحيى بن أبي كثير عن أبيه. قال المحقق: (منكر غريب)، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٧٨. وذكرها ابن كثير عن ابن أبي حاتم، وقال: (إسرائيلي منكر)، "تفسير ابن كثير" ١/ ٧٦.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
عَصَيْتُ إليْها القَلْبَ إِنِّي لِأَمْرِهَا | مُطِيعٌ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُهَا (٢) |
وقيل: لما قال الله: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ أشكل على الملائكة أن الخليفة ممن يكون، قالوا: يا ربنا أتجعل في الأرض خليفة كما كان بنو الجان مفسدين؟ أم تجعل خليفة من الملائكة؟ فإنا نسبح بحمدك، فلم يطلعهم الله على ذلك، فقال: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ أي (٧): أن فيهم المطيع والعاصي جميعاً (٨).
(٢) سبق ذكر البيت وتخريجه وشرحه في: ٢/ ٥٥.
(٣) في (ب): (رشد).
(٤) في (أ): (ولاعتراض).
(٥) ذكر نحوه الطبري ورجحه. انظر: "تفسير الطبرى" ١/ ٢٠٩ وهو قريب من قول الزجاج الآتي ذكره، انظر: "معاني القرآن" ١/ ٧٦، وانظر. "زاد المسير" ١/ ٦٠، "تفسير القرطبي" ١/ ١٣٥.
(٦) رجح الطبري أن الله أطلع الملائكة على ما يكون من ولد آدم، لأن ذلك يفهم من السياق، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢١٠.
(٧) في (ب): (إذ فيهم).
(٨) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٠٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ ب، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٦، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٣٥.
فإن قيل: فأين إخبار الله بذلك للملائكة فإنا لا نراه في القرآن؟ قيل: هو محذوف مكتفى بدلالة الكلام عليه، كأنه قال: (إني جاعل في الأرض خليفة) يكون من ولده إفساد (٨) في الأرض، وسفك للدماء (٩)، فحذف هذا اكتفاء (١٠) بما دل عليه من جواب الملائكة، كما
(٢) كذا في جميع النسخ وفي "معاني القرآن" (بالقاف) في الموضعين.
(٣) في (أ) و (ج): (يسفك)، و (ب) غير معجم، وفي "معاني القرآن" (تسفك) ١/ ٧٦.
(٤) (الواو) ساقطة من (ج).
(٥) في (أ) و (ج): (التثبت)، وما في (ب) موافق لما في "معاني القرآن" ١/ ٧٦.
(٦) في النسخ: (الخلق)، تحريف، والصواب ما أثبتنا من "معاني القرآن".
(٧) انتهى كلام الزجاج، انظر: "المعاني": ص ٧٧.
(٨) (إفساد) مكرر في (أ) و (ج).
(٩) في (ب): (الدماء).
(١٠) في (أ) و (ج): (اكتفى) وأثبت ما في (ب)، لأنه هو الأصوب.
فَلَا تَدْفِنُونِي إنَّ دَفْنِي مُحَرَّمٌ | عَلَيْكُمْ ولكن خَامِري أُمَّ عَامِرِ (٢) |
قال الزجاج: ويجوز أن يكون هذا القول من الملائكة على وجه استعلام وجه الحكمة، لا على الإنكار. معناه: كيف تجعل في الأرض من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبحك الآن إذ أجليناهم (٤) وصرنا سكانها، فأخبِرْنا (٥) وجه الحكمة فيه (٦).
(٢) البيت قاله الشنفرى الأزدي في قصة طويلة انظر تفاصيلها في "الخزانة" ٣/ ٣٤٤ - ٣٤٨، ويروى البيت (لا تقتلوني)، (إن قبري)، (ولكن أبشري) وفي "ذيل الأمالي" (لا تقتلوني)، (إن قتلي). وأم عامر: كنية الضبع و (خامري) أي استتري، يريد دنو الضبع مستخفية ملازمة لمكانها حتى تخالط القتيل فتصيب منه. والمعنى:
يقول لا تدفنوني بعد قتلي واتركوني للتي يقال لها (أم عامر).
ورد البيت في "تفسير الطبري" ١/ ٢١٠، "الحماسة بشرح المرزوقي" ٢/ ٤٨٧، "الشعر والشعراء" ص ٣١، "ذيل الأمالي" للقالي ٣/ ٣٦، "الخزانة" ٣/ ٣٢٧.
(٣) السؤال الذي ذكره الواحدي والإجابة عنه، ورد عند الطبري في "تفسيره" ١/ ٢١٠.
(٤) في (ب): (اخليناهم).
(٥) في (ب): (فأضرها).
(٦) نقل الواحدي كلام الزجاج بمعناه، ومنه قوله: (روي أن خلقًا يقال لهم: (الجان) كانوا في الأرض فأفسدوا وسفكوا الدماء. فبعث الله ملائكته فأجلتهم من الأرض، وقيل: إن هؤلاء الملائكة صاروا سكان الأرض بعد الجان.. إلخ) وهذا يوضح قول الواحدي: (ونحن نسبحك الآن إذ أجليناهم وصرنا سكانها). "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٦.
(٢) في (ب): (فعلوا).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٠ ب.
(٤) في (ب): (من).
(٥) ورد نحوه في رواية طويلة عن ابن عباس ساقها "الطبري" في "تفسيره"، وعلق عليها بأن الرواية أفادت أن القائل ذلك خاص من الملائكة وليس كلهم. وقد أخذ محمود شاكر من تعليق الطبري: أن الطبري لم يروه لاعتماد سنده وإنما لبيان أن الخطاب لبعض الملائكة، وأن قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا﴾ لم يكن عن علم بالغيب عرفوه، بل كان ظنا ظنوه).
انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٥٥ - ٤٥٨، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٨، "الدر المصون" ١/ ٤٥.
(٦) في (ب): (اسكنوا).
(٧) اعتمد الواحدي في هذا على ما ذكره شيخه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٠ ب. وورد نحوه عند أبي الليث في "تفسيره" ١/ ١٠٨. وهذا لا يتناسب مع منزلة الملائكة =
قال الحسن: معناه: يقول سبحان الله وبحمده (٣).
قال الأزهري (٤): أجمع المفسرون وأهل المعاني: أن معنى (٥) تسبيح الله، تنزيه الله وتبرئته عن السوء.
قال: وأصل التسبيح (٦) في اللغة، التبعيد من قولك: سبحت في الأرض، إذا تباعدت فيها، ومن هذا قوله تعالى: ﴿وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠]، فكل من أثنى على الله وبعّده من السوء، فقد سبح له (٧) ونزهه.
وقال بعض أهل المعاني: معنى قوله: ﴿نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ نتكلم بالحمد لك، والنطق بالحمد لله تسبيح له، كما قال: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ [الشورى: ٥] وقال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾ [النصر: ٣] أي:
(١) في (ب): (الله).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٢١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٧، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ٢٣٦، "زاد المسير" ١/ ٦١.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٠ ب.
(٤) "تهذيب اللغة" (سبح) ٢/ ١٦٠٩. نقل كلامه بتصرف.
(٥) في (ب): (على أن المعنى). وقوله: (أجمع المفسرون وأهل المعاني) ليس في "تهذيب اللغة".
(٦) (التسبيح) ساقط من (ج).
(٧) في (ب): (فقد سبح الله).
أَقُولُ لمّا (٤) جَاءَنِي فَخْرُهُ | سُبْحَانَ مِنْ (٥) عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ (٦) |
(٢) نحوه في "تفسير الطبري" ١/ ٢١١، "زاد المسير" ١/ ٦١، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٣٧.
(٣) انظر: "الكتاب" ١/ ٣٢٤، "تهذيب اللغة" (سبح) ٢/ ١٦٠٩.
(٤) في (ج): (لمن).
(٥) (من) ساقطة من (ب).
(٦) البيت للأعشى ضمن قصيدة يهجو بها علقمة بن علاثة العامري، ويمدح عامر بن الطفيل، لما تنازعا في الجاهلية على الرياسة في بني كلاب. وقد مات عامر مشركًا، وأسلم علقمة، ولهذا ورد أن النبي ﷺ نهى عن رواية القصيدة. يقول: أقول لما جاءني فخر علقمة على عامر: (سبحان من علقمة الفاخر)، أي أتعجب، سبحان الله منه، كذا خرجه بعضهم، وبهذا المعنى استشهد الواحدي به، وخرجه ابن فارس: بمعنى: ما أبعده، وبعضهم قال معنى (سبحان) في البيت: البراءة والتنزيه، وللراغب في "مفرداته" أقوال أخرى: ص ٢٢١. ورد البيت في "الكتاب" ١/ ٣٢٤، "مجاز القرآن" ١/ ٣٦، "المقتضب" في "تفسيره" ٣/ ٢١٨، "مقاييس اللغة" (سبح) ٣/ ١٢٥، "الزاهر" ١/ ١٤٤، و"الطبري" ١/ ٢١١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٨، "مفردات الراغب": ص ٢٢١، "الخصائص" ٢/ ١٩٧، ٤٣٥، "شرح المفصل" لابن يعيش ١/ ٣٧، ١٢٠، "الديوان": ص ٩٣.
ويأتي بقية القول في معنى (سبحان) (٢) عند قوله: ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا﴾ [البقرة: ٣٢].
وقوله تعالى: ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ (٣). أي: نطهرك وننزهك عما لا يليق بك من النقص. و (اللام)، فيه صلة (٤).
و (التقديس): التطهير، والقدس: الطهارة، والبيت المقدس: المطهر (٥). قال الزجاج: ومن هذا قيل للسطل: قدس، لأنه يتقدس منه، أي يتطهر (٦).
قال غيره (٧): والقُداس هو (٨) الجمان (٩) من فضة، لأنه أبيض نقي. قال الشاعر في وصف الدموع:
(٢) في (ج) (سبحانا).
(٣) (الواو) ساقطة من (ب).
(٤) ذكره الثعلبي ١/ ٦١ أ، وأجاز العكبري في (اللام) أن تكون بمعنى: لأجلك، أو زائدة أو تكون معدية للفعل مثل الباء، "الإملاء" ١/ ٢٨.
(٥) انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٨، "تهذيب اللغة" (قدس) ٣/ ٢٩٠٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦١ أ.
(٦) "شرح أسماء الله الحسنى" للزجاج: ص ٣٠، وانظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٠٠، "اللسان" (قدس) ٦/ ٣٥٤٩.
(٧) هو الليث كما في "تهذيب اللغة" (قدس) ٣/ ٢٩٠٠.
(٨) (هو) ساقط من (ب).
(٩) في (ب): (الجمال). والجمان: حب يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ، وقيل: خرز يُبَيَّض بماء الفضة. "اللسان" (جمن) ٢/ ٦٨٩.
قال أبو علي الفارسي: معنى نقدس لك: ننزهك عن السوء، فلا (٢) ننسبه إليك، و (اللام) فيه على حدها في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢] لأن المعنى تنزيهه، وليس المعنى أن ينزه شيء من أجله. فأما قولهم: (بيت المقدس) وقول الراجز:
الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ القَادِسِ (٣)
يدل على أن الفعل قد استعمل من التقديس، بحذف الزيادة، فإذا كان كذلك، لم يخل (المَقْدِس) من أن يكون مصدرا أو مكانا، فإن كان مصدرا كان كقوله: ﴿إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ (٤) ونحوه من المصادر، والتي (٥) جاءت على هذا المثال.
وإن كان مكاناً، فالمعنى: بيت المكان الذي جعل فيه الطهارة أو بيت مكان الطهارة، وتطهيره على إخلائه من الأصنام وإبعاده منها، كما جاء
تَحَدَّرَ دَمْعُ العَيْنِ مِنْهَا فَخِلْتُه
يصف تحدر دمعة العين بنظم القُدَاس إذا انقطع سلكه، والبيت غير منسوب، ذكره الأزهري في "التهذيب" (قدس) ٣/ ٢٩٠٠، والجوهري في "الصحاح" (قدس) ٣/ ٩٦١، وابن فارس في "مجمل اللغة" (قدس) ١/ ٧٤٥، "مقاييس اللغة" (قدس) ٥/ ٦٤، وورد في "اللسان" (قدس) ٦/ ٣٥٥٠.
(٢) في (ب): (ولا).
(٣) ورد في "الحجة" لأبي علي بدون نسبة "الحجة" ٢/ ١٥٢. ولم أجده في غيرها.
(٤) سورة الأنعام: ٦٠، ويونس: ٤. وفي (الحجة): (كقوله: ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾)، (الحجة) ٢/ ١٥٢. وهي جزء من آية في سورة آل عمران: ٥٥، والعنكبوت: ٨، ولقمان: ١٥.
(٥) (والتي) كذا وردت في جميع النسخ والأولى حذف الواو كما في "الحجة" ٢/ ١٥٢.
فعلى قول أبي علي (اللام) في (لك) صلة (٣).
وقال أبو إسحاق: معنى: (نقدس لك) أي نطهر أنفسنا لك.
قال: ومن هذا: البيت المقدس، أي: البيت المطهر، وبيت المقدس أي بيت المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب (٤).
فعلى هذا (اللام) لام أجل (٥)، أي نطهر لأجلك قلوبنا من الشرك، وأبداننا من المعصية.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾.
قال ابن عباس: يعني من إضمار إبليس العزم على المعصية، وما اطلع عليه من كبره (٦).
وقال ابن مسعود: ﴿مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ مما يؤول إليه أمر إبليس (٧).
(٢) أي كلام أبي علي، نقله بتصرف، انظر: "الحجة" ٢/ ١٥١، ١٥٢.
(٣) وهو قول الثعلبي كما مر قريبًا وذكر العكبري فيها أقوالًا أخرى، انظر: "الإملاء" ص ٧٠٦، تعليق رقم ٥.
(٤) انظر كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٧٨، ليس فيه قوله: (البيت المقدس) أي (البيت المطهر).
(٥) وبه أخذ العكبري، انظر: ص ٧٠٦، تعليق ٥، وانظر "الإملاء" "تفسير الطبري" ١/ ٢١١، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٣١.
(٦) أخرجه "الطبري" بسنده من طريق الضحاك، "تفسير الطبري" ١/ ٢١٢، وانظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٣٢، "الدر" ١/ ٩٥، "زاد المسير" ١/ ٦١.
(٧) أخرجه "الطبري" من طريق السدي عن مرة عن ابن مسعود، وعن أبي صالح عن ابن عباس ١/ ٢١٢، وأخرج ابن أبي حاتم نحوه ١/ ٧٩، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٣٢.
وقال الزجاج: معناه أبتلي من تظنون أنه مطيع فيؤديه الابتلاء إلى المعصية، ومن تظنون أنه عاص فيؤديه إلى الطاعة (٢).
وقيل: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ من تفضيل آدم عليكم، وما أتعبدكم به من السجود له، وأفضله به عليكم من تعليمي الأسماء، وذلك أنهم قالوا فيما بينهم: ليخلق ربنا ما يشاء، فلن يخلق خلقاً أفضل ولا أكرم عليه منا (٣).
وفتح أبو عمرو وابن كثير (الياء) في قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ [البقرة: ٣٠]، ﴿إِنِّي أَرَى﴾ (٤) عند الهمزة المفتوحة. وزاد أبو عمرو عند الهمزة المكسورة، مثل: ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ﴾ (٥).
وزاد نافع عند المضمومة، مثل: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ﴾ [الأعراف: ١٥٦]، ﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ﴾ [المائدة: ١١٥]، ﴿إِنِّي أُرِيدُ﴾ (٦).
(٢) ذكر كلام الزجاج بمعناه. انظر: "معاني القرآن" ١/ ٧٧، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٦٢.
(٣) لم أجد هذا القول فيما اطلعت عليه من كتب التفسير، والله أعلم.
(٤) سورة الأنفال: ٤٨، وسورة يوسف: ٤٣، وسورة الصافات: ١٠٢.
(٥) سورة يونس: ٧٢، سورة هود: ٢٩، وسورة سبأ: ٤٧.
(٦) (إني) ساقط من (ب). سورة المائدة: ٢٩، والقصص: ٢٧. =
فإن قيل: إن الحركة في حروف اللين مكروهة؟
قيل: الفتحة من بينها (٢) لا تكره، وإن كرهت الضمة والكسرة، ألا ترى أن (القاضي) ونحوه يحرك بالفتح (٣)، كما يحرك (٤) سائر الحروف التي لا لين لها (٥)، ألا ترى أن (غواشي) (٦) تجري في النصب مجرى
انظر: "السبعة" لابن مجاهد: ص ١٥٢، "الحجة" لأبي علي ١/ ٤١١، "الكشف" لمكي ١/ ٣٢٤، "تحبير التيسير": ص ٧٩، "البدور الزاهرة": ص ٢٨.
(١) أي حجة من قرأ بالفتح، والكلام منقول من "الحجة" بتصرف ١/ ٤١٤.
(٢) (بينها) ساقطة من (ج).
(٣) أي أن الاسم الذي آخره (ياء) مكسور ما قبلها لا يدخله جر ولا رفع لثقل ذلك، يدخله الفتح، ولذلك بني على الفتح، انظر "المقتضب" ٤/ ٢٤٨.
(٤) في (ج): (تحرك).
(٥) في (ج): (فيها) وهذا موافق لما في "الحجة" ١/ ٤١٤.
(٦) كذا في جميع النسخ وفي "الحجة": (.. أن الياء في (غواش)..) ١/ ٤١٤، قال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ﴾ [الأعراف: ٤١].
وقد اتفقوا أيضًا على تحركها بالفتح، إذا سكن ما قبلها، نحو بشراي (٢) وغلامي وقاضيّ، ورأيت غلاميّ (٣)،
فاجتماعهم على تحريكها بالفتح (٤) في هذا النحو يدل على أن ذلك أصلها إذا تحرك ما قبلها (٥).
وأما (٦) من أسكن هذه (الياءات) فحجته أن الفتحة مع (الياء) قد كرهت في (٧) الكلام، كما كرهت الحركتان (٨) الأخريان فيها، ألا ترى أنهم قد أسكنوها في الكلام في حال السعة إذا لزم تحريكها بالفتحة، كما أسكنوها إذا لزم تحريكها بالحركتين الأخريين (٩)، وذلك قولهم: (قالي قلا) (١٠)،
(٢) (ب): (براى).
(٣) الياء في (قاضي) ورأيت غلامي (مشددة) والأولى منهما ساكنة فتفتح (الياء) الثانية انظر: "الكتاب" ٣/ ٤١٤، ٤/ ١٨٧.
(٤) في (ب): (نحو في هذا النحو).
(٥) انتهى من بيان حجة من قرأ بفتح الياء في قوله: ﴿إِنِّي أَعْلَمُ﴾ والكلام من "الحجة" بتصرف ١/ ٤١٤. وانظر: "الحجة" لابن خالويه: ص ٧٤، "الكشف" لمكي ١/ ٣٢٤، "البيان" لابن الأنباري ١/ ٧٢٠.
(٦) في (ب): (وإنما من).
(٧) في (ب): (بالكلام).
(٨) في (ب): (الحركات). والحركات: هما الضمة والكسرة.
(٩) في (أ) و (ج): (الأخرين) وأثبت ما في (ب) لأنه أصح وموافق لما في "الحجة" ١/ ٤١٥.
(١٠) (قالي قلا) اسم مدينة بأرمينة، سميت باسم امرأة ملكتهم وبنت تلك المدينة وإليها ينسب بعض العلماء كالقالي، انظر: "معجم البلدان" ٤/ ٢٩٩.
و (الياء) في هذه المواضع في موضع الفتحة التي في آخر أول الاسمين، نحو: (حضر موت) و (بعلبك) وقد أسكنت كما أسكنت في الجر (٥) والرفع (٦).
ومما يؤكد الإسكان فيها أنها مشابهة (٧) للألف، والألف تسكن (٨) في الأحوال الثلاث (٩)، كذلك (الياء) تسكن. والدليل على شبه (الياء) الألف قربها منها في المخرج، وإبدالهم إياها منها في نحو (طائيٍّ) و (حاريٍّ) في
(٢) في (أ)، (ج): (معدي).
(٣) في (ب): (حرى).
(٤) ومنه قول العرب (لا أفعل ذلك حيري دهر). أي: أبداً. انظر "الكتاب" ٣/ ٣٠٧.
(٥) في (ب): (الخبر).
(٦) يقول: إن الأسماء المركبة مثل (قالي قلا) مما آخر الاسم الأول (ياء) فالياء تسكن، لأنها في وسط الاسم، ولأنها لو كانت معربة بالجر أو الرفع سكنت، كما تقول: (مررت بالقاضي). وكان ينبغي في هذِه الياء أن تفتح، كما فتح آخر الاسم الأول من المركب نحو (حضرموت) والذي جعل الاسمان فيه كاسم واحد، لأن الحركة تستثقل عليه، والفتح أخف الحركات، ولما ثقلت الفتحة على الياء لم يبق بعد الفتح إلا السكون. انظر: "الكتاب" ٣/ ٣٠٤، ٣٠٥، "المقتضب" ٤/ ٢١، "البيان" ١/ ٧٢.
(٧) في (ب): (متشابهه).
(٨) في (أ): (سكن) وفي (ب): (يسكن) وما في (ج) أصح في السياق وموافق لما في "الحجة" ١/ ٤١٦.
(٩) في (ب): (السبت).
لَنَضْرِبَنْ بِسَيْفِنَا قَفَيْكَا (٣)
كثر إسكان (الياء) في (٤) موضع النصب في الشعر لهذه المشابهة (٥)، حتى ذهب بعضهم إلى استجازته في الكلام (٦).
فأما حجة أبي عمرو حيث لم يفتح عند المضمومة، وفتح عند المفتوحة والمكسورة (٧)، هي: أن الهمزة قد فتحت لها (٨) ما لم يكن يفتح
(٢) قال سيبويه: ولا أراهم قالوا: طائي إلا فرارا من (طيئي) وكان القياس (طيئي) ولكنهم جعلوا الألف مكان الياء. "الكتاب" ٣/ ٣٧١.
(٣) البيت لأعرابي، ونسبه أبو زيد لراجز من حمير، يخاطب به عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- وقبله:
يَابنَ الزُّبَيْرِطَالَمَا عَصَيْكَا | وَطَالَمَا عَنَّيْتَنَا إِلَيْكَا |
والشاهد (قفيكا) حيث أبدل الألف ياء مع الإضافة للضمير، والأصل قفاكا، وبعضهم يجعله من ضرورة الشعر. وردت الأبيات في "النوادر": ص ٣٤٧، "الحجة" ١/ ٤١٦، "المسائل العسكرية" لأبي علي ص ١٥٨، "أمالي الزجاجي": ص ٢٣٦، "المحكم" ٦/ ٣٥٤، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٨٥، "الخزانة" ٤/ ٤٢٨.
(٤) (في) ساقطة من (ب).
(٥) أي مشابهة الياء للألف.
(٦) انتهى ما نقله المؤلف عن "الحجة" لأبي علي ١/ ٤١٥ - ٤١٧. في حجة من أسكن الياء في قوله: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ﴾ وانظر "الحجة" لابن خالويه: ص ٧٤.
(٧) مر بنا أن أبا عمرو يفتح (الياء) إذا وقع بعدها همزة مفتوحة أو مكسورة، ويسكنها إذا وقع بعدها همزة مضمومة.
(٨) في (ب): (قد فتحت لما لم تكن تفتح)، وفي "الحجة" (فتح لها ما لم يكن يفتح..) ١/ ٤١٧. وهو الصواب.
والمفتوحة والمكسورة (٣) سيّان (٤) في إتباع (الياء) لها في التحريك بالفتح، ألا ترى أنهم قد غيروا للهمزة (٥) المكسورة الحرف (٦) الذي قبلها، فقالوا: (الضِّئين) (٧) في جمع [الضَّائِن] (٨)، و (صأى صِئِيَّا (٩) ولم يفعلوا ذلك في (رؤوف) وكذلك لم تفتح (الياء) قبل الهمزة المضمومة (١٠) كما
(٢) في (ب): (يجاوز)، وفي "الحجة": (يجاور) ١/ ٤١٧.
(٣) في (ب): (من المكسورة).
(٤) في (أ): (شيان) وفي (ب): (سان) وأثبت ما في (ج)، لأنه أصوب وموافق للحجة ١/ ٤١٧.
(٥) في (ب): (الهمزة).
(٦) في (ب): (للحرف).
(٧) في (أ)، (ب) (الصيئن) وأثبت ما في (ج)، لأنه هو الصواب وموافق لما في (الحجة) ١/ ٤١٧.
(٨) في جميع النسخ (الضان) وفي (الحجة) (الضائن)، قال في "الصحاح": (الضائن) خلاف الماعز والجمع (الضأن) وقد يجمع على (ضئين) "الصحاح" (ضائن) ٦/ ٢١٥٣.
(٩) في (أ). (صآ. صئيا) وفي (ب): (صاصا) وفي (ج): (صاصيا) وفي (الحجة): (صأي، صئيا)، "الحجة" ١/ ٤١٧. و (الصِّئي) مثلثة: صوت الفرخ، والفيل والخنزير والفأر كلها تَصْأَى صِئِيّاً، انظر: "تهذيب اللغة" (صآ) ٢/ ١٩٥٥، "القاموس" (صأي): ص ١٣٠١.
(١٠) كما في قوله تعالى: ﴿عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ﴾ [الأعراف: ١٥٦].
فإن قيل: إن ما ذكرته من التغيير للهمزة المفتوحة والمكسورة إنما جاز في المتصل نحو (يقرأ) و (يبرأ) و (الضَّئين) و (الضَّئِي) (٢)، وما فعله أبو عمرو من فتح (الياء) مع المفتوحة والمكسورة منفصل.
قيل: شبه (٣) المنفصل بالمتصل. وقد ذكرنا أشياء من هذا في الحجة لمن خفف: (وهو ولهو) (٤).
ومن قال: إنه فتح (الياء) مع الهمزة، لتتبين (٥) (الياء) معها، لأنها خفية، كما بينوا (النون) مع حرف الحلق، وأخفوها مع غيرها، فإن هذه العلة لا تستقيم (٦)، لأنه (٧) يلزمه تحريك (الياء) مع الهمزة المضمومة لأن [النون تُبَيَّن مع الهمزة المضمومة كما تُبَيَّن مع المفتوحة والمكسورة، وأيضا
(٢) (الضئي) كذا وردت في (أ، ج) وكذا في "الحجة" ١/ ٤١٨، وفي (ب): (الضبي) ولم أعرف المراد به، والمعروف (ضأي): دق جسمه. انظر "تهذيب اللغة" (ضأي) ٣/ ٢٠٨٣، "اللسان" (ضأي) ٤/ ٢٥٤٢، "القاموس": ص١٣٠٤. ولعل المراد (الصئي) كما سبق أن مثل بها مع (الضئين).
(٣) في (أ)، (ج): (نشبه) وفي "الحجة": (يشبه) ١/ ٤١٨، وأثبت ما في (ب)، لأنه أولى بالسياق.
(٤) في (أ)، (ج): (وهو وهو) وأثبت ما فىِ (ب). وعبارة أبي علي في (الحجة): (قد ذكرنا منها أشياء في هذا "الكتاب" ١/ ٤١٨، وقد سبق هذا في: ٢/ ٣٠٦ - ٣٠٩.
(٥) في (أ)، (ج): (ليتبين) وما في (ب) أولى، وموافق لما في "الحجة" ١/ ٤١٨.
(٦) في (أ) (يستقيم). وعبارة أبي علي في (الحجة): (فإنا لا نرى أن أبا عمرو اعتبر هذا الذى سلكه هذا القائل، ولو كان كذلك لحرك (الياء)... إلخ) ١/ ٤١٨.
(٧) في (ب): (لا يلزمه).
فإن قلت: فإن الهمزة قد تفتح (٤) لها ما قبلها وإن كانت مضمومة، نحو: (يقرأ) في موضع الرفع، فهلا فتح (الياء) في ﴿عَذَابِي أُصِيبُ﴾ [الأعراف: ١٥٦].
قلنا: الضمة إذا كانت للإعراب (٥) لم يكن في حكم الضمة عندهم، ألا ترى أنهم قد (٦) قالوا: نَمِرٌ وكَتِفٌ، ونحو ذلك في الرفع، ورفضوا الضمة مع الكسرة في كلامهم (٧) فلم يجئ فيه (فُعِل) (٨).
٣١ - وقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ الآية. قال ابن عباس والحسن وقتادة: لما قال الله عز وجل للملائكة: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً﴾ قالوا فيما بينهم: ليخلق ربنا ما شاء، فلن يخلق خلقًا أفضل ولا أكرم عليه منا، وإن كان خيرًا منا فنحن أعلم منه، لأنا خلقنا قبله ورأينا ما لم يره،
(٢) في (أ)، (ج): (يتبين) وما في (ب) موافق للحجة.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب). وبهذا ينتهي الجزء الأول من "الحجة"، وقوله: (فإن قلت..) أول الجزء الثاني.
(٤) في (ب): (يفتح).
(٥) في (أ)، (ج): (الإعراب) وما في (ب) هو الصحيح وموافق للحجة ٢/ ٥.
(٦) (ق) ساقطة من (ب).
(٧) إذا لم تكن الضمة للإعراب، أما الضمة في (نمر وكتف) فهي للإعراب، فلم يمنعوا مجيء الكسرة قبلها.
(٨) هذا آخر ما نقله الواحدي عن كتاب "الحجة" لابن علي الفارسي في حجة أبي عمرو في فتح (ياء المتكلم) إذا لقيت همزة مفتوحة أو مكسورة، وتسكينها إذا لقيت همزة مضمومة. انظر: "الحجة" ١/ ٤١٧، ٢/ ٥.
ووجه تعليمه آدم: أن خلق في قلبه علماً بالأسماء على سبيل الابتداء، وألهمه (٢) العلم بها (٣).
وأما (آدم) فقال ابن عباس: إنما سمي آدم، لأنه خلق من أديم الأرض (٤).
ومثل هذا قال أهل اللغة فيما حكا الزجاج عنهم، قال: يقول أهل اللغة في آدم: إن اشتقاقه من أديم الأرض، لأنه خلق من تراب، وأديم
(٢) في (ب): (بالقاء).
(٣) (التعبير بـ (خلق) يوحي بما يذهب إليه الأشاعرة من القول بأزلية الصفات، ونفي ما يتعلق منها بمشيئة الله، ونفي أن الله متصف بالصفات الفعلية فيتكلم إذا شاء متى شاء، ويعلم عباده متى شاء. والله سبحانه أخبر أنه علم آدم الأسماء، فما المخول لتأويل ذلك بالخلق أو بالإلهام، قال ابن عطية. تعليم آدم عند قوم إلهام علمه ضرورة. وقال قوم: تعليم بقول، إما بواسطة ملك، أو بتكليم قبل هبوطه...) "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٣٣. قال أبو حيان -بعد أن ذكر الأقوال في هذا-: (أظهرها أن الباري تعالى هو المعلم لا بواسطة ولا إلهام) "البحر" ١/ ١٤٥. وهذا هو الموافق لنص الآية.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" قال شاكر: إسناده صحيح ١/ ٤٨٠ (ط. شاكر)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" بسند صحيح، كذا قال المحقق ١/ ٢٩٧، وذكره السيوطي في "الدر"، وعزاه إلى الفريابي، وابن سعد، وابن جرير وابن حاتم، والحاكم، والبيهقي في "الأسماء والصفات". انظر: "الدر" ١/ ١٠٠.
أبو عبيد عن الفراء قال: الأُدمة في الناس شُرْبة من سواد، وفي الإبل والظباء بياض، يقال: ظبية (٤) أدماء، ولم أسمع (٥) أحدا يقول للذكر من الظباء: آدم، ولو قيل، كان قياسا (٦). وقال ذو الرمة:
مِنَ المؤْلِفَاتِ الرَّمْلَ أَدْمَاءُ حُرَّةٌ | شُعَاعُ الضُّحَى في مَتْنِهَا يَتَوَضَّحُ (٧) |
فَقُلْتُ لَهُ هذه هَاتِهَا | بِأَدْمَاءَ في حَبْلِ مُقْتَادِهَا (٨) |
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) ونحوه قال الزجاج، انظر "تهذيب اللغة" (أدم) ١/ ١٣٤، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٠.
(٤) في (ب): (صبية).
(٥) في (ب): (يسمع).
(٦) الكلام في "تهذيب اللغة" منسوب لليث، وكلام أبي عبيد عن الفراء قال: الأدمة: الوسيلة إلى الشيء، يقال: فلان أدمتي إليك أي: وسيلتي. "التهذيب" (أدم) ١/ ١٣٤.
(٧) المُؤْلِفَات: التي اتخذت الرمال إلفا، يتوضح: يبرق، والبيت في وصف الظباء. ورد في "الكامل" ٢/ ٣٠٣. "تهذيب اللغة" (أدم) ١/ ١٣٤، "مقاييس اللغة" (ألف) ١/ ١٣١، "اللسان" (أدم) ١/ ٤٦، "ديوان ذي الرمة" ٢/ ١١٩٧.
(٨) قاله يخاطب خمارًا، يقول: هات الخمر بناقة برمتها، والأدماء: الناقة صادقة البياض سوداء الأشفار. ورد البيت في "التهذيب" (رم) ٢/ ١٤٧٤، "مقاييس اللغة" (رم) ٢/ ٣٧٩، "اللسان" (رمم) ٣/ ١٧٣٦، "ديوان الأعشى": ص ٥٨، وفيه (فقلنا) بدل (فقلت).
واختلف في هذه الأسماء التي علمها الله آدم، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك: علمه اسم كل شيء حتى القصعة والمغرفة (٢).
وظاهر اللفظ يدل على هذا، وعلى أنه علمه جميع اللغات، لأنه قال: الأسماء كلها، فيما وقع عليه الاسم بأي لغة كان داخل تحت هذا الإطلاق (٣)، على أنه قد قال جماعة من أهل التأويل: إن الله تعالى علم آدم
(٢) انظر أقوالهم في "تفسير الطبري" ١/ ٢١٥ - ٢١٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٨٠، والثعلبي ١/ ٦٢ أ، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٣٤، "تفسير ابن كثير" ١/ ٧٨.
(٣) وهذا ما رجحه ابن كثير حيث قال: (والصحيح أنه علمه أسماء الأشياء كلها ذواتها وصفاتها وأفعالها كما قال ابن عباس: حتى الفسوة والفسية، يعني أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر..) واستدل ابن كثير على هذا بالحديث الذي أخرجه البخاري وفيه: "فيأتون آدم فيقولون له: أنت أبو الناس، خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء.. " "تفسير ابن كثير" ١/ ٧٨. أما ابن جرير "الطبري" فرجح أن المراد: أسماء ذريته وأسماء الملائكة دون أساء سائر أجناس الخلق، واستدل على هذا بقوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾ وبأن العرب لا تكاد تكني بالهاء والميم إلا عن أسماء بني آدم والملائكة، أما إذا كنت عن أسماء البهائم وسائر الخلق سوى من ذكر فإنها تكنى عنها بالهاء والألف، أو بالهاء والنون فتقول: (عرضهن) أو (عرضها)، انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢١٦. وقد رد ابن كثير هذا الاحتجاج وقال: ليس بلازم، فإنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب. ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٧٨، وانظر "تفسير أبي الليث" ١/ ١٠٨ - ١٠٩، "البيان" ١/ ٧٢، "القرطبي" في "تفسيره" ١/ ٢٤١ - ٢٤٢.
وقال الزجاجي في قوله: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾: الأسماء (٣) على كثرتها عشرة أقسام (٤)، فمنها: أسماء الأشخاص التي نسميها الأعيان نحو: الشجر والجبل والأرض والمدر.
ومنها: أسماء المعاني، وهي (٥) أسماء الحوادث، ويسميها (٦)
(٢) هذا على قول من يرى أن أصل اللغة وحي لا اصطلاح، وقد أطال ابن جني في كتاب "الخصائص" بحث هذِه المسألة، ورجح أنها (وحي)، "الخصائص" ١/ ٤٠ - ٤٧.
(٣) (الأسماء) ساقط من (ب).
(٤) لم أجد هذا الكلام بهذا النص فيما اطلعت عليه من كتب الزجاجي، وهذا التقسيم اجتهادي، وللزجاجي تقسيم للأسماء غير هذا، قال في كتاب (اشتقاق أسماء الله)، (.... فالأسماء تنقسم أولا قسمين معرفة ونكرة... هذا أول انقسام الأسماء، ثم تتنوع بعد ذلك فتصير ستين نوعا...) ثم دخل في تفصيل هذِه التقسيمات، وقال في موضع آخر (... وقد ذكرنا أنواع الأسماء الستين في شرح كتاب الجمل مفسرة...) قال المحقق: لم يرد كتاب شرح الجمل ضمن كتب الزجاجي المعروفة، ولعل المراد به (الجمل الكبرى)، انظر: "شرح أسماء الله": ص ٢٦٧ - ٢٧٤. وذكر الثعلبي في "تفسيره" أن أقسام الاسم ثمانية ثم ذكرها، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٣ أ.
(٥) في (ب): (وهو).
(٦) في (أ) و (ج): (وتسميتها).
ومنها: أسماء الألقاب، نحو: زيد وعمرو فيمن يعقل، وفيما لا يعقل نحو: يحموم وسكاب وداحس (١)، أسماء أفراس الأعراب، أجريت عليها لقبا لا لمعنى، وهذا القسم (٢) غير الأول الذي هو من أسماء الأشخاص لأن أسماء الأشخاص لا يخلو من أن تكون جارية على مسمياتها لمعنى، لولا ذلك ما أجريت عليها، وزيد لم يسم زيدا لمعنى فيه (٣)، لأنه كان يجوز أن يسمى (٤) بكرا وخالدا.
ومنها: أسماء الأزمنة، كاليوم والليلة، والساعة وغد، وأمس.
ومنها: أسماء الأمكنة، وهي الجهات الست، نحو: قدام وخلف وفوق وتحت ويمنة ويسرة.
ومنها: أسماء الفاعلين نحو: الضارب والقاتل والآكل والشارب.
ومنها: أسماء المفعولين نحو: المضروب والمقتول.
ومنها: أسماء الحلي والشيات نحو: الأحمر والأصفر والأعرج والأحدب وما يجري مجراها.
ومنها: أسماء المكاني (٥) والمضمرات نحو: أنا ونحن (٦)، وأنت،
(٢) في (ب): (الأسمر).
(٣) (فيه) ساقط من (ب).
(٤) (أن يسمى) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (العاني).
(٦) (نحن) ساقطة من (ب).
والقسم العاشر خاص للعرب وهو أسماء الأفعال نحو قولهم: (صه) هو اسم موضوع لقولك (٢): (اسكت)، و (هيهات) لقولك: (٣) (ما أبعد)، و (مهلا) موضوع لقولك: (أمهل) وهذا الجنس قليل.
وكل هذه الأسماء، [قصد واضع اللغة فيها إلى أن يجريها على مسمياتها لمعان يتضمنها، إلا (٤) أسماء] (٥) الألقاب نحو: زيد وعمرو، فإن قولنا: (زيد) وإن كان مأخوذا من الزيادة فليس بحاو على مسماه لهذا المعنى، وليس فيه إلا تعريف شخص من شخص.
ولما صدقت العناية ببعض الأسماء دون بعض، أدرك معاني بعضها وموضوعه وحقيقته ومجازه وأصله وفرعه، وما لم يصدق (٦) العناية به أو قل التصرف فيه صار كالجامد الذي لا يعرف له أصل، ولا يخلو من أن يكون له معنى صحيح، لذلك المعنى ما سمي (٧) به، وإن لم يدركه الناس.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ﴾. يقال (٨): عرضت المتاع
(٢) في (ب): (كقولك سلت).
(٣) في (ب): (موضوع كقولك).
(٤) في (أ): (الأسماء).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) في (ب): (تصدق).
(٧) العبارة فيها غموض، ولعل فيها سقط أو زيادة، ولو حذفنا (ما) لاستقام المعنى.
(٨) في (ب): (فقال).
الليث: ويقال: أعرض الشيء أي: بدا وظهر، وأنشد:
إِذَا أَعْرَضَت (٢) دَاوِيَّةٌ (٣) مُدْلَهِمَّةٌ (٤)
أي بدت (٥).
وقال الفراء في قوله تعالى: ﴿وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا (١٠٠)﴾ [الكهف: ١٠٠]، أي أبرزناها حتى رأوها. قالوا (٦): ولو جعلت الفعل لها زدت ألفا، فقلت: أعرضت، أي (٧): استبانت وظهرت (٨). فجاء من هذا
(٢) في (ب)، (ج) (عرضت).
(٣) في (ب): (دويه).
(٤) تمامه.
وغَرَّدَ حَادِيَها فَرَيْنَ بِهَا فِلْقَا
نسبه في "الصحاح" إلى (سويد بن كرُاع العكلي)، قال: و (كرع) اسم أمه، واسم أبيه عمير و (الداوية): الفلاة الواسعة، والفلق: بالكسر الداهية والأمر العجب، ورد في "تهذيب اللغة" (عرض) ١/ ٢٣٩٨، "الصحاح" (فلق) ٤/ ١٥٤٤، "اللسان" (غرد) ٦/ ٣٢٣٢، و (عرض) ٥/ ٢٨٨٦.
(٥) الكلام في "تهذيب اللغة" منسوب لشمر وليس لليث. "التهذيب" (عرض) ١/ ٢٣٩٨، وفي "اللسان" (عرض) ٥/ ٢٨٨٦، غير منسوب.
(٦) كذا في جميع النسخ (قالوا) والصحيح (قال) كما في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٣٩٨.
(٧) في (ب): (على أي).
(٨) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ١٦٠، و"تهذيب للغة" (عرض) ١/ ٢٣٩٨، والعبارة نقلها الواحدي عن (التهذيب)، انظر "الصحاح" (عرض) ٣/ ١٠٨٤.
فإن قيل: فلم قال: ﴿عَرَضَهُمْ﴾ فجمع الكناية وهي عائدة على (٢) الأسماء؟
فالجواب ما قال مقاتل: وهو أن الله تعالى خلق كل شيء، الحيوان والجماد ثم علم آدم أسماءها، ثم عرض تلك الشخوص الموجودات على الملائكة (٣). وكنى عن الشخوص والمسميات [بقوله: ﴿هُمْ﴾ لأن فيها ما يعقل من الجن والإنس والملائكة، فالعرض يعود إلى المسميات] (٤) لا إلى الأسماء (٥).
وقال ابن زيد: علمه أسماء ذريته (٦)، وعلى هذا العرض يعود إلى الذرية.
(٢) في (ب): (إلى)
(٣) ذكر قول مقاتل الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٢ أ.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) ذكر نحوه الزجاج في "المعاني" ١/ ٧٨، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٢١٦ - ٢١٧، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٧٨. وقد قيل: إن الضمير (هم) يعود على الأسماء لا على المسميات. انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٣٥ - ٢٣٦، "القرطبي" ١/ ٢٤١.
(٦) ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٢١٦، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٢ أ، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٧٨، والسيوطي في "الدر" ١/ ١٠١، والشوكاني في "فتح القدير" ١/ ١٠٣.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾. أي: إن صدقتم أن الخليفة الذي أجعله في الأرض يفسد فيها ويسفك الدماء قاله ابن عباس، [وناس من الصحابة] (٧).
(٢) قال الطبري: (وقد زعم بعض نحويي أهل البصرة أن قوله: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ لم يكن ذلك لأن الملائكة ادعوا شيئا، إنما أخبر الله عن جهلهم بعلم الغيب... كما يقول الرجل للرجل:
(أنبئني بهذا إذ كنت تعلم) وهو يعلم أنه لا يعلم | ) ثم أخذ يرد عليه. "تفسير الطبري" ١/ ٢١٩. |
(٤) في (ج): (العد لادم).
(٥) انظر التعليق السابق على ما ذكر الواحدي في معنى تعليم الله آدم، وأنه بمعنى خلق به العلم بذلك: ص ٣٤٨.
(٦) انظرت "تفسير الطبري" ١/ ٢١٨، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٧٩.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب). والرواية عن ابن عباس، وعن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة أخرجها الطبري بسنده، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢١٨، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٢ أ، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٧٩، "الدر" ١/ ١٠١.
٣٢ - فقالت الملائكة إقراراً بالعجز واعتذاراً: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ (٢). قال ابن عباس: تنزيهاً لك وتعظيماً عن أن يعلم الغيب أحد (٣) سواك (٤). وقيل: تنزيهاً لك عن الاعتراض عليك في حكمك وتدبيرك (٥). وهو منصوب على المصدر عند الخليل والفراء، إذا قلت: (سبحان الله) (٦) فكأنك قلت: سبّحتُ الله تسبيحاً، فجعل السبحان موضع التسبيح، كما تقول: كفرت عن يميني تكفيراً، ثم يجعل الكفران في موضع التكفير فتقول: كفَّرت عن يميني كُفراناً (٧). وقد ينوب الاسم عن المصدر وتقول (٨): كلمته كلاماً، وسلم سلاماً، قال الله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ [الأحزاب: ٤٩].
وقال سيبويه: يقال: سبحت الله تسبيحاً وسبحاناً بمعنى واحد،
(٢) في (ج): (قالوا سبحانك).
(٣) في (ب): (أحدا).
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" من طريق الضحاك عن ابن عباس ١/ ٢٢١، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه لابن جرير ١/ ١٠١.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٢ أ.
(٦) عبارة الفراء: (سبحانك) منصوب على المصدر، كأنك قلت: سبحت لله تسبيحا..) "الزاهر" ١/ ١٤٥.
(٧) كلام الفراء في "الزاهر" ١/ ١٤٥، وقول الخليل في "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٢ أ، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٠، "البيان" ١/ ٧٢، "الإملاء" ١/ ٢٩.
(٨) في (ج): (ويقوله).
سُبْحَانَ مِنْ عَلْقَمَةَ الفَاخِرِ (٢)
أي براءةً منه (٣).
وقال النضر: رأيت في المنام كأن إنساناً فسر لي سبحان الله، قال: أما ترى الفرس يسبح، يريد السرعة، سبحان الله: السرعة إليه (٤). وقد ذكرنا معنى التسبيح عند قوله: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ (٥).
وقوله تعالى: ﴿لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا﴾. قال المفسرون وأهل المعاني: هذا اعتراف (عن) (٦) الملائكة بالعجز عن علم ما لم يعلموه فكأنهم قالوا: لا علم لنا إلا ما علمتنا (٧)، وليس هذا مما علمتنا [في
(٢) البيت سبق تخريجه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ﴾ [البقرة: ٣٠]: ٢/ ٣٣٦.
(٣) انظر كلام سيبويه في "الكتاب" ١/ ٣٢٢ - ١/ ٣٢٤، "تهذيب اللغة" (سبح) ٢/ ١٦٠٩، والنص من "التهذيب".
(٤) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (سبح) ٢/ ٢٦١٠.
(٥) سورة البقرة: ٣٠، انظر: ٢/ ٣٣٥ - ٣٣٧.
(٦) (عن) في جميع النسخ ولو كانت (من) كان أولى.
(٧) انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٠، "البحر المحيط" ١/ ١٤٧، "ابن كثير" ١/ ٧٩، " البيضاوي" ١/ ٢١.
ولو قالوا: (لا علم لنا بهذا) كان جواباً، ولكن لا يكون متضمناً تعظيم الله والاعتراف بأن جميع علمهم من عنده.
وقيل: إنه تلطّف في طلب علم ما لم يعلموه، وتوبة عن قولهم: ﴿أَتَجْعَلُ فِيهَا﴾ من غير علم لهم بذلك، نبههم الله تعالى بعجزهم عن أسماء الموجودات على أن من جهلها فهو أجهل بأحكام الغائبات، وفي هذا التنبيه إشارة إلى نهيهم عن الحكم لأنفسهم بالطاعة، فإنه لا علم لهم بالعواقب، فإن أمر العواقب (٢) مستور، ففيه تنبيه عن (٣) خطئهم في الأمرين جميعا.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ﴾. أي العالم غير المعلم (٤). (الحكيم) (٥) في خلقك الخليقة، ومعنى: (الحكيم) هو المحكم للأشياء (٦) صرف من (مُفْعل) إلى (فَعِيل) كالسميع في قوله:
أَمِنْ رَيْحانَةَ الدَّاعي (٧) السَّمِيعُ (٨)
(٢) قوله (فإن أمر العواقب) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (على) وهو أولى.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٢١.
(٥) (الحكيم) مكرر في (ب).
(٦) في (ب): (الأشياء).
(٧) في (أ)، (ب) (الراعي) وهذا خلاف المشهور في البيت.
(٨) البيت لعمرو بن معد يكرب، وقد سبق تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٠]: ٢/ ١٥٤.
قال ابن المظفر (٢): والحُكم: العِلم (٣)، قال الله تعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا﴾ [مريم: ١٢]. أي: العلم، والحكم: القضاء بالعدل أيضا.
قال النابغة:
وَاحْكُمْ كَحُكْمِ فَتَاةِ الحَيِّ إذْ نَظَرَتْ | إِلَى حَمَامٍ سِرَاعٍ وَارِدِ الثَّمَدِ (٤) |
(٢) هو الليث. انظر كلامه في "تهذيب اللغة" (حكم) ١/ ٨٨٥
(٣) في "تهذيب اللغة": (العلم والفقه).
(٤) البيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمدح فيها النعمان، ويعتذر إليه مما بلغه عنه فيما وشي إليه به. وقد ألحقت بالمعلقات السبع لما فيها من الجودة. يقال: احكم، أي: كن حكيمًا في أمرك مصيبًا في الرأي وهذا هو المعنى المشهور في البيت ذكره الأزهري في "التهذيب" عن ابن السكيت، واستشهد الليث به على أن معنى (احكم) من القضاء بالعدل. كحكم فتاة الحي إذ أصابت ووضعت الأمر موضعه حينما نظرت إلى الحمام فاحصتها ولم تخطئ في عددها. ويروى (سراع) و (شراع) بالشين، وهي الواردة للماء. والثمد: الماء القليل، ورد البيت في "التهذيب" (حكم) ١/ ٨٨٥، "الصحاح" (حكم) ٥/ ١٩٠٢، "اللسان" (حكم) ٢/ ٩٥١، "ديوان النابغة" ص ١٤.
(٥) (به) ساقط من (ب). بهذا المعنى أخذ الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٢١، وانظر =
أَحْكَمَ الجِنْثِيَّ مِنْ عَوْرَاتِهَا (٢) | كُلُّ حِرْبَاءٍ إِذَا أُكْرِهَ (٣) صَلّ (٤) |
قال الأزهري: والعرب تقول: حَكَمْتُ وأَحْكَمْتُ وحَكَّمْتُ بمعنى: رَدَدْتُ ومَنَعْتُ، ومن هذا قيل للحاكم: حاكم، لأنه يمنع الظالم من الظلم (٧).
(١) (قال) ساقط من (ب).
(٢) في (ب): (عوارتها).
(٣) في (ب): (احكم ضل).
(٤) للبيت روايتان: نصب (الجنثي) ورفع (كل) -وهي رواية الأصمعي التي ذكرها الأزهري- فيكون المراد بالجنثي السيف، وأَحْكَمَ بمعنى: منع ورد، فلم يصل السيف، ومنعه الحرباء، والعورات: الفتوق واحدها عورة، والحِرْبَاء: المسمار في حلق (الدرع)، إذا أكره ليدخل في الحلق سمعت له صليلا. والرواية الثانية: رفع (الجنثي) ونصب (كل) فيكون المراد بالجنثي: الحداد أو الزراد، ويكون أحكم من الإحكام للصنعة، كذا خرَّجه ابن قتيبة في "المعاني الكبير" ٢/ ١٠٣٠، وانظر "التهذيب" (حكم) ١/ ٨٨٥، "اللسان" (صلل) ٤/ ٢٤٨٦، و (حكم) ٢/ ٩٥١، "شرح ديوان لبيد": ص ١٩٢.
(٥) في (ب): (عوارت).
(٦) انظر كلام الأصمعي في "التهذيب" (حكم) ١/ ٨٨٥.
(٧) "تهذيب اللغة" (حكم) ١/ ٨٨٥.
أَبَنِي حَنِيفَةَ أَحْكِمُوا سُفَهَاءَكُمْ (١)
يقول: امنعوهم من التعرض (٢). وروي عن النخعي أنه قال: حَكِّم اليَتِيم كما تُحَكَم ولدك (٣). قال أبو عبيد: يقول: امنعه من الفساد، قال: وكل من منعته من شيء فقد حَكّمْتَه وأَحْكَمْتَه (٤)، وأنشد بيت جرير (٥). والحِكْمَة: هي العلم الذي يمنع [صاحبه] (٦) من الجهل، والحاكم الذي يمنع من الجور، وكل عمل مُحَكَم (٧) فقد منع من الفساد (٨).
إني أخاف عليكم أن أغضبا
ورد البيت في "تهذيب اللغة" (حكم) ١/ ٨٨٥. وفيه (بني حنيفة) "الكامل" ٣/ ٢٦، وفيه (نهنهوا) بدل (أحكموا)، أي أزجروا، "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ٤٢١، "الزاهر" ١/ ٥٠٣، "مجمل اللغة" (حكم) ١/ ٢٤٦، "اشتقاق أسماء الله": ص ٦١، "الصحاح" (حكم) ٥/ ١٩٠٢، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٢ ب، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٤٦، "الدر المصون" ١/ ٢٦٨، "الخزانة" ٩/ ٢٣٦.
(٢) "التهذيب" (حكم) ١/ ٨٨٥.
(٣) ذكره أبو عبيد قال: حدثنيه ابن مهدي عن سفيان عن منصور عن إبراهيم. "غريب الحديث" ٢/ ٤٢١، "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٥.
(٤) المراجع السابقة.
(٥) أي: أبني حنيفة.. البيت.
(٦) (صاحبه) ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (متحكم).
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" (حكم) ١/ ٨٨٥. "الصحاح" (حكم) ٥/ ١٩٠١. "المجمل" (حكم) ١/ ٢٤٦. "اللسان" (حكم) ٢/ ٩٥١.
وفي الآية اختصار، معناه: فلما أنبأهم بأسمائهم، تحقق عندهم أن الله يعلم من العواقب ما لا يعلمون، فلما علموا ذلك (٢)، قال الله: ﴿أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ﴾ و (لم) حرف نفي وصل بألف الاستفهام، فصار بمعنى الإيجاب والتقرير (٣)، كقول جرير:
أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا (٤)
وفيه أيضًا معنى التوبيخ (٥) لهم على ما سلف من خطاهم (٦).
(٢) وما ذكره مفهوم من السياق.
(٣) انظر: "الوسيط" للمؤلف ١/ ٨٠، "معاني القرآن" للأخفش١/ ٢١٩، "البحر" ١/ ١٥٠، "الدر المصون" ١/ ٢٧٠، "شرح المفصل" ٨/ ١٢٣، "مغني اللبيب" ١/ ١٧.
(٤) البيت من قصيدة لجرير يمدح عبد الملك بن مروان وعجزه:
وَأَنْدى العَالمِينَ بُطُونَ رَاح
أندى: أكثرهم جوداً، الراح: جمع راحة وهي الكف، ورد البيت في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢١٩، وفي (الخصائص) ٢/ ٦٤٣، ٣/ ٢٦٩، "المصون في الأدب": ص ٢١، "شرح المفصل" ٨/ ١٢٣، "مغني اللبيب" ١/ ١٧، و"شرح ديوان جرير" ص ٧٤.
(٥) (التوبيخ) ساقط من (ب).
(٦) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب (من خطئهم) أو (من أخطائهم). انظر معنى الآية في "تفسير الطبري" ١/ ٢٢١.
وفيه أيضا مضاف مقدر، والمعنى: إني أعلم ذوي غيب السموات والأرض ما غاب فيها [عنكم، ومثله على هذا التقدير قوله: ﴿وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ (٢) أي: له ما غاب فيها] (٣) ملكاً وخلقاً.
ويجوز أن يكون له علم ما غاب (٤) فيها، فيكون المضاف محذوفاً.
وقوله تعالى: ﴿وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾. أي: أعلم سرّكم وعلانيتكم، لا يخفى علي شيء من أموركم (٥).
وقال ابن عباس: ما تبدون من قولكم: (أتجعل فيها من يفسد فيها)، (وما كنتم تكتمون) من إضمار إبليس الكفر (٦).
وعلى هذا التأويل قال: (تكتمون) بلفظ الجمع، وإن كان المراد به
(٢) سورة هود: ١٣٢، وسورة النحل: ٧٧.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٣/ ٢١٤.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٢، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨٠
(٦) أخرجه ابن جرير بسنده من طريق السدي، عن ابن عباس وابن مسعود وناس من الصحابة في "تفسيره" ١/ ٢٢٢، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨٠، "الدر" ١/ ١٠١.
وقال الحسن وقتادة في قوله: ﴿مَا تُبْدُونَ﴾ كقول ابن عباس، (وما تكتمون) يعني قولهم: لن يخلق (٢) خلقاً أفضل ولا أعلم منا (٣).
وقد يبقى في هذه الآية سؤال لم يجد (٤) أحداً ممن تكلم في تفسير القرآن ولا في معانيه تعرض [له] (٥)، وهو من مهم ما يسأل عنه (٦). وذلك أن يقال: من أين علمت الملائكة لما خبرها (٧) آدم عليه السلام بتلك الأسماء صحة قوله، ومطابقة الأسماء المسميات؟ وهي لم تكن (٨) عالمة بذلك من قبل، إذ لو كانت عالمة لأخبرت بالأسماء، ولم تعترف بفقد العلم. والكلام يقضي أنهم لما أنبأهم آدم بالأسماء، علموا صحتها ومطابقتها للمسميات (٩)، ولولا ذلك لم يكن لقوله (١٠): {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ
(٢) في (ب): (لن يخلق الله..).
(٣) ذكره الثعلبي ١/ ٦٢ ب، وأخرجه الطبري عنهما ١/ ٢٢٢، وابن أبي حاتم ١/ ٨٢، وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ١٠٢، و"ابن كثير" ١/ ٨٠.
(٤) كذا في جميع النسخ، والمعنى: لم يتعرض أحد لهذا السؤال.
(٥) (له) ساقطة من (ب).
(٦) بل إن في هذا السؤال شيئاً من التكلف، ولا فائدة كبيرة من معرفة جوابه، ولا ينبني عليه حكم، وقد ذكر الرازي هذا السؤال والإجابة عنه بنحو ما ذكر الواحدي هنا فلعله نقل عنه ٢/ ١٧٧.
(٧) في (ب): (حرها).
(٨) في (أ): (يكن) وما في (ب) و (ج) أصح في السياق.
(٩) يمكن أن يعلموا صحتها بمجرد إخبار آدم عليه السلام بالأسماء، وإقرار الله له على ذلك، وعلى هذا فلا داعي لتحمل الإجابة عن هذا السؤال.
(١٠) في (ب): (كقوله).
والجواب: أنه (١) غير ممتنع أن تكون الملائكة في الأول غير عارفين بتلك الأسماء فلما أنبأهم آدم عليه السلام بها، خلق الله تعالى (٢) لهم في الحال العلم الضروري بصحتها ومطابقتها للمسميات، إما من طريق، أو ابتداء بلا طريق، فعلموا بذلك تمييزه (٣) واختصاصه (٤).
ووجه آخر: وهو أنه لا يمتنع أن تكون للملائكة لغات مختلفة، فكل قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس في لغته دون لغة غيرها، فلما أراد الله تعالى التنبيه على فضيلة آدم، علمه (٥) تلك الأسماء، فلما أخبرهم بها علم كل فريق (٦) مطابقة ما أخبر به من الأسماء للغته وعلم مطابقة ذلك لباقي اللغات بخبر كل فريق وإذا أخبر كل قبيل صاحبه علم بذلك من لغة غيره ما علمه من لغته (٧)، وهذا الجواب يقتضي أن يكون معنى قوله: ﴿أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ﴾ أي: ليخبرني كل قبيل منكم بجميع الأسماء.
(٢) انظر التعليق السابق على ما ذكر الواحدي عن معنى تعليم الله آدم، وأنه بمعنى: خلق له العلم بذلك: ٢/ ٣٤٨.
(٣) في (ب): (تميزه) وهو الأصوب.
(٤) قال الرازي: (.. ولا يمتنع أن يقال: إنه تعالى عرفهم قبل أن يسمعوا من آدم عليه السلام تلك الأسماء، ما استدلوا به على صدق آدم).
(٥) في (ب): (علمهم).
(٦) في (أ): (فريق منهم).
(٧) هذا من التكلف الذي لا دليل عليه.
وقوله: ﴿قُلْنَا﴾ [هو من خطاب الأكابر والعظماء، يقول الواحد منهم: فعلنا وقلنا، لعلمه بأن أتباعه يفعلون] (٣) كفعله، ويجرون على مثل أمره، فأخبر الله تعالى عن نفسه على الجمع، لأنه ملك الملوك، وكل من في السموات والأرض له خلقاً (٤) وملكاً (٥). وعلى هذا خوطب في الجواب في قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ [المؤمنون: ٩٩] معناه: يا رب ارجعني، فلما أخبر جل اسمه (٦) عن نفسه [بالجمع خوطب بمثل ذلك (٧).
وقوله: ﴿لِلْمَلَائِكَةِ﴾ اختلفوا في] (٨) الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم من هم؟ فقال بعضهم: هم الذين كانوا مع إبليس في الأرض (٩).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٠، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٢٤، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٣، وقال مكي: منصوب بفعل مقدر (اذكر) مثل (إذ) قلبها. انظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٥.
وقيل: زائدة، قاله أبو عبيدة في "المجاز" ١/ ٣٧، وضعفه أبو حيان. انظر: "البحر" ١/ ١٥٢، "الدر المصون" ١/ ٢٧١.
(٣) ما بين المعقوفين مكرر في (أ).
(٤) في (أ): (خلفاء) وما في (ب)، (ج) أصح.
(٥) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٣٨، والقرطبي ١/ ٢٤٨، (البحر) ١/ ١٥٢.
(٦) (جل اسمه) ساقط من (ب).
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٢١.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٩) ورد هذا ضمن الخبر الطويل عن ابن عباس، الذي أخرجه الطبري، وهو ضعيف =
وقوله: ﴿اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ أصل السجود في اللغة الخضوع والتذلل، وكل من ذل وخضع لما أمر به فقد سجد، ومنه قوله تعالى: ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ﴾ [النحل: ٤٨] أي: خُضَّعاً مسخرة (٣) لما سخرت له، وسجود كل موات في القرآن، طاعته لما سخر له (٤).
وقال أبو عبيدة: عين ساجدة إذا كانت فاترة، والسُّجَّد من النساء الفاترات الأعين، ونخلة ساجدة إذا مالت لكثرة حملها (٥). ومنه قول الشاعر:
(١) (هذا) ساقط من (ب).
(٢) وهذا هو الأرجح، انظر: في "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٤، وفي "تفسيرالرازي" ٢/ ٢٣٨، وقد ذكر وجوها كثيرة في ترجيح هذا القول وانظر: "تفسيرالقرطبي" ١/ ٢٤٨، ورجحه ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨٠.
(٣) في "تهذيب اللغة": (مسخرة) ٢/ ١٦٥٠.
(٤) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (سجد) ٢/ ١٦٣٠، وانظر "اللسان" (سجد) ٤/ ١٩٤٠
(٥) قال الأزهري: (روى ابن هاني لأبي عبيدة.. ثم ذكره دون قوله: (والسجد من النساء الفاترات الأعين) "تهذيب اللغة" (سجد) ٢/ ١٦٣٠.
أي ذليلة خاضعة.
قال الأعشى:
مَنْ يَرَ هَوْذَةَ يَسْجُدْ غَيرَ مُتَّئِبٍ (٣) | إِذَا تَعَمَّمَ (٤) فَوْقَ الرَّأْسِ أَوْ وَضَعَا (٥) |
ثُمَّ نَوَّمَنْ وَنِمْنَا سَاعَةً | خُشَّعَ الطَّرْفِ سُجُوداً لِلْخُطَم (٦) |
(٢) البيت لزيد الخيل وصدره:
بِجَمْعٍ تَضِلُّ البُلْقُ في حَجَرَاتِه
ويروى: بجيش، البلق: جمع أبلق، وهو الفرس المحجل، الحجرات: الناحية، الأكم: جمع أكمة، وهي تل أشد ارتفاعا مما حوله ودون الجبل. يصف كثرة هذا الجيش وأن الأكم قد خشعت من وقع الحوافر. ورد البيت في الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٦٥، "المعاني الكبير" ٢/ ٨٩٠، و"الأضداد" لابن الأنباري: ص ٢٩٥، و"الزاهر" ١/ ١٤١، "معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ٢/ ٥٤٢، و"تأويل مشكل القرآن": ص ٤١٧، و"الصحاح" (سجد) ٢/ ٤٨٣، و"اللسان" ٤/ ١٩٤٠، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٤٨، والبيضاوي في "تفسيره" ١/ ٢١، "البحر المحيط" ١/ ٥١، "الدر المصون" ١/ ٢٧٤.
(٣) في (ب): (منيب).
(٤) في (أ)، (ج): (تعم) وما في (ب) هو الصحيح، ومثله ورد في "المخصص" ١٣/ ١٠٧.
(٥) البيت من قصيدة طويلة للأعشى يمدح (هوذة بن علي الحنفي) ويروى البيت (من يلق) بدل (من ير) و (تعصب فوق التاج) بدل (تعمم فوق الرأس). وقوله: (غير متئب): أي لا يستحي أن يسجد لطلعته المهيبة وفد تعمم فوق الرأس، أو وضع الإكليل. ورد البيت في ديوان الأعشى: ص ١٠٨، "المخصص" ١٣/ ١٠٧.
(٦) قوله: (نوَّمن) أي الإبل نومت. الخطم: جمع خطام، وهو الحبل الذي يقاد به =
هذا أصل السجود في اللغة، ثم قيل لكل من وضع جبهته على الأرض: سجد، لأنه غاية الخضوع (٣).
وإذا ابتدأت بقوله: ﴿اسْجُدُوا﴾ ضممت الألف (٤)، والألف (٥) لا حظ لها من الإعراب، وإنما أدخلت ليتوصل بها إلى النطق بالساكن، فكان حظها الكسر، لأن (٦) بعدها ساكنا، ولكنها ضمت لاستثقال الضمة بعد الكسرة، وليس في كلامهم مثل (فِعُل)، ولا مثل (إفْعُل) (٧).
واختلفوا في كيفية سجود الملائكة لآدم فقال جماعة: كان سجود الملائكة لآدم على جهة التكريم، فكان ذلك تكريماً لآدم وطاعةً لله
(١) في (ب): (بها).
(٢) في "تهذيب اللغة": أبو عبيد عن أبي عمرو: أسجد الرجل إذا طأطأ رأسه وانحنى. "تهذيب اللغة" (سجد) ٢/ ١٦٣٠، وانظر: "مقاييس اللغة" (سجد) ٣/ ١٣٣.
(٣) "تهذيب اللغة" (سجد) ٢/ ١٦٣٠، "الصحاح" (سجد) ٢/ ٤٨٣، "اللسان" (سجد) ٤/ ١٩٤٠.
(٤) إذا ابتدأت بهمزة الوصل أخذت حركة الحرف الثالث، انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١.
(٥) (والألف) ساقط من (ج).
(٦) في (ج): (لان ما بعدها).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٠ أ، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٣.
وحكى (٢) ابن الأنباري عن الفراء وجماعة من الأئمة أن سجود الملائكة لآدم كان تحية ولم يكن عبادة، وكان ذلك سجود تعظيم وتسليم وتحية، لا سجود صلاة وعبادة، وكان ذلك تحية الناس وتعظيم بعضهم بعضا (٣)، ولم يكن وضع الوجه على الأرض، إنما كان الانحناء والتكفير (٤)، فلما جاء الإسلام أبطل ذلك بالسلام (٥).
وقيل: كان سجود على الحقيقة (٦)، جعل آدم قبلة لهم، والسجود لله
(٢) (الواو) ساقطة من (ج).
(٣) قوله (وكان ذلك تحية الناس...) هل كان قبل آدم ناس؟ أم هو تجاوز في العبارة؟
(٤) التكفير: هو أن يضع الرجل يده أو يديه على صدره وطأطأ برأسه، وهو كالتحية عند أهل "الكتاب"، انظر: "اللسان" (كفر) ٧/ ٣٨٩٧.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره"، ولم يعزه ١/ ٦٣ أ. وذكره الرازي في "تفسيره" وضعفه، وقال: (السجود لاشك أنه في عرف الشرع عبارة عن وضع الجبهة على الأرض، فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك، لأن الأصل عدم التغيير، فإن قيل: السجود عبادة، والعبادة لغير الله لا تجوز، قلنا: لا نسلم أنه عبادة وبيانه أن الفعل قد يصير بالمواضعة مفيدا كالقول...). "تفسير الرازي" ٢/ ٢١٣، وضعفه ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨٣، وانظر القرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٥٠، و"زاد المسير" ١/ ٦٤.
(٦) في (ب): (بالحقيقة).
وقال أبي بن كعب: معناه: أقروا لآدم أنه خير وأكرم عليّ منكم، واخضعوا له وكونوا تحت أمره (٢)، وهذا المعنى موافق لأصل اللغة.
وقوله: ﴿لِآدَمَ﴾ حقه الكسر، إلا أنه لا يجري (٣) ما كان من هذا الباب نحو: الأحمر (٤) والأصفر في معرفة ولا نكرة، لاجتماع علتين فيه في حال نكرته، وهو وزن الفعل، وكونه صفة، فإن سميت به لم تصرفه في حال المعرفة أيضا للتعريف، ووزن الفعل، فإن نكرته لم تنصرف (٥) -أيضا - عند سيبويه (٦)، [وانصرف عند الأخفش (٧).
وحجة سيبويه] (٨) أنه قبل أن يسمى به اسم وإن كان صفة، فقد كان في حال (٩) التنكير قبل التسمية به [غير منصرف، فإذا سميت به فحكم الصفة لم يرتفع عنه، ويصير التسمية به] (١٠) كالعارية، فإذا نكِّر عاد إلى
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٥٩ أ.
(٣) أي: يمنع من الصرف.
(٤) أى وزن (أفعل).
(٥) (تنصرف) كذا في (أ، ج)، وفي (ب): (بدون إعجام)، والأولى (ينصرف).
(٦) انظر "الكتاب" ٣/ ١٩٣، ١٩٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١، وانظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٨.
(٧) انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١، و"الكتاب" ٣/ ١٩٨ (الهامش)، "المقتضب" ٣/ ٣١٢، ٣٧٧، وقد نصر المبرد رأي الأخفش ورجحه.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٩) في (ب): (كل).
(١٠) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
والدليل على صحة ذلك، إجماع النحويين على قولهم: مررت بنسوة أربع، فيصرفون (أربعا)، لأنه اسم استعمل وصفا، ولو راعوا فيه حكم الصفة لم ينصرف في هذه الحال، لأنه على وزن الفعل وهو صفة، فلما نفوا حكم الاسم فيه وإن استعملوه صفة، كذلك أحمر وبابه وإن استعمل اسما (٣)، فحكم الصفة باق فيه، لأنه صفة لا اسم.
وأما الأخفش فإنه يقول: إذا سمي به زال حكم الصفة فلا ينصرف في المعرفة للتعريف ووزن الفعل، فإذا نكرته بقيت علة واحدة، وهو وزن الفعل فينصرف (٤). وهذا فاسد، لأن حكم الصفة مراعى، وإن سمي به كما أن حكم الاسم مراعى في (أربع) وإن وصف به (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾. قال أكثر أهل اللغة والتفسير: سمي إبليس بهذا الاسم، لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي أيس، والمبلس المكتئب الحزين الآيس (٦)، وفي القرآن ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الأنعام: ٤٤].
قال يونس وأبو عبيدة: يقال للذي يسكت عند انقطاع حجته، ولا يكون عنده جواب: قد أبلس (٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١
(٣) انظر: "المقتضب" ٣/ ٣١٢، "الكتاب" ٣/ ١٩٤.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١، "المقتضب" ٣/ ٣١٢.
(٥) انظر رد المبرد على ذلك في المسائل التي رد بها المبرد على سيبويه كما نقله عضيمة في هامش "المقتضب" ٣/ ٣١٢.
(٦) "تهذيب اللغة" (بلس) ١/ ٣٨٤، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٢٤.
(٧) "تهذيب اللغة" (بلس) ١/ ٣٨٤.
يَا صَاحِ هَلْ تَعْرِفُ رسْماً مُكْرَسَا
قَالَ نَعَمْ أَعْرِفُهُ وأبلسا (٢)
أي: لم يحر إليَّ جواباً لكآبته.
فقيل: إن إبليس سمي بهذا الاسم، لأنه لما أويس من رحمة الله أبلس يأسا (٣). ومثل هذا الوزن من العربية (الإجْفِيل) اسم للظليم (٤)، يقال: أجفل الظليم فهو مجفل وإجفيل (٥)، وكذلك الإغريض (٦) والإضريج (٧)، في أشباه لهذا (٨).
(٢) المكرس: الذي صار فيه الكرس. وهو أبوال الإبل وأبعارها يتلبد بعضها على بعض في الدار، أبلسا: أي سكت لكآبته. ورد الرجز في "ديوان العجاج". ص ١٣٢، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣٥، و"مجاز القرآن" ١/ ١٩٢، و"الزينة" ٢/ ١٩٢، والطبري في "تفسيره" ١/ ٢٢٤، و"الكامل" ٢/ ١٩١، و"تهذيب اللغة" (بلس) ١/ ٣٨٤، و"الصحاح" ٣/ ٩٠٩، و"مقاييس اللغة" ٥/ ١٦٩، و"اللسان" ١/ ٣٤٣، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٤.
(٣) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٤، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٤، "غريب القرآن" لابن قتيبة: ١/ ٣٧، و"زاد المسير" ١/ ٦٥.
(٤) الظليم: الذكر من النعام، "القاموس" (ظلم): ص ١٤٦٤.
(٥) "تهديب اللغة" (جفل) ١/ ٦٢٢.
(٦) الإغريض: الطلع، ويقال لكل أبيض طري، انظر: "الصحاح" (غرض) ٣/ ١٠٩٤.
(٧) (الإضريج) بالجيم: صبغ أحمر، ونوع من الأكسية، ومن الخيل الجواد. انظر: "تهذيب اللغة" (ضرج) ٣/ ٢١٠٦، "الصحاح" ١/ ٣٢٦، "اللسان" ٥/ ٢٥٧٠.
(٨) انظر: "إملاء ما من به الرحمن" ١/ ٣٠، "الدر المصون" ١/ ٢٧٦.
وهذا متعد كما ترى، ورواه الليث -أيضا- متعديا فقال: لأنه أُبلِس من رحمة الله أي: أُويس (٣)، فحصل من هذا أنه عربي مشتق، وأن الإبلاس واقع ومطاوع (٤).
قال أبو بكر بن الأنباري: لا يجوز أن يكون مشتقا من (أبلس)، لأنه لو كان كذلك لجرى، [ألا ترى أن (إسحاق) إذا كان عربيا مأخوذا من أسحقه الله إسحاقا يجري، فيقال: قام إسحاق، ورأيت إسحاقاً (٥). فلو كان إبليس من (أَبلس) أو (أُبلس) لجرى] (٦) كما يجرى إكليل وبابه، وترك تنوينه
(٢) أخرجه الطبري بسنده، وفيه ضعف، انظر "تفسير الطبري" ١/ ٥٠٩. (مع تحقيق محمود شاكر)، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره"، قال المحقق: ضعيف الإسناد ١/ ٢٩٤، وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ١٠٢. وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري.
(٣) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (بلس) ١/ ٣٨٤، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٣ ب، وانظر "العين" ٧/ ٢٦٢، ولم أجده منسوبًا لليث.
(٤) (الواو) ساقطة من (ب).
اختلف الذين قالوا: إنه مشتق هل هو مشتق من (أبلس) إذا انقطع ولم تكن له حجة، أو من الإبلاس وهو اليأس، ذكر هذا الرازي في كتاب "الزينة" ١/ ١٩٢، ١٩٣.
(٥) انظر: "المقتضب" ٣/ ٣٢٦.
(٦) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
وقال محمد بن جرير: إنما منع صرفه وإن (٢) كان عربيًّا استثقالًا، لأنه لما قل نظيره في كلام العرب شبهوه بالأسماء الأعجمية كإسحاق لم يصرف، وهو من أسحقه الله، و (أيوب) من: (آب يؤوب) (٣)، نظيره قيوم، من قام يقوم.
وهذا الذي قال (٤) ابن جرير: يبطل بباب (إفْعِيل) فإنه مصروف كله إلا إبليس (٥).
وأما (٦) أيوب وإسحاق، فمن لم يصرفهما لم (٧) يجعلهما مشتقين (٨).
وقد أجاب الذين قالوا: إنه مشتق بأنه منع من الصرف لأنه أشبه الأسماء الأعجمية لعدم نظيره في الأسماء العربية كما سيأتي في كلام ابن جرير، انظر: "البحر" ١/ ١٥١، و"الدر المصون" ١/ ٢٧٦.
(٢) في (ب): (فان).
(٣) انتهى كلام ابن جرير بمعناه ١/ ٢٢٨، وانظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٦.
(٤) في (ب): (قاله) وهو أصوب.
(٥) في (ج): (ابلس). انظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٧، "البيان" ١/ ٧٤، "البحر المحيط" ١/ ١٥١، "الدر المصون" ١/ ٢٧٦.
(٦) في (ب): (فأما).
(٧) في (ب): (يصرفها لم يجعلها).
(٨) انظر: "المقتضب" ٣/ ٣٢٦، "أصول النحو" لابن السراج ٢/ ٩٤.
واختلفوا في أن إبليس هل هو مستثنى من الملائكة أو (٢) لا؟ فروى مجاهد وطاوس عن ابن عباس قال: كان إبليس قبل أن يركب المعصية ملكاً من الملائكة، اسمه (عزازيل)، وكان من سكان الأرض وعمارها، وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون: (الجن)، ولم يكن من الملائكة أشد اجتهادا ولا أكثر علمًا منه. فلما تكبر على الله عز وجل وأبى السجود لآدم وعصاه، لعنه وجعله شيطاناً مريداً، وسماه: إبليس (٣). وعلى هذا القول أيضا ابن مسعود، وابن المسيب، وابن جريج، وقتادة، وابن جرير (٤)، وقالوا: إنه استثني من جنس المستثنى منه، وكان إبليس من جملة الملائكة
(٢) في (ب): (أم لا).
(٣) أخرجه الطبري بسنده عن عطاء، عن طاوس، عن ابن عباس، وعن عطاء عن طاوس أو مجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس. "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٤، وكذلك أخرجه ابن الأنباري بسنده عن طاوس أو عن مجاهد أبي الحجاج، عن ابن عباس. "الأضداد": ص ٣٣٤. وانظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٨٤، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨.
(٤) انظر أقوالهم في "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٤.
وَسَخَّرَ مِنْ جِنِّ الملائِكِ تِسْعَةً... قِيَاماً لَدَيْهِ يَعْمَلُونَ بِلَا أَجْرِ (٢)
فجعل الملائكة جنّاً (٣).
قال: وقد روي في هذا آثار كثيرة عن السلف، وغالبها من الإسرائيليات التي تنقل، لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير منها، ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته للحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة... إلخ) انظر "ابن كثير" ٣/ ١٠٠.
(٢) ورد البيت في "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٥، "الزاهر" ٢/ ٣٣٤، و"الأضداد" لابن الأنباري: ص ٣٣٥، و"الغريب" لابن قتيبة: ص٢١، و"الزينة" ٢/ ١٧٦، و"معرفة اشتقاق أسماء نطق بها القرآن" ١/ ١٩٥، و"اللسان" (جنن) ١/ ٧٥١، وفي "تفسير القرطبي" ١/ ٢٥١، و"خزانة الأدب" ٦/ ١٧٦.
(٣) وهذا ما رجحه ابن جرير الطبري في "تفسيره"، وابن عطية في "تفسيره" والبغوي في "تفسيره"، وغيرهم، وهو أن إبليس كان من الملائكة أو من طائفة منهم يقال لهم: الجن.
قال الطبري في "تفسيره" بعد أن ذكر الأقوال في هذِه المسألة: (وهذِه علل تنبئ عن ضعف معرفة أهلها، ذلك أنه غير مستنكر أن يكون الله جل ثناؤه خلق أصناف ملائكته من أصناف من خلقه شتى. فخلق بعضا من نور، وبعضا من نار وبعضا مما شاء من غير ذلك. وليس في ترك الله جل ثناؤه الخبر عما خلق منه ملائكته، وإخباره عما خلق منه إبليس ما يوجب أن يكون إبليس خارجا عن معناهم... وقال: وأما خبر الله عنه أنه (من الجن) لغير مدفوع أن يسمى ما اجتن من الأشياء عن الأبصار كلها جنّاً كما قد ذكرنا في شعر الأعشى -فيكون إبليس والملائكة =
وقال الزجاج وابن الأنباري: معنى قوله: ﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ أي كان (٢) ضالّاً كما أن الجن الذين كانوا سكان الأرض قبل الملائكة كانوا ضُلَّالاً، فلما فعل إبليس مثل فعلهم أدخل في جملتهم كما (٣) قال الله سبحانه: ﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾ (٤) [التوبة: ٦٧]. فعلى قول هؤلاء هو مستثنى من الملائكة، وهو استثناء الجنس من الجنس.
وقال عبد الرحمن بن زيد، وشهر بن حوشب (٥): ما كان إبليس من الملائكة قط (٦).
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" عن ابن جريج عن ابن عباس، وعن أبي صالح عنه، وعن الضحاك عنه. الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٢٥.
(٢) في (ب): (أي صار).
(٣) (كما) ساقطة من (ب).
(٤) قول ابن الأنباري في "الأضداد" ص٣٣٧، وقد ذكر هذا توجيهًا لمعنى الآية على قول من قال: إن إبليس من الملائكة وكذا الزجاج في "المعاني" ١/ ٨٢ ويلحظ هنا أن الزجاج يرجح القول الآخر حيث قال لما ذكر القول الثاني: وهذا القول هو الذي نختاره، لأن إبليس كان من الجن كما قال الله عز وجل.
(٥) هو شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن روى عن أبي هريرة وعائشة وأم سلمة وأم حبيبة وغيرهم، اختلف في سنة وفاته، فقيل: مائة، وقيل غير ذلك، انظر: "تهذيب التهذيب" ٢/ ١٨٢، "غاية النهاية" ١/ ٣٢٩.
(٦) أقوالهم في الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٢٧، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٦، =
وقال سعيد بن المسيب. إن إبليس سبي من الجن حين اقتتلوا (٧) الملائكة، وكان صغيرا فنشأ بين الملائكة (٨). وهذا اختيار الحسين بن
(١) (من الملائكة) ساقط من (ج).
(٢) ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٢٧، وابن الأنباري في "الأضداد": ص ٣٣٧، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٤٦، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٥١، وابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨١، "البحر" ١/ ١٥٣.
(٣) "الأضداد" لابن الأنباري: ص ٣٣٧، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٢، وقد مال إلى نحو هذا ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨١.
(٤) انظر "المشكل" لمكي ١/ ٣٧، "البيان" ١/ ٧٤، "البحر" ١/ ١٥٣.
(٥) في (أ)، (ج): (لقول)، وقوله (منقطعا) ساقط من (ب).
(٦) قال أبن الأنباري: (... ونصب على الاستثناء وهو من غير جنسهم. كما تقول العرب: سار الناس إلا الأثقال، وارتحل أهل العسكر إلا الأبنية والخيام)، "الأضداد" لابن الأنباري: ص ٣٣٧.
(٧) هكذا في جميع النسخ وهذا على لغة (أكلوني البراغيث).
(٨) أخرج نحوه ابن جرير عن شهر بن حوشب وسعد بن مسعود ١/ ٢٢٧، وذكره ابن عطية والقرطبي، وقالا: حكاه الطبري عن ابن مسعود، وظاهر كلامهما أنه عبد الله ابن مسعود، ولم يرووه عنه، وإنما عن سعد بن مسعود ولعل القرطبي نقل ذلك عن ابن عطية. انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٦، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٥١، وذكره ابن كثير عن سعد بن مسعود، "تفسير ابن كثير" ١/ ٨١، ولم أجده عن، سعيد فيما اطلعت عليه.
وقوله (٢) تعالى: ﴿أَبَى وَاسْتَكْبَرَ﴾. هما بمعنى واحد، وكرر للتأكيد (٣)، وحقيقة الاستكبار: الأنفة مما لا ينبغي أن يؤنف منه (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾. أي وصار (٥)،. كقوله: ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود: ٤٣].
وقال الأكثرون معناه: وكان في سابق علم الله من الكافرين (٦).
(٢) في (ب): (وكان).
(٣) (أبى) امتنع عن السجود، و (استكبر) تكبر وتعاظم في نفسه فهو من أفعال القلوب، والإباء: الامتناع من السجود، والامتناع نابع من الكبر. انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٨، "البحر" ١/ ١٥٣، وأبي السعود في "تفسيره" ١/ ٨٥.
(٤) ذكر الأزهري عن ابن الأنباري: الاستكبار: الامتناع عن قبول الحق معاندة وتكبرا. "التهذيب" (كبر) ٤/ ٣٠٩٠، "مفردات الراغب": ص ٤٢١.
(٥) في (ب): (وصار من الكافرين). هذا هو القول الأول أن (كان) بمعنى: صار، انظر. "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٠، و"تفسيرالثعلبي" ١/ ٦٤ أ، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٨، و"زاد المسير" ١/ ٦٥، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٥٢، و"البحر" ١/ ١٥٤، وفي "تفسير ابن كثير" ١/ ٨١، قال ابن عطية بعد أن ذكر هذا القول: قال ابن فورك: وهذا خطأ ترده الأصول، ونقل هذا القرطبي وابن كثير.
(٦) قول جمهور المفسرين على أن (كان) على بابها، انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٠، و"الثعلبي" ١/ ٦٤ أ، و"ابن عطية" ١/ ٢٤٨، و"القرطبي" ١/ ٢٥٢، و"زاد المسير" ١/ ٦٥، و"ابن كثير" ١/ ٨١، "البحر" ١/ ٣٢١. قال ابن جرير: (ومعنى قوله: ﴿وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾: أنه كان حين أبى السجود من الكافرين حينئذ). "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٨.
فإن قيل: كيف جمع، ولم يكن في ذلك الوقت كافر غير إبليس (٣)؟ فيقال: إن الله سبحانه علم أنه يكون (٤) بعد إبليس كافرون، كقول إبراهيم (٥) ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٥٦] معناه: أنه علم (٦) أنه سيكون بعده من يشهد على قومه بمثل شهادته (٧). وقيل: كان من القوم الذين إذا فعل واحد منهم مثل فعله كان مثله (٨). وعلى ما قاله سعيد بن المسيب (٩)، لا يتوجه هذا السؤال.
٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ﴾ الآية. (اسكن
(٢) انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٤ أ، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٤٨، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٥٢، "البحر" ١/ ١٥٤.
(٣) يرد هذا السؤال على قول من قال: إن إبليس أول كافر. ولم يسبقه كفر، أما عند من قال: إنه سبقه كفار وهم الجن سكان الأرض. فلا يرد أصلا، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٨، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٥٥، و"تفسير الرازي" ٢/ ٢٣٧، و"البحر" ١/ ١٥٤.
(٤) في (ب): (سيكون).
(٥) في (ب): (إبراهيم عليه السلام).
(٦) في (ب): (عالم).
(٧) انظر: "تفسير الرازي" ٢/ ٢٣٨.
(٨) ذكره الرازي في "تفسيره" ٢/ ٢٣٨.
(٩) قول سعيد الذي سبق: هو: أن إبليس سبي من الجن فنشأ بين الملائكة. فعلى هذا القول يتوجه أنه ليس أول كافر كما سبق.
وقوله: (أنت) تأكيد للضمير الذي في الفعل (٧)، وإنما أكد به ليحسن العطف عليه، فإن العرب لا تكاد تعطف إلا على ظاهر، يقولون: اخرج أنت وزيد، ولا يكادون يقولون: اخرج وزيد، إلا في الضرورة (٨)، ومثله قوله: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ﴾ [المائدة: ٢٤].
وقوله: ﴿وَزَوْجُكَ﴾ لفظه مذكر، ومعناه مؤنث، وذلك أن الإضافة تلزم هذا الاسم في أكثر الكلام، وكانت مبينة (٩) له فكان (١٠) طرح الهاء أخف مع الاستغناء بدلالة الإضافة.
(٢) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٩، و"القرطبى" ١/ ٢٥٥، "البحر" ١/ ١٥٥.
(٣) في (أ): (وكذا) وفي (ج)، كتبت ثم شطبت والصحيح حذفها.
(٤) (قالوا) ساقط من (ج).
(٥) في (ب): (التسكين).
(٦) انظر: "التهذيب" (سكن) ٢/ ١٧٢٣، "مقاييس اللغة" (سكن) ٣/ ٨٨، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٥٥، "البحر" ١/ ١٥٥.
(٧) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٣، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٥٦، "البحر" ١/ ١٥٦.
(٨) مذهب البصريين أنه لا يجوز العطف إلا في الضرورة، وأجاز الكوفيون ذلك. انظر "الإنصاف" ص ٣٨٠، "البحر" ١/ ١٥٦.
(٩) في (ج): (مبنية).
(١٠) في (ب): (وكان).
والمراد بقوله: ﴿الْجَنَّةَ﴾ جنة الخلد من قبل أن التعريف فيها بالألف واللام يجعلها كالعلم على جنة الخلد، فلا يجوز العدول عنها بغير دلالة، ألا ترى أنك لو قلت: نسأل الله الجنة، لم يكن ذلك إلا جنة الخلد (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا﴾ (٥). (الرّغَد) و (الرَّغْد): سعة المعيشة،
(٢) في (أ)، (ج): (ذكر) وما في (ب) هو الصحيح. وانظر اختلافهم في "اللسان" (زوج) ٣/ ١٨٨٥، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٥٧.
(٣) قال الفراء (الزوج) يقع على المرأة والرجل. هذا قول أهل الحجاز. قال عز وجل ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب: ٣٧]. وأهل نجد يقولون: (زوجة) وهو أكثر من (زوج) والأول أفصح عند العلماء). (المذكر والمؤنث): ص ٩٥، وانظر (المذكر والمؤنث) لابن الأنباري: ص ٥٠٣، "تفسير الطبري" ١/ ٢٢٩. ومما جاء على (زوجة) قول عمار في شأن عائشة (إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة). وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٩، وقال القرطبي: (وقد جاء في صحيح مسلم لفظ (زوجة) في حديث أنس وفيه يا فلان هذِه زوجتي فلانة). "تفسير القرطبي" ١/ ٢٥٦.
(٤) وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين، وفيه الرد على من قال: إنها جنة في الدنيا وهو قول المعتزلة والقدرية.
انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٤ ب، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٥٨، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨٤. قال ابن الجوزي وقيل: جنة عدن، "زاد المسير" ١/ ٦٦.
(٥) في (ج): (فكلا) تصحيف.
بَيْنَما المَرْءُ تَرَاهُ نَاعِماً | يَأْمَنُ الأحْدَاثَ فِي عَيْشٍ رَغَدْ (٣) |
الليث: (الرغد): أن يأكل ما شاء إذا شاء حيث شاء (٥).
وقوله تعالى: ﴿حَيْثُ شِئْتُمَا﴾. (حيث) بني على الضم تشبيها بالغاية، نحو: (قبل) و (بعد) وذلك أنه منع الإضافة إلى الاسم المفرد كما منعت الغاية الإضافية، فبني لأجل الشبه على الضم بالغاية (٦)، ونذكر الكلام في هذا بأبلغ من هذا الشرح عند قوله: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾.
(٢) في (ب): (وقال).
(٣) ورد البيت منسوبًا لامرئ القيس في الطبري ١/ ٢٣٠، وفي "الوسيط" للمؤلف ١/ ٨٣، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٥١، و"البحر" ١/ ١٥٥، و"الدر المصون" ١/ ٢٨١، قال محمود شاكر في حاشية الطبري: لم أجده فيما جمع من شعر امرئ القيس، وقد بحثت في (الديوان) فلم أجده.
(٤) "الجمهرة" ٢/ ٦٣٣.
(٥) لم أجده عن الليث، انظر: "العين" (رغد) ٤/ ٣٩٢، و"تهذيب اللغة" (رغد) ٢/ ١٤٣٣، و"الصحاح" (رغد) ٢/ ٤٧٥، و"اللسان" (رغد) ٣/ ١٦٨٠.
(٦) وقد ذكر سيبويه فيها وجها آخر وهو الفتح وقال الكسائي: الضم لغة قيس وكنانة، والفتح لغة بني تميم، وقال: وبنو أسد يخفضونها في موضع الخفض وينصبونها في موضع النصب، ويقال: حوث. انظر: "الكتاب" ٣/ ٢٨٦، و"إعراب القرآن" للنحاس١/ ١٦٣، و"تهذيب اللغة" (حيث) ١/ ٩٤٩، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٥١، وقد ذكر الواحدي هذِه الوجوه عند تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩]. كما وعد هنا.
وقيل: إن النهي عن الأكل داخل في قوله: ﴿وَلَا تَقْرَبَا﴾ فهو نهي بأبلغ لفظ يكون (٢).
وقيل: قربَ فلانٌ أهلَه قربانًا، أي [غشيها] (٣) وما قرِبْتُ هذا الأمر ولا قَرَبتُه قُرْبَاناً وقُرْباً (٤).
و (الشجرة) في اللغة: ما لها ساق يبقى في الشتاء، و (النجم) ما ليس على ساق، ومنه قوله: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ (٥) [الرحمن: ٦]. وسميت شجرة لتشابك أغصانها (٦)، وتداخل بعضها في بعض، والشجرة تعم النخلة والتينة والكرمة وغيرها (٧)، واليقطين قد سمي شجراً في قوله: ﴿وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ﴾ [الصافات: ١٤٦].
(٢) ذكره ابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٥٢، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٦٥، وبه أخذ أبو حيان في "البحر" ١/ ١٥٨.
(٣) في (أ)، (ج): (عيشها)، وفي (ب): (ان عشيها)، والتصحيح من "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٤.
(٤) ذكره الأزهري في الليث. "التهذيب" (قرب) ٣/ ٢٩١٤. "اللسان" (قرب) ٦/ ٣٥٦٦.
(٥) قيل إن المراد بالنجم في الآية نجم السماء، والأرجح أنه مالا ساق له من الشجر، انظر: "تفسير الطبري" ٢٧/ ١١٦، و"القرطبي" ١٧/ ١٥٤.
(٦) في (أ)، (ج): (أعضائها)، وما في (ب) هو الصحيح.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٣١، "التهذيب" (شجر) ٢/ ١٨٣٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٥٢، "مفردات الراغب" ص ٢٥٦، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٦٦، و"تفسير الرازي" ١/ ٦.
واختلفوا في الشجرة التي نهي آدم عنها، فقال ابن عباس، وعطية، ووهب، وقتادة: إنها السنبلة، قال وهب: وكانت الحبة منها ككلية البقر، ألين من الزبد، وأحلى من العسل (١).
وقال ابن مسعود والسدي: هي الكرم (٢). وقال ابن جريج (٣): إنها التين (٤).
وقال محمد بن (٥) جرير والحسين بن الفضل: إن الله سبحانه أخبر أنه نهى آدم عن أكل شجرة ما، ولم ينصب لنا دلالة عليها بعينها، فنحن نعلم
(٢) وروى هذا عن ابن عباس وسعيد بن جرير والشعبي وغيرهم.
انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٢، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٨٦، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٤ ب.
(٣) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أحد العلماء المشهورين، ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل. توفي سنة تسع وأربعين ومائة، انظر: "تاريخ بغداد" ١٠/ ٤٠٠، "وفيات الأعيان" ٣/ ١٦٣.
(٤) "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٢، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٨٦.
وفي اسم الشجرة أقوال كثيرة غير هذه. انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٨٦ - ٨٧، والثعلبي ١/ ٦٠ ب، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٥٢، "زاد المسير" ١/ ٦٦، "التعريف والإعلام" للسهيلي: ص ١٩، "غرر التبيان في مبهمات القرآن": ص ٣٩، رسالة ماجستير، "مفحمات الأقران في مبهمات القرآن" للسيوطي ص ١٢.
(٥) (محمد) ساقط من (ب).
(٢) كذا في جميع النسخ ولعلها (إنه).
(٣) انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٤ ب، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٨، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٦٠، "زاد المسير" ١/ ٦٨.
(٤) انظر "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٨، و"زاد المسير" ١/ ٦٨، ورجع الرازي أن النهي للتنزيه، وقال: إن كل مذهب كان أفضى إلى عصمة الأنبياء -عليهم السلام- كان أولى، وأجاب عن أدلة الذين قالوا: إنه للتحريم. انظر "تفسير الرازي" ٣/ ٥.
(٥) ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٣٧، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٥ أ، وابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ١٨، والقرطبي ١/ ٢٦٠.
(٦) وقد رده ابن العربي ردَّا قويًّا حيث قال: (أما القول بأن آدم أكلها سكران ففاسد نقلا وعقلا: أما النقل: فلأن هذا لم يصح بحال، وقد نقل عن ابن عباس أن =
وقوله تعالى: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. قال الفراء: إن شئت جعلت (فتكونا) جواباً نصباً، لأنه جواب النهي بالفاء. وإن شئت عطفته على أول الكلام، فكان جزماً مثل قول امرئ القيس (١):
فَقُلْتُ لَهُ صَوِّب ولا تُجْهِدَنَّه | فَيُذْرِكَ (٢) مِنْ أُخْرى القَطَاةِ فَتزْلَقِ (٣) |
(١) كذا منسوبًا إلى امرئ القيس في أكثر المصادر، ونسبه سيبويه إلى (عمرو ابن عمار الطائي) قال عبد السلام هارون معلقا على نسبته إلى امرئ القيس: ليس في "ديوانه". قلت: هو في "ديوانه" ص ١٠٦.
(٢) في (أ)، (ج): (فيدرك) بالدال، وفي (ب): (فتدرك)، وكلاهما تصحيف.
(٣) يروى (فيدنك) كذا عند سيبويه. يقول مخاطبًا للغلام الذي سبق ذكره في الأبيات قبله: صوب الفرس ولا تجهده، لا تحمله على العدو فيصرعك، يقال: أذراه عن فرسه: إذا صرعه وألقاه، والقطاة من الفرس: موضع الردف. انظر: "ديوان امرئ القيس" ص ١٧٤، "الكتاب" ٣/ ١٠١، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٦، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٣٤، "اللسان" (ذرا) ٣/ ١٤٩١، "الخزانة" ٨/ ٥٢٦، "الدر المصون" ١/ ٢٨٦، "البحر" ١/ ١٥٩. والشاهد عند سيبويه: جزم (فيدنك) حملا على النهي، ولو أمكنه النصب بالفاء على جواب النهي لجاز.
ومعنى الفاء والنصب جزاء (٢)، أي لا تفعل هذا فيفعل بك، فلما عطف حرف على غير ما يشاكله، وكان في أوله حادث لا يصلح في الثاني نصب (٣).
وقال الزجاج: إنما نصب بإضمار (أن) (٤). ومثله (٥) مما نصب بالفاء قوله: ﴿وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ﴾ [طه: ٨١] ﴿لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ﴾ [طه: ٦١]، (٦). وما كان من نهي (٧) ففيه الوجهان، ولا يجوز الرفع إلا أن تريد الاستئناف ولا تجعله جواباً، كقولك: لا تركبْ إلى فلان
(٢) في "المعاني" للفراء: (ومعنى الجواب والنصب لا تفعل هذا فيفعل بك مجازاة، فلما عطف حرف.. إلخ) ١/ ٢٧.
(٣) انتهى ما نقله عن الفراء، ويعود للنقل منه بعد كلام الزجاج. "معاني القرآن" ١/ ٢٦، ٢٧، وما ذكره هو مذهب الكوفيين في الفعل المضارع الواقع بعد الفاء في جواب: الأمر والنهي والنفي والاستفهام والتمني والعرض. ينصب بالخلاف، أي أن الجواب مخالف لما قبله. انظر: "الإنصاف" ٢/ ٥٥٧، "الدر المصون" ١/ ٢٨٦، ونصر هذا القول الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٣٤.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٣. وقال: نصبه عند سيبويه والخليل بإضمار (أن). وما ذكر هو مذهب البصريين كما في "الإنصاف" ٢/ ٥٥٧، ٥٥٨، وبهذا قال الأخفش في "المعاني" ١/ ٢٢٢، وانظر: "الدر المصون" ١/ ٢٨٦، وقد رد هذا القول الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٣٤.
(٥) هذا عود على كلام الفراء.
(٦) والآيتان وردتا ضمن كلام الفراء.
(٧) في "معاني القرآن" للفراء: (وما كان من نفي ففيه ما في هذا (يريد ما في النهي) ولا يجوز الرفع في أحد الوجهين (النفي والنهي) إلا أن تريد الاستئناف.. إلخ) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٧.
قال الأعشى (٢):
ألمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ القَدِيَم فَيَنْطِقُ | وهَلْ تُخْبِرَنْكَ اليَومَ بَيْدَاءُ سَمْلَقُ (٣) |
وقوله تعالى: ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. يقال: ظَلَمَه يَظْلِمُه ظُلمًا، فالظلم مصدر حقيقي، والظلم الاسم يقوم مقام المصدر. ومن أمثال (٥) العرب: (من أشبه أباه فما ظلم). قال الأصمعي: أي ما وضع الشبه غير موضعه (٦).
(٢) البيت لجميل بن معمر العذري، كما في "الخزانة" ٨/ ٥٢٦. وفي "ديوانه": ص ١٤٥. وكذا نسبه أكثرهم، ولم أجد من نسبه للأعشى، ولعله اشتبه عند الواحدي بقول الأعشى:
وإن أمرا أسرى أليك ودونه | من الأرض موماة وبيداء سملق |
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٧.
(٥) ذكره الأزهري عن الليث. "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٤٨، وانظر: "لسان العرب" (ظلم) ٥/ ٢٧٥٧.
(٦) ويجوز أن يكون المعنى: فما ظلم الأب: أي لم يظلم حين وضع زرعه حيث أدى إليه الشبه، انظر: "جمهرة الأمثال" للعسكري ٢/ ٢٤٤، "الوسيط" في الأمثال =
وقَائِلةٍ ظَلَمْتُ لَكُمْ سِقَائِي | وهَلْ يَخْفَى عَلَى العَكِدِ الظَّليِمُ (٥) |
يَكَاد يَطْلُعُ ظُلْماً ثُمَّ يَمْنَعُه | عَنِ الشَّوَاهِقِ فَالوَادِي بِهِ شَرِقُ (٦) |
(١) في "تهذيب اللغة": أخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى وعن أبي الهيثم أنهما قالا: ثم ذكره ٣/ ٢٢٤٩، "اللسان" (ظلم) ٥/ ٢٧٥٨.
(٢) الوطب: سقاء اللبن. انظر (القاموس) (وطب): ص ١٤٢.
(٣) انظر "إصلاح المنطق": ص ٣٥٢، "تهذيب اللغة" (ظلم) ٣/ ٢٢٤٩، "اللسان" (ظلم) ٥/ ٢٧٥٨.
(٤) في "التهذيب": المظلوم والظليمة، ٣/ ٢٢٤٩، وكذا "اللسان" (ظلم) ٥/ ٢٧٥٧.
(٥) البيت غير منسوب في "تهذيب اللغة" (ظلم) ٣/ ٢٢٤٩، وكذا في "الصحاح" ٥/ ١٩٧٨، "مقاييس اللغة" ٣/ ٤٦٩، "اللسان" ٥/ ٢٧٥٧، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٢٦٤، والعكد: أصل (اللسان).
(٦) البيت في "معاني القرآن" للفراء١/ ٣٩٧، "تهذيب اللغة" (ظلم) ٣/ ٢٢٤٩، "اللسان" ٥/ ٢٧٥٨، غير منسوب.
والنُّؤْيُ كَالحَوْضِ بِالمظْلُومَةِ الجَلَدِ (٢)
يعني بالمظلومة أرضاً في برية حوّضوا فيها حوضاً سقوا فيه إبلهم، وليست بموضوع تحويض. قال: وأصل الظلم، وضع الشيء غير (٣) موضعه، قال: ومنه قول ابن مقبل:
هُرْتُ الشَّقَاشِقِ ظَلَّامُونَ للجُزُرِ (٤)
(٢) عجز بيت للنابغة الذبياني من قصيدة يمدح بها النعمان بن المنذر وصدره:
إلاَّ أَوَاريُ لَأْيًا ما أُبَيِّنُهَا
الأواري: محابس الخيل، وتروى (الأواري) بالرفع على البدل، وبالنصب على الاستثناء، لأياً: بطئا، والمعنى أبينها بعد لأي لتغير معالمها، والنُّؤْي: حاجز حول الخباء يمنع عنه الماء، والمظلومة: أرض حفر فيها الحوض لغير إقامة، فظلمت لذلك، والجلد: الصلبة. ورد البيت في "الكتاب" ٢/ ٣٢١، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٨٨، ٤٨٠، "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٤، "المقتضب" ٤/ ٤١٤، "التهذيب" "ظلم" ٣/ ٢٢٤٩، "الجمل" للزجاجي ص ٢٣٦، "الإنصاف" ص ٢٣٤، "الأزهية في علم الحروف" ٨٠، "الهمع" ٣/ ٢٥٠، ٢٥٥، "شرح المفصل" ٢/ ٨٠، "الخزانة" ٤/ ١٢١، "الدر المصون" ١/ ٢٨٦، "ديوان النابغة": ص ٩.
(٣) في "تهذيب اللغة" (في غير) ٣/ ٢٢٤٩.
(٤) وصدره:
عَادَ الأذِلَّةُ في دَارٍ وَكَان بِهَا
قوله: هرت الشقاشق: أي: ماهرون في الخطابة والكلام، تقول العرب للخطيب الجهير الصوت الماهر بالكلام: هو أهرت الشِّقْشِقَة. والشِّقْشِقَة: لحمة كالرئة يخرجها البعير الفحل من فيه عند هياجه. =
... وَيُظْلَمُ أَحْيَاناً فَيَنْظَلِمُ (٢)
أي يطلب منه في غير موضع الطلب (٣).
ومعنى قوله: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي من العاصين الذين وضعوا الأمر غير موضعه (٤).
والعاصي ظالم لوضعه أمر الله في غير موضعه، ووضعه المعصية حيث يجب أن يطيع.
وقال بعضهم: معنى (٥) قوله: ﴿فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي (٦): الباخسين
(١) انتهى كلام ابن السكيت ملخصًا من "تهذيب اللغة" (ظلم) ٣/ ٢٢٤٩. ولم أجده في "إصلاح المنطق".
(٢) جزء من بيت، وصدره:
هُوَ الجَوَادُ الذِي يُعْطِيكَ نَائلَهُ... عَفْواَ وَيُظلَمُ..............
ويروى (هذا الجواد)، (فيطلم) و (فيظلم) والبيت قاله زهير في مدح هرم بن سنان ورد في "الكتاب" ٤/ ٤٦٨، "تهذيب اللغة" (ظلم) ١/ ٢٢٥٠، "الصحاح" (ظلم) ٥/ ١٩٧٧، "مقاييس اللغة" (ظلم) ٣/ ٤٦٩، "اللسان" (ظلم) ٥/ ٢٧٥٩، "شرح المفصل" ١٠/ ٤٧، "شرح ديوان زهير" ص ١٥٢.
(٣) في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٢٥٠ (ظلم): (وقال الأصمعي في قول زهير..).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٤.
(٥) (معنى قوله) ساقط من (ب).
(٦) في (ب): (أي من).
وقال الفراء في قوله تعالى: ﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (٤) أي: ما نقصونا شيئاً بما فعلوا ولكن نقصوا حظ أنفسهم (٥).
٣٦ - وقوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا﴾ الآية. قال أبو علي الفارسي (٦): ﴿فَأَزَلَّهُمَا﴾ يحتمل تأويلين:
أحدهما: كسبهما الزلة (٧) وحملهما عليها.
والآخر: أن يكون (أزل) من (زلّ) الذي يراد به عثر (٨).
فالدلالة (٩) على الوجه الأول ما جاء في التنزيل من تزيينه لهما (١٠) تناوُلَ ما حظر عليهما جنسه، بقوله: ﴿مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ﴾
(٢) (الحق) ساقط من (ب).
(٣) انظر: "التهذيب" (ظلم) ٣/ ٢٢٤٨، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٩٧، "اللسان" (ظلم) ٥/ ٢٧٥٧.
(٤) سورة البقرة: ٥٧، سورة الأعراف: ١٦٠.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٣٩٧، "تهذيب اللغة" (ظلم) ٣/ ٢٢٤٨.
(٦) "الحجة" ٢/ ١٧.
(٧) أي كان سببًا لهما لكسب الخطيئة التي عاقبهما الله عليها، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٤.
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" (زل) ٢/ ١٥٥٠، و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٣،
(٩) في (ب): (بالدلالة).
(١٠) في (ب): (إنما).
وقوله تعالى: ﴿عَنْهَا﴾ على هذا التأويل يكون بمعنى (عليها) والكناية تعود إلى (الزلة) (٤) وإن لم يجر لها ذكر، لأن المصدر والاسم يدل عليهما الفعل، فقوله: (أزلهما) يدل على: (الزلة) فكان معناه حملهما (٥) على الزلة، ويجوز أن يقع (٦) (عن) موقع (على) و (على) موقع (عن) (٧).
(٢) في (ب): (وكما).
(٣) انتهى ما نقله المؤلف من "الحجة" عن الوجه الأول، ويعود مرة أخرى ينقل منه الوجه الثاني، "الحجة" ٢/ ١٨.
(٤) ذكر جمهور المفسرين أن الكناية تعود على واحد من أمور: (١) الشجرة، (٢) الجنة، (٣) الطاعة، (٤) الحالة التي هما عليها، (٥) السماء، وهو بعيد، وأقربها: إما للشجرة فتكون (عن) للسبب، أو للجنة وهذا متعين على قراءة حمزة (أزالهما)، انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٦ ب، و"ابن عطية" ١/ ٢٥٤، "الكشاف" ١/ ٢٧٣، "زاد المسير" ١/ ٦٧، "البحر" ١/ ١٦٢، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨٥، "الدر المصون" ١/ ٢٨٨.
(٥) في (ب): (حملها).
(٦) في (ب): (تقع).
(٧) انظر: "الأزهية في علم الحروف" ص ٢٧٦، ٢٧٩، "حروف المعاني" ص ٧٩.
لَاهِ ابن عَمِّكَ (١) مَا أَفْضَلْتَ فِي حَسَبٍ | عَنِّي وَلَا أَنْتَ دَيَّانِي فَتَخْزُونِي (٢) |
إِذَا رَضِيَتْ عَليّ بَنُو قُشَيْرٍ | لَعَمْرُ اللهِ أَعْجَبَنِي رِضَاهَا (٤) |
(٢) لاه: أراد الله فحذف لام الجر ولام التعريف، يقول: لم بفضل علي في الحسب، ولا انت دياني: مالك أمري، فتخزوني: تقهرني. ورد البيت في "المفضليات" ص١٦٠، ١٦٢، "الخصائص" ٢/ ٢٨٨. "الأزهية" ص ٢٧٩ "حروف المعاني" ص ٧٩ "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٧١، و"شرح جمل الزجاجي" لابن عصفور ١/ ٤٨٣، "أمالي المرتضى" ١/ ٢٥٢، "الإنصاف" ص ٣٣٥، "مغني اللبيب" ١/ ١٤٧، "الخزانة" ٧/ ١٧٣، "اللسان" (دين) ٣/ ١٤٦٩، (عنن) ٥/ ٣١٤٣، (لوه) ٧/ ٤١٠٧.
(٣) ما بين المعقوقين ساقط من (ب). والمثبت في (أ)، (ج)، وغير مستقيم والأولى أن يؤخر قوله: (فجعل (عليّ) بمعنى (عني) بعد البيت.
(٤) البيت لقُحَيف العُقَيْلِي، ورد في "النوادر" ص ٤٨١، "الكامل" ٢/ ١٩٠، ٣/ ٩٨، "الخصائص" ٢/ ٣١١، ٣٨٩، "المخصص" ١٤/ ٦٥، ١٧/ ١٦٤، "الأزهية" ص ٢٧٧، "الهمع" ٤/ ١٧٦، "اللسان" (رضى) ٣/ ١٦٦٣، "الخزانة"١٠/ ١٣٢.
(٥) (الحجة) ٢/ ١٨.
(٦) قوله: ويقال: زلت قدمه..) وبيت لبيد ليس في "الحجة"، انظر: "تهذيب اللغة" (زل) ٢/ ١٥٥٠.
لَوْ يَقُومُ الفِيلُ أَوْ فَيَّالُهُ | زَلَّ عَنْ مِثْلِ مَقَاسِي وَزَحَل (١) |
وقرأ حمزة: (فأزالهما) (٣). وحجته أن قوله: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ﴾ [البقرة: ٣٥] أمر لهما بالثبات، وتأويله: (اثبتا) فثبتا، فأزالهما الشيطان، فقابل الثبات بالزوال الذي هو خلافه. وفي الآية على هذا التقدير إضمار، كقوله: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] أي: فضرب فانفلق، ومثله: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦]، أي: فحلق ففدية. ونُسب الفعل إلى الشيطان، لأن زوالهما عنها إنما كان بتزيينه وتسويله فلما كان ذلك منه بسبب، أسند الفعل إليه، كقوله: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾ [الأنفال: ١٧] لما كان الرمي بتقوية الله وإرادته وخلقه نسبه إلى نفسه. ومما يقوي هذه القراءة قوله: ﴿فَأَخْرَجَهُمَا﴾ وأخرجهما في المعنى قريب من (فأزالهما) (٤).
(٢) "الحجة" لأبي علي٢/ ١٨.
(٣) "السبعة" لابن مجاهد ص ١٥٤، "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٤، "النشر" ٢/ ٢١١، "البدور الزاهرة" ص ٣٠.
(٤) في (ب): (فأزلهما). "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٥، وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٩٤، "الكشف عن وجوه القراءات" لمكي١/ ٢٣٦، "الحجة" لابن خالويه ص ٧٤.
وقوله تعالى: ﴿مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾. أي: من الطاعة إلى المعصية. وقيل: من الرتبة والمنزلة (٤). وقيل: من الرفاهية ولين العيش (٥).
واختلفوا في كيفية وسوسة إبليس ووصوله (٦) إلى آدم: فقال الأكثرون ومنهم ابن عباس ووهب: إن الحية أدخلت إبليس الجنة (٧) حتى قال لآدم ﴿هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى﴾ [طه: ١٢٠]، فأبى أن يقبل منه، فقاسمهما بالله إنه لهما لمن الناصحين، فاغترّا (٨) وما كانا يظنان أنّ أحداً
(٢) في (ب): (لأنه).
(٣) "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٦.
(٤) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٥٦، والقرطبي ١/ ٢٦٦.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٩، و"أبي الليث" ١/ ١١١، و"ابن عطية" ١/ ٢٥٦، "البغوي" ١/ ٨٣، "ابن كثير" ١/ ٨٥، ويمكن حمل الآية على القولين الأخيرين.
(٦) الواو ساقطة من (ب)
(٧) في (ب): (إلى الجنة).
(٨) في (ب)، (ج): (فاغتروا).
وقال الحسن: إنما رآهما على باب الجنة لأنهما كانا يخرجان من الجنة (٢).
(٢) ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٦٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٦٧. وهناك قول ثالث: أنه دخل الجنة في صورة حية، وهذا يرجع لأصول القول الأول، وقول رابع ذكره ابن جرير الطبري عن ابن إسحاق وهو: أنه وصل إليهما بطرق الوسوسة، وأنه يخلص إلى ابن آدم في حال نومه ويقظته، ولدعوه إلى المعصية، ويوقع في نفسه الشهوة، وأيد قوله بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال، "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم". كذا ذكر الطبري عن ابن إسحاق، ثم رد قوله ورجح أن الشيطان كلم آدم مشافهة لا وسوسة كما قال: ﴿وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ﴾ [الأعراف: ٢١]، ثم قال: (فالقول في ذلك أنه وصل إلى خطابهما على ما أخبر الله جل ثناؤه، وممكن أن يكون وصل على ذلك بنحو الذي قاله المتأولون بل ذلك إن شاء الله كذلك، لتتابع أقوال أهل التأويل على تصحيح ذلك)، "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٠، قال ابن عطية ١/ ٢٥٦: القول: أنه أغواهما مشافهة قول جمهور العلماء، ومثله قال القرطبي ١/ ٢٦٦.
وإذا نظرنا إلى حال الروايات في كيفية دخول إبليس الجنة وقصة الحية مع إبليس وجدناها أخبارًا إسرائيلية كما قال ذلك ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨٥، وقال "الرازي" بعد ذكره للقول الأول: واعلم أن هذا وأمثاله مما يجب أن لا يلتفت إليه. الرازي ٣/ ١٥، قلت: الله سبحانه وتعالى أخبرنا أن إبليس أزل آدم وكان سببًا في إخراجه من الجنة كما قال ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ﴾. وكيف حصل ذلك، هل بالمشافهة وما طريق المشافهة، أو بالوسوسة؟ كل هذا من علم الغيب الذي لا يثبت إلا بالخبر عن الله سبحانه، أو رسوله، ولا خبر في ذلك يعتمد عليه، ولا ينبني على العلم به كبير فائدة فلا داعي للانشغال بمثله.
وقال أبو إسحاق: كان إبليس أهبط أولاً، لأنه قال: ﴿فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ [الحجر: ٣٤]، وأهبط آدم وحواء بعد ذلك، فجمع الخبر للنبي -عليه [الصلاة] (٤) والسلام لأنهم اجتمعوا في الهبوط وإن اختلف بهم الوقت (٥).
وقال ابن الأنباري: مذهب الفراء أن ﴿اهْبِطُوا﴾ خطاب لآدم وحواء وذريتهما لأن الأب يدل على الذرية إذ كانوا منه (٦).
وقيل: إنه خطاب لآم وحواء. والعرب تخاطب الاثنين بالجمع، لأن التثنية أول الجمع، ومثله من التنزيل قوله: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨]، يريد حكم داود وسليمان، وقوله: ﴿فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ﴾
(٢) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس وأبي صالح، والسدي، ومجاهد، انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٠، "تفسير وابن أبي حاتم" من طريق السدي عن ابن عباس ١/ ٨٨ - ٨٩، وذكره أبو الليث في "تفسيره" ١/ ١١٢، و"الثعلبي" ١/ ٦١ أ، و"ابن عطية" عن السدي ١/ ٢٥٧، وانظر: "التعريف والإعلام" للسهيلي ص ١٩، "غرر التبيان" ص ٢٠١، و"زاد المسير" ١/ ٦٨.
(٣) وهي روايات إسرائيلية كما قال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨٥، انظر ما سبق.
(٤) (الصلاة): ساقط من جميع النسخ.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ص ٤٨.
(٦) "معاني القرآن" للفراء: (قوله: ﴿وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ فإنه خاطب آدم وامرأته، ويقال أيضًا: آدم وإبليس، وقال (اهبطوا) يعنيه ويعني ذريته فكأنه خاطبهم) ١/ ٣١.
وقوله تعالى: ﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾. بعض الشيء طائفة منه (٢).
وأنكر الأصمعي وأبو حاتم إدخال (الألف واللام) في بعض وكل وقالا: إنهما معرفتان بغير الألف واللام، [والعرب لا تدخل فيهما الألف واللام] (٣)، قال الله تعالى: ﴿وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ﴾ [النمل: ٨٧] (٤).
والنحويون مجمعون على جواز إدخال الألف واللام عليهما (٥).
وسنذكر ما قيل في (بعض) عند قوله ﴿يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ﴾ [غافر: ٢٨] إن شاء الله.
و (العدو) اسم جامع للواحد والجميع وللذكر والأنثى، إذا جعلته في مذهب الاسم والمصدر فإن جعلته نعتاً محضاً ثنيت وجمعت وأنثت (٦).
(٢) انظر "تهذيب اللغة" (بعض) ١/ ٣٥٩، "اللسان" (بعض) ١/ ٣١٢.
(٣) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) انظر كلام الأصمعي وأبي حاتم في "تهذيب اللغة" وقال أبو حاتم: ولا تقول العرب (الكل ولا البعض) وقد استعمله الناس حتى سيبوبه والأخفش في كتبهما لقلة علمهما بهذا النحو فاجتنب ذلك فإنه ليس من كلام العرب "التهذيب" (بعض) ١/ ٤٩١، و"اللسان" (بعض) ٧/ ١١٩.
(٥) ورد في "اللسان" بعد كلام أبي حاتم منسوباً للأزهري، ولم أجده في "تهذيب اللغة"، ولعله سقط من المطبوع، وفي "اللسان" عن ابن سيده: (استعمل الزجاجي بعضا بالألف واللام)، "اللسان" (بعض) ١/ ٣١٢.
(٦) في "التهذيب": (وقال أبو عمر:.. و (العداوة) اسم عام من (العدو) يقال: عدو بيِّن العداوة وهو عدو، وهما عدو، وهن عدو، وهذا إذا جعلته في مذهب الاسم والمصدر. فإذا جعلته نعتا محضا قلت: هو عدوك، وهي عدوتك، وهم أعداؤك، وهن عدواتك، "تهذيب اللغة" (عدا) ٣/ ٢٣٤٧.
قال المفسرون: وأراد بهذه العداوة التي بين آدم وحواء والحية، وبين ذرية آدم من المؤمنين وبين إبليس، فإبليس عدو المؤمنين من ولد آدم، وعداوته لهم كفر، والمؤمنون (٢) أعداء إبليس، وعداوتهم له إيمان (٣).
وروى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبي ﷺ أنه (٤) سئل عن قتل الحيات، فقال: "خلقتهن (٥) والإنسان كل واحد منهما عدو لصاحبه، إن رآها أفزعته، وإن لدغته أوجعته فاقتلها حيث وجدتها" (٦).
(٢) في (أ)، (ج): (المؤمنين) وأثبت ما في (ب) لأنه هو الصواب.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٤، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٣٥.
(٤) (أنه) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (خلقت هي والإنسان)، وهذا يوافق ما في الطبري، ومجمع الزوائد كما سيأتي. وهو الصواب.
(٦) أخرجه الطبري بسنده في "تفسيره" ١/ ٥٣٨، وهو في "مجمع الزوائد" ولفظه: (خلقت هي والإنسان سواء فإن رأته أفزعته..) الحديث بمثل رواية الطبري قال الهيثمي: رواه الطبراني في "الأوسط"، وفيه (جابر) غير مسمى، والظاهر أنه الجعفي، وثقة الثوري وشعبة، وضعفه الأئمة أحمد وغيره، ٤/ ٤٥ و (جابر) من رجال الطبري كذلك، وذكر الحديث السيوطي في "الدر" وعزاه إلى الطبري في "تفسيره" ١/ ١٠٨.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾. موضع قرار أحياءً وأمواتاً (٤).
(٢) أخرجه الطبري بسنده، قال شاكر: (إسناده جيد والحديث مروي بأسانيد أخر صحاح)، "تفسير الطبري" ١/ ٥٣٧، وأخرجه أبو داود (٥٢٤٨) كتاب (الأدب) باب (في قتل الحيات) عن أبي هريرة، وأخرج نحوه عن ابن مسعود (٥٢٤٩) وابن عباس "سنن أبي داود" معه "معالم السنن" (٥٢٥٠)، وأخرجه أحمد في "مسنده" ٢/ ٢٤٧، ٤٣٢، ٥٢٠، وأخرجه نحوه عن ابن عباس ١/ ٣٢٠، وقد حكم شاكر على أسانيد أبي داود وأحمد بأنها صحيحة كما في تحقيقه على الطبري.
(٣) قال الطبري: (وأحسب أن الحرب التي بيننا، كان أصله ما ذكره علماؤنا الذين قدمنا الرواية عنهم، في إدخالها إبليس الجنة) ١/ ٢٤٠ - ٢٤١، قال العظيم آبادي شارح سنن أبي داود: (منذ حاربناهن) أي منذ وقع بيننا وبينهن الحرب، فإن المحاربة والمعاداة بين الحية والإنسان جبلية، لأن كلا منهما مجبول على طلب قتل الآخر، وقيل: أراد العداوة التي بينها وبين آدم عليه السلام ما يقال: إن إبليس قصد دخول الجنة فمنعت الخزنة فأدخلته الحية في فيها...) عون المعبود ١٤/ ١٠٩. وفي هامش سنن أبي داود قال يحيى بن أيوب: سئل أحمد بن صالح عن تفسير قوله: (ما سالمنا هن منذ حاربناهن) متى كانت العداوة؟ قال: حين أخرج آدم من الجنة، قال الله: ﴿اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ [طه: ١٢٣]، قال هم قالوا: آدم وحواء، وإبليس والحية، قال: والذي صح: أنهم الثلاثة فقط، بإسقاط الحية، سنن أبي داود "معه معالم السنن" ٥/ ٤١٠.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٤١، و"ابن عطية" ١/ ٢٥٨.
ومعنى التمتع: التلذذ (٢)، والمتعة أيضا من (٣) المتاع، وجمعها مُتعَ (٤).
قال الأعشى:
حَتَّى إِذَا ذَرَّ قَرْنُ الشَّمْسِ صَبَّحهَا | زَوَالُ نَبْهَانَ يَبْغِي أَهْلَهُ مُتَعَا (٥) |
(٢) قال ابن فارس (الميم والتاء والعين) أصل صحيح يدل على منفعة وامتداد مدة في خير.... وذهب من أهل التحقيق بعضهم إلى أن الأصل في الباب (التلذذ)... وذهب منهم آخر إلى أن الأصل الامتداد والارتفاع... (معجم مقاييس اللغة) (متع) ٢/ ٢٩٣، ٢٩٤.
(٣) في (ب): (مثل).
(٤) قال الليث: ومنهم من يقول: متعة، وجمعها (متع)، "تهذيب اللغة" (متع) ٤/ ٣٣٣٧.
(٥) البيت للأعشى يصف صائدا، ويروى (ذؤال) و (من آل) و (ذوآل) بدل (زوال) وفي جميع النسخ (زوال) ولعلها تصحيف، ويروى (صحبه) بدل (أهله) وهوله: ذر قرن الشمس: أول ما يشرق منها، وذؤال: ذأل: أسرع ومشى في خفة، والذؤال: الصائد، متعا: جمع متعة: يعني يطلب لهم زادا وطعاما، ورد البيت في "تهذيب اللغة" (متع) ٤/ ٣٣٣٧، "اللسان" (متع) ٧/ ٤١٢٩، (ديوان الأعشى) ص١٠٨.
(٦) عند قوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ الآية [البقرة: ٢٣٦].
(٧) عند قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾ الآية [البقرة: ١٩٦].
وقوله تعالى: ﴿إِلَى حِينٍ﴾. (الحين) وقت من الزمان، يصلح للأوقات كلها طالت أو قصرت (٤)، ويجمع على (الأحيان) ثم يجمع (الأحيان) أحايين (٥).
قال الليث: وَحيَّنْتَ الشيء، جعلته له حِينًا (٦). والمراد بالحين هاهنا فيما ذكره أهل التفسير: (حين الموت) (٧). وقيل: إلى قيام الساعة (٨).
وإنما قال (٩): (إلى حين) إشارة إلى أن الدنيا دار زوال (١٠).
(٢) في (ج): (ينبتها).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٢.
(٤) ذكره الأزهري عن الزجاج، "تهذيب اللغة" (حين) ١/ ٧١٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٤، "اللسان" (حين) ٢/ ١٠٧٣.
(٥) ذكره الازهري عن الليث، "تهذيب اللغة" ١/ ٧١٤، انظر: "اللسان" (حين) ٢/ ١٠٧٤.
(٦) المراجع السابقة.
(٧) ذكره ابن جرير في "تفسيره" عن ابن عباس والسدي ١/ ٢٤٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٥ أ، وأبو الليث في "تفسيره" ١/ ١١٢، والزجاج في "المعاني" ١/ ٨٤، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٥٩.
(٨) ذكره ابن جرير في "تفسيره" عن مجاهد ١/ ٢٤٢، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٨٤، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٥٩.
(٩) في (ب): (قيل).
(١٠) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٥٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٧٥.
والليث يقول: خرجنا نتلقى الحاج، أي نستقبلهم (٣). وفي حديث آخر "لا تتلقوا الركبان والأجلاب" (٤). وهذا معنى التلقي في اللغة (٥)، وأصله
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج) وأثبته من (ب).
(٣) في (أ): (يستقبلهم)، وما في (ب)، (ج) أصح. والكلام لم أجده منسوبًا لليث، انظر: "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩١، و (العين) (لقو) ٥/ ٢١٢ و (لقى) ٥/ ٢١٥، "اللسان" (لقا) ٧/ ٤٠٦٧.
(٤) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" بسنده، "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩١، وسبق تخريج حديث النهي عن تلقي الركبان. وأخرج مسلم عن أبي هريرة: (أنه نهى أن يتلقى الجلب) رقم (١٥١٩) كتاب (البيوع) باب: (تحريم تلقي الجلب). وأخرجه النسائي في كتاب (البيوع) ٧/ ٢٥٧، واخرجه أبو داود رقم (٣٤٣٧) (البيوع) باب (التلقي). وأخرجه الدارمي (البيوع) ٣/ ١٦٧١ (٢٦٠٨). وأخرجه أحمد في "المسند" بلفظ (الأجلاب) ٢/ ٢٨٤، ٤١٠. وأخرجه ابن ماجه في (البيوع) رقم (٢١٧٨) باب: النهي عن تلقي الجلب.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩١، "الصحاح" (لقي) ٦/ ٢٤٨٤، "اللسان" (لقا) ٧/ ٤٠٦٦.
ويقال لَقَّيْتُه الشيء فَتَلَقَّى، أي عرضته لأن يراه فتعرض له، فَلَقَّيْتُه من (لقى) مثل: رَأيْتُه من (يري)، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ [فصلت: ٣٥] ثم صار التلقي بمعنى الأخذ، لأن الإنسان إنما يستقبل ما يحرص عليه، فكل كلام استقبلته فأنت مريد أخذه، وإلا أعرضت عنه (٣). وجميع أهل اللغة والمعاني فسروا (التلقي) هاهنا بالأخذ والقبول (٤)، ومنه الحديث: (أن رسول الله ﷺ كان يتلقى الوحي من جبريل) (٥) أي يتقبله ويأخذه (٦).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٢ - ٢٤٣.
(٣) (عنه) ساقطة من (ب).
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (لقي) ٤/ ٣٢٩١، والطبري فىِ "تفسيره" ١/ ٢٤٢ - ٢٤٣، (تفسير أبي الليث) ١/ ١١٢، "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٣٨، وابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٦٠. ومنهم من فسر تلقي آدم للكلمات: بأنه تعلمها ودعا بها، انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٥، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٩١.
(٥) بهذا النص ذكره ابن قتيبة في "غريب القرآن" ١/ ٣٨. وبهذا المعنى أخرج أحمد في "مسنده" بسنده عن ابن عباس: أن أبيا قال لعمر يا أمير المؤمنين إني تلقيت القرآن ممن تلقاه، وقال عفان: ممن يتلقاه من جبريل عليه السلام وهو رطب، "المسند" ٥/ ١١٧، وعفان أحد رواة الحديث والأحاديث بمعناه في البخاري رقم (٥٠٤٤) كتاب (فضائل القرآن) باب (الترتيل في القراءة)، ونحوه في مسلم رقم (٤٤٨) كتاب الصلاة، باب: الاستماع للقراءة.
(٦) "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٣٨.
فمعنى قوله تعالى ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ﴾ أي: أخذها عنه وتلقنها (٢). والرجل يُلَقَّى الكلام فيتلقاه، أي يُلَقَّنه فَيَتَلقَّنه (٣).
وبعض الناس يقولون: تلقى هاهنا: تلقن فجعل النون (ياء) كما قالوا تَظَنَّى من الظن (٤)، وذلك غلط لأن النون إنما يجوز إبدالها بالياء إذا اجتمع نونان، وكذلك هذا الباب إذا اجتمع حرفان من جنس واحد جاز إبدال الثاني بالياء. كقول العجاج:
تَقَضِّي البَازِي إِذَا (٥) البَازِي كَسَره (٦)
بمعنى تقضض، فأما إذا لم يجتمع (٧) حرفان، فلا يجوز الإبدال، لا يجوز أن تقول: تقبى بمعنى تقبل، وهذا ظاهر (٨). وتفسير التلقي (٩) بالتلقن
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٢ - ٢٤٣، "غريب القرآن" لابن قتيبة ١/ ٣٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٠، "تهذيب اللغة" (لقى) ٤/ ٣٢٩١.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (لقي) ٤/ ٣٢٩١، "اللسان" (لقا) ٧/ ٤٠٦٦.
(٤) في "تفسير القرطبي": (تظني من تطنن) ١/ ٢٧٦، وكذا في "البحر" ١/ ١٦٥.
(٥) (إذا البازى) ساقط من (ب).
(٦) من أرجوزة يمدح فيها عمر بن عبيد الله بن معمر، يقول: انقض انقاض البَازِي ضم جناحيه، فهو في سرعته سرعة انقاض البَازي إذا كسر، أي ضم جناحيه، وهذا أسرع ما يكون في انقضاضه، ورد البيت في "الخصائص" ٢/ ٩٠، "همع الهوامع" ٥/ ٣٤٠، "اللسان" (قضض) ٦/ ٣٦٦١، "المشوف المعلم" ٢/ ٦٤٦، "ديوان العجاج" ص ٢٨.
(٧) في (أ)، (ج): (تجتمع) والصحيح بالياء.
(٨) انظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٢٧٦، "البحر" ١/ ١٦٥، "الدر المصون" ١/ ٢٩٥.
(٩) في (ب): (الثاني).
و (الكلمات): جمع الكلمة، والكلمة تقع على الكثير والقليل، وتقع على الحرف الواحد من الهجاء.
قال ابن الأعرابي: يقال: لفلان كلمة شاعرة، أي: قصيدة، وقالوا (٢): قال امرؤ القيس في كلمته أي: قصيدته، وقال قس (٣) في قصدته، يعنون خطبته (٤).
وتجمع (الكلمة)، (كَلِمًا) (٥)، قال رؤبة (٦):
لَا يَسْمَعُ (٧) الرَّكْبُ بها رَجْعَ الكِلَم (٨)
وتميم تقول: (كِلْمَة)، وفي الجمع (كِلَم).
وأما استعمال الكلمة في القليل فإن سيبويه [قد أوقعها على الاسم المفرد، والفعل المفرد، والحرف المفرد، فأما الكلام فإن سيبويه] (٩)
(٢) (قالوا) ساقط من (ب).
(٣) هو قس بن ساعدة بن جدامة بن زفر الإيادي، الخطيب البليغ، سمع النبى - ﷺ - حكمته، ومات قبل البعثة، انظر ترجمته في "الإصابة" ٣/ ٢٧٩، "الخزانة" ٢/ ٨٩
(٤) عن "الحجة" لأبي علي بتصرف ٢/ ٣١، وانظر: "تهذيب اللغة" (كلم) ٤/ ٣١٨٠
(٥) في (ب): (كما). قال الجوهري (الكلم لا يكون أقل من ثلاث من كلمات، لأنه جمع كلمة، "الصحاح" (كلم) ٥/ ٢٠٤٣.
(٦) مكان البيت بعد قوله: (تميم تقول: (كِلْمَة) وفي الجمع (كِلَمُ) لأنه شاهد على هذه اللغة. انظر: "تهذيب اللغة" (كلم) ٤/ ٣١٨٠، "اللسان" (كلم) ٧/ ٣٩٢٢
(٧) في (أ)، (ج): (تسمع)، وفي (ب) غير منقوط وضبطته مثل "التهذيب" وغيره.
(٨) ورد البيت في ملحق ديوان رؤبة مع الأبيات المنسوبة له وليست في "ديوانه" ص ١٨٢، وفي "تهذيب اللغة" (هنم) ٤/ ٣٨٠٧، و (كلم) ٤/ ٣١٨٠، وفي "اللسان" (كلم) ٧/ ٣٩٢٢.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
واختلف القراء في هذه الآية، فقرأ ابن كثير (آدم) بالنصب، (كلمات) بالرفع (٣)، وحجته في ذلك: أن الأفعال المتعدية إلى المفعول به على ثلاثة أضرب، منها: ما يجوز أن يكون الفاعل له مفعولا به، ويجوز أن يكون المفعول به فاعلا له (٤) نحو اكْرَمَ بِشْرٌ بكرا، وشتم زيد عمرًا، وضرب عبد الله زيدًا.
ومنها: ما لا يكون [فيه] (٥) المفعول فاعلًا له، نحو: دققت الثوب، وأكلت الخبز.
ومنها: ما يكون إسناده إلى الفاعل في المعنى كإسناده إلى المفعول به، [وذلك] (٦) نحو: أَصَبْت (٧) وَنِلْت وتَلَقَّيْتُ، تقول: نالني خير (٨) ونلت خيراً، وأصابني خير وأصبت خيراً. قال الله تعالى: {لَا يَنَالُ عَهْدِي
(٢) (لا) ساقطة من (ب).
(٣) قرأ ابن كثير وحده بنصب (آدم) ورفع (كلمات) وبقية العشرة برفع (آدم) ونصب (كلمات)، انظر: "السبعة" لابن مجاهد ص ١٥٤، "التبصرة" ص ٢٥٠، "النشر" ٢/ ٢١١، "الإقناع" لابن الباذش ٢/ ٥٩٧، "البدور الزاهرة" ص٣٠.
(٤) في "الحجة": (منها ما يجوز فيه أن يكون الفاعل له مفعولًا به، ومنها ما يجوز أن يكون المفعول به فاعلًا له)، ٢/ ٤٠، وما عند الواحدي هو صحيح.
(٥) (فيه) ساقطة من (ب)، (ج)، وثابت في (أ)، "الحجة" ١/ ٤٠.
(٦) (وذلك) ساقط من (ب)
(٧) في (ب): (أصب).
(٨) في (ب): (خيرًا) في كل المواضع الأربعة بالنصب.
وتقول: لقيت زيدا، وتلقاني وتلقيته، قال:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تُعْرِضْ عَنِ الفُحْشِ واْلخَنَا | أَصَبْتَ حَلِيمًا أَوْ أَصَابَكَ جَاهِلُ (٣) |
(٢) الاستشهاد بهذه القراءة ورد في "الحجة" في غير هذا الموضوع فنقله الواحدي بين هذه الأمثلة. انظر: "الحجة" ٢/ ٤١، ٤٢.
(٣) البيت ينسب لزهير، وينسب لابنه كعب كذا قال ابن قتيبة في "الشعر والشعراء" ص ٧٧. وورد البيت في "الحجة" ٢/ ٤١. "المخصص" ١٥/ ١٦١. وفي "ديوان زهير بن أبي سلمى" وراوية: (إذا أنت لم تقصر عن الجهل.) من قصيدة في سنان ابن أبي حارثة المُري، "ديوان زهير" مع شرحه ص ٣٠٠، وورد في "ديوان كعب بن زهير مع قصائد لكعب لم تذكر في ديوانه" ص ٢٥٧.
(٤) في (أ): (قد) سقطت الواو من الآية، وكذا من الآية التي تليها.
(٥) من أن بعض الأفعال المتعدية إسنادها إلى الفاعل في المعنى كإسنادها إلى المفعول به.
(٦) أي أن قراءة ابن كثير في المعنى كقراءة الجمهور.
(٧) بنصه من "الحجة" لأبي علي ٢/ ٤٠، ٤١، وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٩٤، "الحجة" لابن خالويه ص ٧٥. أما مكي فقال في توجيه قراءة ابن كثير: (علَّه من نصب (آدم) ورفع (الكلمات) أنه جعل (الكلمات) استنقذت (آدم) بتوفيق الله له لقوله إياها الدعاء بها فتاب الله عليه.. فهي الفاعلة وهو المُسْتَنْقَذ بها..)، "الكشف" ١/ ٢٣٧.
ومعنى التلقي للكلمات هو أن الله تعالى ألهم (٦) آدم حتى اعترف
بذنبه، وقال: ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا﴾ الآية [الأعراف: ٢٣]، فهذه الآية هي المعنية بالكلمات في قول الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد (٧)، وأخذ آدم
(٢) في "الحجة": (ومن حجة من رفع أن عليه الأكثر، ومما يشهد للرفع قوله..) ٢/ ٤١.
(٣) في (ج): (تلقى).
(٤) (له) ساقط من (ج).
(٥) (الحجة) لأبي علي ٢/ ٤١، ٤٢، وقال مكي: وعلة من قرأ برفع (آدم) ونصب (الكلمات) أنه جعل (آدم) هو الذي تلقى الكلمات، لأنه هو قبلها ودعا بها، وعمل بها، فتاب الله عليه، فهو الفاعل لقبول الكلمات...) "الكشف" ١/ ٢٣٧، وانظر "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٩٥، "الحجة" لابن خالويه ص ٧٥.
(٦) وكذا قال أبو الليث في "تفسيره" ١/ ١١٢، وقال ابن قتيبة: كأن الله أوحى إليه أن يستغفره ويستقبله بكلام من عنده، "غريب القرآن" ص ٣٨، وقال ابن جرير: (... كأنه استقبله، فتلقاه بالقبول حين أوحى إليه وأخبره..)، "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٢ - ٢٤٣، فهو وحي، انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٠ - ٢٦١، و"زاد المسير" ١/ ٦٩.
(٧) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" عن مجاهد وقتادة وابن زيد والحسن وأبي العالية ١/ ٢٤٣ - ٢٤٤، وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن مجاهد وسعيد بن جبير والحسن وقتادة ومحمد بن كعب وخالد بن معدان وعطاء الخرساني، والربيع ١/ ٩٠ - ٩١، وأخرجه الثعلبي في "تفسيره" بسنده عن ابن عباس قال: وكذلك قال مجاهد والحسن ١/ ٦٦ أ، وانظر: "زاد المسير" ١/ ٦٩، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨٦ - ٨٧. ورجح ابن جرير هذا القول، قال: (والذي يدل عليه كتاب الله أن =
وقال ابن عباس: الكلمات هي: أن آدم قال: يا رب ألم تخلقني بيدك؟ قال: بلى، قال: ألم تنفخ فيّ من روحك؟ قال: بلى، قال: ألم تسبق رحمتك لي غضبك؟ قال: بلى، قال ألم تسكني جنتك؟ قال: بلى، قال: فلم أخرجتني منها؟ قال: بشؤم معصيتك، قال يا رب أرأيت إن تبت وأصلحت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال: نعم قال: فهو الكلمات (١).
قال أبو إسحاق: وفي الآية تعريف للمذنب، كف السبيل إلى التنصل من الذنوب، وأنه لا ينفع إلا الاعتراف (٢).
(١) أخرجه ابن جرير عن ابن عباس بنحوه من عدة طرق، وأخرج نحوه عن أبي العالية والسدي في "تفسيره" ١/ ٢٤٣، وأخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" عن ابن عباس نحوه، قال المحقق: في سنده ضعف وانقطاع ١/ ٣١١، وأخرج الحاكم في "مستدركه" عن ابن عباس نحوه، وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، "المستدرك" ٢/ ٥٤٥، وذكر الثعلبي ١/ ٦٥ ب، وذكره ابن كثير في "تفسيره"، وفي الهامش قال المحقق: (سنده حسن من أجل الحسن بن عطية.. وهذا الأثر كغيره من الآثار المتلقاة عن أهل الكتاب التي لا يجوز الاعتماد عليها في تفسير كتاب الله) ١/ ١٤٩. ذكر الواحدي أشهر الأقوال في المراد بالكلمات، وفيها أقوال أخرى، انظر: "تفسير ابن جرير" ١/ ٢٤٣ - ٢٤٤، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٩٠ - ٩١، و"الثعلبي" ١/ ٦٥ ب، و"ابن عطية" ١/ ٢٦١، "زاد المسير" ١/ ٦٩، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٨٧، و"الرازي" ٣/ ١٩.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٥
وقوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾. معنى التوبة في اللغة: الرجوع. وفي الشريعة: رجوع العبد من المعصية إلى الطاعة (٥)، فالعبد يتوب إلى الله والله يتوب عليه، أي يرجع عليه (٦) بالمغفرة، [والعبد تواب إلى الله أي راجع إليه بالندم، والله تواب يعود عليه بالكرم] (٧) والعبد تواب إلى الله بالسؤال، والله تواب عليه بالنوال (٨).
فمعنى قوله: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ أي عاد عليه بالمغفرة (٩)، ولا يحتاج إلى
(٢) في (ج): (وما قال).
(٣) قوله (لا إله إلا أنت) ساقط من (ب).
(٤) الأثر أورده أبو حيان في البحر ١/ ١٦٥.
(٥) التوبة في الشرع: ترك الذنب، والندم على ما فات، والعزيمة على عدم العودة إليه، وتدارك ما أمكنه من عمل الصالحات، فهذه أركان التوبة وشرائطها، (مفردات الراغب) ص ٧٦، وانظر: "شرح أسماء الله" للزجاج ص ٦١، "تهذيب اللغة" (تاب) ١/ ٤١٦ - ٤١٧، "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٦، و"ابن عطية" ١/ ٢٦١ - ٢٦٢، و"القرطبي" ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨، "زاد المسير" ١/ ٧٠، "البحر" ١/ ١٦٦.
(٦) في (ب): (إليه).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٨) ذكر الأزهري نحوه عن الليث، "تهذيب اللغة" (تاب) ١/ ٤١٦ - ٤١٧.
(٩) (تاب عليه) أي وفقه للتوبة وقبلها منه، وعاد عليه بالمغفرة، انظر: "تفسير الطبري" =
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (٣). أي يتوب على عبده بفضله إذا تاب إليه من ذنبه.
٣٨ - وقوله تعالى: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا﴾ الآية. إعادة الأمر بالهبوط يحتمل وجهين، أحدهما: أنه أراد بالأول هبوطاً من الجنة إلى السماء. وبالثاني هبوطًا من السماء إلى الأرض (٤)، والثاني: أنه كرر للتأكيد (٥).
(١) في (ب): (يحتاج) في الموضعين.
(٢) انظر: "تفسير البيضاوي" ١/ ٢٢، و"النسفي" و"الرازي" ٣/ ٢٢.
(٣) (إنه) ساقط من (ب).
(٤) ذكره ابن عطية عن النقاش في "تفسيره" ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣، و"القرطبي" ١/ ٢٧٩، "البحر" ١/ ١٦٧، وضعف أبو حيان هذا الوجه: لأن الله قال في الهبوط الأول: ﴿وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ ولم يحصل الاستقرار على هذا القول إلا بالهبوط الثاني فكان يمبغي أن يذكر الاستقرار فيه، وقال في الهبوط الثاني: ﴿قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا﴾، وظاهر الضمير أنه يعود إلى الجنة.
(٥) المراجع السابقة، وذكر الماوردي وجهًا ثالثًا: وهو أنه كرر الهبوط، لأنه علق بكل واحد منهما حكما غير الحكم الآخر، فعلق بالأول العداوة، وعلق بالثاني إتيانه الهدى، "تفسير الماوردي" ١/ ٢٦٢.
قال أبو إسحاق (١): (إما) في [هذا] (٢) الموضع بمعنى حرف الشرط والجزاء، إلا أن الجزاء إذا جاء معها (٣) (النون الثقيلة) لزمتها (ما) (٤) وإنما يلزمها لأجل التأكيد، وكذلك دخل (النون) في الشرط لأجل التأكيد. وجواب الجزاء في (الفاء) مع الشرط الثاني وجوابه، وهما جملة جواب للشرط في (إما) (٥). فعلى هذا أصل (إما) (إن) التي للشرط، ألحق بها
(٢) (هذا) ساقط من (ب). ولفظ الزجاج في "المعاني": (إعراب (إما) في هذا الموضع إعراب حروف الشرط والجزاء...) ١/ ٨٦.
(٣) في "معاني القرآن" (معه) ١/ ٨٦، وهو الأولى.
(٤) (ما) ساقطة من (ب). والزجاج بهذا يرى أن فعل الشرط الواقع بعد (إن) الشرطية المؤكدة بـ (ما) يجب تأكيده بالنون، وهذا ما يوضح معنى قوله: (إلا أن الجزاء إذا جاء معها النون الثقيلة لزمتها (ما)، أي أن (إن) الشرطية إذا اتصل فعل الشرط معها بـ (نون التوكيد) وجب زيادة (ما) معها، وبهذا قال المبرد، قال السمين: ليس في كلامهما ما يدل على لزوم (النون) غاية ما فيه أنهما شرطا في صحة تأكيده بالنون زيادة (ما) "الدر المصون" ١/ ٣٠٠، ٣٠١، وقال سيبويه والفارسي وطائفة: لا يلزم تأكيده، وسيأتي رد الفارسي على الزجاج، انظر: "المقتضب" ٣/ ١٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٢ - ٢٦٣، "البحر" ١/ ١٦٧.
(٥) في "معاني القرآن": (وجواب الشرط في (الفاء) مع الشرط الثاني وجوابه وهو ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ وجواب ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ قوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٦ وما أخذ به الزجاج في جواب الشرط: هو قول سيبويه كما ذكر ابن عطية وقال: وحكي عن الكسائي أن قوله: ﴿فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ جواب الشرطين جميعا..) قال ابن عطية: (حكي هذا وفيه نظر..) "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٤، وقيل جواب الشرط الأول محذوف تقديره: فإما يأتينكم مني هدى فاتبعوه وقوله: ﴿فَمَنْ تَبِعَ﴾ جملة مستقلة، قال السمين: وهو بعيد، انظر: "الدر المصون" ١/ ٣٠١.
قال أبو بكر بن السراج: الشرط وجوابه نظير المبتدأ والخبر، إذ كان الشرط لا يتم إلا بجوابه، ولك أن تجعل خبر المبتدأ جملة، هي أيضا مبتدأ وخبر، نحو قولك: (زيد أبوه منطلق) كذلك في الشرط (٣) لك أن تجيبه بجملة (٤) هي جزاء وجواب، نحو قولك: (إن تأتني فمن يكرمني أكرمه) كذلك قوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى﴾ لآية (٥).
وهذا الذي ذكره ابن السراج بيان ما أجمله أبو إسحاق.
قال أبو علي (٦): قول أبي إسحاق: (الجزاء إذا جاء في الفعل معه النون الثقيلة أو (٧) الخفيفة لزمه (ما) (٨) يوهم (٩) أن (ما) لزم لدخول (النون)، وأن سبب لحاق (ما) لحاق (النون).
والأمر بعكس ذلك وخلافه، لأن السبب الذي دخلت (النون) الشرط
(٢) قوله: (التأكيد) كذا في جميع النسخ ولعل الصواب (للتأكيد)، انظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٣٩،"البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٧٦.
(٣) (لك) ساقطة من (ب).
(٤) (بجملة) ساقط من (ب).
(٥) كلمة (الآية) ساقطة من (ب) لم أقف على كلام ابن السراج بهذا النص، ولكن انظر معناه في كتابه "الأصول في النحو" ٢/ ١٥٨.
(٦) ورد كلام أبي علي في كتاب "الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني" متعقبا فيه الزجاج وقد نقل عنه الواحدي طويلا، انظر: "الإغفال" ص ١٠٣ - ١١٣.
(٧) في (ب): (والخفيفة) بالواو ومثله في "الإغفال" ص ١٠٤.
(٨) في (ب): (أن).
(٩) في "الإغفال": (نوهم) ص ١٠٤.
وإنما كان كذلك عند سيبويه (٢) وأصحابه لمشابهة فعل الشرط، بلحاق (ما) به بعد (إن)، الفعل المقسم عليه.
وجهة المشابهة: أن (ما) (٣) حرف تأكيد كما أن (اللام) (٤) تكون
تأكيداً، والفعل وقع بعد (ما) كما (٥) وقع في القسم بعد (اللام). فلما
شابهت (اللام) في ذلك، لزم الفعل مع (ما) (٦) في الشرط (النون)، كما
لزمته (٧) في (ليفعلن)، فسبب (٨) لحاق (النون) دخول (ما) على ما يذهب
إليه النحويون (٩). قال أبو إسحاق: وفتح ما قبل النون ﴿يَأْتِيَنَّكُمْ﴾
(٢) انظر: "الكتاب" ٣/ ٥١٤، ٥١٥.
(٣) (ما) ساقطة من (ب).
(٤) أي لام القسم في مثل (لتفعلن). قال سيبوبه: (... ومن مواضعها أي نون التوكيد حروف الجزاء إذا وقعت بينها وبين الفعل (ما) للتوكيد، وذلك لأنهم شبهوا (ما) بـ (اللام) التي في (لتفعلن) لما وقع التوكيد قبل الفعل ألزموا (النون) آخره كما ألزموا هذه (اللام)..) "الكتاب" ٣/ ٥١٤، ٥١٥.
(٥) في (ب): (كان).
(٦) في (ب): (لزم الفعل معها في الشرط).
(٧) في (ب): (لزمه).
(٨) في (ج): (بسبب).
(٩) "الإغفال" ص ١٠٤، وانظر: "الكتاب" ٣/ ٥١٥.
قال أبو علي: لا يخلو (٢) حركة (الياء) بالفتح من أن يكون لالتقاء الساكنين، كما ذكر أبو إسحاق، أو يكون حركة بنى الفعل عليها، لانضمام الحرف إليه.
فلو كانت الحركة بالفتح لالتقاء الساكنين في ﴿يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ونحوه لما حرك به في (هل تضربن) (٣) و (هل تذهبن) (٤) ونحوه من الصحيح.
ألا ترى أن الساكنين لا يلتقيان في هذا كما يلتقيان في المعتل، والتحرك بالفتح مع (٥) ذلك لازم له، ولو كانت الحركة لالتقاء الساكنين ما لزمت هنا.
وفي تحرك هذا الضرب بالفتح أعني: (الصحيح) (٦) ما يدل على أن المتحرك بالفتح في: ﴿يَأْتِيَنَّكُمْ﴾ ونحوه للبناء، دون التقاء الساكنين، فثبت
(٢) في (ب): (لا تخلوا) (أن تكون) (أو تكون) بالتاء في المواضع الثلاثة ومثله في "الإغفال" ص ١١٤، وهذا أولى.
(٣) في (ج): (هل تضربين).
(٤) في (ج): (هل تكرهين).
(٥) في (ب): (من ذلك).
(٦) في "الإغفال": (أعني: الذي لا ساكنين فيه... إلخ) ص ١١٥.
ويدل أيضًا على فساد قولِه قولُهم: (قُولَنَّ) و (بيعنَّ) ولا تخلو (١) اللام في: (قولن) من أن تكون (٢) محركة لالتقاء الساكنين [أو لبناء الفعل مع الحرف بالفتح، فالذي يفسد القول بأنها محركة لالتقاء (٣) الساكنين] (٤) ردك العين في: (قولن) و (بيعنَّ)، ألا ترى أن (اللام لو كانت حركتها (٥) للساكنين لم يلزم رد العين، كما أن حركتها لما كانت في: (قل الحق) و (بع الثوب) لالتقاء الساكنين لم يلزم رد العين فيه، فردنا للعين (٦) في: (قولن) ونحوه وحذفنا لها في: (قل الحق) دليل بَيِّن أن الحركة في (قولن) لبناء الفعل مع الحرف على الفتح، إذ لو كانت لالتقاء الساكنين ما رُدَّت العين كما لم ترد في (قل الحق) (٧)، وإنما لم ترد في (قل الحق) (٨) لأن النية بحركتها السكون، وما تحرك لها من الساكن الثاني غير لازم (٩).
(٢) من (ب): وفي غيرها: (يكون).
(٣) في "الإغفال": (محركة للساكنين) ص ١١٦.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج) وأثبته من (ب) وهو ثابت في "الإغفال" ص ١١٥ وصحة السياق تقتضيه.
(٥) في (ج): (لو كانت لالتقاء الساكنين).
(٦) في (ب): (العين).
(٧) في "الإغفال":.. (كما لم ترد في (قل الحق) لما كانت الحركة فيه لالتقاء الساكنين، وإنما لم ترد (العين) المحذوفة للساكنين من (قل) ونحوه، وإن تحركت اللام، لأن النية بحركتها... إلخ) "الإغفال" ص ١١٦.
(٨) قوله: (قل الحق) ساقط من (ب).
(٩) انتهى ما نقله عن "الإغفال"، بتصرف يسير في بعض الكلمات، وانظر بقية كلام أبي علي في "الإغفال" ص ١١٦ - ١١٩.
﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ أي: قبل أمري واتبع ما آمر به، فلا خوف عليه في الآخرة ولا حزن (٢).
والخطاب لآدم وحواء وذريتهما (٣)، أعلمهم أنه يبتليهم بالطاعة ويجازيهم بالجنة عليها، وبالنار على تركها، وأن هذا الابتلاء وقع عند الهبوط إلى الأرض (٤).
وقوله تعالى: ﴿هُدَايَ﴾ فتحت (الياء) فيه (٥)، لأنها أتت بعد ساكن، وأصلها الحركة التي هي الفتح، والأصل أن تقول: (غلامي) فتفتح (٦) (الياء)، لأنها حرف في موضع اسم مضمر (٧) منع الإعراب فألزم الحركة،
(٢) قوله: (ولا هم يحزنون) قال الطبري: (ولا هم يحزنون يومئذ على ما خلفوا بعد وفاتهم في الدنيا) الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٤٧، وبهذا قال أكثر المفسرين، انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٣، و"تفسير ابن كثير" في ١/ ٨٨، وذكر ابن عطية في معنى الآية وجها آخر: أي لا خوف عليهم يوم القيامة، ولا هم يحزنون فيه ١/ ٢٦٥٨، والأولى عموم الآية. والله أعلم.
(٣) ذكره ابن جرير، وذكر وجها آخر: وهو أن الخطاب لمن أهبط من السماء وهم آدم وحواء وإبليس ورجح هذا الوجه، انظر: "الطبري" ١/ ٢٤٦، ورجحه ابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٦٢، وبه قال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٨٧.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٥
(٥) من "معاني القرآن" للزجاج بتصرف ١/ ٨٦، ٨٧.
(٦) في (ج): (بفتح) ومثله في "معاني القرآن" ١/ ٨٧.
(٧) أي أن (الياء) ضمير جاء على حرف واحد فيأخذ حكم الحرف في أنه يفتح إذا جاء بعد ساكن، "معاني القرآن" ١/ ٨٧.
وحذف الحركة (٢) جائز لأن (الياء) من حروف المد واللين، وفي ﴿هُدَايَ﴾ سكن ما قبلها، ولم (٣) يكن بد من تحريكها، فجعل حظها ما كان لها في الأصل من الحركة وهو الفتح (٤).
وروى ابن الأنباري أن النبي ﷺ قرأ ﴿فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ﴾ قال (٥): وهي لغة طيئ (٦)، يقولون: هذه عصيَّ ورحَيَّ (٧).
وقرأ ابن أبي إسحاق (٨): ﴿هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا﴾ (٩) [طه: ١٨] وقال أبو ذؤيب:
(٢) في (ب): (الياء).
(٣) في (ب): (فلم).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٧.
(٥) في (ب): (وقال).
(٦) لغة هذيل، انظر: "المحتسب" ١/ ٧٦، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٤، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٠.
(٧) ذكر هذه القراءة ابن جني في "المحتسب" قال: (قراءة النبي ﷺ وأبي الطفيل، وعبد الله بن أبي إسحاق، وعاصم الجحدري، وعيسى ابن عمر الثقفي (هُدَيَّ)..) "المحتسب" ١/ ٧٦ ونحوه في "البحر المحيط" ١/ ١٦٩، وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٧، "البيان" ١/ ٧٦، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٤، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٠.
(٨) هو عبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي النحوي البصري، أخذ القراءة عن يحيى بن يعمر ويعمر ونصر بن عاصم، وتوفي سنة تسع وعشرين ومائة، انظر: "غاية النهاية" ١/ ٤١٠.
(٩) (هي) ساقطة من (ب).
تَرَكُوا هَوَيَّ وَأَعْنَقُوا لِهَواهُمُ | فَتُخُرِّمُوا وَلِكُلِّ جَنْبٍ مَصْرَعُ (١) |
يُطَوَّفُ بِي عِكَبٌّ (٣) فِي مَعَدٍّ | وَيَطْعَنُ بِالصُّمُلَّةِ فِي قَفَيَّا |
فَإِنْ لَمْ تَثْأَرُوا لِي مِنْ عِكَبٍّ | فَلَا أَرْوَيْتُم أبَدًا صَدَيَّا (٤) |
(٢) البيتان للمُنَخَّل اليَشْكري، وقال في "الصحاح": (المتَنخِّل اليَشْكُري)، وفي الهامش: اسم اليَشُكري (المنخل) وأما (المنتخل) فهو الهذلي، "الصحاح" ١/ ١٨٨، وكان من قصة المُنخل (أنه كان بينه وبين المتجردة امرأة النعمان بن المنذر علاقة ولما علم النعمان دفعه إلى سجانه واسمه (عِكب) فقيده وعذبه.
(٣) في (ب): (كعب) في الموضعين.
(٤) يروي البيت: (تثأران) و (فلا رَوَّيْتُما) وقوله: (صَدَيَّا): الصدى في زعم الجاهلية طائر يصيح إذا لم يتأر بالمقتول، وقيل هو اسم ماد والصملة هي العصا. وشاهد (صديا) و (قفيا) حيث استعملهما على لغة هذيل، الأبيات في "المحتسب" ١/ ٧٦، "الخصائص" ١/ ١٧٧، "شرح المفصل" ٣/ ١٨٨، "ترتيب الإصلاح" ١/ ١٨٥، والبيت الأول في "الصحاح" (عكب) ١/ ١٨٨، "اللسان" (عكب) ٥/ ٣٠٥٤.
(٥) هو أبو دواد الإيادي، وكان قد جاور هلال بن كعب من تميم، فلعب غلام له مع غلمان الحي في غدير فغطسوه في الماء ومات، فعزم أبو دواد على مفارقتهم وذم جوارهم، وحاولوا إرضاءه فقال البيت وبيتًا قبله.
فَأَبْلُونِي بَلِيَّتكُم (١) لَعَلِّي | أُصالِحُكُم وأَسْتَدْرِجْ نَوَيَّا (٢) |
٣٩ - وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ الآية. الآيات جمع آية، ومعنى الآية في اللغة: العلامة (٨)، ومنه قوله: {تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا
(٢) قوله: فأبلوني: يقال: أبلاه إذا صنع به جميلا، والبلية: الاسم، وقيل: البلية: الناقة تربط على قبر صاحبها بدون طعام ولا شراب حتى تموت، ونَوَيَّا: يريد (نَوَاي) وهي النية، والمراد الوجه الذي يقصد، انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٨، "تأويل مشكل القرآن" ص ٥٦، "الخصائص" ١/ ١٧٦، ٢/ ٣٤١، ٤٢٤، "مغني اللبيب" ٢/ ٤٢٣، ٤٧٧، "اللسان" (علل) ٥٠/ ٣٠٨٢.
(٣) (ياء) ساقطة من (ج).
(٤) في (ج): (راحاي).
(٥) في (ب): (إذا).
(٦) في (أ)، (ج): (لا تكسر).
(٧) لم أجده للفراء، وذكر ابن جني عن أبي علي نحوه في تخريج لغة هذيل، انظر "المحتسب" ١/ ٧٦، وذكر النحاس هذه العلة عن الخليل وسيبويه، "إعراب القرآن" ١/ ١٦٦، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٣٦، والزجاج في "تفسيره" ١/ ٧٨.
(٨) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٧، "معجم مقاييس اللغة" (أبي) ١/ ١٦٨، "الزاهر" ١/ ١٧٢، "مفردات الراغب" ص ٣٣، "اللسان" (أيا) ١/ ١٨٥، و"فوائد في مشكل القرآن" ص ٦٨، "البرهان في علوم القرآن" ١/ ٢٦٦.
الليث: الآية العلامة، والآية من آيات القرآن، والجميع: الآي (٣)، ولم يزد على هذا. فالآية بمعنى العلامة في اللغة صحيحة (٤).
قال الأحوص (٥):
أَمِنْ رَسْمِ آيَاتٍ عَفَوْنَ وَمَنْزِلٍ | قَدِيمٍ تُعَفِّيهِ (٦) الأَعاَصِيرُ مُحْوِلِ (٧) |
(٢) لم أجده عن ابن الأعرابي، ويظهر أن الواحدي نقل الكلام وما بعده من "تهذيب اللغة"، ولم أجد بحث (آية) في المطبوع من "تهذيب اللغة"، انظر: "الغربيين" للهروي ١/ ١١٦، ١١٧، "اللسان" (أيا) ١/ ١٨٥.
(٣) في "الصحاح" جمع الآية: آي وآياي، آيات، "الصحاح" (أيا) ٦/ ٢٢٧٥، انظر: "اللسان" (أيا) ١/ ١٨٥، وقيل: آياي جمع الجمع.
(٤) انظر: "الصحاح" (أيا) ٦/ ٢٢٧٥، "مقاييس اللغة" (أي) ١/ ١٦٨، "مفردات الراغب" ص ٣٣، "اللسان" (أيا) ١/ ١٨٥.
(٥) هو الأحوص بن محمد بن عبد الله بن عاصم بن ثابت، لشعره رونق وحلاوة أكثر في الغزل، وكان يشبب بنساء أشراف المدينة، فنفاه سليمان بن عبد الملك إلى (دهلك)، انظر: "الشعر والشعراء" ص ٣٤٥، "الخزانة" ٢/ ١٦.
(٦) في (ج): (يعفيه).
(٧) ورد البيت في "الزاهر" ١/ ١٧٢، ولم أجده في شعر الأحوص جمع (عادل سليمان جمال)، والمُحْوِل: المنزل الذي رحل عنه أهله وتغير حاله، انظر: "اللسان" (حول) ٢/ ١٠٦٠.
خَرَجْنَا مِنَ النَّقْبَيْنِ لَا حَيَّ مْثِلُنَا | بآِيَتِناَ نُزْجِي اللِّقَاحَ المطَافِلاَ (٦) |
وبعض أصحابنا (٨) يجوّز على هذا القول أن يسمَّى أقل من الآية آية،
(٢) هو أبو عمرو إسحاق بن مرار الشيباني، جاور بني شيبان في الكوفة ونسب اليهم، شهر بالغريب، أخذ عنه ابن السكيت، انظر ترجمته في: مقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٣٣، "طبقات النحويين واللغويين" ص ١٩٤.
(٣) في (ب): (فقال).
(٤) ذكر البغدادي في "الخزانة": أن علي بن حمزة البصري رد قول ابن السكيت واستشهاده بكلام أبي عمرو الشيباني، ورجح أن الآية: العلامة، انظر: "الخزانة" ٦/ ٥١٥.
(٥) في (ج): (مرج بن شهر). وهو البرج بن مُسْهِر بن جلاس الطائي شاعر معمر. قال ابن دريد. وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم، انظر: "الاشتقاق" لابن دريد ص ٣٨٢، "الأعلام" ٢/ ٤٧.
(٦) قوله: نزجي: نسوق، واللقاح: النوق ذوات اللبن، والمطافل: النوق معها أولادها. ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص ٣٠٤، "الزاهر" ١/ ١٧٢، "مقاييس اللغة" (أي) ١/ ١٦٩، "تفسير القرطبي" ١/ ٥٧، "زاد المسير" ١/ ٧١، (الخزانة) ٦/ ٥١٥، "اللسان" (أيا) ١/ ١٨٥، "الدر المصون" ١/ ٣٠٨.
(٧) سبق ذكر رد علي بن حمزة البصري على هذا القول، وانظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٤، "الزاهر" ١/ ١٧٢، "اللسان" (أيا) ١/ ١٨٥.
(٨) أي من علماء الشافعية.
قال ابن الأنباري: وفي الآية قول ثالث: وهو أن تكون (٢) سميت آية، لأنها عجب، وذلك أن قارئها إذا قرأها يستدل على مباينتها (٣) كلام المخلوقين، ويعلم أن العالم يعجزون عن التكلم بمثلها، فتكون الآية العجب من قولهم: (فلان آية من الآيات) أي عجب من العجائب (٤) فهذا هو القول في معنى الآية.
فأما وزنها من (٥) الفعل، فقال الفراء (٦): إنما تركت العرب همز (ياء) آية، كما يهمزون كل (ياء) بعد الألف ساكنة نحو: قائل وغائب (٧) وبابه،
(٢) في (أ)، (ج): (يكون) واخترت ما في (ب) لأنه هو الصواب موافق لكلام ابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ١٧٣.
(٣) في (أ): (مبانيتها) وما في (ب)، (ج) هو الصواب وموافق لما في "الزاهر".
(٤) "الزاهر" ١/ ١٧٣، وانظر: "زاد المسير" ١/ ٧٢. وخلاصة القول في معنى الآية: أنها تطلق في اللغة على:
١ - المعجزة،
٢ - العلامة،
٣ - العبرة،
٤ - الأمر العجيب،
٥ - الجماعة،
٦ - البرهان والدليل.
(٥) (من) ساقطة من (ج).
(٦) كلام الفراء ورده على الكسائي ذكره ابن منظور في "لسان العرب" عن كتاب (المصادر) للفراء، ولعله نقله عن "تهذيب اللغة"، ولم أجد مبحث (آية) في المطبوع من "تهذيب اللغة"، انظر: "اللسان" (ايا) ١/ ١٨٥. (والآية) وزنها من الفعل - عند الفراء: (فَعْلَة) وعند الخليل (فَعَلَة) أصلها (أَيَيَة)، وعند الكسائي (فَاعِلَة)، أنظر: "الزاهر" ١/ ٣٤٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٧١ - ٧٢، "المفردات في غريب القرآن" ص ٣٣، "فوائد في تأويل المشكل" ص ٦٨، "البرهان" ١/ ٢٦٦، "الدر المصون" ١/ ٣٠٨، "الخزانة" ٦/ ٥١٧، وقد ذكر في أصلها ستة وجوه.
(٧) (قائل وغائب) مكانها بياض في (ج).
وقال] (٣) الكسائي: آية [وزنها (فَاعِلَة)، أصلها آيِيَة، فنقصت (٤)].
الكسائي يقول: استثقلت الكسرة على الياء الأولى فسكنت، ثم حذفت لاجتماع الساكنين (٥)، هذا معنى قوله: (فنقصت).
قال الفراء: ولو كانت (آية) فَاعِلَة ما صغروها (٦) أيَيَّة، لأن (فاعلة) تصغّر (فُوَيْعِلَة).
فقال الكسائي: قد صغروا: عاتكة وفاطمة عُتَيكة وفُطَيْمة، فالآية مثلها.
فقال الفراء: العرب لا تصغر (فاعلة) (فُعَيلة) إلا أن يكون اسماً في مذهب (فلانة) فيقولون هذه فُطَيْمة قد جاءت، إذا كان (٧) اسمها (٨)، فلو
(٢) (دينار) و (قيراط) أصلهما (دَنَّار) و (قَرَّاط) فاستثقلوا التشديد فأبدلوا من الحرف الأول (ياء) لانكسار ما قبله فصار: دينار وقيراط. انظر "الزاهر" ١/ ١٧٣، "الصحاح" (أيا) ٦/ ٢٢٧٥.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) انظر (الزاهر) ١/ ٣٤٢.
(٦) في (أ): (ما صنعوها) وما في (ب)، (ج) هو الصحيح، وفي "اللسان" (ما صغرها).
(٧) في (ب): (كانت).
(٨) في "اللسان" (اسما) ١/ ١٨٥.
وكذلك رجل اسمه أسود يقول: هذا سويد [قد جاء، لأنه فلان، فإن كان نعتًا قلت: (أُسَيْد) و (أُسَيْوِيد) ولا يجوز هذا رجل سُوَيد] (٣). والفرق بين الحالين أن في الاسم العلم روعي التخفيف [فصغر تصغير الترخيم] (٤). وفي النعت صُغِّر على الأصل، فعلى قول الفراء آيات (٥) وزنها (فَعْلات)، وعلى قول الكسائى وزنها (فَاعِلات) (٦).
ومعنى آيات الله في هذه الآية: دلائله، ويدخل فيها كتبه التي أنزلها على أنبيائه (٧).
فإن قيل: لم دخلت الفاء في سورة الحج: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (٨) [الحج: ٥٧]، وسقطت هاهنا؟
قيل: إنما دخل فيه "الفاء" من خبر الذي وأخواته مشبه (٩) بالجزاء،
(٢) في "اللسان" (بنتك).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ، ج)، وأثبته من (ب)، لأن صحة السياق تقتضيه.
(٤) في (ج): (الرخيم). وما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) (آيات) ساقطة من (ب).
(٦) في (ب): (علامات).
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٣ - ٢٥٤، "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٤، "البحر المحيط" ١/ ١٧٠.
(٨) في (ب): (أولئك)، تصحيف.
(٩) في (ج): (شبه).
٤٠ - قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾. الكلام في (الابن) وأصله يذكر عند قوله: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ (٤). و (إسرائيل) هو يعقوب (٥) عليه السلام ولا يتصرف لاجتماع العجمة والمعرفة (٦)، وكل اسم اجتمعتا فيه وزاد على ثلاثة أحرف لم ينصرف عند أحد من النحويين (٧).
وذكر في التفسير وجوه في اشتقاق هذا الاسم (٨)، والأصح عند أهل
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) انظر شرح هذه المسألة في "سر صناعة الأعراب" ١/ ٢٥٨.
(٤) سورة البقرة: ٤٩، وقد تكلم عن (ابن) هناك وتوسع في البحث.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٤، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٧، "زاد المسير" ١/ ٧٢.
(٦) أي: العلمية.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٨، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٧، "المشكل" لمكي ١/ ٤١، "الإملاء" ١/ ٣٣، "الدر المصون" ١/ ٣١٠.
(٨) من هذه الوجوه: أنه مركب من (إسرا) وهو العبد، و (إيل) اسم من أسماء الله تعالى، فكأنه عبد الله، وقيل معنا: "إسرا" صفوة، و"إيل" الله تعالى، ومعناه صفوة الله، وفيه وجوه أخرى ذكرها أبو حيان في "البحر" ١/ ١٧١، وقال بعدها: (وهذه أقاويل ضعاف)، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٨ - ٢٤٩، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٦ ب، "التعريف والأعلام" للسهيلي ص٢٠ و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٨١ - ٢٨٢.
وقوله تعالى: ﴿اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾. أراد نعمي (١)، فأوقع الواحد موقع الجماعة (٢)، كقوله: ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ﴾ (٣). وذلك أن الله تعالى فلق لهم البحر، وأنجاهم من فرعون، وظلل عليهم الغمام إلى سائر ما أنعم الله به عليهم (٤)، وهو في قوله عز وجل: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ﴾ الآية [المائدة: ٢٠].
وأراد بقوله: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أي على آبائكم وأسلافكم، وجعلها عليهم لأن النعمة على آبائهم نعمة عليهم، ومثله في الكلام كثير، يفاخر الرجل الرجل فيقول هزمناكم يوم ذي قار، بمعنى (٥): هزم آباؤنا آباءكم (٦).
قال الفرزدق:
وَبَيْتَانِ:
بَيْتُ اللهِ نَحْنُ وُلاَتُهُ | وَبَيْتٌ بأعْلَى إِيلِيَاءَ مُشَرَّفُ (٧) |
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٧ أ، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٧، و"تفسير البغوي" ١/ ٦٦، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٢، "زاد المسير" ١/ ٧٢.
(٣) سورة إبراهيم: ٣٤، والنحل: ١٨.
(٤) انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٩، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٧ أ، قال ابن عطية - بعد أن ذكر الأقوال في المراد بالنعمة: (وهذه الأقوال على جهة المثال، والعموم في اللفظة هو الحسن) ١/ ٢٦٧.
(٥) في (أ)، (ج): (معناه)
(٦) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٢، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٧ أ، و"تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٧، "زاد المسير" ١/ ٧٣.
(٧) البيت في "ديوان الفرزدق" ٢/ ٣٢، "معجم البلدان" ١/ ٢٩٣، وإيلياء: بيت المقدس.
وقال آخر:
إِذا افْتَخَرَتْ يَوْمًا تَمِيمٌ بِقَوْسِهَا (١) | فَخَارًا عَلَى مَا أَطَّدَتْ مِنْ مَنَاقِبِ |
فَأَنْتُم بِذِي قَارٍ أَمَالَتْ سُيُوفُكُم | عُرُوشَ الذِينَ اسْتَرْهَنُوا قَوْسَ حَاجِبِ (٢) |
فإن قيل: هذه النعم التي أنعم الله بها على اليهود هم (٣) أبداً يذكرونها ويفخرون بها، فلم ذُكِّروا ما لم ينسوه؟ قيل: المراد بقوله: (اذكروا) اشكروا، وذكر النعمة شكرها، واذا لم يشكروها (٤) حق شكرها، فكأنهم نسوها وإن أكثروا ذكرها (٥).
وقال ابن الأنباري: أراد اذكروا ما أنعمت عليكم (٦) فيما استودعتكم
(٢) البيتان لأبي تمام، وقوله: "ذي قار" يوم من أيام العرب، كان لهم على الفرس، وحاجب: هو ابن زرارة بن عدس، كان أرهن سيفه لكسرى، انظر: "ديوان أبي تمام مع شرحه" ١/ ١٠٩، "معجم البلدن" ٤/ ٢٩٤.
(٣) (هم) ساقطة من (ب).
(٤) في (ب): (يشكرها).
(٥) انظر: "الكشاف" ١/ ٢٧٥، "زاد المسير" ١/ ٧٣، "تفسير البيضاوي" ١/ ٢٣، "تفسير الخازن" ١/ ١١٢، "تفسير النسفي" ١/ ٤٠، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٢.
(٦) في (ب): (أنعمت به عليكم).
والأجود في ﴿نِعْمَتِيَ الَّتِي﴾ فتح الياء (٣)، وكل (ياء) كانت من المتكلم ففيها (٤) لغتان: الإرسال (٥) والفتح، فإذا لقيها ألف (٦) ولام اختارت العرب اللغة التي حركت فيها الياء، وكرهوا الأخرى، لأن اللام ساكنة (٧) فلو لم يفتحوا لأشبه (٨) أن تكون النعمة مجرورة على غير الإضافة (٩)، فأخذوا بأوثق الوجهين وأبينهما (١٠)، لأنه أدل على الأصل وأشكل بما يلزم في
(٢) في (ب): (النعم).
(٣) أجمع القراء العشرة على فتح (الياء) في قوله تعالى: ﴿نِعْمَتِيَ الَّتِي﴾ في مواضعها الثلاثة في البقرة، وقرأ بتسكينها الحسن وابن محيصن، انظر: "الإقناع" ١/ ٥٤٢، "النشر" ٢/ ١٦٢، "البدور الزاهرة" ص ٣٠، "القراءات الشاذة" للقاضي ص ٢٣، وقد سبق ذكر أصول القراء في ياءات الإضافة عند قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ﴾ [البقرة: ٣٠] ص ٣٤١.
(٤) في (ب): (فيه).
(٥) قوله: (الإرسال) أي: تسكينها ثم حذفها لالتقاء الساكنين، وفي "معاني القرآن" للفراء: (وأما نصب الياء من (نعمتي) فإن كل ياء كانت من المتكلم ففيها لغتان: الإرسال والسكون والفتح، ١/ ٢٩.
(٦) (ألف) ساقط من (ب).
(٧) في "معاني القرآن" للفراء: (لأن اللام ساكنة فتسقط الياء عندها لسكونها فاستقبحوا أن يقولوا: (نعمتي التي) فتكون كأنها مخفوضة على غير إضافة) ١/ ٢٩.
(٨) في (ب): (الا شبه).
(٩) المراد: أن الياء من (نعمتي) لو سكنت لحذفت لالتقاء الساكنين فتبقى النعمة مجرورة من دون إضافة للياء فيقال (نعمت).
(١٠) في (ب): (وأبينها).
وقد يجوز إسكانها مع الألف واللام أيضا كقوله: ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] قرئ بإرسال (الياء) وبنصبها (٢)، وإنما اختير الإرسال هاهنا لأن الاختيار ألا تثبت (٣) (ياء) الإضافة في النداء نحو قولك: (يا غلام أقبل) وإذا لم تثبت لم يكن سبيل إلى التحريك.
فأما قوله: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ [الزمر: ١٧، ١٨] الاختيار هاهنا الإرسال (٤)، لأن (الياء) لا تثبت في الفواصل، وقوله: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ آخر الآية (٥).
قال الزجاج: اختير فتح الياء مع اللام لالتقاء الساكنين، ويجوز أن تحذف (٦) الياء في اللفظ لالتقاء الساكنين، والاختيار الفتح، فأما قوله: ﴿أَخِي (٣٠) اشْدُدْ﴾ [طه: ٣٠، ٣١] فلم يكثر القراء فتح هذه الياء (٧)، وأكثرهم
(٢) في (ب): (ونصها). قرأ بسكون الياء حمزة والكسائي وأبو عمرو، ويعقوب وخلف، والبقية بالفتح، انظر: "التيسير" ص ٦٦، "الإقناع" ١/ ٥٤١، "النشر" ٢/ ١٧٠.
(٣) (أ)، (ج): (يثبت) في المواضع الثلاثة واثبت ما في (ب)، لأنه أنسب للسياق.
(٤) قال الداني: (تفرد أبو شعيب بفتح الياء وإثباتها في الوقف ساكنة وحذفها الباقون في الحالين) يريد بقية السبعة ورواتهم، "التيسير" ص ٦٧، وانظر "النشر" ٢/ ١٨٩.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٩.
(٦) في (أ)، (ج): (يحذف) وأثبتها بالتاء كما في (ب) و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨١.
(٧) قوله تعالى: (أخي اشدد) قرأ بفتح الياء أبو عمرو وابن كثير والبقية على إسكانها، انظر: "التيسير" ص ٦٧، "النشر" ٢/ ١٧١، ٣٢٣.
وقوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ﴾. أبو عبيد عن الكسائي وأبي عبيدة: وفيت بالعهد وأوفيت به سواء (٢).
وقال شمر: يقال: وَفَى وأَوفْى، فمن قال: (وَفَى) فإنه يقول تَمَّ، كقولك: وَفَى لنا فلان، أي: تَمَّ لنا قوله ولم يغدر، وَوَفَى هذا الطعامُ قفيزا (٣) أى: تم.
قال: ومن قال: (أَوْفَى) فمعناه: أوفاني حقه، أي: أتمه ولم ينقص منه شيئا، وكذلك أَوْفَى الكيل أي أتمه ولم ينقص منه شيئا (٤). وقال أبو الهيثم فيما رد على شمر: الذي قال شمر (٥) في (وَفَى) و (أَوْفَى): باطل، إنما يقال: أَوْفَيْت بالعهد ووفيت بالعهد، وكل شيء في كتاب الله من هذا
(٢) "تهذيب اللغة" (وفا) ٤/ ٣٩٢٣ - ٣٩٢٤، وانظر: "اللسان" (وفي) ٨/ ٥٨٨٥.
(٣) في (أ)، (ج): (قفيز)، (ب): (فقيرا)
(٤) "تهذيب اللغة" (وفا) ٤/ ٣٩٢٤، وانظر: "اللسان" (وفى) ٨/ ٥٨٨٥. وقوله: (وكذلك أوفى الكيل..) غير موجود في "التهذيب" ضمن كلام شمر ومثبت في "اللسان" مع كلامه.
(٥) قوله: (الذي قال شمر) ساقط من (ب).
وقال الشاعر (٤) في الجمع بين اللغتين:
أَمَّا ابنُ طَوْقٍ فَقَدْ أَوْفَى بِذِمَّتِه | كَمَا وَفَى بِقِلاَصِ النَّجْمِ حَادِيهَا (٥) |
(٢) في "التهذيب" مكان الآية قوله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ﴾ [الإسراء: ٣٤] وفي "اللسان" آية البقرة.
(٣) كلام أبي الهيثم في "تهذيب اللغة" (وفا) ١٥/ ٨٨٦، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩١، و"اللسان" (وفى) ٨/ ٤٨٨٤.
(٤) هو طفيل الغنوي.
(٥) في "الكامل" (بيض) بدل (طوق) وعند الزجاج (عوف) وهو رجل شهر بالوفاء، وقلاص النجوم: هي كما تزعم العرب، أن الدبران جاء خاطبا للثريا وساق مهرها كواكبا صغارا تسمى القلاص، انظر (الكامل) ٢/ ١٨٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩١، "الخصائص" ١/ ٣٧٠، ٣/ ٣١٦، "شرح المفصل" ١/ ٤٢، "اللسان" (وفى) ٨/ ٤٨٨٤، "زاد المسير" ١/ ٧٣، "تفسير القرطبي" ٦/ ٣٢، "الدر المصون" ١/ ٣١٢.
(٦) في (ب): (جل وعلى).
(٧) في (ب): (جزاؤه).
(٨) في (ب)، (ج): (عز وجل).
(٩) ذكره الرازي في "تفسيره" عن ابن عباس ٣/ ٣٥، وابن كثير في "تفسيره" ولم يعزه =
وحذفت (الياء) من ﴿فَارْهَبُونِ﴾ لأنها فاصلة أي رأس آية، ليكون النظم على لفظ متسق، وسمى أهل اللغة أواخر الآي الفواصل، وأواخِر الأبيات (٦) القوافي (٧). ومعناه: فخافوني في نقض العهد (٨).
(١) قال مكي: هذا هو الاختيار لأنه أمر، ويجوز: أنا فارهبون على الابتداء والخبر، "المشكل" ١/ ٤٢، وانظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٧.
(٢) في (ب): (يفسره) وهو أولى.
(٣) في (ج): (بعهده).
(٤) في (ب): (فارهبون).
(٥) في (ب): (بضميره) وهو أصح. الضمير هو (الياء) التي حذفت لأنها رأس آية، انظر. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٤٦، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٧، "المشكل" لمكي ١/ ٤٢، "الإملاء" ١/ ٩٠.
(٦) في (ب): (الايات).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٠، وانظر "اللسان" (فصل) ٦/ ٣٤٢٤، وبعضهم فرق بين رأس الآية والفاصلة، فكل رأس آية فاصلة ولا عكس. انظر "المكتفي في الوقف والابتداء" ص١٤٠، "البرهان" ١/ ٥٣، "الإتقان" ٢/ ٢٨٤، "الفاصلة في القرآن" لمحمد الحسناوي ص ٢٦.
(٨) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٧ ب، وانظر: "الطبري" ١/ ٢٥١، "زاد المسير" ١/ ٧٣.
و (٣) قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾. قال الليث: الأول والأولى: بمنزلة (أَفْعَل) و (فُعْلَى)، وجمع الأول: أولون، وجمع أولى: أوليات. (٤).
قال الأزهري: وقد جمع (أَوَّل) على أُول، مثل أَكْبَر وكُبر، وكذلك الأُولَى، ومنهم من شدد الواو مجموعا من (أَوَّل) (٥).
واختلفوا في وزنه وتأليفه (٦).
فذكر الليث فيه وجهين: أحدهما: أن تأليفه من: (همزة) و (واو) و (لام)، وعلى هذا ينبغي أن يكون (أَفْعَل) منه (أَأْوَل) بهمزتين (٧)، لأنك لو
(٢) ذكره الطبري وعبر عن الحال بقوله: قطع من الهاء المتروكة في (أنزلته) من ذكر (ما) ١/ ٢٥٢، وذكره مكي وقال: وإن شئت جعلته حالا من (ما) في (بما) "المشكل" ١/ ٤٢، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٩، "الإملاء" ١/ ٣٣، "البحر المحيط" ١/ ١٧٧.
(٣) (الواو) ساقطة من (ب).
(٤) "تهذيب اللغة" (أول) ١/ ٢٣٠، "اللسان" (وأل) ٨/ ٤٧٤٧، وقوله: (وجمع أول: أولون) سقط من "التهذيب"، وهو في "اللسان" ضمن كلام الليث.
(٥) "تهذيب اللغة" (أول) ١/ ٢٣٠، "اللسان" (وأل) ٨/ ٤٧٤٧، وفيه: (ومنهم من شدد الواو من (أوَّل) مجموعًا.
(٦) (تأليفه) ساقط من (ب).
(٧) في ج: (همزتين).
الوجه الثاني (٦): أن أصل تأسيسه: واوان ولام، وأدغم إحدى الواوين في الأخرى وشدد، والهمزة فيه ألف (أفعل) (٧).
وقال ابن دريد: (أَوَّل) فَوْعَل، قال: وكان في الأصل: (وَوْوَل) (٨)
(٢) في (ج): (أحد).
(٣) قال مكي: (أَوَّل) اسم لم ينطق منه بفعل عند سيبويه ووزنه (أَفْعَل) فاؤه واو، وعينه واو، ولذلك لم يستعمل منه فعل لاجتماع الواوات. وقال الكوفيون: هو أفعل من (وَأَل) إذا لجأ فأصله (أَوْأل)، ثم خففت الهمزة بأن أبدل منها واو وأدغمت الأولى فيها... وقيل: إن (أول) أَفْعَل من (آل يَؤُل) فأصله: أأْول، ثم قلب فردت الفاء في موضع (العين)، فصار (أَوْأَل) فصنع به من التخفيف والبدل والإدغام ما صنع بالقول الأول، فوزنه بعد القلب (أعفل)، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٢، ٤٣، وانظر: "البيان" ١/ ٧٨.
(٤) قال سيبويه: (وأما (أَوَّل) فهو أَفْعَل، يدل على ذلك قولهم: هو أول منه ومررت بأوَّلَ منك، والأولى) "الكتاب" ٣/ ١٩٥.
(٥) في (ب): (آل) بسقوط الواو.
(٦) عند الليث.
(٧) كلام الليث والأزهري في "تهذيب اللغة" (أول) ١/ ٢٣١، "اللسان" (وأل) ٨/ ٤٧٤٧، وعبارة المؤلف أقرب إلى "اللسان"، وهذا راجع إلى تقارب نسخة ابن منظور التي اعتمد عليها مع نسخة الواحدي، والله أعلم.
(٨) في (ب): (وَوَّل) وكذا في الجمهرة، وما في (أ، ج) ورد على الأصل بفك الإدغام.
وقال المبرد في كتاب "المقتضب": أول يكون على ضربين: يكون اسماً، ويكون نعتاً [موصولاً به (من كذا). فأما كونه نعتاً] (٢)، فكقولك: هذا رجل أوَّلُ منك مجيئاً، كما تقول أحسن منك وجهاً، وجاءني زيد أَوَّلَ من مجيئك، كما تقول: أسبق من مجيئك، وجئتك أَوَّلَ من أمس.
وأما كونه اسماً فقولك: ما تركت أَوَّلاً ولا آخرًا كما تقول: ما تركت له قديماً ولا حديثاً، وعلى أي الوجهين سميت به رجلاً انصرف في النكره، لأنه في باب الأسماء بمنزلة (أَفْكَل)، وفي باب النعوت بمنزلة (أَحْمَر) (٣).
قال الفراء: ووحد الكافر، وقبله جمع، وذلك من كلام العرب فصيح جائز، إذا جاء في الاسم المشتق من الفعل كالفاعل والمفعول به، يريدون (٤) به: ولا تكونوا أول من يكفر به، فيحذف (٥) (من) ويقوم الاسم المشتق من الفعل مقامها (٦)، فيؤدي عن مثل ما أدت (من) عنه من التأنيث والجمع، وهو
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) "المقتضب" ٣/ ٣٤٠، "التهذيب" (أول) ١/ ٢٣٢، "اللسان" (وأل) ٨/ ٤٧٤٨. قال محمد عضيمة في حاشية "المقتضب": (والخلاصة أن أول لها استعمالات ثلاثة:
- تكون أفعل تفضيل ذكرت معها (من) أو حذفت، على أن تقدرها في الكلام فتمنع من الصرف.
- وتكون اسمًا منصرفًا وذلك عند حذف (من) وعدم تقديرها.
- وتكون ظرفًا منصوبًا أو مبنيا على الضم كالغايات. "المقتضب" ٣/ ٣٤.
(٤) في "المعاني": (يراد به) ١/ ٣٢.
(٥) في "المعاني": (فتحذف).
(٦) في "المعاني": (ويقوم الفعل مقامها).
وقد قال الشاعر:
وإِذَا هُمُ (٣) طَعِمُوا فَأَلْأمُ طَاعِمٍ | وَإِذَا هُمُ (٤) جَاعُوا فَشَرُّ جِيَاعِ (٥) |
وقال البصريون في هذا: معناه: ولا تكونوا أول فريق كافر، أو أول حزب، أو أول قبيل كافر، ثم حذف المنعوت، وأقيم نعته مقامه، (٧) وهذا قول المبرد.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (وهو اطعموا).
(٤) في (ب): (هموا).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣، وورد البيت مع بيتين قبله في (نوادر أبي زيد)، وقال: قال رجل جاهلي، ص ٤٣٤، وذكره الطبري ١/ ٢٥٢، وابن عطية ١/ ٢٧٠، "الدر المصون" ١/ ٣١٨.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٢، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٦٧٠.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٨، "المشكل" لمكي ١/ ٤٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ١٩٩، "البحر المحيط" ١/ ١٧٧، =
ويجوز أن يعود إلى (ما) في قوله: ﴿لِمَا مَعَكُمْ﴾ والمراد به التوراة، وذلك أنهم إذا (٤) كتموا أمر النبي ﷺ من كتابهم، فقد كفروا بكتابهم، كما أن من كتم آية من القرآن فقد كفر به (٥).
وإذا قلنا: الكناية تعود إلى القرآن، كان المعنى: ولا تكونوا أول كافر بالقرآن من أهل الكتاب لأن قريشاً كفرت قبلهم بمكة (٦)
وحكي عن أبي العالية أنه قال: الكناية تعود إلى محمد - صلى الله
(١) في (ب): (والأظهر).
(٢) في (ج): (عائد).
(٣) ذكره الطبري في "تفسيره" ورجحه ١/ ٢٥١، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٩٢، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٧٤، "تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٣، وأبو حيان في "البحر" ١/ ١٧٨، ورجحه وضعف الأقوال الأخرى.
(٤) (إذا) ساقط من (ب).
(٥) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٩٢، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٩، "زاد المسير" ١/ ٧٤، و"القرطبي" ١/ ٢٨٣، و"البحر" ١/ ١٧٨، وضعفه ابن جرير، وقال: لا معنى لقول من زعم أن العائد من الذكر في (به) على (ما) التي في قوله: (لما معكم) لأن ذلك، وإن كان محتملاً ظاهر الكلام، فإنه بعيد، مما يدل عليه ظاهر التلاوة والتنزيل... إلخ. "تفسير الطبري" ١/ ٢٥١.
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٢، و"تفسير أبي الليث" ١/ ١١١٤، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٦٩، و"تفسير البغوي" ١/ ٨٧، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٨٣، "البحر المحيط" ١/ ١٧٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ٨٩.
وإنما قيل لهم: ﴿وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ لأن الخطاب لعلماء اليهود، فإذا كفروا كفر معهم الأتباع (٢).
فإن قيل: ما في (٣) (أن تكونوا أول كافر به) من العظم، على ثان كافر؟ قيل: إنهم إذا كانوا أئمة في الضلالة كانت ضلالتهم أعظم (٤).
قال الزجاج: اللغة القُدمى فتح الكاف من (كافر) والإمالة في الكاف -أيضا- جيد (٥)، لأن (فاعلاً) إذا سلم من حروف الإطباق، والحروف المستعلية كانت الإمالة فيه سائغة إلا في لغة أهل الحجاز، والإمالة لغة تميم (٦)، وحروف الإطباق (الطاء والظاء والصاد الضاد) فلا تجوز الإمالة (٧) في ظالم وطالب وضابط وصابر، وحروف الاستعلاء (الخاء،
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٢، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٤، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ أ، و"تفسير البغوي" ١/ ٨٧.
(٣) في (ج): (ما في قوله: وأن تكونوا) ولعله أولى.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ أ، و"تفسير البغوي" ١/ ٨٧، "زاد المسير" ١/ ٤٧، و"تفسير الرازي" ١/ ٤٢، "البحر المحيط" ١/ ١٧٨.
(٥) قال ابن الجزري في "النشر": (انفرد صاحب المبهج عن أبي عثمان الضرير عن الدوري بإمالة (أول كافر به) فخالف سائر الرواة..) "النشر" ٢/ ٦٦. وقال عبد الفتاح القاضي: (لا إمالة لأحد في ﴿أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ﴾ "البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة" ص ٣١.
(٦) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٦٨.
(٧) في (ب): (الا في).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾. أي: ببيان صفة محمد - ﷺ - ونعته عرضاً يسيراً من الدنيا، وذلك أن رؤساء (٣) اليهود كانت لهم مآكل يصيبونها من سفلتهم وعوامهم، فخافوا إن هم بينوا صفة محمد - ﷺ -، وتابعوه أن تفوتهم تلك المآكل والرئاسة، فاختاروا الدنيا على الآخرة (٤).
قال أبو علي: المعنى (٥) (ذا ثمن) فهو من باب حذف المضاف، لأنه إنما يشتري ما هو ذو ثمن لا الثمن (٦). ويجوز أن يكون معنى الاشتراء
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٣، نقل الواحدي كلامه بتصرف.
(٣) في (ج): (راسا).
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ أ، ونحوه ذكر الطبري ١/ ٢٥٣، وأبو الليث ١/ ١١٤. قال ابن كثير ١/ ٨٩: (يقول: لا تعتاضوا عن الإيمان بآياتي وتصديق رسولي بالدنيا وشهواتها فإنها قليلة فانية..)، وقد ذكر ابن عطية أقوالا في الثمن الذي نهوا أن يشتروه بالآيات، ١/ ١٧١ - ١٧٢، وكذا أبو حيان في "البحر" ١/ ١٧٨.
(٥) (المعنى) ساقط من (ب).
(٦) قال الفراء: (وكل ما كان في القرآن من هذا قد نصب فيه الثمن وأدخلت الباء في المبيوع أو المشترى، فإن ذلك أكثر ما يأتي في الشيئين ولا يكونان ثمنا معلوما مثل الدنانير والدراهم.. فإن جئت إلى (الدراهم والدنانير وضعت الباء في الثمن..) "معاني القرآن" ١/ ٣٠، ومعنى كلامه: أنه إذا لم يكن دنانير ولا دراهم في البيع صح أن يكون كل واحد من المبذول ثمنا ومثمنا، انظر: "البحر" ١/ ١٧٨، "الدر المصون" ١/ ٣١٩.
و (القليل) نقيض (٢) الكثير، قَلَّ الشيء يَقِلُّ قِلَّة (٣).
﴿وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ﴾ فاخشون في أمر محمد، لا ما يفوتكم من الرئاسة (٤).
٤٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ الآية. يقال: لَبَسْتُ الأمر أَلْبِسُه لَبْساً، إذا خلطته وشبهته (٥).
وقال ابن دريد: لَبَسْتُ الأمر ولَبَّستُه، إذا عميتُه، ومنه ﴿وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩]، ويقال: في أمره لُبْسَة أي ليس بواضح (٦).
قال ابن السكيت يقال (في أمره لَبْسٌ، أي: اختلاط) (٧).
و (اللباس) ما واريت به جسدك. هذا هو الأصل في اللباس (٨)، ثم
(٢) في "اللسان": (القلة خلاف الكثرة) "اللسان" (قل) ٦/ ٣٧٢٦.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (قلل) ٣/ ٣٠٣٦، "اللسان" (قل) ٦/ ٣٧٢٦.
(٤) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٨ أ، ونحوه عند أبي الليث في "تفسيره" ١/ ١١٤، وقال ابن جرير: (فاتقون) في بيعكم آياتي بالخسيس من الثمن وشرائكم بها القليل من العرض، وكفركم بما أنزلت على رسولي وجحودكم نبوة نبيّ أن أحل بكم ما أحللت بأسلافكم..) ١/ ٢٥٤، وانظر: "تفسيرابن كثير" ١/ ٨٩.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (لبس) ٤/ ٣٢٢٨، "اللسان" (لبس) ٧/ ٣٩٨٦.
(٦) (الجمهرة) ١/ ٢٨٩.
(٧) "إصلاح المنطق" ص ١١، وانظر: "تهذيب اللغة" (لبس) ٤/ ٣٢٢٨، والنص من "التهذيب".
(٨) انظر: "تهذيب اللغة" (لبس) ٤/ ٣٢٢٨، "مجمل اللغة" (لبس) ٣/ ٨٠١، "اللسان" (لبس) ٧/ ٣٩٨٦.
وَحُقَّة مِسْكٍ مِنْ نَسَاءٍ لَبِسْتُها | شَبَابِي وَكَأسٍ بَاكَرَتْنِي شَمُولُهَا (٢) |
قال امرؤ القيس:
أَلَا إن بَعْدَ الفَقِرْ لِلْمَرْءِ قِنْوَةً | وَبَعْدَ المشِيبِ طُولَ عُمْرٍ وَمَلْبَسَا (٤) |
ومعنى الآية: لا تخلطوا الحق الذي أنزلت عليكم من صفة محمد - ﷺ - بالباطل الذي تكتبونه بأيديكم، من تغيير صفته وتبديل نعته (٦).
(٢) البيت لعبد الله بن عجلان النهدي في "الحماسة بشرح المرزوقي" ٣/ ١٢٥٩، "الكامل" ٢/ ٢٩٢.
(٣) في (ب): (مستمع). انظر: "المجمل" "لبس" ٣/ ٨٠٨، "مقاييس اللغة" (لبس) ٥/ ٢٣٠، "اللسان" (لبس) ٧/ ٣٩٨٦.
(٤) يقول بعد الشدة رخاء، وبعد الشيب عمر ومستمتع، وهذا مثل ضربه لنفسه، و (الْقِنْيِة: ما اقتنيت من شىِء فاتخذته أصل مال. والْمَلْبَس: المستمتع والمنتفع، وفي "الديوان" وأكثر المصادر (بعد العدم) بدل (الفقر)، انظر: "ديوان امرئ القيس" ص ٨٧، "تهذيب اللغة" (لبس) ٤/ ٣٢٢٩، "مجمل اللغة" ٣/ ٨٠١، "مقاييس اللغة" ٥/ ٢٣٠، "اللسان" ٧/ ٣٩٨٧، و"القرطبي" ١/ ٢٩٠.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (بطل) ١/ ٣٥٠، "اللسان" ١/ ٣٠٢، و"القرطبي" ١/ ٣٤١.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ ب، انظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٩٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٩، و"ابن عطية" ١/ ٢٧٢، و"القرطبي" ١/ ٢٩١.
وقوله تعالى: ﴿وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ﴾.
قال الفراء (٣): إن شئت جعلت ﴿وَتَكْتُمُوا﴾ في موضع جزم بالعطف (٤)، وإن شئت جعلتها في موضع نصب (٥) على (الصرف)، ومثله (٦): ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا﴾ [البقرة: ١٨٨]، وقوله تعالى: ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا﴾ [الأنفال: ٢٧]، ومعنى (الصرف) أن تأتي (٧) بالواو معطوفاً (٨) على كلام في أوله حادث لا تستقيم (٩) إعادتها في
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ أ، وذكره أبو الليث ولم يعزه لمقاتل ١/ ٣٣٨. وفي الآية أقوال أخرى منها: قيل: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ اليهودية والنصرانية بالإسلام، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٥، و"ابن أبي حاتم" ١/ ٩٨، و"ابن عطية" ١/ ٢٧٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٣.
(٤) قوله: (بالعطف)، أي على (تلبسوا).
(٥) قوله: في موضع نصب على (الصرف) وباضمار أن على رأى البصريين كما سيأتي.
(٦) في (ج): (ومثله قوله)
(٧) في (أ)، (ج): (يأتي). وما في (ب) أصح في السياق وموافق لما في "معاني القرآن" ١/ ٣٤.
(٨) في "المعاني": (معطوفة).
(٩) في (ب)، (ج): (لا يستقيم).
لَاتَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأتِيَ مِثْلَه (٢)
ألا ترى أنه لا يجوز إعادة (لا) في و (تأتي)، ولذلك سمي صرفا إذ (٣) كان معطوفا (٤) ولم يستقم أن يعاد فيه الحادث الذي فيما (٥) قبله. ومثله من الأسماء التي نصبتها العرب وهي معطوفة على مرفوع، قولهم: لو تُرِكْتَ والأسدَ لأكلك (٦)، ولو خُلِّيتَ ورَأْيَك لضللت، لما لم يحسن في
(٢) صدر بيت وعجزه:
عَارٌ عَلَيْكَ إِذا فَعَلْتَ عَظِيمُ
وقد اختلف في نسبته، فنسبه سيبويه للأخطل، ونسبه بعضهم لأبي الأسود الدؤلي، ونسبه بعضهم إلى المتوكل الكناني، وبعضهم إلى حسان، وبعضهم إلى الطرماح بن حكيم، وإلى سابق البربري، والبيت ورد في أغلب كتب النحو. ورد في "الكتاب" ١/ ٤٢، و"المقتضب" ٢/ ٢٥، و"معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٤، والطبري ١/ ٢٥٥، و"الإيضاح العضدي" ١/ ٣١٤، و"الجمل" للزجاجي ص ١٨٧، و"الأزهية" ص ٢٣٤، و"الرصف" ص ٤٨٦، و"شرح المفصل" ٧/ ٢٤، و"الخزانة" ٨/ ٥٦٤، و"شرح شذور الذهب" ص ٣٦٠، و"مغني اللبيب" ٢/ ٣١٦، و"أدب الدنيا والدين" ص ٣٩، و"شرح ابن عقيل" ص ٢٣٣، و"أوضح المسالك" ٤/ ١٨١، وغيرها كثير.
(٣) في (ب): (إذا).
(٤) في (ج): (مطوفا).
(٥) كذا في جميع النسخ وفي "معاني القرآن" للفراء (الحادث الذي قبله) ١/ ٣٤.
(٦) في (ج): (لا كان).
ومذهب البصريين أن جميع ما انتصب في هذا الباب فبإضمار (أن) كأنه قيل: لا يكن منكم لبس للحق وأن تكتموه (٤).
وقوله: ﴿وَأَنتُم تَعْلَمُونَ﴾. أكثر المفسرين على أن المعنى: وأنتم تعلمون أنه الحق، أنه نبي مرسل قد أنزل عليكم ذكره في كتابكم، فليس بمشتبه عليكم شيء من أمره ونسبه، وعلى هذا إنما كفروا لأنهم جحدوا نبوته فلم ينفعهم علمهم (٥).
والأمة اجتمعت (٦) على أن جاحد النبوة كافر، فإذا علموا بقلوبهم، ولم يكن لنا سبيل إلى أن نعلم أنهم علموا (٧)، وظهر منهم جحود، أجمعنا على أنهم كفار.
(٢) في (ج): (ويترك).
(٣) انتهى من "معاني القرآن" للفراء١/ ٣٣، ٣٤، بتصرف، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٤، وانظر تفاصيل الخلاف في هذه المسألة في "الإنصاف" ص ٤٤٢، وقد ذكر قولاً ثالثاً لأبي عمر الجرمي، وهو أن (الواو) هي الناصبة بنفسها؛ لأنها خرجت عن باب العطف، وانظر: "البحر المحيط" ١/ ١٧٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٦، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٩٠، و"القرطبي" ١/ ٢٩١، "البحر" ١/ ١٨٠.
(٦) في (ب): (اجتمعت).
(٧) حتى ولو علمنا أنهم علموا فكفرهم كفر عناد، انظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٢٩١.
٤٣ - قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. الزكاة (٢): تطهير للمال وإصلاح له، وتثمير ونماء، كل ذلك قد قيل (٣).
والأظهر أن أصلها من الزيادة، يقال: زكا الزرع يزكو زكاء، ممدود وكل شيء يزداد فهو يزكو زكاء (٤).
قال النابغة (٥):
وَمَا أَخَّرْتَ مِنْ دُنْيَاكَ نَقْصٌ | وَإِن قَدَّمْتَ عَادَ (٦) لَكَ الزَّكاءُ (٧) |
والعرب تقول للفرد: خسا، وللزوجين (٩) اثنين: زكا، قيل لهما:
(٢) (الزكاة) ساقط من (ب)، (ج).
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (زكا) ٢/ ١٥٤٢، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٥٧، "اللسان" (زكا) ٣/ ١٨٤٩.
(٤) "تهذيب اللغة" (زكا) ٢/ ١٥٤٢، وانظر: "الزاهر" ٢/ ١٨٧.
(٥) هو نابغة بني شيبان، انظر: "الزاهر" ٢/ ١٨٧.
(٦) في (ج): (كان اعاد).
(٧) ورد البيت في "الزاهر" ٢/ ١٨٧، "شمس العلوم" ٢/ ٢٢٣.
(٨) "الزاهر" ٢/ ١٨٧، وانظر: "تهذيب اللغة" (زكا) ٢/ ١٥٤٣.
(٩) في (ب): (للزوج).
إِذا نَحْنُ في تِعْدَادِ خَصْلِكَ لَمْ نَقُلْ | خَسَا وَزَكا أَعْيَيْن مِنَّا المُعَدِّدَا (٣) |
وقوله تعالى: ﴿وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾. أصل الركوع في اللغة الانحناء، وكل شيء ينكب لوجهه وتمس ركبته الأرض أو لا تمسها بعد أن يخفض (٧) رأسه فهو راكع، ويقال للشيخ إذا انحنى (٨) من الكبر: قد ركع (٩).
قال لبيد:
(٢) "تهذيب اللغة" (زكا) ٢/ ١٥٤٢، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٧، "اللسان" (زكا) ٣/ ١٨٤٩.
(٣) في (ب): (المعواد). ورد البيت في "الزاهر" ٢/ ١٨٧، وفي شعر الكميت جمع دواد سلوم ١/ ١٦٢، وفيه: (إذا نحن في تكرار وصفك...).
(٤) "تهذيب اللغة" (زكا) ٢/ ١٥٤٢.
(٥) في (أ): (الخبر) وما في (ب)، (ج) هو الصواب.
(٦) (الآفات) ساقط من (ب). انظر (الزاهر) ٢/ ١٨٧، وانظر الطبري ١/ ٢٥٧.
(٧) في (ج): (ينخفض).
(٨) في (ب): (حنا).
(٩) انظر: "تهذيب اللغة" (ركع) ١/ ١٤٦٢، "الزاهر" ١/ ١٤٠، "مقاييس اللغة" (ركع) ٢/ ٤٣٤، "اللسان" (ركع) ٣/ ١٧١٩.
فالراكع: المنحني في قول لبيد.
وقال (٢) آخر:
وَلَكِنِّي أَنُصُّ العِيَس تَدمَى | أَظلتها (٣) وَترْكَعُ بِالْحُزُون (٤) |
قال المفسرون: معناه (٥)، وصلوا مع المصلين محمد وأصحابه، فعبر بالركوع عن جميع الصلاة، ، إذ كان ركناً من أركانها، كما عبر باليد عن الجسد (٦) في قوله ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ [الحج: ١٠].
أُخَبِّرُ أَخْبَارَ القُرُونِ التِي مَضَتْ
ورد في "الزاهر" ١/ ١٤٠، "تهذيب اللغة" (ركع) ١/ ١٤٦٢، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ ب، "المجمل" (ركع) ٢/ ٣٩٧، "مقاييس اللغة" ٢/ ٤٣٥، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٥، و"القرطبي" ١/ ٢٩٣، "ديوان لبيد" مع شرحه ص ١٧١.
(٢) في (ج): (وقا).
(٣) في (ج): (اضلعها).
(٤) البيت للطرماح، ويروى:
وَلَكِنيِّ أَسِيرُ العَنْسَ يَدْمَى... أَظَلاَّها................
العيس: الإبل، الأَظَل: باطن مَنْسم الناقة والبعير، ويدمى أظلاها من شدة السير، الحزون: جمع حزن، ما غلظ من الأرض في ارتفاع وخشونة، فهي تعثر وتقع في الحزون: فقال: تركع على التشبيه، انظر: "العين" ١/ ٢٢٧، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٩٦، "ديوان الطرماح" ص ٥٣٢.
(٥) (معناه) سقط من (ب).
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٨، انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٥، و"ابن عطية" ١/ ٢٧٤، و"البغوي" ١/ ٨٨، "زاد المسير" ١/ ٧٥، و"القرطبي" ١/ ٢٩٣.
وقيل: لأنه لم يكن في دين اليهود ولا في صلاتهم ركوع، فذكر ما اختص بشريعة الإسلام، والآية خطاب لليهود (٢).
٤٤ - قوله تعالى: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ الآية. نزلت في علماء اليهود، لأنهم كانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين: اثبتوا على ما أنتم عليه، ولا يؤمنون (٣). و (الألف) للاستفهام (٤)، ومعناه: التوبيخ والتهديد (٥)، كأنه قيل لهم: أنتم على هذه الطريقة (٦).
(٢) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٤ - ٢٧٥، "الكشاف" ١/ ٢٧٧، و"تفسير البغوي" ١/ ٨٨، "زاد المسير" ١/ ٧٥، و"تفسير القرطبي" ١/ ٢٩٣. وفسر الطبري الركوع: بالخضوع لله بالطاعة فهو أمر لبني إسرائيل بالخضوع لله بالطاعة ١/ ٢٥٧، وذكر نحوه الزمخشري ١/ ٢٧٧.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٨ ب، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ص ٢٧، وذكره السيوطي في "لباب النقول" ص ١٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٧٤. وأخرج الطبري بمعناه عن ابن عباس "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٨، وفي الآية النهي عن أمرهم الناس بطا عة الله وهم يعصونه، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٧ - ٢٥٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٥.
(٤) في (ج): (الاستفهام).
(٥) في (ب): (التقرير).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٤، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٥، "الكشاف" ١/ ٢٧٧، و"القرطبي" ١/ ٣١١.
و (النسيان) هاهنا بمعنى الترك (٢) من قوله: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧] ويأتي بسط الكلام في النسيان ووجوهه عند قوله: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ [البقرة: ٦٧] (٣) إن شاء الله.
وقال أبو إسحاق: معنى الآية أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتمسك بكتابهم، ويتركون هم التمسك به، لأن جحدهم النبي - صلى الله عليه وسلم- هو تركهم التمسك (٤). فالبر على هذا القول: التمسك بالتوراة.
وقال بعضهم: إن اليهود كانوا يأمرون الناس بالإيمان بمحمد ﷺ قبل ظهوره، فلما ظهر كفروا به (٥)، فذلك قوله: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ﴾ الآية.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾. أي: تقرؤون التوراة، وفيها صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- ونعته (٦).
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ أنه حق فتتبعونه (٧).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٩، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٥، "زاد المسير" ١/ ٧٥.
(٣) انظر: "البسيط" ١/ ل ٢٣٧ (من نسخة إستانبول).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٥، وفيه (التمسك به..).
(٥) ذكره الرازي، وقال هو اختيار أبي مسلم "تفسير الرازي" ٣/ ٤٦.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٨ ب، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٩، و"تفسير البغوي" ١/ ٨٨.
(٧) في (ج): (فتبيعونه).
ويقال: عقَل الرجل يعقِل عقلاً، إذا كان عاقلًا (٢)، وعقل الإنسان هو تمييزه الذي به فارق جميع الحيوان، سمي عقلاً لأنه يعقله أي يمنعه عن التورط (٣) في الهلكة، كما يعقل العقال البعير عن ركوب رأسه. ومن هذا سميت الدية عقلاً لأنها إذا وصلت إلى ولي المقتول عقلته عن قتل (٤) الجاني، أي منعته (٥).
وقال الأصمعي: عقَل الظبي يعقِل عُقُولًا، إذا امتنع، ومنه سمى الوَعِل عاقلاً، والحصن مَعْقِلًا. وعَقَلَ الدواءُ بطنَه إذا أمسكه بعد استطلاقه (٦).
فأصل هذا الحرف من المنع، ثم لما كان الإنسان يعرف الشيء بعقله، سمي العلم عقلاً في (٧) بعض المواضع، فيقال عقلت كذا، أي علمته (٨).
(٢) ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن الأصمعي، "تهذيب اللغة" (عقل) ٣/ ٢٥٢٥.
(٣) في (ب): (التوريط).
(٤) في (ب): (عقل).
(٥) "تهذيب اللغة" (عقل) ١/ ٢٥٢٤، وانظر: "اللسان" (عقل) ٥/ ٣٠٤٧.
(٦) "تهذيب اللغة" (عقل) ١/ ٢٥٢٥، وانظر: "مقاييس اللغة" (عقل) ٤/ ٧٢، "اللسان" (عقل) ٥/ ٣٠٤٦.
(٧) في (ب): (وفي).
(٨) انظر: "مقاييس اللغة" ٤/ ٦٩.
فَصَبَرْتُ عَارِفَةً لِذَلِكَ حُرَّةً | تَرْسُو إذَا نَفْسُ الجَبَانِ تَطَلَّعُ (٥) |
(٢) الحديث ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" بدون سند، وفي الهامش قال المحقق: زاد في (ر). قال سمعت عبد الله بن المبارك يحدثه عن إسماعيل بن أميه يرفعه. "غريب الحديث" ١/ ١٥٥، وذكره الثعلبي ١/ ٦٩ أ، والأزهري في "تهذيب اللغة" عن أبي عبيد ٢/ ١٩٧٢، وهو في "الفائق" ٢/ ٢٧٦، "النهاية في غريب الحديث" ٣/ ٨، "غريب الحديث" لابن الجوزي ١/ ٥٧٨، وذكره في "كنز العمال" عن أبي عبيدة عن إسماعيل بن أمية مرسلا، ١٥/ ١٠.
(٣) في (ج): (فيضرب) وكذا في "الغريب" لأبي عبيد.
(٤) في (ب): (رجلا).
(٥) يقول: صبرت عارفة: أي حبست نفسًا عارفة لذلك، أي نفسه، والعارفة الصابرة، ترسو: أي تثبت وتستقر، تطلع: تطلع نفس الجبان إلى حلقه من الفزع والخوف، البيت في "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١٥٥، "تهذيب اللغة" (صبر) ٢/ ١٩٧٢، "مقاييس اللغة" (صبر) ٣/ ٣٢٩، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ أ، "اللسان" (صبر) ٤/ ٢٣٩١، و (عرف) ٥/ ٢٨٩٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣١٧، "فتح القدير" ١/ ١٢٤، "ديوان عنترة" ص ٢٦٤.
(٦) انتهى كلام أبي عبيد، "غريب الحديث" ١/ ١٥٥، "تهذيب اللغة" (صبر) ٢/ ١٩٧٢.
وقال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصوم، ويقال لشهر رمضان شهر الصبر، وللصائم صابر (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ﴾. قال الحسن والضحاك: ثقيلة (٣).
والأصل في ذلك أن ما يكبر (٤) يثقل على الإنسان حمله. فقيل لكل ما يصعب على النفس -وإن لم يكن من جهة الحمل-: يكبر عليها، كقوله: ﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ [الشورى: ١٣].
وقوله: (وإنها) ولم يقل: (وإنهما) بعد ذكر الصبر والصلاة، لأنه كنى
عن الأغلب والأفضل والأهم (٥)، وهو الصلاة، كقوله: {وَالَّذِينَ
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٥٩، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٣٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ أ، و" تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٧، و"تفسير البغوي" ١/ ٨٩، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٩٢.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٦١، عن الضحاك في "تفسيره" ١/ ٢٦١، وذكره ابن الجوزى عن الحسن والضحاك، "زاد المسير" ١/ ٧٦، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٨، "تفسير القرطبي" ١/ ٣١٨.
(٤) في (أ)، (ج): (ماما يكبر) وأثبت ما في (ب)، لأنه هو الصواب.
(٥) في (ج): (الأعم).
وقال الأخفش (٣): الكناية راجعة إلى كل واحد منهما، أراد وإن كل خصلة منها لكبيرة، كقوله: ﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً﴾ [المؤمنون: ٥٠]، أراد كل واحد منهما قال الشاعر (٤):
والْمُسْيُ والصُّبْحُ (٥) لاَ فَلَاحَ مَعَهْ (٦)
وقيل: رد الهاء إلى الصلاة، لأن الصبر داخل في الصلاة، كقوله: ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ [التوبة: ٦٢]، لأن رضى الرسول داخل في رضى الله تعالى (٧). وقال حسان:
إِنَ شَرْخَ الشَّبَابِ والشَّعْرِ الأَسْـ | ـوَدِ ما لم يُعَاصَ كَانَ جُنُونَا (٨) |
(٢) كلام المؤرج أورده الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٦٩/ أ. المؤرج هو أبو فَيْد مؤرِّج بن عمرو بن الحارث بن ثور السدوسي النحوي البصري، أخذ عن الخليل، توفي سنة خمس وتسعين ومائة، انظر ترجمته في: "طبقات النحويين واللغويين" للزبيدي ص ٧٥، "تاريخ بغداد" ١٣/ ٢٥٨، "وفيات الأعيان" ٥/ ٣٠٤، "إنباه الرواة" ٣/ ٣٢٧.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٥٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ أ.
(٤) هو الأضبط بن قريع السعدي.
(٥) في (ج): (الصباح).
(٦) سبق البيت وتخريجه في تفسير قوله تعالى: ﴿هُمُ المُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: ٥] ص ٨٤، والشاهد قوله: (معه) والمراد: "معهما".
(٧) فلم يقل (يرضوهما) الثعلبي ١/ ٦٩ أ.
(٨) قوله: شرخ الشباب: أوله، ما لم يعاص: أي ما لم يُعْصْ.
ورد البيت في "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ ب، "تهذيب اللغة" (شرح) ٢/ ١٨٥١، "تأويل المشكل" ص ٢٨٨، "مجاز القرآن" ١/ ٢٥٨، "اللسان" (شرخ) ٤/ ٢٢٢٩،=
وقال الحسين بن الفضل: رد الكناية إلى الاستعانة، لأن (استعينوا) يدل على المصدر (٢).
والأصل في هذا وأمثاله أن العرب تذكر شيئين، ثم تخبر عن أيهما شاءت، فتكتفي بالخبر عن أحدهما عن الثاني، لأن فيه دلالة على الثاني (٣) كقوله تعالى: ﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ [البقرة: ٢٥٩]، وقوله: ﴿وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا﴾ [النساء: ١١٢] وقول الشاعر:
نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا | عِنْدَكَ رَاضٍ والرَّأيُ مُخْتَلِفُ (٤) |
(١) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ أ، ب، "تأويل مشكل القرآن" ص ٢٨٨، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٧٩، و"القرطبي" ١/ ٣١٩، "البحر" ١/ ١٨٥، "الدر المصون" ١/ ٣٣٠.
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ ب، "تفسير البغوي" ١/ ٨٩، وانظر: "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٧٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣١٩.
(٣) انظر: "مجاز القرآن" ١/ ٣٩، "تأويل مشكل القرآن" ص ٢٨٨، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٧٩.
(٤) اختلف في نسبة هذا البيت، فنسب لقيس بن الخَطِيم، وهو في ملحقات "ديوانه" ص١٧٣، ونسبه في "الخزانة" ٤/ ٢٧٥، لعمرو بن امرئ القيس، وكذا في "جمهرة أشعار العرب" ص ٢٣٧، ونسبه في "الإنصاف" ص ٨٥ إلى درهم بن زيد الأنصاري، وورد البيت في "الكتاب" ١/ ٧٥، "مجاز القرآن" ١/ ٣٩، "شرح أبيات سيبويه" لابن السيرافي ١/ ٢٧٩، "المقتضب" ٣/ ١١٢، "تهذيب اللغة" =
قال النابغة:
وَنُؤْيٌ كَجِذْمِ الحَوْضِ أَثْلَمُ خَاشِعُ (٣)
ومنه الحديث (كانت الكعبة خُشعة على الماء) (٤) أي: ساكنة، وهذا
(١) انظر "تهذيب اللغة" (خشع) ١/ ١٠٣٤، قال ابن فارس "الخاء والشين والعين" أصل واحد يدل على التطامن... وهو قريب من الخضوع) ٢/ ١٢٨. ونحوه قال الطبري: (أصل الخشوع: التواضع والتذلل والاستكانة) "تفسير الطبري" ١/ ٢٦١.
(٢) "تهذيب اللغة" (خشع) ١/ ١٠٣٤.
(٣) من قصيدة للنابغة الذيباني يمدح النعمان وصدره:
رَماَدٌ كَكُحِل العين لَأْياً أُبِينُه
يقول من الآيات التي عرف بها الدار (رماد ككحل العين، لَاْياً أبينه (أي بصعوبة بطء أتبينه، و (النُّؤْيُّ): حاجز حول البيت لئلا يدخله الماء، و (الْجِذْم): أصل الشيء (أثلم): تثلم: تهدم، و (الخاشع): المطمئن اللاصق بالأرض، ورد البيت في "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ ب، "التهذيب" (خشع) ١/ ١٠٣٤، "اللسان" (خشع) ٢/ ١١٦٦، والقرطبي ١/ ٣٢٠، "ديوان النابغة" ص ٥٣.
(٤) أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" بسنده عن عطاء عن ابن عباس، في رواية طويلة عن خلق الأرض وفيها (.. فبعث الله ريحًا هفافة فصفقت الماء فأبرز خشفة في موضع هذا البيت..) قال المحقق: (حشفة) في جميع الأصول "الأعلام"، ورواها ابن ظهيرة عن عمر بن شبة (خشعة) "أخبار مكة" ١/ ٣٢.
أخرجه الخطابي من طريق الأزرقي بنحوه، "غريب الحديث" ٢/ ٤٩٦، وذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٣٤، وابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" ٢/ ٣٥.
قال المفسرون وأصحاب المعاني: إن (٦) جميع العبادات داخلة تحت قوله: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾ لأنه أراد الصبر عليها (٧)، ولكن خصت الصلاة بالذكر تخصيصا وتفضيلا (٨)، كقوله: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، وقوله ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: ٩٨].
(٢) في (ب): (فتهتز).
(٣) وقد ورد سياق الآية في (أ)، (ج) (وترى) وهو تصحيف في الآية، وفي "تهذيب اللغة" وردت آية الحج: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥] انظر: "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٣٤، والواحدي نقل كلام عنه.
(٤) في (ج): (للماصع).
(٥) "تهذيب اللغة" (خشع) ١/ ١٠٣٤، وانظر: "مقاييس اللغة" (خشع) ٢/ ١٨٢، "اللسان" (خشع) ٢/ ١١٦٦.
(٦) (إن) ساقطة من (ب).
(٧) أكثر المفسرين على أن المراد الاستعانة بالصلاة مع الصبر، لا الاستعانة بالصبر عليها، وقد تقدم الكلام على ذلك، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٨، "الكشاف" ١/ ٢٧٧، و"القرطبي" ١/ ٣١٧.
(٨) خصت الصلاة بالاستعانة بها من بين سائر العبادات لفضلها ولما يتلى فيها، انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٥، و"القرطبي" ١/ ٣١٧.
(٢) في (ب): (مآكلهم) ولعله أولى.
(٣) في (ج): (الشر).
(٤) (الشرف) كذا جاءت في جميع النسخ ولعل المراد حب الرئاسة والشرف المذموم. انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٥، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٨، "زاد المسير" ١/ ٧٥، و"تفسير الرازي" ٣/ ٤٩.
(٥) في (أ): (تكفر) وما في (ب، ج) هو المثبت وهو الصواب.
(٦) في (ب): (عن).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٥.
(٨) انظر: "الطبري" ١/ ٢٦١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٥، "زاد المسير" ١/ ٧٥، "تفسير الرازي" ٣/ ٤٨، "تفسير الخازن" ١/ ١١٨، و"ابن كثير" ١/ ٩٣.
(٩) قال ابن كثير: (الظاهر أن الآية وإن كانت خطابا في سياق إنذار بني إسرائيل فإنهم لم يقصدوا بها على سبيل التخصيص، وإنما هي عامة لهم ولغيرهم) ١/ ٩٣.
(١٠) في (ج): (قبل).
(١١) انظر: "تفسير الرازي" ٣/ ٤٨، و"تفسير الخازن" ١/ ١١٨، "البحر" ١/ ١٨٥.
ظَنِّي بِهِمْ كَعَسَى وَهُمْ بِتَنوُفَةٍ | يَتَنَازَعُونَ جَوَانِبَ الأَمْيَالِ (٣) |
والعرب تقول لليقين: ظن، وللشك: ظن (٦)، لأن في الظن طرفا (٧)
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٣٩، "التهذيب" (ظن) ٣/ ٢٢٥٣، "الأضداد" لابن الأنباري ص١٤، والأصمعي ص ٣٤، والسجستاني ص ٧٧، وابن السكيت ص ١٨٨، والصغاني ص ٢٣٨ (ضمن ثلاثة كتب في الأضداد).
(٣) يروى البيت (ظن) و (ظنوا) بدل (ظني) وفي "الجمهرة": (عهدي بهم) في موضع: (ظني بهم) وفي عدد من المصادر "جوائز الأمثال" وفي "الجمهرة" (جوائب) ويروى (سوائر). ولم أجد رواية (جوانب الأميال) والتنوفة: الفلاة، يتنازعون، يتجاذبون، جوائز الأمثال: (الأمثال السائرة) في البلاد، وبمعناه: (جوائب الأمثال) من جاب يجوب. ورد البيت في "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٣، "الأضداد" للأصمعي ص ٣٥، والسجستاني ص ٩٥، وابن السكيت ص ١٨٨، "تهذيب اللغة" (ظن) ٣/ ٢٢٥٣، "اللسان" ٢/ ٧٢٤ (جوز)، و٥/ ٢٧٦٢ (ظن)، و٥/ ٢٩٥٠ (عسا)، "الجمهرة" ١/ ١٥٤، ٢/ ٩٣٥، "الخزانة" ٩/ ٣٣٣.
(٤) "تهذيب اللغة" (ظن) ٣/ ٢٢٥٣.
(٥) "تهذيب اللغة" (ظن) ٣/ ٢٢٥٣، وانظر: "الأضداد" لابن السكيت ص ١٨٨، "الخزانة" ٩/ ٣١٣.
(٦) قوله: (وللشك ظن) ساقط من (ب).
(٧) في (ج): (طرف).
وقال دريد بن (٤) الصمة:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بَأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ | سَرَاتُهُمُ فِي الفَارِسِيِّ المُسَرَّدِ (٥) |
وحكى الزجاج عن بعض أهل اللغة: أن الظن يقع في معنى العلم [الذي لم تشاهده، وإن كان قد قام في نفسك حقيقة (٦).
(٢) في (أ)، (ج): (وان ظنا) بسقوط (قال).
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٢، "تهذيب اللغة" (ظن) ٣/ ٢٢٥٣، "الأضداد" لابن الأنباري ص ١٤.
(٤) (بن) ساقط من (ج). ودريد: مصغر: أدرد واسمه معاوية بن الحارث من هوازن، كان شجاعا شاعرًا فحلًا، قتل في حنين مشركًا. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص ٥٠٤، "الخزانة" ١١/ ١١٨.
(٥) ظنوا: أيقنوا، و (المدجج): التام السلاح، سَرَاتُهم: خيارهم وأشرافهم، الفارسي المسرد: الدروع. ورد البيت في "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٢. "المجاز" ١/ ٤٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٦، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ ب، "الأصمعيات" ص ١٩٩، "الأضداد" لابن الأنباري ص ١٤، "الجمل" للزجاجي ص ١٩٩، "جمهرة أشعار العرب" ص٢١١، "اللسان" (ظن) ٥/ ٢٧٦٢، "شرح المفصل" ٧/ ٨١، "الخزانة" ١١/ ٢٧٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٢١، "فتح القدير" ١/ ١٢٥، "ديوان دريد" ص ٤٧.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٦. وقال: وهذا مذهب، إِلا أن أهل اللغة لم يذكروا هذا. قال أبو إسحاق: وهذا سمعته من إسماعيل بن إسحاق القاضي -رحمه الله- رواه عن زيد بن أسلم.
وقال الليث: الظن يكون (٣) اسما ومصدرا، تقول: ظننت ظنا، هذا مصدر، وتقول (٤): ظني به حسن، وما هذه الظنون، لما صيرته اسمًا جمعته، كقول النابغة (٥):
أَتَيتُك عَارِيًا خَلَقًا ثِيَابِي | عَلَى خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ الظُّنُونُ (٦) |
(٢) ذكره ابن الأنباري في (الأضداد) مع اختلاف العبارة ص ١٦.
(٣) في (ج): (يكو).
(٤) في (أ)، (ج): (يقول) مع سقوط الواو.
(٥) هو الذبياني.
(٦) ورد البيت في "الشعر والشعراء" ص ٨٤، وفي "تهذيب اللغة" (عرا) ٣/ ٢٣٧٣، وفيه (على عجل) بدل (خوف)، وورد الشطر الأول في "اللسان" (عرا) ٥/ ٢٩٨، وهو في "ديوان النابغة" ص ٧٣، وفيه (فجئتك).
(٧) في (ب): (ترحح).
(٨) انظر: "الوجوه والنظائر" لابن الجوزي ص ٤٢٤.
الأَلمَعِيُّ الذِي يَظُنُ لَكَ الظَّـ | ـنَّ كَمَنْ قَدْ رَأى وَقَدْ سَمِعَا (١) |
وسئل أبو عمرو بن العلاء عن الظن، فقال: النظر في المطلوب بضرب من الأمارة، بمعنى أن الأمارة لما كانت مترددة بين يقين وشك، فتقرب (٧)
(٢) في (ج): (وحقيقة)
(٣) انظر: "الأضداد" لابن الأنباري ص ١٤، "الأضداد" لقطرب ص ٧١، "الأضداد" للأصمعي ص ٣٤، وللسجستاني ص ٧٦، ولابن السكيت ص ١٨٨، (والثلاثة الأخيرة ضمن ثلاثة كتب في الأضداد) "تهذيب اللغة" (ظن) ٣/ ٢٢٥٣، "اللسان" (ظن) ٥/ ٢٧٦٢.
(٤) في (ج): (يوو).
(٥) في (أ)، (ج): (فإن)، وأثبت ما في (ب) لأنه أولى في السياق
(٦) انظر: "غريب الحديث" للخطابي ٣/ ٢٦، "اللسان" (ظن) ٥/ ٢٧٦٢.
(٧) في (أ): (فنفرت)، وفي (ج): (فيقرب) وأثبت ما في (ب).
وقال الأخفش في قوله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾: إنما استعمل الظن بمعنى العلم في هذا الموضع لأمرين: أحدهما: أنه تنبيه أن علم أكثر الناس بالله في الدنيا، بالإضافة إلى علمه به في الآخرة كالظن في جنب العلم.
والثاني. أن العلم الحقيقي في الدنيا بأمور الآخرة لا يكاد يحصل إلا للنبيين والصديقين.
(والملاقاة) و (اللقاء) يحتمل معاني العيان والاجتماع والمحاذاة، والمصير (٤).
كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ [يونس: ٧]، أي المصير إلينا، وقال: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨]، أي مجتمع معكم وصائر إليكم.
قال ابن عباس: يريد الذين يستيقنون أنهم مبعوثون، وأنهم محاسبون، وأنهم راجعون إلى الله سبحانه (٥).
و (اللقاء) و (الملاقاة) حيث ذكر في القرآن يحمله المفسرون على
(٢) قوله: (اليقين صار) ساقط من (ب).
(٣) انظر: "مفردات الراغب" ص ٣١٧.
(٤) انظر: "مقاييس اللغة" (لقى) ٥/ ٢٦١، "الفائق" ٣/ ٣٢٥، "مفردات الراغب" ص ٤٥٣، "اللسان" (لقا) ٧/ ٤٠٦٤.
(٥) أورده الواحدي في "الوسيط" عن ابن عباس، ولم أجده عند غيره فيما اطلعت عليه والله أعلم، وبمعناه عن السدي وابن جريج، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٣، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٠٣.
ولا يمكن حمل الملاقاة في هذه الآية على المعاينة والرؤية (١)، لأن أحداً لا يستيقن (٢) أنه يرى ربه ويعاينه، بل كل واحد منا يرجو ذلك من فضل الله أن يرزقه. وقد فسر الظن هاهنا بمعنى اليقين (٣) فيحمل اللقاء على ما فسره ابن عباس (٤)، ورحمة الله (٥).
وقال أبو علي: معنى قوله: ﴿مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ ملاقو ثواب ربهم (٦)،
(٢) في (ج): (الاستيقان).
(٣) وعلى هذا أكثر المفسرين، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٣، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٠٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٦، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩/ ب، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٩، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٩٣.
(٤) أي: أن المراد به البعث والرجعة إلى الله والجزاء على ما عملوا. انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٦، و"ابن عطية" ١/ ٢٧٩، و"البغوي" ١/ ٦٩، و"ابن كثير" ١/ ٩٣، "البحر" ١/ ١٨٦.
(٥) لفظ الجلالة غير موجود في (ب).
(٦) ذكر هذا التقدير بعض المفسرين كابن عطية في "تفسيره" ١/ ٢٧٩، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٢١، وأبو حيان في "البحر" ١/ ١٨٦، وإن كانت الآية محتملة له، فالأولى عدم صرفها عن ظاهرها كما قال أبو حيان، وقد قالت المعتزلة بنفي رؤية الله تعالى في الآخرة. وقالوا: لفظ اللقاء لا يفيد الرؤية وأولوا الآية على أن المراد: ملاقو ثواب ربهم، كما قال الزمخشري في "الكشاف" ١/ ٢٧٨، فإن قصد بتأويل الآية على هذا نفي الرؤية فهو مردود، انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٧٩، "تفسير الرازي" ٣/ ٥١، "البحر" ١/ ١٨٦.
وأراد (ملاقون ربهم) لأنه فيما يستقبل فتثبت (٢) النون (٣)، لأنك تقول: هو ضارب زيدا، إذا كان فيما يستقبل؛ وإذا كان قد مضى حذفت التنوين (٤) لا غير، ويجوز حذفه أيضا وإن كان لما يستقبل، كقوله: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ (٥) و ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ﴾ [الدخان: ١٥] و ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ﴾ [العنكبوت: ٣٣] نصبت (٦) (وأهلك) على تقدير النون (٧).
(٢) في (ب): (فيثبت).
(٣) اسم الفاعل إذا كان بمعنى الماضي يضاف لما بعده وتحذف النون، وإذا كان بمعنى الاستقبال أو الحال فعند البصريين لا يضاف، ولهذا قالوا هنا: إن النون حذفت تخفيفا، ثم تتمكن به الإضافة، وهي إضافة غير محضة. أما عند الكوفيين فيجوز إضافته ولو كان بمعنى الاستقبال، انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٥٤، و"تفسير الطبري" ٣/ ٢٦٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨٠.
(٤) في (ب): (النون).
(٥) آل عمران: ١٨٥، والأنبياء: ٣٥، والعنكبوت: ٥٧.
(٦) في (ب): (نصب).
(٧) أي على تقدير أن النون لم تحذف للإضافة، وأهلك منصوب بالعطف على الكاف في (منجوك)، وقيل: أهلك منصوب بفعل مقدر، أي وننجي أهلك، وهذا عند من جعل الكاف في موضع جرّ، انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٥٥، "البحر" ١/ ١٥١.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. أي يصدقون بالبعث ولا يكذبون.
ومعنى (إليه): إلى أمره وإحيائه ومسألته (٨)، لأنهم لم يخرجوا عن قبضته قط، وملكته ومثله قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥] أراد إلى أمر ربك (٩)، والمعنى في الجملة إنهم يقرون بالنشأة الثانية،
(٢) في (ب): (يشابهه).
(٣) في (ب): (كذلك).
(٤) أي اسم الفاعل الذي بمعنى الماضي.
(٥) في (أ)، (ج): (إلى) وأثبت ما في (ب)، لأنه الصواب.
(٦) في (ب): ولاجله.
(٧) هذا التعليل على مذهب الكوفيين، أما البصريون فيقولون: تحذف النون أو التنوين منه استثقالاً، وهو مراد، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٣، و"ابن عطية" ١/ ٢٨٠.
(٨) وقيل: الضمير يرجع إلى الله تعالى. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٤، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨٠، "البيان" ١/ ٨٠، و"القرطبي" ١/ ٣٢١، "البحر" ١/ ١٨٧.
(٩) قال ابن جرير: (ألم تر يا محمد كيف مد ربك الظل) ١٩/ ١٨، وقال البغوي: (ألم تر إلى مد ربك الظل) ٦/ ٨٦.
وقال بعض أهل العلم: معنى الرجوع هاهنا العود (٢) إلى الحال الأولى، فمعنى: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ أنهم يرجعون إلى أن لا يكون لهم مالك سواه، يملك نفعهم وضرهم كما كانوا في بدء (٣) الخلق، لأنهم في أيام حياتهم قد يملك غيرهم الحكم عليهم (٤).
٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾. (التفضيل) نقيض التسوية، يقال: فضله إذا أعطاه الزيادة، وفضله إذا حكم له بالزيادة في الفضل. و (التفضل) لبس المفضل من الثوب، وهو ما يتخفف به الإنسان في بيته، ورجل فُضُل متفضل (٥)، ومنه:
...... إِلَّا لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ (٦)
(٢) في (ب): (إلى العود).
(٣) في (ب): (بدو) وقد وردت هكذا في "لباب التفسير" للكرماني ١/ ٢٢٨.
(٤) انظر: "تفسير الرازي" ٣/ ٥١، "لباب التفسير" للكرماني ١/ ٢٢٨، "البحر" ١/ ١٨٧.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (فضل) ٣/ ٢٨٠١، "الصحاح" (فضل) / ١٧٩١، "اللسان" (فضل) ٦/ ٣٤٢٩ - ٣٤٣٠، "مفردات الراغب" ٣١٨.
(٦) جزء من بيت لامرئ القيس يقول:
فَجِئْتُ وَقَدْ نَضَتْ لَنَوْمٍ ثِيَابَهَا | لَدى السِّتْرِ إلاَّ لِبْسَةَ المُتَفَضِّلِ |
البيت في "تهذيب اللغة" (نضا) ٤/ ٣٥٨٩، "اللسان" (نضا) ٧/ ٤٤٥٧، "أوضح المسالك" ص ١٠٥،"شرح شذور الذهب" ص ٢٨٦، "الهمع" ٣/ ١٢٣، ٤/ ٩٤، "الخزانة" ١٠/ ١٣٠، "ديوان امرئ القيس" ص ١١٤.
٤٨ - قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي﴾ الآية. لا تجزي معناه: لا تقضي ولا يغني (٤)، ومنه قوله ﷺ لأبي بردة بن نِيَار (٥): (ولا تجزي عن أحد بعدك) (٦)، معناه:
(٢) ذكره ابن جرير عن قتادة وأبي العالية ومجاهد وابن زيد، وقال ابن جرير: أخرج مخرج العموم ويراد به الخصوص ١/ ٢٦٤ - ٢٦٥، وكذا قال ابن قتيبة في "غريب القرآن" ص ٣٨، وانظر. "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ ب، وابن عطية ١/ ٢٨١، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٢١، "زاد المسير" ١/ ٧٦، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٩٤.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨١.
(٤) كذا في (أ)، (ج) وفي (ب) بدون إعجمام، وفي "الوسيط": (لا يقضي ولا يغني) وفي الحاشية قال: في (أ)، (ب): (لا تقضي ولا تعني) ١/ ٩٩، وفي "تفسير الطبري": (لا تقضي ولا تغني)، ١/ ٢٦٦، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ ب، "تهذيب اللغة" (جزى) ١/ ٦٠١.
(٥) هو أبو بُردة بن نِيَار بن عمرو الأنصاري، من حلفاء الأوس، صحابي جليل شهد العقبة وبدرا والمشاهد النبوية الأخرى، توفي سنة اثنتين وأربعين، انظر "طبقات ابن سعد" ٣/ ٤٥١، "الإصابة" ٤/ ١٨، ٣/ ٥٩٦، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ٣٥.
(٦) قطعة من حديث في قصة أبي بردة بن نِيَار، حينما ذبح قبل صلاة العيد، فأذن له النبي ﷺ أن يضحي بالجذعة المعزى. أخرجه البخاري في عدة =
ومنه الجزية، لأن معناها في كلام العرب: الخراج المجعول على الذمي، سمي جزية لأنها قضاء منه (٤).
قال أهل (٥) العربية: وأصل هذا الحرف من الجزاء الذي هو
(١) ذكره أبو عبيد عن الأصمعي. "غريب الحديث" ١/ ٤٣، وانظر: "تهذيب اللغة" (جزى) ١/ ٦٠١.
(٢) الحديث بهذا النص ذكره أبو عبيد في الغريب قال: (ومنه حديث يروى عن عبيد ابن عمير: (أن رجلا كان يداين الناس..) الحديث. "غريب الحديث" ١/ ٤٣. ولم أجده بهذا اللفظ، وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: "كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه: تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه" (٢٠٧٨) كتاب البيوع باب (من أنظر معسرًا)، وأخرج مسلم (١٥٦٢) كتاب (البيع)، باب (فضل إنظار المعسر). ذكره الألباني في "صحيح الجامع الصغير" "وزيادته" (٤٤٥٤).
(٣) "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٤٣، "الصحاح" (جزى) ٦/ ٢٣٠٢.
(٤) "تهذيب اللغة" (جزى) ١/ ٦٠٢.
(٥) في (ب): (وقال) و (أهل) ساقط.
ومعنى (لا تجزي نفس عن نفس) أي لا يقابل مكروهها بشيء يدرؤه عنها (٢).
وموضع (لا تجزي) نصب، لأنه صفة ليوم (٣). والعائد على اليوم محذوف من الآية، واختلف النحويون فيه، فقال الفراء (٤): التأويل: (لا تجزي فيه نفس عن نفس) ثم حذفت الصفة (٥)، ومثله قوله: {وَأَنذِرْهُم يَوْمَ
(٢) قال ابن جرير في "تفسيره": (واتقوا يومًا لا تقضي نفس عن نفس شيئًا ولا تغني عنها عنى) الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٦٦، و"تفسير أبي الليث" ١/ ١١٦، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٦٩ب، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨٢، و"تفسير البغوي" ١/ ٩٠، و"تفسير الرازي" ٣/ ٥٤، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٩٥.
(٣) انظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٤، "البيان" ١/ ٨٠، "الإملاء" ١/ ٣٥، وقال النحاس: قوله: (لا تجزى) في موضع نصب عند البصريين على نعت لليوم، وعند الكوفيين صلة. "إعراب القرآن" ١/ ١٧١.
(٤) انظر "معاني القرآن" الفراء ١/ ٣١.
(٥) مراده بالصفة حرف الجر، كما هو في اصطلاح الكوفيين، وهو هنا (في) المتصل =
وكان الكسائي لا يجيز إضمار الصفة، ويقول: إن المحذوف هاهنا (٣) (الهاء) وتقديره كأنك قلت: (واتقوا يوما لا تجزيه نفس عن نفس) فجعل اليوم مفعولا على السعة، ثم ألقيت الهاء، كما تقول: رأيت رجلاً أحبّ، تريد (أحبه) (٤) وينشد على هذا (٥):
قَدْ صبَّحَتْ صَبحَهَا السَّلاَمُ | بِكَبِدٍ خَاَلطَهَا السَّنَامُ |
(١) انظر: "الحجة" ٢/ ٤٥.
(٢) وهو مذهب البصريين وجماعة من الكوفيين، انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٨٩، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧١، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٥٨، "المشكل" لمكي ١/ ٤٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨٢، "البحر" ١/ ١٨٩، ١٩٠، قال أبو حيان. والوجهان يعني تقديره: لا تجزى فيه ولا تجزيه، جائزان عند سيبويه والأخفش والزجاج، انظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٣٢١ - ٣٢٢.
(٣) في (ج): (هنا).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٢، والزجاج ١/ ٩٨، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧١، "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٥، و"البيان" ١/ ٨٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٢١، "البحر" ١/ ١٩٠.
(٥) في (ب): (على هذا قال).
(٦) الرجز لم ينسب، والرواية في جميع المصادر (سنام)، ومعنى: (صبحت): أتت بالصبوح، واستعمله في الطعام الذي أتته به مجازا، ويدعوا لها بالخير: (صبحها السلام)، لأنها أتته به على حاجة شديدة للطعام. ورد الزجر في "معاني القرآن" =
قال الكسائي: ولو أجزت إضمار الصفة هاهنا لأجزت: أنت الذي كلمت، وأنا أريد: كلمت فيه، وهذا رجل قصدت، وأنا أريد: إليه، وهذا رجل أرغب، وأنا أريد: فيه، ولم يجز إضمار حرف الصفة في هذه المواضع كذلك في الآية (٢).
قال الفراء والزجاج وجماعة النحويين: لا يلزم ما ذكره الكسائي، لأن الصفة مع الظروف جائزة الحذف، ألا ترى أنك تقول: أتيتك يوم الخميس [وفي يوم الخميس] (٣) فيكون المعنى واحد، وإذا قلت: كلمتك، كان غير معنى كلمت فيك، فلما اختلف المعنى مع الأسماء التي لا تكون ظروفا لم يجز إضمار الصفة معها. و (اليوم) من أسماء الزمان، وأسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون في غيرها (٤).
قال أبو علي (٥): الظروف نوع من أنواع المفعولات المنتصبة عن
(١) مذهب الأخفش جواز الوجهين كما سبق، انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٥٨ - ٢٦٠.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٦٠، و"معاني الفراء" ١/ ٣٢، و"إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧١، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٢١، و"البحر" ١/ ١٩٠.
(٣) (وفي يوم الخميس) ساقط من (أ)، (ج) والواو من قوله: (وفي) ساقطة من (ب)
وثوبتها يقتضيه السياق، الجملة بهذا النص في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٢.
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٢، و"معاني الأخفش" ١/ ٢٦٠، و"معاني الزجاج" ١/ ٩٩.
(٥) نقل الواحدي عن "الإغفال" ص ١٧٤ (رسالة ماجستير).
فأما أسماء الزمان: فالفعل يتعدى إلى مختصه ومبهمه ومعرفته ونكرته وكل نوع منه، كما يتعدى إلى المصدر، وكل ضرب منه. وإنما كان كذلك لاجتماعهما (٢) في دلالة الفعل عليهما.
ألا ترى أن في لفظ (٣) الفعل دلالة على الزمان كما أن في لفظه دلالة على الحدث.
وأما أسماء المكان فإن الفعل يتعدى إلى المبهم منها بغير حرف الجر دون (٤) المختص (٥).
ومعنى المبهم منها ما كان شائعاً ولم يكن له حدود معلومة نحو: خلف وقدام وسائر الجهات الست، وعند. ألا ترى أنه لا حدود لهذه المسميات تقف عندها، كما للمسجد والسوق (٦) والبيت وبغداد والبصرة، تقول: (قمت خلفك) فتعدي إليه الفعل، و (قمت في المسجد)، ولا تقول: (قمت المسجد)، وإنما كان كذلك لأن الفعل لا يدل على ظروف المكان
(٢) في (أ)، (ج): (لاجتماعها) وأثبت ما في (ب) لأنه أصوب وموافق لما في "الإغفال" ص ١٧٤.
(٣) في (ب) تكرار ونصها: (ألا ترى أن لفظ الفعل دلالة الفعل عليهما ألا ترى أن في لفظ الفعل دلالة على الزمان..).
(٤) (دون) ساقط من (ب).
(٥) ذكر كلام أبي علي بمعناه. "الإغفال" ص ١٧٥، وانظر: "الكتاب" ١/ ٤١٢ - ٤١٧.
(٦) نص كلام أبي علي: (.. ألا ترى أنه لا حدود لهذه المسميات تقف عندها فتحصرها بها، كما تحصر بها المختصة منها نحو: المسجد والسوق..) "الإغفال" ص ١٧٤، وكلامه أوضح من عبارة الواحدي.
ألا ترى أنك تقول: مررت بزيد، ولا يجوز أن تقول: مررت زيداً (٢)، فكذلك كان القياس في جميع ظروف المكان أن يتعدى الفعل إليها (٣) بحرف الجر، إلا أن المبهمة جاز حذف الجر منها، لأنها قد أشبهت ظروف الزمان، وذلك أنه ليس لها خلق (٤) كما أن الزمان لا خلقة له، فباين ظروف المكان بعضها بعضا (٥).
فالخلف والقدام وهذه المبهمة يجوز أن تنقلب كلها فيصير الخلف قداما، والقدام خلفا، كما يجوز أن ينقلب ظرف (٦) الزمان فيصير اليوم أمس.
فلما شبهت المبهمة من ظروف المكان بظروف الزمان عَدَّوْا إليها الفعل من غير توسط حرف الجر. وأما المختصة كالدار والبيت والمسجد
(٢) في (ب): (مزيدا).
(٣) (اليها) ساقط من (ب).
(٤) أي ليس لها مدلول محسوس وحيز وهيئة، إنما مدلولها معنوي، كالقدام والخلف، وهذه العبارة لم ترد في "الإغفال".
(٥) في (أ)، (ج): (بعضها بعضها) وأثبت ما في (ب)، لأنه أصوب، المراد أن ظروف المكان تختلف، فظروف المكان غير المختصة لها حكم ظروف الزمان، بخلاف ظروف المكان المختصة غير المبهمة فلا يتعدى الفعل إليها إلا بحرف الجر.
(٦) في (ب): (تنقلب ظروف).
وَيَوْمٍ شَهِدْنَاهُ (٧) سُلَيْماً وَعَامِرًا (٨)
(٢) في (ب): (اليها لا).
(٣) انظر: "الكتاب" ١/ ٤١٤.
(٤) انظر: "الإغفال" ص ١٧٥ - ١٧٦، نقل الكلام بمعناه.
(٥) "الإغفال" ص ١٧٦.
(٦) (جعل) ساقط من (ب).
(٧) في (ج): (شهدنا).
(٨) البيت لم يرد ضمن كلام أبي علي في هذا الموضع، وإنما ورد في كلام أبي إسحاق الزجاج، الذي نقله أبو علي، واستدرك عليه، انظر: "الإغفال" ص ١٧٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٨، والبيت من (شواهد سيبويه) ١/ ١٧٨، وورد في "المقتضب" ٣/ ١٠٥، "الكامل" ١/ ٣٣، "مغني اللبيب" ٢/ ٥٠٣، "شرح المفصل" ٢/ ٤٦، "همع الهوامع" ٣/ ١٦٦، والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٣٢١، وقد نسبه سيبويه لرجل من بني عامر، وعجزه:
قَلِيلٍ سِوى الطَّعْنِ النِّهَال نَوَافِلُه
وقد كثر مجيء الصلة محذوفاً منها العائد، كقولك: (الذي رأيت زيد) والصفة كالصلة على ما ذكرنا من المشابهة، وإذا [قال] (٤) كذلك حسن الحذف منها حسنه من الصلة.
فإن قال قائل: إذا جاز حذف الضمير المتصل من الصفة في نحو قولك: (هذا رجل ضربت)، و (الناس رجلان: رجل أكرمت ورجل أهنت) فلم لا يجوز حذف الجار والمجرور من حيث جاز حذف الهاء؟ قيل: إنما
(١) في (أ)، (ب): (لحذفها) وأثبت ما في (ب)، لأنه هو الصواب، وأقرب إلى عبارة أبي علي في "الإغفال" ونص كلامه: (والجائز عندي من هذه الأقاويل التي قيلت في الآية قول من قال: إن اليوم جعل مفعولًا على السعة ثم حذفت الهاء من الصفة، كما تحذف من الصلة، لأن حذفها منها في الكثرة والقياس كحذفها منها. أما القياس فلأن الصفة تخصص الموصوف..) ص ١٧٦.
(٢) في (ج): (كما أن الصلة تكون كذلك).
(٣) في (ج): (مشابهتها كما تراه).
(٤) كذا وردت في جميع النسخ، وهو تصحيف والنص في "الإغفال" (فإذا كان كذلك) ص ١٧٧، وهذا هو الصواب.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾. قبول الشيء: تلقيه، والأخذ به، وخلاف الإعراض عنه (٥).
اللحياني: يقال (٦): قبلت الشيء أَقْبلَه قَبُولاً وقُبُولاً، وعلى فلان قَبُول، أي تقبله العين (٧)، ومثل ذلك قال ابن الأعرابي (٨).
وقوله: ﴿شَفَاعَةٌ﴾ قال المبرد وثعلب: الشفاعة: كلام الشفيع الملك (٩) في حاجة يسألها لغيره (١٠). وهو من الشفع الذي هو خلاف
(٢) في (ب): (الجمع). وفي "الإغفال": (.. بين الجميع من البصريين..) ص ١٧٨.
(٣) في (ج): (زيدا).
(٤) أنتهى ما نقله عن أبي علي الفارسي من كتاب "الإغفال" ص ١٧٤ - ١٧٨. (رسالة ماجستير) وقد نقل الواحدي كلام أبي علي بتصرف.
(٥) بنصه في "الحجة" لأبي علي ٢/ ٤٦.
(٦) في (ب): (يقول).
(٧) في (ج): (ليس).
(٨) "تهذيب اللغة" (قبل) ٣/ ٢٨٧٥.
(٩) كذا في جميع النسخ، وفي "تهذيب اللغة"، و"اللسان": (للملك).
(١٠) "تهذيب اللغة" (شفع) ٢/ ١٨٩٧، وانظر: "اللسان" (شفع) ٤/ ٢٢٨٩.
قال أحمد بن يحيى: الشفعة (٢) من هذا، ومعناها في اللغة كالزيادة، وهو أن يُشَفِّعَك فيما تطلب (٣) حتى تضمه إلى ما عندك فتزيده (٤) وتشفعه بها، أي أنه كان وترا فضم إليه ما زاده وشفعه به (٥). ومن هذا يقال: شاة (٦) شافع، إذا كان معها ولدها (٧).
قال أصحاب المعاني: ليس معنى: ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ أن هناك (٨) شفاعة لا تقبل، وإنما المعنى لا يكون (٩) شفاعة فيكون لها قبول، كما أن قوله: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ [البقرة: ٢٧٣]، معناه: لا يكون منهم سؤال فيكون إلحاف (١٠)، ويقول امرؤ القيس:
(٢) في (ج): (الشفاعة).
(٣) في (ج): (يطلب).
(٤) في (ج): (فتزيده بها).
(٥) "تهذيب اللغة" (شفع) ٢/ ١٨٩٨، وفيه: (قال المنذري وسمعت أبا العباس وسئل عن اشتقاق الشفعة في اللغة فقال: الشفعة: الزيادة..)، وانظر: "اللسان" (شفع) ٤/ ٢٢٩٠.
(٦) قوله: (يقال شاة) ساقط من (ب).
(٧) ذكره أبو عبيدة في "غريب الحديث" ١/ ٢٥٧، وذكره عنه الأزهري، "تهذيب اللغة" (شفع) ٢/ ١٨٩٨.
(٨) في (ب): (وأن هناك).
(٩) في (ب): (تكون) ومثله في "الحجة" لأبي علي ٢/ ٤٧.
(١٠) نقله عن أبي علي من "الحجة" ٢/ ٤٦، ٤٧، - ولم أجده عن أحد من أهل (المعاني) فيما اطلعت عليه وظاهر كلام أبي علي نفي أصل الشفاعة، حيث قال =
عَلَى لاَحِبٍ لاَ يُهْتَدى لِمَنَارِه | إِذَا سَافَهُ العَوْدُ الدِّيَافِيُّ جَرْجَرَا (١) |
وَلاَ تَرى الضَّبَّ بهَا يَنْجَحِرْ (٢)
أي ليس هناك (ضب) فيكون منه (٣) انجحار.
ومعنى الآية عند الجمهور: أنه وإن كان ظاهرها العموم فهي مخصوصة بمن مات على كفره غير تائب. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٨، و"تفسير البغوي" ١/ ٩٠٠، و"تفسير ابن كثير" ١/ ٩٥. ولم ينبه الواحدي على كلام أبي علي الموهم لنفي الشفاعة، مع أن الواحدي ذكر المعنى الصحيح في الآية في موضع آخر كما سيأتي.
(١) يروي البيت في جميع المصادر (بمناره) وفي "ديوان امرئ القيس" (النباطي) بدل (الديافي) قوله (على لاَحِبٍ): اللاحب الطريق البين الذي لحبتته الحوافر، ثم يستعمل لكل طريق بين وخفي، و (لا يهتدي لمناره): ليس فيه علم ولا منار يهتدى به، (سافه العَوْد) أي شمه المسن النجائب، (جرجرا): صوت ورغاء الإبل. ورد البيت في "تهذيب اللغة" (لحف) ٢/ ١٥٩٨، (ساف) ٢/ ١١٣٢، (داف) "الحجة" ٢/ ٤٧، "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٣٦، "الخصائص" ٣/ ١٦٥، ٣٢١، "مقاييس اللغة" ٢/ ٣١٨، "اللسان" (ديف) ٣/ ١٤٦٦، (سوف) ٤/ ٢١٥٣، "الخزانة" ١٠/ ٢٥٨، "ديوان امرئ القيس" ص ٦٤.
(٢) عجز بيت نسبه بعضهم لعمرو بن أحمر وصدره:
لاَ يُفْزِعُ الأَرْنَبَ أَهْوَالُهَا
يقول ليس ثم هول تفزع منه الأرنب، وليس هناك ضب فيكون منه انجحار. ورد البيت في "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٣٦، "الخصائص" ٣/ ١٤٦، ٣٢١، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٤٧.
(٣) في (ب): (هناك).
أُلْفِيَتَا عَيْنَاكَ عِنْدَ القَفَا (٥)
وقول آخر:
... يَعْصِرْنَ السَّلِيَط أَقَارِبُهْ (٦)
(٢) في (ج): (بالمسند).
(٣) في (ب): (علامة لحاق).
(٤) هذا على اللغة المعروفة بلغة (أكلوني البراغيث) وهي لغة قليلة مشهورة. انظر: "الأشموني مع حاشية الصبان" ٢/ ٤٧ - ٤٨.
(٥) شطر البيت من قصيدة لعمرو بن ملقط، أوردها أبو زيد، وعجزه:
أوْلَى فَأوْلَى لَكَ ذَا وَاقِيَةْ
وأورد صاحب "الخزانة" وشرحها. قوله: (اولى لك): كلمة وعيد وتهديد، و (الواقية): مصدرها بمعنى الوقاية، يصفه بالهروب، ويقول أنت ذو وقاية من عينك عند فرارك تحترس بهما، ولكثرة تلفتك حينئذٍ، صارت عيناك كأنهما في قفاك. انظر: "النوادر" ص ٢٦٨، "الحجة" ٢/ ٥١، "مجمل اللغة" ١/ ٤٨٣، "الخزانة" ٩/ ٣١. والشاهد لحاق ألف التثنية في قوله: (الفيتا).
(٦) قطعة من بيت من قصيدة للفرزدق يهجو عمرو بن عفراء الضبي، وتمامه:
ولكن دِيَافِيٌّ أَبُوهُ وَأُمُّهُ | بِخَوْرَانَ يَعْصِرْنَ السَّلِيَط أقَارِبُهْ |
ومن قرأ بالياء، فلأن التأنيث في الاسم ليس بحقيقي، وإذا كان كذلك حمل على المعنى فذكّر، ألا ترى أن الشفاعة (٦) والتشفع بمنزلة (٧)، كما أن الموعظة والوعظ، والصيحة والصوت كذلك، وقد قال: {فَمَن
(١) في (ج): (الفعل الاسم).
(٢) في (ب): (وجدو).
(٣) فإذا لزمت علامة التأنيث في الاسم يحسن إلحاقه الفعل. "الحجة" ٢/ ٥٢.
(٤) (أ)، (ج): (يلزم)، وما في (ب) موافق للحجة.
(٥) من "الحجة" لأبي علي بنصه ٢/ ٥١، ٥٢، وانظر: "الحجة" لابن خالويه ص ٧٦، "الحجة" لابن زنجلة ص ٩٥، "الكشف" لمكي ١/ ٢٣٨.
(٦) في (ب): (الشفيع).
(٧) أي: أن تأنيث الشفاعة ليس حقيقيًّا، فلفظ (الشفاعة) وهو مؤنث مثل لفظ (التشفع) وهو مذكر. انظر: "الحجة" لابن زنجلة ص ٩٥.
ومما يقوي التذكير أنه فصل بين الفعل والاسم، والتذكير يحسن مع الفصل كما حكي من قولهم: (حضر القاضي اليوم (٣) امرأة)، فإذا جاء التذكير في (٤) الحقيقي مع الفصل فغيره أجدر بذلك (٥).
قال أبو علي (٦): فأما ما قاله أحمد بن يحيى من أن التذكير أجود، لقول ابن مسعود (ذَكِّروُا القرآن) (٧) لا يجوز حمله على تذكير التأنيث، لأنه
(٢) في (أ)، (ب): (يلحق) وأثبت ما في (ج)، لأنه أصوب وموافق لما في "الحجة".
(٣) (اليوم) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (يحسن في الحقيقي).
(٥) كذا بنصه من "الحجة" ٢/ ٥٢، ٥٣، وذكر هذه الحجج ابن خالويه ص ٧٦ وابن زنجلة ص ٩٥، ومكي في "الكشف" ١/ ٢٣٨، وذكر مكي أربع علل وهي داخلة فيما ذكر أبو علي، والرابعة ما روي عن ابن مسعود: ذكروا القرآن. وهذه العلة ذكرها أبو علي، ثم ردها كما سيأتي.
(٦) (الحجة) لأبي علي ٢/ ٥٣.
(٧) ذكره مكي في "الكشف" قال: ذكر أبو عبيد عن ابن مسعود أنه قال (ذَكِّروا القرآن، وإذا اختلفتم... إلخ فاجعلوها ياء)، وذكر أن هذه اللفظة: وإذا اختلفتم.. إلخ رواية عن ابن عباس. "الكشف" ١/ ٢٣٨، وذكر ابن خالويه: وإذا اختلفتم.. إلخ عن ابن مسعود. "الحجة" ص ٧٦.
وذكره في (الفائق) بلفظ في الحديث (القرآن ذكر فذكروه) ولم يعزه. "الفائق" ٢/ ١٣، وفي "النهاية في غريب الحديث" قال: وفيه: (القرآن ذكر فذكروه) أي أنه جليل خطير فأجلوه. "النهاية في غريب الحديث" ٢/ ١٦٣.
ولا يجوز أن يريد تذكير الذي هو غير الحقيقي، لأن ذلك قد جاء في القرآن ما لا يحصى كثرة، كقوله: ﴿وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ (٣) [الأنعام: ٣٢] و ﴿النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ﴾ [الحج: ٧٢]، ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩)﴾ [القيامة: ٢٩]، و ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ﴾ [إبراهيم: ١٠]، و ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧]، و ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ [ق: ١٠] فإذا (٤) كان هذا النحو على الكثرة التي تراها، فلا يجوز أن يريد هذا. وإذا لم يجز أن يريد هذا كان إرادة تذكير التأنيث الحقيقي أبعد، كقوله: ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ﴾ [آل عمران: ٣٥]، وقوله: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ [التحريم: ١٢]، ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ﴾ [القصص: ١١].
فإن قلت: إنما يريد: [إذا] (٥) احتمل الشيء التذكير والتأنيث، فاستعملوا التذكير وغلبوه.
قيل هذا أيضا لا يستقيم، ألا ترى أن فيما تلونا ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ و ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ فأنث مع جواز التذكير فيه، يدل على ذلك في الأخرى: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القمر: ٢٠]، وقوله: ﴿مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ﴾
(٢) نص كلام أبي علي في "الحجة": (لا يخلو من أن يريد به التذكير الذي هو خلاف التأنيث، أو يريد معنى غير ذلك. فإن أراد به خلاف التأنيث فليس يخلو من أن يريد: ذكروا فيه التأنيث الذي هو غير حقيقي أو التأنيث الذي هو حقيقي.. ٢/ ٥٣.
(٣) في (ج): (والدار) وهي آية الأعراف: ١٦٩.
(٤) في (ب): (وإذا).
(٥) (إذا) ساقطة من كل النسخ وأثبتها كما في "الحجة" لاقتضاء السياق لها والنص في "الحجة": (فإن قلت: إنما يريد: إذا احتمل) ٢/ ٥٤.
أو (٥) أراد: ذكروا الناس القرآن، أي: ابعثوهم على حفظه كيلا ينسوه (٦). ويمكن أن يكون المعنى قوله: (ذكروا القرآن) لا تجحدوه ولا تنكروه (٧)، كما أنكره من قال: ﴿إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ (٨) لإطلاقهم عليه لفظ التأنيث فهؤلاء لم يُذَكِّروه لكنهم أنثوه بإطلاقهم التأنيث، وما كان مؤنث (٩) اللفظ عليه، وهذا كقوله: ﴿إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا﴾ [النساء: ١١٧]، فإناث جمع أنثى، وإنما يعني به ما اتخذوه آلهة، كقوله: {أَفَرَأَيْتُمْ
(٢) في (ب): (فما لا يجوز).
(٣) في (ب): (أن).
(٤) وهذا قريب من المعنى الذي ذكره ابن الأثير في "النهاية في غريب الحديث" قال: وفيه القرآن ذَكَر فذكروه (أي: أنه جليل خطير فأجلّوه) ٢/ ١٦٣.
(٥) في (ب): (وأراد).
(٦) وهذا المعنى (ذكروا الناس القرآن، أي: ابعثوهم على حفظه) غير موجود في "الحجة"، ولعله سقط من المطبوع لأن الكلام يدل عليه، ٢/ ٥٥.
(٧) في (ب): (لا يجحدوه ولا ينكروه).
(٨) الأنعام: ٢٥، والأنفال: ٣١، والنحل: ٢٤، والمؤمنون: ٨٣، والفرقان: ٥، والنمل: ٦٨، الأحقاف: ١٧، والقلم: ١٥، والمطففين: ١٣.
(٩) في (أ)، (ج): (يؤنث) وأثبت ما في (ب)، لأنه أولى، والنص فى "الحجة": (.. لكنهم أنثوه بإطلاقهم التأنيث على ما كان مؤنث اللفظ كقوله..) ٢/ ٥٥.
وقال (١) العجاج:
وكُلُّ أُنثَى حمَلَتْ أَحجَارَا (٢)
فسماها أنثى لتأنيثهم لفظها. وكذلك قول الفرزدق:
وَكُنَّا إذَا الجَبَّار صَعَّر خَدَّه | ضَرَبْنَاهُ دونَ الأنْثَيَيْنِ علَى الكَرْدِ (٣) |
(٢) الرجز في (الحجة) وقبله: أَوْرَدَ حُذًّا تَسْبِقُ الأَبْصَاراَ.
وليسا متتاليين في (الديوان)، بل بينهما أبيات وفيها يصف المنجنيق والْحُذْ: السهام البُترْ، وكل انثى: يعنى المنجنيق، يقول: يُرْمي بالمنجنيق فيخرج الحجر من بطن الجلد، كما يبقر بطن الحامل عن الولد. ورد في "الحجة" ٢/ ٥٥، "المخصص" ١٣/ ١٨٩، "اللسان" (حجر) ٢/ ٧٨٥، "ديوان العجاج" ص ٤١٦.
(٣) رواية البيت في "ديوان الفرزدق" وبعض المصادر:
وكُنَّا إذا القيسي نب عتوده... ضربناه فوق...............
"ديوان الفرزدق" ١/ ١٧٨، وله بيت آخر:
وَكُنَّا إِذَا القيسى صَعَّر خَدَهُ | ضَرَبْنَاهُ حَتَّى تَسْتَقِيمَ الأَخادِعُ |
(٤) انتهى ما نقله عن أبي علي من "الحجة" ٢/ ٥٣ - ٥٦.
وأما الحقيقي: فهو ما يكون منه النسل، ويقبح في مؤنثه لفظ التذكير (٧)، لو قلت: قام جاريتك ونحر ناقتك، كان قبيحا، وهو جائز على
(٢) في (ب): (قر).
(٣) قرأ حمزة والكسائي (بالياء)، وبقية السبعة (بالتاء). انظر: "السبعة" ٤٥٤، و"الكشف" على ٢/ ١٣٥، "والتسير" ص ١٦١.
(٤) في (ج): (تشهد)، وفي (أ)، (ب): (يشهد) على قراءة حمزة والكسائي.
(٥) قرأ حمزة والكسائي (بالتاء) وبقية السبعة (بالياء). انظر: "السبعة" ص ٢١٧، و"الكشف" ١/ ٦٣٠ و"التسير" ص ٩١.
(٦) في (ج): (تغشى) بالتاء على قراءة حمزة والكسائي.
(٧) نقل الواحدي عن الزجاج من "معاني القرآن"، والنص في "المعاني": (وأما ما يعقل ويكون منه النسل والولادة نحو امرأة ورجل، وناقة وجمل فيصح في مؤنثه لفظ التذكير، ولو قلت قام جارتك، ونحر ناقتك كان قبيحًا..) إلخ. والبقية بنصه. "المعاني" ١/ ٩٩. وقد تصرف الواحدي في عبارة الزجاج. وقوله: (ويقبح في مؤنثه لفظ التذكير) أي: فإنه يقبح في مؤنثه...
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾. عَدْلُ (٩) الشيء وعِدْله: مثله (١٠)، قال الله تعالى: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥]، أي: ما
(٢) في "المعاني" للزجاج: (للمذكرين وأصحاب المؤنث فلا بد فيها من علم التأنيث..) ١/ ١٠٠، وعبارة الواحدي أوضح.
(٣) في (ب): (القصيدة).
(٤) في (ج): (الاباله).
(٥) في (ج): (ذار قعين).
(٦) في (ب): (قد قاما).
(٧) في (ج): (التثنية والجمع ههنا).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٠.
(٩) (عدل) ساقط من (ب).
(١٠) (العَدْل)، و (العِدْل) بمعنى المثل ومعناهما سواء، وقال الفراء: (العِدْل): المثل، (والعَدْل): ما عادل الشيء من غير جنسه.
انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٢٠، و"تفسير الطبري" ١/ ٢٦٩، "تهذيب اللغة" (عدل) ٣/ ٢٣٥٨، "ومعاني الزجاج" ٢/ ٢٢٩.
صَبَرْنَا (٤) لاَنَرى لله عَدْلاً | عَلَى مَانَابنَا مُتَوَكِّلِينَا (٥) |
وذكر (٦) في التفسير أن العدل هاهنا: (الفداء) (٧)، قال الله تعالى: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ٧٠]، قال يونس: العدل الفداء (٨) [وسمي الفداء] (٩) عدلا، أنه يعادل المفدي ويماثله، وأصل هذا الباب المساواة والمماثلة.
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٢٩.
(٣) هو كعب بن مالك بن أبي كعب، الأنصاري الخزرجي، شاعر الرسول ﷺ وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا، فتاب الله عليه، ومات سنة خمسين، وقيل: سنة أربعين، وقيل: غير ذلك، انظر: "الاستيعاب" ٣/ ٢٨٦، حاشية على "الإصابة"، "سير أعلام النبلاء" ٢/ ٥٢٣، "الجرح والتعديل" ٧/ ١٦٠، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٤٧١.
(٤) في (ج): (الا ترى).
(٥) أورد الواحدي البيت فى "الوسيط" ١/ ١٠٠، وهو من قصيدة لكعب يرد بها على ضرار بن الخطاب بن مرداس، يوم الخندق؛ أورد ابن هشام القصيدتين في "السيرة" ٣/ ٢٧٧.
(٦) (وذكر) ساقط من (ب).
(٧) ذكره الطبري ١/ ٢٦٨ - ٢٦٩، وابن أبي حاتم ١/ ١٠٥، وابن قتيبة في "الغريب" ص ٣٩، والثعلبي ١/ ٧٠ أ، والبغوي ١/ ٩٠، وابن كثير ١/ ٩٥. وذكر ابن أبي حاتم عن علي وعمير بن هانئ: المراد: التطوع والفريضة، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٠٥، و"ابن كثير" ١/ ٩٥.
(٨) ذكره الأزهري، قال: أخبرني ابن فهم عن محمد بن سلام عن يونس. "تهذيب اللغة" (عدل) ٣/ ٢٣٥٨.
(٩) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
والعِدْل: اسم حِمْل معدول [يحصل] (٢) أي: مسوى به (٣). ونذكر ما قيل في العَدْل، والْعِدْل عند قوله: ﴿أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا﴾ [المائدة: ٩٥] إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ﴾. قال المفسرون: أي ولا هم يمنعون من عذاب الله (٤).
ومعنى (النصر) في اللغة: المعونة (٥)، وبينهما فرق، وهو أن المعونة قد تكون على صناعة النصرة لا تكون إلا مع منازعة. وانتصر بمعنى: انتقم، معناه بلغ حال النصرة (٦).
قال المفسرون: نزلت (٧) الآية في اليهود، وذلك أنهم كانوا يقولون:
(٢) كذا في جميع النسخ (يحصل) والصواب (يحمل) كما في "التهذيب" (عدل) ٣/ ٢٣٥٨.
(٣) "تهذيب اللغة" (عدل) ٣/ ٢٣٥٨، وانظر: "الطبري" ١/ ٢٦٩، "اللسان" (عدل) ٥/ ٢٨٣٩.
(٤) ذكره الثعلبي ١/ ٧٠ أ، والبغوي ١/ ٩٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٧٧، وقال الطبري: لا ينصرهم ناصر ولا يشفع لهم شافع، ولا يقبل منهم عدل ولا فدية، ١/ ٢٦٩، ونحوه ذكر ابن كثير ١/ ٩٥.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (نصر) ٤/ ٣٥٨٤، "الجمهرة" ٢/ ٧٤٤، "اللسان" (نصر) ٧/ ٤٤٣٩.
(٦) انظر: "اللسان" (نصر) ٧/ ٤٤٣٩.
(٧) في (ب): (هذه الآية).
٤٩ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ الآية. (نجيناكم): أصله على النجوة، وهي ما ارتفع واتسع من الأرض، ثم يسمى (٦) كل فائز ناجيا، كأنه خرج من الضيق والشدة إلى الرخاء والراحة، ومنه قوله: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ﴾ [يونس: ٩٢]، أي نلقيك على نجوة (٧).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ (٨). اختلف أهل العربية في (الآل)،
(٢) (نفى) ساقط من (ب).
(٣) في (أ)، (ج): (فمن) وأثبت ما في (ب)، لأنه الصواب.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٨، و"تفسير أبي الليث" ١/ ١١٦، و"تفسير أبن عطية" ١/ ٢٨٣، و"تفسير البغوي" ١/ ٩٠، "زاد المسير" ١/ ٧٦، وهذا قول أهل السنة والجماعة في الشفاعة، بخلاف قول المعتزلة الذين ينفون الشفاعة، وقد نقل الواحدي قولهم فيما سبق وعزاه لأهل "المعاني".
(٥) وفي (ج): ﴿لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا﴾ وهذه آية: ٢٣ من يس.
(٦) في (ب): (سمى).
(٧) "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٠ أ، انظر: "تهذيب اللغة" (نجا) ٤/ ٣٥١٠، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٢٥.
(٨) في (ب): (وقوله: لال (اختلف..).
سأَحْمِلُ نَفْسِي عَلَى آلَةٍ | فَإِمَّا عَلَيْهَا وَإِمَّا لَهَا (٥) |
(٢) (من) مكررة في (ج).
(٣) انظر: "التهذيب" (آل) ١/ ١٨٥، "مقاييس اللغة" (أَوَل) ١/ ١٥٩ - ١٦١، "نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر" ص ١٢٢، "اللسان" ١/ ١٧٥.
(٤) في (ج): (الخنسى الخنسا). والخنساء هي: تُماضر: بضم التاء وكسر الضاد، بنت عمرو بن الشريد بن سليم، قدمت على الرسول ﷺ مع قومها من بني سليم، وأسلمت معهم. شاعرة مشهور، استحسن النبي - ﷺ - شعرها، وانظر ترجمتها في "الشعر والشعراء" ص٢١٣، "الإصابة" ٤/ ٢٨٧.
(٥) من قصيدة من غرر مراثيها في أخيها معاوية، وقيل: في رثاء صخر، وقولها: على آلة: على حالة وعلى خطة، فإما ظفرت وإما هلكت، انظر: "شرح ديوان الخنساء" ص ٨٤، "مقاييس اللغة" (أول) ١/ ١٦٢.
(٦) انظر: "مقاييس اللغة" (أول) ١/ ١٦١، "اللسان" (أول) ١/ ١٧٤ - ١٧٥.
(٧) في (أ)، (ج): (الوجه) وأثبت ما في (ب) لأنه موافق لما في كتب اللغة. قال ابن فارس: آل البعير ألواحه وما أشرف من أقطار جسمه "مقاييس اللغة" (أول) ١/ ١٦١، وانظر: "اللسان" (أول) ١/ ١٧٣.
تَعَلَّمْتُ با جاد (٢) وآلَ مُرَامِرٍ | وَسَوَّدْتُ أَثْوابِي وَلَسْتُ بِكَاتِبِ (٣) |
وَجَدْنَا لَكُمْ فِي آلِ (٤) حم آيةً | فَأَوَّلَهَا (٥) مِنَّا تَقِيٌّ وَمُعْرِبُ (٦) |
(٢) كذا في جميع النسخ، ومثله في "معاني القرآن" للفراء١/ ٣٦٩، وفي "اللسان" (باجادا) ٧/ ٤١٧٨.
(٣) مرامر بن مرة رجل من طيئ، قيل: إنه أول من وضع الهجاء، وآل: حروف الهجاء، لأنه شهر بها أو لأنه سمى أولاد الثمانية بأسماء جملها. ذكر البيت الفراء في "معاني القرآن"، وقال: أنشدني الحارثي ١/ ٣٦٩، وهو في "اللسان" (مرر) ٧/ ٤١٧٨.
(٤) كذا في جميع النسخ، وفي بعض المصادر، (حميم).
(٥) في (ب): (بأولها) والرواية المشهورة للبيت (تأولها).
(٦) البيت في ذكر بني هاشم، وكان الكميت متشيعا، يقول: وجدنا في سور (آل حميم) وهي التي أولها (حم) والآية: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: ٢٣]، يقول: من تأول هذه الآية لم يسعه إلا التشيع لآل البيت، على تقية، أو على غير تقية، والمعرب: المعلن لما في نفسه، انظر: "الكتاب" ٣/ ٢٥٧، "المقتضب" ١/ ٢٣٨، ٣/ ٣٥٦، "الحجة" لابن خالوية ص٣١٢، "تهذيب اللغة" (عرب) ٣/ ٢٣٧٩، (طسن) ٣/ ٢١٩٢، "المخصص" ١٧/ ٣٧، "اللسان": (عرب) ٥/ ٢٨٦٥، (حمم) ٢/ ١٠٠٦، ولم أجده في شعر الكميت.
(٧) أي: على قول الذين قالوا: أصله (من آل يؤول أولاً) من الرجوع.
(٨) "تهذيب اللغة" (آل) ١٥/ ٤٣٨، "المشكل" لمكي ١/ ٤٦، و"الدر المصون" ١/ ٣٤١.
فالألف في (آل) (٣) بدل من بدل (٤) من الأصل (٥)، فجرت في ذلك مجرى التاء في القسم، فلذلك لا يستعمل (آل) في كل موضع يستعمل فيه (أهل) فلا يقال: انصرف إلى آلك، كما يقال: انصرف إلى أهلك، وكذلك لا يقال: آلك والليل، كما يقال أهلك والليل، وغير ذلك مما يطول ذكره. بل خصوا بالآل الأشرف والأخص دون الشائع الأعم، حتى لا يقال إلا في نحو قولهم القراء آل الله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد (٦)، ﴿وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ [غافر: ٢٨]، وكذلك ما أنشده أبو العباس للفرزدق:
(٢) في (ب): (هيرت الثوب وايرته). قوله. (هنرت الثوب وأنزته وإياك وهياك) وردت في "سر صناعة الأعراب" ٢/ ٥٥١ عند كلامه عن إبدال الهاء من الهمزة ومعنى (هنرت الثوب): جعلت له علما، ثم قلبوا الهاء همزة فقالوا: أنرت الثوب. انظر: "تهذيب اللغة" (آل) ١٥/ ٤٣٨، "البيان" ١/ ٣٧.
(٣) في (ج): (الال).
(٤) (بدل من) ساقط من (ب).
(٥) الألف في (آل) بدل من الهمزة، والهمزة بدل من الهاء والهاء أصل. انظر "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٠١. وذهب أبو جعفر النحاس إلى أن (الألف) في (آل) بدل من الهاء مباشرة، انظر: "إعراب القرآن" ١/ ١٧٢ - ١٧٣٢.
(٦) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٦٥، و"تفسير الطبري" ١/ ٣٧.
نَجَوْتَ وَلَمْ يَمْنُنْ عَلَيْكَ (١) طَلاَقَةً | سِوى رَبِذِ (٢) التَّقْرِيبِ مِنْ آلِ أَعْوَجَا (٣) |
(٢) في (ب) (زبد).
(٣) في "الديوان": (خرجت) بدل (نجوت) ومعنى (الرَّبِذ): المشي الخفيف، (التقريب): ضرب من السير يقارب فيه الخطو، (أعوج): فرس مشهور. ورد البيت في "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٠٢، "ديوان الفرزدق" ١/ ١١٧.
(٤) في (ب): (فرش).
(٥) (الإسكاف) نوع من الصناع، واسم لموضعين بنواحي النهروان من عمل بغداد. انظر: "القاموس" (سكف) ص ٨٢٠، "معجم البلدان" ١/ ١٨١.
(٦) قال أبو الفتح (.. فجرت في ذلك مجرى التاء في القسم، لأنها بدل من الواو فيه، والواو بدل من الباء..) "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٠٢.
(٧) لفظ الجلالة غير موجود في (ب).
(٨) في (ب): (فقياس).
(٩) ذكر أبو الفتح قلب الهاء همزة في "سر صناعة الأعراب" ٢/ ٥٥١، ونقل الواحدي عنه بعض الجمل في هذا الموضع.
(١٠) هذا آخر ما نقله المؤلف عن أبي الفتح بتصرف، "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٠٠ - ١٠٢ والخلاصة أن في (آل) ثلاثة أقوال:
١ - أصله (أهل) أبدلت الهاء همزة، ثم أبدلت الهمزة ألفًا. =
فمعنى (آل فرعون) أتباعه وأهل دينه (٢).
(وفرعون) اسم لملوك العمالقة، كما يقال لملك الروم: (قيصر)، ولملك الفرس: (كسرى) ولملك الترك (خاقان) (٣).
وقال بعض أهل اللغة: فرعون بلغة القبط، وهو التمساح (٤)، ويقال: تفرعن الرجل إذا تشبه بفرعون في سوء أفعاله (٥).
وقوله تعالى: ﴿يَسُومُونَكُمْ﴾. (السوم) أن تُجشّم (٦) إنساناً مشقةً وسوءاً أو ظلماً (٧).
وقال شمر: ساموهم سوء العذاب، أي: أرادوهم به.
٣ - وقيل: أصله: (أأول) من (آل يؤل). انظر "البيان" ١/ ٨١، "الإملاء" ١/ ٣٥، "الدر المصون" ١/ ٣٤١.
(١) وقيل: يصغر على (أُوَيْل) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٧٠، "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٠٥، "تهذيب اللغة" ١٥/ ٤٣٨، "البيان" ١/ ٨١.
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٧٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٠.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٧٠، "الكشاف" ١/ ٢٧٩، "القرطبي" ١/ ٣٢٧.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧٧، (الرباعي من حرف العين)، قال السهيلي عن المسعودي ولا يعرف له تفسير بالعربية. "التعريف والأعلام" ص ٢١، وانظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٣٢٧.
(٥) انظر: "الصحاح" (فرعن) ٦/ ٢١٧٧، "الكشاف" ١/ ٢٧٩.
(٦) في (ج): (شجبتم).
(٧) ذكره الأزهري عن الليث، وفيه (.. أو سوءا..) "تهذيب اللغة" (سام) ٢/ ١٦٠٠، "اللسان" (سوم) ٤/ ٢١٥٨.
وقال أبو عبيدة: يسومونكم: يولونكم، يقال: سُمْته الذل، أي: أوليته إياه (٢).
و ﴿سُوءَ العَذَابِ﴾: ما ساءهم، والسوء اسم جامع للآفات والدواء (٣).
والزجاج وغيره: سوء العذاب: شديد العذاب (٤)، وقد فسره بقوله: ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَائَكُمْ﴾. وأصل الذبح في اللغة: الشق (٥)، ومنه:
فَأْرَةَ مِسْكٍ ذُبِحتْ فِي سُكِّ (٦)
وقال الهذلي (٧):
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٤٠، "تفسير الغريب" لابن قتيبة ص ٤٨.
(٣) ذكره الأزهري عن الليث. "التهذيب" (ساء) ٢/ ١٥٨٣، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٧١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٠، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٠ أ، و"تفسير أبي الليث" ١/ ١١٧، و"العمدة في غريب القرآن" لمكي ص ٧٥. قال الطبري: وقد قال بعضهم: أشد العذاب، ولو كان ذلك معناه لقيل أسوأ العذاب. "الطبري" ١/ ٢٧١.
(٥) "تهذيب اللغة" (ذبح) ٢/ ١٢٦٧، "اللسان" (ذبح) ٣/ ١٤٨٨.
(٦) بيت من الرجز لمنظور بن مرثد الأسدي، وقبله:
كَأَنَّ بَيْنَ فَكِّهَا وَالْفَكِّ
يصف طيب رائحة فم امرأة.
و (الفك): عظم الحنك. (فأرة المسك): الأناء الذي يكون به المسك شبه بالفأرة، (ذبحت): شقت. (في سك): نوع من الطيب. ورد في "التهذيب" (ذبح) ٢/ ١٢٦٨، "المخصص" ١١/ ٢٠٠، ١٣/ ٣٩، "اللسان" (ذبح) ٣/ ١٤٨٦، "شرح المفصل" ٤/ ١٣٨، ٨/ ٩١، "الخزانة" ٧/ ٤٦٨.
(٧) هو أبو ذؤيب.
نَامَ الخَلِيُّ وَبِتُّ اللَيْلَ مُشُتَجِراً (١) | كَأَنَّ عَيْنَيَّ فِيهَا الصَّابُ مَذْبُوحُ (٢) |
والذُبَاح والذُّبَّاح بالتخفيف والتشديد تشقق (٣) في الرجل (٤).
ومن هذا سمى الكوكب: (سعدٌ الذَّابح)، لأنه يطلع في وقت يحدث فيه الشقاق في الرجل لأجل البرد (٥)، ولهذا تقول العرب: إذا طلع الذابح انجحر النابح. وسمي فري الأوداج ذبحاً، لأنه نوع شقّ، والتفعيل على التكثير (٦).
و (الأبناء) جمع ابن. قال الزجاج: وأصله: بَنَا (٧) أو بِنْوٌ، فهو يصلح
(٢) (الخلي): الذي ليس به هم. و (المشتجر): الذي قد شجر نفسه ووضع يده تحت خده ورأسه لا ينام من الهم، و (الشجر): ملتقى اللحيين، و (الصاب): شجر يخرج منه سائل مثل اللبن، إذا أصاب (العين) أحرقها، (مذبوح): مشقوق. انظر: "شرح أشعار الهذليين" ١/ ١٢٠، "تهذيب اللغة" (ذبح) ٢/ ١٢٦٨، "اللسان" (ذبح) ٣/ ١٤٨٨، "شرح المفصل" ١٠/ ١٢٤، "الخزانة" ٣/ ١٤٣.
(٣) في (أ): (تشق) و (ج): (شق)، وأثبت ما في (ب)، لأنه أصوب، وموافق لما في "تهذيب اللغة".
(٤) انظر: "التهذيب" (ذبح) ٢/ ١٢٦٨، "اللسان" (ذبح) ٣/ ١٤٨٧.
(٥) في "التهذيب": (سمي ذابحًا لأن بحذائه كوكبًا صغيرًا كأنه قد ذبحه) ٢/ ١٢٦٩، "الصحاح" (ذبح) ٢/ ٤٤.
(٦) انظر "اللسان" (ذبح) ٣/ ١٤٨٥.
(٧) في "معاني القرآن" للزجاج: (والأصل كأنه إنما جمع بني وبنو..) ١/ ١٠١. وفي "القاموس": أصله: (بَنَى أو بَنَوٌ) "القاموس" (بنى) ص ١٢٦٤.
قال: فالذين قالوا: (بنون) كأنهم جمعوا (بَنا) والذين قالوا: (أبناء) كأنه جمع (بِنْوُ)، مثل: حِنْو وأحناء وقِنْو وأقناء (٢).
قال أبو علي (٣) لا يجوز في (ابن) أن يكون وزنه (فِعْلا) لأنه لا دلالة
وفي "الأشموني مع الصبان": أما ابن فأصله: بَنَوٌ، كقلم حذفت لامه تخفيفًا وسكن أوله وأتي بالهمز توصلًا وتعويضًا، ودليل فتح فائه قولهم في جمعه: بَنُون، وفي النسب: بَنَوِي بفتحها فيهما.. ودليل كون لامه (واوا) لا (ياء) ثلاثة أمور:
أحدها: أن الغالب على ما حذف لامه الواو لا الياء.
ثانيها: أنهم قالوا في مؤنثه: بنت فأبدلوها (التاء) من اللام، وإبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء.
ثالثها: قولهم: البنوة. ونقل ابن الشجري في "أماليه" أن بعضهم ذهب إلى أن المحذوف (ياء) واشتقه من بنى بامرأته يبني، لأن الابن مسبب عن بناء الأب بالأم. وهذا يدل على أن (الابن) لامه (ياء).. وأجاز الزجاج الوجهين. انظر: "الأشموني مع حاشية الصبان" ٤/ ٢٧٥.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠١، نقل كلامه بتصرف، انظر التعليق السابق.
(٣) "الإغفال" ص ١٨٩، نقل الواحدي عنه طويلا، وكلام أبي علي نقله ابن سيده في "المخصص" ١٣/ ١٩٢.
فأما العين فالدليل على أنها مفتوحة أيضا قولهم في جمعه (أبناء) (٦)، و (أَفْعَال) بابه أن يكون لـ (فَعَل) (٧) نحو: جَبَل.
وليس يجب أن يعدل بالشيء عن أصله وبابه حتى يقوم دليل يسوغ ذلك، ولم نعلم شيئا دل على أن العين ساكنة من (ابن) وعلمنا أنه ينبغي أن تكون متحركة لقولهم: (أَفْعَال) (٨).
(٢) (فعل) ساقط من (ج).
(٣) (فعل) ساقط من (أ)، (ج) وأثبتهما كما في (ب)، والأمثلة بعدها تدل على ثبوتها، ولم ترد هذه الأوزان في كلام أبي علي وإنما ذكر بعضها قال: (.. لزمه أن يجيز في بنائه: (فعلا) و (فعلا) وغير ذلك..) "الإغفال" ص ١٨٩.
(٤) البرد، بالضم: ثوب مخطط، جمعه أَبْراد، وأَبْردُ. "القاموس المحيط" (برد) ص ٢٦٧.
(٥) القَتَبَ، والقِتْبُ: إكاف البعير. "اللسان" (قتب) ٣/ ٢٨٨١.
(٦) على وزن (أَفْعَال).
(٧) في (ب): (الفعل).
(٨) اختصر بعض كلام أبي علي، انظر: "الإغفال" ص ١٩١.
فأما بنات في جمع بنت فهو مما يدل على ما قلنا من أصل الفاء من (ابن) الفتح، وَرُدَّ في الجمع إلى أصل بناء المذكر، كما رد (أخت) إلى أصل بناء المذكر، فقيل: أخوات، لأن أصل المذكر من كل واحد منهما (فَعَل)، فكما ردوا الحرف الأصلي في جمع (الأخت) وهو الواو فقالوا: (أخوات)، كذلك ردت الحركة التي كانت في أصل بناء المذكر في (ابن)، وقالوا: بنات (٣).
قال أبو علي: والمحذوف من (ابن) (الواو) دون (الياء) (٤)، الدليل على ذلك: أن المحذوف إذا أريد أن يعلم ما هو؟ نظر في التثنية أو
(٢) النِّكْس: السهم الضعيف، الذي يَنْكَّس، أو ينكسر فُوقُه فيجعل أعلاه أسفله، والنِّكسْ الرجل الضعيف، وأصله المنِّكسْ من السهام. "اللسان" (نكس) ٨/ ٤٥٤١.
(٣) "الإغفال" ص١٩٣ - ١٩٥. (بتصرف واختصار)، وانظر: "المخصص" ١٣/ ١٩٣.
(٤) في "الإغفال": (فأما قوله -أي الزجاج- في اللام المحذوفة من (ابن) إنه يحتمل عنده أن يكون واوًا أو ياءً، وأنهما عنده متساويان في الحذف، فليس الأمر -عندي- كما قال، والمحذوف (الواو) دون (الياء)..) "الإغفال" ص ١٩٥، وانظر "المخصص" ١٣/ ١٩٥.
وليس في (الابن) (٣) شيء يستدل به على أن المحذوف (ياء) أو (واو)، فوجب أن يحمل على نظيره، ونظيره (أخت)، لأنه صفة ألحقت في التأنيث بـ (قُفْل) (٤)، كما ألحقت (بنت) بـ (عِدْل).
والمحذوف من (أخت) الواو لقولهم: (إخوة) (٥) كذلك ينبغي أن يكون المحذوف من (بنت) الواو.
وأيضًا فإن التاء في (بنت) ليست علامة للتأنيث (٦)، وإنما هي بدل من اللام، لأنها لو كانت علامة للتأنيث لانفتح ما قبلها، كما ينفتح ما قبلها في غير هذا الموضع، نحو: طلحة وحمزة وتمرة، فلما لم تنفتح (٧) علمنا أنه بدل، وإبدال التاء من الواو كثير، كالتاء في أخت، وكذلك في كلتا (٨)،
(٢) (واو) ساقطة من (ب).
(٣) في (ب): (بن).
(٤) في "الإغفال" (فُعْل) ص ١٩٦، وفي "المخصص" (قُفل) ١٣/ ١٩٥.
(٥) استدل بجمع التكسير على أن المحذوف من (أخت) واو.
(٦) في "الإغفال": (وهذه التاء لا تخلو من أن تكون بدلا من لام الفعل، أو علامة للتأنيث، فلو كانت علامة للتأنيث لا نفتح ما قبلها..) ص ١٩٧.
(٧) في (ب): (يفتح).
(٨) الأصل فيهما (كِلْوَا) انظر: "صناعة الإعراب" ١/ ١٤٩.
ونذكر الكلام في (كلتا) إذا انتهينا إليه إن شاء الله.
فإن قيل: لو كان الأمر على ما قلتم، لقيل في جمع الأخت والبنت: أختات وبنتات، فلما حذفوا التاء في الجمع دل أنها للتأنيث، وكذلك حذفهم إياها عند النسبة إليها يدل على أنها للتأنيث، كما قالوا: طلحات وطلحي.
قلنا: هذا البناء الذي وقع [إلحاق] (٢) التاء (٣) فيه، وإنما وقع في بناء المؤنث دون بناء المذكر، فصار البناء في الموضعين لذلك، لا لأنه للتأنيث، وغُيِّر البناء في هذين الموضعين وَرُدَّ إلى التذكير من حيث حذفت علامة (٤) التأنيث في هذين الموضعين، لأن الصيغة قامت مقام العلامة، فكما غُيِّرت (٥) ما فيه علامة بحذفها، كذلك غُيِّرت هذه الصيغة بردها إلى المذكر، وإذ (٦) كانت الصيغة قد قامت مقام العلامة، فمن حيث وجب أن يقال: طَلْحَات وطَلْحِيّ، وجب أن يقال: أَخوَات وأَخَوَيّ.
(٢) في (أ): (الحاق) بدون إعجام، وفي ب، ج (الحاو) وفي "الإغفال" (والجواب أن هذه التاء للإلحاق كما قلنا، والدليل ما قدمنا، وإنما حذف في الإضافة وهذا الضرب من الجمع لأن هذا البناء الذي وقع الإلحاق فيه، وإنما وقع في بناء المؤنث دون المذكر..) ص ١٩٩، "المخصص" ١٣/ ١٩٦.
(٣) في (ج): (التاء).
(٤) في "الإغفال": (علامات) ص ١٩٩، "المخصص" ١٣/ ١٩٦.
(٥) في "الإغفال": (غير) ص ١٩٩، ومثله في "المخصص" ١٣/ ١٩٦
(٦) في (ب): (إذا).
وعلامة التأنيث في الأخت والبنت صيغتهما (٦) وهو بناؤهما على
(٢) في (ب): (ووزنها). هكذا ورد في جميع النسخ، وفيه غموض، والنص في "سر صناعة الأعراب" (.. فنقلوا أخوة وبنوة، ووزنهما (فَعَلٌ) إلى (فُعْل) و (فِعْل)..) "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٤٩.
(٣) في (ب): (المبدلة).
(٤) في (ب): (لامها) وهو الثابت في صلب "سر صناعة الأعراب"، وفي الحاشية (ب) (لامهما) "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٤٩.
(٥) انظر: "الكتاب" ٣/ ٢٢١، ٣٦١ - ٣٦٤، "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٤٩.
(٦) هذا جواب سؤال أثاره أبو الفتح قال: (فإن قيل: فما علامة التأنيث في أخت وبنت؟) فأجاب عنه بما نقله الواحدي هنا. انظر: "سر صناعة الأعراب" ١/ ١٥٠.
قال أبو إسحاق: والأخفش يختار أن يكون المحذوف من ابن (الواو). قال (٧): والبُنُوَّة (٨) ليس بشاهد قاطع للواو، لأنهم يقولون: الفُتُوَّة،
(٢) في "سر صناعة الإعراب" (إقامتهم إياه مقام..) ١/ ١٥٠.
(٣) في (ب): (ما في).
(٤) في "سر صناعة الإعراب": (وليس بنت من ابن كصعبة من صعب..) "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٥٠.
(٥) كذا في جميع النسخ، وفي "سر صناعة الإعراب" (أن أخا وابنا) وفي الحاشية:
(في ش: أن أخ وابن) ١/ ١٥٠.
(٦) "الكتاب" ٣/ ٣٦٣، "سر صناعة الإعراب" ١/ ١٥٠.
(٧) أي أبو إسحاق.
(٨) في (أ)، (ج): (البنُو) وأثبت ما في (ب) لأنه موافق لما في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٢.
وأبو علي ينكر أن يكون المحذوف الياء دون الواو (٣)، وقد دل فيما ذكرنا من كلامه أن المحذوف هو الواو. فأما إدخال ألف الوصل في (ابن)، فإنما أدخلت كما أدخلت في الاسم، وقد فرغنا منه في أول الكتاب (٤).
قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَحْيُونَ نِسَائَكُمْ﴾. (يستحيون) يستفعلون من الحياة، ومعناه: يَسْتَبْقُونهن (٥)، ولا يقتلونهن (٦)، ومنه قوله - ﷺ -: "اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم" (٧).
واسم النساء يقع على الكبار والصغار، وذلك أنهم كانوا يستبقون البنات (٨) لا يقتلونهن.
(٢) في "معاني للزجاج": (الواو) أو (الياء) ١/ ١٠٢.
(٣) قال أبو علي: (ما أعلم الأخفش نص على هذه المسألة، أن الاختيار عنده أن يكون (الواو)، وأنه يجيز أن المحذوف الياء..) "الإغفال" ص ٢٠٢ - ٢٠٣.
(٤) انظر ما سبق في أول تفسير الفاتحة.
(٥) في (ب): (يستبقوهن).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٧٢، و"الثعلبي" ١/ ٧٠ ب، "زاد المسير" ١/ ٧٨، وذكر الطبري عن أبي العالية وضعفه: (يستحيون) يسترقون. "الطبري" ١/ ٣٧٢.
(٧) أخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب، وفيه (استبقوا) بدل (استحيوا) انظر: "سنن أبي داود" ٢٦٧٠ كتاب (الجهاد)، باب (في قتل النساء)، والترمذي (١٥٨٣) أبواب (السير) باب (ما جاء في النزول عن الحكم) وفيه: الشرخ: الغلمان الذين لم ينبتوا. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. عارضه الأحوزي
وأخرجه أحمد في "مسنده" ٥/ ١٢، ٢٠. ورمز السيوطي له بالصحة في "الجامع الصغير". انظر: "فيض القدير شرح الجامع" ٢/ ٧٦.
(٨) في (ب): (جميع البنات).
قيل: إن استحياء النساء على ما كانوا يعملون بهن أشد في المحنة من قتلهن، لأنهن يستعبدن وينكحن على الاسترقاق، والاستبقاء للإذلال استبقاء محنة (٣).
قوله تعالى: ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾. البلاء: اسم ممدود من البلو، وهو الاختبار والتجربة (٤). يقال: بَلاَه يَبْلُوه بَلْواً إذا جَرَّبَه، وَبَلاَه يَبْلُوهُ بَلْواً إذا ابتلاه الله ببلاء (٥).
قال أبو الهيثم: البلاء يكون حسنا ويكون سيئا، وأصله: المحنة، والله عز وجل يبلو عباده بالصنيع الحسن، ليمتحن شكرهم عليه، ويبلوهم بالبلوى الذي يكرهون، ليمتحن صبرهم، فقيل للحسن: بلاء، وللسيئ: بلاء (٦) لأن أصلهما: المحنة، ومنه قوله: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾
(٢) واختار هذا الوجه ابن جرير في "تفسيره" ١/ ٢٧٤، انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨٦، " القرطبي" ١/ ٣٣٠، "البحر" ١/ ١٦٤.
(٣) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٨٦، "زاد المسير" ١/ ٧٨، "الرازي" ١/ ٦٨، "البحر" ١/ ١٩.
(٤) انظر: "التهذيب" (بلا) ١/ ٣٧٩، "اللسان" (بلا) ١/ ٣٥٥.
(٥) ذكره الأزهري عن الأصمعي. "التهذيب" (بلا) ١/ ٣٧٩.
(٦) ذكره الهروي عن أبي الهيثم، ولفظه: (يبلو عبده) بلفظ المفرد "الغريبين" ١/ ٢٠٩، ٢١٠، وذكره القرطبي في "تفسيره" عن الهروي ١/ ٣٣٠.
قال زهير: (٣)
جَزى اللهُ بِالْإِحْسَانِ مَا فَعَلاَ بِكُم | وَأَبلاَهُمَا خَيْرَ البَلاَءِ الذي يَبْلُو (٤) |
قال الليث: ويقال من الشر أيضا يُبْلِيه إِبْلاَء (٦).
والذي في هذه الآية يحتمل الوجيهن، فإن حملته على الشدة، كان معناه: في أستحياء البنات للخدمة وذبح البنين بلاء ومحنة (٧). وهو قول ابن
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٧٥، "الصحاح" (بلا) ٦/ ٢٢٨٥.
(٣) في (ج): (زهير بن جناب).
(٤) من قصيدة لزهير يمدح سناد بن أبي حارثة ويروى بالديوان (رأى الله) ورد البيت في: "معانى القرآن" للزجاج ١/ ١٠٢، "التهذيب" (بلا) ١/ ٣٧٩، "الصحاح" (بلا) ٦/ ٢٢٨٥، "اللسان" (بلا) ١/ ٣٥٥، "الخصائص" ١/ ١٣٧، و"القرطبي" ١/ ٣٣٠، و"الرازي" ٣/ ٧٠، و"ابن كثير" ١/ ٩٦، "الدر المصون" ١/ ٣٤٨، "فتح القدير" ١/ ١٣١، "شرح ديوان زهير" ص ١٠٩.
(٥) "تهذيب اللغة" (بلا) ١/ ٣٧٩.
(٦) في "تهذيب اللغة" عن الليث: (الله يبلى العبد بلاءً حسنًا، ويبليه بلاءً سيئًا، (بلا) ١/ ٣٧٩، قال الطبري: الأكثر في الشر أن يقال: (بلوته أبلوه بلاء) وفي الخير: (أَبْلَيْته أُبْلِيه إِبْلاَءً وبَلاَءً).
(٧) ذكره أبو الليث في "تفسيره" ١/ ١١٧، وابن الأنباري في "الزاهر" ١/ ٣٤٨، و"الثعلبي" ١/ ٧٠ ب، و"الكشاف" ١/ ٢٧٩، و"البغوي" ١/ ٩١، "زاد المسير" ١/ ٧٨، و"الرازي" ٣/ ٧٠، و"القرطبي" ١/ ٣٣٠، ونسبة للجمهور، و"ابن كثير" ١/ ٩٧، و"البيضاوي" ١/ ٢٥، و"النسفي" ١/ ٤٣، و"الخازن" ١/ ١٢١.
وإن حملته على النعمة، كان المعنى: وفي (٢) تنجيتكم من هذه المحن نعمة عظيمة، وهو قول مجاهد والسدي (٣)، ومثل هذا في احتمال الوجهين، قوله في قصة إبراهيم: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ﴾ [الصافات: ١٠٦].
٥٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ وذلك (٤) أن الله تعالى فرق
(٢) (الواو) ساقطة من (ب).
(٣) ذكره ابن جرير بسنده عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعن السدي، وعن مجاهد، وعن ابن جريح. "تفسير الطبري" ٢/ ٢٧٤، و"ابن أبي حاتم" ١/ ١٠٦، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٠٢، وابن قتيبة في "الغريب" ص ٤٠، ورجح هذا القول الرازي في "تفسيره" ٣/ ٧٠. انظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٣٣٠، و"ابن كثير" ١/ ٩٦.
(٤) في هوامش نسخة (أ) زيادة من الكاتب صدرها بقوله (ش من ك) أي شرح من الكاتب، وهي في جميع المواضيع منقولة بنصها من "الكشاف" للزمخشري، وأثبت ما ذكره في هذا الموضع للاطلاع والفائدة:
(ش من ك. فرقنا: فصلنا بين بعضه وبعض، حتى صار فيه مسالك لكم، وقرئ (فرَّقنا) بمعنى: فصلنا. يقال: فرق بين الشيئين، وفرق بين الأشياء، لأن المسالك كانت اثني عشر، على عدد الأسباط.
وأما (بكم) ففيه أوجه: أن يراد كانوا يسلكونه ويتفرق الماء عند سلوكهم فكأنما فرق بهم كما يفرق بين الشيئين بما يوسط بينهما. وأن يراد فرقناه بسببكم، وبسبب إنجائكم. وأن يكون في موضع الحال، بمعنى: فرقناه ملتبسا بكم كقوله:
تدوس بِنَا الجَمَاجِمَ والتَّرِيبَا
أي: تدرسها ونحن راكبوها.
انتهى تعليق الكاتب، والكلام بنصه في "الكشاف" ١/ ٢٨٠.
وأما (البحر) فقال الليث: سمي بحراً لاستبحاره، وهو سعته وانبساطه، ويقال: استبحر فلان في العلم، إذا اتسع فيه، وتبحر الراعي في رعي كثير، وتبحر فلان في المال (٣).
وقال غيره: سمي البحر بحراً، لأنه شق في الأرض، والبحر: الشق (٤)، ومنه البحِيرَة (٥).
- وقوله: (تدوس بِنَا الجَمَاجِمَ والتَّرِيبَا): البيت للمتنبي، وصدره:
فَمَرَّتْ غَيْرَ نَافِرَةٍ عَلَيْهِم
و (التريبا): لغة في التراب. انظر: "ديوان المتنبي شرح العكبري" ١/ ١٣٨، "الكشاف" ١/ ٥٠٦، "البحر" ١/ ١٢٧، "الدر المصون" ١/ ٣٤٩.
(١) (كان) ساقط من (ج).
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٧٥، و"أبي الليث" ١/ ١١٧، و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٣، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٢٢٨.
(٣) "تهذيب اللغة" (بحر) ١/ ٢٨٢.
(٤) ذكره الأزهري، "تهذيب اللغة" (بحر) ١/ ٢٨٢.
(٥) قال الأزهري: قال أبو إسحاق النحوي: وأثبت ما روينا عن أهل اللغة في البَحِيرَة: أنها الناقة، كانت إذا نتجت خمسة أبطن فكان آخرها ذكرا، بحروا أذنها، أي: شقوها، وأعفوا ظهرها من الركوب والحمل، والذبح، ولا تُحَلَّأ عن ماء ترده، ولا تمنع من مرعى، وإذا لقيها المُعْيي المنقطع به لم يركبها. "تهذيب اللغة" (بحر) ١/ ٢٨٢، وانظر: "اللسان" (بحر) ١/ ٢١٥.
قال نُصَيْب (٤):
وَقَدْ عَادَ مَاءُ الأَرْضِ بَحْراً فَرَدَّنِي | إِلَى مَرَضِى أَنْ أَبْحَرَ المَشْربُ العَذْبُ (٥) |
(٢) في (ب): (إن الماء البحر) وفي "تهذيب اللغة": (والماء البحر هو الملح) ١/ ٢٨٢.
(٣) "تهذيب اللغة" (بحر) ١/ ٢٨٢، وانظر: "الغريبين" ١/ ١٣٤.
(٤) هو نُصَيب بن رباح مولى عبد العزيز بن مروان، شاعر من فحول الشعراء الإسلاميين، انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص٢٦٠، "معجم الأدباء" ١٩/ ٢٢٨.
(٥) ورد البيت في "تهذيب اللغة" (بحر) ١/ ٢٨٢، "الصحاح" (بحر) ٢/ ٥٨٥، "مقاييس اللغة" (بحر) ١/ ٢١٥، "الغريبين" ١/ ١٣٤، "مفردات الراغب" ص ٣٧، "اللسان" (بحر) ١/ ٢١٥، "فتح القدير" ١/ ١٣٢، وفي أكثر المصادر: (فزادني) بدل: (فردني).
(٦) في (ب): (عن نفسه). أو يدخل معهم، ووجوده معهم مستقر ومعلوم. انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٧، "زاد المسير" ١/ ٧٨، "البحر" ١/ ١٩٨.
(٧) أي أنه يطلق (آل فرعون) ويراد به نفسه كما في (آل موسى).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾. وذلك أنهم لما خرجوا من (١) البحر رأوا انطباق البحر على فرعون وقومه.
وقال محمد بن جرير: (وأنتم تنظرون) إلى فرق الله البحر وإنجائكم من عدوكم (٢).
٥١ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ الآية. يقال: وَعَدْتُه وَعْدَا وعِدَةً (٣) وَموْعِداً وَموْعِدةً (٤)، قال الله: ﴿إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ [التوبة: ١١٤]، وقال: ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: ٥٩]. ويقال: وعدني الخير والشر (٥)، قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ [طه: ٨٦] ﴿النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ [الحج: ٧٢].
فأما الإيعاد فهو في التهديد. قال الشاعر:
أَوْعَدَنِي بِالسِّجْنِ والْأَداَهِمِ (٦)
(٢) وهذا على تفسير (النظر) هنا بالمشاهدة، وقد قال بعضهم: إنه بمعنى العلم، كالفراء ورد عليه ابن جرير هذا. انظر: "الطبري" ١/ ٢٧٨، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٦، "تفسير أبي الليث" ١/ ١١٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٣.
(٣) في (أ): (وعدء) وأثبت ما في (ب)، (ج) لأنه الصواب.
(٤) الكلام عن لفظ (وعد) واشتقاقه واستعمالاته نقله عن "الحجة" لأبي علي ٢/ ٥٦، وانظر: "تهذيب اللغة" (وعد) ٤/ ٣٩١٥، "اللسان" ٨/ ٤٨٧١.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (وعد) ٤/ ٣٩١٥.
(٦) في (ب): (الاداهمى). البيت لعُدَيْل بن الفَرْخ، وبعده:
رِجْلِي وَرِجْلِي شثنة المْنَاَسِمِ
الأداهم: جمع أدهم، وهو القيد، شثنة: غليظة، المناسم: طرف خف البعير استعارة للإنسان. ورد البيت في "الحجة" لأبي علي ٢/ ٥٧، وفي كتب اللغة مادة =
والميعاد من: الوعد (٤) [لأنه لم يرد في الخير (٥)، ولذلك قلنا: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: ٩]، (٦) ويجوز أن يخلف الوعيد فيكون ذلك منه كرما (٧).
و (الوعد) (٨) يتعدى إلى مفعولين، ويجوز أن يقتصر على أحدهما كأعطيت، وليس كظننت، قال الله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ﴾ [طه: ٨٠]، فـ (جانب) مفعول ثان، ولا يكون ظرفا لاختصاصه (٩)، والتقدير:
(١) في (ب)، (ج): (بالياء).
(٢) في (أ)، (ج) (يقول) ما في (ب) أنسب للسياق.
(٣) ذكره أبو علي عن أحمد بن يحيى، "الحجة" ٢/ ٥٧، وانظر "تهذيب اللغة" (وعد) ٤/ ٣٩١٥.
(٤) في (ب): (الوعيد).
(٥) في (أ): (الخبر) وما في (ب)، (ج) هو الصواب.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) اختصر كلام أبي علي، انظر: "الحجة" ٢/ ٥٧، ٥٨، وسياق أبي علي أوضح.
(٨) في (ب): (الوعيد) وفي "الحجة": (وعدت) فعل يتعدى إلى مفعولين...) ٢/ ٥٩.
(٩) ولا يسمى ظرفًا في اصطلاح النحويين، وانما يسمى اسم مكان فقط، لأن =
[وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩] (٢) وقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [النور: ٥٥] (٣) فإن الفعل لم يعد منه (٤) إلى مفعول ثان، وقوله: ﴿لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ و ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ﴾ تفسير للوعد وتبيين له كقوله: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء: ١١] فقوله: ﴿لِلذَّكَرِ﴾ تبيين للوصية، وليس بمفعول ثان، وقوله (٥): ﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا﴾ [طه: ٨٦] وقوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ [إبراهيم: ٢٢] فإن هذا ونحوه يحتمل أمرين: يجوز أن يكون انتصاب الوعد بالمصدر. ويجوز أن يكون انتصابه بأنه المفعول الثاني. وسمي الموعود به وعدا (٦)، كما سمي المخلوق خلقاً.
(١) في (ج): (سكنا).
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) (منكم) سقط من (أ)، (ج).
(٤) كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة" (فيه) ٢/ ٦٠.
(٥) في "الحجة": وأما قوله: ﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ﴾..) ٢/ ٦٠.
(٦) في "الحجة": (الوعد) ٢/ ٦٠.
فأما قوله: ﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ (٣) فتعلق (الأربعين) بالوعد على أنه المفعول الثاني لا بالظرف، لأن الوعد لم يكن في جميع الأربعين كلها، ولا في بعضها، وإنما الوعد تقضي الأربعين، والتقدير: وعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة أو تتمة أربعين ليلة، فحذفت المضاف، كما تقول: اليوم خمسة عشر من (٤) الشهر، أي تمامه (٥).
ويكون في الكلام محذوف به يتم (٦) المعنى، كأنه قال: وعدناه انقضاء أربعين ليلة للتكلم (٧) معه، أو لإيتائه التوراة أو ما أشبه هذا.
(٢) "الحجة" ٢/ ٦١.
(٣) في (ب): (وعدنا).
(٤) في (ج): (ض).
(٥) "الحجة" ٢/ ٦٤، ٦٥، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٦٤، "المشكل" لمكي ١/ ٤٧، "الإملاء" ١/ ٣٦، "البحر" ١/ ١٩٩، وقد ذكر الطبري هذا القول، ثم رده، ورجح: أن الأربعين كلها داخلة في الميعاد، قال: (وقد زعم بعض نحويي البصرة: أن معناه: وإذ واعدنا موسى انقضاء أربعين ليلة، أي رأس الأربعين....). ثم قال: (وذلك خلاف ما جاءت الرواية عن أهل التأويل، وخلاف ظاهر التلاوة..) الطبري ١/ ٢٨٠. ونحوه قال ابن عطية: (وكل المفسرين على أن الأربعين كلها ميعاد) "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٢، وانظر: "القرطبي" ١/ ٣٣٧.
(٦) في (ب): (تم).
(٧) في (ب): (للمتكلم).
وقرأ أبو عمرو (٥) (وعدنا) لكثرة ما جاء في القرآن من هذا القبيل بغير ألف، كقوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا﴾ (٦)، ﴿أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ﴾ [طه: ٨٦]، ﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ﴾ [الأنفال: ٧]، ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ﴾ [إبراهيم: ٢٢]، ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ﴾ [الفتح: ٢٠]، فرد المختلف في إلى المتفق عليه (٧).
(٢) (لكن) ساقط من (أ) و (ج) تصحيف في الآية.
(٣) قال أبو علي: (.. فإذا كان الوعد من الله سبحانه، ولم يكن من موسى، كان من هذا الباب) "الحجة" ٢/ ٦٧.
(٤) مر في تفسير قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩]، وانظر: "الحجة" لأبي علي ٢/ ٦٦، "حجة القراءات" لابن زنجلة: ص٩٦، "الحجة" لابن خالويه: ص٧٧، "الكشف" لمكي ١/ ٢٤٠.
(٥) في (ب): (أبو عمر).
(٦) المائدة: ٩، والنور: ٥٥، والفتح: ٢٩.
(٧) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٦٧. وقال ابن زنجلة: وحجة أن المواعدة إنما تكون بين الآدميين. "حجة القراءات": ص٩٦، انظر: "الحجة" لابن خالويه: ص٧٧، =
وكذلك القول في (أربعين) و (خمسين) إلى (التسعين) فقد ثبت بهذا أن (أربعين) ليس جمع (أربع) وكذلك سائر العقود، ولكنه جار مجرى (فلسطين) و (قِنَّسْرين) (٥) في أنه اسم واحد لهذا العدد المخصوص (٦)،
(١) "سر صناعة الأعراب" ٢/ ٦٢٦.
(٢) (العِشْر) بكسر العين خاص بورود الإبل اليوم العاشر أو التاسع. انظر: "القاموس" (عشر): ص ٤٤٠.
(٣) في "سر صناعة الأعراب": (ثلاث) ٢/ ٦٢٦
(٤) في "سر صناعة الأعراب": (.. لوجب أن يستعمل في (تسعة) وفي (اثني عشر) وفي (خمسة عشر) وكذلك إلى (سبعة) ولجاز أن يتجاوز به إلى ما فوق الثلاثين من الأعداد التي الواحد من تثليثها فوق العشرة..) ٢/ ٦٢٦.
(٥) (قِنَّسْرين) بكسر أوله وفتح ثانيه وتشديده، مدينة بالشام. انظر: "معجم البلدان" ٤/ ٤٠٣.
(٦) نص عبارة أبي الفتح: (فقد ثبت بهذا أن (ثلاثين) ليس جمع (ثلاث) وأن (أربعين) ليس جمع (أربع)، ولكنه جرى مجرى (فلسطين) في أن اعتقد له واحد مقدر وإن لم يجر به استعمال فكأن (ثلاثين) جمع (ثلاث) و (ثلاث) جماعة فكأنه قد كان ينبغي أن تكون فيه (الهاء)..) "سر صناعة الأعراب" ٢/ ٦٢٦.
وقال غيره: إنما جمعوا (٥) بالواو والنون، لأنه يقع على ما يعقل وعلى ما لا يعقل، وإذا اجتمعا فالذي يعقل أولى بالغلبة، فجمعوه جمع ما يعقل.
وقوله تعالى: ﴿لَيْلَةً﴾ (٦) ولم يقل: (يوما) لأن عدد الشهور (٧) يحسب من لياليها، وشهور العرب وضعت على سير القمر، والهلال يهل بالليل (٨).
(٢) (الواو) ساقطة من (ب).
(٣) انتهى ما نقله عن أبي الفتح ابن جني الموصلي بتصرف. انظر: "سر صناعة الأعراب" ٢/ ٦٢٦، ٦٢٧. ورأي أبي الفتح أن (أربعين) يجري مجرى جمع المذكر السالم فيعرب بالحروف، وهذا قول بعض النحويين، ومنهم في قال: يعرب بالحركات. انظر: "المقتضب" ٣/ ٣٣٢، "الخزانة" ٨/ ٦٧، "الدر المصون" ١/ ٣٥٣.
(٤) (فيه) ساقط من (ج). والكلام في: (أرض) و (أرضون) ذكره في تفسير قوله تعالى: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ [البقرة: ٢٢].
(٥) في (ب): (واجمعوا).
(٦) (ليلة) ساقط من (ج).
(٧) في (ج): (الشهر).
(٨) "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٠ ب. وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩١، "تفسير البغوي" ١/ ٩٤، "زاد المسير" ١/ ٨٠، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٣٧.
وقد تخِذَتْ رجلي إلى جنب غَرزها | نسيفاً كأُفحوص (٥) القطاة المطرِّقِ (٦) |
(٢) (يتخذ) بسكون التاء، وفتح الخاء، كذا في "تهذيب اللغة" (أخذ) ٧/ ٥٣٠، "مجالس العلماء" للزجاجي: ص ٣٣٣، "اللسان" (أخذ) ٣/ ٣٧٤، وانظر "الحجة" لأبي علي ٢/ ٦٨.
(٣) الكهف: ٧٧، والاستشهاد بالآية ورد في "الحجة" على قراءة أبي عمرو وابن كثير (لتخذت) كما هنا. انظر "الحجة" ٢/ ٦٨، "السبعة" لابن مجاهد ص ٣٩٦، "تهذيب اللغة" (أخذ) ١/ ١٢٩.
(٤) هو الممزق العبدي، واسمه شأس بن نهار.
(٥) في (ج): (كما نحوص).
(٦) قوله: غرزها: الغرز للناقة مثل الحزام للفرس، و (النسيف): أثر ركض الرجل بجبني البعير، و (الأفحوص): المبيض، و (المطرِّق): وصف للقطاة، إذا حان خروج بيضها. ورد البيت في "الحجة" ٢/ ٦٨، "الأصمعيات" ص١٦٥، "تهذيب اللغة" (نسف) ٤/ ٣٥٦٢، "الخصائص" ٢/ ٢٨٧، "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٣٣٣، "المخصص" ١/ ٢١، ٨/ ١٢٥، ١٢/ ٢٧٢، ١٦/ ٩٧، ١٣٤، ١٧/ ٢٢، "التكملة": ص١١٧، "اللسان" (حدب) ٢/ ٧٩٦، و (فحص) ٦/ ٣٣٥٦، و (طرق) ٥/ ٢٦٦٦، و (نسف) ٧/ ٤٤١١.
(٧) قال أبو علي: (اتخذ): افتعل، فعلت منه: تخذت..) ولم أعلم (تخذت) تعدى إلا إلى مفعول واحد. "الحجة" ٢/ ٦٨. قال ابن عطية: (اتخذ وزنه: افتعل من الأخذ، وقال أبو علي: هو من تخذ لا من أخذ ١/ ٢١٦، وانظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٣٣٨ - ٣٣٩، "الدر المصون" ١/ ٣٥٤.
(٨) مر في تفسير قوله تعالى: ﴿هُدًى للِمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢].
والثاني: أن يتعدى إلى مفعولين.
فأما تعديه إلى واحد فكقوله: ﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا﴾ [الفرقان: ٢٧] و ﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ﴾ [الزخرف: ١٦] وقوله: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً﴾ [الفرقان: ٣] (٢)، ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا﴾ [الأنبياء: ١٧].
وأما تعديه إلى مفعولين، فإن الثاني منهما هو الأول في المعنى، كقوله: ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً﴾ (٣) وقال: ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١]، ﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ [المؤمنون: ١١٠]. ونظير (اتخذت) في تعديه إلى مفعول واحد مرة، وإلى مفعولين: (الجعل) (٤) قال الله تعالى: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: ١] أي: خلقهما (٥)، فإذا تعدى إلى مفعولين كان الثاني الأول في المعنى، قال: ﴿وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً﴾
(٢) وفي "الحجة" ذكر قوله تعالى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً﴾ [مريم: ٨١] [يس: ٧٤].
(٣) المجادلة: ١٦، المنافقون: ٢.
(٤) في (ب): (أنجعل) وفي "الحجة": (جعلت) ٢/ ٦٩.
(٥) في (ب): (خلقها). والمؤلف يشير بقوله (خلقها) إلى أن (جعل) التي تتعدى إلى مفعول واحد هي التي بمعنى: خلق، أو أوجب، أو وجب، وهي تتعدى إلى مفعول واحد بنفسها. وإلى الثاني بحرف الجر. وأما التي تتعدى إلى مفعولين فهي التي بمعنى: (اعتقد) و (صير). انظر: "الأشموني مع حاشية الصبان" ٢/ ٢٣.
فأما قوله: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: ٥١] وقوله: ﴿بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: ٥٤]، ﴿اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ﴾ [الأعراف: ١٤٨]، ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ﴾ [الأعراف: ١٥٢]، فالتقدير في هذا كله: (اتخذوه إلها) فحذف المفعول الثاني (١). الدليل على ذلك أنه لو كان على ظاهره، لكان من صاغ عجلا، أو نجره، أو عمله بضرب من الأعمال، استحق الغضب من الله (٢)، لقوله: ﴿سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ﴾ [الأعراف: ١٥٢].
و (الاتخاذ) أصله: (اأتخاذ) (٣)، فلما التقى الهمزة التي هي الفاء مع همزة الوصل لينت فصارت (ياء) لانكسار ما قبلها، فأدغمت في (تاء) (٤) الافتعال كقولهم: اتسروا الجزور (٥)، وإنما هو من الميسر واليسر (٦).
(٢) تابع الواحدي أبا علي في قوله: (.. أنه لو كان على ظاهره، لكان من صاغ عجلًا، أو نجره، أو عمله بضرب من الأعمال، استحق الغضب من الله)، وكأن فاعل ذلك لا يستحق العقوبة على تصوير المجسمات من ذوات الأرواح، الذي هو محرم عند جمهور العلماء، وإنما وقع الخلاف بينهم في الصور غير المجسمة. أما أبو علي فلا يرى تحريم ذلك كله، ويحمل الأحاديث الواردة في وعيد المصورين على المشبهة -حسب زعمه- قال في "الحجة" ٢/ ٧١: (.. قيل: يعذب المصورون، يكون على من صور الله تصوير الأجسام، وأما الزيادة فمن أخبار الآحاد التي لا توجب العلم). وقد تعقبه ابن حجر ورد عليه قوله، انظر: "فتح الباري" ١٠/ ٣٨٤.
(٣) (اأتخاد) ساقط من (ب)، وفي (ج): (اتخاذ).
(٤) في (ب): (ياء).
(٥) اتسروا الجزور: إذا نحروها واقتسموها. (القاموس) (يسر): ص ٥٠٠.
(٦) أورد أبو علي هذا القول ورده، لأن أصله عنده (تخذ) لا (اخذ). انظر: "الحجة" ٢/ ٧١، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٣٩، "الدر المصون" ١/ ٣٥٤.
واختلف القراء في هذا الحرف، فقرأ بعضهم بالإظهار (٥)؛ لأن (الذال) ليس من مخرج (التاء) (٦) إنما هي من مخرج (الظاء)، و (الثاء) فتفاوت ما بينهما إذ كان لكل واحد من الذال والتاء مخرج غير مخرج الآخر (٧). وأما من (٨) أدغم فحجته: أن هذين الحرفين لما تقاربا فاجتمعا في أنهما (٩) من طرف اللسان وأصول الثنايا، حسن الإدغام، لقرب حيز كل واحد منهما من الحيز (١٠) الآخر.
(٢) ذكره أبو علي في "الحجة" حيث قال: (أخذ) قد جاء فيه لغتان في (الفاء): الواو والهمز، كما جاء: آكدت ووكدت..) "الحجة" ٢/ ٧٣، ٧٤.
(٣) في (ب): (ووصدت).
(٤) البقرة: ٢.
(٥) قرأ بالإظهار ابن كثير وعاصم في رواية حفص، انظر "السبعة": ص١٥٥، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٦٧، "التيسير": ص ٤٤.
(٦) في "الحجة" (ليس من مخرج التاء والطاء) ٢/ ٧٥.
(٧) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٧٥. وانظر:"الحجة" لابن خالويه: ص٧٧."الكشف" لمكي ١/ ١٦٠.
(٨) قرأ بالإدغام بقية السبعة عدا ابن كثير وعاصم في رواية حفص، انظر"السبعة" ص ١٥٥، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٦٧، "التيسير": ص ٤٤، "الكشف" ١/ ١٦٠.
(٩) في (ب): (فاجتمع أنها).
(١٠) في (ب): (حيز). "الحجة" لأبي علي ٢/ ٧٥. وانظر: "الحجة" لابن خالوية: ص ٧٧، "الكشف" ١/ ١٦٠، وقال مكي: إنهما (اعتدلا في القوة والضعف).
(٢) يريد ما سبق في تفسير قوله تعالى: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٤٠]، فجعل النعمة على آبائهم نعمة عليهم، وهذا يجري في (كلام العرب) كثيرًا. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٧، ١٠٤.
(٣) في (ج): (ما يؤتون).
(٤) (بين) ساقط من (ج).
(٥) بنحو هذا السياق ذكره الثعلبي في "تفسيره" دون قوله: (وأمره أن يصوم ثلاثين يومًا..) ١/ ٧١ أ، وأخرج الطبري في "تفسيره" مقاطع منه في عدة آثار ١/ ٢٨٣، وانظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٤، "تفسير البغوي" ١/ ٩٥، "ابن كثير" ١/ ٩٨.
(٦) في (ب): (موضها).
٥٢ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ قال الليث: كل من استحق عقوبة فتركته (٣) فقد عفوت عنه (٤). فكأن معنى العفو عنده: الترك، ومنه قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ [البقرة: ١٧٨]، أي ترك (٥).
وقال ابن الأنباري: أصل: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ﴾ [التوبة: ٤٣] محا الله عنك، مأخوذ من قولهم: عفت الرياح الآثار، إذا درستها ومحتها، فعفت تعفو عفوا، لفظ (٦) اللازم والمتعدى سواء (٧) إلا في المصدر (٨). فعفو الله
(٢) لم أجد من ذكر هذا القول -فيما اطلعت عليه- ومعناه يرجع للقول الأول، والله أعلم.
(٣) في (ب): (فتركة عنه) وفي "تهذيب اللغة" (عفا) ٣/ ٢٤٨٩.
(٤) "تهذيب اللغة" (عفا) ٣/ ٢٤٨٩. وانظر: "تفسير أسماء الله" للزجاج ص ٦٢، "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ١٣٤.
(٥) وقيل: إن معنى (فمن عفي): فمن فضل له فضل، انظر "تفسير الطبري" ١/ ١٠٧ - ١٠٩، وانظر كلام الأزهري على الآية في "تهذيب اللغة" (عفا) ٣/ ٢٢٦.
(٦) في (ب): (اللفظ).
(٧) "تهذيب اللغة" (عفا) ٣/ ٢٤٨٩، "اللسان" (عفا) ٥/ ٣٠١٨، وانظر "الأضداد" لابن الأنباري: ص ٨٦، "الزاهر" ١/ ٥٣٥.
(٨) قوله: (إلا في المصدر) لم يرد ضمن كلام ابن الأنباري في "تهذيب اللغة"، قال الأزهري وقرأت بخط شمر لأبي زيد: عفا الله عن العبد عفوا، وعفت الرياح الأثر عفاء، فعفا الأثر عفوا "تهذيب اللغة" (عفا) ٣/ ٢٤٨٩.
وقال بعض أصحاب المعاني: العفو في اللغة: ما فضل عن الكفاية، وسهلت النفس ببذله (٢) ومنه قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ العَفوَ﴾ (٣) [البقرة: ٢١٩] أي: ما فضل عن (٤) القوت، ثم كثر ذلك وطال ترداده حتى صار على التدريج والتراخي: الصفح (٥) عن الشيء والإعراض عن المؤاخذة به.
قال المفسرون: والمراد بالعفو في هذه الآية: قبوله التوبة من عبدة العجل، وأمره برفع السيف عنهم (٦).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أي من بعد عبادة العجل (٧). وإنما وحد والخطاب (٨) للجميع، لاتصال الخطاب بذا وهو مبهم، فمرة يجمع على الأصل في مخاطبة الجميع، ومرة يوحد على مشاكلة اللفظ، إذا (٩) كان لفظ المبهم على الواحد، وإن كان معناه على الجمع (١٠).
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (عفا) ٣/ ٢٤٩١.
(٣) الواو ساقطة من (أ)، (ج).
(٤) في (ب): (من).
(٥) في (ب): (والصفح).
(٦) انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٥٣. و"تفسير الثعلبي" ١/ ٧٢ أ، وقال ابن جرير: المراد بالعفو: ترك معاجلتهم بالعقوبة، "تفسير الطبري" ١/ ٢٨٤.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٨٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٢ أ، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٣٨.
(٨) في (ب): (وجد الخطاب).
(٩) في (أ)، (ج): (إذ)، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.
(١٠) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٦.
ومعنى الشكر في اللغة: عرفان الإحسان ونشره، وهو الشكور (٤) أيضًا (٥). وقال بعض أهل اللغة: معنى الشكر إظهار النعمة بالاعتراف بها، ومن هذا يقال: دابة شكور (٦)، إذا أظهرت السمن فوق (٧) ما يعلف (٨). وقد ذكرنا أقسام الشكر في ابتداء الفاتحة. وأما معنى الشكور في وصف الله تعالى فمذكور وفي موضعه.
٥٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ الآية. الفرقان: مصدر فرَقت بين الشيئين أفرُق فَرْقًا وفُرْقانًا، كالرجحان والنقصان، هذا هو
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٥، وأكثر المفسرين على أن (لعل) تفيد الإيجاب، وقيل: هي بمعنى (كي). انظر: "تفسير الطبري" ١/ ١٦١، ١/ ٢٨٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٦، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٣٦.
(٣) ذكر الوجوه التي تأتي عليها (لعل) في تفسير قوله ﴿لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ﴾ [البقرة: ٢١].
(٤) في (ب): (الشكر).
(٥) ذكره الأزهري عن الليث. "تهذيب اللغة" (شكر) ٢/ ١٩١١، وانظر: "اللسان" (شكر) ٤/ ٢٣٠٥.
(٦) في (ب): (شكورا).
(٧) في (ب): (من الثمن فوق ما علفت).
(٨) انظر: "التهذيب" (شكر) ٢/ ١٩١١، "اللسان" ٤/ ٢٣٠٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٢.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا﴾ [الأنفال: ٢٩]، أي: يفرق بينكم وبين ذنوبكم، أو بينكم وبين ما تخافون (٣).
فأما (٤) معنى الفرقان في هذه الآية: فقال مجاهد: هو بمعنى الكتاب، وهما شيء واحد (٥). وهو اختيار الفراء (٦). قال: العرب تكرر الشيء إذا اختلفت (٧) ألفاظه، قال عدي بن زيد:
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٣، ٤٤، ١/ ٢٨٥ "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٤٦١، "تهذيب اللغة" (فرق) ٣/ ٢٧٧٩، "الصحاح" (فرق) ٤/ ١٥٤١، "اللسان" (فرق) ٦/ ٣٣٩٩.
(٣) ذكر الطبري في المراد بالفرقان ثلاثة أقوال: مخرجها، أو نجاة، أو فصلا، ١٣/ ٤٨٨.
(٤) في (ب): (وأما).
(٥) ذكره الطبري في "تفسيره" عن مجاهد وعن ابن عباس وأبي العالية ورجحه ٢/ ٧٠، ٧١، وكذا "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٥٠، والنحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٢٢٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٣ أ، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢١٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٨١، "تفسير ابن كثير" ١/ ٩٧.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ أ، وذكر الفراء في المراد بالفرقان عدة أقوال، والقول المذكور هنا أحد الأقوال. انظر "معاني القرآن" ١/ ٣٧.
(٧) في (ب): (اختلف).
وقال عنترة:
أَقْوَى وَأَقْفَرَ بَعْدَ أُمِّ الهَيْثَمِ (٢)
وارتضى الزجاج هذا القول، قال (٣): لأن الله تعالى ذكر لموسى الفرقان في غير هذا الموضع وهو قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ [الأنبياء: ٤٨]. فعلى هذا الفرقان هو الكتاب، والكتاب هو الفرقان، ولكن ذكر بلفظين مختلفين نحو ما ذكرنا.
قال الزجاج: ويجوز أن يريد بالفرقان انفراق البحر (٤)، وهو من عظيم الآيات، كأنه قيل: آتيناه فرق البحر وهذا قول يمان بن رباب (٥). وقال ابن عباس: أراد بالفرقان النصر على الأعداء (٦)، لأن الله عز وجل
(٢) البيت من معلقة عنترة المشهورة وصدره:
حُيِّيتَ مِنْ طَلَلٍ تَقَادَمَ عَهْدُهُ
(الطلل): ما شخص من الدار من وتد وغيره، (تقادم): طال عهده بأهله فتغير، (أقوى): خلا من أهله، ورد البيت في "تهذيب اللغة" (شرع) ٢/ ١٨٥٧، "اللسان" (شرع) ٤/ ٢٢٣٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٣ أ، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤١، "الدر المصون" ١/ ٣٥٨، "فتح القدير" ١/ ١٣٥، و"ديوان عنترة" ص ١٨٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٥.
(٤) لم أجد هذا القول في "معاني القرآن" للزجاج، وممن نسبه للزجاج ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٨١، وهذا القول ذكره الفراء في "المعاني" ١/ ٣٧، وأبو الليث في "تفسيره" ١/ ٣٥٤، انظر: "تفسير ابن عطية" ونسبه لابن زيد ١/ ٢٩٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤١.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ أ، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٣.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" عن ابن =
فَثَبَّتَ اللهُ مَا آتاكَ (٣) مِنْ حَسَنٍ | تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا (٤) |
وقال الكسائي: الفرقان نعت للكتاب، يريد: وإذا آتينا موسى الكتاب الفرقان، أي (٥): الفارق بين الحلال والحرام، ثم زيدت الواو كما تزاد في النعوت فيقال: فلان حسن وطويل وسخي (٦)، وأنشد:
إِلَى المَلِكِ الْقَرْمِ وَابْنِ الهُمَامِ | وَلَيْثِ الْكَتِيبَةِ في المُزْدَحَم (٧) |
(١) (نصر) ساقط من (ب).
(٢) في (ج): (مخاطب).
(٣) في (ب): (ما أتاك الله ما أتاك).
(٤) البيت ليس لحسان وإنما هو لعبد الله بن رواحة كما في ديوانه ص ١٥٩، وكذلك ورد في "طبقات ابن سعد" ٣/ ٥٢٨، "سيرة ابن هشام" ٣/ ٤٢٨، "سير أعلام النبلاء" ١/ ٢٣٤، و"الاستيعاب" ٣/ ٣٥، "الدر المصون" ١/ ٥٩١، "البحر المحيط" ٢/ ٣١١، ٢٢٧، ٦/ ٨٤.
(٥) في (أ): (أن) وفي (ج): (إذ).
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ أ، وانظر "تفسير البغوي" ١/ ٧٣، "الكشاف" ١/ ٢٨١، وذكره أبو حيان في البحر، وقال: هو ضعيف ١/ ٢٠٢، وذكر الفراء نحوه ولم يعزه للكسائي، "معاني القرآن" ١/ ٣٧.
(٧) سبق البيت وتخريجه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ﴾.
تَرَاهُ كَأَنَّ اللهَ يَجْدَعُ أَنْفَهُ | وَعَيْنَيْهِ إِنْ مَوْلاَهُ ثَابَ لَهُ وَفْرُ (٢) |
قال ابن الأنباري: هذا البيت لا يشاكل ما احتج به؛ لأن الشاعر اكتفى بفعل من فعل، وعلى ما ذكر في الآية اكتفى من اسم باسم (٤)، ولكنه يصح قول قطرب عندي من وجه آخر، وهو (٥) أنه لما ذكر الفرقان وهو اسم للقرآن، دل على محمد - ﷺ - فحذف اتكالًا على علم المخاطبين (٦).
٥٤ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ يعني (٧) الذين عبدوا العجل. (يا قوم) نداء مضاف حذفت منه الياء، لأن النداء باب حذف، ألا
(٢) البيت ينسب إلى خالد بن الطيفان، ونسبه بعضهم إلى الزبرقان بن بدر، ورد البيت في "الزاهر" ١/ ١١٩، و"أمالي المرتضى" ٢/ ٢٥٩، ٣٧٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٣ أ، "الخصائص" ٢/ ٤٣١، "الإنصاف" ١/ ٤٠٦، "اللسان" (جدع) ١/ ٥٦٧. والوفر: المال الكثير الوافر.
(٣) في (ج): (فاكتفى يجدع من تفقأ).
(٤) في (ب)، (ج): (باسم من اسم). وقول ابن الأنباري ذكره المرتضى في "أماليه" ٢/ ٢٦٠.
(٥) (وهو) ساقط من (ب).
(٦) ذكر المرتضى في أماليه نحوه ردا على قول ابن الأنباري السابق. "أمالي المرتضى" ٢/ ٢٦٠.
(٧) بعد سياق الآية كاملة في (ب) كما هو النهج في هذه النسخة ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ يعني...
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٥، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٢٦.
(٣) أي: إلى ياء المتكلم.
(٤) انظر: "الكتاب" ٢/ ٢٠٩، وذكر الزجاج في المنادى المضاف إلى ياء المتكلم أربع لغات، انظر: "معاني القرآن" ١/ ١٠٥، وذكر النحاس لست لغات، "إعراب القرآن" ١/ ٢٢٦، وكذا أبو حيان في البحر ١/ ١٠٦، "السمين في الدر" ١/ ٣٥٩، وهذا في غير القرآن.
(٥) يعني إثباتها ساكنة.
(٦) في (ب): (وحذفها).
(٧) قراءة جمهور القراء حذف الياء منها، وقرأ بالإثبات رويس وروح. انظر: "النشر" ٢/ ٣٦٤، "وتحبير التيسير" ص ١٧٤.
(٨) في (ج): (عباد) وهي قراءة السبعة.
(٩) في (ب): (حذف). قرأ بالفتح نافع وابن كثير وابن عامر وعاصم، وأبو جعفر من العشرة والبقية على الإسكان في الوقف، وحذفها في الوصل. انظر: "التيسير" ص ١٩٠، "تحبير التيسير" ص ١٧٤.
(١٠) قال الزجاج: فأما في القرآن فالكسر وحذف الياء لأنه أجود الأوجه، وهو إجماع القراء ١/ ١٠٥، وانظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧٥، "البحر المحيط" ١/ ٢٠٦.
(١١) في (ب): (المواضع).
(١٢) في (ب): (تكون).
وَطِرْتُ بِمُنْصُلِي (٢) فِي يَعْمَلاَتٍ | دَوَامِي الأَيْدِ يَخْبِطْنَ السَّريِحَا (٣) |
وَأخُو الغَوَانِ مَتى يَشَأْ يَصْرِمْنَهُ | وَيَكُنَّ أَعْدَاءً بُعَيْدَ وِدَادِ (٥) |
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ﴾ أي نقصتم حظ أنفسكم باتخادكم العجل إلها (٦)، فحذف أحد المفعولين، وقد مضى بيانه (٧).
(٢) في (أ)، (ج) (لمنصلي) وما في (ب) موافق لرواية البيت في أكثر المصادر.
(٣) البيت غير منسوب في "الكتاب"، ونسبه في اللسان لمضرس بن ربعي. (المنصل): السيف، و (اليعملات): جمع يعملة، وهي الناقة القوية على العمل و (السريح): جلود أو خرق تشد على أخفاف الناقة إذا حفيت من شدة السير، ورد البيت في "الكتاب" ١/ ٢٧، ٤/ ١٩٠، "المنصف" ٢/ ٧٣، "الخصائص" ٢/ ٢٦٩. ٣/ ١٣٣، "الإنصاف" ٢/ ٤٢٩، "الخزانة" ١/ ٢٤٢، "اللسان" (جزز) ١/ ٦١٥، و (خبط) ١٠٣٩، و (ثمن) ١/ ٥٩ و (يدى) ٨/ ٤٩٥١.
(٤) فحذف (الياء) لضرورة الشعر وبقيت الكسرة تدل عليها. انظر:"الكتاب" ١/ ٢٧.
(٥) في (ب): (واداد). البيت للأعشى (قيس من ميمون) وفيه يصف النساء بالغدر وقلة الوفاء والصبر، يقول: من كان مشغوفًا بهن مواصلاً لهن، إذا تعرض لما يسبب صرمهن سارعن إليه لتغير أخلاقهن. البيت من شواهد سيبويه ١/ ٢٨، وورد في "المنصف" ٢/ ٧٣، "الإنصاف" ص ٣٢٩، ص ٤١٩، و"الهمع" ٥/ ٣٤٤، "الخزانة" ١/ ٢٤٢، "اللسان" (غنا) ٦/ ٣٣١٠، وديوان لأعشى ص ٥١.
(٦) انظر: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٣.
(٧) مضى في تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ [البقرة: ٥١].
قَالَتْ سُلَيْمَى اشْتَرْ لَنَا دَقِيقَا (٦)
[فَنُزِّل] (٧) مثل كتف، ولا خلاف في تجويز إسكان حركة البناء عند
(٢) هذا على رواية العراقيين عنه بالاختلاس، وروي عنه إسكان الهمزة، وبقية السبعة على كسر الهمزة من غير اختلاس ولا تخفيف، انظر "السبعة" ص ١٥٥، و"الحجة" لأبي على ٢/ ٧٦، "التيسير" ص ٧٣، "الكشف" ١/ ٢٤٠.
(٣) أخذه عن "الحجة" ٢/ ٧٨. قال أبو علي: (حروف المعجم على ضربين: ساكن ومتحرك، والساكن على ضربين: أحدهما: ما أصله في الاستعمال السكون.. ، والآخر: ما أصله الحركة في الاستعمال فيسكن عنها، وما كان أصله الحركة يسكن على ضربين: أحدهما أن تكون حركته حركة بناء، والآخر: أن تكون حركته حركة إعراب..) وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ٩٧، "الحجة" لابن خالويه ص ٧٨، "الكشف" ١/ ٢٤١.
(٤) في "الحجة" (يقول من يخفف) ٢/ ٧٩.
(٥) أي: شبهوا المنفصل في كلمتين بالمتصل في كلمة.
(٦) الرجز لرجل من كندة يقال له: (العذافر الكندي) وسبق تخريجه في تفسير قوله تعالى: ﴿وَهُوَ بكل شَىءٍ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٩].
(٧) في جميع النسخ (فترك) وفي "الحجة" (فنزل) وهذا أقرب، والمعنى: أن (اشتر) =
وأما حركة الإعراب فمختلف في تجويز إسكانها، فمن النحويين من يقول: إن إسكانها لا يجوز، لأنها علم الإعراب، وسيبويه يجوز ذلك (١)، ولا يفصل بين القبيلين (٢) في الشعر.
وقد روي ذلك عن العرب، وإذا جاءت الرواية لم ترد بالقياس (٣)، فمما أنشده في ذلك قوله (٤):
وَقَدْ بَدَا (٥) هَنْكِ مِنَ المِئْزَرِ (٦)
وقوله: فَالْيَوْمُ أَشْرَبْ غَيْرَ مُسْتَحْقِبٍ (٧).. البيت.
(١) انظر: "الكتاب" ٤/ ٢٠٣، وانظر: "الخصائص" ١/ ٧٣ - ٧٥.
(٢) في (ب): (القبيلتين).
(٣) وكأنه يشير إلى رد أبي العباس المبرد لهذه المسألة، انظر: "الخصائص" ١/ ٧٥، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٧، "الخزانة" ٤/ ٤٨٤.
(٤) (قوله) ساقط من (ب).
(٥) في (ب). (زيد).
(٦) البيت للأقيشر الأسدي وصدره:
رُحْتِ وَفِي رِجْلَيْكِ مَا فِيهِمَا
قاله يخاطب زوجته حين لامته لما شرب الخمر وبدت عورته، وقوله: (ما فيهما): من الاضطراب، و (الهن) كناية عن كل ما يقبح ذكره، وهو هنا كناية عن (الفرج). البيت من شواهد سيبويه ٤/ ٢٠٣، وفي "الحجة" لأبي علي ٢/ ٨٠، "الخصائص" ١/ ٧٤، ٣/ ٩٥، و"الهمع" ١/ ١٨٧، "شرح المفصل" ١/ ٤٨، "الخزانة" ٤/ ٤٨٤، ٤٨٥، ٨/ ٣٥١، "تفسير ابن عطية"١/ ٢٩٨.
(٧) سبق تخريجه.
سِيرُوا بَنِي الْعَمِّ فَالْأَهْوَازُ (١) مَنْزِلُكُمْ | وَنَهْرُ تِيرَى وَلَا تَعْرِفْكُمُ (٢) الْعَرَبُ (٣) |
فأما من زعم أن حذف هذه الحركة لا يجوز من حيث كانت عَلَمًا للإعراب، فليس قوله بمستقيم، وذلك أن حركات (٦) الإعراب قد تحذف لأشياء (٧)، ألا ترى أنها تحذف للوقف، وتحذف من الأسماء والأفعال
(٢) في (أ)، (ج): (لايعرفكم) وما في (ب) موافق للحجة، والمصادر الأخرى التي ورد فيها البيت.
(٣) (الأهواز): مكان معروف في بلاد الفرس، وهو اسم للكورة بأسرها، ثم غلب على سوقها الذي أصبح مدينة يعينها، وفي الأهواز (نهر تيرى) المذكور في البيت. انظر "معجم البلدان" ١/ ٢٨٤، ٥/ ٣١٩، ورد البيت في "الحجة" ٢/ ٨٠، "الخصائص" ١/ ٧٤، ٢/ ٣١٧، "المخصص" ١٥/ ١٨٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٨، "معجم البلدان" ٥/ ٣١٩، "الخزانة" ٤/ ٤٨٤، "ديوان جرير" ص ٤٥. والشاهد (ولا تعرفكم) بالضم فأسكن الشاعر مضطرًّا. انظر "الخصائص" ١/ ٧٤، ٢/ ٣١٧.
(٤) (إسكان) ساقط من (ب). وعبارة أبي علي: (وجاز إسكان حركة الإعراب، كما جاز تحريك إسكان البناء...) "الحجة" ٢/ ٨١.
(٥) أو اختلاسها كما سبق، قال أبو علي: (ذهب سيبويه إلى أن أبا عمرو اختلس الحركة ولم يشبعها فهو بزنة حرف متحرك، فمن روى عن أبي عمرو الإسكان في هذا النحو، فلعله سمعه يختلس فحسبه لضعف الصوت به والخفاء إسكانًا ٢/ ٨٤، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٧، "الحجة" لابن خالويه ص ٧٨.
(٦) في (ب) (حركة).
(٧) في (ب) (الأشياء).
واعلم أن الحركات التي تكون للبناء والإعراب يستعملون في الضمة والكسرة منهما على ضربين: أحدهما: الإشباع والتمطيط، والآخر: اللاختلاس والتخفيف.
وهذا الاختلاس والتخفيف، إنما يكون في الضمة والكسرة، وأما الفتحة (١) فليس فيها إلا الإشباع ولم تخفف الفتحة بالاختلاس، كما لم تخفف بالحذف (٢) من نحو: جَمَل وجَبَل، كما حذف (٣) من نحو: سَبُع وكَتِف، وكما (٤) لم يحذفوا الألف في الفواصل من حيث حذفت الياء والواومنها، نحو: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾ [الفجر: ٤]. وكما لم يبدل الأكثر من التنوين الياء والواوفي الجر والرفع كما أبدلوا (٥) منه في النصب، فهذا الاختلاس وإن كان الصوت فيه أضعف من التمطيط وأخفى، فإن الحرف المختلس حركته بزنة المتحرك، وعلى هذا حمل سيبويه قول أبي عمرو ﴿إِلَى بَارِئِكُمْ﴾ فذهب إلى أنه اختلس الحركة ولم يشبعها، فهو بزنة حرف متحرك (٦).
(٢) في (أ)، (ج) (بالمحذوف) وما في (ب) أولى، وموافق لما في "الحجة" ٢/ ٨٣.
(٣) في "الحجة" (خفف) وهو أولى.
(٤) (الواو) ساقطة من (ب).
(٥) في "الحجة": (كما أبدلوا الألف في النصب) ٢/ ٨٣.
(٦) انتهى من "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٧٨ - ٨٣. مع التصرف اليسير باختصار بعض المواضع.
إِنَّ الَّتِي نَاوَلْتَنِي فَرَدَدْتُهَا قُتِلَتْ | قُتِلَتْ فَهَاتِهَا (٥) لَمْ تُقْتَلِ (٦) |
وقلب مُقَتَّل: إذا ذلل بالعشق (٨)، ومنه قوله:
...... أَعْشَارِ (٩) قَلْبٍ مُقَتَّلِ (١٠)
(٢) انظر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٣.
(٣) نحوه في "التهذيب" عن الليث (قتل) ٣/ ٢٨٨٤، انظر "الصحاح" (قتل) ٥/ ١٧٩٧، "اللسان" (قتل) ٦/ ٣٥٢٨.
(٤) في (ج) (اوا).
(٥) في (أ)، (ج) (نهاتها) وما في (ب) موافق لنا في ديوان حسان، والمصادر الأخرى التي ذكر فيها البيت.
(٦) ورد البيت في الصحاح (قتل) ٥/ ١٧٩٧، "اللسان" ٦/ ٣٥٣٠، "ديوان حسان" ص ١٨١، "الخزانة" ٤/ ٣٨٥، ٣٩٠.
(٧) في (ج): (ويقول).
(٨) انظر " التهذيب" (قتل) ٣/ ٢٨٨٤، "الصحاح" (قتل) ٥/ ١٧٩٧، ١٧٩٨، "المحكم" (قتل) ٦/ ٢٠٤، ٢٠٥.
(٩) في (ب): (في أعشار).
(١٠) البيت لامرئ القيس، وسبق تخريجه وشرحه في مقدمة المؤلف.
قال زهير.
كَأَنَّ عيْنَيَّ فِي غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ | مَن النَّوَاضِحِ تَسْقِي جَنَّةً (٢) سُحُقَا (٣) |
ومعنى قوله: ﴿فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أي: ليقتل البريء المجرم (٦)، وجاز هذا؛ لأن من قتل أخاه أباه (٧) وجاره وحليفه (٨) فكأنه قتل نفسه، ومنه
(٢) في (ب): (جنها).
(٣) قوله: (غربي) الغرب: الدلو الكبير من جلد ثور وجمعه غروب، و (المقتلة): التي ذللت بكثرة العمل، لأنها ماهرة تخرج الدلو ملأى فتسيل من نواحيها، (الجنة) البستان، وأراد النخل. (السحق): الواحد (سحوق) النخلة التي ذهبت جريدتها، وطالت، ورد البيت في المجمل (جنن) ١/ ١٧٥، "مقاييس اللغة" ١/ ٤٢١، "المخصص" ١١/ ١١١،"اللسان" (سحق) ٤/ ١٩٥٦، و (قتل) ٦/ ٣٥٣٠. و (جنن) ٢/ ٧٠٥.
(٤) انظر: "المخصص" ١١/ ١١١.
(٥) مابين المعقوفين ساقط من (ب).
(٦) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ب، وانظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٥٥. والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٣، الخازن في "تفسيره" ١/ ١٢٦، وقيل: ليقتل بعضكم بعضا، انظر: "غريب القرآن" لابن قتيبه ص ٤٩. والطبري ٢/ ٧٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٨، "الكشاف" ١/ ٢٨١، "زاد المسير" ١/ ٨٢، "البحر" ١/ ٢٠٧. ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٩٨.
(٧) (وأباه) ساقط من (ب).
(٨) في (ج): (خليفه).
وقال بعض أهل المعاني: معنى (فاقتلوا أنفسكم) أي: استسلموا للقتل، فجعل استسلامهم للقتل قتلًا منهم لأنفسهم على التوسع (٣)، فعلى هذا لا تحتاج إلى تأويل الأنفس.
وقوله تعالي: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ﴾ أي: توبتكم خير لكم عند بارئكم من إقامتكم على عبادة العجل (٤)، والإشارة في ذلك تعود إلى القتل (٥)، وهو توبتهم، وقيل (٦): معناه: توبتكم خير لكم، أي فعل خير، لأنه يثيبكم عليه، وليس "خير" على طريق المبالغة والتفضيل (٧)، وذلك أن
(٢) انظر: "تأويل مشكل القرآن" ص ١٥٢، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٥٥، "تفسير الرازي" ٣/ ٨١.
(٣) ذكره الماوردي عن أبي إسحاق ١/ ٣٢٧، وكذا الرازي في "تفسيره" ٣/ ٨٢، وأبو حيان في البحر ١/ ٢٠٧.
(٤) أو المعنى (توبتكم) خير لكم من إقامتكم على المعصية، ولو سلمتم من القتل. انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٠٩، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٥٥، والنسفي في "تفسيره" ١/ ١٢٦، "البحر المحيط" ١/ ٢٠٩، "الدر المصون" ١/ ٣٦٦.
(٥) وقيل: تعود إلى التوبة، وقيل: إلى القتل والتوبة، فأوقع المفرد موقع التثنية. انظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٣ ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٣، "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ٨٣، "زاد المسير" ١/ ٨٢، "البحر المحيط" ١/ ٢٠٩، "الدر المصون" ١/ ٣٦٦.
(٦) (وقيل) ساقط من (ب).
(٧) انظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٠٩.
والثاني: بمعنى الفاضل، يقال أردت خيرا، أو فعلت خيرا (١).
قال ابن عباس: أبي الله عز وجل أن يقبل توبة عبدة العجل إلا بالحال التي كره من لم يعبد العجل، وذلك أنهم كرهوا أن يقاتلوا عبدة العجل على عبادة العجل فجعل الله توبتهم أن يقتلهم هؤلاء الذين كرهوا قتالهم (٢)، والقصة فى ذلك معروفه مشهورة.
وقوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ﴾ في الآية اختصار، تقديره: ففعلتم ما أمرتم به (٣)، فتاب عليكم (٤).
٥٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ قال ابن عباس: حتى نراه علانية (٥)، وقال قتادة: عيانا (٦). وقد تكون الرؤية غير جهرة كالرؤية في النوم (٧)، وكرؤية القلب، فإذا قيل (٨): رآه
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٣ ب، وذكره الطبري في "تفسيره" عن السدي ١/ ٢٨٦، "تفسير الماوردي" عن جريج ١/ ٣٢٧.
(٣) في (ب): (فعلتم ذلك).
(٤) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٤ أ، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٨٨، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٩٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٤، "البحر المحيط" ١/ ٢٠٩.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٨١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٥٥، وذكره القرطبي في "تفسيره" ١/ ١٣٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٧٠، والسيوطي في الدر ١/ ٧٠.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٨٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٥٦.
(٧) بياض في (ب).
(٨) في (ب) (قال).
قال أهل اللغة: معنى قوله: جهرةً أي غير مستتر عنَّا بشيء، وأصل الجهر في اللغة: الكشف والإظهار، يقال: جهرت البئر، إذا كشفت الطين عن الماء ليظهر الماء (٢)، قال:
إِذَا وَرَدْنَا آجِنًا جَهَرْنَاه | أَو خَالِيًا مِنْ أَهْلِهِ عَمَرْنَاهْ (٣) |
والجَهَارَةُ: ظهور الجَمَال (٦) وأنكشافه ببياض اللون (٧)، قال الأعشى:
وَسَبَتْكَ حِيَنَ تَبَسَّمتْ | بَيْنَ الأَرِيكَةِ والسِّتَارَهْ |
(٢) انظر "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٦٧، "تهذيب اللغة" (جهر) ١/ ٦٧٦، "مقاييس اللغة" (جهر) ١/ ٤٨٧، "الصحاح" (جهر) ٢/ ٦١٨.
(٣) الرجز ذكره أبو زيد في "النوادر"، قال: أنشدتني شماء، وهي أعرابية فصيحة من بني كلاب. تقول: إنهم من كثرتهم نزفوا مياه الآبار الآجنة من كثرة المكث، وعمروا المكان الخالي. "نوادر أبي زيد" ص ٥٧٤)، والبيتان في "تهذيب اللغة" (جهر) ١/ ٦٧٦، "الصحاح" (جهر) ٢/ ٦١٨، "اللسان" (جهر) ٢/ ٧١١.
(٤) (أي) ساقط من (ب).
(٥) "تهذيب اللغة" (جهر) ١/ ٦٧٧.
(٦) في (ج): (الحال).
(٧) في (ب): (المال). انظر: "الصحاح" (جهر) ٢/ ٦١٩، "اللسان" ٢/ ٧١١.
(٨) في (ب)، (ج): (المدارة).
(٩) قوله: (الأريكة): سرير منجد مزين، و (المداد): طول القامة، والبيتان من قصيدة =
وقوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتكُمُ الصَّاعِقَةُ﴾ يعني ما تصعقون منه، أي: تموتون، لأنه قال: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ﴾ [البقرة: ٥٦].
وقال مقاتل: الصاعقة: الموت (٢)، ومضى الكلام في الصاعقة (٣).
قال المفسرون: إن الله تعالى أمر موسى أن يأتيه في ناس من بني إسرائيل يعتذرون إليه (٤) من عبادة العجل، فاختار موسى سبعين رجلًا من خيارهم، وخرج بهم إلى طور سيناء، وسمعوا كلام الله، وكان موسى إذا
(١) قوله: (يراد به المفعول) لم أجده فيما اطلعت عليه-، قال القرطبي: (جهرة: مصدر في موضع الحال) "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٥، وانظر "فتح القدير" ١/ ١٣٧، وفي "الفتوحات الإلهية" قال: (إنه مفعول مطلق، لأن الجهرة نوع من مطلق الرؤية فيلاقي عامله في المعنى) ١/ ٥٥. والجهرة: قد تكون من صفات الرؤية، فهو مصدر من جهر أي: عيانا، ويحتمل: أن تكون من صفة الرائين، أي ذوي جهرة، أو مجاهرين بالرؤية، ويحتمل: أن تكون راجعة إلى معنى القول أو القائلين، أي قولا جهرة أو جاهرين بذلك. انظر: "البحر المحيط" ١/ ٢١٠، ٢١١.
(٢) أخرج ابن جرير عن قتادة والربيع نحوه ٢/ ٨٢، وكذا "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٥٦، وانظر "الدر" ١/ ٧٠. بعضهم فسر الصاعقة: بالموت، وبعضهم قال: هي سبب الموت، ثم اختلفوا فيها: هل هي نار أو صيحة أو جنود من السماء. انظر "تفسير الرازي" ٣/ ٨٦.
(٣) عند تفسير آية ١٩ من سورة البقرة.
(٤) (إليه) ساقط من (ج).
فلما فرغ موسى وانكشف الغمام (٢)، قالوا له: لن نؤمن لك، أي: لن نصدقك، حتى نرى الله جهرة، فأخذتهم الصاعقة، وهي نار جاءت (٣) من السماء فأحرقتهم (٤) جميعًا. ﴿وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾ يريد نظر بعضهم إلى بعض عند نزول الصاعقة (٥)، قاله (٦) ابن زيد.
وإنما أخذتهم الصاعقة؛ لأنهم امتنعوا من الإيمان بموسى بعد ظهور معجزته حتى يريهم ربهم جهرة، والإيمان بالأنبياء واجب بعد ظهور معجزتهم، ولا يجوز لهم اقتراح المعجزات عليهم، فلهذا (٧) عاقبهم
(٢) (الغمام) ساقط من (ب).
(٣) (جاءت) ساقط من (ب).
(٤) في (أ)، (ج): (فأحرقهم) وما في (ب) أولى للسياق، وموافق لما عند الثعلبي في "تفسيره"، والكلام أخذه ملخصا عن الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٤ أ، وأخرج الطبري نحوه عن محمد ابن إسحاق وعن السدي ١/ ٢٩١ - ٢٩٢. ثم قال الطبري في "تفسيره" بعد أن ذكر بعض الآثار: (فهذا ما روي في السبب الذي من أجله قالوا لموسى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ ولا خبر عندنا بصحة شيء مما قاله من ذكرنا قوله في سبب قيلهم لموسى تقوم به حجة فيسلم له، وجائز أن يكون ذلك بعض ما قالوه..) ١/ ٨٩، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٢٩٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠١، "تفسير ابن كثير" ١/ ٩٩.
(٥) ذكره الطبري ولم يعزه ١/ ٢٩٠، وانظر "تفسير البغوي" ١/ ٧٤، "زاد المسير" ١/ ٨٣، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٥، "تفسير ابن كثير" ١/ ٩٩.
(٦) في (ب) (قال).
(٧) في (ج) (فهكذا).
وقال بعضهم: إن أصحاب موسى اعتقدوا إحالة الرؤية (٣) على الله فعلقوا إيمانهم على الرؤية (٤): ومرادهم: لن نؤمن لك قط، كقوله: ﴿حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾ [الأعراف: ٤٠]، فلهذا عاقبهم الله عليه. وهذه الآية تتضمن التوبيخ لهم على مخالفة الرسول عليه السلام مع قيام معجزته، كما خالف أسلافهم [موسى مع ما أتى به من الآيات الباهرة، والتحذير لهم أن ينزل بهم كما نزل بأسلافهم] (٥).
٥٦ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الآية. البعث في كلام العرب على وجهين: أحدهما: الإرسال كقوله: ﴿ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى﴾ (٦) [الأعراف: ١٠٣، يونس: ٧٥].
(٢) في (ب): (يسألوه).
(٣) في (ج): (الرؤيا).
(٤) المعتزلة هي التي تقول بإحالة الرؤية وقد تمسكوا بمثل هذه الآية. قال الزمخشري: (وفي هذا الكلام دليل على أن موسى عليه الصلاة والسلام رادهم القول وعرفهم أن رؤية ما لا يجوز عليه أن يكون في جهة محال...) "الكشاف" ١/ ٢٨٢، ورد عليه صاحب "الإنصاف" في حاشية على "الكشاف" بما أبطل زعمه، كما رد عليه الرازي في "تفسيره" ٣/ ٨٥، وانظر "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٤ - ٣٤٥، "البحر المحيط" ١/ ٢١١.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (ب). انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٩٠، "تفسير الرازي" ٣/ ٨٣.
(٦) في (ب) (من بعد) تصحيف في الآية.
وقال ابن الأنباري: كل موت حصل البعث بعده في الدنيا كهذا، وكقوله: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ (٣) مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢٤٣] يكون حكمه حكم النوم، ويجري مجرى موت النائم؛ لأن الله تعالى أثبت للخلق الإماتة في دار الدنيا مرة واحدة (٤)، وهوقوله: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ (٥) [الجاثية: ٢٦].
قال الزجاج: والآية احتجاج على مشركي العرب الذين كفروا بالبعث، واحتج النبي - ﷺ - بإحياء من بعث بعد موته في الدنيا فيما يوافقه اليهود والنصارى (٦).
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٩٢، وابن أبي حاتم ١/ ٣٥٨، وانظر "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٤ ب، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٢، والبغوي ١/ ٧٥، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٠، "الدر المنثور" ١/ ١٣٦.
(٣) لفظ الجلالة غير موجود في (ب) تصحيف.
(٤) قول جمهور المفسرين أنه موت حقيقي، لكنها غير الموتة التي كتبت عليهم في الدنيا، انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٩١، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٤ ب، قال ابن العربي: ميتة العقوبة بعدها حياة، وميتة الأجل لا حياة بعدها، انظر "أحكام القرآن" لابن العربي ٢/ ٢٢٨، "زاد المسير" ١/ ٨٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦، ٣/ ٢٣١، "تفسير الرازي" ٣/ ٨٦.
(٥) في (أ) (يبعثكم) تصحيف.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٠٩، نقله بمعناه.
٥٧ - قوله تعالى: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ الآية. معناه: سترناكم عن الشمس بالغمام (٢). والظل (٣) في اللغة، معناه الستر، يقال: لا أزال الله عنا ظل (٤) فلان، أي: ستره، وظل الشجرة: سترها، ويقال لظلمة (٥) الليل: ظل (٦)، لأنها تستر الأشياء (٧). ومنه قوله (٨): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ﴾ [الفرقان: ٤٥]. قال ذوالرمة:
قَدْ أَعْسِفُ النَّازِحَ الْمَجْهُولَ (٩) مَعْسِفُهُ | فِي ظِلِّ أَخْضَرَ يَدْعُو هَامَهُ الْبُومُ (١٠) |
(٢) انظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٥٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٤ ب، و"تفسير البغوي" ١/ ٧٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٦.
(٣) في (ب): (الظلل).
(٤) في (ب): (ظلل).
(٥) في (ب): (الظلمة).
(٦) في (ج): (سترطل).
(٧) انظر "تهذيب اللغة" (ظل) ٣/ ٢٢٤٦، "الصحاح" (ظل) ٥/ ١٧٥٥، "مقاييس اللغة" (ظل) ١٣/ ٤٦١.
(٨) (قوله) ساقط من (ب).
(٩) في (ب): (المعسوف).
(١٠) ورد في "مفردات الراغب": (المجهود) بدل (المجهول)، وفي "الديوان" وبعض =
إذَا غِبْتَ عَنَّا (٤) غَابَ عنَّا ربيِعُنَا | ونُسْقَى (٥) الْغَمَامَ الْغُرَّ حِينَ تَؤُوبُ (٦) |
(١) في (ب)، (ج): (الأخضر) بسقوط الباء.
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (ظل) ٣/ ٢٢٤٦، "اللسان" (ظلل) ٥/ ٢٧٥٤.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٩٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٤ ب، "مفردات الراغب" ص ٣٦٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٦، "اللسان" (غمم) ٦/ ٣٣٠٣.
(٤) (عنا) ساقطة من (ب).
(٥) في (ب): (تسقى).
(٦) قاله الحطيئة يمدح سعيد بن العاص بن أمية، ورد في "اللسان" (غمم) ٦/ ٣٣٠٣، وفي "ديوان الحطيئة" ص ٢٤٨.
(٧) في (ب): (لتغممه).
(٨) في (ج): (صونه).
قال المفسرون: هذا كان حين أبوا على موسى دخول بلقاء (١) مدينة الجبارين فتاهوا في الأرض ثم ندموا على ذلك (٢).
وكانت العزيمة (٣) من الله أن يحبسهم في التيه، فلما ندموا لطف الله لهم (٤) بالغمام والمن والسلوى كرامة لهم ومعجزة لنبيهم. والمن: الصحيح أنه التَّرَنْجَبِين (٥)، وكان كالعسل الجامس (٦) حلاوة، كان يقع على
(٢) انظر "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٩، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٥٧، "الثعلبي" ١/ ٧٤ ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٤٠٦.
(٣) هكذا في جميع النسخ، وهذا اللفظ فيه تجوز، إذ لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه من الصفات الذاتية الفعلية، ثم نحن لا نعرف ما هي إرادة الله ببني إسرائيل. والله أعلم.
(٤) في (ب): (بهم).
(٥) ذكره الطبري ١/ ٢٩٣، والزجاج في المعاني ٢/ ١٠٩، والأزهري في "التهذيب" (منن) ٤/ ٣٤٥٩، وقال ابن قتيبة (الطرنْجبين)، "غريب القرآن" ص ٤٩، وقال الجوهري. شيء حلو كالطَّرَنْجَبِيَن، الصحاح (منن) ٦/ ٢٢٠٧، وقد قيل في المن: أقوال كثيرة ذكر الطبري في "تفسيره" بعضها، منها: قيل: إنه شراب مثل العسل، وقيل: هو العسل وقيل: الخبز الرقائق، وقيل: الزنجبيل، وقيل: هو ما يسقط
على الشجر، انظر الآثار في الطبري ١/ ٢٩٣ - ٢٩٥ وانظر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٤ ب، "زاد المسير" ١/ ٨٤، وقال ابن كثير بعد أن ذكر الأقوال: (والغرض أن عبارات المفسرين متقاربة في شرح المن، فمنهم من فسره بالطعام، ومنهم من فسره بالشراب، والظاهر والله أعلم: أنه كل ما امتن الله به عليهم من طعام وشراب وغير ذلك، مما ليس لهم فيه عمل ولا كد..) ابن كثير ١/ ١٠١/ ١٠٢.
(٦) الجامس: الجامد. "اللسان" (جمس) ٢/ ٦٧٧، وفي "تهذيب اللغة" (الحامس) =
قال أبو عبيدة (٤): إنما شبهها بالمن الذي كان يسقط على بني إسرائيل؛ لأنه كان ينزل عليهم عفوا بلا علاج، إنما يصبحون وهو بأفنيتهم فيتناولونه، وكذلك الكمأة لا مؤنة فيه ببذر ولا سقى.
قال أبو إسحاق: جملة المن ما يمن الله به مما لا تعب فيه ولا نصب (٥)،
(١) في (أ)، (ج): (أسحارهم) وما في (ب) هو الصواب.
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" عن الليث من ٤/ ٣٤٥٩، وانظر "اللسان" (منن) ٧/ ٤٢٧٩.
(٣) الحديث أخرجه البخاري (٤٤٧٨) كتاب (التفسير) تفسير سورة البقرة باب ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ عن سعيد بن زيد قال: قال رسول الله - ﷺ -: "الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين" الفتح (٤٦٣٩)، وفي تفسير سورة الأعراف، باب ﴿الْمَنَّ وَالسَّلْوَى﴾ (٥٧٠٨) كتاب (الطب) باب (المن شفاء للعين)، وأخرجه مسلم (٢٠٤٩) كتاب (الأشربة) (فضل الكمأة) عن سعيد بن زيد من عدة طرق، والترمذي (٢٠٦٦)، (٢٠٦٧)، (٢٠٦٨) أبواب (الطب) باب (الكمأة والعجوة) عن أبي سعيد وجابر وسعيد بن زيد وأبي هريرة. عارضة الأحوذي بشرح الترمذي، وابن ماجة في كتاب الطب باب الكمأه والعجوة عن أبي سعيد وجابر وسعيد بن زيد وأبي هريرة وأحمد في مسندة عن سعيد بن زيد ١/ ١٨٧، ١٨٨، وعن أبي هريرة ٢/ ٣٠١، ٣٠٥، ٣٢٥، ٣٥٦، ٣٥٧، ٤٢١، ٤٨٨، ٤٩٠، ٥١١، وقد جمع طرقه ابن كثير في "تفسيره".
(٤) في (أ)، (ج): (أبو عبيد) والكلام لأبي عبيدة كما في "تهذيب اللغة" (من) ٤/ ٣٤٥٩.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٠، وانظر "تهذيب اللغة" (من) ٤/ ٣٤٥٩.
كَمَا انْتَفَضَ السَّلْواَةُ مِنْ بَلَلِ (٣) الْقَطْرِ (٤)
وهذا قول أكثرهم. وقال بعضهم: السلوى: العسل بلغة كنانة (٥)، ومثله قال أبو عبيدة (٦) وأنشد لخالد بن زهير الهذلي:
وَقَاسَمَها (٧) بالله جَهْدًا لَأَنْتُمُ | أَلَذُّ مِنَ السَّلْوَى إِذَا مَا نَشُورُهَا (٨) |
(٢) "تهذيب اللغة" (سلا) ٢/ ١٧٢٦، وانظر "اللسان" (سلا) ٤/ ٢٠٨٥، وقال الأخفش: لم يسمع له بواحد، وهو شبيه أن يكون واحده (سلوى) مثل جماعته. "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٦٨، وكذا قال الفراء انظر "معاني القرآن"١/ ٣٨.
(٣) في (ج): (تلك).
(٤) صدره:
وَإنِّي لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هِزَّةٌ.
وورد في "تهذيب اللغة" (سلا) ٢/ ١٧٢٦، "اللسان" (سلا) ٤/ ٢٠٨٥، والوسيط للمؤلف ١/ ١١٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٤٠٨، "البحر المحيط" ١/ ٢٠٥، "الدر المصون" ١/ ٣٠٧، وهو غير منسوب في هذه المصادر.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" عن المؤرج السدوسي ١/ ٧٥ أ، وعن ابن الأعرابي: السلوى: طائر، وهو في غير القرآن: العسل، ونحوه عن ابن الأنباري "التهذيب" (سلا) ٢/ ١٧٢٦.
(٦) في (ب) (أبو عبيدة). وكلام أبي عبيد في "تهذيب اللغة" (سلا) ٢/ ١٧٢٦، وانظر "اللسان" (سلا) ٤/ ٢٠٨٥.
(٧) في (ب): (وقاسمهما).
(٨) البيت من قصيدة لخالد بن زهير يخاطب أبا ذؤيب الهذلي، في قصة حصلت بينهما =
(١) في (ب): (بالقسيم). والقاسم: هو أبو عبيد القاسم بن سلام، وكتابه هو (الغريب المصنف) من أجل كتب اللغة. انظر: "طبقات النحويين واللغويين" ص ٢٠١، "إنباه الرواة" ٣/ ١٤.
(٢) وقد غلط كذلك ابن عطية في "تفسيره" ١/ ٣٠٦، وانظر "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٨.
(٣) كذا ورد في (ب)، ولعل الصواب (والعسل..).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٥) ونحوه قال القرطبي في "تفسيره" في معرض رده على ابن عطية في تخطئته للهذلي: (وما ادعاه من الإجماع لا يصح، وقد قال المؤرج أحد علماء اللغة والتفسير: إنه العسل... وقال الجوهري: السلوى: العسل، وذكر بيت الهذلي...) القرطبي ١/ ٣٤٧ - ٣٤٨، وقد مر قريبًا كلام المؤرج وأبي عبيد أنه بمعنى: العسل، انظر "الصحاح" (سلا) ٦/ ٢٣٨١.
قال أبو العالية ومقاتل: بعث الله عز وجل سحابة فمطرت (١) السمانى في عرض ميل، وقدر طول رمح في السماء، بعضه على بعض (٢).
وقوله تعالى: ﴿كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ﴾ أي: وقلنا لهم (٣): كلوا من طيبات، أي: حلالات (٤)، فالطيب: الحلال، لأنه طاب، والحرام يكون خبيثًا، وأصل الطيب: الطاهر، فسمى الحلال طيبًا، لأنه طاهر لم يتدنس بكونه حرامًا (٥).
﴿وَمَا ظَلَمُوَنا﴾: بإبائهم على موسى دخول هذه القرية، ولكنهم ظلموا أنفسهم حين تركوا أمرنا فحبسناهم في التيه، فكانوا إذا أصبحوا وجدوا أنفسهم حيث ارتحلوا منذ أربعين سنة (٦).
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٥ ب، وانظر: "تفسير البغوي" ١/ ٧٥، "البحر المحيط" ١/ ٢١٤.
(٣) انظر "تفسير الطبري"، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٦، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٨.
(٤) في (ب). (حلالا).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٠، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٩٥، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٥، ورجح ابن جرير أن المعنى: كلوا من شهيات الذي رزقناكموه، قال: (لأنه وصف ما كان فيه القوم من هنئ العيش الذي أعطاهم، فوصف ذلك بـ (الطيب) الذي هو بمعنى اللذة أحرى من وصفه بأنه حلال مباح).
(٦) نحوه في "البحر المحيط" ١/ ٢١٥، وجمهور المفسرين على عموم المعنى، قالوا: وما ظلمونا بفعلهم المعصية وعدم شكرهم تلك النعم، ولكن كانوا أنفسهم يظلمون. انظر "تفسير الطبري"، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٦، "الكشاف" ١/ ٢٨٣، "زاد المسير" ١/ ٤٨، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٨، والبيضاوي ١/ ٢٦، والنسفي في "تفسيره" ١/ ١٢٩، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٤.
٥٨ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ﴾ الآية. قال الليث: هي القَرْيَةُ، والقِرْيَة لغتان (٥)، المكسورة يمانية، ومن ثم اجتمعوا في جمعها على القُرَى، فحملوها على لغة من يقول: كسْوه وكُسَى (٦).
وقال غيره (٧): القَرْية بالفتح لا غير، وكسرها خطأ، وجمعها قُرَى
(٢) في (ج): (طالمهم).
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٤) لم أجده عن ابن عباس فيما اطلعت عليه، والله أعلم.
(٥) (لغتان) ساقط من (ب).
(٦) "تهذيب اللغة" (قرا) ٣/ ٣٩١١، وانظر "جمهرة أمثال العرب" ٢/ ٤١١، "اللسان" ٦/ ٣٦١٧.
(٧) في (ب): (عكرمة).
ابن السكيت: ما كان من جمع فَعْلَة من الياء والواو على فِعَال كان ممدودًا مثل رَكوةَ ورِكَاء وشَكْوَة وشِكَاء، ولم يسمع في شيء من هذا القصر إلا كَوَّة وكُوًى وقَرْيَة وقُرى جاءتا على غير قياس (٢).
وقال أصحاب الاشتقاق: اشتقاق القرية من قريت، أي جمعت، والمقراة: الحوض يجمع فيه الماء، والقَرِيّ: مسيل يجتمع الماء إليه (٣)، ويقال لبيت النمل: قرية، لأنه يجمع النمل (٤). قال:
كَأَنَّ قُرَى نَمْلٍ عَلَى سَرَوَاتِهَا | يُلَبِّدُهَا (٥) فِي لَيْلِ سَارِيَةٍ قَطْرُ (٦) |
قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما خرجوا من التيه، قال الله (٨) لهم ادخلوا هذه القرية (٩).
(٢) قال الأزهري: أخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت ثم ذكره، "تهذيب اللغة" (قرا) ٣/ ٣٩١١، وانظر "اللسان" (قرأ) ٦/ ٣٦١٧.
(٣) انظر "الزاهر" ٢/ ١٠٧، "جمهرة أمثال العرب" ٢/ ٤١١، "تهذيب اللغة" (قرأ) ٣/ ٣٩١١، "مقاييس اللغة" (قرى) ٥/ ٧٨، "المحكم" ٦/ ٣٠٧.
(٤) قال ابن سيده: قرية النمل: ما تجمعه من التراب، "المحكم" ٦/ ٣٠٧، وانظر "اللسان" (قرأ) ٦/ ٣٦١٧. والبيت الذي ذكره يؤيد قول ابن سيده.
(٥) في (ج): (يلرها).
(٦) لم أعثر عليه، ولم أعرف قائله.
(٧) في (ب): (مجتمع)، وفي (ج) (يجمع).
(٨) في (ج): (قالهم الله).
(٩) انظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٦١، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٥ب، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٦، "زاد المسير" ١/ ٨٤، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٤.
وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ هي فِعْلَةٌ من الحَطّ، وضع الشيء من أعلى إلى أسفل، يقال: حط الحمل عن الدابة، والسيل يحط الحجر عن الجبل (٤)، قال (٥):
كَجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ (٦) السَّيْلُ مِنْ عَلِ (٧)
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٥ أ، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٦.
(٣) ذكره الطبري في "تفسيره" عنهم ١/ ٢٩٩ وابن أبي حاتم في "تفسيره"١/ ٣٦٨، وذكره الثعلبي في "تفسيره" عن مجاهد ١/ ٧٥ ب. قال ابن عطية: هي بيت المقدس، في قول الجمهور ١/ ٣٠٦، وانظر "زاد المسير" ١/ ٨٤، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٤٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٠، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٤.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٠، "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣، "مقاييس اللغة" ٢/ ١٣، "مفردات الراغب" ص ١٢٢، "اللسان" (حطط) ٢/ ٩١٤.
(٥) هو امرؤ القيس.
(٦) (حطه) ساقط من (ب).
(٧) صدره:
مكرٍّ مفرٍّ مقبل مدبر معًا.
يصف الفرس يقول: إذا أردت الكر والفر على العدو فهو كذلك، والمقبل: هو المكر، والمدبر: هو المفر، ثم وصف سرعته وصلابته بالجلمود الساقط من علو، والبيت من الشواهد العربية والنحوية ورد في "الكتاب" ٤/ ٢٢٧، وشرح أبياته للسيرافي ٢/ ٣٣٩، "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣، "المخصص" ١٣/ ٢٠٢، =
قال ابن عباس في رواية سعيد بن جبير في قوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ أي مغفرة، فقالوا: حنطة (٢).
وقال مقاتل: إنهم أصابوا خطيئة بإبائهم على موسى دخول الأرض التي فيها الجبارون، فأراد الله أن يغفرها لهم، فقيل لهم. قولوا حطة.
قال أبو إسحاقا معناه: قولوا: مسألتنا حطة، أي: حط ذنوبنا عنا،
(١) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٠، "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣، "اللسان" (حطط) ٢/ ٩١٤. قال أبو عبيدة: هي مصدر من حط عنا ذنوبنا. "المجاز" ١/ ٤١، وعلى حاشية (أ) إضافة من الكتاب، صدرها بـ (ش ك)، أي شرح من الكاتب وأذكرها للفائدة (حطة: فِعْلة من الحط، كالجلسة والركبة، وهي خبر مبتدأ محذوف، أي: مسألتنا حطة، أو أمرك حطة، والأصل: النصب بمعنى حط عنا ذنوبنا حطة، وإنما رفعت لتعطى معنى الثبات كقوله: صبر جميل فكلانا مبتلى. والأصل: صبرًا علي، أصبر صبرًا، وقرأ ابن أبي عبلة بالنصب على الأصل، وقيل معناه: أمرنا حطة، أي: أن نحط في هذه القرية ونستقيم فيها، وهل يجوز أن ينصب (حطة في قراءة من نصبها بقولوا، على معنى: قولوا هذه الكلمة؟ فالجواب. لا يبعده والأجود أن ينصب بإضمار فعلها، وينتصب محل ذلك المضمر بقولوا وقُرئ (يُغفر لكم خطاياكم) على البناء للمفعول بالياء والتاء) وهو منقول بنصه من "الكشاف" ١/ ٢٨٣.
(٢) أخرجه الطبري ١/ ٣٠٠، ٣٠٣، ٣٠٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٧٢، والحاكم في المستدرك وقال: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي ٢/ ٢٦٢، وانظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧٨، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٠، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٥، والرواية بنصها في "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣.
وقال الليث: بلغنا أن بني إسرائيل حيث قيل لهم: وقولوا حطة، إنما قيل لهم ذلك حتى يستحِطّوا بها أوزارهم فَتُحَطَّ عنهم (٤).
وقال عكرمة: وقولوا حطة، أي: كلمة يحط (٥) بها عنكم خطاياكم، وهي: لا إله إلا الله، لأنها تحط الذنوب (٦).
قال الفراء: فإن يك كذلك فينبغي أن يكون حطة منصوبة (٧) في القراءة، لأنك (٨) تقول: قلت: لا إله إلا الله، فيقول السامع: قلت كلمة صالحة، وإنما يكون الرفع والحكاية إذا صلح قبلها إضمار، فإذا لم يصلح
(٢) (قولوا) ساقط من (ب).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٠، وانظر "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣.
(٤) "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣.
(٥) في (ب): (تحط).
(٦) أخرج الطبري في "تفسيره" لسنده عن عكرمة: قال قولوا: (لا إله إلا الله) ١/ ٣٠١، ٣٠٠، ونحوه في "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٨٢، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى عبد بن حميد والطبري في "تفسيره" وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٨٥.
(٧) نص كلام الفراء: قال: (وبلغني أن ابن عباس قال: أمروا أن يقولوا: نستغفر الله، فإن يك كذلك فينبغي أن تكون (حطة) منصوبة...) "المعاني" ١/ ٣٨. قال الطبري في "تفسيره": (وأما على تأويل قول عكرمة فإن الواجب أن تكون القراءة بالنصب في (حطة)...) ثم قال: (وفي إجماع القراءة على رفع (الحطة) بيان واضح على خلاف الذي قاله عكرمة من التأويل في قوله: (وقولوا حطة)...) ٢/ ١٠٨.
(٨) (لأنك) ساقط من (ب).
وقال ابن الأنباري: إذا جاء بعد القول حرف مفرد يجوز أن يكون نعتا للقول نصبت كقولك: قلت حقا؛ لأنه يحسن أن يقال: قلت قولا حقا، وكذلك: قلت صوابًا وقلت خطأ، وإذا جاء حرف مفرد لا يجوز أن يكون نعتًا للقول رفعت، كقوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ﴾ معناه: سيقولون هم ثلاثة، ولا وجه للنصب (٤).
وقوله: ﴿وَقُولُوا حِطَّةٌ﴾ (٥) فحوى الكلام، وإجماع القراء على رفعها، دليل على أنهم أمروا بهذه اللفظة بعينها (٦). فإن كانوا لم يؤمروا بهذه اللفظة
(٢) في المعاني: (وإنما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمار ما يرفع أو يخفض أو ينصب، فإذا ضممت ذلك كله فجعلته كلمة، كان منصوباً بالقول كقولك: مررت بزيد، ثم تجعل هذا كلمة، فتقول: قلت كلامًا حسنًا...) ١/ ٣٨.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٩.
(٤) انظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٨، "تفسير الطبري" ١/ ٣٠١.
(٥) في (ب) (وقولوا).
(٦) ذكر الطبري في الوجه الذي رفعت من أجله (حطة) عدة أقوال: فقيل: رفعت على معنى: (قولوا) ليكن منك حطة لذنوبنا. وقيل: هي كلمة مرفوعة أمروا بقولها كذلك، وهذان القولان لنحويي البصرة. وقيل: رفعت بتقدير: هذه حطة. وقيل: رفعت بضمير معناه الخبر، كأنه قال: قولوا ما هو حطة فتكون حطة خبر (ما) ونسب هذين القولين لنحويي الكوفة. الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٠٠، وانظر "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٤١، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧٨، و"تفسير الغريب" لابن قتيبة ص ٥٠، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ٤٨.
(٢) قراءة حفص عن عاصم بالنصب وبقية السبعة بالرفع، انظر "السبعة" لابن مجاهد ص ٢٩٦، و"التيسير" ص ١٤٤.
(٣) في (ب): (عالم).
(٤) (قلت) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (الزهري).
(٦) هو الحافظ العلامة، أبو علي الحسين بن محمد بن فهم بن محرز البغدادي، روى عن محمد بن سلام وغيره، قال الدارقطني: ليس بالقوي، وفاته سنة تسع وثمانين ومائتين. انظر "تاريخ بغداد" ٨/ ٩٢، "سير أعلام النبلاء" ١٣/ ٤٢٧، و"تذكرة الحفاظ" ٢/ ٦٨٠.
(٧) هو محمد بن سلام بن عبيد الله بن سالم، أبو عبد الله الجمحي، البصري، مولى قدامة بن مظعون، كان من أهل اللغة والأدب، روى عنه الجم الغفير، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين. انظر "طبقات اللغويين والنحويين" ص ١٨٠، "تاريخ بغداد" ٥/ ٣٢٧، "إنباه الرواة" ٣/ ١٤٣.
وقوله تعالى: ﴿وَادْخُلُوا الْبَابَ﴾ (٣) يعني بابًا من أبوابها (٤). ﴿سُجَّدًا﴾: قال ابن عباس: ركعا (٥)، وهو شدة الانحناء، والمعنى: منحنين متواضعين (٦).
قال مجاهد: هو باب حطة من بيت المقدس، طوطئ لهم الباب؛ ليخفضوا رؤوسهم، فلم يخفضوا ولم يركعوا، ودخلوا متزحفين على استاههم (٧).
قال الحسين بن الفضل: لو لم يسجدوا لذكر الله ذلك منهم وذمهم به
(٢) "تهذيب اللغة" (حط) ١/ ٨٥٣، وذكره الأخفش عن يونس في "معاني القرآن" ١/ ٢٧٠، ونحوه عند أبي عبيدة في "مجاز القرآن" ١/ ٤١، وذكر هذا القول الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٠١، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٦٢.
(٣) في (ب): (سجدا).
(٤) أي: أبواب القرية. انظر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٥ ب.
(٥) أخرجه الطبري ١/ ٣٠٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٧٠، وأخرجه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي. "المستدرك" ٢/ ٢٦٢، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى ابن جرير، والحاكم وابن أبي حاتم ووكيع والفريابي، وعبد بن حميد وابن المنذر. "الدر" ١/ ١٣٨.
(٦) انظر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٥ ب، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٧.
(٧) في (ب): (أستاتهم). أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٠٠، ٣٢٥، وانظر "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٧٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٥ ب، "الدر المنثور" ١/ ١٣٨. وقد ورد عن ابن عباس نحوه في روايات كثيرة، انظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٤. كما ورد بهذا المعنى حديث مرفوع عن أبي هريرة، أخرجه البخاري، انظر: "الفتح" ٨/ ١٦٤، و"تفسير الطبري" ١/ ١٣٨.
وقوله تعالى: ﴿نَغْفِرْ (٢) لَكُمْ خَطَايَاكُمْ﴾ أصل الغفر: الستر والتغطية، وغفر الله ذنوبه، أي: سترها، كل شيء سترته قد غفرته. والمغفر يكون تحت بيضة الحديد يغفر الرأس (٣). قال ابن شميل: هي حلق تجعل أسفل البيضة تسبغ على العنق فتقيه، وربما جعل من ديباج وخز أسفل البيضة.
الأصمعي: غفر الرجل متاعه يغفر غفرًا: إذا أوعاه. ويقال: اصبغ ثوبك فإنه أغفر للوسخ أي: أغطى له (٤). والغفارة: خرقة تستر رأس المرأة تقي بها الخمار من الدهن (٥)، وكل ثوب يغطى به شيء فهو غفارة، ومنه غفارة البزيون (٦) يغشى بها الرحال (٧).
(٢) بالياء على قراءة نافع، انظر: "السبعة" ص ١٥٧.
(٣) "تهذيب اللغة" (غفر) ٣/ ٢٦٧٩، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٢، "الزاهر" ١/ ١٩٢، "الصحاح" (غفر) ٢/ ٧٧٠، "مقاييس اللغة" (غفر) ٤/ ٣٨٥، "اللسان" (غفر) ٦/ ٣٢٧٢.
(٤) كلام ابن شميل والأصمعي ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (غفر) ٣/ ٢٦٧٩، وانظر: "الزاهر" ١/ ١٠٩.
(٥) ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن أبي الوليد الكلابي "تهذيب اللغة" (غفر) ٣/ ٢٦٧٩.
(٦) (البزيون) كذا ورد في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٧٩، وفي "اللسان" (الزنون) ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨، وقال في "الصحاح" (البزيون) بالضم السندس (بزن) ٥/ ٢٠٧٨، وأورد صاحب اللسان ١/ ٢٧٨ كلام الجوهري ثم قال: وقال ابن بري: هو رقيق الديباج.
(٧) في (ب): (الرجال). والكلام ذكره الأزهري عن أبي عبيد عن الأموي. "تهذيب اللغة" (غفر) ٣/ ٢٦٧٩، وانظر: "اللسان" (غفر) ٦/ ٣٢٧٤.
وقال أبو الفتح الموصلي: الراء لما فيها من التكرير لا يجوز إدغامها فيما يليها من الحروف؛ لأن إدغامها في غيرها يسلبها ما فيها من التكرير.
(٢) في (ب): (رووا ذلك) والزيادة ليست في المعاني للزجاج ١/ ٤٠٠.
(٣) وعلى نهجه سار الزمخشري في تفسير قوله تعالى: ﴿فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ قال: (فإن قلت: كيف يقرأ الجازم؟ قلت: يظهر الراء؛ ويدغم الباء، ومدغم الراء في اللام لاحن مخطئ خطأً فاحشًا، وراويه عن أبي عمرو مخطئ مرتين؛ لأنه يلحن وينسب إلى أعلم الناس بالعربية ما يؤذن بجهل عظيم، والسبب في نحو هذه الروايات قلة ضبط الرواة، والسبب في قلة الضبط قلة الدراية، ولا يضبط نحو هذا إلا أهل النحو) "الكشاف" ١/ ٤٠٧، وانطر: "البيان" ١/ ٨٣، ومذهب سيبويه وأصحابه: أنه لا يجوز إدغام الراء في اللام كما في "الكتاب" ٤/ ٤٤٨، "الكشف" ١/ ١٥٧. لكن هذا لا يلزم منه رد قراءة سبعية، وهي مسألة خلافية، فقد ذكر أبو حيان في "البحر" أن الكسائي والفراء أجازا ذلك وحكياه سماعًا، وقد تصدى أبو حيان للرد على الزمخشري وأجاد في ذلك، انظر: "البحر المحيط" ٢/ ٣٦١، ٣٦٢، وانظر تعليق عضيمة على "المقتضب"١/ ٣٤٧.
(٤) قوله: (ولا يدغم الزائد في الناقص للإخلال به) ليس في "المعاني" ١/ ٤٠٠.
(٥) انظر كلام الزجاج في "المعاني" ١/ ٤٠٠. عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾.
والخطايا: جمع خطيئة (٣)] (٤) وهي (٥) الذنب على عمد قال أبو الهيثم: يقال: خطئ: ما صنعه عمدا، وهو الذنب، وأخطأ: ما صنعه خطأ غير عمد (٦). ويأتي بيان هذا مشروحًا عند قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ (٧). قال الزجاج: الأصل في خطايا كان خطايؤ (٨) مثل خطائع، لأنها جمع خطيئة، فأبدل من هذه الياء همزة؛ فصارت
(٢) "سر صناعة الإعراب" لأبي الفتح ابن جني ١/ ١٩٣، والرواية إذا ثبتت فهي أقوى من القياس، وانظر التعليق السابق على كلام الزجاج.
(٣) ذهب بعض الكوفيين إلى أنه: جمع (خطية) دون همز، واختاره الطبري ١/ ٣٠٢، وانظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٨، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٣، ٣٥٤.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٥) في (ب): (وهو).
(٦) نص الكلام في "التهذيب" (خطئت) لما صنعه عمدا وهو الذنب، (أخطأت) لما صنعه خطأ غير عمد. "تهذيب اللغة" (خطئ) ١/ ١٠٦١، وانظر "اللسان" (خطأ) ١/ ١٠٦١.
(٧) البقرة: ٨١، وهناك بيَّن الواحدي الفرق بين (أخطأ) و (خطئ).
(٨) كذا وردت في (أ)، (ج) وفي (ب): (كل خطاييا) وهو خطأ، وفي "معاني القرآن" للزجاج رسمت (خطائِى) وكلامه يدل على أن المراد خطائئ، فلم يذكر أصل الكلمة خَطَايئ كما في "تهذيب اللغة"، انظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١١، "تهذيب اللغة" (خطئ) ١/ ١٠٦٠ - ١٠٦١.
قلت: وإنما أبدلت هذه (٢) الياء همزة، لأن هذه الياء إذا وقعت في الجمع صارت همزة، مثل: ترائب وسحائب، وعلة ذلك نذكرها في قراءة من قرأ: معائش (٣) بالهمزة (٤). رجعنا إلى كلام الزجاج: فاجتمعت همزتان، فقلبت الثانية ياء فصار خَطَائِي مثل خَطَاعِي ثم قلبت الياء والكسرة إلى الفتحة والألف، فصار خَطاءَا، مثل خَطاعا (٥) فأبدلت الهمزة ياء، لوقوعها بين ألفين، وإنما أبدلت الهمزة حين وقعت بين ألفين؛ لأن الهمزة مجانسة للألفات، فاجتمعت ثلاثة أحرف من جنس واحد، فأبدلت الهمزة ياء فصارت خَطايَا (٦).
(٢) في (ج): (همزة).
(٣) الأعراف: ١٠، والحجر: ٢٠.
(٤) الجمهور على القراءة بالياء، وقرأ الأعرج وزيد بن علي والأعمش وخارجة عن نافع، وابن عامر في رواية بالهمز، والقياس القراءة بدون همز، لأن الياء التي في المفرد إذا كانت أصلا فلا تهمز مثل معايش وإذا كانت زائدة همزت مثل: صحيفة وصحائف، قال أبو حيان: لكن رواه ثقات فوجب قبوله. انظر "البحر المحيط" ٤/ ٢٧١، وانظر هذه المسألة في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٣٧٣، والزجاج ٢/ ٣٥٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٩.
(٥) في "تهذيب اللغة" (خطاءى) مثل (خطئ) ١/ ١٠٦١، والمثبت هنا مثل ما في "معاني القرآن" ١/ ١١١، وكذا في "اللسان" ١/ ١١٩٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١١، والنص من "لتهذيب" (خطئ) ١/ ١٠٦١، "اللسان" (خطأ) ٢/ ١١٩٣، وانظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٧٩، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٠٩، و"البيان" ١/ ٨٤ والقرطبي في "تفسيره" ١/ ٣٥٣.
٥٩ - قوله تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾ الآية. (التبديل) معناه: التغيير إلى بدل، وذكرناه مستقصى عند قوله: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦]، والمعنى: أنهم غيروا تلك الكلمة التي أمروا بها، وقالوا بدل حطة: حنطة، وهذا (٢) قول ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والمفسرين (٣).
وقال أبو إسحاق: حرفوا وقالوا كلمة غير هذه التي أمروا بها، وجملة ما قالوا إنه أمر عظيم سماهم الله به فاسقين (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾. أظهر الكناية هاهنا تأكيدا (٥)، وكنىَّ في سورة الأعراف فقال: ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ﴾ [الأعراف: ١٦٢]. والعرب تظهر الكنايات توكيدًا، قال:
(٢) في (ب): (وهو).
(٣) انظر الآثار عنهم في الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٠٢ - ٣٠٥، وكذا في "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٧٥، ولم يرد عندهما عن سعيد، انظر "زاد المسير" ١/ ٨٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٠.
(٥) قال الزمخشري: (وفي تكرير (الذين ظلموا) زيادة في تقبيح أمرهم وإيذان بأن إنزال الرجز عليهم لظلمهم، وقد جاء في سورة الأعراف بالإضمار)، "الكشاف" ١/ ٢٨٣، وانظر "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٤، "الدر المصون" ١/ ٣٨١.
لَا (١) أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الموتَ شَيْءٌ | نَغَّص الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيَرا (٢) |
فَيَارَبَّ لَيْلَى أَنْتَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ | وَأَنْتَ الَّذِي فِي رَحْمَةِ اللهِ أَطْمَعُ (٣) |
والرجز: العذاب (٤)، [قال رؤبة] (٥):
كَمْ رَامَنَا مِنْ ذِي عَدِيدٍ مُبْرِ (٦)
حَتَّى وَقَمْنَا كَيْدَهُ بِالرِّجْزِ (٧)
(٢) البيت نسب لعدي بن زيد، ونسبه بعضهم لسواد بن عدي، وبعضهم لأمية بن أبي الصلت. وهو من "شواهد سيبويه" ١/ ٦٢، وانظر "شرح شواهد سيبويه" للسيرافي ١/ ١٢٥، "الخصائص" ٣/ ٥٣، "الإملاء" ١/ ٤٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٥، "مغني اللبيب" ٢/ ٥٠٠، "الخزانة" ١/ ٣٧٨، ٣٧٩، ٦/ ٩٠، ١١/ ٣٦٦، "اللسان" (نغص) ٨/ ٤٤٨٨، "الدر المصون" ١/ ٣٨١، "فتح القدير" ١/ ١٤١.
(٣) ورد البيت في "همع الهوامع" ١/ ٣٠١، و"الدر اللوامع على همع الهوامع" و"شرح شواهد المغني" للسيوطي: قال: قيل: إنه لمجنون ليلى، وبحثت عنه في شعر مجنون ليلى، الذي جمعه عبد الستار أحمد فرج، ولم أجده، والله أعلم.
(٤) انظر: "غريب القرآن" لليزيدي ص ٧٠، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٣، "العمدة في غريب القرآن" لمكي ص ٧٦.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٦) في (ج): (رجز).
(٧) الرجز ورد في "الزاهر" ٢/ ٢١٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١١، وورد الثاني في "تهذيب اللغة"، وبعده بيت آخر (جرز) ١/ ٥٨٠، وكذا في "اللسان" (جزر) =
وقوله: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: ٥]، قيل: إنه عبادة الأوثان؛ لأنه سبب العذاب (٢).
قال أهل اللغة: وأصل الرجز في اللغة: تتابع الحركات، ومن ذلك قولهم: ناقة رجزاء إذا كانت قوائمها ترتعد عند قيامها، ومن هذا رجز الشعر؛ لأنه أقصر أبيات الشعر، فالانتقال من بيت إلى بيت سريع (٣). أو؛ لأن الرجز في الشعر متحرك وساكن ثم متحرك وسكن في كل أجزائه، فهو كالرعدة في رجل الناقة تتحرك ثم تسكن وتستمر (٤) على ذلك (٥).
فحقيقة معنى الرجز: أنه العذاب المقلقل لشدته (٦) قلقلة شديدة متتابعة (٧).
(١) في (أ)، (ج): (وليذهب) تصحيف.
(٢) انظر "الوسيط" ١/ ١١٥، "مفردات الراغب" ص ١٨٨.
(٣) ذكره الأزهري عن الليث. "تهذيب" (رجز) ٢/ ١٣٥٦، وانظر: "مفردات الراغب" ص ١٨٧.
(٤) في (ج): (ويستمر).
(٥) انظر: "اللسان" (رجز) ٣/ ١٥٨٨.
(٦) في (ب): (لشدة).
(٧) قال الأزهري: (قال أبو إسحاق: ومعنى الرجز في العذاب. وهو العذاب المقلقل...) "التهذيب" (رجز) ٢/ ١٣٦٥ "اللسان" (رجز) ٣/ ١٥٨٨.
٦٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى﴾ الآية قال المفسرون: عطش بنو إسرائيل في التيه، فقالوا: يا موسى، من أين لنا الشراب؟ فاستسقى لهم موسى فأوحى الله عز وجل إليه أن اضرب بعصاك الحجر (٢).
قال ابن عباس: كان حجرًا خفيفًا مربعًا مثل رأس الرجل، أمر أن يحمله، فكان يضعه في مِخْلاَته (٣)، فإذا احتاجوا إلى الماء وضعه وضربه بعصاه (٤)، فعلى هذا الألف واللام فيه للتعريف (٥).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٦ أ، وانظر "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٦٤، وورد بهذا المعنى آثار عن السلف ساقها ابن جرير في "تفسيره" ١/ ٣٠٦ - ٣٠٧.
(٣) الْمِخْلاة: ما يوضع فيه الشيء، سميت بذلك لأنه يوضع بها الحشيش الذي يختلى من الربيع، أي: يحش. "اللسان" (خلا) ٢/ ١٢٥٨.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٦ أ، والبغوي ١/ ٧٧، ونحوه عند الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس ١/ ٣٠٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٧٧، "تفسير أبي الليث" ولم يعزه، وانظر: "زاد المسير" ١/ ٨٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٧.
(٥) أي: أن (ال) للعهد، فهو حجر معهود لدى موسى. انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٦ أ، "الكشاف" ١/ ٢٨٤، "البحر المحيط" ١/ ٢٧٧.
وقوله تعالى: ﴿فَانْفَجَرَتْ﴾ معناه: فضرب فانفجرت، وعرف بقوله: ﴿فَانْفَجَرَتْ﴾ أنه قد ضرب، ومثله: ﴿أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ﴾ [الشعراء: ٦٣] قال الفراء: ومثله في الكلام: أمرتك بالتجارة فاكتسبت الأموال، والمعنى: فاتجرت فاكتسبت (٤).
ومعنى انفجرت: انشقت (٥)، والانفجار: الانشقاق، وأصل الفجر في اللغة: الشق، وفَجْرُ السِّكْر: بَثْقُه (٦). وسمي فجر النهار لانصداعه، أو (٧) لشقه ظلمة الليل، ويقال انفجر الصبح، إذا سال ضوؤه في سواد
(٢) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٦ ب، والبغوي ١/ ٧٧، وذكره الزمخشري عن الحسن، في "الكشاف" ١/ ٢٨٤، وفي "البحر" عن وهب والحسن ١/ ٢٢٧، وانظر "زاد المسير" ١/ ٧٨.
(٣) في (ب): (الجنس). ذكره الزمخشري، وقال. وهذا أظهر في "الحجة" وأبين في القدرة، "الكشاف" ١/ ٢٨٤، وانظر "البحر المحيط" ١/ ٢٢٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٧.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٠، وقوله: (معناه) إلخ من كلام الفراء. وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٦، "زاد المسير" ١/ ٧٨، والبيان ١/ ٨٥.
(٥) وقيل: سالت، وقيل: هي بمعنى انبجست فهما بمعنى واحد، وقيل: الانشقاق أوسع من الانبجاس. انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٢، "القرطبي" ١/ ٣٥٨، و"تفسير النسفي" ١/ ١٣١، و"الخازن" ١/ ١٣١، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٨.
(٦) في (ب، ج): (شقه). (السِّكْر): ما يُسد به النهر ونحوه، انظر: "اللسان" (سكر) ٤/ ٢٠٤٧ - ٢٥٤٩.
(٧) في (ب): (ولشقه) بالواو.
قال الليث: والْمَفْجَر الموضع الذي يُفْجَر منه (١).
ابن الأعرابي: تَفَجَّر الرجل بعطائه، ورجل ذو فَجَر، وأتيناه فأفجرناه، أي: وجدناه فاجرًا، أي: معطيا (٢). قال ابن مقبل:
إذَا الرِّفاقُ أَنَاخُوا حَوْلَ مَنْزِلِهِ | حَلُّوا بِذِي فَجَرَاتٍ زَنْدُهُ وَارِي (٣) |
والفجور الذي هو المعصية من هذا، لأن الفاجر شقّ أمر الله أو شقّ العصا بخروجه إلى الفسق (٤).
وقوله تعالى: ﴿مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ قال الليث: اثنان (٥) اسمان قرينان، لا يُفْرَدان لا يقال لأحدهما: اثن، كما أن الثلاثة (٦) أسماء مقترنة لا تفرق (٧).
(٢) "تهذيب اللغة" (فجر) ٣/ ٢٧٤٣ - ٢٧٤٤، وانظر المراجع السابقة.
(٣) ورد البيت في "ديوان ابن مقبل" ص ١١٦، و"العمدة في صناعة الشعر" لابن رشيق ٢/ ١٨٠. قوله: (الرفاق): يريد الرفقة المسافرين معه، (ذو فجرات): أي ذو عطايا، يتفجر بالسخاء، (زنده واري): كناية عن الكرم والنجدة.
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" (فجر) ٣/ ٢٧٤٣ - ٢٧٤٤، "المحكم" (فجر) ٧/ ٢٧٦.
(٥) (اثنان) ساقط من (ب).
(٦) في (ج): (ثلاثه).
(٧) في (أ)، (ج): (يفرق) بالياء، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق، ومثله ورد في "تهذيب اللغة" (اثنى) ١/ ٥٠٨.
إِذَا جَاوَزَ الإثْنَيْنِ سِرٌّ فإنَّهُ | بِنَثٍّ وَتَكْثِير الْوُشَاةِ قَمِينُ (٧) |
(٢) في (ب): (اثنتا)، وفي "تهذيب اللغة" (اثنين) و (اثنتين) ١/ ٥٠٨.
(٣) (فيها) كذا في جميع النسخ، وفي "تهذيب اللغة" (فيهما).
(٤) (ثنى) كذا ورد في "تهذيب اللغة" ١/ ٥٠٨، وكذا في "اللسان" (ثنى) ١/ ٥١٥، وفي القاموس: (وأصله: (ثِنْيٌ) لجمعهم إياه على أثناء). القاموس (ثني) ص ١٢٦٧.
(٥) في (ب): (الثنيان). (ثنتان) بحذف ألف الوصل، لأنها إنما اجتلبت لسكون الثاء، فلما تحركت، سقطت، وتاؤه مبدلة من ياء، لأنه من ثنيت. انظر القاموس (ثنى) ص ١٢٦٧.
(٦) في (أ)، (ج): (شعر) وما في (ب) موافق لما في "تهذيب اللغة"، وهو ما أثبته.
(٧) البيت لقيس بن الخطيم، ونسبه في "الكامل" إلى جميل بن معمر، والصحيح أنه لقيس. ويروى البيت:
إِذَا ضَيَّع الإثنَانِ سِرًّا فَإنَّهُ | بِنَشْر وَتَضْيِيع الْوُشَاةِ قَمِينُ |
وأصل هذا الحرف في اللغة من الثني وهو ضم واحد إلى واحد، والثني الاسم. ويقال: ثِنْيُ الثوب لما كف من أطرافه، وأصل الثَّني في جميع (٣) أبنيته: الكف (٤) والرج والعطف والطي والحنو، وكلها متقارب. وكل شيء عطفته فقد ثنيته، ومنه قوله تعالى: ﴿يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ [هود: ٥] أي يحنونها ويطوون (٥) ما فيها، ليسروا عداوة محمد - ﷺ - (٦). وَثِنْيَا الحبل: طرفاه، واحده ثِنْى (٧)، وقال طرفة:
........... وَثِنْيَاه بِالْيَدِ (٨)
(٢) ذكره عند شرح (الاسم) في البسملة حيث قال: (واجتلبت ألف الوصل ليمكن الابتداء به) إلخ.
(٣) في (ب): (جمع).
(٤) بهذا انتهى كلام الليث كما في "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٨.
(٥) في (ب): (يطيون).
(٦) انظر "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣، "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٤.
(٧) "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٥، وانظر "اللسان" (ثنى) ١/ ٥١٥.
(٨) جزء من بيت معلقة طرفة وتمامه:
لَعَمْرُكَ إِنَّ الْمَوْتَ مَا أَخْطَأ الْفَتَى | لَكَالطِّوَلِ الْمُرْخَى وَثِنْيَاهُ بِالْيَدِ |
وقوله تعالى: ﴿عَشْرَةَ﴾ العَشْر عدد المؤنث، والعَشَرَةُ عدد المذكر، تقول: عَشْرُ نسوة وعَشَرَةُ رجال، فإذا جاوزت ذلك قلت في المؤنث: إحدى عَشَرَة، ومن العرب من يكسر الشين فيقول: عَشِرة، ومنهم من يُسَكن الشين فيقول: إحدى عَشْرة.
وكذلك اثنتي (٦) عَشَرة واثنتي عَشِرَة واثنتي عشْرة، ثلاث لغات (٧)،
(٢) في (ب): (ليس فيها ثنوا ولا ثنيا).
(٣) "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٥، غير قوله: (وصرفه)، وكذا ورد في "اللسان" ١/ ٥١٦.
(٤) في (ب): (ثنتين).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (ثنى) ١/ ٥٠٥ "الصحاح" (ثنى) ٦/ ٢٢٩٣، "مقاييس اللغة" ١/ ٣٩١، "اللسان" (ثنى) ١/ ٥١٦.
(٦) في (أ)، (ج): (اثنتا) في المواضع الثلاثة، وما في (ب) موافق لما في "تهذيب اللغة"، وهو الصواب.
(٧) انتهى ملخصًا من كلام الليث كما في "تهذيب اللغة" (عشر) ٣/ ٢٤٤٥، وانظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٢، "اللسان" (عشر) ٥/ ٢٩٥٢، والكسر لغة تميم، والإسكان لغة أهل الحجاز، انظر "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧١، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٠.
قال ابن الأنباري: تقول في المؤنث: إحدى عَشْرَة جارية، واثنتا عَشْرَة، قال: وبنو تميم يكسرون الشين (٤)، فهما لغتان وقرأ بهما القراء.
قال: وأهل اللغة والنحو لا يعرفون عَشَرة بفتح مع النيف، قال: وروي عن الأعمش (٥) أنه قرأ: اثنتا (٦) عَشَرة بفتح الشين (٧)، وأهل اللغة لا يعرفونه (٨).
(٢) القراءة بالسكون قراءة جمهور القراء، وقرأ مجاهد، وطلحة، وعيسى، ويحيى بن وثاب، وابن أبي ليلى، ويزيد بكسر الشين، ورواية عن أبي عمرو والمشهور عنه الإسكان، وقرأ ابن الفضل الأنصاري والأعمش بفتح الشين. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٢ - ٣١٣، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٥٨، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٩.
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٦ ب، "المخصص" ١٧/ ١٠٢.
(٤) قوله: (وبنو تميم يكسرون الشين، أي مع المؤنث، أما مع المذكر فالشين مفتوحة، وقد تسكن عين (عشرة) لتوالي الحركات). انظر "الأشموني مع الصبان" ٤/ ٧٦.
(٥) هو الإمام سليمان بن مهران، أبو محمد الأسدي الكاهلي بالولاء، أصله من أعمال الري، أقرأ الناس، ونشر العلم دهرا طويلا، وتوفي سنة ثمان وأربعين ومائة. انظر: "طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٤٢، "تاريخ بغداد" ٩/ ٢٣، "معرفة القراء الكبار" ١/ ٧٨، "غاية النهاية" ١/ ٣١٥.
(٦) في (ب): (ثنتى) تصحيف.
(٧) ذكر ابن الأنباري القراءة بسنده عن الأعمش وعن العباس بن الفضل الأنصاري. المذكر والمؤنث ص ١/ ٣١٥.
(٨) انتهى كلام ابن الأنباري ملخصًا من "المذكر والمؤنث" ص ٦٣٢، ٦٣٣، انظر: =
قال أبو إسحاق: وذلك أن معنى قولك: اثنتا عشرة: اثنتان وعشرة، فلما حذفت الواو، وهي مرادة، تضمن الاسمان معنى الواو، وكل اسم تضمن معنى حرف بني كما تبنى (٣) الحروف، ولم يك أحدهما بالبناء أولى من الآخر، إذ كانت الواو تدخل ما بعدها في حكم ما قبلها، فصار تعلق الاسمين بالواو تعلقا واحدا، فاستحقا البناء، ووجب أن يبنيا على حركة،
(١) في (ج): (موضوع).
(٢) ظاهر كلام الواحدي أن (اثنتى) مبني. قال أبو حيان: وفي محفوظي أن ابن درستويه ذهب إلى أن (اثنا) و (اثنتا) مع عشر مبنى، ولم يجعل الانقلاب دليل الإعراب. "البحر" ١/ ٢٢٩. وما ذهب إليه الواحدي وابن درستويه مخالف لقول جمهور العلماء حيث قالوا: إن (اثنتي عشر) معرب من بين سائر الأعداد من أحد عشر إلى تسعة عشر، وأما (عشر) فهي مبنية، واختلفوا في علة بنائها. انظر "المسائل الحلبيات" لأبي علي ص ٣٠٨ - ٣٢٣، "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص٦٣١، "المخصص" ١٤/ ٩١، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٠، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٢. قال الصبان في "حاشية الأشموني": وما ذكروه من إعراب صدر اثني عشر واثنتي عشرة هو الصحيح. والقول ببنائه مردود باختلافه باختلاف العوامل، وذلك علامة إعرابه. انظر: "حاشية الصبان على الأشموني" ٤/ ٦٨، ٦٩.
(٣) في (ج): (يبني).
وأدخلت الهاء في (عشرة) مع النيف لما جعلا اسما واحدا في عدد المؤنث، وإن لم يدخل دون النيف، لأنهما لما صارا اسما واحدا ثبتت الهاء في (عشرة) علامة للتأنيث فإنك تقول: ثلاث عشرة، وأربع عشرة (٤) إلى عشرين، فتدخل علامة التأنيث في عشرة (٥).
فإن قيل: قد قلتم: إن اثنتي عشرة، وإحدى عشرة اسمان جعلا اسما واحدا، والاسم الواحد لا يكون فيه علامتان للتأنيث.
قلنا: اثنتا (٦) عشرة اسمان من وجه، واسم واحد من وجه، فكونهما اسمًا واحدًا هو (٧) أن الواقع تحتهما عدد مخصص متميز عن (٨) غيره،
(٢) في (ب): (مستقل).
(٣) وأخف الحركات الفتحة. هذا الكلام لم أجده عن أبي إسحاق، وقد ذكر نحوه أبو علي الفارسي، وابن الأنباري، وابن سيده. وكلامهم جميعا عن العدد من (أحد عشر إلى تسعة عشر غير اثني عشر، لأن صدرها معرب كما سبق، بينما نجد الواحدي جعل الكلام عليها. انظر: "المسائل الحلبيات" ص ٢٠٨ - ٣٢٣، وانظر "المذكر والمؤنث" ص ٦٣٢، "المخصص" ١٤/ ٩١، ١٧/ ١٠٠، ١٠١.
(٤) في (ج): (عشر).
(٥) انظر "المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص ٦٤٥، "المخصص" ١٧/ ١٠١.
(٦) في (ب): (اثنتى).
(٧) في (ب): (وهو).
(٨) في (ب): (من).
فإن قيل: لم حذفت نون التثنية من اثنتا (٥) عشرة، ولا إضافة هاهنا لأنكم جعلتموهما (٦) اسمًا واحدًا؟ قيل: نون التثنية في الأصل (٧) عوض من التنوين، والتنوين للتمكن، وما عرض فيه من معنى البناء أزال التمكن فزال علمه، ولم تحذف الألف وإن كانت دلالة إعراب (٨) لأنها علم التثنية،
(٢) في (ب): (فإذا).
(٣) وهذا يخالف ما ذكره فيما سبق أنه مبني.
(٤) انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٢، "حاشية الصبان على الأشموني" ٤/ ٦٨.
(٥) في (ب): (اثنتى) وهو أولى، لأنه مثنى مجرور.
(٦) في (ج): (جعلتموها).
(٧) في (ب): (أصل).
(٨) اختلف النحويون في ألف التثنية، فذهب سيبويه إلى أن الألف حرف إعراب، وأن الياء في الجر والنصب حرف إعراب كذلك، ولا تقدير إعراب فيها وإلى هذا ذهب جماعة، منهم أبو إسحاق وابن كيسان وأبو علي. وقال أبو الحسن: إن الألف ليست حرف إعراب، ولا هي إعراب وانما هي دليل إعراب. انظر: "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٦٩٥.
وقوله تعالى: ﴿عَيْنًا﴾ انتصب على التمييز، قال أبو إسحاق: جميع ما ينتصب على التمييز في العدد على معنى دخول التنوين (٢)، وذلك أن حذف التنوين من اثنتا عشرة إنما كان للبناء فصار حكمه مراعى حتى انتصب ما بعده على تقدير تنوينه، ولم يحذف التنوين للإضافة حتى يبطل حكمه. وإذا (٣) كان كذلك انتصب ما بعده انتصاب قولك: هوضارب زيدا وقاتل عمرا، وحكي عن أحمد بن يحيى أنه قال: إنما انتصب المعدود لوقوعه موقع المصدر، فأجري عليه إعرابه، بيان ذلك: أن قولك: أحد عشر رجلا في موضع معدود عددًا، فأحد (٤) عشر في موضع معدود، إذ هو العدد الذي يعدّ، ورجلًا في موضع قولك: عددًا.
قال أبو إسحاق: وإنما وجب أن يكون التمييز بواحد، لأنك إذا ذكرت العدد فقد أثبت (٥) بمقداره المعدود (٦)، وإنما يجب عليك تبيين
(٢) نص كلام الزجاج: (و (عينا) نصب على التمييز، وجميع ما نصب على التمييز في العدد على معنى دخول التنوين، وإن لم يذكر في (عشرة)، لأن التنوين حذف هاهنا مع الإعراب)، "معاني القرآن" ١/ ١١٢.
(٣) في (ب): (فإذا).
(٤) في (ب). (فإحدى).
(٥) في (ب): (اتبت).
(٦) في (ب): (المعدوده).
قال (٢): وجملة قول الناس: عشرون درهما: عشرون (٣) من الدراهم، فحذف هذا التطويل، وأقيم الواحد المنكور مقامه.
وإنما وجب أن يكون الأصل: عشرون من الدراهم، لأن العشرين (٤) بعض الدراهم، فيجب أن يكون المذكور بعدها لفظ الجمع حتى يصح معنى التبعيض، ولو قدرت أن الأصل: الواحد لاستحال، ألا ترى أنك إذا قدرت الكلام بقولك: عشرون من درهم جاز أن يتوهم أن العشرين بعض الدرهم، فلذلك قلنا: إن الأصل: عشرون من الدراهم، ثم حذف لما ذكرنا من طلب الخفة (٥).
وقوله تعالى: ﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ أراد كل أناس منهم، فحذف للعلم (٦). والمشرب يجوز أن يكون مصدرا، ويجوز أن يكون موضعا (٧).
(٢) في معاني القرآن: (ومعنى قول الناس: عندي عشرون درهمًا، معناه: عندي عشرون من الدراهم.. إلخ) ١/ ١١٣، ذكر الواحدي كلامه بمعناه.
(٣) (عشرون) ساقط من (ب).
(٤) في (ج): (عشرين).
(٥) في (أ): (الحقه).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٦.
(٧) إما أن يكون نفس المشروب فيكون مصدرًا واقعًا موقع المفعول به، أو موضع الشرب. انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٦ ب، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٣، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٩، "الدر المصون" ١/ ٣٨٧.
وقوله تعالى: ﴿كُلُوا﴾ أي وقلنا لهم: ﴿كُلُوا﴾ من المن والسلوى. ﴿وَاشْرَبُوا﴾ من الماء فهذا كله من رزق الله الذي يأتيكم بلا مشقة ولا مؤونة (٣). ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ﴾ (٤) القراء كلهم قرؤوه بفتح الثاء من عَثِيَ يَعْثَى عُثُوًّا، وهو أشد الفساد. وفيه لغتان أخريان: عَثَا يَعْثُو مثل سما يسمو، قال ذلك الأخفش وغيره (٥). وَعَاث يَعِيثُ، ولو قرئ بهذا (٦) لقيل (٧): ولا تَعِيثُوا، قال ذلك ابن الأنباري.
وقال الفراء في كتاب "المصادر": قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْثَوْا﴾ مصدره
(٢) انظر كلام الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٤١، وكلام أبي روق فىِ "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٦ أ، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٧.
(٣) الثعلبي١/ ٧٧ أ، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٨، و"تفسير أبي الليث" ١/ ٣٦٧، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٣.
(٤) في (ب): ﴿وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾.
(٥) الكلام بنصه في "تهذيب اللغة" (عثا) ٣/ ٢٣٢٥، وانظر "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٢، والطبري ١/ ٣٠٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ أ.
(٦) أي على لغة (عاث يعيث). وفي "تهذيب اللغة" (.. وفيه لغتان أخريان لم يقرأ بواحدة منهما، عثا يعثو، مثل: سما يسمو، قال ذلك الأخفش وغيره، ولو جازت القراءة بهذه اللغة لقرئ (ولا تَعْثُوا) ولكن القراءة سنة، ولا يقرأ إلا بما قرأ به القراء. واللغة الثالثة عَاثَ يَعِيث) "تهذيب اللغة" (عثا) ٣/ ٢٣٢٥، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٨.
(٧) في (ج): (القيل).
قال ابن الرقاع (٣) في اللغة الثانية:
لَوْلاَ الْحَيَاءُ وَأَنَّ رَأْسيَ قَدْ عَثَا | فِيهِ الْمَشِيبُ لَزُرْتُ أَمَّ الْهَيْثَمِ (٤) |
وَذِفْرَى كَكَاهِلِ ذِيخِ الْخَلِيفِ | أَصاَبَ فَرِيقَةَ لَيْلٍ فَعَاثَا (٥) |
(٢) في (ب): (عيثاثا). ذكر الطبري في "تفسيره" هذه المصادر ١/ ٣٠٨، وانظر: "تهذيب اللغة" (عثا)، و (عاث) ٣/ ٢٢٦٣، "المحكم" ٢/ ١٦٥، ٢٤٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ أ، "اللسان" (عيث) ٥/ ٣١٨٤، و (عثا) ٥/ ٢٨١١.
(٣) هو عدي بن الرقاع، من (عاملة) حي من قضاعة، كان شاعراً مجيداً مدح خلفاء بني أمية، انظر ترجمته في: "طبقات فحول الشعراء" للجمحي ٢/ ٦٩٩، "الشعر والشعراء" ٤١٠.
(٤) يروى (أم القاسم) بدل (أم الهيثم) ورد البيت في "الشعر والشعراء" ٢/ ٤١١، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤١، "الكامل"، وفيه (عسا) بدل (عثا) فلا شاهد فيه، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ أ، "تهذيب اللغة" (عثا) ٣/ ٢٣٢٦، و"أمالي المرتضى" ١/ ٥١١، "اللسان" (عثا) ٥/ ٢٨١١، "زاد المسير" ١/ ٨٧، "البحر المحيط" ١/ ٢١٩.
(٥) (الذِّفْرَى): العظم الشاخص خلف الأذن، (الذِّيخ): ذكر الضباع، (الْخَليف). الطريق بين الجبلين، ويروى مكانه: (الرفيض): وهو قطعة من الجبل، (فريقة ليل): هي الغنم الضالة. ورد البيت في "المعاني الكبير" ١/ ٢١٤، "تهذيب اللغة" (عاث) ٣/ ٢٢٦٣، و (فرق) ٣/ ٢٧٧٨، و"مجمل اللغة" (فرق) ٣/ ٧١٨، "مقاييس اللغة" ٤/ ٤٩٤، "اللسان" (عيث) ٥/ ٣٧٨٤، و (خلف) ٢/ ١٢٤٢، و (فرق) ٦/ ٣٤٠٠، و"شعر كثير" ص ٢٥٠.
وقال قتادة: ذكر القوم عيشًا كان لهم بمصر، فقالوا لموسى: ﴿ادْعُ لَنَا رَبَّكَ﴾ الآية (٢)، و (الطعام): اسم جامع لما يؤكل، وإنما قالوا: طعام واحد، وكان طعامهم المن والسلوى، لأنهم كانوا يأكلون المن (٣) بالسلوى فكان طعامًا واحدًا كالخبيص، لون واحد وإن اتخذ من أطعمة شتى (٤).
قال ابن زيد: كان (٥) طعامهم المن، وشرابهم السلوى، فكانوا يجمعون بينهما فيأكلونه طعاما واحدا (٦).
وقال أصحاب المعاني: لما كان غذاؤهم في كل يوم لا يتغير، قيل: طعام واحد، كما يقال لمن يدوم على الصوم والصلاة: هو على أمر واحد، لملازمته لذلك لا يتغير عنه (٧).
(٢) أخرجه الطبري ١/ ٣٠٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٨١، وذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى عبد بن حميد وابن جرير ١/ ٢٨٩.
(٣) في (ب): (والسلوى).
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ أ، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٤، و"البغوي" ١/ ٧٨، "زاد المسير" ١/ ٨٨، "القرطبي" ١/ ٣٦٠، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٢.
(٥) (كان) ساقط من (ب).
(٦) أخرجه ابن جرير ١/ ٣١٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٧ أ، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٨، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٢٣٢. والقول بأن السلوى شراب يخالف ما عليه جمهور المفسرين.
(٧) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٤، "الكشاف" ١/ ٢٨٤، "تفسير الرازي" ٣/ ٩٩، "القرطبي" ١/ ٣٦٠، "ابن كثير" ١/ ١٠٧، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٢.
وجاء الدعاء بلفظ الماضي تفاؤلا (٣) بأن (٤) ذلك قد كان، كقولك: أحسن الله جزاءه (٥).
وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجْ لَنَا﴾ المعنى سَلْه وقل له: أَخرِجْ (٦) يُخْرِجْ، وكذلك قوله: ﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [الإسراء: ٥٣]، المعنى لهم: قولوا (٧) التي هي أحسن يقولوا. ومثله: ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا (٨) يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ [إبراهيم: ٣١]، أي قل لهم: أقيموا يقيموا، فجعل هذه كلها بمنزلة جواب الأمر، لأن قبله: ادع وقل (٩).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَقْلِهَا﴾ البقل: كل نبات لا يبقى له ساق إذا رعته
(٢) انظر: "تهذيب اللغة" (دعاء) ١/ ١١٨٨، "اللسان" (دعا) ٣/ ١٣٨٥.
(٣) في (ب): (مقالا) وفي (ج): (نقالا).
(٤) في (ج): (باذن).
(٥) في (ج): (جزاء).
(٦) في (أ)، (ج): (ويخرج) زيادة (واو) والأصوب حذفها كما في (ب)، ومثله في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٣.
(٧) في (ج): (يقولوا).
(٨) (الذين آمنوا) سقط من (أ)، (ج).
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٤، وقوله (يخرج) مجزوم. قال بعضهم: بما تضمنه الأمر من معنى الجزاء، وقيل: بنفس الأمر، وقيل مجزوم بلام الطلب المضمره أي: ليخرج. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٤، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦١، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٢.
وأما (الفوم): فقد اختلف أهل اللغة فيه، فقال الفراء: الفوم فيما يذكرون لغة قديمة، وهي الحنطة والخبز جميعا قد ذكرا، قال: وقال بعضهم: سمحت العرب من أهل اللغة يقولون: فَوَّموا لنا بالتشديد يريدون: اختبزوا.
وقال أُحَيْحَة بن الجُلاح (٢):
قَدْ كُنْتُ أَحْسِبُنِي كَأَغْنَى وَاحِدٍ | قَدِمَ (٣) الْمَدِينَةَ فِي زِرَاعَةِ فُومِ (٤) |
(٢) في (ب): (الحلاج). هو أُحَيْحَة بن الجلاح بن الحُرَيْش بن الأوس، كان سيد الأوس في الجاهلية وكان شاعرا. انظر: "الاشتقاق" لابن دريد ص ٤٤١، "الخزانة" ٣/ ٣٥٧.
(٣) في (ج): (قد قدم).
(٤) نسب البيت بعضهم إلى أبي محجن الثقفي، والبيت برواية الثعلبي والطبري:
قَدْ كُنْتُ أَغْنَى النَّاسِ شَخْصًا واحدًا | وَرَدَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ |
(٥) (ما) ساقط من (ب).
(٦) المغافير شيء حلو يشبه العسل. انظر: "اللسان" (غفر) ٦/ ٣٢٧٦.
(٧) انتهى كلام الفراء، ولم يرد عنده بيت ابن الْجُلَّاح، معاني القرآن ١/ ٤١، وانظر =
وقال الزجاج: الفوم: الحنطة، ويقال: الحبوب، لا اختلاف بين أهل اللغة أن الفوم: الحنطة. قال: وسائر الحبوب التي تختبز يلحقها اسم الفوم. قال: ومن قال: الفوم هاهنا: الثوم (٣) فإن هذا لا يعرف، ومحال أن يطلب القوم طعاما لا بر فيه، وهو أصل الغذاء (٤).
وقال اللحياني: هو الفوم والثوم (٥)، للحنطة (٦).
[الأزهري: وقراءة ابن مسعود إن صح بالثاء، فمعنى الفوم وهو الحنطة.] (٧).
وقال ابن دريد: أزد السراة يسمون السنبل فُومًا (٨). وهذا القول اختيار
(١) قال ابن قتيبة: وهذا أعجب الأقاويل إليّ. "تفسير غريب القرآن" ص ١/ ٤٤.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٧ أ، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٨٩.
(٣) وهذا اختيار الفراء والكسائي كما سبق.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٥، والنص من "تهذيب اللغة" (فام) ٣/ ٢٧٢٧، وذكره الطبري في "تفسيره" عن بعض السلف ٣١٠٨، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ أ، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٥، "زاد المسير" ١/ ٨٨.
(٥) في (ب): (الفوم).
(٦) في (ب): (الحنطة). كلام اللحياني في "تهذيب اللغة" (فام) ٣/ ٢٧٢.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب). ونص كلام الأزهري في "تهذيب اللغة": وإن كان يقرأ ابن مسعود بالثاء فمعناه: الفوم، وهو الحنطة "التهذيب" (فام) ١/ ٢٧٢٧.
(٨) "جمهرة أمثال العرب" ٣/ ١٦٠، وانظر: "مجاز القرآن" ١/ ٤١، وفى "اللسان" (أزد الشراة) (فوم) ٦٠/ ٣٤٩١.
ومثله مما حذف (٢) منه المفعول قوله: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ [إبراهيم: ٣٧]، أي: ناسًا أو فريقًا.
وقوله تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى﴾ [البقرة: ٦١] يحتمل أن يكون ﴿أَدْنَى﴾ أفعل من الدنو، ومعناه: أتستبدلون الذي هو أقرب وأسهل متناولا، يشارككم في وجدانه (٣) كل أحد بالرفيع الجليل الذي خصكم الله وبين الأثرة لكم به على جميع الناس (٤). ويجوز أن يكون معنى الدنو في قرب القيمة (٥)، يقول: أتستبدلون الذي هو أقرب في القيمة (٦)، أي أقل قيمة، أو أدنى في الطعم واللذة، أي أقل لذة وأبشع طعما بالذي هو خير في الطعم واللذة والقيمة (٧). ويجوز أن يكون أفعل من الدناءة، وترك همزه؛ لأن
(٢) في (ب): (ومنه مما يحذف).
(٣) في (ب): (وجدنه).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣١٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٥، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨١.
(٥) و (٦) في (ب): (القيامة).
(٧) وهذا القول راجع لمعنى القول السابق فجمع بين المعنيين الزجاج حيث قال: فمعناه أقرب وأقل قيمة ١/ ١١٥. والخلاصة في معنى (أدنى) قولان: أحدهما: =
والأول (٥) اختيار الزجاج (٦).
وقال بعض النحويين: (أدنى) هاهنا بمعنى أدون، أي: أوضع وأخس، فقدمت النون وحولت الواو ألفا (٧)، وهذا خطأ، فقد أجمعوا على
(١) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٢، والكلام قبله كله عن الفراء وذكره الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٢، ولم يعزه له، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ ب، "الكشاف" ١/ ٢٨٥، "البحر" ١/ ٢٣٣.
(٢) في (ب): (الفريقي). زهير الفرقبي أحد القراء، نحوي، ويعرف بالكسائي، له اختيار في القراءة يروى عنه، عاش في زمن عاصم. انظر: "غاية النهاية" ١/ ٢٩٥.
(٣) في (ب): (بالهمزة). وهذه القراءة من الشواذ.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٢، وهو قول الطبري في "تفسيره" ١/ ٣١٢، وذكره الزجاج في "المعاني" ١/ ١١٥، وذكره النحاس واختار غيره ١/ ١٨١، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٦، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٤، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٤.
(٥) (الواو) ساقطة من (ب).
(٦) اختيار الزجاج: أن (أدنى) غير مهموز بمعنى الذي هو أقرب وأقل قيمة. "المعاني" ١/ ١١٥.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٧ ب، وانظر: "المشكل" لمكي ١/ ٥٠، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٣٧، و"البيان" ١/ ٨٦، و"الإملاء" ص ٣٩، "تفسير القرطبي" =
قوله تعالى: ﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ جائز أن يكون هذا من كلام موسى لهم (٢)، وجائز أن يكون من قول الله تعالى لهم، ويكون في الآية إضمار كأنه قال: فدعا موسى فاستجبنا له، وقلنا لهم: اهبطوا مصرا أمن الأمصار، فإن الذي سألتم لا يكون إلا في القرى والأمصار، ولهذا نون مصر، (٣) لأنه لم يرد بلدة بعينها (٤)، وجائز أن يكون أراد مصر بعينها، وصرفها لخفتها وقلة حروفها (٥).
قال الزجاج: صرف؛ لأنه مذكر سمي به مذكر (٦)، فهو مثل جُمْل
(١) (فعل) هكذا في جميع النسخ، ولعلها (أفعل) قال أبو البركات ابن الأنباري: (ولا يجوز أن يكون (أدنى) أفعل من الدناءة؛ لأن ذلك يوجب أن يكون مهموزاً) "البيان" ١/ ٨٧.
(٢) انظر: "تفسير البيضاوي" ١/ ٢٧، و"الخازن" ١/ ١٣٣.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (ب) والنص فيها: (.. اهبطوا مصرًا أي انزلوا مصرا لأنه لم يرد..).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣١٤ - ٣١٥، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٣، وللأخفش ١/ ٢٧٣، وللزجاج ١/ ١١٥، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٦٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٧ ب، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٣٨، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٤.
(٥) انظر المراجع السابقة.
(٦) قوله: (سمى به مذكر) ساقط من (ب). وبهذا انتهى ما نقله عن الزجاج. "معاني القرآن" ١/ ١١٦.
والفراء يختار ترك الإجراء، ويفرق بين هذا وبين أسماء النساء، قال: إنها (٢) إذا خفت وكانت على (٣) ثلاثة أحرف، أوسطها ساكن، انصرفت، لأنها تكثر بها التسمية فتخف لكثرتها، واسم البلد لا يكاد يكثر. فاجعل (٤) الألف التي في مصرا ألفا يوقف عليها، فإذا وصلت لم تنون كما كتبوا: سلاسلا (٥) وقواريرا (٦) بالألف، وأكثر القراء على ترك الإجراء فيها (٧).
ويختار قراءة من قرأ مصر بغير تنوين (٨)، وهي قرآءة مهجورة (٩)،
(٢) أي: أسماء النساء، كما هي عبارة الفراء في "المعاني" ١/ ٤٢.
(٣) (على) ساقط من (ج).
(٤) في المعاني للفراء: (.. فإن شئت جعلت الألف التي في (مصرا) ألفًا يوقف عليها...) وإن شئت جعلت (مصر) غير المصر التي تعرف..) ١/ ٤٣.
(٥) من (ب)، وفي غيرها: (سلاسل)، آية: ٤ من سورة الإنسان.
(٦) في (أ): (قرارير)، آية: ١٥، ١٦ من سورة الإنسان.
(٧) في المعاني: (فيهما) أي: (سلاسلا) و (قواريرا). أما (سلاسلا) فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر وهشام ورويس في رواية بالتنوين، ووقفوا بالألف عوضا منها، والباقون بغير تنوين. وأما (قواريرا) فقرأ نافع والكسائي وأبو بكر، بالتنوين ووقفوا عليها بالألف في الموضعين، ووافقهم ابن كثير في الأول، والباقون بغير تنوين مع إختلاف في الوقف. انظر "التيسير" ص ٢١٧، انظر "النشر" ٤/ ٣٩٥.
(٨) حيث قال: (والوجه الأول أحب إليّ) لأنها في قراءة عبد الله اهبطوا مصر (بغير ألف..) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٢٣٤.
(٩) قال الطبري: ولم يقرأ بترك التنوين فيه وإسقاط الألف منه، إلا من لا يجوز =
وقال الكسائي: العرب الفصحاء (٢) لا يبالون أن يجروا مالا يجري، ولا يرون به بأسا، ولولا أن ذلك مستقيم لهم ما جاز لهم أن يجروه في الشعر، فلا تهابن أن تجري شيئا مما لا يجري أبدا، إلا قولهم: أَفْعَلَ منك فإنه مما لم أسمع العرب تجريه في شعر ولا في (٣) غيره.
والمصر في اللغة: الحاجز بين الشيئين (٤).
قال عدي بن زيد (٥):
وَجَعَلَ الشَمْسَ مِصْرًا لاَخَفَاءَ بِهِ | بَيْنَ النَّهَارِ وَبَيْنَ اللَّيْل قَدْ فَصَلاَ (٦) |
(١) قال النحاس: وهذا خطأ على قول الخليل وسيبويه والفراء، "إعراب القرآن" ١/ ١٨٢، وكذا رده أبو حيان. انظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٣٥، وقد ذكر ابن جرير الطبري الحجج لمن رأى أن المراد مصر من الأمصار، ولمن قال: إنها مصر المعروفة، وتوقف في ترجيح قول على الآخر، ١/ ٣١٤. أما ابن كثير فرجح أن المراد مصر من الأمصار، ١/ ١٠٩، وانظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٣٥.
(٢) بياض في (ب).
(٣) (في) ساقط من (ب). وكلام الكسائي أورده النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ١٨٢.
(٤) ذكر الأزهري عن الليث. "تهذيب اللغة" (مصر) ٤/ ٣٤٠٦، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٨ أ، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٦.
(٥) نسبه بعضهم لأمية بن أبي الصلت، وبعضهم لعدى.
(٦) يروي البيت (جاعل) ورد في "تهذيب اللغة" (مصر) ٤/ ٣٤٠٦، "الصحاح" (مصر) ٢/ ٨١٧، "المخصص" ١٣/ ١٦٤، "اللسان" (مصر) ٧/ ٥/ ٤٢، "تفسير الثعلبي" =
وقوله تعالى: ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ أي: ألزموها إلزامًا لا تبرح عنهم، يقال: ضرب عليه (٢) كذا، إذا ألزمه، وأصله من ضرب الشيء على الشيء، كما يضرب المسمار على الشيء فيلزمه، فيقال (٣) لكل من ألزم شيئا: ضرب عليه، يقال: ضرب فلان على عبده ضريبة، وضرب السلطان على التجار (٤) ضريبة أي ألزمهم (٥).
ويقال للشيء الدائم: ضربة لازم ولازب (٦).
ومنه قول النابغة:
و (٧) لاَ يَحْسِبُون الشَّرَّ ضَرْبَةَ لاَزَبِ (٨)
والذلة: الذل.
(١) (البرية) ساقط من (أ)، (ج). انظر: "تهذيب اللغة" (مصر) ٤/ ٣٤٠٥ - ٣٤٠٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٨ أ، "القرطبي" ١/ ٣٦٦، "اللسان" (مصر) ٧/ ٤٢١٥.
(٢) في (ب): (عليهم).
(٣) في (ب): (أن يقال).
(٤) في (ب): (التجارة).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣١٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٨ أ، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٩، "تفسير القرطبى" ١/ ٣٦٦.
(٦) قال ابن الأنباري: ما هذا بضربة لازب، أي ما هو بضربة سيف لازب، واللازب: اللازم. انظر: "الزاهر" ١/ ٦٠٩، "تهذيب اللغة" (لزب) ٤/ ٣٢٥٨، "اللسان" (لزب) ٧/ ٤٠٢٥ - ٤٠٢٦.
(٧) (الواو) ساقطة من (ب).
(٨) شطره الأول: =
والمسكنة مفعلة من السكون، قال الليث: المسكنة مصدر فِعْل المِسْكين، وإذا اشتقوا منه فعلا قالوا: تَمَسْكَن إذا صار مِسْكِينًا (٣).
قال ابن الأنباري: المسكنة الأمور التي تسكن صاحبها وتمنعه من الحركة ومن هذا أخذ المسكين، توهمًا أن الميم من أصل الكلمة، كما قالوا: تمكن من المكان، وهو مفعل من الكون، ويقال: تسكن الرجل وتمسكن إذا ظهرت (٤) عليه أمور المساكين وتشبه بهم. كما يقال: تدرع وتمدرع، إذا لبس المدرعة (٥).
فأما معنى الآية، فإن جماعة من المفسرين قالوا: في هذا ما دل على أن قوله: ﴿وضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ﴾ (٦) إخبار عمن كانوا (٧) في عصر موسى. وبعضهم قال: ما يدل على أن ضرب الذلة حصل على من كان في عهد النبي - ﷺ -.
ورد البيت في "الزاهر" ١/ ٦٠٩، "تهذيب اللغة" (لزب) ٧/ ٤٠٢٦، "المخصص" ١٢/ ٦٨، "مقاييس اللغة" (لزب) ٥/ ٢٤٥، "اللسان" (لزب) ٧/ ٤٠٢٦، و"ديوان النابغة الذيباني" ص ٣٣.
(١) في "تهذيب اللغة" (من) وليس فيه قوله: (وهو ضد الصعوبة).
(٢) "تهذيب اللغة" (ذل) ٢/ ١٢٩٠، وانظر: "اللسان" (ذلل) ٣/ ١٥١٣ - ١٥١٤.
(٣) "تهذيب اللغة" (سكن) ٢/ ١٧٢٤ - ١٧٢٥، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣١٥، "اللسان" (سكن) ٢٠٥٤ - ٢٠٥٧.
(٤) في (ب): (ظهر).
(٥) انظر: "الزاهر" ١/ ٢٢٤، و"تهذيب اللغة" (سكن) ٢/ ١٧٢٣ - ١٧٢٥، و"الصحاح" (سكن) ٥/ ٢١٣٧، و"اللسان" (سكن) ٤/ ٢٠٥٤ - ٢٠٥٧.
(٦) في (ج): (والمسكنة).
(٧) في (ب): (كان).
وقال عطاء بن السائب (٤): هو [الْكُسْتِيج] (٥) وزي اليهودية، والمسكنة
والكلبي هو محمد بن السائب، ضعفوه، واتهمه بعضهم بالكذب، توفي سنة ست وأربعين ومائة، انظر: "تهذيب التهذيب" ٣/ ٥٦٩، "طبقات المفسرين" للداودي ٢/ ١٤٩.
(٢) في (ج): (والمسكنة).
(٣) ذكره الطبري بسنده عنهما ١/ ٣١٥، وكذا "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٨٥، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٦٩، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٩، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٩.
(٤) هو الإمام الحافظ، أبو السائب، كان من كبار العلماء، ولكنه ساء حفظه قليلاً آخر عمره، مات سنة ثلاثين مائة "طبقات ابن سعد" ٦/ ٣٣٨، و"طبقات خليفة" ص ١٦٤، "سير أعلام النبلاء" ٦/ ١١٠.
(٥) في (أ)، (ج): (الكستينح) وفي (ب): (الكستينج)، وما أثبته هو الصواب وهو الوارد عند الواحدي في "الوسيط" ١/ ١١٨، والبغوي ١/ ٧٨، وفي غيرهما. =
فإن قيل: نحن نرى اليهودي يملك المال الواسع، والفاخر من الثياب، والرفيع من العقار، ومن ملك بعض هذا لم يكن مسكينا. قيل: الذلة الجزية، والمسكنة فقر القلب والنفس، وغير ظاهر آثارهما، ولا يوجد يهودي غني النفس (٤). ويجوز أن يكون هذا من العموم الذي أريد به الخصوص.
وقوله تعالى: ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ أي: رجعوا (٥) في قول الفراء (٦).
(١) ذكره الثعلبي١/ ٧٨ أ، والبغوي ١/ ٧٨، وانظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٣٦.
(٢) في (ب): (يرسموا).
(٣) ذكره الرازي ٢/ ١٠٢، وقال أبو حيان: المضروب عليهم الذلة والمسكنة اليهود المعاصرون لرسول الله - ﷺ - قاله الجمهور، "البحر" ١/ ٢٣٦. وقيل: لا يلزم هذا فإنهم أذلوا قبل المسلمين، فقد ذكر ابن كثير عن الحسن قال: أذلهم الله فلا منعة لهم وجعلهم تحت أقدام المسلمين، ولقد أدركتهم هذه الأمة وإن المجوس لتجبيهم الجزية. انظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ١٠٩.
(٤) انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٨ أ، "تفسير البغوي" ١/ ٧٨/، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣١٩، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٦، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٦.
(٥) في (ب): (ارجعوا).
(٦) لم أجده للفراء، وبه قال الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ٩٧٣، وابن قتيبة في "الغريب" ص ٥١ وهو قول الكسائي كما سيأتي.
قال ابن الأنباري: وجاء في الحديث: "باء طلحة بالجنة" (٤) أي: انصرف بها. وقال أبو عبيدة: باؤوا بغضب: احتملوه (٥)، ونحو ذلك قال الزجاج في قوله: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ [البقرة: ٩٠]. قال: باؤوا في اللغة: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب أي: احتملته (٦). ومنه قوله. ﴿أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩].
(٢) في (أ)، (ج): (بووا وبَوْا) وفي (ب): (بَاء يبؤا بوءا وبؤا) وفي "معاني القرآن" للفراء (بَاء بإثم يَبُوءُ بَوْءًا) ١/ ٦٠، وفي الطبري: (بَاءَ فلان بذنبه يَبُوءُ به بَوْأً وَبَواءً) ١/ ٣١٦، ونحو ذلك في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٣، "تهذيب اللغة" (باء) ١/ ٢٤٦ - ٢٤٨.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٠٦.
(٤) لم أجده بهذا اللفظ، وفي "مسند أحمد" وغيره: (عن الزبير قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول يومئذٍ "أوجب طلحة"، حين صنع برسول الله - ﷺ - ما صنع.. الحديث)، قال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال: الحديث في "سيرة ابن هشام" عن ابن إسحاق، ورواه ابن سعد مختصرًا، والترمذي مطولًا. "مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر" ٣/ ١٤١٧. وانظر: "الترمذي مع عارضة الأحوذي" ١٣/ ١٧٨، وانظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٣٥، "طبقات ابن سعد" ٣/ ٢١٨.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٤٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٤٨.
فمذهب أبي العباس أنه من الباءة والمباءة، وهو منزل القوم حيث (١) يتبوؤون (٢).
فمعنى باء بالذنب: أي نزل منزلة المذنبين، وباؤوا بغضب أي نزلوا منزلة من يلحقهم الغضب، ومن هذا يقال: أبأت فلانًا بفلان، إذا قبلته به، كأنك جعلته (٣) في منزلته وفي محله، وفلان بواء بفلان من هذا، والكلام يتصرف فيقع بعضه محمولا على بعض، هذا هو الأصل، ثم يفسر: باء بالشيء إذا احتمله ورجع به وانصرف به، وأقرّ به. وهذه كلها معان ترجع إلى أصل واحد، وهو الحلول في ذلك المحل (٤).
قال الفرزدق لمعاوية:
فَلَو كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِي جَاهِليَّةٍ | لَبُؤْتَ بِهِ أَوغَصَّ بِالْمَاءِ شَارِبُه (٥) |
(٢) ذكر الأزهري عن الليث نحوه، وكذا عن الأصمعي وأبي زيد وغيرهم، "تهذيب اللغة" (باء) ١/ ٢٤٦ - ٢٤٨.
وذكر الماوردي عن أبي العباس المبرد: أن أصل ذلك المنزلة. ومعناه: أنهم نزلوا منزلة غضب من الله. "تفسير الماوردي" ١/ ٣٤٤ انظر: "الصحاح" (بوأ) ١/ ٣٧، "اللسان" (بوأ) ١/ ٣٨٠ - ٣٨٢.
(٣) في (ج): (وجعلته).
(٤) ذكر ابن فارس في "مقاييس اللغة": أن (بَوَأ) الباء والواو والهمزة أصلان: أحدهما: الرجوع إلى الشيء، والثاني: تساوي الشيئين ١/ ٣١٢. وانظر. "تفسير الطبري" ١/ ٣١٦، "الماوردي" ١/ ٣٤٤، "تهذيب اللغة" (باء) ١٥/ ٥٩٤ - ٥٩٦.
(٥) يروي هذا البيت بروايات مختلفة منها (شَنِئْتَ) بدل (لبؤت) وعليها فلا شاهد فيه هنا، ورواية الديوان: =
أَنْكَرْتُ بَاطِلَهَا وبُؤْتُ بِحَقِّهَا | عِنْدِي وَلم تَفْخَرْ عَلىَّ كِرَامُهَا (٣) |
وعند الزجاج أن أصل هذا الحرف من التسوية (٥). تقول العرب: هم في هذا الأمر بواء، أي: سواء. وبوأت الرمح نحو الفارس: سويته، وبوأت
= وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأمْرُ فِي غَيْرِ مُلْكِكُمُ | لَأَدَّيْتَهُ أَوْ غَصَّ بَالْمَاءِ شَارِبُه |
(١) (به) ساقط من (ب).
(٢) انظر: "الكامل" ٢/ ٢٣٢.
(٣) البيت متعلق ببيت قبله، وقوله: (أنكرت باطلها) أي: رددته و (بؤت بحقها): رجعت، أو اعترفت وأقررت. انظر: "شرح ديوان لبيد" ص ٣١٨، و"شرح القصائد المشهورات" ص ١٧٠، "الصحاح" (بوأ) ١/ ٣٨، "اللسان" (بوأ) ١/ ٣٧، "الخزانة" ٥/ ٥١٨، ٩/ ١٦، "الدر المصون" ١/ ٣٩٨.
(٤) قال الزجاج: ترجع إلى الله بإثمي وإثمك.. "معاني القرآن" ٢/ ١٨٢، وانظر. "تفسير الطبري" ٦/ ١٩٢ - ١٩٣.
(٥) لم أجده عن الزجاج فيما اطلعت عليه، والله أعلم، والذي قاله الزجاج في "المعاني" عند تفسير قوله تعالى: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ [البقرة: ٩٠]. قال: (معنى باءوا في اللغة: احتملوا، يقال: قد بؤت بهذا الذنب: أي تحملته، "معاني القرآن" ١/ ١٤٨، وعند تفسير قوله تعالى ﴿تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ﴾ [المائدة: ٢٩]، قال. أي ترجع إلى الله بإثمي وإثمك. "معاني القرآن" ١/ ١٨٢ و (بواء) بمعنى: سواء ذكره الماوردي ١/ ٣٤٥، وذكره الأزهري عن أبي العباس وأبي عبيدة والأخفش. انظر: "تهذيب اللغة" (باء) ١/ ٢٤٦ - ٢٤٨، وانظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٢٠.
وفي حديث عبادة بن الصامت قال: (جعل الله الأنفال إلى نبيه - ﷺ - فقسمها بينهم عن بواء) (٣) أي (٤) عن سواء بينهم في القسم.
فمعنى ﴿وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ﴾ كأنهم استوى عليهم الغضب من الله (٥). ومعنى غضب الله: ذمه إياهم وإنزال العقوبة بهم، لا كعارض يحل بالمخلوقين (٦).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ﴾ (ذلك) إشارة إلى ضرب الذلة (٧) والمسكنة والغضب (٨)، ومعنى ﴿يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: يريد الحكمة التي أنزلت على محمد - ﷺ - (٩).
(٢) في الصحاح: (بَوَّأْت للرجل منزلا، وبَوَّاتُه منزلا بمعنى، أي: هيأته ومكنت له فيه "الصحاح" (بوأ) ١/ ٣٧، وانظر: "تهذيب اللغة" (باء) ١/ ٢٤٧.
(٣) الحديث أخرجه أحمد ٥/ ٣٢٢، وابن ماجه (٢٨٥٢)، وذكره الماوردي في "تفسيره" ١/ ٣٤٥.
(٤) (أي) ساقط من (ب).
(٥) انظر: "تفسير الماوردي" ١/ ٣٤٥، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٠، ٢٣٦.
(٦) هذا تأويل لصفة الغضب التي أثبتها الله لنفسه، فيجب أن نثبتها له كما أثبتها لنفسه، ولا يلزم لها أي لازم باطل كأن تكون كالعارض الذي يحل بالمخلوقين.
(٧) في (ج): (الذل).
(٨) انظر "تفسير الطبري" ١/ ٣١٦، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٢٠.
(٩) ذكر المؤلف في "الوسيط" ١/ ١١٩، ولم أجده عند غيره فيما اطلعت عليه، والله أعلم.
وقوله تعالى: ﴿وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ قال الفراء: إنما ألزمهم الله القتل ولم يقتلوا، لأن الذين كانوا في زمن النبي - ﷺ - من اليهود تولوا أولئك الذين قتلوا، فسماهم الله قتلة (٢)، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [المائدة: ٨١] فألزمهم الكفر بتوليهم الكفار. ويعني بالنبيين من قتلهم اليهود مثل: زكريا ويحيى وشعيا، وسائر من قتلوا من الأنبياء (٣).
وقوله تعالى: ﴿بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ هو صفة للقتل، كأنه قيل: قتلًا بغير حق، يعني بالظلم (٤).
قال ابن الأنباري: معناه: ويقتلون النبيين من غير جرم وذنوب أتوها توجب دماءهم، وتلزمهم أن يمحوا من ديوان النبوة لأجلها، ولا يجوز أن يقتل نبي بحقٍّ أبدًا (٥).
(٢) انتهى ما نقله من كلام الفراء انظر: "المعاني" ١/ ١٦.
(٣) انظر: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٨ ب.
(٤) انظر: "تفسير الماوردي" ١/ ٣٤٧، و"تفسير البغوي" ١/ ٧٨، "زاد المسير" ١/ ٩٠، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٧.
(٥) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٢٢، و"تفسير البغوي"١/ ٧٨، و"زاد المسير" ١/ ٩٠، و"الكشاف" ١/ ٢٨٥، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٨، و"البحر المحيط" ١/ ٢٣٧، و"روح المعاني" ١/ ٢٧٦.
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا﴾ قال الأخفش: ما والفعل بمنزلة المصدر، أي: ذلك الكفر والقتل بعصيانهم (٢). يعني أن الكفر والقتل حصلا منهم بعصيانهم ما أمروا به وتركهم الطاعة (٣)، لأن نفس الكفر والقتل هو العصيان، فالعصيان هو الكفر، والكفر هو العصيان، وكل واحد منهما موجب للآخر في هذا الموضع، وإن لم يكن العصيان كفرا في مواضع. ويجوز أن يكون المعنى: ذلك حصل بشؤم عصيانهم، فحذف المضاف (٤).
وعلى هذا التأويل يتوجه قول من خص العصيان والاعتداء بعصيانهم الله في السبت، واعتدائهم فيه، فإن كثيرا من المفسرين ذهبوا إلى هذا (٥)، ومنهم من لم يخص وقال: ذلك (٦) بركوبهم المعاصي، وتجاوزهم أمري،
(٢) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٦، نقل قوله بمعناه. وانظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٨.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣١٧.
(٤) أو يكون العصيان والتمادي فيه جرهم إلى القتل والكفر، فإن صغار الذنوب سبب يؤدي للكبائر، ذكره البيضاوي في "تفسيره" ١/ ٢٧. والنسفي في "تفسيره" ١/ ١٣٤، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٢٣٧.
(٥) بل هو قول بعضهم. انظر: الكشاف ١/ ٢٨٥، والنسفي في "تفسيره" ١/ ١٣٤، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٧.
(٦) (ذلك) ساقط من (ب).
قلت: وهذه (٢) الأخبار التي أخبر الله (٣) عن اليهود ووصفهم بها ليست تشملهم كلهم مذ كانوا إلى عصر النبي - ﷺ - بل بعضهم انقرضوا قبل هذه الأحداث، وبعضهم اتصف ببعض هذه الأوصاف دون بعض، وبعضهم رضي بما أتى به الآخرون من هذه الجرائم فكانوا (٤) شركاءهم (٥) في الإثم، ولكن الله تعالى أضاف هذه الأوصاف إلى اليهود، وهو يريد الجانين والذين تولوهم كقوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣٠]، وكلهم لم يقل ذلك.
فأما (النبي) فأكثر العرب على ترك همزه (٦). قال (٧) أبو عبيدة:
(٢) في (أ)، (ج): (وهذا) وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.
(٣) في (ب): (أخبر الله به).
(٤) في (ب): (وكانوا).
(٥) في (ب): (شركاؤهم).
(٦) أكثر علماء اللغة على أن أصل (النبي) مهموز من أنبأ عن الله، فتركت العرب همزه على طريق البدل لا على طريق التخفيف. ومنهم من يرى أنه غير مهموز الأصل، وإنما هو من النباوة، وهي الرفعة، الأول قول سيبويه. انظر: "الكتاب" ٣/ ٥٥٥، و"إصلاح المنطق" ص ١٥٨، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٧، و"الحجة" لأبي علي١/ ٨٨، و"الإغفال" ص٢٠٤، و"اشتقاق أسماء الله" ص ٢٩٣، "تهذيب اللغة" (نبا) ٤/ ٣٤٩٠، "تفسير الطبري" ١/ ٣١٦ - ٣١٧، "الزاهر" ٢/ ١١٩، وفيه اختار ابن الأنباري أن أصله غير مهموز.
(٧) في (ب): (وقال).
وأما اشتقاقه فقال الزجاج وعدة معه: اشتقاقه (٣) من نَبَّأَ وأَنْبَأَ، أي: أخبر، فترك همزه لكثرة الاستعمال.
ويجوز أن يكون من نَبَا يَنْبُو، إذا ارتفع، فيكون فعيلا من الرفعة (٤).
وقال ابن السكيت: النبي هو من أنبأ عن الله، فترك همزه، قال: وإن أخذته من النَّبْوَةَ والنَّبَاوَةِ، وهي الارتفاع من الأرض، أي أنه شرف (٥) سائر الخلق، فأصله غير الهمز (٦)، وأنشد قول أوس بن حجر:
(٢) في (ج): (الهمز). وكلام أبي عبيدة أورده ابن السكيت في "إصلاح المنطق" عنه عن يونس "إصلاح المنطق" ص ١٥٩، وانظر: "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٩٥.
(٣) في (ب): (مشتق).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٧، وانظر: "تهذيب اللغة" (نبا) ٤/ ٣٤٩٠، قال أبو القاسم الزجاجي: (اعلم أن للعلماء في اشتقاق (النبي) قولين: أما سيبويه في حكايته عن الخليل فيذهب إلى أنه مهموز الأصل من أنبأ عن الله، أي: أخبر، وهو مذهب أكثر أهل اللغة، فتركت العرب همزه لا على طريق التخفيف، لكن على طريق الإبدال...) ثم ذكر الفرق بين التخفيف والإبدال وبَيَّن أن ما ترك عن طريق الإبدال لا يجوز همزه إلا عند من لا يرى البدل. قال: (والقول الآخر مذهب جماعة من أهل اللغة، وهو رأى أبي عمرو بن العلاء قالوا: ليس بمهموز الأصل وإنما هو من النباوة وهي الرفعة. "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ٢٩٣، ٢٩٤.
(٥) في "إصلاح المنطق": (أي شرف على سائر الخلق) ص ١٥٨، وانظر: تهذيب اللغة ٤/ ٣٤٩٠.
(٦) الكلام بهذا النص في "تهذيب اللغة" (نبا) ٣٤٩٠، وورد في "إصلاح المنطق" عن الفراء، وقال ابن السكيت بعده: وأنشد هو أي الفراء وأبو عمرو ثم ذكر بيتًا غير بيت أوس. "إصلاح المنطق" ص ١٥٨.
لَأَصْبَحَ رَتْمًا (١) دُقَاقَ الْحَصَى | مَكَانَ النَّبَيِّ مِنَ الْكَاثِبِ (٢) |
قال أبو علي فيما استدرك على أبي إسحاق (٣): النبي اشتقاقه من النبأ الذي هو الخبر، كأنه المخبر عن الله سبحانه، وهذا مذهب سيبويه (٤).
ولا يجوز أن يكون مشتقا من النبأ الذي هو الخبر والنجاوة التي هي الرفعة بأن يحتمل الأمرين (٥)؛ وذلك لأن العرب كلهم
(٢) في جميع النسخ (الكاتب) بالتاء وهذا مخالف لجميع المصادر. و (الرتم): الدق والكسر، (دُقَاقَ الحصى): دقيق الحصى، و (النبي) المكان المرتفع و (الكاثب): الرمل المجتمع.
ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص ٥٨، "جمهرة أمثال العرب" ٢/ ١٣، "الزاهر" ٢/ ١١٩/ "تهذيب اللغة" (كثب) ٤/ ٣١٠٣، و (رتم) ٢/ ١٣٥٨، و (ثرم) ٢/ ١٣٦٠، و (نبا) ٤/ ٣٤٩٠، "الصحاح" (نبا) ٦/ ٢٥٠١، و"مجمل اللغة" (رتم) ٢/ ٤٩٨، (كثب) ٧/ ٣٨٢٦، "مقاييس اللغة" (كثب) ٥/ ١٦٣، و (نبو) ٥/ ٣٨٥، "اللسان" (كثب) ٧/ ٣٨٢٦، و (رتم) ٣/ ١٥٧٨، و (نبا) ١٥/ ٣٠٢، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٧، "الدر المصون" ١/ ٤٠٢.
(٣) وذلك في كتاب (الإغفال فيما أغفله الزجاج من المعاني) ص ٢٠٥، نقل عنه الواحدي بتصرف، وداخل بين كلام أبي علي في "الإغفال" وكلامه في "الحجة". وكلام أبي علي بنصه في "المخصص" ١٢/ ٣٢١.
(٤) نص كلام أبي علي في "الإغفال": (لا يخلو قولهم: (النبي) من أن يكون مأخوذا من (النبأ) أو من النبوة التي هي ارتفاع أو يكون مأخوذا منهما. فحمل (اللام) مرة على أنه ياء منقلبة عن الواو، ومرة على أنها همزة كسنة وعضا، فلا يجوز أن يكون مأخوذًا من النبوة، لأن س يبويه حكى أن جميع العرب يقولون. تنبأ مسيلمة..) "الإغفال" ص ٢٠٥. وانظر كلام سيبويه في "الكتاب" ٣/ ٤٦٠، ٥٥٥.
(٥) قال أبو علي: (.. ولا يجوز أيضا أن تكون لامه على وجهين: مرة ياء منقلبة عن =
فإن قيل (٣): فإن المازني أنشد على أن (النبي) من النباوة قول بعضهم:
مَحْضَ الضَّرِيبَة فَي الْبَيْتِ الَّذِي وُضِعَتْ | فِيهِ النَّبَاوَةُ حُلْوًا غَيْرَ مَمْذُوقِ (٤) |
(١) (يقولون) ساقط من (ب).
(٢) السياق أقرب إلى كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٨٩، وانظر: "الإغفال" ص٢٠٦، ٢٠٩، "الخصائص" ١٢/ ٣٢٢، و"الكتاب" ٣/ ٤٦٠.
(٣) قوله:
(فإن قيل فإن المازني | إلخ) لم يرد في "الإغفال"، وإنما ورد في "الحجة" ٢/ ٨٨. |
(٥) في (أ)، (ب): (نبوة) وفي ج: (نبوه)، والتصحيح من "الحجة" ٢/ ٩٠.
(٦) في (ب): (ليس).
(٧) في (أ)، (ب): (بنبوة) وفي ج: (بنبوة)، والتصحيح من "الحجة" ٢/ ٩٠.
(٨) في جميع النسخ (النبا) بدون همز، والتصحيح من "الحجة" ٢/ ٩٠.
فإن (٣) قلت: فلم لا يستدل بقولهم: أنبياء (٤) على جواز الأمرين (٥). لأنهم جمعوا ما كان أصله غير (٦) الهمز على أفعلاء نحو: غنى وأغنياء وتقى وأتقياء، فيحتمل (٧) على هذا أن النبي أصله غير الهمز، [ويحتمل أن أصله الهمز] (٨) فترك همزه، وجمع (٩) على أفعلاء، تشبيها بما أصله غير الهمز.
قيل: ما ذكرته لا يدل على تجويز الأمرين، لأن (أنبياء) إنما جاء لأن البدل من الهمز لزم في (نبي) فصار في لزوم البدل له كقولهم: عيد وأعياد فكما أن أعيادا لا يدل على أن عيدا من الياء، لكونه من عود الشيء، كذلك لا يدل (أنبياء) على أنه من النباوة، ولكن لما لزم البدل جعل بمنزلة: تقي وأتقياء وصفي وأصفياء ونحو ذلك، وصار (١٠) كالبرية والخابية، ونحو ذلك
(٢) من قوله: (ولأن النبوة...) إلى قوله: (كما يمدح بالرفعة) ليس في "الحجة" ولا في "الإغفال".
(٣) في (ب): (قال قلت).
(٤) أي: بالجمع. انظر: "الإغفال" ص ٢٠٧، و"الحجة" ٢/ ٩٠.
(٥) الأمران هما: كون اللام همزة، أو حرف لين. انظر "الإغفال" ص ٢٠٧.
(٦) أي أن أفعلاء جمع في أكثر الأمر لمعتل اللام. انظر "الإغفال" ص ٢٠٧.
(٧) في (ب): (فيحمل).
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٩) قوله (ويحتمل...) إلى (فترك همزه وجمع)، مكرر في (ب) بعد قوله: (بما أصله غير الهمز).
(١٠) في (ب): (فصار).
وقد جمعوه أيضا نُبَآء (٢) على فُعَلاَء (٣)، مثل ظريف وظرفاء.
قال العباس بن مرداس (٤):
يَا خَاتَمَ النُّبَآءِ (٥) إِنَّكَ مُرسَلٌ | بِالحَقِّ خَيْرُ هُدَى الْإِلَهِ هُدَاكَا (٦) |
(٢) في (أ)، (ج): (نبآا) وفي (ب): (نبا)، وما أثبته يوافق ما في "الحجة" ٢/ ٩٠.
(٣) في (ج): (أفعلاء).
(٤) هو العباس بن مرداس بن أبي عامر بن سليم، وأمه الخنساء، الصحابية الشاعرة المشهورة، أسلم العباس قبل فتح مكة بيسير، وكان من المؤلفة قلوبهم. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ص أ ٥٠، "الخزانة" ١/ ١٥٢.
(٥) في (أ)، (ج) (النبآا) وفي (ب) (البنا).
(٦) رواية شطره الثاني في أكثر المصادر:
بِالخَيْر كُلُّ هُدَى السَّبِيلِ هُدَاكَا
ورد البيت في "الكتاب" ٣/ ٤٦٠، "سيرة ابن هشام" ٤/ ٩٥، "المقتضب" ١/ ١٦٢، ٢/ ٢١٠، و"جمهرة اللغة" ٣/ ٢١٢، "الصحاح" (نبأ) ١/ ٧٥، و"الحجة" لابن زنجله ص ٩٩، و"الحجة" لأبي علي ٢/ ٩٠، "تفسير الطبري" ١/ ٣١٧، "اللسان" (نبأ) ٤/ ٤٣١٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٦٧.
(٧) انظر: "الكتاب" ٣/ ٥٥٥، وقوله (البريه) هكذا في جميع النسخ، ولو قال (البريئة) كان أولى. انظر "الحجة" ٢/ ٩١.
فأما حجة من همز (النبي) أن يقول: هو أصل الكلمة، وليس مثل (عيد) الذي قد ألزم البدل، ألا ترى أن ناسًا من أهل الحجاز قد حققوا الهمز في الكلام، ولم يبدلوه، فإذا كان الهمز أصل الكلمة وأتى به قوم في كلامهم على أصله لم يكن مثل: وَذَرَ ووَدع ونحوهما مما رفض في استعمالهم (٢) واطرح.
وأما ما روي في الحديث من أن بعضهم قال: يا نبيء الله، فقال: لست بنبيء الله، ولكن نبيّ الله، فإن أهل النقل ضعفوا إسناد الحديث (٣).
ومما يقوي (٤) تضعيفه أن (٥) من مدح النبي - ﷺ - بقوله (٦):
(٢) في "الحجة": (لم يكن كماضي "يدع" ونحوه مما رفض استعماله واطرح) ٢/ ٩١.
(٣) في "الحجة": (فأظن أن من أهل النقل من ضعف إسناد الحديث..)، ٢/ ٩٢. والحديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" عن أبي ذر، وقال هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وتعقبه الذهبي فقال: بل منكر لم يصح. قال النسائي: حمران ليس بثقة، وقال أبو داود: رافضي، روى عن موسى بن عبيدة، وهو واه، ولم يثبت أيضا عنه عن نافع، عن ابن عمر قال: ما همز رسول الله - ﷺ - ولا أبو بكر ولا عمر ولا الخلفاء، وإنما الهمز بدعة ابتدعوها من بعدهم. "المستدرك"، كتاب (التفسير) ٢/ ٢٣١، وذكره ابن الأنباري في "الزاهر" ٢/ ١٢٠، وأبو القاسم الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص ٢٩٤، وأعله بالإرسال، وانظر: "البيان" ١/ ٨٨، و"النهاية" ٥/ ٣.
(٤) في (ج): (ومما يقوى هذا الحديث تضعيفه).
(٥) في (ب): (من أن).
(٦) (بقوله) ساقط من (ب).
لم يؤثَر فيه إنكار عليه، ولو كان في واحده نكير لكان الجمع كالواحد، وأيضا فلم نعلم (٢) أنه عليه السلام أنكر على الناس أن يتكلموا بلغاتهم.
وأما من أبدل ولم يحقق فإنه يقول: مجيء الجمع في التنزيل على أنبياء يدل على أن الواحد قد ألزم فيه البدل (٣)، وإذا لزم البدل ضعف التحقيق (٤).
وقال الكسائي: النبي بغير همز، معناه في اللغة: الطريق، والأنبياء طرق الهدى (٥). وعلى هذا سمّي الرسول نبيًّا لاهتداء الخلق به. واختار ابن الأنباري هذا القول، وقال (٦): سمي النبيّ نبيًّا لبيان أمره ووضح خبره، أخذ من النبي وهو عندهم الطريق (٧).
(٢) في (ب): (يعلم).
(٣) (البدل) ساقط من (ب).
(٤) انتهى ما نقله عن "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٨٨ - ٩٢، وانظر: "الإغفال" ص ٢٠٤، ٢١٠، و"اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ٢٩٤، ٢٩٥، "المخصص" ١٢/ ٣٢١ - ٣٢٣.
(٥) "تهذيب اللغة" (نبا) ٤/ ١٤٨٩، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٨ ب، و"تفسير الطبري" ١/ ٣١٧، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٠.
(٦) "الزاهر" ٢/ ١١٩، وظاهر كلامه أنه يرجع غيره حيث قال: النبي معناه في كلام العرب الرفيع الشأن.. ثم قال: ويجوز أن يكون النبي سمي نبيا لبيان أمره.... إلخ).
(٧) رد أبو القاسم الزجاجي على ابن الأنباري قوله: إن النبي من أسماء الطريق، كما نقل ذلك ياقوت في (معجم البلدان)، قال ياقوت: (وقال أبو بكر بن الأنباري في "الزاهر" في قول القطامي:
لَمَّا وَرَدن نَبِيَّا... البيت =
لَمَّا وَرَدْنَ نَبِيًّا وَاسْتَتَبَّ بِنَا | مُسْحَنْفِرٌ كَخُطُوطِ السَّيْح مُنْسحِلُ (٢) |
(١) القطامي: هو عمير بن شييم التغلبي، كان نصرانيًّا فأسلم، فأسلم، وعده الجمحي في الطبقة الثانية من شعراء الإسلام، انظر: "طبقات الشعراء" للجمحي ص ١٧٩، "الشعر والشعراء" ٤٨٣، "الخزانة" ٢/ ٣٧٠.
(٢) قوله: (استتب): استقام وتبين واطرد، و (نبي): مكان معين في ديار تغلب، (مُسْحَنْفِر): صفة لطريق واسع ممتد (السيح): ضرب من البرود أو العباء مخطط. (مُنْسَحل): مكشوط، وصف الطريق بذلك وأنه لكثرة المرور به صار واضحا. ورد البيت في "الزاهر" ٢/ ١١٩، "تفسير الطبري" ٢/ ١٤١، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤١، و"معجم البلدان" ٥/ ٢٥٩، "اللسان" (نبا) ٧/ ٤٣٣٣، "البحر المحيط" ١/ ٢٢٠، "الدر المصون" ١/ ٤٠٢.
(٣) في هامش نسخة (أ) تعليق صدره الكاتب برمز (ش ك) أي شرح من الكاتب، والكلام بنصه منقول عن "الكشاف" ١/ ٢٨٥، وأثبته هنا للفائدة: (ش ك ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: بألسنتهم من غير مواطأة القلوب، وهم المنافقون، ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾: والذين تهودوا، يقال: هاد يهود، وتهود إذا دخل في اليهودية وهو هائد، والجمع هود، ﴿وَالنَّصَارَى﴾: وهم جمع نصران، يقال: رجل نصران وامرأة نصرانة، قال: كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ. و (الياء) في نصراني للمبالغة كالتي في أحمري، سموا بذلك لأنهم نصروا المسيح - عليه السلام -. ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾: وهو من صبأ، إذا خرج من الدين، وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة ﴿مَنْ آمَنَ﴾: من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام دخولا أصيلا ﴿فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾: الذي يستوجبونه بإيمانهم وعملهم.
قال امرؤ القيس.
قدْ عَلِمتْ سلْمَى وَجَارَاتُهَا | أَنِّي مِنَ النَّاسِ لَهَا هَائِدُ (٣) |
وقال المبرد في قوله: ﴿إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ﴾ أي ملنا إليك، ويقال لمن تاب: هاد، لأن من تاب عن شيء مال عنه. فأما اليهود، فقال الليث: سُمّوا يهودًا شتقاقًا من هادوا، أي تابو امن (٤) عبادة العجل (٥). فعلى هذا القول لزمهم الاسم في ذلك الوقت. وقال غيره: سموا بذلك لأنهم مالوا عن دين الإسلام وعن دين موسى (٦). وعلى هذا إنما سموا يهودا بعد أنبيائهم.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٨ ب، وليس فيه (هيادة) ونحوه عند الماوردي وفيه (هيادا) "تفسير الماوردى" ١/ ٣٧٣، ١/ ٣٤٩، وانظر. "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٧٣، و"تفسير البغوي" ١/ ٧٩.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٨ ب، ولم أجده في ديوانه.
(٤) في (ب): (عن).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (هاد) ٤/ ٣٦٨٩، وذكر هذا المعنى أبو عبيدة في "المجاز" ١/ ٤٢، والطبري في "تفسيره" ١/ ٣١٧، و"معاني الزجاج" ١/ ١١٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٨ ب.
(٦) ذكر هذا المعنى الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٨ ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٨٩، ونحوه عند أبي الليث ١/ ٣٧٣.
وحكي عن أبي (٣) عمرو بن العلاء أنه قال: سميت اليهود لأنهم يتهودون أي: يتحركون عند قراءة التوراة (٤) ويقولون: إن السماوات والأرض تحركت حين أتى الله موسى التوارة.
وعلى هذا، التهود (٥) تفعل من الهيد بمعنى الحركة، يقال: هِدْتُه هيدًا، كأنك تحركه ثم تصلحه (٦)، ومنه الحديث: أنه قيل للنبي - ﷺ - في المسجد: يا رسول الله: هِدْه، فقال: " عرش كعرش موسى" (٧)، أي: حركه بالهدم (٨).
(٢) ذكره الأزهري عن ثعلب عن ابن الأعرابي، "تهذيب اللغة" (هاد) ٤/ ٣٦٩٠، وانظر: "اللسان" (هود) ٨/ ٤٧١٨.
(٣) في (ج): (ابن).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٩ أ، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٧٩.
(٥) في (ب): (اليهود).
(٦) ذكره الأزهري عن الليث، "تهذيب اللغة" (هاد) ٤/ ٣٦٨٩، انظر "الصحاح" (هيد) ٢/ ٥٥٨، "مقاييس اللغة" (هيد) ٦/ ٢٣، "اللسان" (هيد) ٨/ ٤٧٣٤.
(٧) بهذا النص ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث" ٣/ ١٧١، ٤/ ٤٥٢، وكذا الأزهري في "تهذيب اللغة" (هاد) ٤/ ٣٦٩١.
وقد أخرج البيهقي بسنده عن سالم بن عطية، قال: قال رسول الله - ﷺ - "عرش الناس كعرش موسى". يعني أنه يكره الطاق حوالي المسجد. "السنن الكبرى" كتاب (الصلاة) باب (كيفية بناء المسجد) ٢/ ٤٣٩، وقد أورده صاحب "كنز العمال" عن البيهقي. وقال: مرسل. "كنز العمال" ٣/ ٣٩٣، وأورده السيوطي في "الجامع الصغير" بلفظ: "ليس بي رغبة عن أخي موسى، عريش كعريش موسى" ورمز له بالتضعيف. "فيض القدير شرح الجامع الصغير" ٥/ ٣٦٥. وهو في "الفائق" ٤/ ١٢٢، "اللسان" (هيد) ٨/ ٤٨٣٤.
(٨) قال أبو عبيد: (كان سفيان بن عيينة فيما بلغني عنه يقول: معنى هده: أصلحه، =
"غريب الحديث" ٤/ ٤٥٢.
(١) في (ج): (يهود).
(٢) انظر: "العين" ٤/ ٧٦، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٤٩، و"معرفة أسماء نطق بها القرآن" لابن السجستاني وقال: ليس بشيء ١/ ٣٨٥، "المحكم" ٤/ ٢٩٧، وقال: ليس هذا بقوي.
(٣) انظر: "الصحاح" (هود) ٢/ ٥٥٧.
(٤) (حرمنا) ساقط من (ب).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (هاد) ٤/ ٣٦٨٩.
(٦) في (ب): (ادعا).
(٧) في "المحكم": (هَوَّد الرجل) حوله إلى ملة اليهودية ٤/ ٢٩٧. وفي "تهذيب اللغة": ذكر الحديث. "فأبواه يهودانه.. " وقال: معناه: أنهما يعلمانه دين اليهودية ويدخلانه فيه، (هاد) ٤/ ٣٦٨٩.
(٨) الحديث في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة ولفظه: (.. فأبواه يهودانه.. الحديث)، أخرجه البخاري (١٣٥٨)، (١٣٥٩) كتاب (الجنائز) باب (إذا أسلم =
(١) هو أبو بكر محمد بن مسلم الزهري، أحد أعلام التابعين، فقيه محدث، رأى عشرة من الصحابة، وروى عنه جمع من الأئمة، توفي سنة أربع وعشرين ومائة. انظر ترجمته في "حلية الأولياء" ٣/ ٣٦٠، "وفيات الأعيان" ٤/ ١٧٧، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٦٩٦.
(٢) في (ب): (الحواريون).
(٣) قول الزهري ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٩ أ، وانظر. "تفسير الطبري" ١/ ٣١٨، و"تفسير أبي الليث"١/ ٣٧٣، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥١، انظر. "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٢٧، "الكشاف" ١/ ٢٨٥.
(٤) "الزاهر" ٢/ ٢٢٥.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣١٧، "الزاهر" ٢/ ٢٢٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٩ أ، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٠، انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٢٧، "الكشاف" ١/ ٢٨٥.
تَرَاهُ إِذَا دَارَ الْعَشِيُّ مُحَنِّفًا | وُيُضْحِي لَدَيْهِ وَهْو نَصْرَانُ شَامِسُ (١) |
كَمَا سَجَدَتْ نَصْرَانَةٌ لَمْ تَحَنَّفِ (٣)
ثم زيدت ياء النسبة فقيل: نصراني. وقد جاء في كلام العرب النصارى، وأرادوا به الأنصار، لا هؤلاء الذين يعرفون بهذا الاسم (٤)، أنشد الفراء:
(٢) هو أبو الأخزر الحماني.
(٣) عجز بيت وصدره:
فَكِلْتَاهُمَا خَرَّتْ وَأَسْجَدَ رَأَسُهَا
يصف ناقتين أصابهما الإعياء، وانحنتا فطأطأتا رأسيهما، فشبه إسجادهما بسجود النصرانية فحذف الياء. البيت من شواهد سيبويه ٣/ ٢٥٦، ٤١١، وانظر: شرح شواهده للنحاس ص ١٧٨، و"تفسير الطبري" ١/ ٣١٨، "الزاهر" ١/ ١٤١، ٢/ ٢٢٥، "الإنصاف" ص ٣٥٧، "المخصص" ١٧/ ٤٤، "تهذيب اللغة" (نصر) ٤/ ٣٥٨٤، "اللسان" (نصر) ٥/ ٢١١، "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٤٣٣، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٨، "الدر المصون" ١/ ٤٠٦، "فتح القدير" ١/ ١٤٨.
(٤) انظر: "الزاهر" ٢/ ٢٢٥، و"تفسير الطبري" ١/ ٣١٨.
لَمَّا رَأَيْتُ نَبَطًا أَنْصارَا | شَمَّرْتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإِزَارَا |
فجمع بين الأنصار والنصارى على التوفيق بين معنييهم.
وقال الزجاج: ويجوز أن يكون واحد النصارى نَصْرِيٌّ، مثل بَعِيرٌ مَهْرِي وإبل مَهَارى (٣). وهذا قول مقاتل (٤)، وزعم أنهم سموا نصارى لاعتزائهم إلى قرية يقال لها نصرة (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ قال أبو زيد: صبأ الرجل فى دينه يَصْبَأ صُبُوءًا. [إذا كان صابئا (٦).
وهو الخارج من دين إلى دين، ومنه صبا النجم وأصبأ] (٧) إذا ظهر كأنه خرج من بين التي لم تطلع (٨)، قال الشاعر، أنشده ابن السكيت:
(٢) سبق تخريج الأبيات ص ٣٢٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٩، وانظر: "الزاهر" ٢/ ٢٢٥، و"تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٩ أ، انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٢٤٥.
(٤) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٩ أ.
(٥) في الطبري وغيره (ناصرة)، وأخرجه عن ابن عباس وقتادة، ١/ ٣١٨، وانظر "الزاهر" ٢/ ٢٢٥، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٧٣، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥١. قال ياقوت: (النَّاصِرة) فاعلة من النصر قرية بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلًا، فيها كان مولد المسيح عليه السلام ومنها اشتق اسم النصارى معجم البلدان ٥/ ٢٥١.
(٦) ذكر الأزهري في "تهذيب اللغة" (صبا) ٢/ ١٩٦٦، وأبو علي في "الحجة" ٢/ ٩٤.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٨) "إصلاح المنطق" ص ١٥٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٩، "تهذيب اللغة" (صبا) ٢/ ١٩٦٦، و"الحجة" ٢/ ٩٤.
وَأَصْبَأَ النَّجْمُ فِي غَبْراَء كَاسِفَةٍ | كَأَنَّهُ بَائِسٌ (١) مُجْتَابُ أَخْلاَقِ (٢) |
وقال (٤) أبو زيد (٥): صَبَأَتْ عليهم تَصْبَأُ صَبْأً وصُبُوءًا، إذا طلعت عليهم (٦). [وكأن] (٧) معنى الصابئ التارك دينه الذي شرع له إلى دين غيره، كما أن الصابئ على القوم تارك لأرضه منتقل إلى سواها، والدين الذي فارقوه هو (٨) تركهم التوحيد إلى عبادة النجوم وتعظيمها (٩).
وقال أبو إسحاق في قوله: ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ معناه: الخارجين من دين إلى (١٠) دين، يقال: صَبَأَ فلان يَصْبَأُ، إذا خرج من دينه (١١).
قال الليث: وكان يقال للرجل إذا أسلم في زمن النبي - ﷺ - قد صبأ، عنوا: أنه خرج من دين إلى دين (١٢).
(٢) ورد البيت في "إصلاح المنطق" ص ١٥٧، "المخصص" ٩/ ٣٤، "اللسان" (صبأ) ٤/ ٢٣٨٥.
وقوله (غبراء) الغبراء: الأرض و (مجتاب أخلاق) لابس ثياب خلقة بالية.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج١/ ١١٩، "تهذيب اللغة" (صبا) ٢/ ١٩٦٦.
(٤) (الواو) ساقط من (ج).
(٥) في (ب): (ابن).
(٦) "الحجة" ٢/ ٩٤.
(٧) في جميع النسخ (وكان) والتصحيح من "الحجة" ٢/ ٩٤.
(٨) في (ب): (وهو).
(٩) "الحجة" ٢/ ٩٤.
(١٠) (إلى دين) ساقط من (ب).
(١١) "معاني القرآن" للزجاج١/ ١١٩، "تهذيب اللغة" (صبا) ٢/ ١٩٦٦، والنص منه.
(١٢) "تهذيب اللغة" (صبا) ٢/ ٢٩٦٦.
صَبَوْتَ أَبَا ذِئْبٍ (٤) وَأَنْتَ كَبِيرُ (٥)
وقال آخر:
إِلىَ هِنْدٍ صبَا قَلْبِي | وَهِنْدٌ مِثْلُهَا يُصْبِي (٦) |
قال أبو علي: فلا يسهل أن يأخذه (٩) من صبا إلى كذا، لأنه يصبو الإنسان إلى الدين، ولا يكون منه تدين مع صبوه إليه، فإذا بعد هذا، وكان
(٢) قرأ نافع بغير همز، وبقية السبعة بالهمز. انظر "السبعة" ص ١٥٨، و"الحجة" لأبي علي٢/ ٩٤، و"التيسير" ص ٧٤.
(٣) انظر: "الحجة" لأبي علي ٢/ ٩٥، وعلى هذا تكون لام الكلمة همزة من (صبأ) إذا خرج عن دينه. انظر: "الحجة" لابن زنجلة ص ١٠٠، ولابن خالويه ص ٨١، "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٩ أ.
(٤) في (ب): (تأديب).
(٥) عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي، وصدره:
دِيَارُ التِي قَالَتْ غَدَاةَ لَقِيتُهَا
ورد في "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ٦٥، و"الحجة" لأبي علي ٢/ ٦٩.
(٦) ورد في "العقد الفريد" ٥/ ٤٨٤، "اللسان" (صبا) ٤/ ٢٣٨٥، ونسبه لزيد بن ضبة.
(٧) في (ب): (إذا).
(٨) أي: أن أصله الهمز فترك الهمز، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٩٥، ٩٦، و"الحجة" لابن زنجلة ص ١٠٠، "الحجة" لابن خالويه ص ٨١.
(٩) قال أبو علي: (.. أو تجعله على قلب الهمزة، فلا يسهل أن تأخذه من صبا إلى كذا..) ٢/ ٩٦.
حُبَّ بِهَا (٧)...........
(٢) في (ب): (الصابيون)، وفي (ج): (الصابون).
(٣) في "الحجة": (.. فيكون (الصابون) إذا على قلب الهمزة، وقلب الهمز على هذا الحد لا يجيزه سيبويه..) ٢/ ٩٦.
(٤) نسب الواحدي الكلام لأبي زيد وظاهر كلام أبي علي في "الحجة" غير ذلك، حيث قال في "الحجة": (.. وممن أجازه أبو زيد....) ثم ذكر كلامًا لأبي زيد، ولسيبويه والخليل ولأبي الحسن، ثم قال: (.. ومن قلب الهمزة التي هي (لاَمٌ، يَاءً)، فقال: (الصابون) نقل الضمة التي كانت تلزم..) فالكلام لأبي علي، والله أعلم. انظر: "الحجة" ٢/ ٩٦، ٩٧.
(٥) في (ب): (المنقول).
(٦) في (أ): (خفت) ثم طمست وكتب فوقها (حسب) وفي (ب): (حفت) وفي (ج): (حسب حفت وحسب..) وما أثبت هنا موافق للحجة ٢/ ٩٧ والكلام عنه بنصه.
(٧) جزء من بيت للأخطل في وصف الخمرة وتمامه:
فّقُلْتُ اقْتُلُوهَا عَنْكُم بِمِزَاجِهَا | وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولةَ حين تُقْتَلُ |
فنقلوا الحركة من العين إلى الفاء، وحذفوا الحركة التي كانت للفاء في الأصل وحركوها بالحركة المنقولة، هذا في الصابون (٢).
فأما (الصابين) (٣) فقياس نقل الحركة أن تحذف (٤) كسرة عين فاعل وتنقل إليها الكسرة التي كانت تكون للام، ألا ترى أن الضمة منقولة إليها بلا إشكال، وإن شئت قلت: لا أنقل حركة اللام التي هي الكسرة كما نقلت حركتها التي هي الضمة؛ لأني لو لم أنقل الحركة التي هي الضمة، وقررت (٥) الكسرة لم تصح واو الجميع، فليس الكسرة مع الياء كالكسرة مع
(١) جزء من بيت لسهم بن حنظلة الغنوي وتمامه:
لَمْ يَمْنَع النَّاسُ مِنِّي مَا أَردْتُ وَمَا | أُعْطِيهِمُ مَا أَرَادُوا حُسْنَ ذَا أَدَبَا |
(٢) في (ب) (الصابيون). وهي جزء من آية: ٩٦ المائدة، على قراءة نافع.
(٣) كلام أبي علي في "الحجة": (.... وحركها بالحركة المنقولة، كما حرك العين من فاعل بالحركة المنقولة، وقياس نقل الحركة التي هي ضمة إلى العين أن تحذف كسرة عين فاعل..) ٢/ ٩٧.
(٤) في (ج): (يحذف).
(٥) في (ج): (قدرت) وفي (أ) محتملة، وما في (ب) موافق لما في "الحجة" ٢/ ٩٧.
وَحُبَّ بِهَا مَقْتُولَةً (٦)
و: حَسْنَ ذَا أَدَبًا
و: حُسْنَ ذَا أَدَبًا (٧)
فأما مذهب الصابئين (٨) فقد ذكرنا أنهم يعبدون النجوم، وقال قتادة: هم قوم يعبدون الملائكة (٩). وقال مجاهد: قبيلة نحو الشام بين (١٠) اليهود والمجوس، لا دين لهم (١١).
(٢) (الحركة) ساقط من (ب).
(٣) في (ج): (للام).
(٤) في (ب): (أدغمها).
(٥) في "الحجة" (أبقيت) وانظر التعليق السابق على (ألقيت).
(٦) جزء من بيت للأخطل، يروي بفتح الحاء وضمها، مرَّ تخريجه قريبًا.
(٧) جزء من بيت لسهم بن حنظلة، مر تخريجه قريبًا. وبهذا انتهى ما نقله عن "الحجة" لأبي علي ٢/ ٩٥، ٩٨.
(٨) في (ب) (الصابين).
(٩) أخرجه الطبري ونصه: (الصابئون قوم يعبدون الملائكة ويصلون إلى القبلة ويقرؤون الزبور) ١/ ٣١٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٩٧ ب، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٢.
(١٠) في (ب) (من).
(١١) أخرجه الطبري عن مجاهد من طرق ١/ ٣١٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٩١. وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٩٧ أ، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٢.
قال عبد العزيز بن يحيى: هم قوم درجوا وانقرضوا (٣).
واختلف المفسرون في معنى هذه الآية على طريقين (٤):
أحدهما: أن الذين آمنوا، أي (٥): بالأنبياء الماضين (٦) ولم يؤمنوا بك، وقيل: أراد المنافقين الذين آمنوا بألسنتهم ولم يؤمنوا بقلوبهم. من آمن
(٢) "تهذيب اللغة" (صبا) ٢/ ١٩٦٦.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٩٧ ب، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٩.
(٤) سلك الواحدي طريقة الثعلبي في إيضاح الآية، وخلاصة ما ذكره الثعلبي أن في الآية طريقين:
الأول: أن الإيمان في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ على طريق المجاز، ثم اختلفوا فيهم فقيل: من آمن بالأنبياء الماضين ولم يؤمن بك، وقيل: المنافقون.
الثاني: أن الإيمان على الحقيقة، فقيل: المراد المؤمنون من هذه الأمة، وقيل: الذين آمنوا بالنبي قبل المبعث، وقيل: المؤمنون من الأمم الماضية.
وسبب هذا الخلاف هو كيف يتم الجمع بين قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ثم قال: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ انظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٧ ب، و"تفسير البغوي" ١/ ٩٧، وأما ابن جرير فقال: (فإن قال: وكيف يؤمن المؤمن؟ قيل: ليس المعنى في المؤمن المعنى الذي ظننته، من انتقال من دين إلى دين كانتقال اليهودي والنصراني إلى الإيمان -وإن كان قد قيل إن الذين عنوا بذلك، من كان من أهل الكتاب على إيمانه بعيسى وبما جاء به، حتى أدرك محمدًا - ﷺ - فآمن به وصدق فقيل لأولئك... آمنوا بمحمد وبما جاء به- ولكن معنى إيمان المؤمن في هذا الموضع، ثباته على إيمانه وتركه تبديله. وأما إيمان اليهود والنصارى والصابئين فالتصديق بمحمد - ﷺ - وبما جاء به..) "الطبري" ١/ ٣٢٠، وانظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ١١١.
(٥) (أي) ساقط من (ب).
(٦) في (أ): (الماضيين) وما في (ب)، (ج) موافق لما في الثعلبي.
وقال ابن جرير: في قوله: ﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ إضمار واختصار، تقديره (٣) من آمن منهم بالله (٤)، لأن قوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ في موضع خبر إن (٥) ولا بد من عائد إلى اسم إن، والعائد هاهنا محذوف، كأنه قيل: من آمن منهم بالله (٦)، وهذا مصرح به في سورة المائدة (٧). وهذا معنى قول ابن
(٢) (مع) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (وتقديره).
(٤) "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٠، ذكر كلامه بمعناه، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٠ أ.
(٥) (أن) ساقط من (ب). وفي نسخة (أ) تعليق من الكاتب صدره بقوله: ش. ك، ونصه: (محل (من آمن) الرفع إن جعلته مبتدأ، خبره (فلهم أجرهم). والنصب إن جعلته بدلا من اسم (إن) والمعطوف عليه، فخبر (إن) في الوجه الأول الجملة كما هي، وفي الثاني: (فلهم) و (الفاء) لتضمن (من) معنى الشرط) وهو منقول من "الكشاف" بنصه ١/ ٢٨٦.
(٦) هذا على إعراب (من) في محل رفع مبتدأ، وقيل: في محل نصب بدل من اللذين، ويكون الخبر: (فلهم) والأول أحسن. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٢، و"المشكل" لمكي ١/ ٥١، و"البيان" ١/ ٨٨، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٧٠، وذكر أبو حيان: أن هذين الوجهين لا يصحان إلا على تغاير الإيمانين، الإيمان الذي هو صلة (الذين)، والإيمان الذي هو صلة (من). "البحر" ١/ ٢٤١.
(٧) في سورة المائدة: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ =
الطريقة الثانية: أن المراد بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أصحاب النبي - ﷺ - ومؤمنو هذه الأمة، ﴿وَالَّذِينَ هَادُوا﴾، أي: الذين آمنوا بموسى والتوراة ولم (٢) يبدلوا ولم يغيروا، ﴿وَالنَّصَارَى﴾ يعني نصار (٣) عيسى على غير تبديل ولا تحريف لما في الإنجيل، ﴿وَالصَّابِئِينَ﴾ يعني الخارجين من الكفر إلى الإسلام، ﴿مَنْ آمَنَ﴾ أي من مات منهم على دين الإسلام، لأن حقيقة الإيمان تكون (٤) بالعاقبة (٥)، ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾. وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء (٦).
(١) ورد هذا في التفسير المنسوب لابن عباس من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، والمسمى "تنوير المقباس" ١/ ٢٨، "على هامش الدر".
(٢) (ولم يبدلوا) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (نصارى).
(٤) في (أ)، (ج) (يكون) وأثبت ما في (ب) لمناسبته للسياق.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ٧٩ ب. وفيه (لأن حقيقة الإيمان بالموافاة) وانظر: "تفسير
البغوي" ١/ ٧٩.
(٦) لم أجده عن ابن عباس من طريق عطاء، وهذا المعنى ذكره الطبري عن مجاهد والسدي، وأخرج عن ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾. فأنزل الله تعالى بعد هذا: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران: ٨٥]. قال الطبري: وهذا الخبر يدل على أن ابن عباس كان يرى أن الله جل ثناؤه كان قد وعد من عمل صالحا من اليهود والنصارى والصابئين على عمله، في =
أَلِمَّا بِسَلْمَى أَنْتُمَا إنْ عَرضْتُما | وَقُولَا لَها عُوجِي عَلَى مَنْ تَخَلَّفُوا (٥) |
(١) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٧٩ ب، وانظر: "تفسير البغوي" ١/ ٧٩.
(٢) (أمن) مكرر في (ب).
(٣) في (ب): (والجمع).
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١١٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٠ أ، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٢٩.
(٥) البيت لامرئ القيس، وقيل: لرجل من كندة، وقوله: (ألما): أي زوراها (إن عرضتما): بلغتما إليها (عوجي): أعطفي وقفي، والرواية للبيت (عنكما) بدل (أنتما) ورد في "تفسير الطبري" ١/ ٣٢١، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٣، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٧١، "الدر المصون" ١/ ٤٠٨، "ديوان امرئ القيس" ص ٣٢٤)، وفي "أضداد" ابن الأنباري ورواية شطره: ألما بسلمى لمَّة إذ وقفتما ص ٣٣٠.
تَعَالَ فِإنْ عَاهَدْتَنِي لا تَخُونُنِي | نكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَحِبانِ (١) |
يَا حَبَّذَا جَبَلُ الرَّيانِ مِنْ جِبَلٍ | وَحَبَّذَا ساكِنُ الرَّيانِ مَنْ كَانَا (٣) |
(٢) (على هذا) ساقط من (ب).
(٣) قوله: (الريان): اسم جبل أسود عظيم في بلاد طيئ، انظر: "معجم ما استعجم" ٢/ ٦٩٠، "معجم البلدان" ٢/ ١١١، وقد ورد البيت أيضًا في "جمل الزجاجي" ص ١١٠، و"شرح الجمل" لابن عصفور ١/ ٦١١، و"اللسان" (حبب) ١/ ٧٤٤، و"شرح المفصل" ٧/ ١٤٠، و"الهمع" ٥/ ٤٥، و"ديوان جرير" ص ٤٩٠.
(٤) (ساكنه) ساقط من (ب).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٣٠/ ٢٠٩. (ط/ الحلبي).
وقد جاء في (من) بعض التصريف في بعض اللغات، كقوله:
أَتَوْا نَارِي فَقُلْتُ مَنُونَ أَنْتُم | فَقَالُوا (٢) الجِنُّ قُلْتُ عِمُوا ظلاما (٣) |
فَإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تَقْرَبَنَّهَا | وَلا تَعْبُدِ الشيطانَ واللهَ فاعْبُدَا |
فَإيَّاكَ والمَيْتَاتِ لا تأكُلَنَّهَا | ولا تَأخُذَنْ سَهْمًا حَدِيدًا لِتَفْصدَا |
وذَا النُّصبَ المَنْصُوبَ لا تَنْسُكَنَّهُ | ولا تَعْبُدِ الأوْثَانَ واللهَ فاعْبُدَا |
(٢) في (أ)، (ج): (قالوا).
(٣) البيت لشمير بن الحارث، وروي البيت في قصيدة حائية (عما صباحًا) منسوبًا لجذع بن سنان. يخاطب الجن، وقوله: (عموا ظلامًا) خاطب به الجن، كما كانوا يقولون لبني آدم: عموا صباحًا. ورد في "الكتاب" ٢/ ٤١١، و"شرح أبياته لابن السيرافي" ٢/ ١٨٣، "المقتضب" ٢/ ٣٦٠، "نوادر أبي زيد" ص ٣٨٠، "الخصائص" ١/ ١٢٩، "الصحاح" (منن) ٦/ ٢٢٠٨، و"الهمع" ٥/ ٣٤٦، ٦/ ٢٢١، و"شرح ابن عقيل" ٣/ ٨٨، و"الجمل" للزجاجي ص ٣٣٦)، و"الخزانة"٦/ ١٦٧، ٧/ ١٠٥، "شرح المفصل" ٤/ ١٦، "اللسان" (حسد) ٢/ ٨٦٨، وفي عدة مواضع. والشاهد فيه (منون أنتم) حيث جمع (من) مع الوصل وهذا من الضرورة. قال سيبويه: وهذا بعيد، وإنما يجوز هذا على قول شاعر قاله مرة في شعر ثم لم يسمع بعد ٢/ ٤١٠.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يقال: كيف قال هذا مع (٢) ما يمر بهم من أهوال القيامة؟ قيل: لأنه لا يعتد بذلك، من أجل أنه عارض ثم يصيرون (٣) إلى النعيم الدائم، لقوله: ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ [الأنبياء: ١٠٣]، وهو كما تقول (٤) للمريض: لا بأس عليك. وقيل: إن أهوال القيامة إنما تنال (٥) الضالين دون المؤمنين، والأول هو الوجه لعموم قوله: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ﴾ الآية [الحج: ٢].
(٢) في (ج): (معما يجبر بهم).
(٣) في (ب): (يسير).
(٤) في (ب): (يقول).
(٥) في (ب): (ينال).
٦٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ الآية الأخذ يستعمل في معان كثيرة، ويتصرف على ضروب (٢)، منها: أن يدل على العقاب كقوله: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى﴾ [هود: ١٠٢]، وقوله: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ﴾ [الأنعام: ٤٢]، ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود: ٦٧]، ﴿وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ (٣) [الأعراف: ١٦٥]، ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: ٤٢].
ومنها: أن يستعمل للمقاربة، تقول العرب: أخذ يقول كذا، كما قالوا: جعل يقول، وطفق يقول.
ومنها: أن يتلقى بما يتلقى به القسم، كقوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ [آل عمران: ١٨٧]، ألا ترى أنه قال: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ﴾ فأخذ (٤)
وذكر أبو حيان في تفسير هذه الآية أقوالا كثيرة ثم قال: (وظاهر الآية عموم نفي الخوف والحزن عنهم، لكن يخص بما بعد الدنيا..) "البحر" ١/ ١٧٠.
(٢) الكلام عن (الأخذ) نقله الواحدي عن أبي علي الفارسي من كتاب "الحجة" ٢/ ٧٢ انظر مادة (أخذ) في "تهذيب اللغة" ١/ ١٢٩، "الصحاح" ٢/ ٥٥٩، "مقاييس اللغة" ١/ ٦٨، و (الغريبين) ١/ ٢٣، و"مفردات الراغب" ص ١٢، و"إصلاح الوجوه والنظائر" ص ٢٠، و"نزهة الأعين النواظر" ص ١٣٣.
(٣) (ج): (فأخذنا) تصحيف.
(٤) في (ب)، (ج): (واخد).
ومثل أخذ في معنى العقاب: آخذ (١)، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا﴾ [فاطر: ٤٥]، وقال: ﴿لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا﴾ [البقرة: ٢٨٦]، وقال: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ﴾ [البقرة: ٢٢٥].
ويستعمل من الأخذ التفعيل والاستفعال، قالوا: رجل مُؤَخَّذٌ عن امرأته (٢)، وقال الفقهاء في الرجل المؤخذ عن امرأته: يؤجل كما يؤجل العنين (٣).
وأما اسْتَفْعل فقال الأصمعي (٤): الاستئخاذ: أشد الرمد، قال الهذلى (٥):
يَرْمِي الغُيُوبَ (٦) بِعَيْنيه ومَطْرِفُه | مُغْضٍ كما كَسَفَ المُسْتَأْخِذَ الرَّمَدُ (٧) |
(٢) قال أبو علي: (وأما (فعَّل) فقالوا: رجل مُؤَخذٌ عن امرأته) "الحجة" ٢/ ٧٤، انظر: "تهذيب اللغة" (أخذ) ٧/ ٥٢٦، "الغريبين" ١/ ٢٤.
(٣) ذكره أبو علي عن أبي حنيفة رحمه الله. "الحجة" ٢/ ٧٤، انظر: "بدائع الصنائع" ٢/ ٣٢٢ - ٣٢٣، و"المغني" ٧/ ٦٠٢.
(٤) في "الحجة" (فقال الأصمعي فيما روى عنه الزيادي..) "الحجة" ٢/ ٧٤، وانظر "تهذيب اللغة" (أخذ) ١/ ١٢٩.
(٥) هو أبو ذؤيب الهذلي.
(٦) في (ج): (العيوب).
(٧) في هذا البيت يصف حمارًا وحشيًا، وقوله: (يرمى الغيوب) أي: ينظر ما غاب عنه خشية الصائد يرميه بطرفه حذرا، و (المغضي): الذي كف من بصره وهو مع ذلك ينظر، و (كسف): نكس رأسه لما أخذ الرمد فيه. انظر "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٥٨، و"جمهرة اللغة" ٣/ ٢٣٧، و"الحجة" ٢/ ٧٥، و"المخصص" ١/ ١١٠، "تهذيب =
وقوله تعالى: ﴿وَرَفَعنَا فَوقَكُمُ الطُّورَ﴾. الواو ﴿وَرَفَعنَا﴾ واو الحال، المعنى إذ أخذنا ميثاقكم في حال رفع الطور (٥)، ويضمر معه قد لتصلح الحال كما ذكرنا في قوله: ﴿وَكُنتُم أَموَاتًا﴾ (٦) [البقرة: ٢٨]. ونذكر كيف أخذ الميثاق في حال رفع الطور، وأما الطور فقيل: إنه الجبل (٧)
(١) هذا آخر ما نقله عن "الحجة" ٢/ ٧٥.
(٢) في (ج): (ميتاق).
(٣) في (ب): (أول).
(٤) ذكره أبو الليث عن ابن عباس ١/ ٣٧٦. وذكر ابن جرير أن المراد به الميثاق الذي أخذه منهم في قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [البقرة: ٨٣ - ٨٥]، وأخرجه بسنده عن ابن زيد. الطبري ٢/ ١٥٦، وذكر الزجاج قولين فيه: الأول: حين أخرج الناس كالذر ورجحه، والثاني: ما أخذه على الرسل ومن تبعهم. "معاني القرآن" ١/ ١١٩.
(٥) ذكر أبو حيان: أن هذه الواو تحتمل أن تكون للعطف إذا كان أخذ الميثاق متقدمًا، وإن كان أخذ الميثاق في حال رفع الطور فهي للحال. "البحر" ١/ ٢٤٣.
(٦) وقد ذكر هناك القاعدة عند الجمهور: وهي أن الجملة الفعلية الماضوية، إذا وقعت حالا فلا بد من تقدير (قد) وقيل: لا يلزم ذلك. انظر ص ٦٦٧.
(٧) في (ب): (جبل).
دَانَى جَنَاحَيْهِ من الطُّورِ فَمَرْ (٤).
وقيل: إنه اسم جبل بعينه، وهو جبل بالشام (٥)، قال ذو الرمة:
أَعاريبُ طُورِيُّونَ عن كُلِّ بلدة | يَحيدونَ (٦) عنها مِنْ حِذَارِ المَقادِرِ (٧) |
(٢) (وقع) ساقط من (ب).
(٣) قال القرطبي: (لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب، وأن فيه أسماء أعلاماً.. كإسرائيل ونوح ولوط، واخلفوا هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب) ١/ ٦٨. فذهب الطبري في "تفسيره" إلى أن ذلك غير موجود، وكذا الثعلبي ١/ ٨٠ أ، وذهب ابن عطية إلى أنه موجود لكن العرب استعملتها قبل وغيرت فيها، فدخلت في لغتها.
(٤) الرجز من قصيدة يذكر فيها مآثر عمر بن عبد الله بن معمر التميمي وبعده:
تَقَضِّيَ البازي إذا البَازِي كَسَرْ
ضم جناحيه للانقضاض، و (تقضي): أصلها (تقضض) ثلاث ضادات فقلبت الثالثة ياء طلبا للخفة، و (البازي): الشديد من الصقور ورد البيت في "ديوان العجاج" ص ٢٨، "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٤، "تهذيب اللغة" (طرأ) ٣/ ٢١٧٣، انظر "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٣٠، "الكشاف" ٤/ ٤٢٦، "اللسان" (طرأ) ٥/ ٢٦٤٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٩، "الدر المصون" ١/ ٤٠٩.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٥، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٣٠، ١٥/ ٥٠٢.
(٦) في (ب): (يحيدرون).
(٧) ورد البيت في "التهذيب" (طور) ٣/ ٢٢٢٩، "اللسان" (طرأ) ٥/ ٢٦٤٩، و (طور) ٥/ ٢٧١٨، "الخزانة" ٧/ ٣٥٥، و"ديوان ذي الرمة" ٣/ ١٦٩٨، وفي بعضها (قرية) بدل (بلدة).
وقال الفراء في قوله تعالى: ﴿وَالطُّورِ﴾ [الطور: ١] قال: هو الجبل الذي بمدين، كلم الله عليه موسى (١).
قال المفسرون: إن موسى لما أتاهم بالتوراة فرأوها وما فيها من التغليظ كبر ذلك عليهم وأبوا أن يقبلوا ذلك، فأمر الله جبلًا من جبال فلسطين فانقلع من أصله حتى قام على رؤوسهم مثل الظلة، وكان العسكر فرسخا في فرسخ والجبل كذلك، وأوحى الله إلى موسى إن قبلوا التوراة وإلا رضختهم بهذا الجبل، فلما رأوا ذلك وأن لا مهرب لهم، قبلوا ما فيها وسجدوا من الفزع، وجعلوا يلاحظون الجبل وهم سجود، فمن أجل ذلك يسجد اليهود على أنصاف وجوههم، فهذا معنى أخذ الميثاق في حال رفع الجبل فوقهم (٢)، لأن في هذه الحالة قيل لهم: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [وكان فيما آتاهم الله تعالى الإيمان بمحمد (٣) - ﷺ -.
وقوله: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ [(٤) أي: وقلنا لكم خذوا (٥)،
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٠ ب، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٧٧، وانظر. "الطبري" ١/ ٣٢٤، "ابن عطية" ١/ ٢٤٨، "القرطبي" ١/ ٣٧٢، "البحر المحيط" ١/ ٢٤٣.
(٣) في (ب): (لمحمد).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ج).
(٥) نسب الطبري هذا القول لبعض نحوي أهل البصرة، قال: وقال بعض نحوي أهل الكوفة: أخذ الميثاق قول، فلا حاجة إلى إضمار قول، ورجَّح هذا في "تفسيره" ١/ ٣٢٦، وانظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٤٣.
وقوله: ﴿بِقُوَّةٍ﴾ قال ابن عباس والحسن وقتادة: بجد ومواظبة على طاعة الله واجتهاد (٢)، وتأويله: خذوا ما آتيناكم بعزيمة على طاعة الله واتباع رسله.
وقال الزجاج: أي بقوة قلب ويقين ينتفي عنده الريب (٣) والشك، لما كان (٤) لكم من عظيم الآيات، وأصل القوة: الشدة، ومنه قوة الحبل، لأنها تقوي الحبل وتشد فتله (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ﴾ الكناية تعود إلى ما في قوله: ﴿مَا آتَيْنَاكُمْ﴾ (٦). والمعنى: احفظوا ما في التوراة من الحلال والحرام، واعملوا بما فيه (٧)، وقيل: اذكروا ما فيه من الثواب والعقاب لعلكم تتقون (٨)، ويجوز أن ترجع الكناية إلى الميثاق، ويكون المعنى على حذف
(٢) ذكر الطبري في "تفسيره" نحوه عن مجاهد، وأبي العالية، وقتادة، وابن زيد ١/ ٣٢٦، وكذا عند "ابن أبي حاتم" ١/ ٣٩٨، وذكره الماوردي عن ابن عباس، وقتادة والسدي "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٤، وكذا القرطبي في "تفسيره" ١/ ٣٧٢، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٧٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٠ ب.
(٣) في (ب): (الرتب).
(٤) في "معاني القرآن" (بان) ١/ ١٢٠.
(٥) في "تهذيب اللغة": (القوة) الخُصْلة الواحدة من قوى الحبل، وقيل: هي الطاقة الواحدة من طاقات الحبل. (قوى) ٣/ ٣٠٧٠.
(٦) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٣٢، "البحر المحيط" ١/ ٢٤٤، "الدر المصون" ١/ ٤٠٩.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٠ ب.
(٨) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٦، و"تفسير أبي الليث"١/ ٣٧٧.
٦٤ - قوله تعالى: ﴿وثُمَ تَوَلَّيتُم﴾ التولي في اللغة يستعمل على ثلاث معان (١): يكون بمعنى الإعراض كالذي في هذه الآية، ومعناه: أعرضتم وعصيتم (٢)، ومثله: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ [محمد: ٣٨] أي تعرضوا عن الإسلام.
ويكون (٣) بمعنى الاتباع، قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ [المائدة: ٥١]، معناه: من يتبعهم وينصرهم.
ويقال: توليت الأمر توليا، إذا وليته بنفسك (٤)، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ [النور: ١١]، أي: ولي وزر الإفك وإشاعته (٥).
ومعنى توليتم هاهنا، أي: أعرضتم عن أمر الله وطاعته.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ قيل من بعد (٦) أخذ الميثاق. ﴿فَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ بتأخير العذاب عنكم (٧). وقيل: بمحمد - ﷺ - والقرآن (٨)
(٢) في (ب): (نسيتم).
(٣) في (ب): (وتكون).
(٤) لعل هذا المعنى هو الثالث عند المؤلف حسب تقسيمه، وانظر "نزهة الأعين النواظر" ص ٢١٦.
(٥) انتهى ما نقله عنه "تهذيب اللغة" (ولى) ١/ ٣٩٥٧.
(٦) (بعد) ساقط من (ب).
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٨٠ ب، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٨، وقال الزجاج من بعد ذلك: أي بعد الآيات العظام. "معاني القرآن" ١/ ١٢٠، وقال الماوردي: من بعد خروج موسى من بين أظهركم "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٥.
(٨) (والقرآن) ساقط من (ج). وقد ذكر الطبري عن أبي العالية: فضل الله: الإسلام، =
٦٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ العلم (٣) هاهنا بمعنى المعرفة كقوله: ﴿لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ [الأنفال: ٦٠]، ولولاه لاقتضى مفعولًا ثانيا، ألا ترى أنك إذا قلت: علمت زيدًا قائمَّاً [كان قائما] (٤) مفعولًا ثانيا، وإذا قلت: عرفت زيدا قائما، [كان قائما] (٥) حالا ولم يكن مفعولًا ثانيا، وإذا كان العلم بمعنى المعرفة جاز الاقتصار على أحد المفعولين (٦).
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ أي: جاوزوا (٧) ما حد لهم، كانوا أُمروا أن لا يصيدوا في السبت، فحبسوها في السبت وأخذوها في الأحد، فعدوا في السبت، لأن صيدها منعها من التصرف (٨).
(١) عند تفسير قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾.
(٢) (رأس المال) ساقط من (ب).
(٣) في (ب): (علمتم).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٦) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٩، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٠، و"تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٥، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٣٣ - ٣٣٤، "البحر المحيط" ١/ ٢٤٥.
(٧) في (ب): (جاوزا).
(٨) ذكره الزجاج في "المعاني" ١/ ١٢٠، وفيه (لأن صيدهم منعها..) أي أن حبس =
ومنه قول حميد (٤):
............ أمّا نَهارُها... فَسَبْتٌ (٥)...............
والسبت: السُّبَاتُ. قال الزجاج: تأويله أنه يقطع الحركة (٦). والسبت. قطعة من الدهر، كأنه بمعنى المسبوت (٧)، أي: المقطوع، وهو
(١) في (ب): (الشعر).
(٢) "تهذيب اللغة" (سبت) ٢/ ١٦٠٧.
(٣) في (ب): (الطريق).
(٤) هو حميد بن ثور بن عبد الله الهلالي، أحد المخضرمين من الشعراء أدرك الجاهلية والإسلام، وقيل إنه رأى النبي - ﷺ - مات في خلافة عثمان رضي الله عنهما. انظر ترجمته في "الشعر والشعراء" ٢٤٧، "معجم الأدباء" ١١/ ٨.
(٥) وتمام البيت:
وَمطْويَّةُ الأَقْراب أَما نهارُها | فسبت وأَمَّا لَيْلُها فذمِيلُ |
(٦) في "تهذيب اللغة" (وقال الزجاج): السبات: أن ينقطع عن الحركة والروح في بدنه..)، (سبت) ٢/ ١٦٠٧.
(٧) في (ب): (السبوت).
وغَنِيتُ سَبْتًا (١)......... البيت
قال أبو بكر بن الأنباري: السبت القطع، وسمي السبت من الأيام سبتًا، لأن الله ابتدأ الخلق فيه، وقطع بعض الخلق، وخلق (٢) الأرض. [ويقال: أُمر فيه بنو إسرائيل بقطع الأعمال وتركها.
قال: وأخطأ من قال: سمي السبت لأن الله أمر فيه بني إسرائيل بالاستراحة، وخلق هو عز وجل السموات والأرض في ستة أيام آخرها يوم الجمعة، ثم استراح في يوم السبت.
قال: وهذا خطأ، لأنه لا يعلم في كلام العرب (سَبَتَ) بمعنى استراح، وإنما معنى سَبَتَ: قطع، ولا يوصف الله تعالى بالاستراحة لأنه لا يتعب (٣). قال: واتفق أهل العلم على أن الله ابتدأ الخلق يوم السبت ولم يخلق يوم الجمعة سماءً ولا أرضًا (٤).
وغَنَيِتُ سَبْتاَ قبل مُجْرَى داحس | لو كان للنفس اللجُوجِ خُلُودُ |
(٢) كذا العبارة في جميع النسخ، وفي "الزاهر" (وقطع فيه بعض خلق الأرض..) ٢/ ١٤٥، ومثله في "تهذيب اللغة" (سبت) ٢/ ١٦٠٧، والنص منه.
(٣) منهج السلف في باب الصفات التزام النص، فيثبتون لله ما أثبته لنفسه، أو أثبته له رسوله - ﷺ - وينفون عنه ما أنفاه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله، وما لم يرد فيه نص فيلتزمون فيه الخفي المجمل من دون تفصيل في النفي. ولم ترد الاستراحة في نص.
(٤) "الزاهر" لابن الأنباري ٢/ ١٤٥، "تهذيب اللغة" (سبت) ٢/ ١٦٠٧.
قال ابن الأنباري: كن (٢) ينقسم في كلام العرب على معان: منها: أن يقول الرجل للرجل: كن جبلًا فإني أهدك، وكن حديدًا فإني أغلبك، يريد لوكنت بهذا الوصف لم تَفُتْنِي (٣)، قال الله تعالى: ﴿قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾ [الإسراء: ٥٠] يريد لوكنتم حجارة أو حديدا لنزل بكم الموت ووصل إليكم ألمه، ويقول الرجل للرجل إذا لم يتعلم (٤) العلم: فكن من البهائم، أي عُدَّ نفسَك مُشبهًا لها. قال الأحوص:
إِذَا كُنْتَ عِزْهَاةً عَنِ اللَّهْو والصِّبَا | فَكُنْ حَجَرًا مِنْ يَابِسِ الصَّخْرِ جَلْمَدَا (٥) |
(٢) في (ج): (كمن في).
(٣) في (ب): (تنتنى).
(٤) كذا في (أ)، (ج)، وفي (ب) غير واضحة، ولعل الصواب (تتعلم).
(٥) ويروى شطره الأول كما في شعر الأحوص:
إِذَا أنْتَ لَمْ تَعْشَقْ وَلَمْ تَدرِ مَا الْهَوَى
وفي كتاب الزينة:
إِذَا أنْتَ لَمْ تَطْرَبْ وَلَم تَشْهَدِ الْخَنَا
و (العِزْهَاةُ): الذى لا يحب اللهو ولا يَطْرب، ورد البيت في "الزينة" ١/ ١٢٤، "المخصص" ١٦/ ١٧٥، "الخصائص" ١/ ٢٢٩، "الشعر والشعراء" ص ٣٤٦، و"أمالي الزجاجي" ص ٧٥، و"أساس البلاغة" (عزه) ص ٢/ ١١٥، "اللسان" (عزه) ٥/ ٢٩٣٣، و"شعر الأحوص" ص ٩٨.
أي بتغييرنا (٢) خلقكم وتبديلنا صوركم، وهذا أمر (٣) حتم ليس للمأمور فيه اكتساب، ولا يقدر على دفعه عن نفسه (٤).
وقال (٥) بعض النحاة: الأمر يجيء على معان: على الفرض، والنفل، والإذن، والتهديد والتحدي، وعلى معنى الخبر. فالفرض مثل: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ (٦) وأشباهه، والنفل كقوله: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ﴾ [النساء: ٣٤]، والإذن: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢]، والتهديد: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾ [فصلت: ٤٠] (٧)، وكقوله: ﴿وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ﴾ [الإسراء: ٦٤]، الآية، والتحدي: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا﴾ [البقرة: ٢٣]، وفيه معنى الإلزام، إلا أن من الإلزام ما لا يكون في المقدور أصلًا كقوله: ﴿قُل هَاتُوا بُرهَانَكُم﴾ (٨) وليس يصح برهان على صدقهم. وأمَّا بمعنى الخبر فقوله: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ (٩) أي: جعلناهم قردة (١٠)، إلا أنه جاء بلفظ الأمر على طريق البلاغة. وقد
(٢) في (ب): (بتغيير)، وفي (ج): (بتغيرنا).
(٣) في (ج): (امرتكم).
(٤) انظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٦٦ - ٣٧٧، و"البيان" ١/ ٩٠، و"البحر" ١/ ٢٤٦.
(٥) (الواو) ساقطة من (ب).
(٦) [البقرة: ٤٣، ٨٣، ١١٠، والنساء: ٧٧، والنور: ٥٦، والمزمل: ٢٠]
(٧) في (أ)، (ج): (اعملوا) تصحيف.
(٨) [البقرة: ١١١، والأنبياء: ٢٤، والنمل: ٦٤].
(٩) [البقرة: ٦٥، والأعراف: ١٦٦].
(١٠) ذكر الغزالي في المستصفى الوجوه التي يأتي عليها الأمر، ومنها الوجوه التي =
والقردة جمع قرد، يقال: قرد، وثلاثة أَقْرِدة (١) وقُرُود وقِرَدَة كثيرة، والأنثى قِرْدَة. وأصل الحرف من اللصوق، ومنه الْقَرِد، وهو ما تلاصق من الوبر ويعقد، والقُرَادُ سمي قُرادًا للصوقه بالموضع الذي يعلق، والقرود تتلاصق إذا اجتمعت وتتداخل خوفًا من عدوها، فإنها أجبن شيء (٢).
و (٣) قوله تعالى: ﴿خَاسِئِينَ﴾ الخَسْءُ: الطرد والإبعاد، يقال: خَسأتُه خَسْأً فَخَسَأ [وانْخَسَأ (٤)، فهو واقع ومطاوع (٥).
قال الفراء والكسائي: يقال: خَساتُه خَسْأً فَخَسَأ] (٦) خُسُوءًا (٧) مثل رَجَعْتُه رَجْعًا فَرَجَعَ رُجُوعًا (٨)، ويقال للكلب عند الزجر والإبعاد: اخسأ، وأنشد الفراء:
وَإذا زَجَرْتُ الْكَلْبَ قُلْتُ اخْسَأ لَهُ | وَالْكَلْبُ مِثْلُكَ ياخُرَيْمُ سَوَاءُ (٩) |
(١) في (ب): (أقراد) وكلها وردت في "تهذيب اللغة" عن الليث (قرد) ٣/ ٢٩٢١.
(٢) انظر: "مقاييس اللغة" (قرد) ٥/ ٨٣، ٨٤، "الصحاح" (قرد) ٢/ ٥٢٣، "اللسان" (قرد) ٦/ ٣٥٧٦.
(٣) (الواو) ساقطة من (ج).
(٤) في (ج): (الخسأ).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٩، "تهذيب اللغة" (خسأ) ١/ ١٠٢٨، "جمهرة أمثال العرب" ٣/ ٢٣٧، "الصحاح" (خسأ) ١/ ٤٧.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) في (ج): قال الفراء والكسائي: (خَسَأتُه مخسأ خسأ فخسا خسوءا).
(٨) انظر: "الزاهر" ٢/ ٤٨، و"الوسيط" ١/ ١٢٥، "تفسير القرطبي" ١/ ٤٤٣.
(٩) لم أعثر على هذا البيت فيما اطلعت عليه، والله أعلم.
لاَ تَجْعَلَنْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْزِلِي | يَا رَبِّ (٢) مَنْزِلَ خَاسِئً مَدْحُورِ (٣) |
٦٦ - قوله تعالى: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا﴾ الآية، اختلفوا في الكناية، فقيل: إنها راجعة إلى القردة (٥).
وقال الفراء: الكناية تعود إلى المسخة (٦)، لأن معنى: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ مسخناهم قردة، فوقعت الكناية عن الكلام المتقدم (٧).
(٢) في (ج): (يارب منزلى).
(٣) لم أجد هذا البيت فيما اطلعت عليه من شعر عمران بن حطان ضمن "ديوان الخوارج" جمع نايف محمود معروف، ولا في "شعر الخوارج" لـ (إحسان عباس).
(٤) أي لو كان (خاسئين) صفة لقردة لقال: (خاسئة)، انظر "الوسيط" ١/ ١٢٥، وللعلماء في إعرابه وجوه: الأول: أنه خبر ثانٍ لـ (كان)، أو حال من (الواو) في كونوا، أو نعت لقردة، وهذا الوجه رده المؤلف. انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٤، و"المشكل" لمكي ١/ ٥٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٣٦، و"البيان" ١/ ٩٠، و"الإملاء" ١/ ٤١، "الدر المصون" ١/ ٤١٤.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٧٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨١ أ، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٧٥.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٣.
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٣٣، "زاد المسير" ١/ ٩٥.
وقال الزجاج: وجعلنا هذه الفعلة عبرة (٦).
والنَّكَال (٧) اسم لما جعلته نكالًا لغيره إذا رآه خاف أن يعمل عمله (٨).
وأصل هذا من قولهم: نكل عن الأمر ينكُل نُكولًا، إذا جبن عنه، يقال: نَكَّلْت بفلان، إذا عاقبته في شيء أتاه عقوبةً تُنَكِّل غيره عن ارتكاب مثله، أي: تمنع وتردد. والنِّكْل: القيد، لأنه يمنع الجري، والنِّكْلُ: حديد اللجام (٩).
(٢) أخرجه الطبري عن الضحاك عن ابن عباس. الطبري ١/ ٣٣٣، وانظر: "الماوردي" ١/ ٣٥٧، "زاد المسير" ١/ ٩٥.
(٣) (الأمة) ساقط من (ب).
(٤) في (ب): (الذين اعتدوا).
(٥) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٢١، و"تفسير الطبري" ١/ ٣٣٣، وأورد أقوالا أخرى منها: أنها تعود على قرية القوم الذين مسخوا، أو تعود على الحيتان، وهي وإن لم يجر لها ذكر ففي الخبر دلالة عليها، "تفسير الطبري" ٢/ ١٧٦، وانظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٨١ ب، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٥٧، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٤٤.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ١٢١، والنص من "تهذيب اللغة" (نكل) ١٠/ ٢٤٧.
(٧) في (ب): (النكل).
(٨) ذكره الأزهري عن الليث. "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٦٥، وانظر: "اللسان" (نكل) ٨/ ٤٥٤٤.
(٩) ذكره الأزهري عن شمر. "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٦٥، وانظر: "اللسان" ٨/ ٤٥٤٤.
وقال الفراء: جعلت نكالا لما مضى من الذنوب، ولما (٢) يعمل بعدها، ليخافوا (٣) أن يعملوا بما عمل الذين مسخوا فيمسخوا (٤). فعلى هذا القول (ما) عبارة عن الذنوب، والهاء في (يديها) يعود (٥) على الفرقة الممسوخة وكذلك الهاء في ﴿خَلْفَهَا﴾ (٦).
وقيل: هذا على (٧) التقديم والتأخير، تقديره: فجعلناها وما خلفها مما أعد لهم من العذاب في الآخرة عقوبةً ونكالًا لما بين يديها، أي: لما (٨) تقدم من ذنوبهم في اعتدائهم يوم السبت (٩).
(٢) في (ج): (يعملوا).
(٣) في (ب): (ليخافون).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٣، وهو قول للزجاج. انظر: "المعاني" ١/ ١٢١، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٣٣ - ٣٣٤.
(٥) في (ج): (تعود).
(٦) رجح الطبري في "تفسيره" أنها تعود على (العقوبة) ١/ ٣٣٥، وذكر مكي: ثلاثة أقوال وهي، أنها تعود على القردة، أو المسخة، أو العقوبة. "المشكل" ١/ ٥٢، وانظر: "البيان" ١/ ٩١.
(٧) (على) ساقط من (ب).
(٨) في (ب): (أي التقديم).
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٨١ ب، وانظر: "تفسير البغوي" ١/ ٨١.
وزارة التعليم العالي
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
عماد البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)
سورة البقرة من آية (٦٧) -آية (١٩٥)
تحقيق
د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبي |
وزارة التعليم العالي
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية
عماد البحث العلمي
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)
سورة البقرة من آية (٦٧) -آية (١٩٥)
تحقيق
د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبي |
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)./ علي بن أحمد الواحدي، محمد بن صالح بن
عبد الله الفوزان، الرياض١٤٣٠هـ.
٢٥مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسة
ديوي ٣. ٢٢٧... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠هـ
ردمك ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)
[٣]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَمَا أَدْرِي وَسَوْفَ إخَالُ (٣) أدْرِي | أَقَوْمٌ آل حِصْنٍ أَمْ نِسَاءُ (٤) |
وقال أبو العباس: القوم والنفر والرهط معناه الجمع، ولا واحد لها من لفظها، وهم الرجال دون النساء (٦). والمراد بالقوم هاهنا شيعة موسى وأتباعه. وقد يذكر القوم فيدخل فيه النساء كقوله: ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ [نوح: ١] وكان مرسلاً إلى الإناث والذكور جميعاً، وجاز ذلك لأن
(٢) هو: زهير بن أبي سلمة بن رباح، شاعر جاهلي، نت نزينة من الطبقة الأولى من فحول "الشعراء الجاهليين"، كان له من الشعر ما لم يكن لغيره، توفي سنة ١٣ قبل الهجرة. ينظر: "الشعر والشعراء" ١/ ٦٩، "الأعلام" ٣/ ٥٢.
(٣) في (أ)، (ج): (أخاك)
(٤) البيت من قصيدة قالها زهير في هجاء بيت من كلب من بني عليم. ورد في "تهذيب اللغة" (قام) ٣/ ٢٨٦٣، و"مجمل اللغة" (قوم) ٢/ ٧٣٨، "المقاييس" (قوم) ٥/ ٤٣، و"المعاني الكبير" ١/ ٥٩٣، و"المخصص" ٣/ ١١٩، و"مغني اللبيب" ١/ ٤١، ١٣٩، ٢/ ٣٩٣، ٣٩٨، و"الهمع" ٢/ ٢٣٠، ٤/ ٥٤، ٣٧٦، و"معاهد التنصيص" ٣/ ١٦٥، و"اللسان" (قوم) ٦/ ٣٧٨٦، و"فتح القدير" ١/ ١٣٥.
(٥) انتهى كلام الليث. "تهذيب اللغة" (قام) ٣/ ٢٨٦٣، وانظر: "الزاهر" ٢/ ١٦٩، "اللسان" (قوم) ٦/ ٣٧٨٦.
(٦) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" عن المنذري عن أبي العباس (قام) ٣/ ٢٨٦٣، وانظر: "اللسان" (قوم) ٦/ ٣٧٨٦.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ البقرة واحدة (٣) البقر. الأصمعي: يقال: رأيت لبني فلان بَقَرًا وبَقِيرًا وبَاقُورَةً وبَاقِرًا (٤) وبَوَاقِرَ، كله جمع البقر، وأنشد (٥):
بَوَاقِرُ جُلْحٌ أسْكَنَتْها الْمَرَاتِعُ (٦)
وقال آخر (٧):
خَلَقًا كَحَوْضِ الْبَاقِرِ الْمُتَهَدِّمِ (٨)
ويقال لجماعة البقرة: بيْقُور (٩) أيضاً، وقال أمية (١٠):
(٢) ذكره ابن الأنباري في "الزاهر" ٢/ ١٧٠.
(٣) في (ب): (واحد).
(٤) في (ج): (باقر).
(٥) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" (قال: قال أبو نصر: قال الأصمعي... ثم ذكره، وفيه: وأنشدني ابن أبي طرفة. (بقر) ١/ ٣٧٠، وانظر: "جمهرة أمثال العرب" ١/ ٢٧، "الصحاح" (بقر) ٢/ ٥٩٤، "مقاييس اللغة" (بقر) ١/ ٢٧٨.
(٦) في (ب): (المرابع). والبيت لقيس بن العَيْزَارَة وشطره الأول:
فَسَكَّنْتُهُمْ بِالْقَوْلِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ
و (الجُلْح): البقر لا قرون لها، (أسكنتها المراتع): طابت أنفسها بالمرعى فسكنت. ورد البيت في "شرح أشعار الهذليين" ٢/ ٥٩٠، "تهذيب اللغة" (بقر) ١/ ٣٧٠، "مقاييس اللغة" ١/ ٢٧٨، "اللسان" (بقر) ١/ ٤٢٣، و (جلح) ٢/ ٦٥١.
(٧) هو الحارث بن خالد المخزومي كما في "جمهرة أمثال العرب" ١/ ٢٧٠.
(٨) البيت بتمامه:
مَالِي رَأَيْتُكَ بَعْدَ أَهْلِكَ مُوحِشًا | قَفْرًا كَحَوْضِ البَاقِر المُتهَدمِ |
(٩) "تهذيب اللغة" (بقر) ١/ ٣٧٠، وانظر: "جمهرة أمثال العرب" ١/ ٢٧٠.
(١٠) هو: أمية بن أبي الصلت.
وقيل: إن أصل الحرف من الْبَقْر الذي هو الشقّ، يقال: بقر بطنه إذا شقّه وفتحه، وكان يقال لمحمد بن علي بن الحسين (٢) رضي الله عنهما "الباقر"، لأنه بقر العلم وعرف أصله، أي شقه وفتحه (٣).
والْبَقِيرُ: ثوب يشق فتلقيه المرأة في عنقها من غير كُمَّيْن ولا جيب (٤). والبقر جنس شأنها أن تشق الأرض في الْكِرَاب (٥).
سَلْعٌ مَّا وَمِثْلُهُ عُشَرٌ مَّا | عَائِلٌ مَّا وَعَالَتِ الْبَيْقَورَا |
(٢) في (ب) (الحسين الباقر). وهو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو جعفر، الباقر خامس الأئمة الاثني عشر عند الشيعة الإمامية، كان ناسكًا عابدًا، توفي سنة أربع عشرة ومائة، وقيل: ثماني عشرة. انظر: "حلية الأولياء" ٣/ ١٨٠، "تهذيب التهذيب" ٥/ ٣٠٩٠.
(٣) "تهذيب اللغة" (بقر) ١/ ٣٦٩، "الصحاح" (بقر) ٢/ ٥٩٥. وذكر ابن فارس أن (الباء، والقاف، والراء: أصلان: الأول: البقر، والثاني: التوسع في الشيء وفتح الشيء، قال: وزعموا أنه أصل واحد وسميت البقر لأنها تبقر الأرض، قال: وليس ذلك بشيء. انظر: "مقاييس اللغة" ١/ ٢٧٧ - ٢٨٠.
(٤) ذكره في "تهذيب اللغة" عن أبي عبيد عن الأصمعي ١/ ٣٦٩.
(٥) (الكراب): بياض في: (ب). و (الْكِراَبُ): هو حرث الأرض وقلبها. انظر: "اللسان" (كرب) ٧/ ٣٨٤٧.
........ سُوُكَ الإِسْحِلِ (٦)
وقوله:
(٢) في (ب): (وكذلك).
(٣) في "الحجة" لأبي علي: (قال أبو الحسن: زعم عيسى أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم.... الخ) نقل عن أبي علي بتصرف. "الحجة" ٢/ ١٠٥.
(٤) في (أ)، (ج): (الحلم)، وأثبت ما في (ب) لأنه يوافق ما في "الحجة" ١/ ١٠٥.
(٥) عند تثقيلها يقال: (العُسُر)، (اليُسُر)، و (الحُكُم)، و (الرُّحُم). وهذا آخر ما حكاه أبو علي عن أبي الحسن عن عيسى. انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٨، و"الحجة" ١/ ١٠٥، وانظر: "الكشف" لمكي١/ ٤٤٨، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص ١٠١.
(٦) البيت لعبد الرحمن بن حسان، وتمامه:
أغَرُّ الثَّنايا أحمُّ اللِّثا | ت تَمْنَحهُ سُوُكُ الإسْحِلِ |
وأما فُعْل في جمع أفعل نحو أحْمر وحُمْر، وكأنهم ألزموه الإسكان للفصل بين الجمعين، وقد جاء فيه التحريك في الشعر (٢).
ومعنى قوله: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ قال أبو زيد: هَزِئتُ به (٣) هُزْءًا وَمهْزَأةً، وهذا لا يخلو من أحد أمرين (٤)، أحدهما: أن يكون المضاف محذوفا؛ لأن الهُزْءَ حَدَثٌ، والمفعول الثاني من هذا الفعل يكون الأول كقوله: ﴿لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ [الممتحنة: ١] ويكون التقدير: أتتخذنا أصحاب هزء. أو يكون جعل الهُزْءَ المهزوءَ به مثل الخلْق (٥) والصيد. وقوله (٦): ﴿لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا﴾ [المائدة: ٥٧] لا يحتاج فيه إلى تقدير
عن مُبْرِقَاتٍ بالبُريْنِ تبدو
(المبرقات): النساء المتزينات، و (البُرين): جمع برة وهو الحلي، و (سُوُر) جمع سوار. والبيت من "شواهد" سيبويه ٤/ ٣٥٩، و"شرح شواهده" للسيرافي ٢/ ٤٢٥، "المخصص" ٤/ ٤٦، و"المنصف" ١/ ٣٣٨، و"الحجة" ٢/ ١٠٥، و"شرح الكافية" لابن مالك ٤/ ١٨٣٧، "شرح المفصل" ٥/ ٤٤، ١٠/ ٨٤، ٩١، و"الهمع" ٦/ ٩٤، "اللسان" (لمع) ٧/ ٤٠٧٤.
(٢) "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٠٦، وانظر "الكشف" لمكي ١/ ٤٤٨.
(٣) (به): ساقط من: (ب)، وليس في "الحجة"، وفي الحاشية: (في ط: هزئت به) "الحجة" ٢/ ١٠٤.
(٤) في "الحجة" بعد أن ذكر كلام أبي زيد: قال أبو علي قوله تعالى: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ فلا يخلو من أحد أمرين..) ٢/ ١٠٤.
(٥) قوله: مثل الخلْق والصيد، أي في نحو قوله تعالى: ﴿مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ وقوله: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ﴾ ونحو ذلك. انظر: "الحجة" ٢/ ١٠٤.
(٦) في (ب): (وقال).
وقول موسى: ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ في جواب: ﴿أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا﴾ يدل على أن الهازئ جاهل (٢)، ومعنى ﴿أَعُوذُ بِاللَّهِ﴾ أي: أمتنع به وألجأ إليه، ومصدره العَوْذ والعِياذ (٣). وتقول العرب: أطيب اللحم عُوَّذه، أي الذي عاذ بالعظم، وناقة عائذ: يعوذ بها ولدها، وجعلت عائذًا وهي معوذ بها، وجمعها عُوذ، وهي الحديثات النتاج، وذلك أن الولد يعوذ بها إذا (٤) كان حديثا، فإذا شبّ الولد لم يعذ بالأم، فلهذا يفسر العُوذ بالحديثات النتاج (٥) والأصل ما ذكرنا، ومنه قول لبيد:
فالِعينُ سَاكِنَةٌ على أَطْلائِهَا (٦) | عُوذًا تأَجَّلُ بِالغَضَاءِ بِهَامُهَا (٧) |
(٢) انتهى من "الحجة" ٢/ ١٠٤، ١٠٥.
(٣) انظر: "مقاييس اللغة" (عوذ) ٤/ ١٨٤، "اللسان" (عوذ) ٥/ ٣١٦٢.
(٤) في (أ)، (ج): (إذ)، وأثبت ما في: (ب)، لأنه أنسب للسياق.
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (عاذ) ٣/ ٢٢٧٣، "الصحاح" (عوذ) ٢/ ٥٦٧، "اللسان" (عوذ) ٥/ ٣٧٦٣.
(٦) في (ب): (أطلابها).
(٧) قوله: (العين): البقر، لكبر عيونها، و (أطلائها): أولادها، والمفرد: طلا و (عوذا): حديثات النتاج، و (تَأجَّل): تسير أو تتجمع إجْلاً إجْلاً، أي قطيعا. و (البِهَام): أولاد الضأن، واستعاره لبقر الوحش. "شرح ديوان لبيد" ص ٢٩٩، "مقاييس اللغة" (عوذ) ٤/ ١٨٤، "شرح القصائد المشهورات" للنحاس ص ١٣٣، "اللسان" (أجل) ١/ ٣٣، و (بهم) ١/ ٣٧٦.
وكان حقه (٤) أن يقول: (فقال أعوذ بالله) لأنه عطف على ما قبله، قال الفراء: وهذا في القرآن كثير بغير الفاء، وذلك أنه جواب يستغني أوله عن آخره بالوقفة عليه، فكأنّ (٥) حسن السكوت (٦) يجوز به طرح الفاء. وأنت تراه في رؤوس (٧) الآيات لأنها فصول حسناً (٨)، في ذلك (٩) قوله: ﴿قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا﴾ (١٠) [الحجر: ٥٧، ٥٨، والذاريات:
(٢) (مبخلة): ساقط م: ن (ب).
(٣) أخرجه ابن ماجه بسنده (عن يعلى العامري أنه قال: جاء الحسن والحسين يسعيان إلى النبي - ﷺ - فضمهما إليه، وقال: "إن الولد مبخلة مجبنة". قال في "الزوائد": إسناده صحيح، رجاله ثقات. "سنن ابن ماجه" كتاب الأدب، باب: بر الوالد والاحسان إلى البنات. وبهذا اللفظ ذكره السيوطي فىِ "جمع الجوامع" وعزاه لابن ماجه وابن أبي شيبة والطبراني في "الكبير"، "جمع الجوامع" في ١/ ل/٢١٦. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد"، ولفظه: "أن الولد مبخلة مجهلة مجبنة" قال: رواه البزار ورجله ثقات. "مجمع الزوائد"، كتاب: البر والصلة باب ما جاء في الأولاد ٨/ ١٥٥.
(٤) قوله: (وكان حقه أن يقول..) هذه العبارة لا تليق بمكانة كتاب الله الذي هو في قمة الفصاحة والبلاغة، مع أن عموم القاعدة التي ذكر منقوض بكلام الفراء الذي أورده.
(٥) في (ب): (وكان) وفي "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٣: (فكأن) وهو أولى.
(٦) في (أ): (السكون) والصحيح بالتاء كما في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٤.
(٧) في (ب): (فصول).
(٨) كذا في جميع النسخ، وكذا في "معاني القرآن" للفراء وفي حاشيته: في ش، ج (حسنة) ١/ ٤٤.
(٩) (من ذلك): ساقط من: (ب).
(١٠) قوله: (قالوا إنا أرسلنا) ساقط من: (ج).
لَمَا رأَيْتُ نَبَطَا أَنْصَارا | شَمَّرتُ عَنْ رُكْبَتِيَ الإِزَارَا |
[لم يقل: فكنت، ولا وكنت] (٦).
٦٨ - وقوله تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ﴾ الآية إنما سألوا ما هي، لأنهم لم (٧) يعلموا أنّ بقرةً يحيا بضرب بعضها ميّتٌ، قاله (٨) الزجاج (٩).
(٢) زيادة لازمة من "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٤.
(٣) قوله: (حتى يقولوا قلت) ساقط من (ب).
(٤) قوله: (أو قلت وقال) ليست في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٤.
(٥) سبق هذا الرجز. انظر تخريجه عند تفسير قوله تعالى: ﴿قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا﴾. وبه ينتهي ما نقله من كلام الفراء. انظر: "المعاني" ١/ ٤٣، ٤٤، "تفسير الطبري" ١/ ٣٣٧.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من: (ب).
(٧) في (ب): (ما علموا).
(٨) في (ب)، (ج): (قال).
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٢. والحقيقة أن هذا السؤال تعنت منهم لسوء أخلاقهم مع نبي الله وجفائهم. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٤٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٢ أ، "تفسير ابن كثير" ١/ ١١٧.
وموضع (ما) رفع بالابتداء، لأنه بمعنى الاستفهام، معناه: أي شيء هي؟ والاستفهام لا يعمل فيه ما قبله (٤)، وبيان هذه المسألة يذكر (٥) عند قوله: ﴿مَا لَوْنُهَا﴾ [البقرة: ٦٩].
وقوله تعالى: ﴿لَا فَارِضٌ﴾ قال الفراء: الفارض: الهرمة، يقال من الفارض: فرَضَت وفرُضَت، ولم يسمع بِفَرَضَ (٦)، ونحو ذلك قال قتادة (٧).
وقال الكسائي: الفارض: الكبيرة العظيمة، قد فرَضت تفرُض فُروضًا.
ثعلب عن ابن الأعرابي: الفارض: الكبيرة.
(٢) انظر: "مقاييس اللغة" (بين) ١/ ٣٢٧، "الصحاح" (بين) ٥/ ٢٠٨٢.
(٣) في (ب): (مستقص).
(٤) انظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١٨٥، و"إعراب المشكل" ١/ ٥٢، و"الإملاء" ص ٤٢، "البحر المحيط" ١/ ٢٥١.
(٥) (يذكر): ساقط من: (ب).
(٦) في (ج): (تفرض)، وفي (أ) غير معجمة، والكلام بهذا النص في "تهذيب اللغة" (فرض) ٣/ ٢٧٧٢، وفي "معاني القرآن" للفراء: (والفارض: قد فرضت، وبعضهم: قد فرضت، وأما البكر فلم نسمع فيها بفعل) ١/ ٤٥.
(٧) وكذلك قال ابن عباس وأبو العالية والسدي، انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٤١، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٤١٢.
أبو زيد: بقرة فارض: عظيمة سمينة، والجميع فوارض (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا بِكْرٌ﴾ قال الليث: البكر من النساء: التي لم تمس، والبكر من الرجال: الذي لم يقرب النساء بعد، والبكر: أول ولد الرجل غلاما كان أو جارية، وبقرة بكر: فتية لم تحمل، والبكر من كل أمر: أوله (٣)، وأصل هذا الباب أول الأمر، فالبكارة أول حال النساء، وهي بكر في أول حالها، والباكورة أول ما يدرك من الثمار، والبُكرة أول النهار (٤).
قال الزجاج في قوله: ﴿لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ﴾: أي: ليست بكبيرة ولا صغيرة، قال: وارتفع (فارض) بإضمار هي (٥).
وقال الأخفش: ارتفع على الصفة للبقرة، والوصف بالنفي صحيح، لأنه يرجع في التحقيق إلى أنه يختص بما ينافي ذلك الوصف، تقول: مررت برجل لا قائم ولا قاعد، أي: برجل (٦) مختص بصفة تنافي القيام والقعود (٧).
(٢) ذكره في "اللسان" (فرض) ٦/ ٣٣٨٧.
(٣) "تهذيب اللغة" (بكر) ١/ ٣٧٥ - ٣٧٧.
(٤) انظر: "مقاييس اللغة" (بكر) ١/ ٢٨٧، "تهذيب اللغة" (بكر) ١/ ٣٧٥ - ٣٧٧، "اللسان" (بكر) ١/ ٣٣٣.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ١٢٢.
(٦) في (ب): (رجل).
(٧) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٧٩. ذكر قوله بمعناه.
وقال أبو الهيثم: العوان: النَّصَف التي بين الفارض -وهي المسنة- وبين البكر وهى: الصغيرة (٢).
أبو زيد: بقرة عوان: بين المسنة والشابة (٣)، وقد عانت تعون عُووناً إذا صارت عواناً (٤).
وقال الأخفش: العوان التي نتجت مرارا، وجمعها عُون (٥). قال ابن (٦) مقبل:
ومَأتَمٍ كالدُّمَى حُورٍ مَدَامِعُها | لَمْ تشقَ بالعَيْشِ أَبْكَارًا وَلَا عُونًا (٧) |
(٢) "تهذيب اللغة" (عان) ٣/ ٢٢٩٢، وانظر: "اللسان" (عون) ٥/ ٣١٧٩.
(٣) في (ب): (الشاب).
(٤) المرجع السابق.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٨٣ ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٨٣، ولم أجده في "معاني القرآن" للأخفش.
(٦) (ابن) ساقط من: (ج).
(٧) (المأتم): جماعة النساء، و (الدمى): الصورة أو التمثال، شبه النساء بجمالهن بالدمى، لم يشقين بالعيش وهن أبكار، أو عون عند أزواجهن، ويروى البيت (لم تيأس) بدل (لم تشق)، ورد البيت في "تفسير الطبري"، "الزاهر" ١/ ٢٦٣، و"جمهرة أشعار العرب" ص ٨٥٩، "تهذيب اللغة" (أتم) ١/ ١١٤، "اللسان" (أتم) ١/ ٢٠.
قال (٣): ويقال في الجمع: عُون، فرس عَوان، وخيل عُون، على فُعْل، والأصل عُوُن فكرهوا إلقاء ضمة على الواو فسكنوها، وكذلك يقال: رجل جواد وقوم جُود، قال زهير:
نَحُلُّ (٤) سُهُولَها فإذا فَزِعْنا | جَرَى مِنْهُنّ بالآصال عُونُ (٥) |
قال (٦): وامرأة عوان: ثيب. وحرب عوان: كان قبلها حرب، كأنه قوتل فيها مرتين.
قال ابن عباس: عوان: بين (٧) الصغيرة والكبيرة، وهي أقوى ما
(٢) كلام ابن الأعرابي أورده الأزهري عن ثعلب عن ابن الأعرابي، "تهذيب اللغة" (عان) ٣/ ٢٢٩٢، وانظر: "اللسان" (عون) ٥/ ٣١٧٩.
(٣) نسب الواحدي الكلام لابن الأعرابي، وهو في "تهذيب اللغة" منسوب لأبي الهيثم حيث قال: (وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال: العوان النصف.. ثم قال: قال: ويقال: فرس عوان.. إلخ)، "تهذيب اللغة" (عان) ٣/ ٢٢٩٢.
(٤) في (أ) (ج): (يحل)، وفي (ب) غير منقوط، وبالنون ورد في جميع المصادر.
(٥) قوله: (جرى منهن): أي من خيلهم، وقد روي شطره الأخير:
جَرتْ بهم إلى المِضمارِ عُون
ورد البيت في "تهذيب اللغة" (عان) ٣/ ٢٢٩٢، "المخصص" ٨/ ٥١، "اللسان" (عون) ٥/ ٣١٧٩، و"ديوان زهير" ص ١٠٢.
(٦) أي ابن الأعرابي. انظر: "تهذيب اللغة" (عان) ٣/ ٢٢٩٢.
(٧) في (ج): (من).
وقال مجاهد: عوان: وسط قد ولدت بطنا أو بطنين (٣).
وفائدة قوله: (عوان)، بعد ما نفي أن تكون (٤) بكراً وأن تكون (٥) فارضاً، هو أنه احتمل أن تكون عجلاً أو جنيناً، فقال: عوان، لإزالة اللبس ونفي الاحتمال.
وقوله تعالى: ﴿بَيْنَ ذَلِكَ﴾ و (بين) لا تصلح (٦) إلا لشيئين (٧) أو لأكثر، وإنما صلحت من ذلك وحده؛ لأنه في مذهب الاثنين (٨)، والاثنان (٩) قد يجتمعان بـ ذلك وذاك ألا ترى أنك تقول: أظن زيدا أخاك، وكان زيد أخاك، ولا بد لـ (كان وأظن) (١٠) من شيئين، ثم تقول: قد كان ذاك وذلك، وأظن ذلك وذاك (١١)، فيكون جائزا.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" عن الضحاك عن ابن عباس ٢/ ١٩٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٤١٣، وانظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ١١٨، "الدر المنثور" ١/ ١٥١.
(٣) أخرجه الطبري ٢/ ١٩٥، وابن أبي حاتم ١/ ٤١٤.
(٤) في (أ): (يكون) في المواضع الثلاثة وأثبت ما في (ب)، (ج) لمناسبته للسياق.
(٥) في (ج): (أو تكون).
(٦) في (أ)، (ج): (يصلح) وما في (ب) موافق لـ"معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٥، والكلام منقول منه.
(٧) في "معاني القرآن"، (لا تصلح إلا مع اسمين فما زاد).
(٨) في (ب): (الاثنتين).
(٩) في "معاني القرآن" (والفعلان).
(١٠) في (ب): (ولأظن).
(١١) (ذاك): ساقط من: (ب).
ومما يجوز أن يقع عليه (بين) وهو واحد في اللفظ ويؤدي عن الاثنين (٤) فما زاد قوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٣٦]، ولا يجوز: لا نفرق بين رجل منهم، لأن أحدا لا يُثنى كما يثنى الرجل ويجمع، فإن شئت جعلت أحدا (٥) في تأويل اثنين، وإن شئت في تأويل أكثر من ذلك، قال الله تعالى: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧]، وتقول: بين أيهم المال، وبين من قسم المال، فتجرى (٦) (من وأي) على (٧) مجرى أحد لأنهما قد يكونان لواحد. وجميع (٨) هذا قول الفراء (٩)، ونحو هذا قال
(٢) انظر الحاشية السابقة.
(٣) انظر الحاشية السابقة.
(٤) في (ب): (اثنتين).
(٥) في (ب): (واحد).
(٦) في (ج): (في فتجري).
(٧) (على): ساقط من: (ب).
(٨) في (ب): (لواحد ولجمع).
(٩) انظر: "معاني القرآن" ١/ ٤٥، وقد نقل كلام الفراء بتصرف، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٤٤.
قال أبو علي (٤): اعلم (٥) أن بين اسم يستعمل على ضربين: مصدر وظرف، وهما عندي وجميع بابهما يرجع إلى أصل واحد، وهو الافتراق والانكشاف.
فأما الذي هو مصدر (٦) فقالوا: بان الخليطُ بيناً أي فارق، وقد بِنْتُه أي: فارقته، أنشد أبو زيد:
كَأَنَّ عَيْنَيَّ وَقَدْ بَانُونِي | غَرْبَانِ في جَدْوَلٍ مَنْجَنُونِ (٧) |
(٢) (لأن): ساقط من: (ج).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٣، وانظر ما سبق ص ١٠٣٧، ١٠٣٨.
(٤) ورد كلام أبي علي في كتاب "الإغفال فيما أغفله الزجاج في كتاب معاني القرآن" نقل عنه الواحدي طويلا بتصرف، وقد أثبت الفروق الهامة في أماكنها، "الإغفال" ص ٢١٤.
(٥) (اعلم): ساقط من: (ب).
(٦) في (ب): (المصدر).
(٧) قوله: (بانوني): فارقوني، (غربان): مثنى غرب، وهي: دلو عظيمة، (جدول): نهر صغير، (منجنون): الدولاب، وهو ما يستقى به الماء، فارسي معرب. ورد البيت في "نوادر أبي زيد" ص ٢٦٢، "الإغفال" ص٢١٤، "الخصائص" ٢/ ١٤٩، "المنصف" ٣/ ٢٤، "المخصص" ١٢/ ٣٨، "اللسان" (بين) ١/ ٤٠٤، و (منجنون) ١/ ٤٢٧٣.
وقال أبو زيد: البَيُون: البئر الواسعة الرأس الضيقة الأسفل، إذا قام
الساقي على شفتها لم ير الماء، وأنشد:
إِنَّكَ إِنْ دَعَوْتَنِي ودُوني | زَوْرَاءُ ذاتُ مَنْزَعٍ بَيُونِ |
وهذا أيضًا مما ذكرنا (٣)؛ لأن أعلى البئر فارق أسفلها لانهياره بورود
السابلة عليها (٤) والمستقين (٥) منها.
ولهذا المعنى الذي ذكرنا في أصل هذه الكلمة أضيف (بين) إلى ما دل على أكثر من الواحد في الأسماء، ولم يضف إلى الاسم المفرد الدال على الواحد، لأن ذلك ممتنع في معناه.
(٢) الرجز لم يعرف قائله، ومعنى: (زوراء): الأرض البعيدة الأطراف. (المنزع): الموضع الذي يصعد فيه الدلو إذا نزع من البئر، فذلك الهواء هو المنزع. يقول: لو ناديتني وبيني وبينك أرض بعيدة، ذات ماء بعيد المتناول، أجبت. فلا تردني عن إجابتك الصعاب، وردت الأبيات في "تهذيب اللغة" (بان) ١/ ٢٦٦، "المخصص" ١٠/ ٣٦، ١٦/ ١٤٧، "الإغفال" ص٢١٥، "الهمع" ٣/ ١١٣، "شرح ابن عقيل" ٣/ ٥٢، "أوضح المسالك" ١٤٤، "مغني اللبيب" ٢/ ٥٧٨، "الخزانة" ٢/ ٩٣، "اللسان" (لبب) ٧/ ٣٩٨٠، و (بين) ١٣/ ٦٤، ووقع اختلاف يسير في رواية بعض ألفاظها.
(٣) في "الإغفال": (ذكرناه).
(٤) (عليها): ساقط من (ب).
(٥) في (ج): (المستبين).
هذا أصل (بين) في اللغة، ثم لا يمتنع أن يتسع فيه كما اتسع في غيره، فيستعمل لغير هذا المعنى. مما اتسع فيه أنه استعمل بمعنى الوصل (٤)، وهو ضد الافتراق، وقد بينا أن أصله راجع إلى الافتراق، وإنما جاز استعماله بمعنى الوصل في قوله: ﴿لَقَد تَقَطَّع بَيْنُكُم﴾ [الأنعام: ٩٤] على قراءة من رفع (٥)، لأنه قد كثر استعمالها ظرفًا بين الشيئين ومع الشيئين اللذين بينهما ملابسة ومخالطة، فصار لذلك بمنزلة الوصلة والاقتراب بين الشيئين. وهذا الاتساع إنما هو في المستعمل ظرفا دون التي هي مصدر، لأنه في الاستعمال أكثر.
وهذا التوسع في الظروف كثير، والذي استعمل ظرفا أصله الذي هو مصدر؛ لأن المصادر قد استعملت ظروفاً في مواضع كثيرة، والأسماء التي تستعمل تارة ظروفاً وتارة أسماءً لا تمتنع أن تكون مشتقة مثل: خلف وأمام وقدام وأعلى وأسفل ووسط كلها مشتقة، وهي مع ذلك ظروف وقد استعملت أسماءً كما (٦) استعملت ظروفاً، وكذلك بين في نحو قوله: {وَمِن
(٢) (يسغ): مكانها بياض في (ب).
(٣) في "الإغفال": (ما يؤيد به..) ص ٢١٧.
(٤) "الإغفال" ص ٢١٧ - ٢١٩، نقل كلامه بتصرف.
(٥) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعامر وحمزة وعاصم في رواية أبي بكر بالرفع، وقرأ نافع والكسائي وعاصم في رواية حفص بالنصب. انظر: "السبعة" ص ٢٦٣، و"التيسير" ص ١٠٥.
(٦) في (ب): (كلما).
وأما ما لزم (٤) الظرفية وبعد عن التمكن كإذ ونحوه فيمتنع اشتقاقه (٥).
هذا هو الكلام في بين. فأما ما يقع بعده فهو على ضربين (٦): اسم وجملة. والاسم المفرد الذي بعده لا يخلو من أن يكون دالا على واحد أو أكثر من الواحد. فإن كان دالا على الواحد غير دال (٧) على أكثر منه عطف عليه اسم آخر، وكان العطف بالواو دون غيرها من الحروف العاطفة، [وذلك قولنا: المال بين زيد وعمرو. وإنما كان العطف بالواو لما فيما من معنى الاجتماع، ولأن ذلك حقيقتها وأصلها وليس ذلك موجودا في شيء غيرها من الحروف العاطفة (٨)]، وفي العطف على الاسم المفرد بعد (بين) يحتاج إلى ما يدل على معنى الاجتماع. لما قدمنا ذكره في معنى
(٢) قراءة نافع والكسائي وحفص عن عاصم كما سبق.
(٣) في (أ)، (ج): (لقد تقطع بينكم الاشتراك بينكم) زيادة بينكم وليست في "الإغفال" ص ٢١٨.
(٤) في (أ)، (ج): (وأما لزم)، وفي (ب): (وأما ما لزوم).
(٥) قال أبو علي: (فالقول: أن ما كان منها يستعمل تارة اسما، وتارة ظرفا، فلم يلزم الظرفية، فيبعد بذلك عن المتمكنة، كإذ ونحوه، ولا يمتنع أن تكون مشتقة كسائر الأسماء التي لا تكون ظروفا) "الإغفال" ص ٢١٨.
(٦) "الإغفال" ص ٢١٩.
(٧) في (ب): (وغير ذاك).
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
ألا ترى أنك لو جعلت موضع الواو الفاء لكان -لما فيها من معنى إتباعه الثاني الأول- لا يكون مجتمعا مع المعطوف عليه، وإذا لم يجتمع معه حصلت الإضافة إلى مفرد دال على واحد، وإضافتها إلى الواحد ممتنع. والذي يدل على أنه حيث تريد (١) الاجتماع لا يجوز العطف بغير الواو (٢) أنك لو قلت: مررت بزيد أخيك وصاحبك، وأنت تريد نعته بالأخوة والصحبة جميعًا (٣) كان العطف بالواو دون سائر أخواتها، إذ (٤) كان الغرض أنه مستحق لهما (٥) معًا. وكذلك الأفعال التي لا تقع إلا من فاعلين لا يكون العطف فيه لأحد الفاعلين على الآخر إلا بالواو دون غيرها، لأنك لو عطفت فيها بغير الواو، لصارت كأنها مسندة إلى فاعل واحد، وذلك فيها فاسد، وذلك نحو الاشتراك والاختصام (٦) والاقتتال وما أشبه هذا. وما امتنع من العطف بالفاء، فهو من (ثم) أشد امتناعًا إذ (٧) كان معناها من معنى الاجتماع أبعد، وإلى الافتراق أقرب لما يدل عليه من التراخي والمهلة (٨).
(٢) "الإغفال" ص ٢٢٠، نقل كلامه بتصرف.
(٣) في (ب): (حصل).
(٤) في (ب): (اذا).
(٥) في (ب): (لها جميعا).
(٦) في "الإغفال": (الاختصاص) ص ٢٢٠.
(٧) في (ب): (اذا).
(٨) "الإغفال" ص ٢٢١.
فأما قوله (٥): بيني وبينه مال، فمذهب سيبويه فيه أن (بين) الثاني متكرر للتأكيد، ومعناه عنده (٦): بيننا. قال: وهو مثل قولهم: أخزى الله الكاذب منِّي ومنك وإنما هو: منا (٧)، وكقول القائل (٨):
فأيِّي ما وأَيُّك كان شرًّا | فَقِيدَ إلى الْمقَامَةِ لاَ يَرَاهَا (٩) |
(٢) (بين): ساقط من (ب).
(٣) في (ج): (هو هذه).
(٤) سياق الآية: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ [النور: ٤٣].
(٥) في (ب): (قولهم).
(٦) في "الإغفال": فمذهب سيبويه فيه أن (بين) الثاني متكرر للتأكيد، كما يكرر
الشيء له، ومعناه عندنا: بيننا.. ص ٢٢٧.
(٧) انظر: "الكتاب" ١/ ٢٠٤.
(٨) هو العباس بن مرداس.
(٩) معنى البيت: يقول من كان منا شرًّا أعماه الله في الدنيا فلا يبصر مجلسه، وقيل: مات على عماه فيقاد إلى موضع إقامة الناس في العرصات، و (المُقامة): بفتح الميم وضمها: المجلس ومكان اجتماع الناس. انظر: "الكتاب" ٢/ ٤٠٢، "شرح أبيات سيبويه" للسيرافي ٢/ ٩٣، و"شرحها" للنحاس ص ١٥٥، "الإغفال" ص ٢٢٧، "تهذيب اللغة" (أى) ١/ ٢٤٢، "اللسان" (قوم) ٦/ ٣٧٨٧، و (أيا) ١/ ٢٤٢، "أمالي القالي" ٣/ ٦٠، "شرح المفصل" ٢/ ١٣١، "الخزانة" ٤/ ٣٦٧، "البحر المحيط" ٤/ ٢٢٦.
ألا ترى أن القبيلين يشتبهان في دلالة كل واحد منها على شيء بعينه. ألا ترى أن (الذي) لا يدل على زيد دون عمرو، و (ما) لا يدل على الفرس دون الحمار، وكذلك (من)، فكان (٢) قولنا (ذلك) وسائر المبهمة كذلك، فلما كان (الذي وما ومن) على ما وصفنا من الدلالة على الجموع والإفراد، وكانت تفرد والمراد في إفرادها الجمع في نحو قوله: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣)﴾ [الزمر: ٣٣] و ﴿كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا﴾ [البقرة: ١٧] و ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] ونحو ذلك مما يكثر تعداده، وكانت المبهمة مثلها في أنها لا تخص (٣) بالدلالة نوعاً ولا شخصاً بعينه، أجري مجراها في أن المراد فيما استعمل منه مفرداً قد يكون الجماعة (٤).
وهذا واسع مستحسن في جميع المبهمة، فمن المبهمة (كم) في قوله: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ﴾ [النجم: ٢٦]، وقال: {وَكَم
(٢) في (ب): (وكان).
(٣) في (ب)، (ج): (لا تختص)، وما في (أ) موافق و"الإغفال" ص ٢٢٩.
(٤) في "الإغفال": (لجماعة) ص ٢٢٩، وعبارته أوضح.
فهذه الأسماء (٢) حسن فيها هذا، لما لم يكن (٣) لواحد بعينه ولا لنوع وحده (٤)، فكذلك (٥) (ذلك) لما كان مبهماً جاز أن يراد به الواحد مرة، وأكثر من الواحد مرة، وعلى هذا الحد صار فاعلاً لحبَّ في قولهم: [حبذا. ألا ترى أنه موضع يقع فيه الاسم (٦)، كما أن فاعل نعم وبئس عام. وقيل:] (٧) حبذا هند، كما قيل: حبذا زيد (٨)، ويدلك على ما ذكرنا من قصدهم بـ (ذلك) الجمع وما زاد على الواحد، أن رؤبة لما قيل له في قوله:
فيه خُطُوطٌ من سَوَادٍ وبَلَقْ | كأَنَّه في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ (٩) |
(٢) في (ج): (اسماء).
(٣) في (ب): (يكون)، وفي "الإغفال" (تكن) ص ٢٣٠ وهو أولى.
(٤) في "الإغفال" (واحد) ص ٢٣٠.
(٥) في (ج): (وكذلك).
(٦) في "الإغفال": (الاسم العام).
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج)، وثابت في (ب)، و"الإغفال" ص ٢٣٠.
(٨) أي: أنه لم تُغير (حبذا) للتأنيث. انظر "الإغفال" ص ٢٣٠، ٢٣١.
(٩) يروى (فيها) بدل فيه، وقوله (بلق): سواد وبياض، و (التوليع) استطالة البلق ولمعانه، (البهق): بياض رقيق في البشرة. ورد الرجز في "ديوان رؤبة" ص ١٠٤ "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٢٧٧، "المخصص" ٥/ ٨٩، "تهذيب اللغة" (بهق) ١/ ٤٠٥، "مجمل اللغة" ١/ ١٣٨، "مقاييس اللغة" ١/ ٣١٠، "اللسان" ١/ ٣٧٤،=
قال: أردت كأن ذاك (٣). فعلم بهذا أنهم يقصدون بـ (ذلك) غير المفرد وأنه قصد هذا المعنى، وعليه حمل كلامه.
ويدل أيضًا على أنهم يقصدون بـ (ذلك) إلى (٤) أكثر من الواحد إضافتهم (كلا) إليه، وذلك في قول القائل:
وَكِلاَ ذَلِكَ وَجْهٌ وَقَبَلْ (٥)
ألا ترى أن (كلا) لا يضاف إلى المفرد، فبان أن المراد بـ (ذلك) الزيادة على الواحد. وكذلك (٦) قوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ إنما أضيف
(١) في (أ): (يقول)، وما في (ب)، (ج) موافق "للإغفال" ص ٢٣١.
(٢) انظر الحاشية السابقة.
(٣) في "مجاز القرآن": قال أبو عبيدة فقلت لرؤبة: إن كانت خطوط فقل كأنها، وان كان سواد وبلق فقل: كأنهما، فقال: كان ذاك ويلك توليع البهق. "المجاز" ١/ ٤٤.
(٤) (إلى): ساقط من (ج)، وفي (ب): (الأكثر).
(٥) من قصيدة لعبد الله بن الزِّبَعْرَى، قالها يوم أحد، يتشفى من المسلمين، فرد عليه حسان، والشطر الأول: إنَّ للخَيْرِ وللِشِّرِ مَدًى.
أورد ابن هشام القصيدة في "السيرة" ٣/ ٩٦، وهي في "شعره" ص ٤١، وورد البيت في "الإغفال" ص ٢٣٢، "شرح المفصل" ٣/ ٢، و"الهمع" ٤/ ٢٨٣، "البحر المحيط" ١/ ٢٥١، "شرح ابن عقيل" ٣/ ٦٢، "مغني اللبيب" ١/ ٢٠٣، "أوضح المسالك" ١٤٦، "الدر المصون" ١/ ٣٤٨، ٤٢٢.
(٦) في (ب): (فكذلك)، ومثله في "الإغفال" ص ٢٣٢.
ألا ترى أنه إشارة إلى ما تقدم من قوله مما دل على الفروض والبكارة.
فأما قول أبي إسحاق: (لأن ذلك ينوب عن الجمل (١)، يقول القائل: ظننت ذاك، والظن يقتضي مفعولين فقام ذلك أو ذاك مقامهما)، فهذا خطأ (٢)، ولا يجوز أن يقع ذاك وذلك (٣) موقع الجملة، ولا يجوز أن تكون (٤) نائبة عن الجملة، لأنه لوكان نائبا عنها للزم أن ينوب عنها في صلة (الذي) وأخواتها، وفي وصف النكرات (٥). ولو (٦) كان (ذلك) نائبًا عن الجمل لما جاز وقوعه في هذه الآية؛ لأن هذا الموضع ليس من مواضع الجمل، ولا من الأماكن التي يتجه فيها دخول الجمل.
(٢) قوله: (فهذا خطأ) لم يرد في كلام أبي علي، ونص كلامه: (فلا يخلو (ذلك) في ما ذكره من قولهم: ظننت ذاك أن يكون إشارة إلى المصدر، كما ذهب إليه سيبويه، أو يكون نائبا عن الجمل كما قاله أبو إسحاق، أو يكون إشارة إلى أحد المفعولين اللذين يقتضيهما (ظننت)، لا تحتمل القسمة غير ذلك..) ثم أخذ يفصل هذه الوجوه. انظر: "الإغفال" ص ٢٣٣.
(٣) في (ج): (ذلك وذاك).
(٤) في (أ)، (ج): (يكون)، وفي "الإغفال" (يكون نائبًا) ص ٢٣٣، وأثبت ما في (ب) لأنه أنسب للسياق.
(٥) "الإغفال" ص ٢٣٣.
(٦) "الإغفال" ص ٢٤١.
فأما قولهم: ظننت ذاك، فهو عند سيبويه إشارة إلى المصدر (٥) كأنك قلت: ظننت ذاك (٦) الظنَّ، وإذا كان إشارة إلى المصدر لم يحتج إلى مفعول ثان، كما أنّ (ضربت) وغيره من الأفعال المتعدية إذا عديته (٧) إلى المصدر لم يلزم أن تُعدِّيه إلى مفعول به، فبان أن (ذاك) من قولهم: (ظننت ذاك) لم يقع موقع الجملة (٨).
٦٩ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا﴾ اللون (٩) مرفوع، لأنك لم ترد أن تجعل (ما) صلة، فتقول: يبين لنا لونَها، وقد قرئ
(٢) في (ب): (عليها).
(٣) في (ب): (عنها).
(٤) قوله: (وليس) ساقط من (ب).
(٥) انظر: "الكتاب" ١/ ٤٠.
(٦) في (ب): (ذلك).
(٧) قوله: (إذا عديته) ساقط من (ب).
(٨) انتهى ما نقله المؤلف عن كتاب "الإغفال" لأبي علي الفارسي بعضه بنصه، وبعضه بتصرف. انظر: "الإغفال" ص ٢١٤ - ٢٤١، وقد أطال في النقل عن (بين). ومحل ذلك المطولات من كتب النحو، لا كتب التفسير والله أعلم.
(٩) في (ب): (ما لونها مرفوع).
(٢) في (ج): (ولكنه القائل يبين لنا أسوداء هي أما صفراء أراد: ادع..) وفيه تكرير جملة لا مكان لها هنا وستأتي بعد.
(٣) ما أحسن صنيع الفراء حينما قال: (ولكنه أراد -والله أعلم- ادع..) "معاني القرآن" ١/ ٤٦.
(٤) في (ج): (للوقوع).
(٥) عبارة الفراء: (لأن الأصل (أي) تفرق جمع من الاستفهام) يريد أن (أيا) نابت عن جمع من الاستفهام متفرق. انظر: "معاني القرآن" للفراء، وحاشيته ١/ ٤٦.
(٦) (القائل): مكرر في (ج).
(٧) في (ب): (سوداء) بسقوط الهمزة.
(٨) في (أ)، (ج): (فإنما يصلح للتبيين..)، وما في (ب) موافق لـ "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٦.
(٩) (يقع) زيادة من "معاني القرآن" ١/ ٤٦، وهي لازمة لتمام الكلام.
(٢) من (ب): (ضربت)، ومثله في "معاني القرآن" ١/ ٤٦، وفي غير (ب): (ضرب).
(٣) في "معاني القرآن" (ما الثانية) ١/ ٤٦.
(٤) في (ب): (رفعت).
(٥) في "معاني القرآن" للفراء: (وتقول إذا كان الفعل واقعا على (أي): ما أدري أيَّهم ضربت، وإنما امتنعت من أن توقع على (أي) الفعل الذي قبلها من العلم وأشباهه، لأنك تجد الفعل... إلخ) ١/ ٤٦، ٤٧.
(٦) في "المعاني": (سل).
(٧) في (ب): (أردت).
(٨) في (ج): (فهاهنا).
(٩) في (أ)، (ج): (يكون).
وأما الرفع (٣)، فأن تجعل مكتفيًا بـ (من) في الوقوع عليها كما تقول: قد قتلنا من كل قوم، وأصبنا من كل طعام، ثم تستأنف أيّاً فترفعها بالذي بعدها، كقوله تعالى: ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾ [الإسراء: ٥٧] وكذلك: ﴿يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ﴾ (٤) [آل عمران: ٤٤].
و (٥) قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا﴾ (٦) ما بعد القول من باب (٧) إنَّ مكسور أبدا، كأنك لم تذكر القول في صدر كلامك، وإنما وقع (قلت) في كلام العرب على أن يحكى به ما كان كلاماً يقوم بنفسه قبل دخوله، فيؤدي
(٢) بالنصب قرأ طلحة بن مصرف، ومعاذ بن مسلم الهراء، وزائدة عن الأعمش، انظر "البحر المحيط" ٦/ ٢٠٩.
(٣) ذكر الفراء وجهين للرفع حيث قال: (وفيها وجهان من الرفع: أحدهما: أن تجعل الفعل مكتفيا بـ (من).. الخ) وذكر الوجه الثاني فقال: (فإن في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ﴾ لننزعن من الذين تشايعوا على هذا، ينظرون بالتشايع أيهم أشد وأخبث، وأيهم أشد على الرحمن عتيا..) ١/ ٤٨.
(٤) بهذا انتهى ما نقله المؤلف من الفراء بنصه في الغالب، وبتصرف في بعضه، انظر: "معاني القرآن" ١/ ٤٦ - ٤٨.
(٥) (الواو): ساقط من (ب).
(٦) (قال): ساقط من (ب).
(٧) (باب): ساقط من (ج).
وقوله تعالى: ﴿فَاقِعٌ﴾ هو مبالغة في نعت الأصفر يقال: فَقَعَ فُقُوعًا وهو يَفْقَعُ ويَفْقُعُ. وربما استعمل الفقوع في معنى الحمرة (٣)، قال البُرجُ بن مُسْهِر:
كُمَيْتاً (٤) مِثْلَ ما فَقَعَ الأَديم (٥)
أي: اشتدت حمرته، وفاقع يرجع إلى اللون، وهو خبر واسمه اللون، فهو خبر مقدم على الاسم (٦).
(٢) في "المعاني": (باب (قلت) اجمع كباب (ظننت)) ١/ ١٢٣.
(٣) أكثر المفسرين على أن ﴿فَاقِعٌ﴾ في هذه الآية صفة للأصفر. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦، "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٥٣، ٥٤، "معاني القرآن" للأخفش١/ ٢٧٩، "معاني القرآن" للزجاج١/ ١٢٤، "الكشاف" ١/ ٢٨٧، وانظر: مادة (فقع) في "الصحاح" ٣/ ٢٥٩، "اللسان" ٦/ ٣٤٤٨.
(٤) كذا في جميع النسخ، وفي "اللسان" (كميت)، وكذا في "التاج".
(٥) ورد البيت في اللسان، وصدره:
تَراها في الإناء لها حُمَيَّا
"اللسان" (فقع) ٦/ ٣٤٤٨، و"التاج" (فقع) ١١/ ٣٤٩.
(٦) في إعراب (فاقع) وجوه: الأول: (فاقع) خبر مقدم، و (لونها) مبتدأ مؤخر، =
٧٠ - قوله تعالى: ﴿قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِىَ﴾ أي (٢): أسائمة أم عاملة (٣)؟ ﴿إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا﴾ ذكَّر الفعل لتذكير (٤) اللفظ كقوله: ﴿نَخْلٍ مُّنقَعِرٍ﴾ [القمر: ٢٠] وكلُّ جمعٍ حروفُه أقلُّ من حروف واحده جاز تذكيره مثل: بقر ونخل وسحاب، فمن ذكَّر ذهب إلى لفظ الجمع، ولفظ الجمع مذكر، ومَن أنَّثَ ذهب إلى لفظ الجماعة (٥)، قال الله تعالى: ﴿يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ [النور: ٤٣] وقال: ﴿وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ﴾ [ق: ١٠]، وقال الزجاج: معناه جنس البقر تشابه علينا (٦).
﴿وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ﴾ إلى وصفها (٧)، وقيل: إلى القاتل (٨).
(١) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٤٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٤ أ.
(٢) في (ب): (قوله) يبين لنا ما هي (أي..).
(٣) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٨٤ أ، وانظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٧٨، و"البغوي" ١/ ٨٣.
(٤) في (ج): (للذكير).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٥٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٤ أ.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ١٢٨.
(٧) الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٨٤ ب، وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٥٠، "تفسير أبي الليث" ١/ ١٢٨.
(٨) انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ١٢٨، "الكشاف" ١/ ٢٨٨، "البحر المحيط" ١/ ٢٥٤.
٧١ - قوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ﴾ الذلول: المذللة بالعمل، و ﴿تُثِيرُ اَلأرَضَ﴾ أي: تقلبها للزراعة (٢). ومعنى الإثارة: تفريق الشيء في كل جهة، يقال: أثرت الشيء واستثرته، إذا هيجته. قال (٣):
إِذا كَانَ في صَدْر (٤) ابنِ عمِّك إِحْنَةٌ | فلا تَسْتَثِرْها سوف يَبْدُو دَفِينُهَا (٥) |
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢١٢ و"تفسير الثعلبي" ١/ ٨٤ ب، و"تفسير أبي الليث" ١/ ٣٨٨.
(٣) نسبه المرتضى في أماليه، إلى أبي الطمحان، ونُسب في اللسان إلى الأقيبل القيني.
(٤) في (أ)، (ج): (صد)، وأثبت ما في (ب)، لأنه يوافق المصادر الأخرى التي ورد بها البيت.
(٥) البيت في "أمالي المرتضى" ١/ ٢٥٩، "مقاييس اللغة" (أحسن) ١/ ٦٧، "الفائق" ١/ ٢٧، "اللسان" (أحن) ١/ ٣٥.
(٦) "تهذيب اللغة" (ثار) ١/ ٤٦٧، انظر: "الصحاح" (ثور) ٢/ ٦٠٦، "معجم مقاييس اللغة" (ثور) ١/ ٣٩٥.
لا كَبِيرٌ (٥) دالفٌ من هَرَمٍ | أرْهَبُ اللّيْلَ ولا كَلُّ الظُّفُرْ (٦) |
انظر: "إعراب المشكل" ١/ ٥٣، "الكشاف" ١/ ٢٨٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٤٦، "الإملاء" ١/ ٤٢، "البحر المحيط" ١/ ٢٥٥، "الدر المصون" ١/ ٤٢٩، ٤٣٠.
(٢) في (ب): (وكذلك).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٦، "الإملاء" ١/ ٤٢.
(٤) في (ب): (في).
(٥) في (ب): (كثير).
(٦) قوله: (دالف): الدالف هو الذي يقارب الخطو ويمشي مشي المقيد، (الهَرَم): أقصى الكبر، كَلُّ الظفُر) أي: ظفري غير كليل، كناية عن قوته وبطشه، وكليلُ الظفَّر: المهين الذي لا يؤبه له. ورد البيت في ديوان طرفة ص ٧٥، "مقاييس اللغة" (ظفر) ٣/ ٤٦٦، وفيه (لا كليل دالف)، وورد الشطر الثاني في "اللسان" (ظفر) ٥/ ٢٧٤٩، وفيه (لست بالفاني ولا كل الظفر).
وقد أبطل (٥) الفراء وغيره من كبار النحويين هذا الوقف (٦)، وردّ عليه هذا الاختيار بأن البقرة متى أثارت سقت، وغير جائز أن يُدّعى أعجوبةٌ في حرف من القرآن لم تؤثر (٧) عن أهل العلم ما ادعاه، فلا يقبل (٨) عنه ذلك، مع ما ذكرنا أنه لا يصح من (٩) طريق النحو أن المراد منه الإثبات. وموضع (تثير) رفع في التأويل لأنه نعت لذلول، والمعنى: أنها بقرة لا ذلول مثيرة للأرض، أي: ليست كذا ولا كذا، أي: لا توصف بالتذليل ولا بإثارة الأرض، كما تقول في (١٠) الكلام: عبد الله ليس بعاقل حازم، وزيد ليس
(٢) في (ب): (في هذه الآية) بدل (في هذا لأنه).
(٣) قال النحاس (ليس بقطع طاف وزعم الفراء: أنه ليس بقطع). "القطع والائتناف" ص١٤٨، وانظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٣٨٤.
(٤) قوله: (بـ (تثير) ساقط من (ب).
(٥) (أبطل): ساقط من (ج).
(٦) انظر: "إيضاح الوقف والابتداء" ١/ ٥٢١، "القطع والائتناف" ص ١٤٨، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٨٥.
(٧) في (ب): (يؤثر).
(٨) في (ج): (فلا يقبل).
(٩) (من): ساقط من (ب).
(١٠) (في الكلام): ساقط من (ب).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ﴾ دخلت (لا) لأنه معطوف على قوله: (ذلول) فلما كان فيه حرف النفي أدخل أيضا فيما انعطف عليه (٢).
[وجاز عطف الفعل على الاسم، لأن فيه معنى الفعل كأنه قيل: لم تُذلَّل، والاسم إذا كان مبنيّاً على الفعل] (٣) جاز عطف الفعل عليه، كما تقول: زيد صائم ويصلي، ويجوز أن تكون (لا) مستأنفة، يراد بها: لا ذلول تثير الأرض، وليست تسقي الحرث.
قال أبو العباس: والحرث كل موضع ذللته من الأرض ليزرع (٤) فيه، ويقال له عند غرسه وبذره إلى حيث بلغ: حرث. فمعنى الحرث: الأرض المهيأة للزرع (٥)، ومنه قوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، على التشبيه بالأرض التي (٦) قد هُيِّئت للزرع. فأما الزرع فإنما هو النماء، من ذلك قولك للصبي: زرعه الله (٧)، ويوضح هذا قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا
(٢) وأجاز الزمخشري أن تكون (لا) مزيدة، لتأكيد النفي في الأولى. انظر "الكشاف" ١/ ٢٨٨، قال أبو حيان: (ووافقه على جعل الثانية مزيدة صاحب المنتخب، وما ذهب إليه ليس بشيء، لأن قوله: (لا ذلول) صفة منفية بلا، وإذا كان الوصف كان الوصف قد نفى بـ (لا) لزم تكرار (لا) النافية لما دخلت عليه....) "البحر" ١/ ٢٥٥، وانظر "الدر المصون" ١/ ٤٣٠.
(٣) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج)، وأثبته من (ب) لأن استقامة السياق تقتضيه.
(٤) في (ب): (لتزرعه).
(٥) انظر: "تهذيب اللغة" (حرث) ١/ ٧٧٤، "الصحاح" (حرث) ١/ ٢٧٩، "جمهرة أمثال العرب" ٢/ ٣٤، ٣٥، "مقاييس اللغة" (حرث) ٢/ ٤٩، "اللسان" (حرث) ٢/ ٨١٩.
(٦) في (أ)، (ج) (الذي)، وأثبت ما في (ب) لأنه أصوب.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (زرع) ٢/ ١٥٢٤، "اللسان" (زرع) ٣/ ١٨٢٦.
وقوله تعالى: ﴿مُسَلَّمَةٌ﴾ قال قتادة، والربيع، وابن عباس: أي من العيوب (١).
وقال الحسن: من أثر العمل (٢).
وقال مجاهد: من الشية (٣).
وقوله تعالى: ﴿لَا شِيَةَ فِيهَا﴾ الوشى في اللغة معناه (٤): خلط لون، وكذلك في الكلام يقال: وشيتُ (٥) الثوب أشِيه وَشْيًا وشِيَةً (٦). والشية مما نقص منه الواو (٧)، وعوض فيه الهاء كالدية من وَدَيْتُ، والعِدة من وَعدتُ (٨)، ويجوز أن يكون (٩) الشية مصدراً، يقال: وَشَيْتُ أشي شِيَةً (١٠)
(٢) في الثعلبي عن الحسن: مسلمة القوائم ليس فيها أثر العمل، ١/ ٨٤ ب، وذكره "الماوردي" ١/ ٣٦٥.
(٣) ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٥١ - ٣٥٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٤٢٣، وانظر: "الدر" ١/ ١٥٢.
(٤) (معناه) ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (وشية).
(٦) بنصه في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٤، وانظر "تهذيب اللغة" (وشى) ٨/ ٤٨٤٧.
(٧) (الواو): ساقطة من (ج).
(٨) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٨٢، والطبري في "تفسيره" ١/ ٣٥٢، و"تفسير القرطبي" ١/ ٣٨٦.
(٩) في (ب): (تكون).
(١٠) في (ب): (وشية).
قال الزجاج: أي (٢) ليس فيها لون يفارق سائر لونها (٣).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا الْآنَ﴾ الآن هو الوقت الذي أنت فيه، وهو حد الزمانين (٤)، حد الماضي من آخره وحد الزمان (٥) المستقبل من أوله (٦).
وذكر الفراء في أصله قولين (٧):
أحدهما: أن أصله (أوان) (٨) حذفت منه الألف وغيرت واوه إلى الألف ثم أدخلت عليه الألف واللام، ولم يخلعا منه كما فعلوا بالذي وتركوه على مذهب الأداة، والألف واللام له لازمة غير مفارقة.
والقول الثاني: أن أصله: آن (٩) ماضي يئينُ، بني اسماً لحاضر الوقت، ثم ألحق به الألف واللام وترك على بنائه؛ لأن أصله فَعَلَ
(٢) (أي) ساقط من: (أ)، (ج)، وأثبتها من (ب) ومثله في معاني القرآن.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ١٢٤.
(٤) في (ب): (الزمان).
(٥) (الزمان): ساقط من (ب).
(٦) ذكره ابن قتيبة في "تأويل المشكل" ص ٥٢٣.
(٧) "معاني القرآن" ١/ ٤٦٧، ٤٦٨، وقد ذكر كلام الفراء ابن قتيبة في "تأويل المشكل" ص ٥٢٣، ٥٢٤، والأزهري في "تهذيب اللغة" (الآن) ١/ ٩٨، وعبارة الواحدي متفقة مع ما ذكره ابن قتيبة في "تأويل المشكل".
(٨) في (ب): (وان).
(٩) في "معاني القرآن": (الآن) أصلها من قولك آن لك أن تفعل، أدخلت عليها الألف واللام، ثم تركتها على مذهب (فَعَلَ) فأتاها النصب من نصب (فعل)، وهو وجه جيد كما قالوا..) ١/ ٤٦٨، ومثله في "تهذيب اللغة" ١/ ٩٩.
قال: وسمعت العرب تقول: أعييتني من شُبَّ إلى دُبَّ، ومن شُبٍّ إلى دُبٍّ مخفوض منون، يذهبون به مذهب الأسماء، والمعنى منذ كان صغيراً يشِبُّ إلى أن دَبَّ كبيرًا (٢).
ومثله (أمس) فإن أصله الأمر من: أمسى يُمسي بُنيَ اسماً للوقت، وألحق به الألف واللام (٣).
قال أبو علي الفارسي (٤): حكم ما يبنى من الأسماء أن يكون لمضارعته الحرف، فلمضارعته له (٥) ما يجب أن يخرج إلى حكمه كما أن
(٢) انتهى كلام الفراء، انظر: "المعاني" ١/ ٤٦٧، ٤٦٨، و"تأويل المشكل" ص ٥٢٣، ٥٢٤.
(٣) انظر: "تهذيب اللغة" (أمس) ١/ ٢٠٠، و"الأزمنة" لقطرب ص ١٠٩، ١١٠.
(٤) "الإغفال" لأبي علي الفارسي ص ٢٥٣. وقد نقل عنه الواحدي طويلا، بتصرف في كلامه بالاختصار والتقديم والتأخير، وسأذكر الفروق الهامة في أماكنها إن شاء الله.
(٥) (له): ساقط من (ب).
وجهة المضارعة تضمنه معنى الحرف، وإذا تضمن الاسم معنى الحرف وجب بناؤه. [وذلك التضمن هو تضمن معنى (٣) التعريف، لأن التعرف حكمه أن يكون بحرف، فلما تضمن معنى الحرف وجب بناؤه] (٤)، كما أن خمسة عشر لما تضمن معنى الحرف بني. فإن قيل: كيف تضمن معنى الحرف، والحرف نفسه فيه، ولو جاز بناؤه وفيه الحرف لجاز بناء الرجل ونحوه؟
قيل: الألف واللام في (الآن) ليس كهما في (الرجل)؛ لأن الرجل لا يتعرف (٥) بغير الألف واللام، والآن يتعرف بغيرهما (٦).
والدليل على تعرف (الآن) بغير ما ظهر فيه من الحرفين، أن ما فيه الألف واللام مما يعرف به يلزم أن يكون قبل دخوله (٧) عليه نكرة كرجل، والرجل، وليس (الآن) كذلك. ألا ترى أنه ليس (آن) (٨) منكورا، ثم
(٢) قوله: (كما أن نوعا منها لمشابهتها الأفعال يخرج إلى حكمها) ليس في "الإغفال" انظر: ص ٢٥٣.
(٣) في "الإغفال" (تضمن معنى حرف التعريف) ص ٢٥٤.
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (لا يعرّف).
(٦) نقله بالمعنى، انظر: "الإغفال" ص ٢٥٤، و"سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٠.
(٧) في "الإغفال": (دخولهما)، وفي حاشيته (ج): (دخولها).
(٨) في (ب): (الآن).
ويراد بـ (الآن) الوقت الحاضر (١)، وما هو أقل القليل، ثم قد تتسع فيه العرب، فتقول: أنا الآن أنظر في النجوم، وأنا الآن أنظر في العلم، وأنا الآن أصل من قطعني (٢)، وليس يراد أنه (٣) في ذلك الوقت اليسير يفعل ذلك، ولكن غرضه أنه في وقته ذلك وما أتى من (٤) بعد، وتطاول، يفعل هذا الضرب من الفعل.
وهذا كقولهم: أنا اليوم خارج، يريد به الذي هو عقيب الليلة. ثم قالوا: أنا اليوم شيخ، وأنا اليوم متماسك، فاليوم أصله لما هو عقيب الليلة ثم يتسع فيستعمل لغير ذلك الزمان. فكذلك (الآن) أصله للوقت الحاضر، ثم قد يتسع فيه.
فإن قلت: فهل تجد الألف واللام في اسم غير هذا، والاسم الذي فيه غير متعرف به (٥)؟
(٢) في (ج): (من قطع).
(٣) في (ب): (وليس أنه يراد).
(٤) (من): ساقط من (ب)، وفي "الإغفال": (وما يأتي بعد) ص ٢٥٥.
(٥) في "الإغفال": (بهما).
والدليل على ذلك: تعريف سائر الموصولات (٢) سوى الذي (٣) ولا ألف ولام فيها. فقد وجدت الألف واللام في هذا الاسم (٤) أيضا لغير التعريف (٥).
ويدل أيضا على أن التعريف في (الذي) ليس باللام، أنّ كثيراً من العرب قد يستعمل موضع (الذي): (ذو)، وهو عندهم معرفة.
أنشد أبو زيد لقيس بن جِرْوة (٦) جاهلي:
لئنْ لَم تُغَيِّرْ (٧) بَعْضَ مَا قَدْ صَنَعْتُمُ | لَأَنْتَحِيَنْ (٨) للعَظْمِ ذُوأنا عارِقُه (٩) |
(٢) مثل (من) و (ما) و (أي)، انظر: "سر صناعة الإعراب" ١/ ٣٥٣.
(٣) والتي وبابهما مما فيه (الألف واللام).
(٤) قوله: (في هذا الاسم) أي: الآن كما في "الإغفال" ص ٢٥٧، واختصار الواحدي للكلام جعله محتملًا لأن يراد به (الذي).
(٥) انظر بقية كلام أبي علي في "الإغفال" ص ٢٥٧ - ٢٦٠.
(٦) هو قيس بن جروة الطائي، ويلقب بـ (عارق الطائي) شاعر جاهلي، انظر أخباره وترجمته في: "الحماسة"، "شرح المرزوقي" ٣/ ١٤٤٦، ١٤٦٦، "المزهر" ٢/ ٤٣٨، "الخزانة" ٧/ ٤٤٠.
(٧) في (ب): (يغير) وكذا يروى في بعض المصادر.
(٨) في (ب): (لا نتحن).
(٩) يروى البيت (فإن): بدل (لئن)، ومعنى (لا نتحين): لأقصدن ولأميلن. (عارقه): من عرق العظم، إذا نهشه بأسنانه. يقول: إن لم تغير ما صنعتم من الظلم، لأميلن إلى كسر العظم الذي أخذت ما عليه من اللحم، ورد في "نوادر أبي زيد" =
ومثل ذلك (مِن) في ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ﴾ [الحج: ٤٨]، و (ما) في سِيَّما (٤)، فليس لزوم هذا الحرف وامتناع حذفه مما يمنع من الحكم بزيادتها (٥). ومما يقوي زيادة اللام، ما (٦) أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن (٧)، عن أبي العباس محمد بن يزيد (٨) عن أبي عثمان (٩) قال: سألت الأصمعي عن قول الشاعر:
(١) في (ب): (زائدة).
(٢) جعلوا (ما) لازمة وهي زائدة، انظر "الكتاب" ١/ ٢٩٤.
(٣) في (ب): (وب).
(٤) انظر: "الكتاب" ٢/ ١٧٠، ١٧١.
(٥) انظر بقية كلام أبي علي في "الإغفال" ص ٢٦١ - ٢٦٦.
(٦) (ما): ساقط من (ب).
(٧) في (ب): (الحسين) وفي "الإغفال": (أبو بكر بن السراج ص ٣٦٦) وهو محمد بن السري، أبو بكر سبقت ترجمته، وليس في نسبه (الحسن أو الحسين). انظر: "طبقات النحويين" ص١١٢، و"إنباه الرواة" ٣/ ١٤٥، "معجم الأدباء" ١٨/ ١٩٧.
(٨) المبرد، سبقت ترجمته.
(٩) المازني، سبقت ترجمته.
وَلَقَدْ جَنَيْتُكَ أكْمُؤًا وَعَسَاقِلا | وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأوْبَرِ (١) |
يَا ليْتَ أمَّ العَمْرِو كانَت صَاحِبي (٤)
فكما أن اللام زيادة فيما ذكرنا، كذلك هو في (الآن) زائدة، ولا تستوحشنَّ من قولنا فيها، فقد قال بزيادته سيبويه والخليل في قولهم: مررت بهم الجمّاءَ الغفير نصب على نية (٥) إلغاء الألف واللام نحو: طرًّا
(٢) في "الإغفال": (الألف واللام) ص ٢٦٦.
(٣) في "الإغفال": (فقال أدخلها للضرورة كقول الآخر: باعَدَ أم العَمَرِ من أسيرِهَا وروينا عن أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي: ياليت أم العمر..) ص ٢٦٦، ٢٦٧.
(٤) لم يعرف قائل الرجز: وبعده:
مكان من أشتى على الركائب.
ويروى (أم العمر) ورد البيت في "الإغفال" ١/ ٢٦٧. "المخصص" ١/ ١٦٨، ١١/ ٢٢٠، "الإنصاف" ١/ ٣١٦، "المنصف" ٣/ ١٣٤، "تهذيب اللغة" (ربع) ٢/ ١٣٤٧، "الصحاح" (ضرب) ١/ ١٦٩، "اللسان" (ضرب) ٥/ ٢٥٦٩، و (وبر) ٨/ ٤٧٥٢، و (ربع) ٣/ ١٥٦٣، "شرح المفصل" ١/ ٤٤.
(٥) (على نية): ساقط من (أ)، (ج).
وقال به أبو الحسن والأصمعي، وقبله أبو عثمان وأبو العباس وأبو بكر، فلم يدفعوه فيما روينا عنهم في البيت، وأما أبو الحسن الأخفش فإنَّه قال في قولهم: (مررت بالرجل خير منك، ومررت بالرجل مثلك) إن اللام زائدة (٢)، وبعد: فإن حرف التعريف حرف كسائر الحروف التي تلزم معنى، ثم تزاد (٣) في موضع آخر معرًّى من ذلك المعنى، كـ (باء الجر، ومن) وغيرهما، وكما جاءت (ما ولا) زائدتين، ولكل واحد منهما معنى يلزمه إذا لم يزد، وكذلك حرف التعريف (٤).
فإن قيل: إذا كانت اللام زائدة فهلّا جعلت هذا الاسم من الأسماء المنكورة (٥) المبنية كـ (أين وكيف) ونحوه (٦)؟ فالجواب أن هذا الاسم لا يجوز أن يكون كـ (أين) ونحوه من المنكورة (٧) المبنية؛ لأن هذا مختص (٨)
(٢) كلام أبي الحسن الأخفش ورد في "الإغفال" ص ٢٦٣، ٢٦٤. وفيه: (الألف واللام) زائدة، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٦.
(٣) في (أ): (يزاد) وأثبت ما في (ب)، (ج) لأنه أنسب للسياق، ومثله في "الإغفال" ص ٢٦٨.
(٤) انتهى كلام أبي علي في "الإغفال" في هذه المسألة ص ٢٦٨. ثم عاد إليها مرة أخرى ص ٢٧٧، ونقل عنه الواحدي كما سيأتي.
(٥) في (ب): (المكنوزة).
(٦) "الإغفال" ص ٢٧٧.
(٧) في (ب): (المكنوزة).
(٨) (مختص): ساقط من (ب).
ألا ترى أنك تخص به الوقت الحاضر دون الماضي ودون الآتي، إلا أن يتسع (٢) فيه فالإشارة به والقصد فيه إلى المعين المخصوص يخرجه عن أن يراد به الشائع المنكور (٣) كـ "كيف" وبابه.
قال أبو على: وأما قول الفراء (٤) إن قولنا: (الآن) يجوز أن يكون الآن (٥) من قولنا: آنَ أن (٦) يفعل كذا، دخلت عليه [الألف واللام مثل شُبَّ (٧) إلى دُبَّ. وهذا قول يفسد في: اللفظ والمعنى، ومن حكم مثله ألا يعرج عليه] (٨) أما فساده في اللفظ: فلأن ذلك لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون فعلاً مجرّداً من الفعل. أويكون فعلًا معه فاعل.
فإن كان فعلاً مجردّاً من الفاعل لزم إعرابه وامتنع حكايته، وذاك مذهب العرب والنحويين جميعا.
(٢) في (ج): (تتسع)، ومثله في "الإغفال" ص ٢٧٧.
(٣) في (ب): (المكنون لكيف).
(٤) لم يذكر أبو علي الفراء باسمه وإنما قال: (وذكر بعضهم أن قولنا: (الآن) يجوز أن
يكون..) "الإغفال" ص ٢٨٣.
(٥) في (ب): (الآن).
(٦) في (ج): (تفعل).
(٧) في "الإغفال" (من شب..) ص ٢٨٣.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من: (أ)، (ج)، وأثبته من (ب) ومثله في "الإغفال" ص ٢٨٣، واستقامة السياق تقتضيه.
قال سيبويه: وسمعناهم يصرفون رجلاً سُمَيَ كَعْسَبَ (٥)، وهو فعلل (٦) من الكعسبة، وهي (٧) شدة العدو، وإنما لم يجز حكايةُ الفعل إذا نُقِل فسمّي به من أجل أن الفعل يلزمه الفاعل (٨)، فلا يفارقه. فلو حكي بعد التسمية للزمه الفاعل كما كان يلزمه قبل، لأنه لا يخلو (٩) من الفاعل، الحكاية (١٠) فيه إذا سمي به تؤدي إلى خلاف الغرض المقصود؛ لأن
(٢) العنبر بن عمرو بن تميم، كان شاعر، وإليه ينسب بني العنبر، انظر "الاشتقاق" لابن دريد ص ٢٠١، ٢١١، و"المزهر" ٢/ ٢٧٥.
(٣) في جميع النسخ (خضما) وفي "الإغفال": (خضم) ص ٢٨٣. قال سيبويه: ولا يصرفون (خضّم) وهو اسم للعنبر بن عمرو بن تميم. "الكتاب" ٣/ ٢٠٨.
(٤) قال في الصحاح (خضّم) على وزن (بعّم) اسم العنبر بن عمرو بن تميم، يزعمون أنهم سموا بذلك لكثرة الخضم، وهو المضغ. الصحاح (خضم) ٥/ ١٩١٤، وانظر "اللسان" (خضم) ٢/ ١١٧٦ - ١١٧٨.
(٥) في "الإغفال" ص ٢٨٢: (يسمى كعسبا). وكذا في "الكتاب" ٣/ ٢٠٦.
(٦) في "الكتاب" (وإنما هو (فَعَلَ) من الكعسبة. قال عبد السلام هارون: (لا يقصد بـ (فعل) الوزن الصرفي، وإلا فهو (فعلل) وإنما يقصد أنه منقول من الفعلية "الكتاب" مع حاشية عبد السلام هارون ٣/ ٢٠٦.
(٧) في (ب): (وهو).
(٨) في (ب): (الفعل).
(٩) (يخلو): ساقط من (ب).
(١٠) في (ب): (فالحكاية).
ولا يجوز (٦) في قولهم: (الآن) (٧) أن يكون فعلاً معه فاعله غير مجرد منه؛ لأن دخول اللام عليه يمنع ذلك، ألا ترى أن اللام لا تدخل على الجمل كما لا تدخل على الفعل فهذا فساده (٨) من جهة اللفظ.
وأما فساده من جهة المعنى، فقولهم: آن أن تفعل كذا (٩) مقلوب من (١٠) أنى يَأني وأصل هذه الكلمة في اللغة إنما هو بلوغ الشيء (١١) وانتهاؤه ومكثه وامتداده، فهو خلاف الآن وعكسه. والدليل على صحة
(٢) في (ب): (أزيد).
(٣) في (ب): (بذلك).
(٤) في جميع النسخ (يكون) بالياء والتصحيح من "الإغفال" ص ٢٨٤.
(٥) في (ب): (اللام والتعريف).
(٦) "الإغفال" ص ٢٨٨.
(٧) في (ب): (ألا أن يكون).
(٨) أي قول الفراء.
(٩) (آن): ساقط من (ب).
(١٠) في (ج): (عن).
(١١) انظر: "تهذيب اللغة" (أنى) ١/ ٢٢٥، و (الآن) ١/ ٩٩.
فإن قلت (٤): فقد قالوا: الإياس، وقد سمّوا الرجل إياسًا؟
قيل: إن إياساً من إسْتَه إذا أعطيتَه (٥)، وتسميتهم بإياس كتسميتهم بـ (عطية وعطاء)، ومن هذا الباب قوله: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٦) أي أما بلغ، أما حان. والآن اسم للوقت الذي أنت فيه وهو باق، والباقي غير المتقضي (٧) المنتهي.
وأما قولهم: أعييتني من شُبَّ إلى دُبَّ (٨) فهذا الكلام مخرجه مخرج الأمثال التي تلزم طريقةً واحدةً ووجهاً واحداً، كقولك للرجل: أَطِرِّي
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من: (أ)، (ج)، وأثبته من (ب) ومثله في "الإغفال" ص ٢٨٨، والسياق يقتضيه.
(٣) جبذ مقلوب من جذب قلبًا مكانيًّا. انظر: "تهذيب اللغة" (جذب) ١١/ ١٥، "اللسان" (جذب) ١/ ٢٥٨.
(٤) في (ب): (وأن).
(٥) في "الإغفال" وقد سموا الرجل إياسا فما تنكر أن يكون غير قلب، فإن إياسا من إسته إذا أعطيته... "الإغفال" ص ٢٨٨، وانظر: "اللسان" (يأس) ٦/ ٢٥٩.
(٦) الحديد: ١٦، وفي (ج) زيادة: ﴿أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ﴾.
(٧) في (ب): (المقتض)، وفي "الإغفال": (المنقض) ص ٢٩٢.
(٨) قال أبو علي: (.. فإن قلت كيف يكون فيه ضمير الفاعل، وقد يقال: (أعييتني منذ شب إلى دب) ولو كان في هذا ضمير فاعل لوجب أن يكون مذ شببت إلى أن دببت؟ فالجواب:
فهذه الأمثال وما شبه بها إنما تقال كما قيلت حيث جرت، ولذلك (٣) أيضًا دخلت (إلى) على الجملة كأنهم جعلوها الوقت (٤). فأرادوا: أعييتني من وقت الشباب إلى وقت الكبر والدبّ بالعصا (٥).
وأما (٦) قوله: يجوز أن يكون الآن مأخوذا من الأوان فتكون الألف منقلبة عن الواو (٧)، فإن ذلك لا ينبغي أن يجوز، لأن هذه المبنية مشابهة بالحروف (٨) والأصوات [فكما لا يكون (٩) الحروف
(٢) يضرب مثلا لمن يضيع الأمر، ثم يريد استدراكه في غير وقته، وللمثل قصة مذكورة في كتب الأمثال. انظر: "أمثال العرب" للضبي ص ٥١، "الدرة الفاخرة" ١/ ١١، "جمهرة الأمثال" ١/ ٥٧٥.
(٣) في (ب): (وكذلك).
(٤) كذا في جميع النسخ، وفي "الإغفال" (للوقت) ص ٢٨٧.
(٥) انظر بقية كلام أبي علي ص ٢٨٧.
(٦) (أما): ساقط من (ب).
(٧) "الإغفال" ص ٢٩٥.
(٨) في "الإغفال": (للحروف) ص ٢٩٥، وهذا أولى بالسياق.
(٩) في "الإغفال" (لا تكون) في الموضعين ص ٢٩٥.
ومعنى قوله: ﴿الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ﴾ أي: بالوصف البين التام الذي دل على التمييز من بين أجناسها (٥)، ويقال: جاء مجيئاً وجَيْئةً، ومنه: الجَيْئة (٦)؛ لأنه يجيئها الماء فيجتمع فيهما.
[وقوله: ﴿فَذَبَحُوهَا﴾ في الآية إضمار، أراد: فطلبوها، فوجدوها، فذبحوها] (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ﴾ قال القرظي: لغلاء ثمنها (٨).
(٢) في (ب): (لذلك).
(٣) في (ج): (هذا).
(٤) هذا آخر ما نقله الواحدي عن أبي علي الفارسي من كتابه "الإغفال" عن (الآن) وقد أطال النقل وتصرف في نقله بالاختصار والتقديم والتأخير، وقد أشرت للفروق الهامة في أماكنها. انظر: "الإغفال" ص ٢٥٣ - ٢٩٨.
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٥٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٤ ب.
(٦) كذا يقال له: (جيئة) وجيأة وكل من كلام العرب. "تهذيب اللغة" (الجيأة) ١/ ٦٨٦، وقال صاحب اللسان: والجِئة والجِيئة: حفرة الهبطة يجتمع فيها الماء، والأعرف: الجية. "اللسان" (جيا) ٢/ ٧٣٩.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من: (أ)، (ج) وأثبته من (ب). انظر معنى الآية في "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٤ ب، "الكشاف" ١/ ٢٨٨، "البحر المحيط" ١/ ٢٥٧.
(٨) ذكره الطبري ١/ ٣٥٤، "ابن أبي حاتم" ١/ ٤٢٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ١١٩، وقال: وفي هذا نظر، لأن الثمن لم يثبت إلا من نقل بني إسرائيل. وانظر: "الدر المنثور" ١/ ١٥٢.
قال عكرمة: لو أنهم عمدوا (٢) إلى أدنى بقرة فذبحوها لكفتهم ولكنهم شدّدوا فشُدِّد عليهم (٣)، وقيل: إن أول من راجع موسى في ذبح البقرة هو القاتل مخافة أن ينكشف ويفتضح.
٧٢ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ الآية. كان الاختلاف في القاتل قبل ذبح البقرة، وإنما تأخر في الكلام؛ لأن الله عز وجل لما قال: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ [البقرة: ٦٧]، علم المخاطبون أن البقرة لم تذبح إلا للدلالة على قاتل خفيت عينه عليهم، فلما استقرّ علم هذا في نفوسهم أتبعه بقوله: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ على جهة التوكيد، لا أنه عرّفهم (٤) الاختلاف في القاتل بعد أن دلهم على ذبح البقرة (٥)، وقيل: إنه
(٢) في (ب): (عهدوا).
(٣) ذكره الطبري عنه، وعن عدة من السلف ٢/ ٢٠٤، وانظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ١١٩، "الدر المنثور" ١/ ١٥٢.
(٤) في (ب): (عن فهم).
(٥) وعلى هذا القول يكون قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً﴾ مقدماً في التلاوة، وقوله. ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا﴾ مقدّماً في المعنى على جميع ما ذكر من شأن البقرة، ذكر ذلك القرطبي، وقد ذكر في الآية ثلاثة أوجه، هذا أحدها.
والوجه الثاني: أن يكون قوله: ﴿وَإِذْ قَتَلْتُمْ﴾ في النزول مقدمًا، والأمر بالذبح مؤخرًا.
والثالث: يكون ترتيب نزولها حسب تلاوتها، فكأن الله أمرهم بذبح البقرة حتى =
أنه إنما كان كذلك لأنه كلام مخرجه مخرج الأمثال | الخ) "الإغفال" ص ٢٨٧. |
وَمَا مِثْلُه في النَّاسِ إلا (٣) مُملَّكًا | أبو أمِّهِ حَيٌّ أبوهُ يُقَارِبُهْ (٤) |
وقد رجح أبو حيان أن الأمر بالذبح متقدم، والقتل متأخر كحالهما في التلاوة، ولا داعي لحمل الآيات عن ظاهرها، بل تظهر الحكمة البالغة في امتحانهم أولا بذبح البقرة هل يمتثلون أم لا؟
(١) انظر: "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٩٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ أ، "البغوي" ١/ ٨٤.
(٢) هشام بن عبد الملك بن مروان، أحد خلفاء بني أمية، وخاله هو إبراهيم بن هشام ابن إسماعيل المخزومي القرشي. انظر: "الكامل" ٥/ ١٢٣، "سير أعلام النبلاء" ٥/ ٣٥١، "الأعلام" ١/ ٧٨.
(٣) (ألا): ساقط من (ب).
(٤) البيت من شواهد البلاغة على التعقيد اللفظي يقول: وما مثله يعني الممدوح في الناس حتى يقاربه، أي: يشبهه في الفضائل، إلا مملكا يعني به هشاما، أبو أمه: أي أبو أم هشام أبوه، أي: أبو الممدوح، فالضمير في (أمه) فلملك، وفي (أبوه) للممدوح. ورد البيت في "المعاني الكبير" ١/ ٥٠٦، "الخصائص" ١/ ١٤٦، ٣٢٩، ٢/ ٣٩٣، "الكامل" ١/ ٢٨، "الصحاح" (ملك) ٤/ ١٦٠٩، "اللسان" (ملك) ٧/ ٤٢٦٦، "معاهد التنصيص" ١/ ٤٣، "الخزانة" ٥/ ١٤٦.
(٥) قوله: (أراد وما مثله) ساقط من (ب).
وقوله تعالى: ﴿وَإِذ قَتَلتُم﴾ ينعطف على قوله: ﴿وَإِذ قَلتُم يَامُوسَى﴾ (٢) [البقرة: ٥٥]، ﴿وَإِذ فَرَقنَا﴾ [البقرة: ٥٠] والذكر مضمر فيها كأنه: واذكروا إذ قتلتم (٣)، ولهذا لم يأت لـ (إذ) بجواب. ومثله قوله: ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا﴾ (٤)، وليس شيء قبله تراه ناصباً لصالح، فعلم بذكر النبي وبالمرسل (٥) إليه أن فيه إضمار (٦): أرسلنا.
ومثله: ﴿وَنُوحًا إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ﴾ [الأنبياء: ٧٦]، ﴿وَذَا اَلنوُنِ﴾ [الأنبياء: ٨٧]. وهذا يجري على مثال ما قال في سورة ص: ﴿وَاذكُر عَبدَنَا﴾ [ص: ٤٥] (٧)، ثم ذكر الذين من بعدهم بغير (واذكر) لأن معناه متفق،
(٢) في (أ)، (ج): (قتلتم تصحيف).
(٣) كذا في "معاني القرآن" للفراء نقل عنه بتصرف ١/ ٣٥، والمراد أن (إذ) يقدر قبلها (اذكر) في أول موضع وردت فيه وما بعدها عطف عليهما وذلك في قوله: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ﴾ [البقرة: ٤٩]. انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٢٦٩، ٢٧٥، ٢٨٩، ٣٥٦.
(٤) الأعراف: ٧٣، هود: ٦١.
(٥) في (ب): (المرسل) بسقوط الواو والباء.
(٦) (إضمار) ساقطة من: (أ)، (ج)، وأثبتها من (ب)، ومثله في "معاني القرآن" ١/ ٣٥، والسياق يقتضيها.
(٧) وفي "معاني القرآن" للفراء: ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا﴾ قال ابن عباس: اختلفتم فيها (٤).
وقال الربيع: تدافعتم (٥).
وأصل الدرء: الدفع، يعني: ألقى ذاك على هذا، وهذا على ذاك، فدافع كل واحد عن نفسه (٦). والتدارؤ والمدارأة مهموزتان.
قال أبو عبيد: وهي المشاغبة والمخالفة على صاحبك (٧).
ومنه حديث قيس بن السائب (٨): "كان رسول الله صلى الله عليه
(٢) في (ج): (واذكر).
(٣) انتهى النقل عن الفراء. "معاني القرآن" ١/ ٣٥.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ أ، وانظر: "تفسير البغوي" ١/ ٨٤، "زاد المسير" ١/ ١٠١.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ أ، وانظر: "تفسير البغوي" ١/ ٨٤.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ أ. وانظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٦. "تفسير الماوردي" ١/ ٣٦٧. وذكر الطبري في معنى الآية قولين: الأول: اختلفتم وتنازعتم، والثاني: تدافعتم، قال: وهو أي: القول الثاني قريب من المعنى الأول ١/ ٣٥٦. وذكر ابن فارس: أن (الدرء) مهموز: أصل واحد بمعنى: الدفع. "مقاييس اللغة" (درى) ٢/ ٢٧١.
(٧) "غريب الحديث" ١/ ٣٣٧، "تهذيب اللغة" (درى) ٢/ ١١٨١.
(٨) هو قيس بن السائب بن عويمر بن عائذ بن مخزوم، ذكر ابن حجر عن ابن حبان: أن له صحبة. انظر: "الجرح والتعديل" ٧/ ٩٩، و"الإصابة" ٣/ ٢٣٨.
قال أبو زبيد (٣):
كانَ عَنِّي يردُّ دَرْؤُكَ بَعْدَ | اللهِ شَغْبَ المُستَصْعَبِ المِرِّيدِ (٤) |
(٢) الحديث أخرجه أحمد في "مسنده" عن قائد السائب عن السائب، وعن مجاهد عن السائب بن أبي السائب ٣/ ٤٢٥. وأبو داود عن قائد السائب عن السائب. "سنن أبي داود" كتاب الأدب، باب: كراهية المراء. وابن ماجه عن قائد السائب عن السائب (٢٢٨٧) كتاب: التجارة، باب: الشركة والمضاربة.
وأخرجه الطبري عن السائب، وقد تكلم شاكر في حاشية الطبري عن الحديث وبين ما في سنده من ضعف، وما في الحديث من اضطراب. "تفسير الطبري" مع "حاشية شاكر" ٢/ ٢٢٣.
والحديث أورده أبو عبيد في "الغريب" ١/ ٣٣٦، ٣٣٧. والأزهري في "تهذيب اللغة" (درى) ٢/ ١١٨١. وذكر الحديث ابن حجر في "الإصابة" وقال: (أخرجه البغوي والحسن بن سفيان وغيرهما من طريق محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن مجاهد، وأخرجه أبو بشر الدولابي في "الكنى" من هذا الوجه، لكنه قال: أبو قيس بن السائب كذا عنده، وقيس بن السائب أصح...).
"الإصابة" ٣/ ٢٣٨.
(٣) أبو زبيد هو حرملة بن المنذر الطائي، شاعر مشهور، أدرك الإسلام واختلف في إسلامه. انظر: "الشعر والشعراء" ص ١٨٥، و"الإصابة" ٤/ ٨٠، "الخزانة" ٤/ ١٩٢.
(٤) البيت من قصيدة لأبي زبيد رثى بها ابن أخته، (الشغب): تهييج الشر، و (المرّيد): مبالغة في المارد، يقول: كان دفعك عني بعد الله يرد عني شر كل مريد. ورد البيت في "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٢٠٢، "اللسان" (درأ) ٣/ ١٣٤٧، و (شغب) ٤/ ٢٢٨٣، "الخزانة" ٩/ ٧٦.
ومثله: ﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾ [التوبة: ٣٨]، ﴿اطَّيَّرنَا﴾ [النمل: ٤٧].
قال الكسائي: التاء إذا كانت في الأفعال تدغم في حروف كثيرة، في التاء مثل: اتّابع بمعنى تتابع، وأنشد:
تُولِي الضَّجِيعَ إذا مَا اسْتَافَهَا خَصِراً | عَذْبَ المَذَاقِ إِذَا مَا اتَّابَعَ القُبَلُ (٢) |
(٢) لم أجد من نسبه وقوله: (استافها): دنا منها وشمها. و (الخصر): البارد من كل شيء، ويريد الريق. ورد البيت في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٣٨، و"تفسير الطبري" ١/ ٣٥٦، ١٠/ ١٣٣، "تفسير القرطبي" ٨/ ١٤٠.
(٣) وردت في عدة آيات منها: الأنعام: ١٢٦، والأعراف: ٢٦، ١٣٠، والأنفال: ٥٧، والتوبة: ١٢٦، والنحل: ١٣.
(٤) في (ب): (اطهر). جزء من آية المائدة: ٦، سياقها: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا﴾.
(٥) في (ج): (ولطيرنا). آية: ٤٧ من سورة النمل.
(٦) وعلى إدغام التاء في السين -أيضا- ورد قوله تعالى: ﴿لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ﴾ [الصافات: ٨].
فإن ابتدأت بقوله: ﴿اثَّاقَلْتُمْ﴾ وأخواته فقد اختلف الناس فيه. فقال بعضهم: إذا ابتدأت قلت: تثاقلتم: فتركت الإدغام (٤)، قال: وهذا أحب إليّ. وقال بعضهم: لا بل أقطع الألف فأقول: اثاقلتم، يكون (٥) هذه الألف كألف وافتعل واستفعل عند الابتداء. ولم يكتب (٦) بالألف إلا وهي هكذا عند الابتداء.
قال الكسائي: ولم أسمع من العرب إلا بالبيان، وذلك أن الإدغام لا يكون إلا وقبله شيء، فأما إذا ابتدأت فلا.
قال الفراء: والعرب تبني المصدر على الإدغام كما بنوا الفعل، فيقولون: ادّارأ ادّارُؤا مثل ادّارَكَ ادّارُكاً واثّاقَل اثّاقُلاً وازّامُلاً، وما كان
(٢) هذا على قراءة ابن كثير ونافع وابن عامر بتشديد الشين في قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ﴾ [الفرقان: ٢٥] وكذلك قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَشَقَّق اَلأَرّضُ﴾ ق: ٤٤، وبقية السبعة بالتخفيف، انظر: "السبعة" ص ٤٦٤، ٦٠٧.
(٣) في (ب): (اطهرت).
(٤) انظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٣٧، ٤٣٨، "تفسير الطبري" ١/ ٣٥٦، ١٠/ ١٣٣، "تفسير القرطبي" ٨/ ١٤٠.
(٥) (يكون): كذا في (أ)، (ج)، وفي (ب) بدون إعجام والأولى (تكون).
(٦) في (ب): (تكتب).
وقوله: (فيها) الكناية عائدة على النفس (٤).
وقال ابن الأنباري: يجوز أن تعود على القتلة، لأن (قتلتم) يدل على المصدر (٥). ﴿وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾ من أمر القتيل، وأدخل التنوين لأنه ميعاد في المستقبل (٦)، وقد مضى الكلام في هذه المسألة (٧).
٧٣ - قوله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ قال ابن عباس: اضربوه بالعظم الذي يلي الغضروف، وهو المقتل.
وقال الضحاك: بلسانها، واختاره الحسين بن الفضل.
سعيد بن جبير: بعَجْب ذنبها، واختاره يمان بن رباب، قال: لأنه
(٢) في (أ)، (ج): (مصدر) بدون الهاء، وأثبت ما في (ب)، لأنه أنسب للسياق.
(٣) قال الداني: (اتفق جمعها -أي: مصاحف الأمصار- على حذف الألف التي هي في صورة الهمزة في قوله في البقرة: (فادارأتم) لا غير)، "المقنع" ص ٢٦.
(٤) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٥٧، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥١، "البحر المحيط" ١/ ٢٩٥.
(٥) ونحوه قال ابن عطية ١/ ٣٥١، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٢٩٥، وذكر قولاً ثالثاً، وهو: أن الكناية تعود على التهمة.
(٦) قال الزجاج: (الأجود في (مخرج) التنوين، لأنه ميعاد لما يستقبل، أو للحال) "معاني القرآن" ١/ ١٢٦، وانظر: "الكشاف" ١/ ٢٨٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٩٥.
(٧) وهي أن اسم الفاعل إذا كان بمعنى الاستقبال أو الحال ينون ولا يضاف لما بعده، وهذا عند البصريين، أما عند الكوفيين فيجوز إضافته.
فإن قيل: ما معنى ضرب القتيل ببعض البقرة، والله قادر على إحيائه بغير ذلك؟
والجواب: أنّ في ذلك تأكيداً أنه ليس على جهة المخرقة والحيلة، ولا على جهة الكهانة والسحر، إذ جعل الأمر في إحيائه إليهم، وجعل ذلك عند الضرب بموات لا إشكال في أنه علامة لهم وآية للوقت الذي يحيا فيه
(٢) هذه الأقوال، عن ابن عباس، والضحاك، وسعيد، في "تفسير الثعلبي" بنصها ١/ ٨٥ أ، وذكر الطبري عن مجاهد وقتادة: بالفخذ، وعن السدي: بالبعضة التي بين الكتفين، وعن أبي العالية: بعظم من عظامها، وعن ابن زيد: بعضو من أعضائها. ثم قال الطبري: (والصواب من القول عندنا، أنه يقال: أمرهم الله جل ثناؤه أن يضربوا القتيل ببعض البقرة ليحيا المضروب، ولا دلالة في الآية، ولا في خبر تقوم به حجة، على أي أبعاضها التي أمر القوم أن يضربوا القتيل به.... ولا يضر الجهل بأي ذلك ضربوا القتيل، ولا ينفع العلم به، مع الإقرار بأن القوم قد ضربوا القتيل ببعض البقرة بعد ذبحها، فأحياه الله). "تفسير الطبري" ١/ ٣٥٩ - ٣٦٠، وانظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ١١٩ - ١٢٠.
(٣) قوله: (فضرب فحيى) ساقط من (ب).
(٤) قوله: (والمعنى فضرب فانفلق) ساقط من (ب).
(٥) انظر: "معاني القرآن" للفراء١/ ٤٨، و"تفسير الطبري" ١/ ٣٦١، و"تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ أ.
وقوله تعالى: ﴿وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ﴾ يقال: أَرَيْتُه الشيءَ إرايةً (٢) من غير همز شبيهاً بالمنقوص، مثل: إقامة، وترك الهمز؛ لأن الياء في أريت غير مهموز.
ويقال أيضًا: أريته إِرَاءَة، لأن الياء إذا جاءت بعد الألف همزت، ويقال أيضا: إراءً بنوا على الهمز كأنهم قالوا: أرأيته إِرْءَاءً، ثم تركوا الهمز، قال الفراء: وأجودها (٣): إراية غير مهموز.
وروى شمر عن ابن الأعرابي: أَرَيْتُه الشيءَ إِراءةً وإراية وإرْءَاءَةً (٤). ومعنى قوله ﴿آيَاتِهِ﴾ أي: آيات قدرته في خلق الحياة في الأموات. قال الزجاج: وهذه القصة في القرآن من أدلّ الدلائل على نبوة محمد - ﷺ -، حيث أخبرهم بما صدّقه في ذلك أهلُ الكتاب، وهو رجل عربي أمّي لم يقرأ كتاباً ولم يتعلم من أحد، ولم يكن هذا من علم العرب (٥).
٧٤ - قوله تعالى: ﴿ثُمَ قَسَت قُلُوبُكُم﴾ معنى القسوة في اللغة: الشدة والصلابة واليبس، ويقال: حجر قاسٍ: صلب، وأرض قاسية: لا تنبت شيئا، وعامٌ قَسِيٌّ: ذو قحط، قال شمر: هو الشديد (٦) لا مطر فيه (٧).
(٢) في (ب): (ارايته).
(٣) (أجودها): ساقط من (ب).
(٤) "تهذيب اللغة" (رأى) ٢/ ١٣٢٧، وانظر: "اللسان" (رأى) ٣/ ١٥٣٧ - ١٥٤٥.
(٥) بمعناه في "معاني القرآن" ١/ ١٢٢.
(٦) قوله: (هو الشديد) ساقط من (ب).
(٧) "تهذيب اللغة" (قسا) ٣/ ٢٩٥٥، وانظر: "اللسان" (قسا) ٦/ ٣٦٢٢.
وقال بعضهم: قسا قلبه قِسِيًّا، والعرب تقلب الفعول في المصدر إلى الياء فيقول: طغا طِغِيّاً وعتا عِتِيّاً.
قال أبو إسحاق: وتأويل القسوة ذهاب اللين والرحمة والخشوع (٢).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾: أي من بعد إحياء الميت لكم بعضوٍ من أعضاء البقرة، وهذه آية عظيمة كان يجب على من شاهدها أن يلين قلبه (٣) ويخضع (٤).
قال الكلبي: قالوا بعد ذلك: لم نقتله نحن، فلم يكونوا قط أعمى قلباً ولا أشد تكذيباً لنبيهم منهم عند ذلك (٥).
قال أبو إسحاق: ويحتمل أن يكون (من بعد ذلك)، أي: من بعد إحياء الميت والآيات التي تقدمت، نحو: مسخ القردة والخنازير، ورفع الجبل فوقهم، وانبجاس الماء من حجر. وإنما جاز (ذلك) للجماعة، ولم يقل: (ذلكم)، لأن الجماعة يؤدي عن لفظها الجميع والفريق، والخطاب في لفظ واحد، والمعنى جماعة (٦).
(٢) انظر: "معاني القرآن" ١/ ١٢٨، "تهذيب اللغة" (قسا) ٣/ ٢٩٥٥، والنص من "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ ب.
(٣) في (ج): (عليه).
(٤) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٢٨، وله قول آخر يأتي ذكره قريبًا. وانظر "تفسير الطبري" ١/ ٣٦١ - ٣٦٢.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٨٥ ب، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٨٥.
(٦) في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٢٨.
قال أبو علي فيما استدرك عليه (٢): إسكان الواو من (هو) والياء من (هي) غير ممتنع.
ولو قال قائل: الجيد الإسكان (٣) لسكون النون في أنت (٤)، كما قال (٥) هو: لا يجوز الإسكان فيها لتحرك النون في (أنا)، لما كان بينهما فصل.
فإن قلت: فقولهم: (نحن) من المضمر المنفصل، وآخره متحرك فذلك لا يشبه هو وهي وأنا وأنت، لأن آخر (نحن) إنما حرك لالتقاء الساكنين، ولوكان آخره متحرّكًا من الجهة التي ذكرت (٦) لا لالتقاء الساكنين لما جاز إسكان الآخر من (هم) ومن (أنت) لأنهما أيضا مضمران منفردان. فإن قلت: إن آخر (أنت) متحرك، وليس بساكن، كما أن آخر (أنا) متحرك. فليس هذا بسؤال، لأن آخر الاسم في أنت إنما هو النون، والتاء للخطاب وليست من نفس الكلمة، كما أن الألف من (أنا) إذا وقعت لتبيين الحركة في الوقف، لا من نفس الحرف فإن اعتد بـ (التاء) مع أنها زائدة في
(٢) "الإغفال" ص ٢١١.
(٣) أي: الإسكان في (الياء) من (هي)، و (الواو) من (هو). انظر: "الإغفال" ص ٢١١.
(٤) قوله: (في أنت) ساقط من: (ب).
(٥) أي: الزجاج، وفي "الإغفال": (كما قال أبو إسحاق) ص ٢١١.
(٦) ما الجهة التي ذكر؟ قال في "الإغفال" (فتبين مما ذكرنا أن (نحن) لم يحرك آخره من حيث كان مضمرا منفردًا) ص ٢١٢.
ويدل على جواز (٢) هذا الإسكان (٣) ما أخبرني محمد بن (٤) الحسن عن أبي حاتم عن أبي زيد:
كأَطُومٍ فَقَدَتْ بُرْغُزَهَا | أعْقَبَتْهُ الغُبْسُ منه عَدَمَا |
غَفَلَتْ ثم أَتَتْ تَرْقُبُهُ | فإِذا هي بِعظامٍ ودَمَا (٥) |
(٢) (جواز): ساقط من (ج).
(٣) في "الإغفال": (ويدل على جواز هذا الإسكان إذا جاءت به رواية ثقة غير ممتنع ما أخبرنا..) ص ٢١٣.
(٤) هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد.
(٥) لم أعثر على قائل البيتين. قوله: (أَطُوم): يريد البقرة الوحشية، (بُرْغُزَها): ولدها، (الغُبْسُ): الذئاب أو الكلاب. ورد البيتان في "الإغفال" ص ٢١٣، "مجالس العلماء" للزجاجي ص ٣٢٦، "المنصف" ٢/ ١٤٨، "اللسان" (برغز) ١/ ٣١٥، و (اطم) ١/ ١٧٠، "الخزانة" ٧/ ٤٩١، وورد الشطر الثاني من البيت الثاني في "التكملة" ص ٣٠، "المخصص" ٦/ ٩٣، والبيت الثاني في "شرح المفصل" ٥/ ٨٤، "الهمع" ١/ ١٣. وبهذين البيتين انتهى ما نقله الواحدي عن أبي علي الفارسي من كتاب "الإغفال" ص ٢١١ - ٢١٣.
(٦) في (ج): (حجر).
(٧) في (ب): (وترى)، وفي "تهذيب اللغة" (ترك القياس له..) ١/ ٧٤٦.
وأقرأني العروضي عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري عن أبي الهيثم قال: العرب تدخل الهاء في كل جمع على فِعَال أو فُعُول، فتقول: عظام وعِظَامةٌ وفِحَالةٌ وجمالةٌ (٣) وذِكَارةٌ وذُكورَة وفُحُولَة وعُمُومة وحُمُولَة، قال: وإنما زادوا هذه الهاء لأنه إذا سكت عليه اجتمع فيه عند السكت ساكنان (٤). قال الأزهري: وهذه العلة (٥) أحسن من علة الاستحسان الذي شَبَّهه بالاستحسان في الفقه (٦).
قال المفسرون: إنما شبه قلوبهم بالحجارة في الغلظة والشدة، ولم يقل (٧): (كالحديد)، وإن كان الحديد أصلب من الحجارة، لأن الحديد يلين بالنار، وقد لان لداود بإذن الله حتى صار كالعجين، ولا تلين الحجارة بمعالجة أبداً، ولأن في الحديد منافع، تلك المنافع لا توجد في الحجارة، فشبه الله قلوبهم بالحجارة لقسوتها ولعدم المنفعة منها (٨).
(٢) "تهذيب اللغة" (حجر) ١/ ٧٤٦، وانظر: "اللسان" (حجر) ٢/ ٧٨١.
(٣) في "تهذيب اللغة": (حبالة)، وفي الحاشية (د): (جمالة).
(٤) في "تهذيب اللغة": أخبرني المنذري عن أبي الهيثم. ثم ذكره مع بعض الاختلاف في العبارة (حجر) ١/ ٧٤٧، وانظر: "اللسان" (حجر) ٢/ ٧٨١.
(٥) في (ب): (اللغة).
(٦) "تهذيب اللغة" (حجر) ١/ ٧٤٦، وفيه: (قلت: وهذا هو العلة التي عللها النحويون فأما الاستحسان الذي شَبَّهه بالاستحسان في الفقه فإنه باطل، ومثله في "اللسان" (حجر) ٢/ ٧٨.
(٧) (يقل): ساقط من (ج).
(٨) انظر: "تفسير البغوي" ١/ ٨٥، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٢١.
وقيل: أراد إبهام علم ذلك على المخاطبين، كالعادة في مثل هذا في المخاطبة أن يقال: فلان كالبدر أو أحسن، وكالبحر أو (٣) أجود، فأما الله تعالى فهو عالم أي ذلك كان (٤). وارتفع (أشدُ) بإضمار (هي) كأنه قال: أو هي أشدُّ (٥).
ويجوز أن يرتفع بالعطف على موضع الكاف، كأنه قيل: فهي مثل الحجارة (٦) أو أشد (٧).
قال ابن عباس في هذه الآية: إنما قال: ﴿أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ لأن الحجارة
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٣، "تفسير أبي الليث" ١/ ٣٩٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ٨٥ أ، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٧٢، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٤.
(٣) في (ب): (بل أجود).
(٤) ذكره الطبري في "تفسيره" ورجحه ١/ ٣٦٢ - ٣٦٣، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٧١، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٤ - ٣٥٥، وذكر الأخفش: أنها بمعنى (الواو) "معاني القرآن" ١/ ٢٨٤، وقد رده الزجاج وقال: (أو) لا تصلح بمعنى (الواو) و"المعاني" ١/ ١٢٩، وهذا على قول البصريين، انظر: "الإنصاف" ص ٣٨٣، وانظر ما سبق عند تفسير قوله تعالى: ﴿أَوْ كَصَيِّبٍ﴾.
(٥) انظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٢٨٤، وللزجاج ١/ ١٢٩، "الطبري" ١/ ٣٦٣.
(٦) في (ب): (كالحجارة).
(٧) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٣، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ١٨٨، "الكشاف" ١/ ٢٩٠، "البحر المحيط" ١/ ٢٦٣.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ﴾ (٤) الكناية عائدة على (ما)، و (ما) من المبهمات يجوز تذكيره وتأنيثه، تقول العرب: من النعال ما يعجبني بالياء والتاء حملاً على التأويل (٥). وقيل: إن (من) واقعة على بعض الحجارة، وبعض مذكر، والعرب تقول: بعض النساء قام، وبعضهن قمن، فمن ذكر فللفظ (بعض) ومن أنث فلتأويله (٦). والأنهار جمع نهْر ونَهَر، وأصله من السعة، يقال: أنهرت الفتق، أي: وسعته (٧)، ومنه قوله (٨):
(٢) في (ب): (لهذا الجبل).
(٣) ذكره السيوطي في "الدر" وعزاه إلى ابن المنذر عن عبد العزيز بن أبي رواد، "الدر" ٦/ ٣٧٥.
(٤) في (ج): (وإن من الحجارة لما يشقق فيخرج منه الماء).
(٥) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٣ - ٣٦٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١٨٨، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٦، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٩٤، "البحر المحيط" ١/ ٢٦٥.
(٦) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٤٩.
(٧) انظر: "تهذيب اللغة" (نهر) ٤/ ٣٦٧٤، "الصحاح" (نهر) ٢/ ٨٤٠.
(٨) البيت لقيس بن الخطيم.
والنهر: اتساع الضياء، والنهر: أوسع من الجدول، والانتهار: إظهار الزجر، لا يكنى عنه، والنهار: ولد الكروان (٢)، لأنه مشبه بالنهار لبيضه.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ قيل: أراد به جبل موسى، لما تجلّى ربه للجبل جعله دكّاً (٣).
وقال ابن الأنباري: يجوز أن يجعل الله تعالى للحجر عقلاً فيخشاه، كما جعل بحراء (٤) عقلاً حتى عرف خطاب النبي - ﷺ - (٥)، وكذلك ما
مَلَكْتُ بها كَفِّي فَأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا | يَرَى قَائِمٌ مِن دُونها ما وَراءَها |
(٢) قال الليث: فرخ القطاة، وقال الأصمعي: فرخ الحبارى. انظر: "تهذيب اللغة" (نهر) ٤/ ٣٦٧٤، "الصحاح" (نهر) ٢/ ٨٤٠، وفي "القاموس": فرخ القطا أو ذكر البوم، أو ولد الكروان أو ذكر الحبارى (نهر) ص ٤٨٩.
(٣) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٣٥، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٧٣، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٤) في (ب): (لحراء).
(٥) لعله بهذا يشير إلى الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - ﷺ - كان على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير فتحركت الصخرة، فقال رسول الله - ﷺ -: "اهدأ فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد" مسلم (٢٤١٤). كتاب فضائل الصحابة، فضائل طلحة والزبير، وأخرج أبو داود نحوه وفيه. "أثبت حراء.. " "سنن أبي داود" (٤٦٤٨)، كتاب: السنة، باب: الخلفاء، وأخرجه ابن ماجه في المقدمة (فضائل العشرة).
وروي أنه قال: "كان موسى عليه السلام يخرج من الرَّوحاء يؤمُّ هذا البيت يُلبّي، ومقامُ الروحاء يُجاوبه" (٤). وكذلك قوله: ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [الحشر: ٢١] يدل على عقل
(٢) في (ب): (لا أعرف).
(٣) أخرج مسلم نحوه عن جابر بن سمرة ولفظه: "إني لأعرف حجرا بمكة كان يسلم
علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن" مسلم (٢٢٧٦). كتاب الفضائل، فضل نسب
النبي - ﷺ - وتسليم الحجر عليه)، وأخرجه الترمذي (٣٦٢٤) أبواب المناقب، باب
(في إثبات نبوة النبي - ﷺ - وما خصه الله به). معه "عارضة الأحوذي "، والدارمي في
"سننه " باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر والبهائم والجن ١/ ١٢، وأحمد في
"مسند" ٥/ ٨٩، ٩٥، ١٠٥.
(٤) لم أجده بهذا اللفظ، وأخرج أحمد بسنده عن ابن عباس أن رسول الله - ﷺ - مر بوادي الأزرق، فقال: "أي واد هذا؟ "، قالوا: هذا وادي الأزرق، فقال: "كأني انظر إلى موسى عليه السلام وهو هابط من الثنية وله جؤار إلى الله عز وجل بالتلبية".. "المسند" ١/ ٢١٥، ٢١٦. وأخرج عن ابن عباس وفيه: "وأما موسى عليه السلام. فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه إذا انحدر من الوادي يلبي" "المسند" ١/ ٢٧٧، وانظر "البداية والنهاية" ١/ ٣١٦.
وقيل: إن الخشية في اللفظ للحجر، وفي المعنى للناظر إلى الحجر، وذلك (٣) أنه تعالى يهبط الحجارة [دلالة للناظر على قدرة الله، فيحمله ذلك على الخشية، فنسب الخشية إلى الحجر] (٤) لما كان منه بسبب مجازاً (٥)، كما تقول العرب: لفلان ناقة تاجرة، أي: تامة سمينة تُنفِّق نفسها وتدعو إلى (٦) شرائها والتجارة فيها، كذلك قال: الحجارة خاشية من الله، أي: داعية إلى الخشية (٧)، ومعنى الآية: وإن منها ما يهبط فيدعو الناظرَ إليها إلى (٨) خشية الله.
وقال مجاهد: كلُّ حجر تفجّر منه الماءُ أوتشقّق عن ماء أو تردّى من
(٢) ذكر نحوه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٦٥، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٧٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٣) في (ب): (وقيل أنه تعالى).
(٤) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٥) في (ب): (مجاز).
(٦) في (ب): (إلى الله سرابها).
(٧) ذكر الطبري في "تفسيره" نحوه ١/ ٣٦٥، "تفسير الماوردي" ١/ ٣٧٤، "تفسير ابن عطية" ١/ ٣٥٧ - ٣٥٨، قال الزجاج: (وقال قوم إنها أثر الصنعة التي تدل على أنها مخلوقة، وهذا خطأ، لأن ليس منها شيء ليس أثر الصنعة بينًا في جميعها، وإنما الهابط منها مجعول فيه التميز..) "معاني القرآن" ١/ ١٣٠، وانظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٣٩٥، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٢١ - ٢٢٢.
(٨) (إلى): ساقط من (ب).
٧٥ - وقوله تعالى: ﴿أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ يعني النبيَّ والمؤمنين (٩). ومعنى الطمع: تعليقُ النفس بما يُرجى ويُظَنّ (١٠). وَالألف فيه ألفُ
(٢) في (ب): (فيغلب).
(٣) في (ب): (فتصير).
(٤) في (ب): (فقال).
(٥) كذا في جميع النسخ، وفي "الحجة" (اعطاكه) ٢/ ١١٣، وهو الصواب.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٧) قوله: (ومعناه) ساقط من (ب).
(٨) انتهى من "الحجة" لأبي علي ٢/ ١١٣ - ١١٤، وانظر: "حجة القراءات" لابن زنجلة ص١٠١، "الحجة" لابن خالويه ص ٨٢، "الكشف" ١/ ٤٤٨.
(٩) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٦، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٤٩، عن ابن عباس والربيع بن أنس والحسن، "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٤.
(١٠) ينظر "المصباح المنير" ص ٣٤٨.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ اختلف القراء في مثل هذا، فقرأوا بالياء والتاء (٢).
والقول في جملة ذلك (٣) أن ما كان قبله خطاب جعل بالتاء ليكون الخطاب معطوفاً على خطاب مثله، كقوله: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ ثم قال: ﴿عَمَّا تَعْمَلُون﴾ فالتاء هاهنا حسن، لأن المتقدم خطاب.
ومن (٤) قرأ بالياء (٥) فمعناه: ما الله بغافل عما يعمل هؤلاء الذين أقتصصنا عليكم قصّتَهم (٦) أيها المخاطبون، وأما إذا كان قَلَبه غيبةً حَسُنَ أن
(٢) قرأ ابن كثير بالياء، وبقية السبعة بالتاء في هذه الآية، انظر: "السبعة" ص ١٦٠، "التيسير" ص ٧٤، "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ١٠١.
(٣) نقله عن "الحجة" لأبي علي بتصرف ٢/ ١١٣.
(٤) في (ب): (فمن).
(٥) في (ج): (الياء) بسقوط الباء.
(٦) في (ب): (قصته).
وعلى هذا القول معنى قوله: ﴿يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ أي: من موسى أو ممن سمعوه كما أنزل ثم غيّروه. ويجوز أن يكون معناه: يفهمون كلامَه. وقال ابن عباس (٢) ومقاتل (٣): نزلت هذه الآية في السبعين، الذين (٤) اختارهم موسى وذهبوا معه (٥) إلى الميقات، وسمعوا كلام الله عز وجل وهو يأمره وينهاه، فلما رجعوا إلى قومهم سألهم الذين لم يذهبوا معهم، فقالت طائفة منهم لم يرد الله أن يطهّر قلوبهم: سمعنا الله في آخر كلامه يقول: "إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا، وإن شئتم فلا تفعلوا ولا بأس" (٦).
(١) وهذا قول جمهور المفسرين، ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٤، "الوسيط" للواحدي ١/ ١٦٠ "أسباب النزول" للواحدي ص ٣١ وعزاه لأكثر المفسرين، "تفسير البغوي" ١/ ١١٣ و"تفسير ابن كثير" ص ١/ ١٢٢ - ١٢٣، ورجَّحه ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٠٣.
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٤٨ وذكره "الثعلبي" ١/ ٩٩٤، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٢٧، و"الوسيط" ١/ ١٦٠، و"البغوي" ١/ ١١٣.
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ١١٦، وذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٩٩٤، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٣١، "الوسيط" ١/ ١٦٠.
(٤) ليست في (أ).
(٥) قوله: (وذهبوا معه): ليست في (م).
(٦) وروي هذا القول عن ابن إسحاق والربيع بن أنس، رواه عنهما الطبري ٢/ ٢٤٦، وابن أبي حاتم ١/ ١٤٨وذكره ابن كثير ١/ ١٠٥، ورجحه الطبري محتجًّا بأن الله أخبر أن التحريف كان ممن سمع كلام الله، وهؤلاء الذين كانوا في عهد =
وقوله تعالى: ﴿أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ﴾ يعني به: جماعة اليهود (٣)؛ لأنّه قال: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ﴾ [البقرة: ١٤٥]. يعني به: جماعتَهم؛ لأن الخاصةَ تتبعُ العامة.
﴿وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ﴾ أي: جماعة. وأصله من الفَرْق، ومعناه: طائفة فرقت من الجملة كالفئةِ، قالوا: أصلها من فأوتُ (٤) رأسَه: أي: شَقَقْتُه (٥).
واختلفوا في هذا الفريق، فقال مجاهد (٦) وقتادة (٧) والسُدّي (٨):
(٢) في (م): (الإنكاري) وفي (أ): (الإنكار).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٤.
(٤) هذا مما يذكر في الواوي واليائي، أي فأوت وفأيت، وقوله: الفئة على وزن فعة، قال الأزهري في "تهذيب اللغة": وكانت في الأصل فئوة بوزن فعلة فنقص. انظر "لسان العرب" ٦/ ٣٣٣.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٦.
(٦) رواه مجاهد في "تفسيره" ص ٨٠ ومن طريقه (الطبري) ٢/ ٢٤٥، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٤٩، وذكره "الثعلبي" في "تفسيره" ١/ ٩٩٤ وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٠٣ - ١٠٤، "ابن كثير" في "تفسيره" ص ١٢٢ - ١٢٣.
(٧) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٤٩ وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٩٩٤، ابن كثير في "تفسيره" ص ١٢٢ - ١٢٣.
(٨) رواه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٦٧، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٤٩ وذكره =
والآخر: يضاف إليه على معنى الحكاية لما كان مظهرًا له.
يوضح ذلك أنك تقول: هذا كلام سيبويه (٢) بعينه إن لم يحكه الحاكي على المعنى دون تأدية اللفظ (٣)؛ ولهذا نقول: القرآن كلام الله على الحقيقة، وإن كنا لا نسمعُ الله يقولُ ذلك عند تلاوته.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ﴾ التحريفُ: تفعيلٌ من الحَرْف، والحَرْفُ في أصل اللغة: حدّ الشيء وحِدَتُهُ، ومِنْه يقال: طعامٌ حِرِّيْفٌ، يراد حِدَّتُهُ، فالتحريف أن يَجْعَلَ للشيء حَرْفًا كتحريف القلم. هذا أصل معناه في اللغة، ثم استعمل في معنى الإمالة والتغيير، وهذا المعنى راجع إلى أصله في اللغة؛ لأن بالإمالة يصير الشيءُ ذا حَرْفٍ، ألا ترى أن القلم إنما يصير مُحَرَّفًا إذا أُمِيلَ قَطْعُهُ في أحد الجانبين، فصار التحريف اسمًا لتغيير الشيء عن وجهه (٤).
(٢) هو: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، وقد تقدمت ترجمته في المقدمة.
(٣) يريد: إن حكاه الحاكي بلفظه. ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٣، "اللسان" ٢/ ٩٥٤، "مقاييس اللغة" ٢/ ٤٢.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٨، "تهذيب اللغة" ١/ ٧٨٦، "المفردات" للراغب ص ١٢١ وقال: وتحريف الشيء إمالته كتحريف القلم، وتحريف الكلام أن تجعله على حرف من الاحتمال يمكن حمله على الوجهين.
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٧ - ٣٦٨.
(٢) هوة عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي، أحد سادات قريش في الجاهلية، وأشد الناس عداوة للنبي - ﷺ - في صدر الإسلام، حتى كانت وقعة بدر الكبرى فشهدها مع المشركين فكان من قتلاهم. ينظر: "السيرة النبوية" ٢/ ٣٥٨.
ومعنى قوله: ﴿بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ قال ابن عَبَّاسٍ (٢) وأبو العالية (٣) والحسن (٤) وقتادة (٥) أي: من العلم بصفةِ محمد - ﷺ - المبشَّر به ونعتِهِ.
وقوله تعالى: ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ﴾ معنى المحاجة: المجادلة والمخاصمة. وأصل الكلمة: من القصد، ومنه: حَجَّ البيتَ، والحجة: النكتة (٦) التي هي القصد في تصحيح الأمر، والمحجة: الطريقُ القاصدُ بك إلى الغرض الذي تؤمّه (٧).
ومعنى قوله: ﴿لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ﴾ أي: ليجادلوكم، يعني: أصحاب محمد، ويقولون: قد أقررتم أنه نبي حقٌّ في كتابكم ثم لا تتّبعونه، فهذه حجة لهم عليكم (٨).
وقوله تعالى: ﴿عِندَ رَبِّكُم﴾ قال أبو بكر (٩): معناه: في حكم ربكم، كما تقول: هذا حلال عند الشافعي، أي: في حكمه، وهذا يحل عند الله:
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٧٠.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٧٠، و"ابن أبي حاتم" ١/ ٧٨١.
(٤) بنحوه أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٧٨٥، ٧٨٧.
(٥) أخرجه الطبري ١/ ٣٧٠ بأسانيد عن قتادة.
(٦) في (م): (النكة). والنكتة هي النقطة.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٤٤ - ٧٤٦ مادة حج، "مقاييس اللغة" ٢/ ٢٩ - ٣١.
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٦.
(٩) يعني: ابن الأنباري.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ قال ابن عباس (٢) والحسن (٣) وقتادة (٤) (٥): يعني منافقي اليهود، كانوا إذا رأوا المؤمنين قالوا: آمنّا بمحمد أنه نبي صادق نجده في كتابنا، فإذا رجعوا إلى رؤسائهم لاموهم على ذلك (٦).
وقالوا: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾. ومعنى التحديث: الإخبار عن حوادث الزمان. وأصل الفتح: نقيض الإغلاق، ثم يدخل في هذا فتح البلاد، وفتح المِغْلاق، وفتح المُشكل من الحكم، وفتح الباب، وكلّ مَا بَدَأتَ به فقد استفتحته، وبه سميت فاتحة الكتاب، ومعنى استفتحته:
(٢) رواه الطبري في تفسيره ٢/ ٢٤٩، ٢٥٠.
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٥١.
(٤) رواه الطبري في تفسيره بمعناه عنه ١/ ٣٦٩، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ١٤٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٩٠.
(٥) أخرج أثر ابن عباس: ابن جرير الطبري ١/ ٣٦٩. وأخرج ابن أبي حاتم أثر الحسن ١/ ٧٨٥، وذكره عن قتادة ١/ ٧٧٩، ٧٨٧، ونسبه السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ١٥٧ إلى عبد بن حميد.
(٦) روي هذا القول أيضًا عن السدي وأبي العالية، والربيع بن أنس، ومجاهد وعطاء وابن زيد، ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٩ - ٣٧٠، "ابن أبي حاتم" ١/ ١٤٩ - ١٥٠ "زاد المسير" ١/ ١٠٤، "الدر المنثور" ١/ ١٥٧.
فأمَّا الغواشي والجوابي (٥) والجواري والليالي فليس فيها إلَّا التخفيف؛ لأنّها منقوصات، وواحدَتُها خفيفة (٦).
والأمنيَّة: من التمنّي، كالأغنية من التغنّي. قال الكسائي: أصل التمني في اللغة: حديثُ الرجلِ نفسَه، والعرب تقول: تركتُه قاعدًا يتمنى، أي: يحدث نفسَه.
وأنشد لكعب بن مالك (٧) يرثي أباه:
(٢) ساقطة من (أ) و (ش).
(٣) قال أبو حاتم: كل جمع من هذا النحو، واحده مشدّد فلك فيه التخفيف والتشديد، مثل: بَخَاتي، وأثافي، وأغاني، وأماني ونحوها ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٧٦ - ٣٧٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٤، "المحتسب" لابن جني ١/ ٩٤ "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٩.
(٤) القرقور: السفينة العظيمة الطويلة.
(٥) في (م): (الجواني).
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٩، "معاني القرآن" للأخفش الأوسط ١/ ١١٧ - ١١٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٣٧٦ - ٣٧٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٥٩، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥، "المحتسب" لابن جني ١/ ٩٤.
(٧) هو: كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله - ﷺ - وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم، اختلف في تاريخ وفاته بين ٤٠ و٥٠ هـ وغيرها. ينظر: "أسد الغابة" ٤/ ٤٨٧ - ٤٨٩، "الإصابة": ٣/ ٣٠٢.
٧٨ - قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾ قال أبو إسحاق: معنى الأمي في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلّة (٢) الأمة: أي: لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه (٣).
وقال غيره: قيل للذي لا يكتب: أمِّي؛ لأن الكتابة مكتسبة، فكأنه نُسِبَ إلى ما ولد عليه، أي: هو على ما ولدته أمّه.
وقال ابن الأنباري: إنما سمّي الذي لا يكتب، ولا يقرأ: أمّيّاً؛ لأنه نسب إلى أمّه، إذ كان النساءُ لا يكتبن في ذلك الدّهر (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَمَانِىَّ﴾ جَمْعُ أُمْنِيّة، وأُمْنِيَّة في الأَصْلِ. أُمْنُوية
(٢) في (ش): (حيلة).
(٣) "معاني القرآن" ١/ ١٥٩. وفي "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٤ مادة (أم) النص هكذا: معنى الأمي في اللغة المنسوب إلى ما عليه جبلته أمه.
(٤) ينظر. "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٤ - ٢٠٥، و"المحيط في اللغة" للصاحب بن عباد ١٠/ ٤٥٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ٤، و"اللسان" ١/ ١٢٣.
وقال ابن السكيت: يقال: هو مُنّي (١) بمَنَى مِيل، أي: بقدر ميل (٢).
وقال الفراء: يقال: مَنىَ الله لك ما يَسُرّك، أي: قَدّر لك. وأنشد:
ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله | حتى تَبَيّنَ (٣) ما يَمْني (٤) لَكَ الماني (٥) |
فأمَّا التفسير، فقال ابن عباس: ﴿إِلَّا أَمَانِيَّ﴾: إلا أحاديث (٧)، قال: لا يعلمون إلّا ما حُدّثوا.
وقال الفرَّاء: الأماني: الأحاديث المفتعلة، يقول الله: لا يعلمون الكتاب ولكن هو أحاديث مفتعلة ليست من كتاب الله يسمعونها من كبرائهم (٨)، وهذا قول الكلبي (٩). واختاره الزجّاج في أحد قوليه، وقال:
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٤ ولم أجده في كتابيه:"تهذيب الألفاظ"، و"إصلاح المنطق".
(٣) في (م): (يبين). وفي (ش): (بين) وفي "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٤: تُلاقيَ.
(٤) في (ش): (تمنى).
(٥) البيت لأبي قلابة الهذلي، في "شرح أشعار الهذليين" ص ٧١٣، ولسويد بن عامر "المصطلقي في لسان العرب" ٧/ ٤٢٨٢، وذكره في "تهذيب اللغة" عن الفراء ولم ينسبه ٤/ ٣٤٥٤.
(٦) لم أجده في مظنته من "معاني القرآن" للفراء، ونقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٤.
(٧) رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦١، و"ابن أبي حاتم" ١/ ١٥٢.
(٨) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٤٩ - ٥٠.
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٩٩٩، وينظر: "البغوي" ١/ ٨٨، "الخازن" ١/ ٧٧.
تمنّى كتابَ الله أولَ ليلِهِ | وآخرها (١) لاقى حِمَام المقادر (٢) |
وقال غيره: أصل هذه الكلمة عند أهل اللّغة من التقدير. والتمني: هو تقدير شيء تودُه، والمنيّة مقدرةٌ على العباد، والمَنَى الذي يوزن به: مقدار معروف، والمَنِيُّ: الذي يقدَّرُ منه الولد، والتمني: التلاوة؛ لأنها حكاية على مقدار المحكيِ، والمنا (٦): الحذاء؛ لأن أحد الشيئين بإزاء الآخر على مقداره (٧)، ومُنيت (٨) بكذا أي: قُدَر علَيّ.
والأمنية في هذه الآية: التلاوة؛ لأنها حكاية للكلام على مقدار
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٢٩٤ قاله في رثاء عثمان بن عفان، وينظر "تفسير ابن عطية" ١/ ١٦٩، "القرطبي" ٢/ ٥، وقيل: هو لحسان بن ثابت كما في "تفسير أبي حيان" ٦/ ٣٨٦، وليس في "ديوانه"، وبلا نسبة في "لسان العرب" ٧/ ٤٢٨٤، و"مقاييس اللغة" ٥/ ٢٧٧، وكتاب "العين" ٨/ ٣٩٠. ينظر "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية"، للدكتور/ أميل بديع يعقوب ٣/ ٣٧٠. وحمام المقادر: الموت.
(٣) في: (م) لعلها (يسمي).
(٤) في (م) و (ش): (ما).
(٥) في (ش): تحدث نفسه.
(٦) في (م): (المنا الذي).
(٧) ينظر: "القاموس" ١٣٣٦: (مادة: المنا).
(٨) في (م): (أمنيت).
وقال بعض المتأولين: من قال: المراد بالحجارة في قوله: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾] (٢) أنه يركَّب فيها التمييز والعقل، فقد أخطأ (٣)، إذ كان لا يُستنكر ذلك ممن جُعِل فيه التمييز، ولكن هذا على جهة (٤) المثل، كأنه يهبط من خشية الله لما فيه من الانقياد لأمر الله الذي لو كان من حيّ قادر لدلَّ على أنه خاشٍ لله كقوله: ﴿جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ﴾ [الكهف: ٧٧]، أي: كأنه مريد. وكقول جرير:
لمَّا أَتَى خَبَرُ الزُّبَيْرِ تَوَاضَعَتْ | سُورُ المدينةِ والجِبَالُ الخُشَّعُ (٥) |
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ب).
(٣) نسب الرازي هذا القول للمعتزلة ٣/ ١٣١.
(٤) في (ب): (على وجه).
(٥) من قصيدة قالها جرير في هجاء الفرزدق، يقول: لما وافى خبر قتل الزبير إلى المدينة تواضعت هي وجبالها وخشعت حزنا له، لأن قاتل الزبير من رهط الفرزدق. ورد البيت في مواضع كثيرة منها،"الكتاب" ١/ ٥٢، "مجاز القرآن" ١/ ١٩٧، "الكامل" ٢/ ١٤١، "المقتضب" ٢/ ١٩٧،"المذكر والمؤنث" لابن الأنباري ص ٥٩٥، "جمهرة أمثال العرب" ٢/ ٣٣٣٩، "الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٩٦، "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٣٧، والطبري في "تفسيره" ١/ ٢٦١، ٣٦٥، "الخزانة" ٤/ ٢١٨، "الخصائص" ٢/ ٤١٨، "المخصص" ١٧/ ٧٧، "تفسير القرطبي" ١/ ٣٩٥، "البحر المحيط" ١/ ٢٦٦، "رصف المباني" ص ٢٤٤، "ديوان جرير" ص ٢٧٠.
(٦) في (ب): (للتذل ظهر الذي فيها).
قال ابن الأنباري (٤): والمُنى تشبه الكذب لأنه لا حقيقة لها، والعرب تذمّها كما تذم الكذب، قال الشاعر:
فَلا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ ومَا وَعَدَتْ | إنَّ الأمَانِيَّ وَالأحْلامَ تَضْلِيلُ (٥) |
وقيل: يقرءون في الكتاب ولا يعلمونه بقلوبهم، فهم لا يعلمون
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٥٩.
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٣٤.
(٤) في (م): (الأنبار).
(٥) البيت لكعب بن زهير، ينظر: "ديوانه" ص ٩، "لسان العرب" ٧/ ٤٢٨٤، "المعجم المفصل" ٦/ ٣٤٧.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٩، وليس هو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٦
(٨) ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٤٦.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٥٩.
(١٠) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٩٩٩، "تفسير البغوي" ١/ ٨٨ "زاد المسير" ١/ ١٠٥.
قال ابن الأزهري: والتلاوة سميت أمنية؛ لأن تالي القرآن إذا مر بآية رحمة تمنّاها، وإذا مرّ بآية عذاب تمنّى أن يُوَقّاه (٣).
وقال الحسن (٤) وأبو العالية (٥) وقتادة (٦): أي: إلّا أن يتمنوا على الله الباطل والكذب، ويتمنون على الله ما ليس لهم، مثل قولهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: ٨٠]، وقولهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا﴾ [البقرة: ١١١]، وقولهم: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ﴾ [المائدة: ١٨]. قال ابن الأنباري: والاستثناء على هذا التأويل منقطع عن الأوّل، يريد. لا يعلمون الكتاب البتة، لكنهم يتمنون على الله مالا ينالون (٧).
(٢) ينظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٥٦.
(٣) "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٣٤.
(٤) ذكره "الثعلبي" في "تفسيره" عنه ٢/ ١٠٠١، وينظر: "الوسيط" للمصنف ١/ ١٦٢، و"البغوي" ١/ ٨٨.
(٥) أخرجه الطبري في تفسيره بمعناه ٢/ ٣٧٤ - ٣٧٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٥٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠١.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/، وفي "تفسير الطبري" بمعناه ١/ ٣٧٥، وذكره "أبن أبي حاتم" ١/ ١٥٢ عنه وعن الربيع بن أنس بلا إسناد، وينظر: "التفسير الصحيح" ١/ ١٨٠.
(٧) وقد رجح الشنقيطي هذا القول في أضواء البيان ١/ ١٤١ وبين أن مما يدل لهذا القول: قوله تعالى ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ [البقرة: ١١١] وقوله ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: ١٢٣] وبين أن القول الأول لا يتناسب مع قوله: ومنهم أميون لأن الأمي لا يقرأ. =
قال ابن عبّاس في قوله: (وإن هُم إلّا يظنون): أي: لا يعلمون الكِتَابَ، ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظَنّ (٤).
قالَ أصحاب المعاني: ذمّ الله بهذه الآية قومًا من اليهود، لا يحسنون شيئًا وليسُوا على بصيرة إلّا ما يحدّثونَ به، أو إلّا ما يقرءون عن غَيْرِ عِلم به (٥). ففيه حثٌّ علَى تعلّم العلم؛ حتّى لا يحتاج الإنسان إلى تقليد غيره، وأن يقرأ شيئًا لا يكون له به معرفة.
قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ الآية. قال ابن عباس: الوَيْل شِدّة العَذَاب (٦).
(١) زيادة من (ش).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٧٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٠١، "تفسير البغوي" ١/ ١١٥.
(٣) نقل القرطبىِ في "تفسيره" ٢/ ٦ عن أبي بكر الأنباري عن أحمد بن يحيى النحوي: أن العرب تجعل الظن علمًا وشكًّا وكذبًا، وقال: إذا قامت براهين العلم فكانت أكثر من براهين الشك فالظن يقين، وإذا اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك، وإذا زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب.
(٤) رواه الطبري في تفسيره ١/ ٢٧٧.
(٥) ينظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية ١/ ٣٦٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٦.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١١٥، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٧٨ بلفظ: فالعذاب عليهم.
وقال ابن قتيبة: قال الأصمعي: الويل تقبيح (٢)، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: ١٨].
وروى الأزهري عن المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال: قولهم: ويل (٣)، كان أصلها (وي) وُصِلت بـ (له)، ومعنى (وي): حزن، ومنه قولهم: ويه (٤) معناه: حزن، أُخْرج مُخْرجَ الندبة (٥) (٦).
وحكى ابن الأنباري عن الفراء: أن أصل هذه الكلمة: وي لفلان، وهو حكاية صوتِ المصاب وَي وَي، فكثر الاستعمال للحرفين، يعني: وي لفلان فوُصِلتْ اللام بوي وَجُعِلَتْ معها حرفًا واحدًا، ثم خُبِّر عَن ويل بلام أُخرى.
وقرأت على أبي الحُسين الفسوي، فقلت: أخبركم حمد بن محمد الفقيه، قال: أخبرني أبو عمر (٧)، قال: حضرنا مجلس أبي العباس أحمد
(٢) ينظر: "اللسان" ١١/ ٧٣٩.
(٣) في "تهذيب اللغة": (ويله).
(٤) في الأصل ويه، والمثبت من "اللسان".
(٥) الندبة: وهي نداء متفجع عليه حقيقة أوحكما أو متوجع منه. ينظر: "طرح التثريب" ١/ ١٥٤، "المصباح المنير" ص ٥٩٧.
(٦) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٦٩.
(٧) هو: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر اللغوي الزاهد، المعروف بغلام ثعلب، لازم ثعلبًا في العربية فأكثر عنه إلى الغاية، له مصنفات كثيرة منها: "فائت الفصيح"، و"الياقوتة"، وغيرها، توفي سنة ٣٤٥ هـ. ينظر: "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٥٠٨ - ٥١٣، و"تاريخ بغداد" ٢/ ٣٥٦ - ٣٥٩.
تَوَيّل إذ ملأتُ يدي وكانَتْ | يميني لا تعلّلُ (٢) بالقليل (٣) |
وسمعتُ من يوثق بعلمه يقول: أخطأ أبو عمرو، لم يأت من هذا الباب ما أَوَّلُه واوٌ ولا ياءٌ في الأجوف. وروي عن أبي سعيد الخدري (٤) مرفوعًا قال: "ويْلٌ: وادٍ في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره" (٥).
(٢) في (ش): (لا تغلل).
(٣) البيت بلا نسبة في: "الممتع في التصريف" ٢/ ٥٦٨، وفي "لسان العرب" ٨/ ٤٩٣٩، "المعجم المفصل" ٦/ ٥٨٧.
(٤) هو: الصحابي الجليل، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، اشتهر بكنيته أبو سعيد الخدري، من فقهاء الصحابة ومكثريهم في رواية الحديث، شهد ما بعد أحد، وتوفي سنة ٧٤ هـ. ينظر: "أسد الغابة" ٢/ ٣٦٥، و"الأعلام" ٣/ ٨٧.
(٥) أخرجه أحمد ٣/ ٧٥، وعبد بن حميد ٩٢٤، والترمذي في التفسير، سورة الأنبياء برقم (٣١٦٤)، ، الطبري في تفسيره ١/ ٣٧٨، والحاكم ٢/ ٥٠٧ أبو يعلى في "مسنده" ٢/ ٥٢٣ والبيهقي في "البعث والنشور" برقم ٥٣٧ من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، ودراج ضعيف، وصححه الحاكم، وأحمد شاكر وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث ابن لهيعة وتعقبه ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٢٥ فقال: لم يتفرد به ابن لهيعة كما ترى ولكن الآفة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعا منكر، والله أعلم.
والأصل في هذا: أنه قد يضاف الفعل إلى الفاعل وغير الفاعل له، كقوله: ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ [القصص: ٤]، والمراد بذلك: أنه يأمر بالذبح فَيُمتثل أمره. فلما كان الفعلُ قد يُضاف إلى غير الفاعل أُكّدَت الإِضافة بذكر اليد؛ للتحقق وينتفي الاحتمال، ثم استعمل هذا التأكيد (٤) أيضا في فعل الله تعالى وإن لم يجز في وصفه يد الجارحة؛ لأن المراد بذكر اليد تحقيق الإضافة على ما بيّنا.
وقال ابن السراج: معنى يكتبون بأيديهم، أي: من تلقائهم ومن قبل أنفسهم من غير أن يكون أُنزل عَلَيهم أو على من قبلهم (٥)، وهذا كما يقال للذي يُبدعُ (٦) قولًا لَم يُقَلْ قبله: هذا أنت تقوله (٧)، يراد بذلك: أنت ابتدعت هذا المذهب وهذا الحكم.
(٢) هذا تأويل من المؤلف رحمه الله، جرى فيه على مذهب الأشاعرة. والصواب ما عليه السلف من إثبات الصفات لله من غير تَأَويل ولا تكييف ولا تمثيل.
(٣) في (أ) و (م): (كما).
(٤) في (ش): (التاليد).
(٥) انظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٨.
(٦) في (ش): (يبيع).
(٧) في (ش): (بقوله).
٨٠ - وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ يعني: اليهود لما أوعدهم رسول الله - ﷺ - بالنار عند تكذيبهم إياه، قالوا: لن تمسَّنا النار إلّا أيامًا معدودة (٢): أي: قليلة، والمعدودة إذا أطلقت كان معناها القليلة، كقوله: ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف: ٢٠] قيل معناه: معدودة عندنا. قال ابن عبّاس: قالت اليهود: مدّة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما نعذَّب بكل ألف سنة يومًا واحدًا (٣).
وقال قتادة (٤) وعطاء (٥): يعنون الأيام التي عبد آباؤهم فيها العجل،
(٢) انظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٨٠ - ٣٨١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٠٦.
(٣) أخرجه عنه الطبري ٢/ ٢٧٨، وابن أبي حاتم ١/ ١٥٥، وسنده حسن كما في "التفسير الصحيح" ١/ ١٨٤ والطبراني في "الكبير" ١١/ ٩٦، وهو مروي عن مجاهد أيضًا كما عند الطبري ١/ ٣٨٢.
(٤) أخرجه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" بسند صحيح ١/ ٥١ ومن طريقه رواه الطبري في تفسيره ١/ ٣٨١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٥٥، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٠٧، ينظر: "التفسير الصحيح" ١/ ١٨٤.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠٧، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١١٦.
ويحتمل أن تكون منقطعة (١)، على تقدير تمام الكلام قبلها، كأنه تم الكلام عند قوله: ﴿فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ﴾ ثم استأنف بـ (أم) على معنى: لا تقولون على الله مالا تعلمون. وكذا تقديرها وإن كانت منقطعةً (٢).
٨١ - قوله تعالى: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً﴾ قال الفراء: (بلى): تكون جوابًا للكلام الذي فيه الجحد، فإذا قال الرجل: ألست تقوم؟ فتقول: بلى. ونَعم جواب للكلام الذي لا جحد فيه، فإذا قال الرجل: هَل تقوم؟ قلت: نعم. قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى﴾ [تبارك: ٨، ٩]، وقال: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢]، وقال: ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ﴾ [الأعراف: ٤٤]، وإنما صارت (بلى) تتصل بالجحد؛ لأنّها رجوع عن الجحد إلى التحقيق، فهي بمنزلة (بَل)، و (بل) سبيلها أن تأتي بعد الجحد، كقولهم: مَا قام أخوك بل أبوك، وما أكرمت أخاك بل أباك.
فإذا قال الرجل للرجل: ألا تقوم، فقال: بلى، أرادَ: بل أقوم، فزاد الياء على (بل) ليحسن السكوت عليها؛ لأنه لو قال: بل كان يتوقع كلامًا بعد بل، فزاد الياء (٣) على بل ليزول عن المخاطب هذا
(٢) كذا في الأصل، ولعل الصواب: كذا تقديرها إن كانت منقطعة.
(٣) أراد الألف المقصورة، وهكذا عدها الفراء ألفًا.
وَكَفَى بِنَا فَضلًا عَلَى مَنْ غَيْرِنا | حُبُّ النبيِّ محمّدٍ إيّانا (٦) |
(٢) في (م): (فقالوا).
(٣) ينظر في معنى (بلى): "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٣٤، و"البحر المحيط" ١/ ٢٧٩، و"مغني اللبيب" ١/ ١١٣ - ١١٤.
(٤) قال أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٢٧٩: (من) يحتمل أن تكون شرطية، ويحتمل أن تكون موصولة، والمسوغات لجواز دخول الفاء في الخبر إذا كان المبتدأ موصولًا موجودة هنا، ويحسنه المجيء في قسميه بالذين، وهو موصول.
(٥) في (ش): (تكون) في الموضعين.
(٦) البيت ذكره ابن هشام في "مغني اللبيب" ١/ ٣٢٨، وابن الشجري في "الأمالي" ٢/ ٣١١ منسوبا إلى حسان، ونسبه الزبيدي في "التاج" (مادة: من)، والبغدادي في "الخزانة" ٢/ ٥٤٥ إلى كعب بن مالك، انظر: "ديوان حسان" ١/ ٥١٥.
يا رُبَّ مَن يبغض أذوادنا.. (١) البيتَ.
ودخول "رُبَّ" يدل على أنه نكرة (٢).
والسيئة فيعِلة (٣) من السوء في قياس قول الخليل، وَفعيلَةٌ في قياس قول الفراء، وهذا مثل ما ذكرنا في الصيِّب (٤).
قال اللّيث: والسيئ والسيئة: عملان قبيحان يَصِير السيئ نَعتًا للذكر الأفعال، والسيئة: الأنثى (٥)، يقال: ساء الشيء يَسوء فهو سَيئٌ، إذا قبح، وساء ما فعل، أي: قبح (٦).
وإجماع أهل التفسير: أن السيئةَ هاهُنا الشرك (٧)، وأنّ الآية وردت
رُحْنَ على بغضائه واغْتَدين
قاله عمرو بن قميئة كما في "الكتاب" لسيبويه ١/ ٣١٥ وقيل: لعمرو بن لأي التيمي. ينظر: "الوحشيات" ص ٩، "معجم الشعراء" ٢١٤، "المقتضب" ١/ ٤١، "الإغفال" ص ٣١٨.
(٢) ينظر في (رُبَّ): "المقتضب" للمبرد ٤/ ١٣٩ - ١٥٠، و"مغني اللبيب" ١/ ١٣٤ - ١٣٨، وقال في "القاموس" ٨٧: ورُبَّ، ورُبَةَ، ورُبَّما، وربتما، بضمهن مشددات ومخففات، وبفتحهن كذلك حرف خافض لا يقع إلا على نكرة.
(٣) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٣٦٥، "المقتضب" للمبرد ١/ ١٢٥، "اللسان" ٤/ ٢١٦١ (مادة: سوأ).
(٤) راجع "البسيط" [البقرة: ١٩].
(٥) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٨٣.
(٦) نقله عنه في: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٨٣، "اللسان" ٤/ ٢١٦١.
(٧) هذا الإجماع ذكره الواحدي أيضًا في "الوسيط" ١/ ١٦٤، والصحيح: أن هذا قول أكثر السلف، والقول الآخر: أن السيئة هي كبائر الذنوب التي توعد الله عليها =
وقوله تعالى: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُه﴾ لا يَخلو معناه من أحد أمرين: إمَّا أن يكون المعنى: أحاطت بحسنته خطيئته، أي: أحبطتها من حيثُ كان المحِيط أكبر مِنَ المحاط به، فيكون كقوله: ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ [العنكبوت: ٥٤]، وقوله: ﴿أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩]، ويكون المعنى في (أحاطت به خطيئته): أهلكته، من قوله: ﴿لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ﴾ [يوسف: ٦٦]، وقوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾ [يونس: ٢٢]، وقوله: ﴿وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ﴾ [الكهف: ٤٢] وهذا كله في معنى البوار.
وقد يكون للإحاطة معنى ثالث، وهو العلم كقوله: ﴿وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا﴾ [الكهف: ٩١]. وقال: ﴿وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ﴾ [البروج: ٢٠].
(١) ذكر الإجماع على أنها في اليهود الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٦٢ قال: والإجماع أن هذا لليهود خاصة، لأنه عز وجل ذكرهم؛ والطبري في تفسيره لم يذكر سوى ذلك، وكأن المؤلف نقض الإجماع بقوله: وقد قيل.
وقال ابن السراج: أحاطت به خَطِيئته، أي: سُدّت عليه مَسَالك النجاة، وهذا لمن هو في معلوم الله أنه لا يؤمن. وأما الخطيئة فقال أبو زيد: خطِئْتُ من الخطيئةِ، أَخْطأ خَطْئًا، والاسم الخِطْءُ، وأخطأت إِخطاءً، والاسمُ الخَطَاء (٢).
وقال الأخفَش: الخطأ: الإثم وهو ما أصابه متعمدًا والخِطء غير المتعمد. ويقال من هذا: أخطأ يُخْطِئُ. قال الله تعالى: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [الأحزاب: ٥] واسم الفاعل من هذا: مخطئ، فأمّا خطيئة فاسم الفاعل منه: خاطئٌ، وهو المأخوذ به فاعله، وفي التنزيل: ﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ [الحاقة: ٣٧] (٣).
اللّيث: الخطيئة: الذنب على عمد (٤).
قال أبو علي: والخطيئة تقع على الصغير والكبير، فمن وقوعها على الصغير قوله: ﴿وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء: ٨٢]. ووقوعها على الكبير قوله: ﴿وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ﴾ (٥). واختلف القراء في هذا الحرف فقرأ أهل المدينة (خطيئاته) بالجمع، والباقون على الوحدة (٦)؛
(٢) ينظر: "الحجة" ٢/ ١١٥، "تهذيب اللغة" ١/ ١٦٠، "اللسان" ٢/ ١٢٠٥.
(٣) "الحجة" ١/ ١١٥.
(٤) ذكره في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦٠، "اللسان" ٢/ ١٢٠٥ولم ينسبه لليث.
(٥) "الحجة" لأبي علي ١/ ١١٦.
(٦) قرأ نافع وأبو جعفر بالجمع، والباقون بالإفراد، ينظر: "السبعة" ص ١٦٢، "والنشر في القراءت العشر".
فهذه أسماء مفردة مُضافة والمراد بها الكثرة، ومن جمَع حمله على المعنى، والمعنى الجمع والكثرة، فكما جُمع ما كان مُضَافًا إلى جمع كذلك يجمع ما كان مضافًا إلى مفردٍ يرادُ به الجمع من حيث اجتمعا في أنهما كثرة، ويدلّك على أن المراد به الكثرة. فيجوز من أجل ذلك أن تجمع خَطِيئةٌ على المعنى؛ لأنَّ الضمير المضاف إليه جمع في المعنى (٦).
(٢) "الحجة" ٢/ ١١٨ - ١١٩.
(٣) القفيز: مكيال معروف لأهل العراق، قال الأزهري: هو ثمانية مكاكيك، والمكوك: صاع ونصف، وهو خمس كليجات. ينظر: "النهاية" ٤/ ٩٠.
(٤) الإردب: مكيال معروف لأهل مصر، قال الأزهري وآخرون: يسع أربعة وعشرين صاعًا. ينظر: "النهاية" لابن الأثير ١/ ٣٧.
(٥) أخرجه مسلم في (٢٨٩٦) كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات.
(٦) ما تقدم بمعناه منقول من "الحجة" ٢/ ١١٩ - ١٢٠.
وقال غيرهم (١٠): هي الذنوب الكبيرة الموجبة لأهلها النار، وعلى
(٢) رواه عنه الطبري في تفسيره ١/ ٣٨٦، وذكره "الثعلبي" ١/ ١٠٠٩.
(٣) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٥٨، وانظرت "زاد المسير" ١/ ١٠٦.
(٤) هو الإمام الكبير، شيخ الكوفة أبو وائل، شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، مخضرم أدرك النبي - ﷺ - وما رآه، حدث عن الخلفاء وكثير من الصحابة، كان ثقة كثير الحديث، توفي سنة ٨٢ هـ. ينظر: "تاريخ بغداد" ٩/ ٢٦٨، "السير" ٤/ ١٦١ - ١٦٦.
(٥) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٥٨، والثعلبي ١/ ١٠٠٩.
(٦) هو: الربيع بن أنس البكري، من رواة الحديث، وممن اشتهر بالعلم والتفسير كان من التابعين، بصري نزل خراسان، صدوق له أوهام، توفي سنة ١٣٩ هـ وقيل: ١٤٠ هـ. ينظر: "تقريب التهذيب" ص ٢٠٥، (١٨٨٢) و"مشاهير علماء الأمصار" ص ١٢٦.
(٧) رواه عنه الطبري في تفسيره ١/ ٣٨٦ - ٣٨٧ وذكره ابن أبي حاتم ١/ ١٥٨، والثعلبي ١/ ١٠٠٩.
(٨) هو: عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي مولاهم، المدني، محدث مفسر، كان في نفسه صالحًا، وفي الحديث ذاهبًا، توفي سنة ١٨٢ هـ. ينظر: "الجرح والتعديل" ٥/ ٢٣٣، "تقريب التهذيب" ص ٣٤٠.
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠٩.
(١٠) ومنهم: مجاهد وقتادة والحسن والربيع بن أنس وأبو العالية، كما في "تفسير الطبري" ١/ ٣٨٦ - ٣٨٧، و"ابن أبي حاتم" ١/ ١٥٩، وقال ابن كثير ١/ ١٢٧ عقب هذه الأقوال والأقوال السابقة في الشرك: وكل هذه الأقوال متقاربة في المعنى، والله أعلم.
وقوله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ خبر المبتدأ الذي هو (مَن) كقوله: ﴿وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اَلله﴾ [النحل: ٥٣] (١).
فإن قيل: لم دخلت الفاء في خبر المبتدأ وأنت لا تقول: زيد فقائم. والجواب: إن الفاء تدخل في خبر المبتدأ إذا كان المبتدأ موصُولًا. نحو (مَنْ وما والذي) لتدلّ (٢) أنَّ الخبر يجب بوجوب معنى الصلة، كقولك: الذي في الدار فَلَهُ دِرْهَم. قال ابن السراج: دلت أنه وجب الدرهم لأجل الكون في الدار. ونذكر شرح هذه المسألة عند قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤]، إن شاء الله.
فإن قيل: لم جاءت الجملتان في قوله: ﴿فأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ بغير حرف عطف؟
والجواب: قال أبو بكر بن السراج: لأنهما خبران عن شيء واحد، وأيضا فإن الضمير يربط الكلام الثاني بالأول كما أن حرف العطف يربط به، ألا ترى أنّك تقول: مررت بزيد والناس يتراءون الهلالَ، فلا يجوز إسقاط الواو، فإن قلت: مررتُ بزَيْدٍ الناس عنده يتراءون الهلال، جاز إسقاط الواو وجاز إثباتها.
(٢) في (ش) و (م): (ليدل).
وقال الكسائي: يجوز أن يكون ﴿لَا تَعْبُدُونَ﴾ و ﴿لَا تَسْفِكُونَ﴾ في تقدير: لا تعبدوا، وكأن التقدير: أخذت ميثاقكم بأن لا تسفكوا (٥) إلا أنه لما حَذَفَ (أن) ارتفع الفعل، كقوله: ﴿أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ﴾ (٦) [الزمر: ٦٤].
وأنكر المبرد هذا القول، وقال: هو خطأ من وجهين: أحدهما: أن كل ما أضمر في العربية فهو يعمل عمله مُظْهَرًا، كقولهم: وبلدٍ قطعت، يراد: ورُبَّ بلد قطعت (٧) (٨)، وكقوله (٩) تعالى: ﴿نَاقَةَ الله﴾ [الشمس:
(٢) محمد بن المستنير بن أحمد البصري، أبو علي المعروف بقطرب.
(٣) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٢٨٢.
(٤) في (ش): (تكون).
(٥) ساقطة من: (أ) و (م) من قوله: (غير عابدين).
(٦) نقله عن الكسائي الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠١٣، وينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٣٣، "تفسير الطبري" ١/ ٣٨٨ - ٣٨٩، "البيان" لابن الأنباري ١/ ١٠١، "البحر المحيط" ١/ ٢٨٣.
(٧) مقولة المبرد نقلها القرطبي في "تفسيره" ٢/ ١٣.
(٨) ساقطة من: (أ) و (م).
(٩) في (م): (وقوله).
والثاني: أنه لا يجوز حذف الموصول في شيء من الكلام.
وليس الأمر على ما قاله المبرد، فقد أجاز قولَ الكسائي: الأخفشُ والفراءُ وقطرب والزجّاج وعلي بن عيسى (١) (٢)، ودعواه أن كل ما أضمر في العربيّة فهو يعمل عمله مظهرًا ليس كذلك، وهو على ضربين: منه ما هو على ما ذكر، ومنه ما ليس كذلك (٣)، كحروف الجر إذا حذفت وهي تزاد، كقوله:
أمرتك الخير (٤)..... البيت
يريد بالخير، وقال الله تعالى: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ﴾ [الأعراف: ١٥٥] فلما حَذف مِنْ وصل الفعل فنصب. كذلك هاهُنا لمّا حذف (أن) وصل
(٢) هو: علي بن عيسى بن الفرج بن صالح، أبو الحسن الربعي النحوي، صاحب أبي علي الفارسي، درس النحو وتفنن فيه حتى ما بقي له شيء يحتاج أن يسأل عنه، من مؤلفاته: "شرح مختصر الجرمي"، توفي سنة هـ ٤٢٠ ص. وينظر "إنباه الرواة" ٢/ ٢٩٧، و"تاريخ بغداد" ١٢/ ١٧ - ١٨.
(٣) في (أ): (كذلك) مكررة.
(٤) البيت: لعمرو بن معد يكرب، وتتمته:
أمرتُك الخيرَ فافعل ما أُمِرتَ به | فقد تركتُك ذا مالٍ وذا نَشَبِ |
وقوله: لا يحذف الموصول في شيء من الكلام ليس كذلك؛ لأن الموصول مع صلته بمنزلة اسم واحد، والاسم الواحد قد يحذف بعضه بالترخيم (١).
وقال كثير من النحويين: الزجّاج (٢) والفراء (٣) والأخفش (٤) في أحد قوليه: إن قوله: (لا تعبدون) جواب القسم؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة القسم، والدليل على ذلك قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١]، القسم بـ (لام)، فكذلك هو في النفي بـ (لا)، وكان المعنى: استحلَفناهم وقلنا لهم: والله لا تعبدون (٥) (٦).
قال الفراء: ويجوز أن يكون في موضع جزم على النهي، إلا أنه خرج مخرج الخبر، كقوله: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ﴾ [البقرة: ٢٣٣]. بالرفع ومعناه النهي، ويدل على أنه نهي قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾.
وقرئ لا تعبدون بالياء والتاء (٧)، وما كان من مثل هذا جاز أن يكون
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٢.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٣ - ٥٤، و"البحر المحيط" ١/ ٢٨٢.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٢٦.
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٤، والبحر المحيط ١/ ٢٨٢.
(٦) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ١١.
(٧) قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (لا يعبدون) بالغيب، وقرأ الباقون بالخطاب. انظر "السبعة" ص ١٦٢، "الحجة" ٢/ ١٢١، "النشر" ٢/ ٢١٨.
فأما قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٨٤]، وهذا لا يجوز (أن يكون) (٤) إلا على الخطاب؛ لأن المأخوذ ميثاقهم مخاطبون (٥)، ولأنك إن حكيت الخطاب كان التقدير: (أخذنا ميثاقكم فقلنا لكم: لا تسفكون) كان بالتاء.
فحجة من قرأ بالتاء (٦) قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ﴾ [آل عمران: ٨١] فجاء على الخطاب، ويقويه قوله: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ﴾.. الآية. فإذا كان هذا خطابًا وهو عطف على ما تقدّم وجب أن
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٤.
(٣) في (م): (الحكاية على حال الخطاب).
(٤) ساقطة من (م).
(٥) في (م): (مخاطبين).
(٦) أي في قوله: (لا تعبدون).
وقوله (٢): ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾. تقديره: وأحْسِنُوا بالوالدين إحسانًا، كأنه قال: لما أخذنا ميثاقهم قال: وقُلنا لهم: أحْسِنوا بالوالدين إحسانًا، كما قال: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا﴾ [البقرة: ٦٣]، أي: وقلنا لهم: خذوا، فالجار في الوالدين يتعلق بالفعل المضمر ولا يجوز أن يتعلق بالمصدر؛ لأن ما يتعلق بالمصدر لا يتقدم عليه.
و (أَحْسِنْ) يُوصَل بالباء كما يوصل بـ (إلى) (٣). يدلك على ذلك قوله: ﴿وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ﴾ [يوسف: ١٠٠]. فتَعَدّى بالباء كما تعدى بإلى (٤) في قوله: ﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ (٥) [القصص: ٧٧] هذا قول الزجاج (٦).
وقال بعضهم: المعنى: ووصيناهم بالوالدين إحسانًا (٧).
والقربى: القرابة في الرحم (٨).
(٢) في (ش): (وهو قوله).
(٣) في "الحجة" يصل بالباء كما يصل بـ (إلى).
(٤) من قوله: (يدلك). ساقط من (أ) و (م).
(٥) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٢٨ - ١٢٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٣، وانظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٢٧.
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠١٤، و"البحر المحيط" ١/ ٢٨٣ - ٢٨٤.
(٨) قال في "البحر المحيط" ١/ ٢٨١: القربى: مصدر كالرجعى، والألف فيه للتأنيث، وهي قرابة الرحم والصلب.
قال أحمد بن يحيى: معنى قولك: صبي يتيم: منفرد من أبيه، قال: واليتم (٣) في كلام العرب معناه: الانفراد.
قال: وأنشدنا ابن الأعرابي بيتًا، قال: فقلت له: زدنا، فقال: البيتُ يتيمٌ، أي: هو منفرد ليس قبله ولا بعده شيء.
ومنه قولهم: درة يتيمة، إذا لم يوجد لها نظير.
وقال الأصمعي: اليتيمة: الرملة المنفردة، قال: وكل منفرد ومنفردة عند العرب يتيم ويتيمة.
قال الفراء: يقال للغلام: يَتِم يَيْتَمُ يُتْمًا وَيَتْمًا، وحكي لي ما كان يَتِيمًا، ولقد يَتِم يِيتَم، وقَدْ أَيْتَمَهُ الله.
وقال المُفضّل: أصل اليُتْم: الغَفْلة، وبه سُمي اليتيم؛ لأنه يُتَغَافل عن بره.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٣، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٤٥٢ "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٧٤، "اللسان" ١٢/ ٦٤٥، وقال ابن بري: اليتيم الذي يموت أبوه، والعجي الذي تموت أمه، واللطيم الذي يموت أبواه. وقال ابن العربي في أحكام القرآن ١/ ٢١٥: اليتيم: هو في اللغة عبارة عن المفرد من أبيه، وقد يطلق على المفرد من أمه، والأول أظهر لغة، وعليه وردت الأخبار والآثار، ولأن الذي فقد أباه عدم النصرة، والذي فقد أمه عدم الحضانة، وقد تنصر الأم لكن نصرة الأب أكثر، وقد يحضن الأب لكن الأم أرفق حضانة.
(٣) في (م): (اليتيم).
وقوله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ الحُسنُ هاهُنا يحتمل وجهين:
أحَدُهُما: أن يكون لغة في الحَسَن، كالبُخْل والبَخَل والرُشْد والرَشَد وبابه، وجاء ذلك في الصفة كما جاء في الاسم، ألا تراهُم قالوا: العُرْبُ والعَرَبُ وهو صفة، يدلك على ذلك: قولك: قومٌ عُرْبٌ، فيكون الحُسْن على هذا صفة (٢).
وقد حكى الزجّاج عن الأخفش هذا القول، فقال: زعم الأخفش أنه يجوز أَنْ يكون (حُسنًا) في معنى حَسَنًا (٣).
الوجه الثاني: أن يكون الحُسْن مصدرًا كالكُفر والشُكر والشُغل، وحذف المضاف معه كأنه: قولًا ذا حُسْن (٤).
وقرأ حمزة والكسائي (حَسَنًا) (٥) وهو صِفَة، كَأنَّ التقدير: وقولوا للناس قولًا حَسَنًا، فحذف الموصوف، وحَسُن ذلك في حَسَنٍ لأنها
(٢) من "الحجة" ٢/ ١٢٧، وبنحوه في "معاني القرآن" القرآن للأخفش ١/ ١٢٧، ينظر "تهذيب اللغة" ١/ ٨١٣، "لسان العرب" ٢/ ٨٧٨ (مادة: حسن).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٣، ونقله أيضًا الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٢٣، وعنه ابن منظور في "اللسان" ٢/ ٨٧٨.
(٤) من "الحجة" ٢/ ١٢٧، وبنحوه في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٢٧.
(٥) قرأ حمزة والكسائي ويعقوب وخلف (حَسَنا) بفتح الحاء والسين، وقرأ الباقون بضم الحاء وإسكان السين. ينظر: "السبعة" ص ١٦٢، و"النشر" ٢/ ٢١٨.
وقال أبو الهَيثم (٣): أصل قولهم شيء حَسَنٌ. إنما هو شيء حَسِين؛ لأنه من حَسُنَ يَحسُنُ، كما قالوا: عَظُم فهو عظيم، إلا أنّه جاء نادِرًا (فَعَلٌ) في مَعنى (فَعِيل).
وحكى الأخفش عن بعض القراء: ﴿وقولوا للناس حُسْنَى﴾ بالتأنيث (٤) (٥).
وذلك (٦) لا يجوز عند سيبويه وسائر النحويين (٧)؛ لأن (أفعل)
(٢) كذا قال أبو علي في "الحجة" ٢/ ١٢٦ - ١٢٨.
(٣) هو: خالد بن يزيد الرازي، كان نحويَّا إمامًا علامة، اشتهر بكنيته، روى عنه الأزهري من طريق أبي الفضل، توفي سنة ٢٧٦ هـ. ينظر: "إنباه الرواة" ٤/ ١٨٨، ومقدمة "تهذيب اللغة" ١/ ٤٢.
(٤) كذا في "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٢٧.
(٥) قرأ بها: أبي وطلحة بن مصرف. ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠١٥، و"البحر المحيط" ١/ ٢٨٥، و"القراءات الشاذة" للقاضي ص ٣٠.
(٦) في (ش): (في ذلك).
(٧) قال النحاس في "إعراب القرآن": وهذا لا يجوز في العربية، لا يقال في هذا شيء إلا بالألف واللام، نحو الفضلى والكبرى والحسنى، هذا قول سيبويه. ونقل ذلك عن النحاس القرطبي في "تفسيره" ٢/ ١٦، وينظر "المحرر الوجيز" ١/ ١٠٩، وكذا رد القراءة ابن جرير الطبري في "تفسيره" ٣٩٠ - ٣٩١، قال: وأما الذي قرأ ذلك فإنه خالف بقراءته إياه كذلك قراءة أهل الإسلام إلى آخر ما قال. وقد ناقش أبو حيان هذه القضية وأطال فيها النفس في "البحر المحيط" ١/ ٢٨٥.
فأما معنى قوله: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ فقال ابن عباس (١) وسعيد بن جُبَير (٢) (٣) وابن جريج (٤) ومقاتل (٥) والزجاج (٦) والأكثرون: قولوا للناس صدقًا وحقًّا في شأن محمد - ﷺ -، فمن سألكم عنه فاصدقوه وبيّنوا له صفته، ولا تكتموا أمره، ولا تغيروا نعته.
وقال الربيع بن أنس: هذا على العموم في تحسين المقالة للناس كلهم (٧).
وقال الحسن والثوري (٨): يعني: الأمر بالمعروف والنهي عن
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠١٦.
(٣) هو: أبو عبد الله سعيد بن جبير الأسدي بالولاء، تقدمت ترجمته ٢/ ١٦.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٩٠ - ٣٩٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠١٦.
(٥) أخرجه عن مقاتل بن حيان ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦١، وذكره مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ١/ ١١٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠١٦.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ١٦٤.
(٧) لم أجده عن الربيع، لكن روى الطبري في تفسيره ١/ ٣٩٢ بسنده عن الربيع عن أبي العالية: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ قال: قولوا للناس معروفا. أخرجه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦١.
(٨) أخرجه عنه الطبري في تفسيره ١/ ٣٩٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠١٦، وورد مثله عن ابن عباس كما في "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٦١.
وقال عطاء عن ابن عباس: المراد بالناس في هذه الآية محمد - ﷺ - (٤) كقوله: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ﴾ [النساء: ٥٤]، فكأنه (٥) يقول: قولوا للنبي - ﷺ - حسْنًا.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أي: أعرضتم عن العهد والميثاق (٦)، ويَعْني به: أوائلهم ﴿إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ﴾ يعني: من كان ثابتًا على دينه ثم آمن بمحمد - ﷺ -.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ﴾ أي: وأنتم أيضًا كأوائلكم في الإعراض عما عُهِد إليكم فيه.
ومعنى الإعراض: الذهَاب عن المواجهة إلى جهة العرض.
(٢) في (ش): (وتنهونهم).
(٣) وروي هذا عن ابن عباس أيضًا كما عند ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦١ وسنده مقبول.
وقال ابن كثير١/ ١٢٨: فالحسن من القول: يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويحلم ويعفو ويصفح ويقول للناس حسنًا، كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله.
(٤) تقدم الحديث عن رواية عطاء هذه في المقدمة.
(٥) في (م): (وكأنه)، وفي (أ): (وكانوا).
(٦) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠١٦.
غفَلَتْ ثم أتت ترقبه | فإذا هي بعظام ودَمَا (٣) |
وظل لعمري في الوغى دَمَوَاهما
وقال آخر:
(٢) عبارة الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٦٥: وواحد الدماء دم يا هذا مخفف، وأصله دمىِ في قول أكثر النحويين، ودليل من قال: إن أصله دمي: قول الشاعر:
فلو أنا على حجر ذبحنا | جرى الدميان بالخبر اليقين |
(٣) ورد البيت هكذا:
غفلت ثم أتت تطلبه
ينظر: "الخزانة" ٧/ ٤٩١، و"التنبيه" لابن بري ٢/ ٢٣٥، و"شرح التسهيل" ١/ ٢٥٠، و"تلخيص الشواهد" ص ٧٧، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٢٣١ ولم ينسبوه.
(٤) في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٣١، فقال بعضهم في تثنية الدميان، ونقل في "اللسان" ٣/ ١٤٢٩ عن ابن سيده: وأما الدموان فشاذ سماعا. قال في "البحر المحيط" ١/ ٢٨١: الدم معروف وهو محذوف اللام، وهي ياء لقوله: جرى الدميان بالخبر اليقين، أو واو لقولهم: دموان، ووزنه فَعَل، وقيل: فَعْل، وقد سمع مقصورًا.
وقال الليْث: الدم معروف، والقِطعة دَمَةٌ، وكان أصله دَمَيٌ؛ لأنك تقول: دَمِيَتْ يده (٢).
وقد أقرأني العروضي عن الأزهري، قال: أخبرني المنذري، عن أبي الهيثم، أنه قال: الدم اسم على حرفين. فقال بعضهم في تثنيته: الدَمَيَان، وقال بعضهم: الدَّمَان، ويقال في تصريفه: دَمِيَتْ يدي تَدْمَى دَمًى، فيظهرون في دَمِيَتْ وتَدْمَى الياء والألف اللذين لم يجدوهما في دم. قال: ومثله: يَدٌ، أصله: يَدَيٌ (٣). ومن قال بهذا القول قال: إنما حرّك الميم في قوله جرى الدمَيان؛ لإقامة الوزن، وقيل: بل وزنُه فَعَلٌ، فإنه كان (دَمَيٌ)؛ لأن الشاعر لما اضطر ردّه إلى أصل بنائه (٤). والأجود: ما حكاه الزجاج في أصل الدم. والدُّميَةُ من الدم، كأنها الحَيَوان ذُو الدم (٥).
فأما التفسير: فقال ابن عباس (٦) وقتادة (٧): معناه لا يسفك بعضكم
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢١٦، "اللسان" ٤/ ٢٦٨.
(٣) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٣١، وينظر "اللسان" ٣/ ١٤٢٩.
(٤) ينظر: "اللسان" ٣/ ١٤٢٩.
(٥) المرجع السابق.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠١٧، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٦٧.
(٧) أخرجه عن قتادة "الطبري" ١/ ٣٩٤ وينظر: "التفسير الصحيح" ١/ ١٨٩، وكذا رواه عن أبي العالية، وأخرجه عن أبي العالية ابن أبي حاتم ١/ ١٦٣، ذكر أنه مروي عن الحسن والسدي ومقاتل بن حيان، وينظر: "التفسير الصحيح" ١/ ١٨٨.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ أي: لا يخرج بَعضكُم بعضًا مِن دَاره ويغلبه عَليها (٣). ﴿ثُمَّ أَقرَرتُم﴾ أي: قبلتم ذلك وأقررتم به (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ حكى محمد بن جرير، عن ابن عباس: أن هذا خطاب لليهود الذين كانوا زمن النبي - ﷺ - (٥). ومعناه: وأنتم تشهدون اليوم على إقرار أوائلكم بأخذ المِيثاق عليهم بما في الآية، فالآية وإن كانت خِطابًا فالمراد به: أوائلهم، إلّا قوله: ﴿وَأَنتُم تَشهَدُونَ﴾ على هذا القول. وقال أبو العالية: الآية كلها خبر عن الله عز وجل عن أوائلهم (٦)، وإن أخرجه مخرج المخاطبة على سعة كلام العرب، ويحتمل أن يكون قوله: ﴿وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ خِطابًا للسَلف والخلف جميعًا، يريد: أنتم
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ٣٩٤ - ٣٩٦ ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠٠، "زاد المسير" ١/ ١١٠.
(٣) روى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦٣ عن أبي العالية نحوه، وينظر المصادر السابقة، و"الحجة" لأبي علي ٢/ ١٤٦.
(٤) أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦٣ نحو هذا عن ابن عباس وأبي العالية وإسنادهما حسن كما في "التفسير الصحيح" ١/ ١٨٩.
(٥) ذكره "الطبري" ١/ ٣٩٥ - ٣٩٩.
(٦) رواه "الطبري" ١/ ٣٩٥ - ٣٩٦.
٨٥ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ﴾ الخطاب في هذه الآية لقُريظة والنضير (٢). روى الربيع عن أبي العالية في هذه الآية، قال: كان (٣) بنو إسرائيل إذا استضعف قومٌ قومًا أخرجوهم من ديارِهم، وقد أُخذ عليهم الميثاق أن لا يسفكوا دماءهم، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، وأُخذ عليهم الميثاق إن أسر بعضهم بعضًا أن يفادوهم، فأخرجوهم من ديارهم، ثم فادوهم، فآمنوا ببعض الكتاب وكفروا ببعض (٤).
وقد كشف السُدِّي عن هذا، فقال: أخذ الله عليهم أربعةَ عهود: تركَ القتل، وتركَ الإخراج، وتركَ المظاهرة عليهم، وفدى أسراهم، فأعرضوا عن كل ما أمروا إلا الفداء. وذلك أن قريظة كانت حلفاء الأوس (٥)،
(٢) قريظة والنضير: قبيلتان من اليهود في المدينة، وهما من بني الخزرج الصريح بن التوءمان بن السبط بن اليسع بن سعد بن لاوي بن خير بن النحام بن تنحوم بن عازر بن عذري بن هارون بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب. ينظر "السيرة النبوية" لابن هشام ١/ ٦١.
(٣) في (ش): (كانوا).
(٤) أخرجه الطبري في تفسيره ١/ ٣٨٩، أبن أبي حاتم في "تفسيره". بمعناه ١/ ١٦٣.
(٥) هم بنو الأوس بن حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقيا بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف، من أعظم بطون الأزد من القحطانية، أهل عز ومنعة، فيهم عدة أفخار، كان موطنهم الأصلي بلاد اليمن، فهاجروا إلى يثرب، وعاشوا مع الخزرج والقبائل اليهودية، ونشبت حروب طويلة بينهم وبين الخزرج كيوم بعاث والدرك وغيرها. ينظر: "معجم قبائل العرب القديمة والحديثة" ١/ ٥٠.
(٢) ساقطة من (أ) و (م).
(٣) في (م): (يذل).
(٤) رواه بمعناه الطبري في تفسيره ١/ ٣٩٦، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٢١، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١١٠ وورد نحوه عن ابن عباس، أخرجه الطبري في تفسيره ٢/ ٣٠٥، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦٤.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠١٧.
(٦) قوله: (ولا موضع لتقتلون إذا كان صلة) ليست عند الزجاج في "معاني القرآن".
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٧.
قال سيبويه (٣): الثانية أولى بالحذف؛ لأنّهَا هي التي تُسَكن وتدغم، في نحو ﴿فَادَّارَأْتُمْ﴾ [البقرة: ٧٢] و ﴿وَازَّيَّنَتْ﴾ [يونس: ٢٤]. ومما يقوي ذلك: أن الأولى لمعنًى، فإذا حذفت لم يبق شيء يَدُلّ على المعنى، والثانية من جملةِ كلمةٍ إذا حذفتْ دل ما بقي من الكلمة عليها (٤). ومعنى تظاهرون تعاونون (٥)، ومنه قوله: ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَليهِ﴾ [التحريم: ٤]، وقوله: ﴿سِحرَانِ تَظَاهَرَا﴾ (٦) [القصص: ٤٨] أي: تعاونا (٧) على سحرهما، ومنه: ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾ [التحريم: ٤]، أي: معين (٨). والتقدير فيه
(٢) ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٦.
(٣) "الكتاب" ٢/ ٤٢٥ - ٤٢٦.
(٤) هذا كله كلام أبي علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ١٣٤ - ١٣٥.
(٥) في (م): (تعارفون).
(٦) قرأ الكوفيون (سحران) من غير ألف، وقرأ الباقون (ساحران). ينظر "السبعة" "النشر" ٢/ ٣٤١.
(٧) في (م): (تعارفا).
(٨) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠١٩.
وأصل الباب من الظهور وهو البُروز، فظهر الشيء ظاهره الذي هو خلاف البطن، والظهيرة؛ لأنه أظهر ما تكون الشمس بانبساط شُعَاعها، وقرأه ظاهرًا، ومن ظهر قلبه؛ لأنّه ظهر له من غير كتاب. هذا أصل الباب. ثم استعمل من هذا التأليف أحرف ليس فيها معنى الظهور، ولكنها من الظهر الذي هو خلاف البطن، من ذلك: الظهر: الإبل التي تحمل الأثقال، والظهار: في مظاهرة الرجل من امرأته، والظِهريُّ: الشيء الذي تنساه وتحطّه وراء ظهرك (٣).
وقوله تعالى: ﴿بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ أي: تعاونون على أهل ملتكم بالمعصية والظلم. ومعنى العدوان: الإفراط والظلم، يقال: عَدَا عَدْوًا وعُدوانًا وعُدُوًّا وعِداءً (٤). وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾ أي: إن أتوكم مأسورين يطلبون الفداء فديتموهم، وقُرئ: (أُسَارى) (وأَسرى) (٥)، وهما جمع أسير. وأسير: فَعِيل في معنى مفعول؛ لأنك تقول: أسرته، كما تقول: قتلته، وفعيل إذا كان بمعنى مفعول فجمعه يُكسَّر على فَعْلَى، نحو: لديغ ولدغَى، وقتيل وقتلى، وجريح وجَرحَى، وإذا (٦)
(٢) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠١٩.
(٣) انظر: "مقاييس اللغة" ٣/ ٧٤١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠١٩.
(٥) قرأ حمزة (أَسْرى) بفتح الهمزة وسكون السين من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الهمزة وألف بعد السين. ينظر: "السبعة" ص ١٦٣، و"التيسير" ص ٦٤، "النشر" ٢/ ٢١٨.
(٦) في (ش): (وإن).
ووجه قول من قال أُسارى: كأنه شبهه بكسالى، وذلك أن الأسير لما كان محبوسًا عن كثير من تصرفه للأسر كما أن الكسلان محتبس عن ذلك لعادته (٢)، شُبِّه به، فقيل في جمعه: أُسارى، كما قيل: كسالى، وأجرى عليه هذا الجمع للحمل على المعنى، كما قيل: مرضى وموتى وهلكى؛ لما كانوا مُبتلين بهذه الأشياء ومصابين بها، فأشبه في المعنى فَعِيلًا الذي بمعنى مفعول، فلما أشبهه أجري عليه في الجمع (٣). والحمل على المعنى لا يكون الأصلَ عند سيبويه، قال: ولو كان أصلًا قبح (هالِكون وزَمِنون)، وكذلك أُسَارى ليس بالأصل في هذا الباب، ولكن قد استعمل كثيرًا. قال سيبويه: قالوا: كَسْلى شبهوه بأَسْرى، كما قالوا: أُسارى، شبهوه بكُسالى. قال: وإنّما جمع ما كان على فعلان نحو سكران وكسلان على فُعَالى، وإن
(٢) في "الحجة": لعادته السيئة شبه به.
(٣) في "الحجة" ٢/ ١٤٤: فلما أشبهه في المعنى أجري عليه في الجمع اللفظ الذي لفعيل بمعنى مفعول.
وأصل الأسر في اللغة: الشدّ. قال الأصمعي: تقول العرب: ما أحسن ما أسَرَ قَتَبَه، أي: ما أحسن ما شدّه بالقِدّ، والقِدُّ: الذي يؤسَرُ به القَتَبُ، يسمى الإسار، وقيل للأسير من العدوّ: أسير؛ لأن آخذه يستوثق
(٢) رخال: بكسر الراء وضمها: جمع رِخل، الأنثى من أولاد الضأن، ينظر
"القاموس" ص ١٠٠٥ (مادة: رخل).
(٣) الظؤار: جمع ظئر، وهي العاطفة على غير ولدها المرضعة له. ينظر القاموس ص ٤٣٢ مادة: ظئر.
(٤) الثُّنَاء: أي اثنين اثنين، يقال: جاءوا مثنى وثُنَاء، كغُراب، أي: اثنين اثنين، وثنتين ثنتين، ينظر "القاموس" ص ١٢٦٧.
(٥) في "الحجة" وقد لحقته تاء التأنيث، فقالوا في جمع نقوة: نُقاوة، كما قالوا: الحجارة والذكارة.
(٦) الذكارة: بالكسر، ما يصلح للرجال، كالمسك والعنبر والعود. انظر "اللسان" ٣/ ١٥٠٩ مادة: ذكر
(٧) القاصعاء والداماء: من أسماء جِحَرَةِ اليربوع السبعة. "اللسان" ٣/ ١٤٢٦ مادة: دمم.
(٨) هذا كله كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٤٣ - ١٤٥ بتصرف يسير.
وقوله تعالى: ﴿تُفَادُوهُم﴾ قرئ أيضا بوجهين (٣): بالألف، من المفاداة، وبغير ألف، من الفداء. يقال: فديتُه بمال، فيتعدّى إلى مفعولين، ويتعدّى إلى الثاني بالجار، كقوله: ﴿وَفَدَينَاهُ بِذِبحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]، وكقول الشاعر:
يودّون لو يَفْدُونَني بنفوسهم | وَمَثْنَى الأواقي والقِيَانِ النواهدِ (٤) |
لو يَستطعن إذا نابتك مُجْحِفَةٌ | فَدَّيْنَك الموتَ بالآباء (٥) والولد (٦) |
(٢) ينظر في "تهذيب اللغة"١/ ١٥٩، "اللسان" ٤/ ٧٨. (مادة: أسر)
(٣) قرأ المدنيان نافع وأبو جعفر، وعاصم والكسائي ويعقوب (تفادوهم) بضم التاء وألف بعد الفاء، وقرأ الباقون بفتح التاء وسكون الفاء من غير ألف. ينظر "السبعة" ص ١٦٢ - ١٦٣، "التيسير" للداني ص ٦٤، و"النشر" ٢/ ٢١٨.
(٤) البيت لأبي ذؤيب في "شرح أشعار الهذليين" ص ١٩٢. مثنى الأواقي: (الذهب)، مثنى: أي: مرة بعد مرة. والقيان: الخدم.
(٥) في "الحجة" بالأبناء.
(٦) ذكره أبو علي في "الحجة" ٢/ ١٤٦ ولم ينسبه.
(٧) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٤٦.
ولوأنّ مَيْتًا يُفْتَدَى لَفَدَيْتُه | بما اقتال (١) من حُكْمٍ عليَّ طبيبُ (٢) (٣) |
أخبرني العَرُوضي، عن الأزهري، عن المنذري، عن ثعلب قال: المفاداة: أن تدفع رجلًا وتأخذ رجلًا. والفِداء: أن تشتريَه بمال فداءً. ويقال: فديته بنفسي (٦).
وقال نصير (٧) الرازي (٨): يقال: فاديتُ الأسيرَ، وفاديت الأُسارى،
(٢) البيت لكعب بن سعد الغنوي في النوادر ص ٢٤٤، وعنه نقل أبو علي في "الحجة" دون نسبة ١/ ٣٤٢، ورواية "اللسان" والصحاح مادة [قول] والأصمعيات ص ٩٧ هكذا:
ومنزلة في دار صدق وغبطة | وما اقتال من حكم علي طبيب |
فلو كان ميت يفتدى لفديته | بما لم تكن عنه النفوس تطيب |
(٣) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٤٧.
(٤) سقطت من (ش).
(٥) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٤٧ بتصرف يسير.
(٦) في "تهذيب اللغة" ١٤/ ٢٠٠، وينظر: "اللسان" ٥/ ١٥٠ (مادة: فدى).
(٧) في (ش): (نظير).
(٨) هو: نصير بن أبي نصير الرازي، تقدمت ترجمته [البقرة: ١٥].
قال الفراء: والعرب تقصر الفداء وتمدّه، يقال: هذا فداؤك وفداك، وربما فتحوا الفاء إذا قصروا (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾. (هو) إضمار الإخراج الذي تقدم ذكره في قوله: ﴿وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا﴾. ثم بيّن لتراخي الكلام أنّ ذلك الذي حُرِّم: الإخراج، فقال: (وهو محرّم عليكم)، ولو اقتصر على هذا القدر أشبه أن يرجع ذلك إلى فداء الأسرى، لأن معناه وإخراجهم (٤) فأظهر المكنى عنه فأعاده، فقال: إخراجهم فكان رفع الإخراج (٥) بالتكرير على هو؛ لأن معناه: وإخراجهم، محرم عليكم، فهو مبتدأ مؤخر عن خبره، تقديره: وإخراجهم محرم عليكم، وهذا معنى قول الفرّاء (٦) والزجّاج (٧) جميعًا. قال الفراء: وإن شئتَ جعلتَ هو عمادًا (٨).
(٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٥٤ بتصرف واختصار. (مادة: فدى).
(٣) نقله عنه "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٥٤، وعنه ابن منظور في "اللسان" ٦/ ٣٣٦٦، "القرطبي" في "تفسيره" ٢/ ٩١. (مادة: فدى).
(٤) قوله: (لأن معناه، وإخراجهم) ساقطة من (أ) و (م).
(٥) في (ش): (الإحرام).
(٦) في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٠ - ٥١.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٧.
(٨) كذا نقله عنه "القرطبي" في "تفسيره" ٢/ ٢٢.
وقال الزجاج: وجائز أن يكون هو للقصة والحديث والخبر والأمر والشأن، كأنه قال: والخبر (٤) محرم عليكم إخراجهم، كما قال عز وجل: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ [الصمد: ١] أي: الأمر الذي هو الحق: الله الأحد، وتأويله (٥): الأمر الذي هو الحقُّ توحيدُ الله عز وجل (٦).
ونظم الآية على التقديم والتأخير، تقديره: وتخرجون فريقًا منكم من ديارهم، وهو محرّم عليكم إخراجُهم، وإن يأتوكم أسرى (٧) تَفْدُوهم (٨).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥١.
(٣) من قوله: حُ (رِّم عليكم).. ساقط من (أ) و (م).
(٤) في (ش): (الخير).
(٥) في (أ): (وتأويل).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٧.
(٧) في (م): (أسارى).
(٨) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٢.
يقول (٢) لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ (٣)
أي: ليس بممنوع، والحَرَم والحَرَام واحد، كقولهم: زَمَنٌ وزَمَانٌ (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ﴾ استفهامٌ في معنى توبيخ. وقوله تعالى: ﴿إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ يعني (٥): ما نال قُريْظة وبني النضير؛ لأن بني النضير أُجلوا عن مَساكنهم، وبني قريظة أبيروا بقتل مقاتلهم، وسبي ذراريهم (٦). والخزي: الهوان والفضيحة، وقد أخزاه الله: أي: أهانه (٧). شمر (٨): أخزاه الله: فضحه، وفي القرآن: {وَلَا تُخْزُونِ فِى
(٢) في (أ): (يقول).
(٣) ديوان زهير ص ٧٩، وصدر البيت:
وإن أتاه خليلٌ يومَ مسألةٍ.
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٩٣ - ٧٩٧، و"لسان العرب" ٢/ ٨٤٤. مادة (حرم).
(٥) في (ش): (بمعنى).
(٦) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠٢٣.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٢٧، "اللسان" ٢/ ١١٥٥ مادة (خزا)، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٣.
(٨) هو: شمر أبو عمرو بن حمدويه الهروي اللغوي الأديب الفاضل الكامل، إليه الرحلة في هذا الفن من كل مكان، كانت له عناية بعلم اللغة، توفي سنة ٢٥٥ هـ. ينظر: "إنباه الرواة" ٢/ ٧٧ - ٧٨، و"بغية الوعاة" ٢/ ٤ - ٥.
وقال ابن السراج: معنى أخزاه الله، أي: أوقفه موقفا يُسْتحيَا منه، مِن قولهم: خزي يخزَى خِزَايَةً: إذا استحيا (٣). ثم أعلم الله عز وجل أن ذلك غير مكفِّر عنهم ذنوبهم، فقال: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾
والردُّ: الرجع. يقال: ردّه إلى كذا، ويقال للمُجبّر: ردّاد؛ لأنه يردّ العُضْو إلى ما كان. والرِّدّة: الرجوع عن الشيء، ومنه الردّة عن الإسلام (٤).
وإنما قال: (يُردّون) بلفظ الجمع لمعنى مَنْ.
وفي (أشد العذاب) قولان:
أحدهما: أنه عذاب لا رَوْح (٥) فيه تتصل أجزاؤه.
والثاني: عذابٌ أشدّ من عذاب الدنيا بتضعيف الألم فيه.
٨٦ - قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ الآية. أي: استبدلوا قليل الدنيا بكثير الاخرة (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا يُخَفَّفُ عَنهُمُ العَذَابُ﴾ أي: لا ينقص، والخِفّة: نُقْصَان الوَزْن.
(٢) كذا في "غريب الحديث" له ٢/ ٣٨١.
(٣) ينظر: "غريب الحديث" لأبي عبيد ٢/ ٣٨١، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٢٧٤، (مادة: خزى)، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣.
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٩٠ مادة (ردد).
(٥) لا روح فيه: أي لا راحة فيه.
(٦) ينظر: الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٦ - ٣١٧، "زاد المسير" ١/ ٩٨.
٨٧ - وقوله تعالى: ﴿وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ﴾ أي: أرسلنا رسولًا يقفو رَسُولًا في الدعاء إلى توحيد الله والقيام بشرائع دينه (١).
يقال: قفّى أثره، وقفّى غيرَه على أثره، أي: اتبعه إياه، والقفا: مُؤَخَّرُ العُنُق، ويقال للشيخ إذا هرم: رُدّ على قَفَاه، ورُدّ قَفًا. قال:
إِن تَلْقَ رَيْبَ المنايا أو تُرَدُّ قفًا | لا أَبْكِ مِنك على دينٍ ولا حَسَب (٢). |
وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ﴾ يعني: الآياتِ التي ذكرها في سورة آل عمران (٤) والمائدة (٥).
(٢) البيت بلا نسبة في: "لسان العرب" ٦/ ٣٧٠٨، و"أساس البلاغة" ص ٢/ ٢٦٩،
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٠٣، "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠١٣، "المحرر الوجيز" ١/ ٣٨٥، "اللسان" ٦/ ٣٧٠٨ مادة (قفا).
(٤) في قوله تعالى: ﴿وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ﴾ [آل عمران: ٤٩].
(٥) في قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ﴾ الآية: ١١٠ من سورة المائدة وينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٠٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٤.
فَأَثَّتْ (٢) أَعَاليه وآدَتْ أُصولُه (٣)
أي: قويت وإياد كل شيء: ما يَقْوَى به (٤)، قال العجاج:
متخذًا مِنها إيادًا (٥)
واختلفوا في معنى (روح القدس). فقال قتادة (٦) والربيع والضحاك (٧) والسُّدّي (٨): إنه جبريل. واختاره الزجاج (٩). والقُدسُ:
(٢) في (م) (فأتت).
(٣) عجز البيت:
ومال بقُنْيَانٍ من البُسْرِ أحمرا
يصف نخيلًا، انظر "ديوانه" ص ٦٠، "لسان العرب" ١/ ١٨٩ (مادة أيد). "المعجم المفصل" ٣/ ١٤٠.
(٤) ينظر "تهذيب اللغة" ١/ ٩٦، "اللسان" ١/ ١٨٩، وفيه: وإياد كل شيء: ما يقوى به من جانبيه، وهما إياداه.
(٥) البيت للعجاج يصف الثور: متخذًا منها إيادًا هدفًا. ينظر "تهذيب اللغة" ١/ ٩٦، "اللسان" ١/ ١٨٩.
(٦) أخرجه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٢٠ وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٦٨، الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٢٦.
(٧) أخرجه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٢٠ وذكره الثعلبي فى "تفسيره" ١/ ١٠٢٦.
(٨) أخرجه عنه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٤.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٨ وكذا اختاره الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٤ بعد أن ذكر قولين آخرين: الأول: أنه الإنجيل، والثاني: أنه الاسم الذي كان عيسى يحيي به الموتى. ثم قال: وأولى التأويلات في ذلك بالصواب قول من قال: الروح في هذا الموضع جبريل؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر أنه أيد عيسى به، كما أخبر في قوله: {إِذْ =
وتأييد عيسى بجبريل عليهما السلام هو أنه كان قرينه، يسير معه حيثما سار، وأيضًا فإنه صَعِد به إلى السماء (٢)، ودليل هذا التأويل: قوله عز وجل: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ﴾ [النحل: ١٠٢]، يعني: جبريل (٣). وإنّما سُمي جبريل رُوحًا؛ لأنه بمنزلة الأرواح للأبدان تحيا بما يأتي من (٤) البيان عن الله عز وجل من يُهدَى به، كما قال عز وجل: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام: ١٢٢]، أي: كان كافرًا فهديناه.
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٨، الطبري في "تفسيره" ١/ ١٣٢.
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٢٦، وذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١١٢ - ١١٣ في تأييد عيسى بروح القدس الذي هو جبريل ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أُيد به لإظهار حجته وأمر دينه. والثاني: لدفع بني إسرائيل عنه إذ أرادوا قتله. والثالث: أنه أيد به في جميع أحواله.
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٦ وقال الشنقيطي في "أضواء البيان" ١/ ١٤٢ هو جبريل على الأصحِ، ويدل ذلك قوله تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ﴾ [الشعراء: ١٩٣] وقوله: ﴿فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا﴾ [مريم: ١٧]، انتهى. ويؤيده أيضًا قول النبي - ﷺ - لحسان - رضي الله عنه -: "ياحسان أجب عن رسول الله - ﷺ -، اللهم أيده بروح القدس". رواه البخاري (٤٥٣) في الصلاة، باب الشعر في المسجد ومسلم (٢٤٨٥) كتاب: في فضائل الصحابة، باب فضائل حسان بن ثابت وينظر "التفسير الصحيح" ١/ ١٩٢.
(٤) في (م): (عن).
وقال آخرون: أراد: الروح القدس، أي: المقدس، فأضاف الاسْم إلى الصفة، وأراد به روح عيسى عليه السلام.
وسمى روحَه قُدُسًا؛ لأنه لم تتضمنه أصلاب الفحولة، ولم تشتمل عليه أرحام الطوامث (٢) (٣). وجاء في الخبر: أن الله تعالى لما أخذ الذرية في ظهر آدم (٤) وأشهدهم على أنفسهم ردها إليه إلا روح عيسى فإنه أمسكها عنده إلى وقت خلقه. وقرئ القُدس بالتخفيف والتثقيل (٥)، وهُما حسنان، مثل: العُنْقُ والعُنُق، والحُلْم والحُلُم، وبابه (٦). ومعناه: الطهارة.
قال العَجّاج:
قد عَلِمَ القُدُّوس رَبُّ القُدْس (٧).
وذكرنا ما فيه عند قوله ﴿وَنُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠].
(٢) في (م): (الطوارق).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٢٥، "الكشاف" للزمخشري ١/ ٨٠، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٣٢.
(٤) في (م): (لما أخذ من ظهر آدم الذرية).
(٥) قرأ ابن كثير في تفسيره (القُدْس) بإسكان الدال حيث جاء، والباقون بضمها. ينظر: "السبعة" ص ١٦٣، و"التيسير" ص ٦٤، و"النشر" ٢/ ٢١٦.
(٦) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٥٠.
(٧) وبعده:
إن أبا العباس أولى نفس | بمعدن الملك القديم الكِرسِ |
وعلى هذا قوله - ﷺ -، وقد قيل له لما جهد (٢) نفسه بالعبادة: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: "أفلا أكون عبدا شكورًا" (٣). فالوجه أن تكون الفاء هَاهُنَا مُتبعَةً غير زائدة (٤).
ونصب (كلّما) كنصب سائر الظروف (٥)، وكُلّ: حرفُ جملة، وهو اسم يجمع الأجزاء (٦).
وقال أبو الهيثم: يقع (كل) على اسم منكور مُوحَّد فيؤدي معنى الجماعة، كقولهم: ما كلُّ بيضاءَ شحمةً (٧).
و (ما) هاهُنا حرف جزاء (٨)، ضم إلى (كل) (٩).
ومعنى ﴿أسْتَكبَرْتُم﴾: تعظمتم عن الإيمان به؛ لأنهم كانت لهم
(٢) في (م): (أجهد).
(٣) رواه البخاري (١١٣٠) في أبواب التهجد، باب: قيام النبي - ﷺ - الليل حتى ترم قدماه، ومسلم (٢٨١٩) في الجنة والنار، باب: إكثار الأعمال والاجتهاد في العبادة.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٠.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٩.
(٦) "اللسان" ١١/ ٥٩١، وقال في "البحر المحيط" ١/ ٨٨: كل للعموم، وهو اسم جمع لازم للإضافة، إلا أن ما أضيف إليه يجوز حذفه ويعوض منه التنوين، وأحكام كل كثيرة.
(٧) نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" ٩/ ٤٥٠ وعنه ابن منظور في "اللسان" ١١/ ٥٩١، وينظر: "مغني اللبيب" ١/ ٢٠١ - ٢٠٢.
(٨) في (ش): (وخبر).
(٩) ينظر: "مغني اللبيب" ٢/ ٢٠١.
﴿فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ﴾ مثل: عيسى ومحمد، ﴿وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ﴾ مثل: يحيى وزكريا. نظيره في المائدة [٧٠]: ﴿فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ﴾ (٢)، والفريق: الطائفة من الناس (٣).
قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ فيما دل عليه قوله: ﴿أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ﴾ كأنه قال: فما استقمتم (٤).
٨٨ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا قُلُوُبنَا غُلْفُ﴾ الآية. جمع أغلَفَ، كما أن حُمْرًا (٥) جمع أَحمر، فإذا كان جمع أفعل لم يجز تثقيله إلا في الشعر (٦).
قال أبو عبيدة: كل شيء في غلاف فهو أَغْلَف، قالوا: سيفٌ أَغْلَف، وقوس غلفاء، ورجل أغلف: لم يُختن (٧).
وما يدرك به المعلومات من الحواس وغيرها من الأعضاء إذا ذُكِر بأنه لا يعلم وُصِفَ بأن عليه مانعًا من ذلك ودونه حائلًا، فمن ذلك قوله: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: ٢٤]، كأن القُفْل لما كان حاجزًا بين المُقْفَل عليه وحائلًا من أن يدخله ما يدخل إذا لم يَكن مُقفلًا
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٠٥ - ٤٠٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٧.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠٢٧.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٠.
(٥) في (ش): (حمر).
(٦) من "الحجة" ٢/ ١٥٥، وينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٠٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٩.
(٧) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٤٦، ونقله عنه أبو علي في "الحجة" ٢/ ١٥٥.
وكذلك قوله ﴿الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي﴾ [الكهف: ١٠١] (١)، ومثل هذه الآية في المعنى قوله: ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥]. قال ابن عباس (٢) ومجاهد وقتادة في هذه الآية: إنهم قالوا استهزاءً وإنكارًا وجحدًا لما أتى به محمد: قلوبنا عليها غشاوة، فهي في أوعية، فلا تعي ولا تفقه ما تقول يا محمد.
ومن ضم اللام فهو جمع غلاف مثل: حِمَار وحُمُر، ومِثَال ومُثُل (٣). قال ابن عباس (٤) والكلبي (٥): إنهم قالوا للنبي - ﷺ -: قُلُوبنا أوعية للعلم، فما بالها لا تفهم عنك ما أتيت به مما تدعونا إليه؟ فلو كان فيه خير لفَهِمَتْه وَوَعَتْه (٦).
وقوله تعالى: ﴿بَل لَّعَنَهُمُ اَللَّهُ بِكفرِهِمْ﴾ أكذبهم الله سبحانه وقال: بل
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٦، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٦٩، و"البحر المحيط" ١/ ٣٠١، وقال الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٢٧: وأما الذين قرأوها بتحريك اللام وضمها، فإنهم تأولوها أنهم قالوا: قلوبنا غلف للعلم، بمعنى أنها أوعية فمعنى الكلام: وقالت اليهود: قلوبنا غلف للعلم وأوعية له ولغيره، ثم بين أن القراءة بالضم شاذة غير جائزة. انتهى كلامه. وممن قرأ بضم اللام: ابن عباس والحسن وابن محيصن والأعرج. ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٨، "زاد المسير" ١/ ٩٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٢.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٧، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٠، وذكره أبو علي في "الحجة" ٢/ ١٥٥، "القرطبي" ٢/ ٢٢.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٢٨، "تفسير البغوي" ١/ ١٢٠، "تفسير الخازن" ١/ ٨١.
(٦) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٢.
قال الشَّمَّاخ (٢):
ذَعَرْتُ به القَطَا وَنَفَيتُ عنه | مقام الذئبِ كالرجُلِ اللعينِ (٣) |
وقال الليث: اللعن: التعذيب، ولعنه الله، أي: عذبه، قال: واللعنة في القرآن: العذاب، واللعن: السب والشتم (٥).
قال شمر (٦): أقرأنا ابن الأعرابي لعنترة (٧):
لُعِنَتْ بمحرومِ الشَّرابِ مُصَرّم (٨)
(٢) هو: الشمّاخ بن ضرار بن سنان بن أمامة الذبياني، قال ابن سلام: فأما الشماخ فكان شديد متون الشعر، أشد أسر كلام من لبيد، وفيه كزازة، ولبيد أسهل منه منطقًا "طبقات فحول الشعر" ١/ ١٢٤ - ١٣٢.
(٣) البيت للشماخ بن ضرار في "ديوانه" ص ٣٢١، "مجاز القرآن" ١/ ٤٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٠ "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٢٩، "لسان العرب" ٧/ ٤٠٤٤، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣، وذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٨ برواية: مكان الذئب.
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٧٢ - ٣٢٧٤، "اللسان" ٧/ ٤٠٤٤ - ٤٠٤٥.
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٣٩٦، و"اللسان" ١٣/ ٣٨٨، وتفسير "القرطبي" ٢/ ٢٥.
(٦) أول البيت:
هل تبلغني دارها شدنية
(٧) والبيت من معلقة عنترة بن شداد التي مطلعها:
هل غادر الشعراء من متردم
(٨) ينظر: "أساس البلاغة" ٢/ ١٤، و"لسان العرب" ٧/ ٤٠٤٥.
وقال الفراء: اللعن: المسخ أيضًا، قال الله تعالى: ﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ﴾ [النساء: ٤٧] أي: نمسخهم (٢)، وكل هذا راجع إلى معنى الطرد والإبعاد.
و (بل) لا يُنسق به في غير الجحد، والجحد هاهنا في المعنى، ومجازه: وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ، وليس كذلك، بل لعنهم الله، ولم يجعل لهم سبيلًا إلى فهم ما تقول (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَقَلِيلًا مَّا يُؤمِنُونَ﴾ يريد: فما يؤمنون قليلًا ولا كثيرًا، والعرب قد تستعمل لفظَ القِلَّةِ في موضع النفي، فتقول: قلّما رأيتُ من الرجال مثلَه، وقلَّمَا تزورنا، يريدون النفي لا إثبات القليل.
وحكى الكسائي عن العرب: مررت (٤) بأرضٍ قلّما تُنبت إلا الكُرّاث والبَصَل، أي: ما تُنبت إلا هذين (٥)، هذا قول الواقدي (٦) (٧) و (ما) على
(٢) لم أعثر عليه في "معاني القرآن" له.
(٣) في (ش): (فتقول).
(٤) في (ش): (مررنا).
(٥) ذكره عنه الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٥٩، وعنه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٩ - ٤١٠ ولم ينسبها، الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٣٠.
(٦) نقله عنه الثعلبي ٣/ ١٠٣٠، وينظر: "القرطبي" ٢/ ٢٣، و"البحر المحيط" ١/ ٣٠٢.
(٧) هو: أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد السهمي الأسلمي بالولاء، المدني، محدث مؤرخ، مفسر فقيه، أديب، متروك الحديث مع سعة علمه، ولد بالمدينة، وأقام =
وقال أبو عبيدة: معناه: لا يؤمنون إلَّا بقليل ممَّا في أيديهم ويكفرون بأكثره. وانتصب قليلًا على هذا القول بنزع الخافض (١). و (ما) صلة، تقديره: فبقليل يؤمنون. وقال قتادة: معناه لا يؤمن منهم إلا قليلٌ؛ (٢) لأن مَنْ آمن من المشركين أكثر ممن آمن من اليهود. و (ما) على هذا القول أيضًا صلة، وانتصب قليلًا على الحال. تقديره: فيؤمنون قليلًا (٣)، كعبد الله بن سلَامَ (٤).
وذكر ابن الأنباري في هذه الآية ثلاثة أوجه سوى ما ذكرنا:
أحدها: فيؤمنون إيمانًا قليلًا، وذلك أنهم يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم، ويكفرون بمحمد والقرآن، فيقلل ذلك إيمانهم، ودليل هذا التأويل: قوله: ﴿وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ﴾ [يوسف: ١٠٦]،
(١) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٢.
(٢) رواه عبد الرزق في "تفسيره" ١/ ٥١، ومن طريقه رواه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٠٩، وابن أبي حاتم ١/ ١٧١، وذكره الثعلبي ١/ ١٠٢٩، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠١ - ٣٠٢، ونقل عن المهدوي مذهب قتادة: أن المعنى فقليل منهم من يؤمن، وأنكره النحويون؟ وقالوا: لو كان كذلك للزم رفع قليل، ثم تعقبه أبو حيان فقال: قول قتادة صحيح، ولا يلزم ما ذكره النحويون؛ لأن قتادة إنما بين المعنى وشرحه ولم يرد شرح الإعراب فيلزمه ذلك.
(٣) "البحر المحيط" ١/ ٣٠٢.
(٤) هو: أبو يوسف عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري، كان أحد أحبار اليهود في الجاهلية، أسلم عند مقدم الرسول - ﷺ -، بشره الرسول - ﷺ - بالجنة، توفي سنة ٤٣ هـ. ينظر: "أسد الغابة" ٣/ ٢٦٤، "الاستيعاب" ٣/ ٩٢١.
الوجه الثاني: أن يكون المعنى: فيؤمنون قليلًا من الزَمَانِ ويكفرون أكثره، ودليل هذا التأويل: قوله: ﴿وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [آل عمران: ٧٢]. فخّبر الله تعالى بقلة إيمانهم على معنى الوقت القصير الذي أظهروا فيه موافقة المسلمين ثم باينوهم بعده، وانتصب (قليلًا) في هذا الوجه؛ لأنه أقيم مقام الظرف، و (ما) في هذين الوجهين صلة.
الوجه الثالث: أن يكون (ما) مع الفعل مصدرًا، ويرتفع بـ "قليل"، وهو مقدم، ومعناه:
فقليلًا إيمانهم، كما قالوا: راكبًا لقَائِيك ومُجَرَّدًا ضَرْبِيكَ.
والآيه رَدٌّ على القدرية؛ لأن الله تعالى بيّن أن كفرهم بسبب لعنه آباءهم، فالله تعالى لما لعنهم وطردهم وأراد كفرهم وشقاوتهم منعهم الإيمان (٢).
(٢) قال القرطبي ٢/ ٢٣: ثم بين أن السبب في نفورهم عن الإيمان: إنما هو أنهم لعنوا بما تقدم من كفرهم واجترائهم، وهذا هو الجزاء على الذنب بأعظم منه.
وقوله تعالى: ﴿وَكَانُوا﴾ يعني: اليهودَ (٢).
و (كان) ليس بفعل حقيقي كسائر الأفعال، والفرق بينه وبين الفعل الحقيقي، أن الفعل الحقيقي يدل على وجود معنى مصدره بعد أن لم يكن، في ماض أو حاضر أو مستقبل، و (كان) إنما يدل على الزمان الماضي أو الحاضر والمستقبل في تصريفه فقط، من غير دلالة على وجود مصدره بعد أن لم يكن (٣) كقولك: كان زيد عالمًا معناه: زيد عالم فيما مضى (٤).
وذكرنا ما في (كان) عند قوله: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ [البقرة: ٢٨] (٥).
وقوله تعالى ﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبل هذا الكتاب وقبل هذا النبي (٦). ﴿يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قال ابن عباس (٧) والسدي (٨): هو أنهم إذا
(٢) ينظر الطبري في "تفسيره" ١/ ٤١٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٠.
(٣) من قوله: في ماضٍ أو حاضر.. ساقط من (ش).
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٠٨٤ مادة (كان)، و"الأزهية في علم الحروف" ص ١٨٣، و"مغني اللبيب" ٢/ ٥٥٩.
(٥) ينظر: "البسيط" ٢/ ٢٩٣.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤١٠ "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٠.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤١١ - ٤١٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧١ - ١٧٢.
(٨) رواه عنه الطبري ١/ ٤١١ - ٤١٢، وانظر: "زاد المسير" ١/ ١١٤.
وذكرنا معنى (الفتح والاستفتاح) عند قوله: ﴿أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: ٧٦]. وفي الكلام إضمار واختصار، أراد: وكانوا من قبل يستفتحون به، أي: بذلك الكتاب، فلما سبق ذكر الكتاب لم (٣) يُعِده. ومثله في الكلام: السَّمْنُ مَنَوَان (٤) بدرهم أي: منه، ولكنك لا تعيد ذكره، وقد سبق في أول كلامك.
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ يعني: الكتاب وبعثة النبي - ﷺ - وذلك أنهم كانوا قرأوا في التوراة: إن الله تعالى يبعث في آخر الزمان نبيًّا (٥)، وينزل عليه قرآنًا مبينًا أي: بالكتاب، ويبعث صاحب ذلك الكتاب (٦).
أعلم الله أنهم كفروا وهم يوقنون، وأنهم مُتَعمدون للشقاق وعداوة الله.
وجواب قوله: ﴿وَلَمَّا جَاءَهُم كِتَابٌ﴾ محذوف، تقديره: ولما جاءهم
(٢) ينظر ما رواه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤١٠ - ٤١٠، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧١ - ١٧٢، وأبو نعيم في "الدلائل" ١/ ١٩.
(٣) في (م): (فلم).
(٤) المنوان: تثنية مَنَا وهو كيل أو ميزان يساوي رطلين ويثنى على منوان، ومنيان ويجمع على: أمْنَاءٍ، وأمْنٍ، ومُنِيٍّ ومِنِيٍّ. ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٤ مادة (منا)، و"القاموس" ١٧٢٢ و"المجموع شرح المهذب" ٩/ ٣٤٧.
(٥) في (م) و (ش): (يبعث نبيا في آخر الزمان).
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤١١ - ٤١٢، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٢.
وقال الفراء: جوابه في الفاء في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾، وفيه أيضا معنى الابتداء. و (كفروا) بما فيه من جوابهما جميعًا، والعرب تجيب كلامين بجواب واحد، كقولهم: ما هو إلا أن يأتي عبد الله فلما قعد أكرمته (٢) (٣).
والدليل على هذا: أن الواو لا تجوز في موضع الفاء في قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا﴾ كما جاز في ابتداء الآية، فذلك دليل على أنها جواب وليست بنسق.
ومثل هذا في كون الفاء جوابًا قوله: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى﴾ [طه: ١٢٣] ﴿فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ﴾ (٤) صار كأنه جواب لـ"إما"، ألا ترى أن الواو لا تصلح في موضع الفاء هنا.
وقال محمد بن يزيد (٥) قوله: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ تكرير للأول؛ لأن
(٢) قال الفراء: ما هو إلا أن أتاني عبد الله فلما قعد أوسعت له وأكرمته.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٩ بتصرف، وذكره الطبري في تفسيره ١/ ٤١٢ - ٤١٣، ونسبه إليه في "البحر المحيط" ١/ ٣٠٣، وقال: وأما قول الفراء، فلم يثبت من لسانهم: لما جاء زيد فلما جاء خالد أقبل جعفر، فهو تركيب مفقود في لسانهم فلا نثبته، ولا حجة في هذا المختلف فيه، فالأولى أن يكون الجواب محذوفًا لدلالة المعنى عليه.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) أي المبرد، ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٣.
ومثله قوله: ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٥] أعاد ذكر ﴿أَنَّكُمْ﴾ لما طال الكلام، وكأنه قال: أيعدكم أنكم إذا مِتُّم مُخرَجون (١).
٩٠ - قوله تعالى: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوا﴾ الآية. بئس ونِعم لفظان وُضِعا للمدح والذم، يخبر بأحدهما عن الشيء المذموم، وبالثاني عن الممدوح، وأصلهما: نَعِمَ وبَئِسَ (٢)، وأرادوا لفظًا يُعبِّر عن المحمود يخصه، ولفظًا يعبِّر عنِ المذموم ويقتصر، فجعلوا نعم للممدوح وبئس للمذموم، فألزمهم بهذا الغرض ضرب من التغيير ليخص هذا القَصْد بالدلالة، فأزالوا التصرف عنهما وهو المستقبل، فلا يقال والمراد المدح أو الذم: ينعَم الرجل أو يَبْأسُ، وهذا القدر من التغيير لا يزيل الإلباس، فليس يُدرى (٣) بقولك: نَعِمَ الرجل أو بَئِسَ إن المراد به الإخبار عنه على ما يقتضيه الأصل أو المدح والذم، فلم يجدوا بُدًّا من تغيير (٤) زائد، فنقلوا وخففوا، والنقل والتخفيف لغة للعرب (٥) فيما كان على فَعُل وفَعِل، نحو. حَسُنَ وضَجِر. حَسُن
(٢) ينظر في نعم وبئس: "المقتضب" للمبرد ٢/ ١٤٠ - ١٥٢، "تهذيب اللغة" ١/ ٤١٢، "اللسان" ١/ ٢٠١ (بئس).
(٣) في (ش): (تَدْري).
(٤) في (ش): (تعبير).
(٥) في (ش): (العرب).
فَإِنْ أَهْجُهُ يَضْجَرْ كَمَا ضَجْرَ بَازِلٌ | من الأُدْمِ دِبْرَتْ (١) صفحتاه وكاهله (٢) |
وبئس ذمٌّ بشدة الفساد. وأصل الكلمة من الشدة، ومنه البأساء: وهو اسم للحرب والمشقة والضرر والشدة، ومنه ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعرف: ١٦٥] أي: شديد. وكل هذا ممَّا علّقته عن مشايخ هذه الصنعة.
فأما حكم هاتين الكلمتين وعملهما فقال أبو إسحاق: إنهما لا يعملان في اسم عَلم، إنما يعملان في اسم منكور دالّ على جنس، أو اسم فيه ألف ولام يدل على جنس، وإنما كانتا كذلك؛ لأنّ (نعم) مستوفية لجميع المدح، و (بئس) مستوفية لجميع الذمّ، فإذا قلت: نِعم الرجل زيدٌ،
(٢) البيت للأخطل في "ديوانه" ص ٢١٧، ينظر: "لسان العرب" ٤/ ٤٨١ - ١٢/ ١٢.
فأما إذا قلت: نِعْمَ الرَجُل، فليس في نِعْمَ ضمير، وصار الرجل رفعًا بنعم. وارتفع زيد من وجهين، قال سيبويه والخليل (٧): إن شئت رفعت زيدًا؛ لأنه ابتداء مؤخر، ويكون نعم وما عملت فيه خبره، وإن شئت رفعت على أنه خبر ابتداء محذوف، لأنك إذا قلت: نعم رجلًا، ونعم الرجل، لم يُعلم من تعني، فقلت: زيد، أي: هو زيد.
(٢) ساقطة من (م).
(٣) في "معاني القرآن": معها.
(٤) في "معاني القرآن": كقولك.
(٥) في (ش): (زيدا).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٢، وقد نقله الواحدي بتصرف يسير، وينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤١٢، "اللسان" ١/ ٢٠١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٤.
(٧) نقله عنه الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٧٢، ونقله عن سيبويه ابن عطية في "المحرر" ١/ ٣٩١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٤٠.
قال الفراء: فإن أضفتَ النكرةَ التي بعد نِعْمَ إلى نكرة رفعت ونصبت، فقلت: نعم غلامُ سَفَرٍ زَيدٌ، وغلامَ سفرٍ زيد، فإن أضفت إلى المعرفة شيئًا رفعتَ، فقلت: نعم سائسُ الخيل أخوك، ولا يجوز النصبُ إلّا أن يضطرّ إليه شاعر؛ لأنهم حينَ أَضَافوا إلى النكرَة آثروا الرفع، فهم إذا أضَافوا إلى المعرفة أحرى أن لا ينصبوا (٢).
فإن وصلت "مَا" بـ"نعم وبِئسَ" نحو: بئسما ونعِمّا، فقال الزجّاج: (ما) فيهما لغير صلة (٣)؛ لأن الصلة توضح، وتخصص، وَالقصد في بئسَ (٤) أن يليها اسم منكور واسم جنس (٥).
فقوله ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ بئس شيئًا اشتروا به أنفسهم (٦)، قال: وروى جميع النحويين: بئسما تزويجٌ ولا مهر، وَالمَعنى فيه: بئسَ
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٧.
(٣) في "معاني القرآن" للزجاج: بغير.
(٤) في "معاني القرآن" للزجاج: نعم.
(٥) في "معاني القرآن" للزجاج: اسم منكور أو جنس، وفي "الإغفال" ص ٣١٧: اسم منكور أو اسم جنس.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٢، ونقله في "اللسان" ١/ ٢٠١ مادة (بئس).
قالَ أبو علي: مَا ذكره أبو إسحاق يَدُل على أن (مَا) إذَا كانت موصولة لم يجز عنده أن يكون فاعلة نعم وبئس، وذلك عندنا لا يمتنع، وجهة جوازه: أن ما اسم مبهم يقع على الكثرة، ولا يخصص شيئًا واحدًا، كما أن أسماء الأجناس كذلك، وهي تكون للكثرة (٢) والعموم، كما أن أسماء الأجناس تكون للكثرة (٣)؛ (٤) وذلك نحو قوله: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] فالقصد به هاهنا الكثرة، وإن كان في اللفظ مفردًا؛ يدلك على ذلك قوله: هؤلاء (٥).
وتكون ما معرفةً ونكرةً؛ كما أن أسماء الأجناس تكون معرفةً ونكرةً. فأمَّا كونها معرفةً فمأنوس به، وأَمَّا كونها نكرة فكثير أيضًا، ذكره سيبويه في مواضع، وهي و (من) قد تكونان نكرتين في التنزيل والشعر القديم الفصيح، أنشد سيبويه:
ربّما تكره النفوسُ من الأمر | له فَرجة كحلِّ العِقَال (٦) |
(٢) في "الإغفال": للنكرة
(٣) في "الإغفال": للنكرة.
(٤) من قوله: كما أن.. ساقط من (ش).
(٥) في "الإغفال" فهؤلاء لا يكون للواحد.
(٦) البيت لأمية بن أبي الصلت، في "ديوانه" ص ٥٠ وفي "الكتاب" ١/ ٣١٥، ٤٢٤ وكذا في "الخزانة" ٢/ ٥٤١ و ٤/ ١٩٤، وينسب البيت أيضًا: لأبي قيس اليهودي، ولابن صرمة اليهودي، ولحنيف بن عمر اليشكري، ولنهار بن أخت مسيلمة =
يا رُبَّ من يُبْغِضُ أَذْوادَنا | رُحْنَ على بَغْضَائِه واغْتَدَيْن (١) (٢) |
فقوله: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ يجوز عندي أن تكون ما موصولة، وموضعها رفع بكونها فاعلة لـ"بئس"، ويجوز أن تكون منكورةً، ويكون (اشتروا) صفة غير صلة (٤)، وحينئذٍ تكون (ما) نصبًا. وتقول: نِعم ما صنعت، وبئسما صنعت، إن شئت كانت (ما) منصوبة، كأنك قلت: نعم شيئًا صنعت، وإن شئت كانت مرفوعة، كأنك قلت: بئس الشيء صنعت.
ولا يجوز أن يليهما (الذي)؛ لأن الألف واللام لا يفارقانه، وهما يعملان فيما عُرِّف بالألف واللام، وجاز طرحهما منه. فقال الفراء: ويجوز أن تُجعل (ما) مع نِعم وبئس بمنزلة كلمة واحدة في غير هذه الآية، فيكون مثل كلما، وإنما، كما جُعلت (ذا) مع حَبَّ كلمةً واحدة، فقالوا: حبّذا.
(١) البيت تقدم تخريجه.
(٢) من "الإغفال" ص ٣١٧، ٣١٨ بتصرف، وقد لخصه القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٢٤.
(٣) من "الإغفال" ص ٣١٩.
(٤) من "الإغفال" ص ٣١٩.
ومعنى الاشتراء هاهُنَا: البيع. والاشتراء والشراء والبيع كله من الأضداد، ويقال: اشتريته، أي: بعته، واشتريته، أي: ابتعته، وكذلك: شريته في المعنيين، وكذلك: بعته، قال الله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، أي: باعوه (٦)، وقال يزيد بن المُفَرِّغ:
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٧.
(٣) في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٧: عما قليل آتيك.
(٤) في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٧: جاز فيه التأنيث والجمع، فقلت: بئسما رجلين أنتما، بئست ما جاريةً جاريتك.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٨ بتصرف، وقد ذكر الأقوال في إعراب ما في هذه الآية الطبري في تفسيره ١/ ٤١٣ - ٤١٤، والعكبري في "التبيان" ٧٤، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٣٠٤ - ٣٠٥، وخلاصته: اختلف في ما ألها موضع من الإعراب أم لا؟ فذهب الفراء إلى أنه بجملته شيء واحد، وظاهره أن لا موضع لها من الإعراب، والجمهور على أن لها موضعًا من الإعراب، واختلفوا أموضعها نصب أم رفع؟.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٦، "اللسان" ٤/ ٢٢٥٣ (شرى)، وذكر في "البحر المحيط" ١/ ٣٠٥: أن اشتروا هنا بمعنى: باعوا عند الأكثرين، وفي المنتخب أنه على بابه، لأن المكلف إذا خاف على نفسه من العقاب أتى بأعمال يظن أنها تخلصه، وكأنه قد اشترى نفسه بها، قال أبو حيان: ويرد عليه، ﴿بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾، حيث فعلوا ذلك على سبيل البغي والحسد.
وشُرَيْتُ بُردًا لَيْتَنِي | مِنْ بَعْدِ بردٍ صِرتُ هامة (١) |
ويأتيك بالأخبار مَن لم تَبعْ له | بَتَاتًا ولم تضربْ له وقتَ موعِدِ (٢) (٣) |
وقوله تعالى: ﴿أَن يَكْفُرُواْ﴾ قال الزجاج: موضع أن رفع، المعنى: ذلك الشيء المذموم أن يكفروا (٦)، على تقدير: بئس الشيء اشتروا به أنفسهم
(٢) البيت لطرفة بن العبد في "ديوانه" ص ٤١.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٥٦، وقال: وللعرب في شروا واشتروا مذهبان، فالأكثر منهما أن يكون شروا: باعوا، واشتروا: ابتاعوا، وربما جعلوهما جميعًا في معنى باعوا، وكذلك البيع، يقال: بعت الثوب، على معنى: أخرجته من يدي، وبعته: اشتريته، وهذه اللغة في تميم وربيعة. ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٥.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤١٤ - ٤١٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٢، "تفسير ابن كثير" ١١٣ - ١١٤.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٢.
وقوله تعالى: ﴿بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ يعني: القرآن (٢).
﴿بَغْيًا﴾ أَصْلُ البغي في اللغة: الظلم والخروج عن النَّصَفَة والحدّ، يقال: بَغَى الفرس في عدوه، إذا اختال ومرح، وإنه ليبغي، ولا يقال: فرس باغ، وبغى الجُرحُ يَبْغِي بَغْيًا، إذا وَرم وكثر فيه المِدّة (٣)، وبَغَتِ السماء، إذا كثر مطرها حتى تجاوز الحدّ، وبغى الوادي، إذا بلغ الماء منه موضعًا لم يبلغه قبل.
وقالَ قوم: أصل البَغْي: الطلب (٤)، يقال: بغى الشيءَ، إذا طلبه، وأَبْغَاه، أعانه على الطلب. والبَغيّ: التي تطلب الزنا، ومنه قيل للأمة: بَغِيٌّ. وما ينبغي كذا، أي: ليس بصواب طلبه، والبَغْيُ: شدة الطلَب للتطاول (٥).
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٢.
(٣) المِدَّة بكسر الميم القيح، وهي الغثيثة الغليظة، وأما الرقيقة فهي صديد وأَمَدّ الجرح إمدادًا، صار فيه مِدَّةٌ ينظر: "المصباح المنير" ص ٥٦٧.
(٤) قال في "مقاييس اللغة" ١/ ٢٧٢: الباء والغين والياء أصلان: أحدهما: طلب الشيء، والثاني: جنس من الفساد.
(٥) ينظر في معاني البغي: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٧، "مقاييس اللغة" ١/ ٢٧١ - ٢٧٢، "المفردات" للراغب ص ٦٥، "اللسان" ١/ ٣٢٣.
قال اللحياني (٢): بغيت على أخيك بغيًا، أي: حسدته، وقال الله تعالى: ﴿ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ﴾ [الحج: ٦٠]، وقال: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى: ٣٩] فالبغي أصله الحَسَد، ثم سمي الظلم بغيًا؛ لأن الحاسِد يظلم المحسودَ جَهْدَه إرادة زوال نعمة الله عليه عنه (٣).
قال ابن عباس في هذه الآية: إنَّ كفر اليهود لم يكن شكًا ولا شيئًا اشتبه عليهم، ولكن بغيًا منهم، حيث صارت النبوة في ولد إسماعيل (٤).
وانتصابه على المصدر؛ لأن ما قبله من الكلام يدلّ على بَغَوا، فكأنه قيل: (٥) بَغَوا بغيًا (٦).
وقال الزجّاج: انتصب؛ لأنه مفعول له، كما تقول: فعلت ذلك حِذارَ الشرّ، أي: لحذر الشر (٧)، ومثله من الشعر: قول حَاتِم (٨):
(٢) هو: أبو الحسن علي بن حازم، وقيل: علي بن المبارك، تقدمت ترجمته [البقرة: ١٠].
(٣) من "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٧.
(٤) لم أجده بهذا اللفظ لكن قريب منه عند ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٣.
(٥) في (ش): (قال).
(٦) ينظر: "التبيان" للعكبري ص ٧٥.
(٧) والعامل فيه: يكفروا، أي: كفرهم لأجل البغي، أو يكون العامل فيه: اشتروا. ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٥.
(٨) هو: حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي القحطاني، فارس شاعر جواد، جاهلي يضرب المثل بجوده، كان من أهل نجد، شعره كثير ضاع معظمه. ينظر: "الشعر والشعراء" ص ١٤٣، و"الأعلام" ٢/ ١٥١.
وأغفر عَورَاءَ الكريم ادّخارَه | وأُعْرِضُ عن شَتْم اللئيم تَكَرُّما (١) |
وقوله تعالى: ﴿أَن يُنَزِل اللَّهُ﴾ موضع أن نصب؛ لأن المعنى: أن تكفروا بما أنزل الله؛ لأن ينزل الله من فَضْلِهِ، أي: كفروا لهذه العلة، فهو كما ذكرنا في بيت حاتِم؛ لأنهم كفروا لإنزال الله عليه، كما أنه يغفر العوراء لادّخاره، هذا قول الزجاج (٣). وأظهر منه أن تجعل ﴿أَن يُنَزِلَ﴾ مفعولًا للبغي، كأن معناه: حسدًا إنزال الله، لأن البغي، هاهنا، بمعنى الحَسَد، وأنت تقول: حَسَدْتُ زيدًا مالَه وفضلَه (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ قال ابن عباس: الغضب الأول: تضييعهم التوراة، والثاني: بكفرهم بهذا النبي الذي أحدث الله فيهم (٥).
وقال قتادة: الأول بكفرهم بعيسى والإنجيل، والثاني: بكفرهم بمحمد والقرآن (٦).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٠٣.
(٣) بتصرف من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٣، وينظر: "التبيان" ص ٧٥ قال: وقيل: التقدير: بغيًا على ما أنزل الله، أي: حسدًا على ما خص الله به نبيه من الوحي.
(٤) وقيل: التقدير: بغيًا على أن ينزل الله، لأن معناه: حسدا على أن ينزل الله، فحذفت على، وقيل: أن ينزل في موضع جرًّ على أنه بدل اشتمال من ما في قوله بما أنزل الله أي: بتنزيل الله ينظر "البحر المحيط".
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤١٧، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٣٢ وقال ابن أبي حاتم: وروي عن عكرمة ومجاهد وعطاء وقتادة وابن أبي خالد نحو ذلك، وقد ذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١١٤ خمسة أقوال في الآية، والخلاف فيها من قبيل اختلاف التنوع.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤٦ وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٣٣، وعزاه =
٩١ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ أي: لليهود، و ﴿إِذَا﴾ عند النحويين وقت للفعل الذي هو جواب، كما تقول: إذا جئتني وصلتك، أخبرتَ أنك تصلُهُ وقت مجيئه، وليس كذلك إنْ، لأنك إذا قلت: إن جئتني وصلتك، يصلح أن تصلَه بعد وقت المجيء (٢).
وقوله تعالى: ﴿بِمَا أَنزَلَ الله﴾ يعني القرآن، ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، يعني التوراة (٣).
﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾، قال ابن الأنباري: يجوز أن يكون هذا إخبارًا من الله عز وجل عن اليهود، وتم الكلام عند قوله: ﴿بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، ثم ابتدأ بالإخبار عنهم، فقال: (٤) ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ (٥). والدليل على انقطاع الكلام الأول: الانصرافُ عن الإخبار عن النفس إلى الحديث عن
(١) هذا كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٧٤، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٤ عن سعيد بن جبير في قوله: (فباؤوا بغضب على غضب) يقول: استوجبوا سخطا على سخط، وذكر "القرطبي" ٢/ ٢٩ قولاً فقال: وقال قوم: المراد التأييد وشدة الحال عليهم، لا أنه أراد غضبين معللين بمعصيتين. وينظر "البحر المحيط" ١/ ٣٠٦.
(٢) ينظر في معاني إذا "مغني اللبيب" ١/ ٨٧ - ١٠١.
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٣.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) في (ش): (تكفرون).
فمن قال: لأقومنّ، أراد: قلت له: قل لأقومن، ومن قال بالتاء، أخرجه على معنى الخطاب.
ومن قال بالياء، أخرجه على لفظ عبد الله؛ لأنه غائب، قال الشاعر (٤):
يا ليت شعري عنك دَخْتَنُوس (٥) | إذا أتاك الخبرُ المرموسُ |
أتحلِقُ القرونَ أم تَمِيسُ | لا، بل تَميسُ إنّها عروسُ (٦) |
ومعنى ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾ بما سواه، قال الفراء: وذلك كثير في العربية يتكلم الرجل بالكلام الحسن، فيقول السامع: ليس وراء هذا الكلام شيء،
(٢) في (ش): (ونكفر).
(٣) من قوله: كما تقول العرب.. ساقطة من (ش).
(٤) البيتان للقيط بن زُرارة كما في "اللسان" ٣/ ١٧٢٨، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٦٧، ورواية التهذيب: ياليت شعري اليوم... إذا أتاهها الخبر. ومعنى المرموس: المكتوم، وتميسُ: تتبختر.
(٥) في (ش): (وختنوس).
(٦) الرجز للقيط بن زرارة، في "لسان العرب" ٦/ ١٠١ مادة: (رمس)، و"تاج العروس" ٨/ ٢٧٩ (دختنس)، و"المعجم المفصل" ١٠/ ٢٨٢.
ويحتمل ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾ بما بعده، أي: ما بعد التوراة، يريد: الإنجيل والقرآن، وهذا كقوله: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، أي: ما بعده، وما سواه.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ (٢) مثله (٣). أبو العباس، عن ابن الأعرابي في قوله: ﴿وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾ قال: بما سواه (٤). وسنذكر الكل في (وراء) عند قوله: ﴿وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ﴾ [الكهف: ٧٩] وقوله ﴿وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ﴾ [هود: ٧١] وقولِه: ﴿وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي﴾ [مريم: ٥]، إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ اَلحَقُّ﴾ (هو) كناية عما في قوله: ﴿بِمَا وَرَاءَهُ﴾.
و (ما وراءه)، يجوز أن يكون واقعًا على الإنجيل والقرآن، فأفرد الله القرآن بقوله: (وَهُوَ الْحَقّ) تفصيلًا له وتخصيصًا (٥).
ويجوز أن يكون (هو) كناية عن محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى لما ذكر الإنزال والمنزِّل دلّا على المُنزَّل عليه، فكان كالظاهر.
قال أبو إسحاق: في قوله: ﴿وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾ دلالة على أنهم قد كفروا بما معهم، إذ كفروا بما يُصَدِّق مَا معهم. قال: ونصبت
(٢) جزء من آية وردت في سورة [المؤمنون: ٧]، [المعارج: ٣١]
(٣) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٠٧.
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٧٩، "اللسان" ٨/ ٤٨٠٧، وينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٥، "البحر المحيط" ١/ ٣٠٧.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٣، "البحر المحيط" ١/ ٣٠٧.
وقوله تعالى: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ هذا تكذيب من الله تعالى لهم في قولهم: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، أي: أيّ كتاب جوّز فيه قتل نبي، وأيّ دين وإيمان جوّز فيه ذلك (٢).
وأضاف القتل هاهُنا إلى المخاطبين، وإن كان آباؤهم قَتَلوا؛ لأنهم كانوا يتولّون الذين قَتَلوا فهم على مذهبهم، وإذا كانوا على ذلك المذهب فقد شركوهم. قال ابن عباس: كلما عُمِلَت مَعصِية، فمن أنكرها برئ، ومن رضي بها كان كمن شهدها (٣).
وقال ابن الأنباري: تأويله: فلم توليتم آباءكم القاتلين ورضيتم ما كانوا عليه، وصوبتم أفعالهم. والمراد بلفظ الاستقبال هاهنا: المضي (٤)، وجاز ذلك؛ لأنه لا يذهب الوهم إلى غيره؛ لقوله: ﴿مِنْ قَبلُ﴾، ودليل هذا قوله: ﴿قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾ [آل عمران: ١٨٣]. ومما وضع فيه المستقبل موضع الماضي قوله تعالى:
(٢) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠٣٤.
(٣) ذكره في "الوسيط" ولم أجده عنه في التفاسير المسندة، وفي معناه حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله - ﷺ -: "إنها ستكون أمراء، تعرفون وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ ومن كره فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٨/ ٦٢١ وقوله - ﷺ -: "إن الخطيئة إذا عملت في الأرض كان من غاب عنها ورضيها كمن حضرها، ومن شهدها وسخطها كان كمن غاب عنها وأنكرها" رواه أبو داود.
(٤) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٥ - ٢٦.
إذا ما انْتَسَبْنا لم تلدني لئيمةٌ | ولم تَجِدِي من أن تُقِرِّي بها بُدَّا (٢). |
(٢) البيت لزائد بن صعصعة الفقعسي يُعَرِّض بزوجته، وكانت أمها سرية، وذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٦١، ١٧٨، ولم ينسبه وكذا الطبري في "تفسيره" ١/ ٣٢٨، ٤٢٠، ٣/ ٧٣.
(٣) من قوله: (يعني أن الولادة) ساقط من (ش).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦١، ومن قوله: (يعنىِ أن الولادة) إلى قوله: (ولا الضرب) من كلام الواحدي، في "تفسيره".
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦١ ونقله الطبري في تفسيره عنه ١/ ٤٢ ذكر جوابًا آخر وهو أن معناه: فلم قتلتم أنبياء الله من قبل، كقوله: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ أي: ما تلت، وكقول الشاعر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني... فمضيت عنه وقلت: لا يعنيني
يريد بقوله: (ولقد أمر): ولقد مررت. اهـ. قال في "البحر المحيط" ١/ ٣٠٧ نقلًا عن ابن عطية: وفائدة سوق المستقبل في معنى الماضي الإعلام بأن الأمر مستمر، ألا ترى أن حاضري محمد - ﷺ - ولما كانوا راضين بفعل أسلافهم بقي لهم من قتل الأنبياء جزء.
٩٢ - قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاَءَكُمْ﴾ اللام في (لقد) لام القسم (٢)، ولا يجوز أن تكون لام الابتداء، لأن لام الابتداء لا تلحق إلّا الاسم أو ما كان بمنزلة الاسم من المضارع.
والمراد بالبيّناتِ في هذه الآية ما ذكره في قوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء: ١٠١]، وهي العصا، واليد، وفلق البحر، والجراد، والقُمَّل (٣)، والضَفَادع، والدم، ورفع الطور، وإحياء الميت ببعض البقرة (٤).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ المراد بـ (ثُم) هاهنا: الاستعظام لكفرهم مع ما رأوا من الآيات التي أتى بها موسى عليه السلام.
٩٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿وَاسْمَعُواْ﴾ أي:
(٢) ينظر: "تفسير "القرطبي" ٢/ ٢٧.
(٣) القمّل: قال ابن عباس: وهو السوس الذي يخرج من الحنطة، وعنه: أنه الدَّبى وهو الجراد الصغار الذي لا أجنحة له - وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة، وقال الطبري في تفسيره ٩/ ٣٣: القمّل: جمع، واحدتها قُمَّلة، وهي دابة تشبه القمْل، تأكلها الإبل فيما بلغني. ينظر "تفسير ابن كثير" ص ٧٠٠.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٢١ "البحر المحيط" ١/ ٣٠٨ إلا أنه عد بدل الأخيرين: السنين، والطوفان.
وقال أهل المعاني: معنى (اسمعوا) هاهنا: استجيبوا وأطيعوا، عُبِّر بالسمع؛ لأنه سَبَب الإجابة والطاعة (١)، وقد يُعبّر عنهما بالسمع كقول الشاعر:
دعوتُ اللهَ حتى خِفتُ أن لا | يكونَ اللهُ يَسْمَعُ ما أقولُ (٢) |
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ بعض المفسرين يقولون: إنهم تلفظوا بهذه اللفظة، فقالوا: ﴿سَمِعْنَا﴾ لما أطل الجبل فوقهم، فلما كشف عنهم قالوا: ﴿وَعَصَيْنَا﴾ (٤).
وقال الحسن: قالوا: سمعنا بألسنتهم، وعصينا بقلوبهم (٥).
فقال أهل المعاني: إنهم لم يقولوا هذا بألسنتهم، ولكنهم لما سمعوا
(٢) البيت، لشمير بن الحارث الضبي، في "تاج العروس" ١١/ ٢٢٧ (مادة: سمع)، و"نوادر أبي زيد" ص ١٢٤، وبلا نسبة في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٤ و"لسان العرب" ٤/ ٢٠٩٥.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠٣٥.
(٤) بنحوه عن ابن عباس كما في "البحر المحيط" ١/ ٣٠٨ واستحسنه أبو حيان قال: لأنا لا نصير إلى التأويل مع إمكان حمل الشيء على ظاهره لا سيما إذا لم يقم دليل على خلافه اهـ. وحكى الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٧٦ أن المفسرين اتفقوا على أنهم قالوا (سمعنا) لما أطل الجبل فوقهم، فلمَّا كشف عنهم قالوا (عصينا).
(٥) ذكره في "الوسيط" ١/ ١٧٦، وذكره في "البحر المحيط" ١/ ٣٠٨ ولم ينسبه.
ومَنْهَلٍ ذِبَّانُه في غَيْطَلِ | يَقُلْنَ للرائدِ أعْشَبْتَ انْزِلِ (٢) |
نواعِمُ يُتْبعنَ الهوى سُبُلَ الردَى | يقلن لأهل الحِلم ضُلًّا بَتْضلال (٣) |
وقال أبو عبيدة (٧)، والزجاج (٨): معناه سُقُوا حُبَّ العِجل، وأصل
(٢) البيت لأبي النجم العِجْلي. ينظر: "الحيوان" ٣/ ٣١٤ و ٧/ ٢٥٩، وذكر الشطر الآخر منه "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٤٨، "اللسان" ٥/ ٢٩٥١، "التاج" ٢/ ٢٣٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٣٥ بلا نسبة. والغيطل: شجر ملتف أو عشب ملتف.
(٣) البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ص ١٢٦.
(٤) ينظر "تاج العروس" ٢/ ١٠٣.
(٥) هو أبو عثمان بكر بن بقية، وقيل: بكر بن محمد بن عدي بن حبيب المازني، تقدمت ترجمته.
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٤٨، "اللسان" ٤/ ٢٢٢٤ (شرب).
(٧) في "مجاز القرآن" ١/ ٤٧.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٥، وينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٤٨، "اللسان" ٤/ ٢٢٢٤.
وقوله تعالى: ﴿الْعِجْلَ﴾ أراد: حُبّ العجل فحذف المضاف (٢) كقوله: ﴿وَسْئَلِ القَرْيَةَ﴾ (٣) [يوسف: ٨٢]، ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وكقول الشاعر:
وكيف تُوَاصل مَنْ أصبَحتْ | خِلاَلَتُه كأبي مَرْحَبِ (٤) |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٥، ونقله في "اللسان" ٤/ ٢٢٢٤، وقال في "البحر المحيط" ١/ ٣٠٩: وأسند الإشراب إلى العجل مبالغة كأنه بصورته أشربوه.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦١، الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٢٣.
(٤) البيت للنابغة الجعدي، ينظر: "ديوانه" ص ٢٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٥، "الكتاب" لسيبويه ١/ ١١٠، "أمالي القالي" ١/ ١٩٢ "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٩٣، ١٧٥، "لسان العرب" ٤/ ٢٢٢٤ مادة (اشرب) و ١/ ٢٥٢ مادة (برد) قال ابن منظور: وأبو مرحب كنية الظِّل والظل منتقل، ويقال: هو كنية عرقوب، الذي قيل عنه: مواعيد عرقوب، والمراد على الأول: كيف تصاحب من لا يدوم على مودة، وإنما هو منتقل غير ثابت.
حَسِبْتَ بُغَامَ راحلتي عَنَاقًا | وما هي وَيْبَ غيرِك بالعَنَاقِ (١) |
وقوله تعالى: ﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ معناه: إن كنتم مؤمنين فبئس الإيمان إيمانٌ يأمر بالكُفْر، وهذا تكذيب لهم؛ لأنهم كانوا يزعمون أنهم مؤمنون، وذلك أنهم قالوا: ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، فكذّبهم الله عز وجل، وعيَّرهم بعبادة العجل، وذلك أنّ آباءهم ادعوا الإيمان ثم عبدوا العجل (٤).
وقوله تعالى: ﴿يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ من المجاز وسعة العربية؛ لأن الإيمان لا يأمُر، وهو كقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
ألم تعجب لذئب بات يسري | ليؤذن صاحبًا له باللحاق |
(٢) ينظر "البحر المحيط" ١/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٦.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٦، "الوسيط" ١/ ١٧٦.
٩٤ - قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ الآية، كانت اليهود تقول: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا﴾ [البقرة: ١١١]، وقالوا أيضًا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨]، فقيل لهم: إن كنتم عند أنفسكم صادقين فتمنوّا الموتَ، فإنّ مَنْ كان لا يشكّ في أنه صائرٌ إلى الجنة، فالجنة آثرُ عنده من الدنيا (٢).
والمعنى: إن كانَتْ لكم نعمة الدار الآخرة، فحذف لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: ﴿خَالِصَةً﴾ يجوز أن يكون فاعلةً من الخُلوص، فيكون انتصابها على خبر كان، ويجوز أن يكون مصدرًا، كالكاذبة والصافية والخائنَة، فيكون المعنى: خلصتْ خالِصَةً، ويكون انتصابها على المصدر (٣). ومعنى الخالصة: الصافية من الشائبة.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٧، وينظر في هذا: "تفسير الطبري" ١/ ٤٢٢ - ٤٢٣ عن قتادة وأبي العالية والربيع، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٨٤، "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٦، "البحر المحيط" ١/ ٣١٠.
(٣) ذكر أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣١٠ الخلاف في إعراب خالصة فقيل: نصب على الحال، ولم يحك الزمخشري غيره، وقيل: خبر كان، فيجوز في (لكم) أن يتعلق بـ (كانت)، ويجوز أن يتعلق بـ (خالصة) ويجوز أن تكون للتبيين، فيتعلق بمحذوف تقديره: لكم أعني، ولم يذكر الانتصاب على المصدرية، وكذا القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٣.
وقوله تعالى: ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ﴾ معنى التمني: هو قولٌ يقدر فيه معنًى يحبه الطبع، وذكرنا ما فيه عند قوله: ﴿إِلَّا أَمَانِىَّ﴾ وَيُدَلّ على التمني بأداةٍ تميِّزُه من الإخبار، كقولك: ليت الله غفر لي، (وليت) أصل في التمني (٢)، وقد يقام مقامها الاستفهام، كقوله: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾ (٣) [الأعراف: ٥٣]، وقولك: ألا ماءَ فأشربَه (٤).
٩٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَن يَتَمَنَّوهُ أَبَدًا﴾ وذلك أنهم كفروا، وعرفوا أنهم كَفَرة، ولا نصيب لهم في الجنة؛ لأنهم تعمدوا كتمانَ أمر النبي - ﷺ - وتكذيبَه.
وقوله تعالى: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ أي: بما قدموه وعملوه (٥)، فأضاف ذلك إلى اليد، لأن أكثر جنايات الإنسان تكون بيده، فيضاف إلى اليد كل جناية، وإن لم يكن لليد فيها عمل، فيقال: هذا ما اجترحته يدك (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ فيه معنى التهديد، أي: عليم بمجازاتهم، وهذا جرى على مستعمل الكلام يقول الرجل لمن أتى إليه مُنْكَرًا: أنا أعرفك، وأنا بصير بك، تأويله: أنا أعلم ما أعاملك به، وإلا
(٢) ينظر: "مغني اللبيب" ١/ ٢٨٥.
(٣) كذا أورده في مقام التمني: "القرطبي" ٧/ ٢١٨.
(٤) ينظر: "مغني اللبيب" ١/ ٦٩.
(٥) في (أ): (قدموا فأضاف).
(٦) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٢ وبين أن هذا الاستعمال كثير في القرآن، وقيل: المراد: اليد الحقيقية هنا، والذي قدَّمته أيديهم: هو تغيير صفة الرسول - ﷺ -، وكان ذلك بكتابة أيديهم.
وفي هذه الآية أبيَن دلالة عَلَى صدق نبيّنا محمد - ﷺ - لأنه أخبر عن الله أنهم لا يتمنون الموت، وقالي: "لو تمنوا الموت لغصَّ كلُّ إنسانٍ بريقه، وما بقي على وجه الأرض يهودي إلاّ مَاتَ" (٢)، ثمَّ لم يَرَوا مَعَ حرصهم على تكذيبه أن أحدا أتاه، وقال: يا محمد، أنا أشتهي الموت وأتمناه؛ لأنهم علموا أنهم لو تمنوا الموت لَم يَبقَ منهم صغير ولا كبير إلّا مات، فكان إحجامهم عن ذكر الموت دليلًا على عنادهم الحق وتكذيب من يعرفون صِدقه، ويعلمون صحَّة نبوَّته - ﷺ - (٣).
(٢) الحديث بهذا اللفظ ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٣٧ عن ابن عباس مرفوعًا وأخرج البيهقي في دلائل النبوة ٦/ ٢٧٤ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مرفوعًا، وفيه: "لا يقولها رجل منكم الا غص بريقه فمات مكانه" وفي السند الكلبي. وأخرج أحمد ١/ ٢٤٨ وأبو يعلى ١/ ٤٢٤ - ٤٢٥، الطبري في تفسيره ٢/ ٣٦٢ من طريق عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: وفيه: "ولو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا، ورأوا مقاعدهم من النار" قال الهيثمي في مجمع الزوائد ٨/ ٢٢٨: في الصحيح طرف من أدلة، رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله الصحيح. وقال أيضًا ٦/ ٣١٤: هو الصحيح بغير سياقه، رواه البزار، ورجاله رجال الصحيح وأصله كما قال في البخاري (٤٩٥٨) كتاب التفسير باب: ﴿كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ والترمذي كتاب التفسير باب من سورة اقرأ باسم ربك برقم (٣٣٤٨) وأحمد ١/ ٣٦٨ وليس فيه: ولو أن اليهود... وأخرج الطبري في تفسيره، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٨٤ عن ابن عباس موقوفًا: لو تمنوا الموت لشرق أحدهم بريقه. وأخرجا عن عكرمة نحوه، وأورد ابن كثير في تفسيره هذه الموقوفات عن ابن عباس ص ١١٥ وصحح أسانيدها إليه.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٦، "تفسير الطبري" ١/ ٤٢٤ - ٤٢٥، "البحر المحيط" ١/ ٣١٠ - ٣١٢.
ومَعناه: ولَتجدنّ اليهود، يعني: علماءهم، وهؤلاء الذين كتموا أمر محمد - ﷺ - عن عنَادٍ في حالِ دعائك إياهم إلى تمني الموت أحرص الناس على حياة؛ لأنهم علموا أنهم صائرون إلى النار إذا ماتوا في أمر محمدعليه السلام (٤). والحرص: شدّة الطَلَب، يقال: رجل حريصٌ، وقوم حِرَاص، ومِنْهُ:
عليّ حِرَاصًا لَو يُسِرُّون مَقتَلي (٥)
ومنه يقال: حَرَص القَصَّارُ الثوبَ، إذا ألحَّ في الدقِّ إلحاح الحَريص. والحَارِصَة: شَجّةٌ تشقّ الجلد قليلًا، كما يحرص القصَّار الثوب عند الدقّ (٦).
(٢) ساقطة من (م).
(٣) يعني عند التوكيد فتقول: يفعلانِّ.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٨.
(٥) عجز بيت لامرئ القيس من معلقته في "شرح القصائد السبع الطوال" لابن الأنباري ص ٤٩، وصدره:
تجاوزتُ أحراسًا إليها ومعشرًا
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٨٦، "اللسان" ٢/ ٨٣٥ (حرص).
وحقيقة الإشراك: عبادة غير الله مع الله، وهو أن يجعَل عبادته مشتركةً بين الله وغيره، ثم يسمّى كلُّ كافر بالله مُشرِكًا من عظم ذنبه حتى ساوى به عظم ذنب المشرك في عبادة الله.
وقال بعضهم (٣): تم الكلامُ عند قوله: ﴿عَلَى حَيَاةٍ﴾، ثم ابتدأ، فقال (٤): ﴿وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾، أي: من يود، فأضمر الموصول بيَوَدّ كقول ذي الرُمَّة:
فظلوا وَمنهم (٥) دمعُه سابقٌ له | وآخرُ تُذري دمعَه العينُ بالهَملِ (٦) |
إحداهما: أن المراد بالآية بيان حرص اليهود على الحياة، فلا يحسن قطع الكلام عند قوله: ﴿عَلَى حَيَاةٍ﴾ ثم الإخبار عن غيرهم بحب التعمير.
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٨.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٣٩.
(٤) في (أ) و (ش): (قال).
(٥) ساقطة من (م).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ١٤١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٩، وبلا نسبة في "الدر" ٢/ ٦٦، و"همع الهوامع" ١/ ١١٦. وينظر: "المعجم المفصل في شواهد اللغة" ٦/ ٥٦٣.
(٧) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٩.
واختلفوا في المعْنيّ بقوله: الذين أشركوا، فقال أبو العالية (١)، والربيع (٢): هم المجوس، وإنما وصفوا بالإشراك؛ لأنهم يقولون بالنور والظلمة، وَيزدَان، وأَهرَمَن، وهم أيضًا موصوفون بالحرص على الحياة، ولهذا جعلوا التحيّة بينهم: زِه هَزَار (٣) سَال، أي: عِشْ ألف سنة (٤)، وقال أبن عباس: أراد منكري البَعْث، ومن أنكر البَعث فهو يحب طول الحياة؛ لأنه لا يرجو بعثًا بعد الموت (٥). قال العلماء: وإنما كانت اليهود أحرص من الذين أشركوا؛ لأن المشركين لا يؤمنون بالمعاد، ولا يخافون النار، واليهود تؤمن، وقد علموا ما جَنَوا فهم يخافون النار (٦).
وقوله تعالى: ﴿يَوَدُّ أَحَدُهُمْ﴾، أي: أحد اليهود أن (٧) يعمر ألف سنة؛
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٢٩.
(٣) في (ش): (هزاز).
(٤) أخرج نحوه الثوري ص ٤٧، والطبري في "تفسيره" ١/ ٤٢٩ - ٤٣٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٧٩ عن ابن عباس وسعيد بن جبير ورواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال: هو قول الأعاجم إذا عطس أحدهم: زه (يعني: زي، الأمر من مصدر "زيستن") هزار سال، يعني: عش ألف سنة، فمعنى زه: عش؛ وهزار: ألف، وسال: سنة.
(٥) أخرجه الطبري ١/ ٤٢٩، وابن أبي حاتم ١/ ١٧٩.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٨، و"البحر" ١/ ٣١٣.
(٧) في (م): (لو يعمر).
وقوله تعالى: ﴿يَوَدُّ﴾ يقال: وَدِدتُ أوَدّ، والمصدر: الوَدّ، والوُدّ، والوِداد، والوَدادة، أنشد الفرّاء (١):
ودِدت ودادَةً لو أَنّ حظّي | مِنَ الخُلَّانِ أن لا يَصرمُوني (٢). |
وقوله تعالى: ﴿لَوْ يُعَمَّرُ﴾ يقال: عَمَّرَه الله تعميرًا، إذا أطال عمره، وأصله من العمارة، الذي هو ضدّ الخراب، والعُمُر: اسم للمدّة التي يُعَمَّرُ فيها البدن بالحياة والنمو (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَلْفَ سَنَةٍ﴾ سُمي الألف ألفًا، لأنه تأليف العشرات في عِقْدٍ، ويقال: ثلاثة آلاف إلى العشرة، ثم أُلُوف جمع الجمع، والألف مذكر، وإذا أُنِّثَ على أنه جمع فهو جائز، وكلام العرب فيه التذكير (٦)،
(٢) البيت بلا نسبة في: "لسان العرب" ٨/ ٤٧٩٣.
(٣) في (ش): (ونقل).
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٩، "اللسان" ٨/ ٤٧٩٣ (ودد)، "المفردات" للراغب ٥٣٢، وقال: الود: محبة الشيء، وتمني كونه، ويستعمل في كل واحد من المعنيين.
(٥) ينظر: "المفردات" ٣٥٠، "اللسان" ٥/ ٣٠٩٩ (عمر).
(٦) ينظر "تهذيب اللغة" ١/ ١٨٣، "المفردات" ٣٠، "اللسان" ١/ ١٠٨ مادة (ألف).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ﴾ الكناية راجعة إلى أحدهم، كأنه قيل: وما أحدهم بمزحزحه من العذاب تعميره، كما تقول: ما عبد لله بضاربه أبوه.
قال أبو إسحاق: ويصلح أن يكون هو كناية عما جرى ذكره من طول العمر، وهو قوله: (لو يعمر) فيكون: وما تعميره بمزحزحه (٣)، والفعل يدل على المصدر، كقوله: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ [الأنعام: ١٢١] وإنه يريد إنأكله، وعلى هذا قوله: ﴿وأَن يُعَمَّرَ﴾ تكرير لذكر التعمير، فيكون كقوله: ﴿وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ﴾ أعاد المصدر بعد ما كنى عنه (٤).
وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون هو كناية عن الشأن والأمر في قول الكسائي، والمعنى عنده: وما الشأن بمزحزحه من العذاب أن يعمَّر (٥).
قال: ويجوز أن يكون عمادًا في قول الفراء. والعرب تدخل (هو) للعماد مع (ما) في الجحد و (هل) و (واو الحال)، فيقولون: هل هو قائم
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٨، "تفسير الطبري" ١/ ٤٢٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٣٩، "زاد المسير" ١/ ١١٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٨.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٥.
(٥) وأجاز هذا الوجه أبو علي كما في "البحر المحيط" ١/ ٣١٥، وقال في التبيان ١/ ٧٨: ولا يجوز أن يكون هو ضمير الشأن لأن المفسر لضمير الشأن مبتدأ وخبر، ودخول الباء في بمزحزحه يمنع من ذلك.
فَهَلْ هُوَ مَرْفُوعٌ بما هاهنا رأسُ (٢)
من أبيات ذكرها (٣). والزحزحة الإبعاد والتنحية، يقال: زحّه وزحزحه فتزحزح: إذا تنحى (٤).
وقوله تعالى: ﴿أَن يُعَمَّرَ﴾ في موضع رفع بمزحزحه كما يرتفع الفاعل بالفعل؛ لأن المعنى: ما يزحزحه تعميره (٥).
٩٧ - وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ﴾ الآية، سألت اليهود نبي الله - ﷺ - عمن يأتيه من الملائكة فقال: جبريل فقالوا: هو عدونا، ولو
(٢) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٥١ - ٥٢ فقال: وأنشدني بعض العرب، والأبيات:
فأبلغ أبا يحيى إذا ما لقيتهَ | على العِيسِ فىِ آباطِها عَرَقٌ يَبْسُ |
بأن السُّلامِيَّ الذي بضَرِيَّةٍ | أميَر الحِمَى قد باع حقي بني عبسِ |
بثوبٍ ودينارٍ وشاةٍ ودرهمٍ | فهل هو مرفوع بما هاهنا رأسُ |
(٤) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ١٧٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٩٨، "اللسان" ٣/ ١٨١٦، "القاموس" ٢٢٢.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٥ قال: وأجازوا أن يكون هو ضميرًا عائدًا على المصدر المفهوم من قوله: لو يعمر. وأن يعمر بدل منه، وارتفاع هو على وجهين من كونه اسم ما، أو مبتدأ.
وجبريل فيه لغات (٢)، بعضها قرئ به (٣)، وبعضها لم يقرأ به (٤)،
أحدها: قول الجمهور: أن عداوتهم لكونه ينزل العذاب.
ثانيها: كونه حال دون قتل بختنصّر الذي خَرّب مسجدهم، وسفك دمائهم، وسبى ذراريهم.
ثالثها: كونه عدل بالنبوة عن بني إسرائيل إلى بني إسماعيل.
(٢) استقصى اللغات في جبريل وميكائيل: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٤٤ وما بعدها، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٣١٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١١٧ - ١١٩.
(٣) قرأ نافع وأبو جعفر وأبو عمرو ويعقوب وابن عامر وحفص، بكسر الجيم والراء بلا همز، وقرأ ابن كثير كذلك ولكن مع فتح الجيم، وقرأ شعبة بفتح الجيم والراء وبعدها همزة مكسورة، وقرأ كذلك حمزة والكسائي وخلف، ولكن بزيادة ياء
ساكنة بعد الهمزة، ولحمزة إن وقف عليه التسهيل فقط. وأما ميكال، فقد قرأ نافع وأبو جعفر بهمزة مكسورة بعد الألف من غير ياء بعدها، وقرأ حفص وأبو عمرو ويعقوب من غير همز ولا ياء، وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعد الألف وياء ساكنة بعدها، ولحمزة فيه التسهيل مع المد والقصر.
ينظر: "السبعة" ص ١٦٦ - ١٦٧، و"النشر" ٢/ ٢١٩، و"البدور الزاهرة" ص ٤٦.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٩، وذلك مثل: قراعة ابن محيصن (جبرئل) =
وهذه أسماء عجمية (١) وقعت إلى العرب (٢) (٣)، فإذا أُتي بها على ما في أبنية العرب مثلُه كان أذهب في باب التعريب، يقوي ذلك: تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من حروفهم، كتغييرهم الحرف الذي بين الفاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة أو الفاء المحضة، كقولهم: البِرِنْدُ والفِرِنْدُ (٤)، وكذلك تغييرهم الحركة التي ليست في كلامهم، كالحركة التي في قول العجم: رُوز وآشُوب (٥) يخلصونها ضَمّةً، فكما (٦) غيروا الحروف والحركات إلى ما في كلامهم فكذلك القياس في أبنية هذه الأسماء (٧)، إلا أنهم قد تركوا أشياء من العجمية على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب كالآجُرِّ (٨) والإِبْريسَم (٩) والفِرِنْد (١٠)، وليس في الكلام على هذه
(١) في (م): (أسماء عربية وعجمية).
(٢) في (م): (للعرب).
(٣) في "الحجة": وهذه أسماء معربة.
(٤) في (ش): (القرند).
(٥) في "الحجة" (زورْأ اشُوْب). قال المحققان: في المعجم في اللغة الفارسية: زور: قوة، غلبة، وآشوب: من أشوفتين: الاضطراب.
(٦) في (م) و (ش): (كما).
(٧) قال ابن جني في "المحتسب" ١/ ٩٧: عن العرب إذا نطقت بالأعجمي خَلّطَتْ فيه.. وذكرنا أنهم قد يحرِّفون ما هو من كلامهم فكيف مما هو من كلام غيرهم. وقال في ١/ ٩٨: وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا.
(٨) الآجُرّ: اللَّبِنُ إذا طُبخ، بمد الهمزة، والتشديد أشهر من التخفيف، الواحدة آجُرَّة وهو مُعَرّب، ينظر "المصباح المنير" ص ٦.
(٩) الإبْرِيسَمُ: بفتح السين وضمها، هو الحرير، أو معرَّبٌ مُفَّرِّحٌ للبدن، معتدلٌ مُقَوٍّ للبَصر إذا اكتحل به، "القاموس" ١٠٧٩.
(١٠) الفِرِنْد: بكسر الفاء والراء، السيف وجواهره ووشيه. ينظر: "القاموس" ص ٣٠٦.
ومن قال جَبْرَئيل: على وزن جبرعل كان على وزن: جَحْمَرِش (٣) (٤) وصَهْصَلْق (٥). وجَبْرَئيل على وزن: عَندَليب (٦)، والخارج من الأبنية العربية: جَبْريل، ألا ترى أنه ليس في أبنيتهم مثل مَنْدِيل، إلا أنه مُتَّجِهٌ وإن لم تجئ في أبنيتهم، وكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعًا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب (٧)، وقد جاء في أشعارهم الأمران (٨): قال جرير:
عبدوا الصّليبَ وكذّبوا بمحمدٍ | وبِجبْرَئيلَ وكذّبوا ميكالا (٩) |
(٢) هذا كله كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٦٤، ١٦٥.
(٣) في (ش): (جمحرش) وفي (م): (جمحرين).
(٤) الجَحْمَرِشُ: العجوز الكبيرة، والمرأة السمجة، والأرنب المرضع، ومن الأفاعي: الخشناء، وجمعه: جَحَامرِ ينظر: "القاموس" ص ٥٨٦.
(٥) الصهصلق: العجوز الصَّخَّابة، ومن الأصوات: الشديد. ينظر: "القاموس" ص ٣٠٦.
(٦) العَنْدَلِيبُ: طائرٌ يقال له: الهزارُ، يصَوِّت ألوانًا، وجمعه: عَنَادِل: "القاموس" ١١٨.
(٧) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٦٥.
(٨) في "الحجة" الأمران: ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك.
(٩) البيت لجرير من قصيدة له في هجاء تغلب، ينظر: "شرح ديوان جرير" ٣٦١،=
وجبريلٌ رسولُ الله فينا | وروحُ القُدْس ليس به خفاءُ (٢) |
ويوم بدر لقيناكم لنا مَدَدٌ | فيه مع النصرِ جبريل وميكالُ (٣) |
(١) هو حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري، أبو الوليد الصحابي، شاعر الرسول - ﷺ - وأحد المخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، دافع بشعره عن الإسلام ونبيه - ﷺ -، إلا أنه لم يشهد معه مشهدا لعلة أصابته. ينظر: "الإصابة" ١/ ٣٢٦، و"الأعلام" ٢/ ١٧٥.
(٢) البيت لحسان بن ثابت، في "ديوانه" ص ٧٥، و"لسان العرب" ٧/ ٣٨٩٢ (مادة: كفأ)، ١/ ٥٣٥ (مادة: جبر). ورواية الزجاج وأبي علي: ليس له كفاء، ونفى صاحب "الخزانة" ١/ ١٩٩ أن يكون البيت لحسان.
(٣) نَسب أبو علي البيت لكعب، ونُسِب لحسان في "ديوانه" ص ٢٠٤ وجبريل بدل ميكال، وكذا نسبه في "لسان العرب" ٧/ ٤٢٥٢ (مادة: مكا). ورواية "اللسان" ميكال وجبريل.
(٤) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٦٧ - ١٦٨، وقال في "البحر المحيط"١/ ٣١٩: (فإنه نزله) ليس هذا جواب الشرط لما تقرر في علم العربية أن اسم الشرط لابد أن يكون في الجواب ضمير يعود عليه... وإنما الجزاء محذوف لدلالة ما بعده عليه، بالتقدير: فعداوته لا وجه لها أو ما أشبه هذا التقدير.
(٥) ذكر ذلك الماوردي في "النكت والعيون" ١/ ١٦٣، وقال: وهذا قول ابن عباس، وليس له من المفسرين مخالف، ونقله عنه القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٣ ثم نقل خلافه، ونقل ابن كثير في تفسيره الخلاف أيضًا. ونقل هذا القول أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣١٧، وينظر: "الإجماع في التفسير" ص ١٧٩ - ١٨٢.
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُ﴾ يعني جبريل ﴿نَزَّلَهُ﴾ يعنى: القرآن، كنى عنه ولم يجئ له ذكر، وهو كثير، وقيل: فإن الله نزل جبريل على قلبك (٦).
وقيل: جواب من مُضمر، أراد: من كان عدُوًّا لجبريل فليخف، أو ليَمُتْ غيظا أو ما أشبهه من الإضمار (٧).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى قَلْبِكَ﴾ يعني: قلبَ محمد - ﷺ - قال الفراء: ولو كان: على قلبي، كان صوابًا، مثله في الكلام: لا تقل للقوم: إن الخَيْر
(٢) في (ش): (ينصرف).
(٣) "الحجة" ١/ ١٦٩، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٧.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٣٦ - ٤٣٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٤٨، "زاد المسير" ١/ ١١٩، و"الدر المنثور" ١/ ١٧٦.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٤٨ بسنده من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إسماعيل بن رجاء بن ربيعة الزبيدي عن معاوية يرفعه، ونسبه في "الدر المنثور" ١/ ١٧٦ إلى الديلمي عن أبي أمامة، وهو من مظان الحديث الضعيف والله أعلم.
(٦) ينظر: "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ١٩٦، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٠ ورجَّح الأول.
(٧) ينظر: "التبيان" ١/ ٧٩.
وقوله تعالى: ﴿مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ قال ابن عباس: لما قبله من الكتب التي أنزلها الله عز وجل (٢).
وفي قوله تعالى: ﴿وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ رد على اليهود حين قالوا: إن جبريل ينزك بالحرب والشدة، فقيل: إنه وإن كان ينزل بالحرب والشدة على الكافرين فإنه ينزل بالهدى والبشرى للمؤمنين (٣).
٩٨ - قوله تعالى: ﴿مَن كاَنَ عَدُوًّا﴾ أي: معاديًا؛ لأن العدوَّ فعول بمعنى فاعل، ولا يصح العداوة لله على الحقيقة؛ لأن العداوةَ للشيء طلب الإضرار به بُغْضًا له، وإنما قيل للكافر: عدوّ الله، من عداوة الله له، أو لأنه بفعل فعل المُعَادي (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَمَلاَئِكَتِهِ﴾ يريد: كجبريل وميكائيل، وذلك أن اليهود قالت لعمر - رضي الله عنه -: إن صاحب محمد من الملائكة جبريلُ، وهو عدوّنا، يُطْلعُ محمدًا على سرّنا، وهو صاحب كل عذاب وخسف وسَنَةٍ وشدّة، فقالٍ عمر: فإني أَشْهد أن من كان عدوًّا لجبريل فهو عدوُ ميكائيل، ومن كان عدوًّا لهما فإن الله عدو له، ثم (٥) أتى عمر النبي - ﷺ -، فوجد جبريل قد سبقه
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره ١/ ٤٣٨ - ٤٣٩، وينظر: "تفسير الرازي" ٣/ ١٩٧.
(٣) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٢١.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣١٩.
(٥) في (م): (وأتى).
وقوله تعالى: ﴿وَرُسُلِهِ﴾ يعني: محمدًا وعيسى كفرت بهما اليهود.
وقوله تعالى: ﴿وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ (٢) أخرجهما من الجملة بالذكر (٣) تخصيصًا وتشريفًا (٤)، كقوله: ﴿فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ﴾ [الرحمن: ٦٨]، وكقوله: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ [الجن: ١٨]، بعد قوله: ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [النجم: ٣١].
وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ قال محمد بن يزيد (٥):
ظهرت الكناية في قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ لأن الفاء جواب الجزاء وما بعدها مستأنف، فلما كان مبتدأً لم يقع (٦) فيه كناية عن ظاهر سبقها، لأنه ليس
١/ ١٤٠، ١٤١، و"الدر المنثور" ١/ ١٧٤ - ١٧٥، وقال: صحيح الإسناد ولكن الشعبي لم يدرك عمر.
(٢) في (أ): (وميكايل)، وفي (ش): (وميكائيل).
(٣) في (م): (من الذكر).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٤٩، "زاد المسير" ١/ ١١٩، "التفسير الكبير" للرازي ١/ ١٩٨، وذكر جوابًا ثانيًا وهو: أن الذي جرى بين الرسول واليهود هو ذكرهما، والآية نزلت بسببهما فلا جرم نص على اسميهما. وقد أطال البحث في ذلك أبو حيان في "البحر" ١/ ٣٢٢.
(٥) يعني المبرد.
(٦) في (م): (لم يكن يقع).
وقال غيره: إنما أظهر الكناية لأنه ذكر الملائكة والرسل، فلو كنى لذهبَ الوهمُ إلى واحد من الملائكةِ، أو الرسلِ، أو إلى جبريل، أو إلى ميكائيل، فأظهر الكناية ليزيل اللبس (٤).
ومعنى الآية: من كان عدوًا لأحد هؤلاء فإن الله عدو له، لأن عدوّ الواحد عدو الجميع، وعدو محمدٍ عدوُّ الله. ومثله قوله: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ﴾ [النساء: ١٣٦]؛ لأن الكافر بالواحد كافر بالكل (٥).
والواو هاهنا بمعنى أو (٦). وقال: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ ولم يقل: فهم أعداء له؛ لأنه تولى تلك العداوة بنفسه، وكفى رسله وملائكته أمر من عاداهم. وإنما لم يقل: فإن الله عدو لهم أوله بالكناية؛ ليدل مع أنه عدو لهم على أنهم كافرون بهذه العداوة (٧).
(٢) ساقطة من (م).
(٣) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٢٢.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٢٢.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٢.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٥٠، وذكر الرازي في "التفسير الكبير" ٣/ ١٩٨: أن الواو، قيل: إنها للعطف، وقيل: بمعنى أو.
(٧) ينظر: "زاد المسير" ١/ ١١٩، و"التفسير الكبير" للرازي ٣/ ١٩٨، و"تفسير ابن كثير" ١/ ١٤١.
والبينات: جمع بينة، والبين: من باب الصيّب والسيّد، وقد مرّ (٣).
والبينة: الدلالة الفاصلة بين القضية الصادقة والكاذبة؛ لأنها من إبانة أحد شيئين عن الآخر، فيزول الالتباس بها. واستقصاء الكلام في هذا عند قوله: ﴿عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٨].
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ﴾ أي: الخارجون عن أديانهم، واليهود خرجت بالكفر بمحمد - ﷺ - عن شريعة موسى عليه السلام (٤).
١٠٠ - قوله تعالى: ﴿أَوَكُلَّمَا﴾ قال سيبويه (٥): الواو فيه واو العطف، إلا أن ألف الاستفهام دخل عليها؛ لأن لها صدر الكلام، وهي الأصل في الاستفهام، يدل على ذلك: أن الواو تدخل على (هل)، كقولك: وهل زيد عاقل؟ ولا يجوز: وأزيد عاقل؛ لأن الألف أقوى في
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٤١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٨٣ من طريق سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٥١ والواحدي في "أسباب النزول" ص ٣٤، والسيوطي في "لباب القول" ص ١٨.
(٣) في تفسير الآية رقم ١٩.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٤١.
(٥) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٣/ ١٨٧، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٤٧، "تفسير الطبري" ١/ ٤٤١ - ٤٤٢، و"إعراب مشكل القرآن" لمكي ١/ ١٠٥، "التبيان" للعكبري ١/ ٧٩.
وقوله تعالى: ﴿عَاهَدُوا عَهْدًا﴾ قال المفسرون: إن اليهود عاهدوا فيما بينهم، لئن خرج محمد - ﷺ - ليؤمنُنّ به، وليكونُنّ (٣) معه على مشركي العرب، فلما بُعِثَ نقضوا العهد وكفروا به (٤).
وقال عطاء: هي العهود التي كانت بين رسول الله - ﷺ - وبين اليهود، فنقضوها كفعل قريظة والنضير، عاهدوا ألا يعينوا عليه أحدًا، فنقضوا ذلك، وأعانوا عليه قريشًا يوم الخندق (٥).
واتصال هذه الآية بما قبلها: من حيث إنهم كفروا بنقض العهد كما كفروا بالآيات.
وقوله تعالى: ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ إنما دخلت (بل) ههنا لأنه لما قال: ﴿نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ﴾ دل على أنه كفر ذلك الفريق بالنقض، فقال:
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨١، "إعراب مشكل القرآن" ١/ ١٠٦.
(٣) في (ش): (لنؤمنن به ولنكونن).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٢، "الوسيط" ١/ ١٨١، "زاد المسير" ١/ ١٢٠، القرطبي ٢/ ٣٥ والرازي في "تفسيره" ٢/ ٢١٧.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٥٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٠٥، الرازي في "تفسيره" ٣/ ٢٠١، القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٤٠ وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٢٣.
وقيل: معناه: كفر فريق بالنقض وكفر أكثرهم بالجحد للحق، وهو أمر النبي - ﷺ - (١).
١٠١ - قوله تعالى: ﴿نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ جائز أن يكون المراد بقوله: ﴿كِتَابَ الله﴾: القرآن، وجائز أن يكون المراد به: التوراة؛ لأن الذين كفروا بالنبي - ﷺ - نبذوا التوراة (٢).
ويقال لكل من استخف بشيء (٣) ولم يعمل به: نبذه وراء ظهره (٤).
قال الشعبي (٥): هو بين أيديهم يقرؤونها، ولكن نبذوا العمل به (٦).
وقال سفيان بن عُيينة: (٧) أدرجوه في الحرير والديباج، وحلَّوه بالذهب والفضة، ولم يُحِلّوا حلاله ولم يحرّموا حرامه، فذلك النبذ (٨).
(٢) هذا كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٨٢، وينظر: "زاد المسير" ١/ ١٢٠، و"تفسير الرازي" ١/ ٢٠٢.
(٣) في (م): (استخف بشيء نبذه ولم يعمل).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٤٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٣، "تفسير الرازي" ٣/ ٢٠١.
(٥) هو: أبو عمرو عامر بن شراحيل الشعبي الحميري، تقدمت ترجمته [البقرة: ٧].
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٤، البغوي في "تفسيره" ١/ ١٢٦وفي بعض نسخ الثعلبي في "تفسيره" يقرؤونه، وفي بعضها: يقرؤونها.
(٧) هو: الإمام أبو محمد سفيان بن عيينة بن أبي عمران، ميمون الهلالي الكوفي المجتهد، شيخ الإسلام، من كبار المحدثين الثقات، كان واسع العلم، وله تفسير، توفي سنة ١٩٨ هـ. ينظر: "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ١٩٦، و"السير" ٨/ ٤٥٤.
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٤، "البغوي" ١/ ١٢٦.
وعنى بالفريق في هذه الآية: علماء اليهود الذين تواطؤوا على كتمان أمر محمد - ﷺ - (٢).
١٠٢ - قوله تعالى ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ الآية، هذه الآية قد أشكل علم إعرابها ومعناها على كثيرٍ من الناس، حتى ترك أكثر أهل العلم والنحو الكلام فيها لصعوبتها. وتكلم آخرون فيها (٣).
قال أبو إسحاق: أعلم الله عز وجل أنهم رفضوا كتابه واتبعوا السحر (٤).
وقوله تعالى: ﴿تَتْلُوا﴾ أي: تقرأ (٥). وقال ابن عباس: تتبع وتعمل به (٦). وكذلك قال في قوله: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ [البقرة: ١٢١]: يتبعونه حق اتباعه (٧)، فيعملون به حق عمله.
وقال أبو عُبَيدة: ﴿مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ﴾ أي: ما تتكلم به. كقولك: فلان يتلو كتاب الله، أي: يقرؤه ويتكلم به (٨). وقال عطاء: ما تُحدّث
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٤٢.
(٣) قال الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٨٥: فإن النحويين قد ترك كثير منهم الكلام فيها لصعوبتها، وتكلم جماعة منهم، وإنما تكلمنا على مذاهبهم.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٣.
(٥) وبه قال مجاهد وقتادة وعطاء، وروي عن ابن عباس، ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٤٧، و"تفسير ابن كثير" ص ١٤٤ - ١٤٦.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٤٧ وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١٤/ ١٠٥٥.
(٧) رواه عنه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٨، وذكره ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٤٥.
(٨) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة بمعناه ١/ ٤٨.
قال الزجاج: وفيه إضمار، أراد: واتبعوا ما كانت تتلوا (٣)، وقيل: إنه لفظ الاستقبال والمراد به المضي، أي: تلت (٤)، كقول الشاعر:
فلقد يكون أخا دمٍ وذبائحِ (٥)
أي: فلقد كان (٦). وكقوله: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ﴾ [البقرة: ٢١٤]، أي: حتى قال.
وقال أبو علي (٧) فيما استدرك على أبي إسحاق الآية: تحتمل تأويلين، كلُّ واحد منهما أسوغ مما ذكره وذهب إليه.
أحدهما: أن يكون ﴿تَتلُوا﴾ بمعنى: تلت فيكون كقوله: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٩١]. أي: فلم قتلتم، إلا أنه لما اتصل بقوله: {مِن
(٢) ينظر الطبري في تفسيره ١/ ٤٤٧ - ٤٤٨، وذكر أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦: أنها متقاربة.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٣ بتصرف، وليس عنده قوله: وفيه إضمار، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦.
(٤) ينظر: "التبيان" للعكبري ١/ ٨٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦.
(٥) صدر البيت:
وانْضَح جوانبَ قبرِه بدمائها
وهو لزياد الأعجم في "ديوانه" ص ٥٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٥، و"البيان" ١/ ١٣٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٧، "الدر المصون"١/ ٣١٨، "أمالي المرتضي" ١/ ٣٠١، "الشعر والشعراء" ١/ ٢٧٩، "لسان العرب" ٧/ ٣٩٦٢، ينظر: "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية" ٢/ ١٢٦.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٥٥.
(٧) أي: في كتابه "الإغفال".
ومن هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحج: ٢٥]. يجوز عندي أن يكون المعنى: إنّ الذين كفروا وصدوا. فلما كان المعطوف عليه ماضيًا دلّ على أن المراد بالمضارع أيضًا الماضي، ويقوي هذا قوله: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ [محمد: ١] (٥). ويجوز أن يكون المضارع على بابه، كأنه قال: إنّ الذين كفروا فيما مضى وهم الآن يصدُّون مع ما تقدم من كفرهم. والأول كأنه أقوى (٦).
والإرادة بمثال المضارع الماضي مذهب سيبويه؛ لأنه قال (٧): وقد تقع (٨) نفْعَل في موضع فَعلت في بعض المواضع، ومثل ذلك: قول رجل
(٢) في "الإغفال": في من قال إن المعنى على عهد ملك سليمان.
(٣) في "الإغفال": على من لم يقدر.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٣، "التبيان" للعكبري ١/ ٨٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦.
(٥) تتمة الكلام في "الإغفال" فخبر اسم إن مضمرة، هو من نحو ما ظهر من قوله: أضل أعمالهم، وحسن الحذف لطول الكلام بالعلة.
(٦) "الإغفال" ص٣٢١ - ٣٢٢.
(٧) في "الإغفال" وهذا الذي ذكرته لك من الإرادة بمثال المضارع الماضي مذهب سيبويه وقوله.
(٨) في (ش): (يقع تفعل).
ولقد أمرُّ على اللئيم يَسُبّني | فمضيتُ ثُمَّتَ قلتُ لا يَعْنِيني (١) (٢) |
غضبان ممتلئًا عليّ إهابه | إني وربِّك سُخْطُه يُرضيني |
(٣) "الإغفال" ص ٣٢٢، ٣٢٣ وقال سيبويه في "الكتاب" ١/ ٥٠٤: يجوز أن يجعل أفعل في موضع فعلت، ولا يجوز فعلت في موضع أفعل إلا في مجازاة، نحو إن فعلت فعلت.
(٤) في "الإغفال" على ما أريد به الحرف.
(٥) في (ش): (في قبلها).
(٦) إنما ساقطة من (ش).
(٧) في "الإغفال": لما يستقبل مما أوجب القسم.
ووقع مثال الأمر مقام الخبر، كما وقع مثال الخبر مقام الأمر في مثل: غفر الله لزيد، وقطع الله يده، وفي التنزيل: ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ [البقرة: ٢٣٣]. وقال: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٤] (٦).
فكذلك تَتْلُوا في هذه الآية، يجوز أن تكون بمعنى (تلتْ) كهذه الأشياء التي أريتكها، وهذا وجه. وأما الوجه الآخر: فعلى أن يكون يفعل على بابه، لا تريد به فَعَل كما أردت في الأول، ولكن تجعله حكايةً للحال وإن كان ماضيًا، وهذا الوجه في السَّعَة والكثرة كالأول وأسوغ (٧)، كأنه حكى الفعل الذي كان يُحدّث به عنهم وهو للحال.
ونظير هذا قوله: ﴿وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ﴾ [البقرة:
(٢) في "الإغفال": اتساعًا أشد مما قدمنا.
(٣) في "الإغفال" فمعنى هذا: أكْرم زيد وأسمعوا. وما في نسخة البسيط أصوب.
(٤) في نسخة "الإغفال" جاء النص مُحرّفًا: وصار هؤلاء المستحقون الآن يمدحون بهذا المدح، ويثنى عليهم بهذا الثناء دون أسماع وأبصار.
(٥) "الإغفال" ص ٣٢٦.
(٦) "الإغفال" ص ٣٢٧ وما بعدها. بتصرف كبير.
(٧) في "الإغفال": أو أسوغ.
ومن هذا أيضًا: ما أنشده أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
جاريةٌ في رمضانَ الماضي... تُقطِّع الحديث بالإيماض (٤)
وهذا وجه ثانٍ نظير ما يحسن حمل الآية عليه (٥).
(٢) في "الإغفال" لحكاية القصة على جهتها، وإن كانت متقدمًا كونها.
(٣) من قوله: إرادة لحكاية الحال على وجهها... ساقط من (أ)، (م).
(٤) ذكره في "الإغفال" ص ٣٣٢ بهذه الصيغة ووقع في نوادر ابن الأعرابي غير منسوب كما في "شرح ابن يعيش" ٦/ ٩٣، ووقع في "ديوان رؤبة" مما نسب إليه ص ١٧٦:
جارية في درعها الفضفاض... تقطع الحديث بالإيماض
ونسب البغدادي ٣/ ٤٨٣ الشاهد نقلًا عن هشام اللخمي لرؤبة هكذا:
لقد أتى في رمضان الماضي... جارية في درعها الفضفاض
تقطع الحديث بالإيماض أبيض من أخت بنىِ إباض
وينظر أيضًا: "مغنى اللبيب" ٢/ ٦٩١، و"الإنصاف" ١/ ١٢٤، مع اختلاف في الرواية، وحاشية "الإغفال" ٣٣٢.
(٥) "الإغفال" ص٣٣١، ٣٣٢. بتصرف.
قيل: ذلك لا يجوز؛ لأن المضمر لا دلالة عليه، وإنما يسوغ الإضمار إذا كانت عليه دلالة يكون بها كالمظهر، وسيبويه منع إجازة هذا، فقال: واعلم أنه لا يجوز لك أن تقول: عبدَ الله المقتول، وأنت تريد: كن عبدَ الله المقتول (١)، فإذا لم يجز هذا، لم يجز هذا مع أن المنصوب يدل على ناصبه، فأن لا يجوز ما ذهب إليه في الآية أولى (٢).
فإن قلت: فقد قالوا: إنْ سيفًا فسيفٌ، وإنْ خنجرًا فخنجرٌ، فأضمروا، قيل: ليس ذلك من هذا في شيء؛ لأن (إن) مما يعلم أنه لا يليه إلا الفعل، فالدلالة على المحذوف المضمر قوية، وليس شيء من هذا في الآية (٣).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ ذكرنا أنه على تقدير حذف المضاف، وقيل: إن (على) هاهنا من صلة الافتراء والكذب، إذا قلنا إنّ (تتلوا) معناه: تحدّث وتكلّم، على ما قال أبو عبيدة وعطاء، فمعنى قوله: ﴿تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ﴾ (٤)؛ لأنهم قالوا: إن سليمان مَلَكَ النّاسَ
(٢) "الإغفال" ص ٣٣٣ بتصرف.
(٣) "الإغفال" ص ٣٣٤ بتصرف.
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ٢٠٤، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦، ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٤٣ - ١٤٦.
وقال السُّدِّي: إن الناس في زمن سُليمان كتبوا السحر، واشتغلوا بتعلّمه، فأخذ سليمان تلك الكتب، وجعلها في صندوق، ودفنها تحت كرسيه، ونهاهم عن ذلك، فلما مات سليمان، وذهب الذين كانوا يعرفون دفنه الكتب، تمثل شيطان على صورة إنسان، فأتى نفرًا من بني إسرائيل، فقال: هل أدلكم على كنز لا تأكلونه أبدا (٤)؟ قالوا: نعم، قال: فاحفروا تحت الكرسي، فحفروا، فوجدوا تلك الكتب، فلما أخرجوها، قال
(٢) النيرنجات: أُخذٌ كالسحر وليس به، وإنما هو شبه وتلبيس، ويقال: النيرنجيَّات. ينظر: "تاج العروس" ٣/ ٤٩٧، و"مفتاح السعادة" لطاش كبرى زاده ١/ ٣٤٠.
(٣) أخرج هذه القصة النسائي في "تفسيره" ١/ ١٧٩، الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٤٧ ولفظه مختصر، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٩٧ من طريق المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، بنحوه، والمنهال: صدوق ربما وهم. وقد ذكرها الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٥٧، وعزا القصة للكلبي. وذكرها أيضًا في "عروس المجالس" ص ٤٣، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٣٥.
(٤) لا تأكلونه أبدًا: أي: لا تفنونه أبدًا، يقال: أكل فلان عمره: إذا أفناه.
وقوله تعالى ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ﴾ أي: لم يكن كافرًا ساحرًا بسحر، (٣) ويعمل بالسحر (٤).
وقيل: وما ستر سليمان كتب السحر، ولكن الشياطين سترته ودفنته. وأصل الكفر: الستر والتغطِية (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا﴾ في (لكن) قراءتان: التشديد ونصب الاسم به، والتخفيف ورفع الاسم به (٦).
(٢) رواه ابن جرير في "تفسيره" مطولًا عنه ١/ ٤٤٤ - ٤٤٥، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٨٦ من طريق أسباط عن السدي، وذكره الثعلبي في "تفسيره" مطولًا ١/ ١٠٥٧ والواحدي في أسباب النزول ص ٣٦ ولفظه هناك مثل هذا تمامًا. وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٢١ - ١٢٢، وروى الحاكم ٢/ ٢٦٥، والواحدي بسنديهما عن ابن عباس نحوًا من هذا وصححه الذهبي. وينظر: "التفسير الصحيح" ١/ ٢٠٥ - ٢٠٦. ذكر الدكتور بشير حكمت ياسين في كتاب "التفسير الصحيح" ١/ ٢٠٥ - ٢٠٦ روايتين عن ابن عباس وصححهما وهما موافقتان لما نقله الواحدي وقال بعدهما. وهاتان الروايتان من أخبار أهل "الكتاب"، ولكنهما لا تتعارض مع "الكتاب" والسنة، بل لبعض فقراتها شواهد، فهي توافق عصمة سليمان عليه السلام وتبرىء ساحته مما ألصق به من مفتريات الإسرائيليات.
(٣) ساقطة من (ش).
(٤) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠٦٠.
(٥) "المفردات" للراغب ٤٣٥.
(٦) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بتخفيف نون لكن وإسكانها، ثم تكسر تخلصًا من التقاء الساكنين، والشياطين بالرفع. وقرأ الباقون بتشديد النون مفتوحة، ونصب الشياطين. ينظر: "السبعة" ١٦٧ - ١٦٨، و"الحجة" لأبي علي ٢/ ١٦٩، و"النشر" ٢/ ٢١٩، و"البدور الزاهرة" ص ٤٦.
وقال الكسائي: الذي يختار العرب والذي هو وجه الكلام عندنا إذا كانت (لكن) وحدها بغير واو كان التخفيف أحسن، وإذا كانت بالواو كانت بالتشديد، وبهذا قرئ أكثر ما في القرآن كقوله: ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ [الأنعام: ٣٣] ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الأنعام: ٣٧]. وبغير الواو كقوله: ﴿لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ﴾ [النساء: ١٦٦]، ﴿لَكِنِ الرَّسُولُ﴾ [التوبة: ٨٨] ﴿لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ﴾ [مريم: ٣٨].
وقال الفراء: إذا ألقيت من ولكن الواو آثرت العرب تخفيفَ نونها، وإذا دخلت الواو آثروا تشديدَها، وإنما فعلوا ذلك؛ لأنها رجوع عما أصاب أول الكلام، فشبهت بـ "بل"، إذ كانت رجوعًا مثلها، ألا ترى أنك تقول: لم يقم أخوك بل أبوك، ثم تقول: لم يقم أخوك لكن أبوك، فتراهما في معنى واحد، والواو لا تصلح في بل.
فإذا قالوا: ولكن فأدخلوا الواو تباعدت من بل، إذ لم تصلح الواو في بل، فآثروا فيها تشديد النون، وجعلوا الواو كأنها دخلت لعطف لا بمعنى بل (٣)، وأصلها: أن دخلت عليها لا وكاف الخطاب، فصارنا
(٢) ينظر: "الحجة" ٢/ ١٧٠ - ١٧٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٦١، "المجيد في إعراب القرآن المجيد" ص ٣٥٩.
(٣) بل ساقطة من (ش).
وقال الكسائي: حرفان من الاستثناء لا يقعان (٢) أكثر ما يقعان إلا مع الجحد، وهما: لكن وبل، والعرب تجعلهما مثل واو النسق (٣).
وقال المبرد: لكن من حروف العطف، وهي الاستدراك بعد النفي، ولا يجوز أن يدخل بعد واجب إلا لترك قصة إلى قصة تامة، نحو قولك: جاءني زيد لكن عبد الله لم يأت (٤).
وأما اختلاف القراء في تشديد (لكن) في بعض المواضع وتخفيفها في بعض، فلا معنى للمصير إلى التبعيض في هذه المواضع ونظائرها إلا بأن تترجح عند أحد من القراء بعض الروايات على بعض، فيصير إليه (٥).
ومعنى الآية: ولكن الشياطين كفروا بالله يعلّمون الناس السحر. يريد: ما كتب لهم الشياطين من كتب السحر. ويجوز أن يكون (يعلّمون) في فعل اليهود الذين عُنُوا بقوله: ﴿وَاْتَّبَعُواْ﴾ (٦).
وسمي السحرُ سحرًا؛ لخفاء سببه. ومنه: السِّحْر وهو الغِذَاء، كقول لبيد (٧):
ونُسْحَرُ بالطعام وبالشراب (٨)
(٢) في (ش): (لا تقعان).
(٣) نقل كلام الكسائي صاحب "اللسان" ٧/ ٤٠٧٠.
(٤) "المقتضب" للمبرد ١/ ١٢.
(٥) ينظر: "الحجة" ٢/ ١٧٩ - ١٨٠.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٥١ - ٤٥٢، "معاني للقرآن" للزجاج ١/ ١٨٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٦٢، "البيان" لابن الأنباري ١/ ١١٤، "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ٢٠٥.
(٧) هو: أبو عقيل، لبيد بن ربيعة بن مالك العامر، تقدمت ترجمته [البقرة: ٢].
(٨) وشطره الأول: =
وقال المحققون من أهل اللغة: معنى السحر: الإزالة وصرف الشيء عن وجهه (٢)، تقول العرب: ما سَحَرك عن كذا، أي: ما صَرَفك عنه. ومنه: قوله تعالى: ﴿فَأَنَّى تُسْحَرُونَ﴾ [المؤمنون: ٨٩]، أي: تصرفون، ويقال: سحره، أي: أزاله عن البُغض إلى الحُبِ، وكأن السّاحر بما أرى الباطل في صورة الحق فقد سَحَر الشيء عن وجهه، أي: صرفه (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ موضع (ما) نصب، نسق على السحر، وجائز أن يكون نسقًا على ما في قوله: ﴿مَا تَتلُوا الشَّيَاطِينُ﴾ (٤).
ومعنى: ﴿أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾: أي: عُلِّما وأُلْهِما وقُذِفَ في قُلُوبِهِما
وفي رواية: لحتم غيبٍ، وهو لامرئ القيس في "ديوانه" ص ٤٣، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٤١، "لسان العرب" ٤/ ١٩٥٢، ونسبه المؤلف وكثير من أهل التفسير كالرازي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٥ إلى لبيد.
(١) نقل الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٤١: أن معنى ونسحر بالطعام، أي نُعَلَّل به قال الرازي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٥: قيل فيه (أي: البيت) وجهان: أحدهما أنا نعلل ونخدع كالمسحور. والآخر: نغذى، وأي الوجهين كان فمعناه الخفاء.
(٢) ينظر كلام الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٤١، ونقله صاحب "اللسان" ٤/ ١٩٥٢٥.
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٤١، "مقاييس اللغة" ٣/ ١٣٨، "المفردات" للراغب ٣٣١، ٣٣٢، "التفسير الكبير"٣/ ٢٠٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨، "اللسان" ٤/ ١٩٥٢.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٦٢وصحح الأول، "تفسير الطبري" ١/ ٤٥٤ - ٤٥٥ "إعراب مشكل القرآن" ١/ ١٠٦، "التبيان" للعكبري ١/ ٨٠.
وقال ابن قتيبة: الذي أنزل الله على الملكين فيما يرى أهل النظر من أهل العلم والله أعلم هو الاسم الذي صعدت الزهرة فعلمته الشياطين، فهي تعلمه أولياءها، وقد يقال: إنّ السّاحر يتكلم بكلام فيطير بين السماء والأرض، ويطفو على الماء.
وذهب قومٌ ممن أبطلوا السّحر وأنكروا أن يكون له حقيقة (٤) إلى أن قوله: ﴿وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ﴾ ما فيه نفي (٥)، وذلك مستكره؛ لأنه إذا كان
(٢) هو: عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي، أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو حماد، صحابي جليل، أول مشاهده خيبر، وكانت معه راية أشجع يوم الفتح، توفي بدمشق سنة ٧٣ هـ. ينظر: "أسد الغابة" ٤/ ٣١٢.
(٣) أخرجه مسلم (٢٢٠٠) كتاب السلام، باب: لا بأس، وأخرجه أبو داود (٣٨٨٦) كتاب الطب، باب: ما جاء في الرقى واللفظ له.
(٤) اختلف الناس هل للسحر حقيقة أو أنه خدع وتخييل؟ فذهب المعتزلة إلى أنه خدع وتخييل، ولا حقيقة له؛ لقوله تعالى: ﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ﴾ [الأعراف: ١١٦]. والصحيح الذي عليه أهل السنة أنه يكون تخييلا وخدعا، ويكون حقيقة، ودليل كونه حقيقة قوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾. ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٥٩ - ٤٦١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨ - ٣٩، "المغني" لابن قدامة ١٢/ ٣٠٤.
(٥) ذكر هذا الوجه مكي بن أبي طالب في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٠٦.
ثم اعلم أن السحر على قسمين:
أحدهما: يكفر به السّاحر، وهو أن يعتقد القدرة لنفسه، فإذا انتهى به السحر إلى هذه النهاية صار كافرًا بالله، وهذا السحر هو الذي عده رسول الله - ﷺ - في الكبائر في قوله: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسّحر، وقَتْل النفسِ التي حرّم الله إلاّ بالحقّ، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يوم الزحف، وقذف المحصنة". (٤)
والقسم الثاني: لا يكفر به، وهو التخييل الذي يشاكل النِّيرَنْجات، فإذا لم يعتقد لنفسه فيما يعمل قدرة، واعتقد القدرة لله تعالى، كانت معصية، ولم يكن ذلك كفرًا (٥).
(٢) في (ش): (ذلك).
(٣) كلام ابن قتيبة لم أره في "غريب القرآن" و"تأويل مشكل القرآن".
(٤) أخرجه البخاري (٦٨٥٧) كتاب الحدود، باب رمي المحصنات، ومسلم (٨٩): الإيمان، باب: بيان الكبائر وأكبرها.
(٥) قد ذكر القرافي في "أنوار البروق في أنول الفروق" ٤/ ١٣٧، أقسام السحر وأحكامه، وذكر القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٩: أن من السحر ما يكون كفرًا =
١ - فذهب مالك إلى أن المسلم إذا سحر بنفسه بكلام يكون كفرًا يقتل ولا يستتاب ولا تقبل توبته؛ لأنه أمر يستسرّ به كالزنديق والزاني؛ ولأن الله سمى السحر كفرًا في هذه الآية، وهو قول أحمد وأبي ثور وإسحاق والشافعي وأبي حنيفة، وروي قتل الساحر عن عمر وعثمان وابن عمر وحفصة وأبي موسى وقيس بن سعد وعن سبعة من التابعين، وروي مرفوعا: "حد الساحر ضربه بالسيف".
٢ - وروي عن الشافعي: لا يقتل الساحر إلا أن يقتل بسحره، ويقول: تعمدت القتل، وإن قال: لم أتعمده لم يقتل، وكانت فيها الدية كقتل الخطأ، وإن أضرَّ به أُدِّبَ على قدر الضرر. ينظر: "الأم" للشافعي ١/ ٢٩٣.
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ٤٨: وهذا باطل من وجهين: أحدهما: أنه لم يعلم السحر، وحقيقته: أنه كلام مؤلف يعظم به غير الله تعالى، وتنسب إليه المقادير والكائنات. الثاني: أن الله سبحانه قد صرح في كتابه بأنه كفر.
وينظر في المسألة: الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٥٣، و"أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٧٢٥، و"المغني" ١٢/ ٣٠٢ - ٣٠٣، "زاد المسير" ١/ ١٢٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٤٧ - ١٥٢.
(١) ينظر في القصة وتفصيلاتها: "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٥٣، والبزار في "المسند" برقم ٢٩٣٨، وعبد بن حميد كما في "المنتخب من مسنده" برقم ٧٨٧، وابن حبان ١/ ٦٣٤، والسمرقندي في "تفسيره" ١/ ١٤٣، والبيهقي في "سننه" ٤/ ١٠، الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٦٣، و"زاد المسير" ١/ ١٢٣، و"الدر المنثور" ١٨٥٨ - ١٩٣، والقرطبي ٢/ ٤٤ - ٤٥، قال: وقد روي عن علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وكعب الأحبار، والسدي والكلبي ما معناه: فذكر القصة مجملة، ثم قال: هذا كله ضعيف وبعيد عن ابن عمر وغيره لا يصح منه شيء. اهـ. وقال "ابن كثير" في تفسيره: "وحاصلها راجع في تفاصيلها إلى أخبار بني إسرائيل، إذ =
وبابل اسم أرض (٢)، قيل: سميت لأن الله تعالى حين أراد أن يخالف بين ألسنة بني آدم بعث ريحا فحشرتهم من كل أفق إلى بابل، فبلبل الله بها
(١) قال العكبري في "التبيان" ص ٨١: ببابل، يجوز أن يكون ظرفًا لأنزل، ولجوز أن يكون حالا من الملكين، أو من الضمير في أنزل.
(٢) ذكر الطبري فى تفسيره ١/ ٤٥٩ فيها قولين: أنها: بابل رنباوند، أو أنها بابل العراق، وذكر ابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ١٠٩ في حدها ثلاثة أقوال: أنها الكوفة وسوادها، والثاني: أنها من نصيبين إلى رأس العين، والثالث: أنها جبل في وهدة من الأرض، وقد رجح ابن كثير في تفسيره ١/ ١٥٢ أنها بابل العراق، واستدل لذلك. وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٦٣، "معجم ما استعجم" ١/ ٢٠٢، "معجم البلدان" ١/ ٣٠٩.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ اختلفوا في تعليم الملكين السحر، فذكر أهل التفسير وأصحاب المعاني فيه وجهين (٣):
أحدهما: أنهما كانا لا يتعمدان تعليم السحر، ولكنهما يصفانه، ويذكران بطلانه، ويأمران الناس باجتنابه، وكانا يعلمان الناس وغيرهم ما يُسألان عنه، ويأمران باجتناب ما حُرِّم عليهم، وطاعة الله فيما أُمروا به، ونهوا عَنْهُ. وفي ذلك حكمة، لأن سائلًا لو سأل: ما الزنا؟ وما اللواط؟ لوجب أن يوقف عليه، ويعلم أنه حرام، فكذلك مجاز إعلام الملكين الناس السحر، وأمرهما السائل باجتنابه بعد الإعلام والإخبار أنه كفر حرام (٤). ويؤكد هذا الوجه: ما روى أبو العباس عن ابن الأعرابي أنه قال: عَلَّم بمعنى أعلم، وذلك أن التعليم لا ينفك عن الإعلام، كما يقال: تعلّمْ بمعنى أعلَمْ؛ لأن من تعلم (٥) شيئا فقد عَلِمَه، فيوضع التَّعَلُّم موضع العلم (٦).
قال قيس بن زهَير:
(٢) ينظر: "القاموس" ٩٦٨ - ٩٦٩.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦١ - ٤٦٢ - ٤٦٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٣ - ١٨٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٢٩، "زاد المسير" ١/ ١٢٢، "القرطبي" ٢/ ٤٨.
(٤) من "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٢٥٥٤ مادة (علم) ومنه نقل الثعلبي ١/ ١٠٨٥.
(٥) ساقطة من (أ)، (م).
(٦) نقله عن ابن الأعرابي والأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٥٤، والقرطبي في "تفسيره" ٢/ ٤٨، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٣٠.
تَعَلَّمْ أنّ خيرَ الناس حيًّا | على جَفْر الهَباءةِ لا يَريم (١) |
قال ابن الأعرابي: ومن هذا قول الله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ قال معناه: إن السّاحر يأتي الملكين فيقول: أخبرني عمّا نهى الله عنه حتى أنتهي، فيقولان: نهى عن الزنى، فيستوصفُهما الزِنى، فيصفانه، فيقول: وعن ماذا؟ فيقولان: عن اللواط، ثم يقول: وعن ماذا؟ فيقولان عن السحر، فيقول: وما السحر؟ فيقولان: هو كذا، فحفظه، وينصرف فيخالف، فيكفر، فهذا معنى ﴿يُعَلِّمَانِ﴾ (٢) ولا يكون تَعليم السحْر إذا كان إعلامًا كفرًا، ولا تعلّمه إذا كان على معنى الوقوف عليه ليجتنبه كفرًا، كما أن من عرَّف الزنى لم يأثم بأنه عرَّفه، إنما يأثم بالعمل (٣).
الوجه الثاني: أن الله عز وجل امتحن الناسَ بالملكين في ذلك الوقت، وجعل المحنةَ في الكفر والإيمان أن يقبل القائل تعلُّم السحر، فيكفر بتعلّمه، ويؤمن بترك التعلّم، ولله تعالى أن يمتحن عباده بما شاء، كما امتحن الله (٤) بنهر طالُوت في قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ [البقرة:
(٢) هذا فيه زيادة في (ش) إنما هو يعلمان ولا يكون.
(٣) نقل هذا بطوله الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٥٥ مادة (علم)، ومنه أخذ الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٨٥، ونصر هذا القول الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٥٣ - ٤٥٥، وقواه الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٨٣ - ١٨٤، قال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٥٢ - ١٥٣: وهذا الذي سلكه [يعني: ابن جرير] غريب جدًّا، وأغرب منه قول من زعم أن هاروت وماروت قبيلان من الجن كما زعمه ابن حزم.
(٤) في (ش): (كما أنه امتحن بنهر طالوت).
وروي عن ابن عباس أنه قال: أما السحر فمما (٢) علّمت الشياطين، وأما الفرق بين المرء وزوجه فمما علّم الملكان (٣).
ثم وجه تعليم الملكين أنه يجوز أن يلهمهما الله ويعلّمهما من الأذكار والأسماء ما يعلمان أنها إذا استعلمت على جهة الدعاء أو على جهة الرقية أفادت التفريق بين المرء وزوجه، إذ لا يحسن بحالهما وما هما فيه من عقوبة الذنب السابق أن يشتغلا بارتكاب كبيرة مستأنفة.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ أي: أحدًا، ومِنْ زائدة مؤكدة، كقولك: ما جاءني من أحدٍ (٤).
وأما (أحد) (٥) فقال الليث:
(٢) في (ش): (فما).
(٣) رواه بمعناه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٨٨، ورواه الطبري بسنده عن مجاهد ١/ ٤٥٤، وروى نحوه ١/ ٤٥٣ عن قتادة، وكذا ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٨٠ وعزاه في "الدر" ١/ ١٩٤ لعبد بن حميد.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٣٠، وقال: من زائدة لتأكيد استغراق الجنس، لأن أحداً من الألفاظ المستعملة للاستغراق في النفي العام فزيدت هنا لتأكيد ذلك.
(٥) قال العكبري في "التبيان" ١/ ٨١: وأحد هاهنا يجوز أن تكون المستعملة في العموم، كقولك ما بالدار من أحد، ويجوز أن تكون هاهنا بمعنى واحد أو إنسان قال في "البحر المحيط" ١/ ٣٣٠: والأول أظهر.
وقال أحمد بن يحيى: واحد وأحد وَوَحد بمعنى (٣).
وقال الليث: الوحَد: المنفرد، ورجل وحدٌ، وثور وحدٌ، قال النابغة (٤):
بذي الجليل (٥) على مستأنسٍ وَحَدِ (٦)
والوَحْد والحِدَة كالوَعْد والعدة، يقال: وَحَدَ الشيءُ فهو يحِد حِدَةً.
وفرّق قوم بين الواحد والأحد، فقالوا: أحد يصلح في الكلام في موضع الجحد، وواحد في موضع الإثبات. تقول ما جاءني منهم أحد، وجاءني منهم واحد، ولا يقال: جاءني منهم أحد؛ لأنك إذا قلت: ما جاءني منهم أحد، فمعناه لا واحد ولا اثنان، وإذا قلت: جاءني منهم واحد، فمعناه: أنه لم يأتني منهم اثنان (٧). وأكثر ما جاء (أحد) في التنزيل في موضع النفي.
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٤، "اللسان" ٨/ ٤٧٨٠، (مادة: وحد).
(٣) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٤: ثعلب عن سلمة عن الفراء: رجل وَحيدٌ وَوَحَدٌ وَوَحِدٌ، وكذلك فريد وفَرَدٌ مادة (وحد).
(٤) هو: الذبياني أبو أمامة زياد بن معاوية بن ضباب، من الطبقة الأولى، من فحول شعراء الجاهلية، كان يحكم بين الشعراء في سوق عكاظ ويفاضل بينهم. ينظر: "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٥٦، و"جمهرة أشعار العرب" ١/ ٣٠٣.
(٥) في (م) و (أ): (الخليل).
(٦) صدر البيت:
كأن رحلي وقد زال النهار بها
والبيت، من قصيدة قالها يمدح النعمان بن المنذر، ينظر: "ديوانه" ص ١٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٤ مادة (وحد).
(٧) من "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٥، وعنه في "اللسان" ٣/ ٤٤٨، (مادة: وحد).
وسنذكر الكلام في (أحد) صفة الله تعالى في سورة الإخلاص، والكلام في (واحد) نذكره في (٢) قوله: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة: ١٦٣]، إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء والامتحان (٣)، وأصلها مأخوذ من قولك: فتنتُ الفضة والذهب: إنا أذبتهما بالنار؛ ليتميز الرديء من الجيد، وتعرف جودتهما من الرداءة، ومن هذا قوله عز وجل: ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات: ١٣]، أي: يحرقون بالنار، ومن هذا قيل للحجارة السود التي كأنها أحرقت بالنار: الفتين، هذا هو (٤)، ثم جعل كل امتحان فِتْنَة، وقد جعل الله امتحانه عبيده
(٢) في (م): (عند).
(٣) قال في "مقاييس اللغة" ٤/ ٤٧٢: الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على ابتلاء واختبار.
(٤) من "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٨، (مادة: فتن).
والفتنة تستعمل في معانٍ كثيرة، ترجع كلها إلى الأصل الذي ذكرنا عند النظر، والفتنة مصدر؛ لذلك (٣) لم يُثَنَّ (٤).
ويقال: فَتَنَه وأَفْتَنَه، والأول: لغة أهل الحجاز، والثاني: لغة أهل نجد، وقال أعشى همْدان:
لئن فَتَنَتْني لَهْيَ بالأمس أفْتَنَتْ | سعيدًا فأمسى قد قَلَى كلَّ مُسلم (٥) |
(٢) بمعناه من "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٨، (مادة: فتن).
(٣) في (ش): (كذلك).
(٤) ينظر: "الوسيط" ١/ ١٨٥.
(٥) البيت لأعشى همدان، وقيل: لابن قيس الرقيات، كما في "اللسان" ٦/ ٣٣٤٥، (مادة: فتن) وذكر أنه قيل في سعيد بن جبير، وقال الأصمعي: هذا سمعناه من مخنث، وليس بثبت، لأنه كان ينكر أفتن. وينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٩، (مادة: فتن).
(٦) في (ش): (افتنته).
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٩، (مادة: فتن)، "اللسان" ٦/ ٣٣٤٤.
(٨) ما تقدم من "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٩، (مادة: فتن).
رخيم الكلام قطيع القيام | أمسى الفؤاد به فاتنا (٢) |
وأما فَتَنَتْه فَفَتَنَ فهي لغة ضعيفة (٥).
ومعنى قوله: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ أي: ابتلاء واختبار لكم (٦)
وقوله تعالى: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾ (٧) هذا الفعل منسوق على فعل مقدّر يدل عليه الكلام، كأنه قال: حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فَيَأبَون فيتعلمون (٨).
(٢) البيت في: "اللسان" ٦/ ٣٣٤٥، (مادة: فتن)، ولم ينسبه، وروايته: أمسى فؤادي بها فاتنا.
(٣) في (م): (افتنته).
(٤) هو: النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم التميمي، تقدمت ترجمته.
(٥) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٤٠، ينظر في فتن: "المفردات" ٣٧٤، "اللسان" ٦/ ٣٣٤٥، "تاج العروس" ١٨/ ٤٢٤ - ٤٢٨.
(٦) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٩.
(٧) ينظر في إعرابها: "التبيان" ص ٨٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٣١، وقد لخص أبو حيان الكلام فيها بقوله: وتلخص في هذا العطف أنه عطف على محذوف، تقديره: فيأبون فيتعلمون، أو يعلمان فيتعلمون، أي: على مثبت، أو يتعلمون: خبر مبتدأ محذوف، أي: فهم يتعلمون عطف على جملة اسمية على فعلية، أو معطوف على يعلمون الناس أو معطوفًا على كفروا أو على يعلمان المنفية، لكونها موجبة في المعنى، فتلك أقوال ستة أقربها إلى اللفظ هذا القول الأخير.
(٨) وهذا اختيار "الطبري" ١/ ٤٦٢ واستحسنه الزجاج ١/ ١٨٥ لكنه جوّد ما بعده.
فكيف بليلةٍ لا نجمَ فيها | ولا قمر لساريها منيرِ (١) |
قال أبو إسحاق: والأجود في هذا أن يكون عطفًا على ﴿يُعَلِّمَانِ﴾ ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ﴾، ويستغنى (٢) عن ذكر ﴿يُعَلِّمَانِ﴾؛ لما (٣) في الكلام من الدليل عليه (٤). وقال الفراء: هي مردودة على قوله: ﴿يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾ فيتعلّمون (٥).
قال الزجّاج: هذا خطأ؛ لأن قوله: (منهما) دليل هاهُنا على التعلم منَ الملكين خاصّةً (٦).
فكيف بليلة لا نوم فيها | ولا ضوء لصاحبها منير |
(٢) في "معاني القرآن" للزجاج: واستغنى.
(٣) في "معاني القرآن" للزجاج: بما.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٥، وينظر: "التبيان" للعكبري ص ٨١.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦٤، وقد جود الوجه الأول، ورد عليه النحاس هذا الوجه في "إعراب القرآن" ١/ ٢٠٤، فقال: غلط؛ لأنه لو كان كذا لوجب أن يكون فيتعلمون منهم، فقوله. منهما، يمنع أن يكون التقدير: ولكن الشياطين كفروا، يعلمون الناس السحر فيتعلمون، إلا على قول من قال الشياطين هاروت وماروت.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٥، وقد أطال أبو علي في "الإغفال" ص ٣٣٥ - ٣٤٩ النفس في مناقشة كلام الزجاج.
قال هشام: قال الأصمعي: سمعت (٣) أفصح العرب يقول: حدثني فلان من فلان، وهو يريد عن فلان.
ويجوز أن يكون معنى قوله: ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا﴾ أي: مِن السّحر والكُفر، أو من السحر والكهانة. و (أحدٌ): يقع على الواحد وَالاثنين والجميع؛ لذلك (٤) قال: فيتعلّمُون بلفظ الجمع، والدليل على ذلك: قوله: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧].
قال ابن الأنباري: وأجاز أصحابنا: ما مررت بأحدٍ يتكلّمون. ومررت على كُلّ رَجُل يتعجبون (٥).
وروى سَلَمة (٦) عن الفراء قال: (أحدٌ)، يكون للجميع والواحد في النفي، كقوله: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧]، جعل (أحد) في موضع جمع، وكذلك قوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ﴾ [البقرة: ٢٨٥]
(٢) (لي) ساقطة من (م)
(٣) في (م): (سمعت من).
(٤) في (ش): (كذلك).
(٥) ابن الأنباري.
(٦) هو: سلمة بن عاصم النحوي أبو محمد، تقدمت ترجمته [البقرة: ٨].
وقوله تعالى: ﴿مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ وهو أن يُؤَخَّذَ (٢) كل واحد منهما عن صاحبه، ويبغَّضَ كلُّ واحد إلى الآخر (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُمْ﴾ أي: السحرة، وقيل: الشياطين وعلى هذا دلّ كلام ابن عبّاس (٤).
(به) أي: بالسحر ﴿مِنْ أَحَدٍ﴾ أي: أحدًا (٥).
﴿إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾. قال ابن عبّاس: يريد: ما يُضلّون إلا من كان في علمي وقضائي وقدرتي أن أُضِلّه (٦).
وقال المفسرون: الإذن هاهُنا تأويله: إرادة التكوين، أي: لا يضرّون بالسحر إلا من أراد الله أن يلحقه ذلك الضرر (٧).
(٢) يؤخذ: من التاخيذ، وآخذه: رقاه، والأُخْذَة: بضم فسكون: رقية تأخذ العين ونحوها كالسحر، أو خرزة يؤخذ بها النساء الرجال، ورجل مؤخذ عن النساء: محبوس، ينظر: "اللسان" (مادة: أخذ).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٦٣، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ١٩٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٨٠ كلهم عن قتادة.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٣٢ وزاد قولًا ثالثًا: وقيل: على اليهود.
(٥) أي: من زائدة. ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٦، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٤٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ٤٩، "البحر المحيط" ١/ ٣٣٢.
(٦) ليس في شيء من التفاسير المسندة، وقد تقدم الحديث عن هذه الرواية في المقدمة.
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٦٤، "ابن أبي حاتم" ١/ ١٩٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٤٩.
﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ يعني: اليهود (٢) ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ أي: اختاره يعني السحر (٣). ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ أي: نصيب. والخلاق: النصيب الوافر من الخير (٤).
قال المفسرون في هذه الآية، الخلاقُ: النصيبُ من الجنة (٥).
ثعلب عن ابن الأعرابي: ﴿لَا خَلَاقَ لَهُمْ﴾ [آل عمران: ٧٧] لا نصيب لهم في الخير. ويعني بهذا: الذين يعلّمون الناس السحر، وهم كانوا من علماء اليهود (٦).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٦، وذكره في "البحر المحيط" ١/ ٣٢٣ قولين آخرين أحدهما: أن المراد الشياطين، والثاني: أن المراد الملكين.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٥، ابن أبي حاتم ١/ ١٩٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٦، "زاد المسير" ١/ ١٢٥، وذكر في "البحر المحيط" ١/ ٣٣٤ أربعة أقوال فيما يعود عليه الضمير، فقيل: السحر، وقيل: الكفر، وقيل: كتابهم الذي باعوه بالسحر، وقيل: القرآن لأنه تعوضوا عنه بكتب السحر.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٧، "الطبري" ١/ ٤٦٥ - ٤٦٦، "ابن أبي حاتم" ١/ ١٩٥، "البحر المحيط" ١/ ٣٣٤، وذكروا خمسة أقوال هي: النصيب، والدين، والقوام، والخلاص، والقدر وقد فسره بالنصيب ابن عباس ومجاهد والسدي ورجحه الطبري والزجاج وغيرهما.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٦.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٦، "زاد المسير" ١/ ١٢٥.
ويحتمل أن تكون الجملتان كلتاهما مقسم عليهما، والجملة هي المحدّث عنه والحديث.
فأما الجملة المقسم عليها فقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ مقسم عليه؛ لدخول اللام في لقد، وهذه اللام إذا جاءت في الفعل الماضي والمستقبل فإنما تجيء على نية اليمين، كانت مذكورة معها أو محذوفة. قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: ليفعلنّ إذا جاءت مبتدأة؟ فقال: هي على نية القسم (٢)، واللام التي تدخل على الماضي هي هذه التي إذا دخلت على المستقبل لزمته النون، فتقدير ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾: والله لقد علموا.
والأخرى المؤكدة غير المقسم عليها: قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾ إذا جعلت (مَنْ) بمعنى (الذي) كانت اللام للتأكيد دون القسم.
ومذهب سيبويه فيه هذا، وهو أن (من) فيه بمعنى (الذي)، كأنه قيل: للذي اشتراه ماله في الآخرة من خلاق (٣). فموضع (من) رفع بالابتداء.
(٢) "الكتاب" ١/ ٥٣١ - ٥٣٢ ط. بيروت.
(٣) ساقط من (أ)، (م).
فالأولى منهما أيضًا: قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾، والأخرى المقسم عليها: قوله: ﴿مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ﴾، وذلك أن تجعل (من) شرطًا في قوله: ﴿لَمَنِ اشْتَرَاهُ﴾ ولا تجعله بمنزلة الذي. وتجعل قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ بمنزلة القسم؛ لأن العلم قد يقام مقام القسم، في مثل قولك: علمت ليفعلنّ كذا، وفي مثل قول الشاعر (١):
ولقد علمتُ لتأتينّ عَشِيّةٌ | لا بعدها خوفٌ عليّ ولا عَدَمْ (٢) |
فإن قيل: على هذا إذا قلتم: إن قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ مقسم عليه، وجوزتم أن يكون هو في نفسه قسمًا، فكأنه قسم قد دخل على قسم، ويبعد ذلك عند سيبويه، فإن سيبويه والخليل قالا: لا يقوى أن يقول: وحقِّك وحقِّ زيد لأفعلن، والواو الآخرة واوُ قَسم لا يجوز إلا مستكرهًا؛ لأنّه لا يجوز هذا في محلوف عليه، إلا أن تضم الآخر إلى الأوّل، وتحلف بهما على المحلوف عليه (٣).
(٢) البيت لعامر بن حوط، في تاج العروس، (مادة: عدم). "المعجم المفصل" ٧/ ١٦٣.
(٣) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٥٠١ ط. عبد السلام هارون.
قوله تعالى: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ أي: بئس شيء باعوا به حظ أنفسهم، حيث اختاروا السحر ونبذوا كتاب الله (٧).
وقوله تعالى: ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ إن قيل: كيف نفى العلم عنهم، ولقد أثبت العلم لهم في قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾.
قيل: وصفهم بالعلم (٨) في قوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمُوا﴾ على المجاز لا على الحقيقة، كأنه قال: علموا هذا عِلمًا ظاهرًا، ولم يعلموا كنه ما يصير
(٢) من قوله: معنى (ضم الآخر) ساقط من (ش).
(٣) في (ش): (وتالله).
(٤) (على) ساقطة من (ش).
(٥) في (ش) يدخل الاسم على شيء.
(٦) هذه المسألة بتمامها ملخصة من كلام أبي علي في "الإغفال" ص ٣٦٢ - ٣٦٨.
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٥٤.
(٨) في (ش): (وصفهم بالعلم ثم نفاه عنهم في قوله... وهذا سيأتي).
وقيل: إن الله تعالى وصفهم بالعلم ثم نفاه عنهم؛ لأنهم لم يعملوا بما علموا، فكانوا بمنزلة من لم يعلم، كما تقول: صلَّيتَ ولم تصلِّ، وتكلّمتَ ولم تتكلّم، أي: لم تجوّد كلامك، فكنت بمنزلة من لم يتكلم.
وقيل: إنما وصفهم بوصفين مختلفين؛ لأنهم علموا أن الآخرة يخسرها من آثر السحر، ثم دخلوا فيه وآثروه طمعًا في عوض يصير إليهم من الدنيا، فقال الله عز وجل: ﴿وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أن الذي قصدوه وآثروه لا يتم لهم من جهته ما يؤمِّلُون؛ لأن الدنيا تنقطع عنهم بالموت، ثم يقدمون على الآخرة التي لا حظ لهم فيها (٢).
١٠٣ - قوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا﴾ أي: بمحمد والقرآن ﴿وَاتَّقَوْا﴾ اليهودية والسحر (٣).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٧، "تفسير البغوي" ١/ ١٣٢، "التفسير الكبير" للرازي ٣/ ٢٢٢، "البحر المحيط" ١/ ٣٣٤، وأجاب الطبري ١/ ٤٦٦ بأنه من باب التقديم والتأخير، ومعنى الكلام: وما هم ضارون به من أحد إلا بإذن الله، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون، ولقد علموا لمن اشتراه ماله في الآخرة من خلاق، ثم رد على من قال: ولقد علموا، أي: الشياطين، ولو كانوا يعلمون، يعني به الناس، وبين أنه قول لجميع أهل التأويل مخالف، لأنهم مجمعون على أن قوله (ولقد علموا)، يعني به اليهود إلخ ما قال.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٨٧، "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٨، "تفسير البغوي" ١/ ١٣٢.
قال أبو العباس: الثوابُ في الأصل معناه: ما رجع إليك من عائدة، وحقيقته (٢): الجزاء العائد على صاحبه مُكَافأةً لما فعل، ومنه: التَثْويب في الأذان، إنما هو ترجيع الصَوْت، ولا يقال لصوتٍ مرةً واحدةً: تثويب، ويقال: ثوّب الداعي: إذا كرر دعاه كما قال:
إذا الداعي المُثَوّبُ قال: يالا (٣)
والثوب مشتقّ من هذا، لأنه ثاب لباسًا بعد أن كان قُطنا أو غزلا (٤).
وقوله تعالى: ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ في موضع جواب لو؛ لأنه ينبئ عن قولك: لأثيبُوا، فَحُذِفَ الجواب، وجُعل قوله: ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ بدلًا منه، واللامُ فيه لام الابتداء (٥).
(٢) في (أ)، (ش): (والحقيقة).
(٣) البيت نسب لزهير بن مسعود الضبي، ينظر: "لسان العرب" ٨/ ٤٩٧٦ (مادة: يا) غير منسوب. "المعجم المفصل" ٦/ ٨١. ونسب إلى الفرزدق في "لسان العرب" ٧/ ٤١٠٥ (لوم).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٦٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٦، "تهذيب اللغة" ١/ ٤٦٣ (مادة- ثاب)، "المفردات" للراغب الأصبهانى ٨٩، "مقاييس اللغة" ١/ ٣٩٣، وقال: الثاء والواو والباء قياس صحيح من أصل واحد وهو العود والرجوع.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٧ و"البحر المحيط" ١/ ٣٣٥، وقد ذكر الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٦٨ أن بعض نحوي البصرة يرد ذلك، ويرى أن الجواب (لمثوبة).
١٠٤ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا﴾ يقال: أرعى إلى الشيء، وراعاه: إذا أصغى إليه، مثل: عافاه وأعفاه. قال الفراء: هو من الإرعاء والمراعاة (٢).
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: راعِنا سمعَك، أي: اسمع منّا حتى نفهمَك وتفهمَ عنّا، والعرب تقول: أرْعِنا سمعَك، وراعِنا سمعَك بمعنى واحد (٣). وأصل الكلمة من الرعاية (٤)، الذي هو الحفظ، فمعنى أرعيته سمعي، أي: حفظت عليه ما يقول. والمراعاة: المراقبة لأنها حفظ ما يكون من أحوال الشيء، والإرعاء: الإبقاء على أخيك؛ لأنك تحفظ ما تقدم من حقه. (٥)
قال الكلبي: عن ابن عباس: كان المسلمون يقولون للنبي - ﷺ -: راعِنا سمعك، وكان هذا بلسان اليهود سبًّا قبيحًا، فلما سمعوا هذه الكلمة
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦٩.
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٣٠، (مادة: رعن).
(٤) ذكر الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٨٨ أن في (راعنا) ثلاثة أقوال: أحدها: راعنا، من أرعنا سمعك. والثاني: من المراعاة والمكافأة، فقيل لهم: لا تقولوا: راعنا، أي: كافئنا في المقال، كما يقول بعضهم لبعض، وقولوا أنظِرنا، أي: أمهلنا، واسمعوا، كأنه قيل لهم استمعوا. والثالث: راعنا، كلمة تجري على الهزء والسخرية، فنهي المسلمون أن يتلفظوا بها بحضرة النبي - ﷺ -.
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٣٠، "المفردات" للراغب٢٠٤، "مقاييس اللغة" ٢/ ٤٠٧، "البحر المحيط" ١/ ٣٣٦، "تاج العروس" ١٨/ ٢٣٨ (رعن).
وهذا النهي اختص بذلك الوقت؛ لإجماع الأمة على جواز المخاطبة بهذه اللفظة الآن.
(٢) من قوله: أعجبتهم... ساقطة من (ش).
(٣) ساقطة من (ش).
(٤) أخرجه أبو نعيم في "دلائل النبوة" ١/ ٤٧ من طريق عبد الغني بن سعيد عن موسى ابن عبد الرحمن عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس، والإسنادان ضعيفان كما ذكرت في الدراسة. وذكر الثعلبي القصة ولم يسندها لأحد ١/ ١٠٨٧ وكذا قال مقاتل في "تفسيره". وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٣٦، عن عطاء عن ابن عباس، والسيوطي في "لباب النقول" ص ١٩ وفي "الدر" ١/ ١٩٥ - ١٩٦ وعزاه لأبي نعيم في "الدلائل". ويشهد له ما أخرجه الطبري ١/ ٤٦٩ عن قتادة بمعناه، وذكره ابن حجر في "العجاب" ١/ ٣٤٤، وفي "فتح الباري" ٨/ ١٦٣ وقال: وروى أبو نعيم في "الدلائل" بسند ضعيف جداً عن ابن عباس.
والصحابي الذي ذكره الواحدي في "أسباب النزول" هو سعد بن عبادة، وكذا هو عند مقاتل في "تفسيره" ١/ ٥٩. وهناك أسباب أخرى وردت في نزول الآية، ذكرها الطبري ١/ ٤٧٠، وابن أبي حاتم ١/ ١٩٦، والسيوطي في "الدر" ١/ ١٩٥ - ١٩٦.
وقد نَظَرْتُكُمُ إبناءَ صَادِرةٍ (١)
ومعنى (انظرنا) هاهنا: اصبر حتى نفهمك ما نقول، ويجوز أن يكون (انظرنا) أي: انظر إلينا، فحذف حرف الصفة، كقول قيس بن الخطيم (٢):
ظاهراتُ الجَمال والحُسْنِ ينظُرنَ | كما ينظرُ الأراكَ الظباءُ (٣) |
للخمس طال بها حَوْزي وتنساسي
في "ديوانه" ص ١٠٦، "تفسير الطبري" ١/ ٤٧٣، "لسان العرب" ٧/ ٤٤٦٦، "المعجم المفصل" ٤/ ٧١، وفي رواية: للورد بدل للخمس والشطر الأول عند الطبري إعشاء: بدل إيناء. وهذه قصيدة مدح بها الحطيئة بغيض بن عامر بن شمّاس ويهجو الزبرقان بن بدر. والإيناء: مصدر آنيت الشيء: إذا أخرته. والصادرة: الإبل التي تصدر على الماء والخمس: من أظماء الإبل، وهو أن تظل في المرعى بعد يوم ورودها ثلاثة أيام ثم ترد في الرابع، والحوز: السوق اللين، والتنساس: السوق الشديد لورود الماء، والشاعر يصف طول انتظاره حين لا صبر له على طول الانتظار.
(٢) هو: قيس بن الخطيم بن عدي الأوسي، أبو يزيد، شاعر الأوس وأحد صناديدها في الجاهلية، اشتهر عنه تتبعه قاتلي أبيه وجده حتى قتلهما، أدرك الإسلام لكنه لم يسلم، قتل سنة ٢ ق هـ. ينظر "جمهرة أشعار العرب" ١٢٣، و"الأعلام" ٥/ ٢٠٥.
(٣) نسب هذا البيت لقيس بن الخطيم كما في إحدى نسخ الثعلبي الخطية وفي بعضها بلا نسبة. "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٩٠. وهو بلا نسبة في "أساس البلاغة" ص ٤٥٤. ونسب لعبد الله بن قيس الرقيّات وهو في "ديوانه" ص ٨٨، وينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٥٤، "البحر المحيط" ١/ ٣٣٩، و"الدر المصون" ١/ ٣٣٢.
ونذكر معاني النظر عند قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢١٠] إن شاء الله.
قال: المفسرون أمروا أن يقولوا: انظرنا، بدل راعنا.
وقوله تعالى: ﴿وَاسْمَعُوا﴾ أي: أطيعوا، أو اتركوا هذه الكلمة، فسمّى الطاعة سمعًا؛ لأن الطاعة تحت السمع (٢).
١٠٥ - قوله تعالى: ﴿مَا يَوَدُّ﴾ إلى قوله ﴿مِنْ خَيْرٍ﴾ (من) صلة مؤكدة (٣). وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ﴾ يقال: خَصَّه بالشيء واخْتَصَّه به بمعنى واحد (٤)، ويقال: اختَصَصْتُه بالفايدة واختصصت بها.
ومعنى الاختصاص: الانفراد بالشيء، ومنه: الخَصَاص للفُرَجِ (٥)؛
(٢) "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٠٩١، و"التفسير الكبير" للرازي ٣/ ٢٢٥.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٠٩٢، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٠٦، "تفسير البغوي" ١/ ١٣٣.
(٤) زيادة من (ش) وقد ذكر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٠٩٢ أن الاختصاص أوكد من الخصوص؛ لأن الاختصاص لنفسك والخصوص لغيرك.
(٥) أي: فُرَج بين الأثافي والأصابع، ينظر: "اللسان" ٢/ ١١٧٣، وقال في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٣٣ - ٢٣٤: وأصل ذلك من الخَصَاص، وكل خَلَلٍ أو خَرْق يكون في مُنْخل أو باب أو سحاب أو بُرقُع فهو خصَاص.
وقوله تعالى: ﴿بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾ أراد بالرحمة هاهنا: النبوة (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ قال الليث: ذو اسم ناقص، وتفسيره: صاحب ذاك (٥)، كقولك: ذو مال. والتثنية: ذوان، والجمع (٦): ذوون، وتقول في تأنيث (٧) ذو: ذات، وفي التثنية: ذواتا، وفي الشعر يجوز: ذاتا. والجمع: ذوات مال (٨)، وأنشد للكميت:
وقد عَرَفَتْ مَوَالِيها الذَّوِينَا (٩)
أي (١٠): الأخصين الأدنين، وإنما جاءت النون لذهاب الإضافة (١١).
وسمعت أبا الحسن النحوي رحمه الله يقول: أصل ذو: ذوي أو
(٢) في (ش): (خصاصة).
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٩٩، "المفردات" ١٥٥، "اللسان" ٣/ ١٤٧٦.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٧٤ - ٤٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٩.
(٥) في "تهذيب اللغة": ذلك.
(٦) في (أ) و (ش): (الجميع).
(٧) في (م): (التأنيث).
(٨) ينظر: "المفردات" ١٨٦، "البحر المحيط" ١/ ٢٣٦ - ٢٣٧، "القاموس" ص ١٣٥١، "الإتقان" ٢/ ١٩٥.
(٩) البيت هكذا:
فلا أعني بذلك أسفليكم | ولكني أريد به الذوينا |
(١٠) في (ش): (أن).
(١١) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٩٩.
١٠٦ - قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا﴾ الآية، قال الزجاج: النسخ في اللغة: إبطال شيء وإقامة آخر مقامه. والعرب تقول: نسخت الشمسُ الظل، والمعنى: أذهبت الظلّ وحلّت محلّه (١).
وقال غيره: تناسخ الأزمنة والقرن بعد القرن: هو مضي الأول ومجيء الثاني بعده يخلفه في محلّه.
ثعلب عن ابن الأعرابي: النسخ: تبديل الشيء من الشيء، وهو غيره، والنسخ: نقل شيء من مكان إلى مكان، وهو هو (٢) (٣). وروى أبو تراب (٤) عن الفراء وأبي سعيد: مسخه الله قردًا، ونسخه قردًا، بمعنى واحد (٥) (٦).
(٢) ساقطة من (أ)، (م).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٥٨، "اللسان" ٧/ ٤٤٠٧، (مادة: نسخ).
(٤) لغوي من خراسان، استدرك على الخليل بن أحمد في كتاب العين، وله كتاب الاعتقاب. ينظر: "إنباه الرواة" ٤/ ١٠٢.
(٥) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٥٨، (مادة: نسخ)، وعنه أيضًا في "اللسان" ٧/ ٤٤٠٧، "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٠٩٣.
(٦) ينظر في معاني النسخ: "تفسير الطبري" ١/ ٤٧٥ - ٤٧٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٦٢، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٥٨، (مادة: نسخ)، "اللسان" ٧/ ٢٤٠٧، والإتقان ٣/ ٥٩، وقال صاحب "المفردات" ص ٤٩٢: النسخ: إزالة شيء بشيء يتعقبه، كنسخ الشمس الظل، والظل الشمس، والشيب الشباب، فتارة يفهم منه الإزالة، وتارة يفهم منه الإثبات، وتارة يفهم منه الأمران.
أحدهما: تحويلُ الكتاب من حيث هو إلى نسخة أخرى، يقال: نسخت الكتاب، أي: كتبت منه نسخة أخرى (٢).
ثم (٣) يقال: نَسَخْتُ منه نسخة، وإن لم تُحوِّله من مكتوب إلى غيره، كأنك كتبته عن حفظك. ومن هذا قوله عز وجل ﴿إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الجاثية: ٢٩]، يجوز أن يكون معناه: ننسخ، كقوله: ﴿وَإِذَا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ﴾ [الصافات: ١٤]، أي: يسخرون، ويجوز أن يكون معناه: نستدعي ذلك، وهو أمر الملائكة بكتابته. وعلى الوجهين جميعًا هو كتابة لا من نسخة.
فعلى هذا المعنى: القرآن كله منسوخ، لأنه نُسِخَ للنبي - ﷺ - من أمِّ الكتاب فأُنزل عليه.
والثاني: هو رفعُ الحكم وإبطالهُ، ثم يجوز النسخ إلى بدل وإلى غير بدل. فالذي إلى بدل قولهم: نَسَختِ الشمسُ الظلَّ، فالظلُّ يزول ويبطل،
(٢) ساقطة من (أ)، (ش).
(٣) ساقطة من (أ).
والذي إلى غير بدل قولهم: نَسَختِ الريحُ الأثرَ، أي: أبطلتها وأزالتها.
وهذا المعنى هو المراد بالآية (٢).
ثم النسخ في القرآن على ضروب: منها: ما يكون حكمه مرفوعًا، وخطُّه مثبت يتلى ويقرأ، ولا يعمل به، وهذا هو المعروف من النسخ؛ أن تكون الآية الناسخةُ والمنسوخةُ جميعًا ثابتتين في التلاوة وفي خط المصحف، إلا أن المنسوخة منهما غيرُ معمولٍ بها ثابت، فينسخ التلاوة بثابت التلاوة (٣)، وذلك مثل:
عِدّة المتوفى عنها زوجها، كانت سنّةً لقوله: ﴿مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ [البقرة: ٢٤٠] ثم نسخت بأربعة أشهر وعشر؛ لقوله: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] (٤).
ومثل هذا أيضا قوله: ﴿إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ﴾ [الأنفال: ٦٥] الآية، ثم نسخت بقوله: ﴿الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ﴾ [الأنفال: ٦٦].
ومنها: أن ترفع تلاوتها وحكمها، كنحو ما يُرْوَى عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: كنا نقرأ: (لا ترغبوا عن آبائكم إنه كفر) (٥).
(٢) ينظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ١٤، "تفسير الطبري" ١/ ٤٧٥، "المحرر الوجيز" ٤٢٨ - ٤٣١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٥٥ - ٦١.
(٣) (بثابت التلاوة) ساقطة من (ش).
(٤) سيأتي بيان حقيقة النسخ في هذه الآية عند "تفسيره".
(٥) الحديث أخرجه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص ١٩٣، وأبو داود الطيالسي ص ١٢ عن عمر بن الخطاب، ونقله السيوطي عنه في "الإتقان" ٣/ ٧٤، وانظر: "كنز العمال" ٢/ ٢٨٥، وذكره في "الحجة" ٢/ ١٨٠، وينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٥٥ - ٥٦، وأخرجه ابن الضريس عن ابن عباس كما في "الدر المنثور" ١/ ١٩٧ - ١٩٨.
ومنها: أن يُنْسخ ما ليس بثابت التلاوة (بما ليس بثابت التلاوة) (٢) مثل: ما روي عن عائشة رضي الله عنها. قالت: إنا كنا نقرأ: "عشر رضعات معلومات يُحَرّمن"، فنسخن بخمس (٣).
وقد ينسخ أيضا ما ليس بثابت التلاوة بما هو ثابت التلاوة والمراد بالمنسوخ: الحكم، مثل: نسخ تحليل الخمر، وكتحريم الزنا، وهذا كثير.
ويجوز أيضا نسخ ما هو ثابت التلاوة بما (٤) ليس بثابت التلاوة، وهو كنسخ الجلد في المحصنين بالرجم، والرجم غير متلو الآن، وإن (٥) كان يتلى على عهد رسول الله - ﷺ - (٦)، فالحكم يثبت والقراءة لا تثبت، كما يجوز أن تثبت التلاوة في بعض ولا يثبت الحكم.
وإذا جاز أن يكون قرآن ولا يعمل به جاز أن يكون قرآن يعمل به ولا يتلى؛ وذلك أن الله عز وجل أعلم بمصالحنا، وقد يجوز أن يعلم من مصلحتنا
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) أخرجه مسلم (١٤٥٢) كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات.
(٤) (بما هو ليس) في (م).
(٥) في (ش): (قد).
(٦) ينظر حديث عمر في آية الرجم المنسوخة لفظًا عن ابن عباس عند البخاري (٦٨٣٠) كتاب الحدود، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت، ومسلم (١٩١) كتاب الحدوث، باب: رجم الثيب في الزنا. ينظر: "الإتقان" ٣/ ٧٣.
قال أبو إسحاق: إن قيل: ما الفصل (١) بين الترك والنسخ؟
فالجواب في ذلك: أن النسخ أن يأتي في الكتاب نسخ آية بآية، فتبطِلَ الثانيةُ العمل بالأولى.
ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تنزل ناسخةً للتي قبلها، نحو قوله: ﴿إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ [الممتحنة: ١٠]، ثم أُمر المسلمون بعد بترك المحنة، فهذا يدل على معنى الترك ومعنى النسخ (٢).
فأبو إسحاق فصل بين النسخ والترك كما ترى، وجعلهما قسمين.
قال أبو علي (٣): ليس حقيقهُ النسخ ما ذكره أبو إسحاق، بل هو ضرب من النسخ، وقد يكون نسخ الآية على (٤) ضروب أخر، وما أعلم في النسخ روايةً ولا قياسًا يدل على أنه مقصور على ما ذكر، وقد ينسخ القرآن عند عامةِ الفقهاء بسنَّةٍ غير آية، ولا يمتنعون من أن يسمّوا ذلك نسخًا، ولا يمتنع أن يسمّى الضرب الذي سماه أبو إسحاق تركًا نسخاً.
(٢) بتصرف من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٠.
(٣) أي: في "الحجة" ٢/ ٢٠١ وما بعدها.
(١) ساقطة من (أ)، (م).
قال أبو علي: ولم يثبت بتسمية النسخ ومعناه رواية نعلمها عن العرب، ولا سماع، ولا قياس، وإن المفسرين قالوا فيه على طريق التقريب.
الذي يدل على هذا: أن الفراء قال: النسخ: أن يعمل بالآية ثم تنزل أخرى فيعمل بها، وتترك (٥) الأولى.
(٢) بئر معونة: وقعة في صفر من السنة الرابعة، قتل فيها أربعون من خيار أصحاب رسول الله - ﷺ -، بعثهم رسول الله - ﷺ - دعاة إلى الله فغدرت بهم قبائل رِعل وذكوان وعصية عند بئر معونة. ينظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ١٨٤ - ١٩٠ تحقيق: همام سعيد.
(٣) حديث عائشة.
وجاء هذا أيضًا من رواية أنس رواه البخاري (٤٠٩٠) كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع ورعل وذكوان وبئر معونة، ومسلم (٦٧٧) كتاب المساجد، باب: استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة.
(٤) (٥) من "الحجة" ٢/ ٢٠١.
أحدها (٧): أن تكون (٨) لغة (٩) في فعل كقولهم: حلَّ من إحرامه، وأَحَلّ، وبدأ الله الخلق وأبدا هم، ولا يجوز هذا الوجه في أنسخ؛ لأنا لا نعلم أحدًا حكى أو روى أنسخ بمعنى: نسخ.
الوجه الثاني: أن تكون الهمزة للنقل، كقوله: قام وأقمته، وضرب وأضربته (١٠)، ونسخ الكتاب وأنسخته الكتاب، وهذا الوجه أيضًا كالأول
(٢) قرأ ابن عامر من غير طريق الداجوني عن هشام: (ما نُنْسِخ) بضم النون، والباقون بالفتح. ينظر: "السبعة" ١٦٨، "النشر" ٢/ ٢١٩ - ٢٢٠، و"معاني القراءات" للأزهري ص ٦٠، "الحجة في القراءات السبعة" ٨٦ تحقيق: عبد العال سالم مكرم.
(٣) هو: سهل بن محمد الجشمي السجستاني، من أئمة القراءة واللغة، تقدمت ترجمته.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٠٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ٥٥، "الدر المصون" ١/ ٣٣٤.
(٥) قال السمين الحلبي في "الدر المصون" ١/ ٣٣٤: وهذا جراءة منه على عادته.
(٦) في (ش): (لا يخلو هذه أوجه).
(٧) في (ش): (أحدهما).
(٨) في "الحجة" أن تكون (أفعل) لغة في هذا الحرف.
(٩) ساقطة من (م).
(١٠) في (ش): (وضربته).
الوجه الثالث: أن يكون المعنى في أنسخت الآية: وجدتها منسوخة، كقولهم: أَجَدْتُ الرجل، وأَجْبَنْتُه، وأكذَبْتُهُ، وأَبْخَلْتُه، أي: أصبتُه على هذه الأحوال، فيكون معنى قوله (نُنسخْ): نجده منسوخًا، وإنما (٣) نجده كذلك
(٢) عبارة أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٨٥ هكذا: وذلك أن إنساخه إياها إنما هو إنزال في المعنى، ويكون معنى الإنساخ أنه منسوخ من اللوح المحفوظ أو من الذكر، وهو، الكتاب الذي نسخت الكتب المنزلة منه، وإذا كان كذلك فالمعنى: ما ننزل من آية، أو ما ننسخك من آية أو ننسها؛ لأن ابن عامر يقرأ: (أو نُنسها نأت بخير منها أو مثلها) وليس هذا المراد ولا المعنى، ألا ترى أنه ليس كل آية أنزلت أتي بآية أذهب منها في المصلحة فإذا كان تأويلها هذا التأويل يؤدي إلى الفساد في المعنى والخروج عن الغرض الذي قصد به الخطاب علمت أن توجيه التأويل إليه لا يصح، وإذا لم يصح ذلك ولا الوجه الذي ذكرناه قبله، ثبت أن وجه قراءته على القسم الثالث.
(٣) في (ش): (وأما).
وقوله تعالى: ﴿نُنْسِهَا﴾ قرأ ابن كثير (٢) وأبو عمرو: (نَنْسَأها) مفتوحة النون مهموزة (٣).
قال أبو زيد: نسأتُ الإبل عن الحوض، فأنا أنسؤها نَسْأً، إذا أخَّرْتَها عنه، ونسأت الإبل: إذا زدتَ في ظمئها يومًا أو يومين أو أكثر، وتقول: انتسأتُ عنك انتساء: إذا تباعدتَ (٤) عنه (٥)، وفي الحديث: "إذا تناضلتم
وخرج ابن عطية هذه القراءة على تخريج آخر، وهو أن تكون الهمزة فيه للتعدية أيضًا، وهو من نسخ الكتاب، وهو نقله من غير إزالة له، قال: ويكون المعنى: ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله، أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله الخ وتعقبه أبو حيان. انتهى ملخصًا من "البحر المحيط".
(٢) هو: أبو معبد عبد الله بن كثير الداري المكي، أحد القراء السبعة المشهورين، تقدمت ترجمته ٢/ ٤١ - ٤٢.
(٣) ينظر: "السبعة" ص ١٦٨، "النشر" ٢/ ٢٢٠.
(٤) في (ش): (أخرتها).
(٥) نقله عنه في "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٨٧.
إذا أَنْسَؤُوا فوتَ الرماح أتَتْهُمُ | عوائرُ نَبْلٍ كالجرادِ نُطِيرُها (٣) |
أحدها: أن يؤخر التنزيل (٥) فلا ينزل ألبتَّة، ولا يُعْلَم، ولا يُعْمَل به، ولا يتلى، والمعنى على هذا: ما نؤخر (٦) إنزالها فلا ننزِلُها (٧).
الوجه الثاني: أن ينزلَ القرآن فيعمل به ويتلى، ثم يؤخر بعد ذلك، بأن يُنْسخ فترفع (٨) تلاوته ألبتّة، فلا يتلى ولا يعمل بتأويله، وذلك مثل ما روينا عن أبي بكر (٩) - رضي الله عنه - ومثل ما روي عن زر أن أُبَيًّا قال له: كم تقرؤون الأحزاب؟ قلت: بضعًا وسبعين آية، قال: قد قرأتها ونحن مع
(٢) هو: مالك بن زغبة، من بني قتيبة بن معن، من باهلة، حدثت معركة قبلية جاهلية ضد بني الحارث بن كعب وبني نهد وبني جرم، نظم فيها أبياتا. ينظر: "خزانة الأدب" ٨/ ١٣٢، و"البرصان والعرجان" ص ٤٥٩.
(٣) ينظر: "لسان العرب" ٥/ ٣٦١٧، (مادة: عور)، ٥/ ٣١٨٧، (مادة: عير)، ٧/ ٤٤٠٤، (مادة: نسأ)، "المعجم المفصل" ٣/ ٣٧١.
(٤) ينظر: "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٨٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٥٦، "اللسان" ٧/ ٤٤٠٣.
(٥) في (ش): (المنزل).
(٦) في (ش): (يؤخر).
(٧) في (ش): (فلا ينزلها).
(٨) في (ش): (فترفع).
(٩) تقدم تخريجه.
والوجهُ الثالث: أن يؤخر العملُ بالتأويل؛ لأنه نسخ، ويترك خَطه مُثبتًا وتلاوته في أن يُتلى قُرآن (٢). وهو ما حكي عن مجاهد في قوله: (أو ننساها) قال: نُثْبت (٣) خطها ونُبَدّل حكمها (٤) (٥).
ولا يصح في معنى الآية من هذه الأوجه إلا الأول؛ لأن الثاني والثالث يرجع تأويلهما إلى النسخ، ولا يَحسُن في التقدير: ما نَنْسَخْ من آية أو نَنْسَخْها.
وذُكر وجه رابع، هو أقوى هذه الأوجه، وهو: أن يكون المعنى: نؤخرها إلى وقت ثانٍ، فنأتي بدلًا منها في الوقت المتقدم بما يقوم مقامها، فعلى هذا يتوجّه معنى التأخير (٦).
(٢) في "الحجة": وتلاوته قرآن يتلى.
(٣) في (م): (ثبت).
(٤) رواه الطبري في تفسيره عن مجاهد ١/ ٤٧٥ وذكره أبو علي في "الحجة" ٢/ ١٨٧ وينظر في هذه القراءة وغيرها: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٠٤، وما بعدها، و"المحتسب" ١/ ١٠٣، و"المختصر" لابن خالويه ص ٩، و"تفسير ابن عطية" ١/ ٤٢٨ - ٤٢٩، و"البحر المحيط" ١/ ٣٤٣.
(٥) هذا كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٨٧ - ١٨٨ بمعناه.
(٦) قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ١/ ٤٢٨ - ٤٢٩: وهذه القراءات لا تخلو كل واحدة منها أن تكون من النسء أو الإنساء بمعنى التأخير، أو تكون من النسيان. والنسيان في كلام العرب يجيء في الأغلب ضد الذكر، وقد يجيء بمعنى الترك،=
أحدهما: الترك كقوله: ﴿نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ﴾ [التوبة: ٦٧]، أي: تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، أو ترك تخليصهم.
والثاني: الذي هو ضد الذكر (١).
أحدها: ما ننسخ على وجوه النسخ أو نترك غير منزل عليك فإنا لابد أن ننزل رفقاً بكم خيرًا من ذلك أو مثله، حتى لا ينقص الدين عن حد كماله.
والمعنى الثاني: أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا: رفع التلاوة والحكم.
والمعنى الثالث: أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته، فالنسخ أيضا على هذا: رفع التلاوة والحكم.
والمعنى الرابع: أو نتركها غير منسوخة الحكم والتلاوة، فالنسخ على هذا المعنى: هو على جميع وجوهه، ويجيء الضميران في منها، أو مثلها، عائدين على المنسوخة فقط، وكأن الكلام: إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها.
وما كان من هذه القراءات يحمل على معنى التأخير، فإن الآية معه تترتب فيها المعاني الأربعة التي في الترك:
أولها: ما ننسخ أو نؤخر إنزاله. والثاني: ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر حكمه وإن أبقينا تلاوته. والثالث: ما ننسخ النسخ الأكمل أو نؤخر تلاوته وإن أبقينا حكمه. والرابع: ما ننسخ أو نؤخره مثبتا لا ننسخه، ويعود الضميران كما ذكرنا في الترك، وبعض هذه المعاني أقوى من بعض، لكن ذكرنا جميعها لأنها تحتمل، وقد قال جميعها العلماء، إما نصًا، وإما إشارةً، فكملناها.
(١) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ١٨٨ بمعناه.
(٢) أبو أمامة أسعد بن سهل بن حُنَيف، وقيل: سعد بن سهل الأنصاري: معروف
بكنيته، معدود في الصحابة، له رؤية، ولم يسمع من النبي - ﷺ -، مات سنة ١٠٠
ينظر: "الاستيعاب" ١/ ١٧٦ و"التقريب" ١٠٤ (٤٠٢).
(٣) في (ش): (كذلك).
(٤) أخرجه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" برقم [١٧]، من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن عُقَيل ويونس عن ابن شهاب، ورواه الثعلبي في "تفسيره" من طريقه ١/ ١٠٩٧ وأخرجه الطحاوي في "مشكل الأثار" ٢/ ٢٧٣ والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٨٩ وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٢٣ من طريق شعيب بن أبي حمزة الحمصي عن الزهري، به نحوه. وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ١٩٧ - ١٩٨ وعزاه لأبي داود في "ناسخه" وابن المنذر، وابن الأنباري في "المصاحف"، وأبي ذر الهروي في "فضائله"، والبيهقي في "الدلائل". وله شاهد عن ابن عمر بنحوه قال فيه ابن كثير في تفسيره فيه سليمان بن أرقم: ضعيف رواه الطبراني في "الأوسط" ٧/ ١٥٦ وفي "الكبير" ١٢/ ٢٨٨ ورواه عبد الرزاق في "المصنف" ٣/ ٢٦٣، وينظر، "مشكل الأثار" ٢/ ٢٧٣، وقد حسنه د. خالد العنزي في تعليقه على الثعلبي ١/ ١٠٩٩ وهو من مراسيل الصحابة، وهي حجة، ينظر: "تدريب الراوي" ١/ ٢٠٧.
﴿أَوْ مِثْلِهَا﴾ في المنفعة والمثوبة، بأن يكون ثوابها كثواب التي قبلها (٢).
والفائدة في ذلك: أن يكون الناسخُ أسهلَ في المأخذ من المنسوخ، والإيمان به والناس إليه أسرع، نحو القبلة التي كانت على جهة ثم حولت إلى الكعبة، فهذا وإن كان السجود إلى سائر النواحي متساويًا في العمل والثواب، فالذي أمر الله به في ذلك الوقت كان الأصلح والأدعى للعرب وغيرهم إلى الإسلام. واعلم أن هذه الآية قد اضطرب فيها المفسرون وأصحاب المعاني والقراء، واختلفت أقوالهم وقراءاتهم. وكثرة الاختلاف تدل على الإشكال وخفاء المغزى، وقلَّ من أصاب الشاكلة منهم (٣). فالفراء أشار في هذه الآية إلى قولين زَلَّ في أحدهما، وذلك أنه قال: النسيان على وجهين:
أحدهما: على الترك، يتركها ولا ينسخها (٤). وهذا لا يصح؛ لأنه
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٠٩.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٧٥، و"المحرر الوجيز" ١/ ٤٢٨ - ٤٤١، و"التفسير الكبير" ٣/ ٢٣١، و"البحر المحيط" ١/ ٣٤٤.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٦٤ - ٦٥ قال: والوجه الآخر من النسيان الذي ينسى، كما قال الله: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ وكان بعضهم يقرأ (أو ننسأها)، بهمز، يريد: نؤخرها من النسيئة، وكل حسن.
قال الزجاج: وهو فاسد من جهة اللفظ، وذلك النسيان يكون بمعنى الترك، وفي الآية (ننسها) من الإنساء لا من النسيان، فالإنساء لا يكون بمعنى الترك (٢). ونصر أبو علي الفارسي في كتاب الحجة قول الفراء، وأَفَسَدَ كل ما ذكره أبو إسحاق في هذه الآية في كتابه، وطال الخطبُ بينهما، فضربت عن ذكره صفحًا (٣). وكثير من المفسرين حمل النسخ المذكور في الآية على معنى: نسخ الكتاب من الكتاب. فقد حكي عن عدة منهم أنهم قالوا: يريد بالنسخ ما نسخه الله لمحمد - ﷺ - من اللوح المحفوظ فأنزله عليه، وهذا ظاهر الإحالة؛ لأنه ليس كل آية نسخت للنبي - ﷺ - من اللوح المحفوظ، فأنزلت عليه (٤) يؤتيه الله ويأتيه بخير منها، ولو كان كذلك لتسلسل الوحي حتى لا يتناهى (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي: من النسخ والتبديل وغيرهما (٦).
١٠٧ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ﴾ هو استفهام معناه التوقيف والتقرير (٧)، كقوله:
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٩ - ١٩٠.
(٣) ينظر: "الحجة" لأبي علي ٢/ ١٩٢ - ٢٥٢.
(٤) في (ش): (فأنزلت عليه)، وهذا ظاهر الإحالة، وهو تكرار.
(٥) ينظر: "الناسخ والمنسوخ" لابي عبيد ص ٧، "تفسير الطبري" ١/ ٤٧٧ - ٤٧٨، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٠٠ - ٢٠١، "تفسير القرطبي" ١/ ٥٤ - ٥٦.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٠٩.
(٧) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩١، وينظر: "الوسيط" ١/ ١٩٠.
أي: أنتم كذلك.
وقوله تعالى: ﴿مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الملك: تمام القدرة واستحكامها (٢)، وقد مرَّ. ومعنى الآية: أنه يملك السماوات والأرض ومن فيهن، وهو أعلم بوجه الصلاح فيما يتعبدهم به من ناسخ ومنسوخ (٣).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ وَلِيٍّ﴾ هو فعيل بمعنى الفاعل (٤)، يقال: هو والي الأمر ووليُّه، أي: القائم به والذي يلي عليه (٥).
وشرحنا (٦) معنى الولي عند قوله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧] ومعنى: ﴿وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ﴾ تحذير العباد من عذابه، إذ لا مانع منه (٧).
١٠٨ - قوله تعالى: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ الآية، قد ذكرنا بعض أحكام أم في قوله: ﴿أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة: ٦]، (٨) والذي بقي هاهنا أن أم تقع (٩)
وأندى العالمين بطون راح
وهو لجرير، في "ديوانه" ص ٨٥، وفي "المجموع شرح المهذب"١٠/ ٢٩٨، "المعجم المفصل" ٢/ ١٣٣، وانظر ٢/ ٣٦٣.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩١، وينظر: "الوسيط" ١/ ١٩٠.
(٣) نفسه.
(٤) انظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٤٥.
(٥) ينظر: "الوسيط" ١/ ١٩٠.
(٦) يعنى: سيأتي شرحه.
(٧) ينظر: "الوسيط" ١/ ١٩٠.
(٨) "البسيط" ١/ ٤٧٤ - ٤٧٥ تحقيق: الفوزان.
(٩) في (ش): (تقطع).
قال الفراء: ويجوز أن يستفهم بها، فتكون (٣) على جهة النسق في ظاهر اللفظ، وفي المعنى تكون استفهامًا مبتدأً به، منقطعًا مما قبله، وذلك مثل قوله تعالى: ﴿الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ١ - ٣]. فجاءت (أم) وليس قبلها استفهام، وهي دليل على أنها استفهام مُبتدأ على كلام قد سبقه (٤)، وتقديره: بل أتقولون افتراه، فلو لم يتقدمه كلام لم يجز أن تستفهمَ مبتدئا كلامك بـ (أم)، ولا يكون إلا بالألف أو بهل، فأم استفهام متوسط والمتقدم يكون بالألف أو بهل (٥).
فأما قوله ﴿أَمْ تُرِيدُونَ﴾ فيجوز فيه الوجهان جميعًا، إن شئت قلت قبله استفهام رُدَّ عليه، وهو قوله: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ﴾ (٦).
فإن قيل: كيف يُرَدّ (أم تريدون) عليه والأول خطاب للنبي - ﷺ -، والثاني خطاب للجماعة؟ قيل: الله تعالى رجع في الخطاب من التوحيد إلى الجمع، وما خوطب به عليه السلام فقد خوطب به أُمّته، فيكتفى به من أُمّته، كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١]، فوحَّد ثم جَمَعَ،
(٢) ينظر: "مغني اللبيب" ١/ ٤٢، "البحر المحيط" ١/ ٣٤٦.
(٣) في (أ)، (م): (فيكون).
(٤) كذا في "معاني القرآن" للفراء١/ ٧١.
(٥) من قوله: (فأم استفهام)... ساقط من (ش).
(٦) كذا في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧١.
وإن شئت جعلت أم منقطعًا مما قبله في المعنى، مستأنفًا بها الاستفهام، فيكون استفهامًا متوسطًا في اللفظ مُبتدئًا في المعنى، كقوله تعالى: ﴿أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾ الآية. ثم قال: ﴿أَمْ أَنَا خَيْرٌ﴾ [الزخرف: ٥١ - ٥٢] وهذا يطرد فيه الوجهان العطف بالاستفهام، والابتداء به (١). ومثله قوله: ﴿مَا لَنَا لَا نَرَى رِجَالًا كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الْأَشْرَارِ (٦٢) أَتَّخَذْنَاهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زَاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصَارُ﴾ [ص: ٦٢ - ٦٣]. فمن قرأ: ﴿أَتَّخَذنَاهُم﴾ بفتح الألف فـ (أم) جاءت بعد الاستفهام (٢)، ومن وصل الألف فـ (أم) فيه بمنزلته في قوله: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ [السجدة: ٣].
قال الفراء: وربما جعلت العرب (أم) إذا سبقها استفهام لا يصلح فيه أيٌّ على جهة (بل) فتقول (٣): هل لك قبلنا حقٌ أم أنت رجل ظالم؟ على معنى: بل أنت (٤).
وأنشد ابن الأنباري على هذا:
تروحُ من الحيِّ أم تَبْتَكرْ | وماذا يضُرُّك لو تَنْتَظِرْ (٥) |
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧١ - ٧٢.
(٣) في (أ)، (م): (فيقول). وفي "معاني القرآن" ١/ ٧٢: (فيقولون).
(٤) كذا بنحوه في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٢، ونقل أغلب ما سبق عن الفراء الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٨٤ - ٤٨٥، وينظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية ١/ ٤٤١.
(٥) البيت لامرئ القيس، ينظر: "ديوانه" ص ٦٨، "لسان العرب" ٥/ ٢٧٧٧، (مادة: عبد)، "المعجم المفصل" ٣/ ٣١.
فوالله ما أدري وإنْ كنتُ داريًا | بسبعٍ رمينَ الجمرَ أم بثمانِ (١) |
فأما التفسير فقال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رهط من قريش، قالوا: يا محمد، (اجعل لنا) (٢) الصَّفَا ذهبًا، ووسِّع لنا أرضَ مكة، وفجَّر الأنهار خلالها تفجيرًا، نؤمنْ بك، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٣). والذي سأل قوم موسى أنهم قالوا: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣]، (٤). قال
(٢) ساقطة من (م).
(٣) كذا ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١١٠، والمصنف أيضًا في "أسباب النزول" ص ٣٤، القرطبي ٢/ ٦٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٤٥ وذكره الحافظ في "العجاب" ١/ ٣٥٠ عن الواحدي، وقال: ذكره الثعلبي، ولعله من تفسير الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.. وقد ذكر الطبري في تفسيره ١/ ٤٨٣، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٢٨ أسبابًا أخرى، ومن ذلك: ما رواه ابن أبي حاتم بسنده الحسن كما في "التفسير الصحيح" ١/ ٢١٣ عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس قال: قال رافع بن حريملة، ووهب بن زيد لرسول الله - ﷺ -: يا محمد ايتنا بكتاب تنزله علينا من السماء نقرؤه، وفجر لنا أنهارًا نتبعك ونصدقك، فأنزل الله في ذلك عن قولهم: (أم تريدون..) الآية. قال الثعلبي في "تفسيره" ١٥/ ١١١: والصحيح إن شاء الله أنها نزلت في اليهود حين قالوا: ائتنا بكتاب من السماء جملة كما أتى موسى بالتوراة، لأن هذه السورة مدنية، وتصديق هذا القول: قوله عز وجل: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ﴾ [النساء: ١٥٣].
(٤) قال الشنقيطي في "أضواء البيان" ١/ ١٤٥ لم يبين هنا الذي سأل موسى من قبل من هو؟ ولكنه بينه في موضع آخر، وذلك في قوله: (يسألك أهل الكتاب...) الآية.
وقال أبو إسحاق: معنى الآية: أنَّهم نُهوا أن يسألوا النبي - ﷺ - مالا خير لهم في السؤال عنه (٧)، إنما خُوطبوا بهذا بعدَ وضوحِ البراهين لهم، وإقامتهم (٨) على مخالفتهم (٩).
(٢) تحرفت في "أسباب النزول" ص ٣٧ إلى تمنعوا.
(٣) ساقطة من (أ)، (م).
(٤) هو عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن مخزوم ابن عمة النبي - ﷺ - عاتكة بنت عبد المطلب، كان من كفار مكة ومن أقوى المعارضين للرسول - ﷺ - ودعوته ولم يزل كذلك حتى عام الفتح، فهاجر إليه قبل الفتح هو وأبو سفيان بن الحارث ابن عبد المطلب، وأسلما وحسن إسلامهما، وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف، ورُمي من الطائف بسهم فقتله. ينظر: "معجم الصحابة" لابن قانع ٢/ ٥٢١، "أسد الغابة" ٣/ ١٧٧، "البداية والنهاية" ٤/ ١٣٠.
(٥) في الأصل: أبي بن، والتصويب من "أسباب النزول" ص ٣٨.
(٦) ينظر تخريج كلام ابن عباس السابق، وكذا أيضا في "أسباب النزول" للمصنف ص ٣٧ - ٤٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٤٦.
(٧) في "معاني القرآن" عنه وما يكفرهم وإنما.
(٨) في "معاني القرآن" وإقامتها.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٢.
كنتُ القَذَى في موجِ أكدرَ مُزبدٍ | قذَفَ الأتيُّ به فضلَّ ضلالا (٤) |
وذكرنا ما في (سواء) في قوله: ﴿سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ﴾ [البقرة: ٦].
١٠٩ - قوله تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ قال ابن عباس: نزلت في نفر من اليهود قالوا للمسلمين بعد وقعة أحد (٥): ألم تروا إلى ما أصابكم، ولو كنتم على الحقّ ما هُزِمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم (٦). وتم الكلام عند قوله: ﴿كُفَّارًا﴾. وانتصب ﴿حَسَدًا﴾ على
(٢) ينظر: "الوسيط" ١/ ١٩١.
(٣) هو: غياث بن غوث بن الصلت أبو مالك التغلبي، شاعر نصراني.
(٤) ينظر: "ديوان الأخطل" ص ٢٥٠، و"نقائض جرير والأخطل" ص ٨٣، و"تفسير القرطبي" ١٤/ ٩١، و"الماوردي" ٣/ ٢٩٣، و"وضح البرهان" للغزنوي ٢/ ١٧٥. وينظر: "البحر المحيط" ٥/ ٥١٣ - ٥١٤.
(٥) تحرف في نسخ "أسباب النزول" كما في ص ٣٨ إلى وقعة بدر.
(٦) ذكره المصنف أيضًا في "أسباب النزول" ص ٣٨، وعنه ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" ١/ ٣٥٤، ثم قال: هذا لعله من تفسير الكلبي، والذي ذكره ابن إسحاق في المغازي من رواية يونس بن بكير عنه حدثني محمد بن أبي محمد، حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال: كان حيي بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشد يهود للعرب حسداً، إذ خصهم الله تعالى برسوله، وكانا جاهدين في رد الناس عن الإسلام بما استطاعا، فأنزل الله تعالى فيهما: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ﴾ الآية. انتهى. وقد أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٨٧ - ٤٨٨، ابن أبي =
وقوله تعالى: ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ أراد: أنهم ودُّوا ذلك من عند أنفسهم، لم يؤمروا به في كتابهم (٢) الدليل على ذلك قوله: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ فـ (من) موصولة بـ ﴿وَدَّ﴾ لا بقوله: ﴿حَسَدًا﴾ على التوكيد، كقوله: ﴿وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ [الأنعام: ٣٨].
قال ابن الأنباري: ويكون تأويل ﴿مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾ في حكمهم وتدينهم ومذهبهم، أي: هذا الحسد مذهب لهم، لم يؤمروا به كما تقول: هذا عند الشافعي حلال، أي: في حكمه ومذهبه. وأما معنى الحسد في اللغة، فحكى ثعلب عن ابن الأعرابي: أصل الحسد في كلام العرب: القشر، ومنه أخذ الحسد؛ لأنه يَقْشر القلب، قال والحَسدلُ (٣): القرادة،
(١) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١١٤، و"البيان" لابن الأنباري ١/ ١١٨، "التبيان في إعراب القرآن" ص ٨٣، و"إعراب القرآن" لأبي جعفر النحاس ١/ ٢٠٧، و"الدر المصون" ١/ ٣٤١.
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١١٤.
(٣) زيدت اللام فيه كما يقال للعبد: عبدل. ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١١٤.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ في التوراة أن قول محمد صدق، ودينه حق، وهذا يدل على أنهم كانوا معاندين (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا﴾ قد ذكرنا معنى العفو عند قوله: ﴿ثُمَّ عَفَونَا عَنكم﴾ [البقرة: ٥٢]، وأما الصفح فمعناه في اللغة: الإعراض (٣)، يقال: صفح عن فلان أي: أعرض عنه موليًا، ومنه قول كُثَيِّر يصفُ امرأة أعرضت عنه:
صفوحًا فما تلقاك إلا بخيلةً | فمَنْ ملَّ منها ذلك الوصلَ ملَّتِ (٤) |
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١١٤.
(٣) ينظر: "شمس العلوم" لنشوان الحميري ٦/ ٣٧٧٣.
(٤) البيت لكثير عزة، في "ديوانه" ص ٩٨، "لسان العرب" ٤/ ٢٤٥٧، (مادة: صفح)، "المعجم المفصل" ١/ ٥٥٣.
(٥) تقدم الكلام عن مثل هذه الرواية في قسم الدراسة.
(٦) أخرجه الطبري ١/ ٤٨٩ - ٤٩٠، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٠٦. وينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيد ١/ ٥٠، و"الناسخ والمنسوخ" للنحاس ص ٢٧٤، و"الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي ص ٣١٢. ورد ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٤٦ القولَ بالنسخ وعزى ذلك لجماعة، وقال: واحتجوا بأن الله لم يأمر بالصفح والعفو مطلقًا، وإنما أمر به إلى غاية، وما بعد الغاية يخالف ما قبلها، وما هذا سبيله لا يكون من باب المنسوخ، بل يكون الأول قد انقضت مدته بغايته، والآخر يحتاج إلى حكم آخر. ونقل في "البحر المحيط" ١/ ٣٤٩ عن قوم بأنه ليس هذا حد المنسوخ، لأن هذا في نفس الأمر للتوقيف على مدته ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ غيّا العفو والصفح بهذه الغاية، وهذه الموادعة على أن تأتي أمر الله =
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ قال ابن عباس: يريد إجلاء النضير، وقتل قريظة، وفتح خيبر وفَدَك (٣) (٤)، وقال قتادة: يعنى: أمره بالقتال (٥) في قوله: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (٦) [التوبة: ٢٩] (٧).
١١١ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ المعنى: أن اليهود قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا، والنصارى قالت: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، ولكنهم أُجملوا،
(١) ساقط من (ش)
(٢) انظر: "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٩٣.
(٣) فَدَك: قال في "المصباح المنير" ص ٤٦٥ (ط: المكتبة العلمية) بفتحتين، بلدة بينها وبين مدينة النبي - ﷺ - يومان، وبينها وبين خيبر دون مرحلة، وهي مما أفاء الله على رسوله - ﷺ - وتنازعها علي والعباس في خلافة عمر... فسلمها لهما. وينظر: "المغرب" للمطرزي ص ٣٥٣ ط. دار "الكتاب" العربي.
(٤) عزاه لابن عباس: الثعلبي ٣/ ١١١٤، وينظر: "الكفاية" ١/ ٦٧، "الوسيط" ١/ ١٩١ "ابن عطية" ١/ ٤٤٨، "القرطبي" ٢/ ٦٥، "البحر المحيط" ١/ ٣٤٩.
(٥) وهذا قول الجمهور كما في "البحر المحيط" ١/ ٣٤٩.
(٦) أخرجه الطبري ١/ ٤٩٠، وذكره الثعلبي ٣/ ١١١٤ وروي نحوه عن ابن عباس وأبي العالية والسدي والربيع بن أنس وغيرهم كما عند الطبري ١/ ٤٩٠، وابن أبي حاتم ١/ ٣٣٤.
(٧) لم يفسر المؤلف الآية رقم (١١٠) وهي قوله تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.
أمَنْ يهجُو رسولَ اللهِ منكمْ | ويمدحُه وينصرُه سواءُ (٢). |
وقوله: ﴿هُودًا﴾ قال الفراء: أراد: يهودًا، فحذف الياء الزائدة، ورجع إلى الفعل من اليهودية، وقد يكون أن تجعل الهود جمعًا، واحده هائد، مثل حائل (٣) وحُول، وعائط وعُوط (٤) (٥)، ومثله من الصحيح: بازل وبُزْل (٦)، وفاره وفُرْهٌ، والهائد: المائل إلى التوبة وإلى غيرها من
(٢) البيت لحسان في "ديوانه" ص ٨، وينظر: "السيرة النبوية" ٤/ ٤٦، "تذكرة النحاة" ص ٧٠، "الخزانة" ٩/ ٢٣٢، "إعراب القرآن" للنحاس ٢/ ٣٥٣، "البحر المحيط" ١/ ٦٤٠.
(٣) في (ش): (حائل إلى أصل الفعل).
(٤) حائل: ناقة حائل: حمل عليها فلم تَلْقَح، أو التي لم تَلْقح سنة أو سنوات، وجمعها: حُول وحِيال وحُوَّل وحُولَل. القاموس ص ٩٨٩. عائط: عاطت الناقة والمرأة: لم تحمل سنين من غير عُقْرٍ فهي عائط، وجمعها: عُوط وعِيْط وعُيَّط وعُوطَط، وعِيطات. "لسان العرب" ٥/ ٣١٧٢.
(٥) كذا أورده الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٧٣، وعنه النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٢٠٧، وينظر مثله في: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٥١، "تفسير الطبري" ١/ ٤٩١ - ٤٩٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٤.
(٦) بازل: هو الجمل أو الناقة إذا بلغ التاسعة من سنينه، وليس بعده سِنٌّ تسمى جمعه: بُزْل، وبُزَّل، وبَوَازل.
وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا﴾ [الأنعام: ١٤٦]، أي: دخلوا في اليهودية، وقد مرَّ هذا.
وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ أي: التي تمنّوْها على الله باطلًا، وذكرنا ما في هذا الحرف عند قوله: ﴿إِلَا أَمَانىِّ﴾ [البقرة: ٧٨].
وقوله تعالى: ﴿هَاتُوا﴾ قيل: إن الهاء فيه أصلية، وهو من المُهَاتَاة. وقيل: إنه بدل عن الألف، من آتى، ولكن العرب قد أَمَاتَتْ كلَّ شيء من فعلها غير الأمر، فإذا أمرت رجلًا أن يعطيك شيئا قلتَ: هاتِ (٣).
ثعلب عن ابن الأعرابي: هاتِ وهاتِيَا، وهاتوا: أي: قَرِّبُوا قال (٤): ومنه قوله تعالى: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ أي: قَرِّبُوا، قال: ومن العرب من يقول: هاتِ: أعط (٥).
و (البرهان): الحُجَّةُ، قال الأزهريُّ: والنون فيه ليست بأصلية، وقولهم: بَرْهَنَ فلانٌ، إذا جاء بِبُرهانٍ، مُوَلَّدٌ، والصوابُ أن يقال في معناه: أَبْرَهَ. كذلك قال ابن الأعرابي (٦). أَبْرَهَ الرجلُ إذا غلبَ الناسَ وأتى
(٢) نقله في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٨٩.
(٣) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨١٦، ولفظه: كل شيء من فعلها غير الأمر بهات. وينظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية ١/ ٤٤٩. "اللسان" ٨/ ٤٧٣٢ (هيت).
(٤) ساقطة من (ش) و (م).
(٥) في (أ) و (م): (اعطى).
(٦) عبارة "تهذيب اللغة" بتمامها ١/ ٣٢٢: كما قاله ابن الأعرابي [إن صح عنه =
١١٢ - قوله تعالى: ﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ﴾ (بلى) هاهنا بمنزلته في قوله: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ﴾ (٢) [البقرة: ٨١]، وقد ذكرناه.
وقوله تعالى: ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ الإسلام والاستسلام لله -عز وجل- هو الانقياد لطاعته، والقبول لأمره. ومن هذا قوله: ﴿وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [آل عمران: ٨٣] أي: انقاد، والإسلام الذي هو ضد الكفر من هذا. ثم ينقسم إلى: متابعة وانقياد باللسان دون القلب، كقوله: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات: ١٤]، أي: انقدنا من خوف السيف، وإلى متابعة وانقيادٍ باللسان والقلب كقوله: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [البقرة: ١٣١].
ومعنى قوله: ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أي: بذل وجْهَهُ له في السجود (٣)، وعلى هذا ﴿أَسْلَمَ﴾ بمعنى سلَّم، يقال: سلّم الشيءَ لفلانٍ، أي: خَلَّصَه له، وسَلَمَ له الشيء، أي: خَلَصَ له (٤).
قال ابن الأنباري: والمسلم على هذا القول: هو المخلصُ لله
(١) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٢٢ وليس عنده: أبْرَةَ الرجل إذا غلبَ الناسَ وأتى بالعجائب. وبنحوه في "اللسان" لابن منظور نقلًا عن الأزهري ١/ ٢٧١.
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١١٩.
(٣) ينظر: "تفسير القرطبي" ١/ ٤٥١.
(٤) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٣١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١١٩.
وقال جماعة: الوجهُ قد يقع صلةً في الكلام (٢)، فقوله: ﴿أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ﴾ أي: انقاد هو لله، ومثله: ﴿فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ﴾ [آل عمران: ٢٠] أي: انقدت لله بلساني وعَقْدي (٣)، قال زيد بن عمرو بن نفيل (٤):
وأسلمتُ وجهي لمن أسلمتْ | له المزنُ تحملُ عَذْبًا زُلالًا (٥) |
(٢) ذكره أبو حيان في: "البحر المحيط" ١/ ٣٥٢ معاني (أسلم وجهه) بأنه: أخلص عمله لله أو قصده، أو فوض أمره إلى الله تعالى، أو خضع وتواضع. ثم قال: وهذه أقوال متقاربة في المعنى، وإنما يقولها السلف على ضرب المثال، لا على أنها متعينة يخالف بعضها بعضًا.
(٣) في (ش): (وعقيدتي).
(٤) هو: زيد بن عمرو بن نفيل العَدَوي، ابنُ عَمِّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يعادي عبادة الأوثان، ولا يأكل مما ذبح عليها، آمن بالنبي - ﷺ - قبل بعثته، قال فيه - ﷺ -: "إنه يبعث أمة وحده" توفي قبل البعثة بخمسِ سنين. ينظر: "جمهرة أنساب العرب" ص ١٠٥، و"الإصابة" ١/ ٥٦٩.
(٥) هما بيتان ذكرهما الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١١٩ هكذا:
وهذا دليل (٥) على أن الطاعةَ من الإيمان، حيث جعل الإحسان في العمل (٦) شرطًا في دخول الجنة، والآية ردٌّ على اليهود والنصارى؛ لأنَّهم قالوا: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ فقال الله تعالى: (بلى) يدخلُها من كان بهذه الصفة.
١١٣ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ﴾ الآية.
قال ابن عباس: قدم وفد نجران على رسول الله - ﷺ -، فتنازعوا مع اليهود، فكذّب كل واحد منهما صاحبه، فنزلت هذه الآية فيهم (٧).
(١) في (م): موحد مؤمن).
(٢) هذه الرواية تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة، ولم أجد من نقلها من أهل التفسير.
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ١٣١.
(٤) ينظر الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٩٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٢٠ وذكر قولين آخرين: مؤمن، ومُخْلص. "البحر المحيط" ١/ ٣٥٢.
(٥) في (ش): (زيادة دليل في العمل).
(٦) في (أ) و (م): (في العمل على شرطًا).
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" بنحوه ١/ ٤٩٤ - ٤٩٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٠٨ وإسنادهما حسن، وذكره المصنف في "أسباب النزول" دون عزو لابن =
قال ابن عباس: يريد: أمةَ نوحٍ وعادٍ وثمودَ وقومِ فرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع، كلهم كذبوا الرسل، واختلفوا على أنبيائهم، وكذَّبوهم كما كذب اليهود والنصارى محمدًا - ﷺ - (٤).
(١) في (أ) و (م): (نعني).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٥.
(٣) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٥٣.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٢١ عن ابن جريج عن عطاء قريبًا من هذا اللفظ، وأخرجه عن عطاء أيضا: الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٩٧، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٠٩.
وقوله تعالى: ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ﴾ الآية، قال أبو إسحاق: المعنى: أنه (٣) يريهم من يدخلُ الجنة عيانًا ويدخل النار عيانًا (٤)، فأما (٥) حكم الدين (٦) فقد بيّنه الله عز وجل بما أظهر من حجج المسلمين (٧)، وقال الحسن: حُكْمُه فيهم أن يكذّبهم جميعًا، ويدخلهم النار (٨).
١١٤ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ الآية، (من) ابتداء، وخبره أظلم، وهو استفهام معناه: وأيُّ أحدٍ أظلمُ (٩).
وعن ابن عباس في نزول هذه الآية روايتان: الأولى: أنها نزلت في أهل الروم، لأنهم خربوا بيتَ المقدس، فعلى هذا أراد بالمسجد بيت المقدس ومحاريبه (١٠) (١١).
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ١٣٢. ويروى عن السدي فيما أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٩٧، و"ابن أبي حاتم" ١/ ٢٠٩.
(٣) في (ش): (أنهم).
(٤) ليست في (أ)، (م). وفي "معاني القرآن" للزجاج قال بعدها: وهذا هو حكم الفصل فيما تصير إليه كل فرقة.
(٥) في (ش): (وأما).
(٦) في "معاني القرآن" فأما الحكم بينهم في العقيدة.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٥، وزاد: وفي عجز الخلق عن أن يأتوا بمثل القرآن.
(٨) ذكر هذا الوجه: أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٥٤.
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٥.
(١٠) في (م): (محاربة).
(١١) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٢٢ دون عزو وذكره الواحدي في "أسباب =
وأصل السعي في اللغة: الإسراع في المشي، قال الله عز وجل: ﴿وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ [القصص: ٢٠]. ثم يسمّى المشيُ سعيًا، كقوله: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ﴾ [الصافات: ١٠٢]، يعنى المشي، وقال: ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ٩]، أي: امشوا، وقال (٢) ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ [البقرة: ٢٦٠]، أي: مشيًا. ثم يسمى العمل سعيًا، لأنه لا ينفك من السعي في غالب الأمر، قال الله تعالى: ﴿فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾ [الإسراء: ١٩] وقال: ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ [الحج: ٥١] أي: جدّوا في ذلك، وقال: ﴿إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ [الليل: ٤]، أي: عملكم مختلف.
وأراد (٣) بالسعي في هذه الآية: العمل (٤).
(١) أخرجها ابن أبي حاتم ١/ ٢١٠ من طريق ابن اسحاق بسند حسن، وذكره الحافظ في "العجاب" ١/ ٣٥٩ من طريق عطاء عن ابن عباس. وبه قال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم، كما رواه الطبري عنه ١/ ٤٩٨.
(٢) في (م): (ثم قال).
(٣) في (ش): (فأراد).
(٤) ينظر: "المفردات في غريب القرآن" للراغب الأصفهاني ص ٢٣٨ - ٢٣٩.
(٢) يذكر ذلك عن كعب والسدي، ينظر: الطبري ١/ ٥٠٠، ابن أبي حاتم ١/ ٢١٠ - ٢١١، "العجاب" ١/ ٣٦٠.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٥٦ ومن طريقه أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٤٩٨ - ٤٩٩، وابن أبي حاتم ١/ ٣٤١ بنحوه وأخرجه الطبري أيضا من غير طريق عبد الرزاق.
(٤) "تفسيرمقاتل" ١/ ١٣٢ - ١٣٣.
(٥) في "معاني القرآن" ١/ ٧٤. وقد رجح الطبري في "تفسيره" هذا القول ١/ ٤٩٨ - ٥٠٠ محتجًّا بأن الله ذكر أنهم سعوا في خراب المسجد، وهذا لم يكن قط من المشركين في المسجد الحرام، بل كانوا يفخرون بعمارته، وبأن سياق الآية ولحاقها كله في أهل الكتاب، ولم يجر للمشركين ذكر. ثم قال: وإن كان قد دل بعموم قوله: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ أن كل مانع مصليًا في مسجد لله -فرضًا كانت صلاته فيه أو تطوعًا- وكل ساع في إخرابه، فهو من المعتدين الظالمين. وانتصر لترجيح الطبري في "تفسيره" أحمد شاكر ورد كلام ابن كثير في "تفسيره" الآتي مختصره. وأما قول الطبري في "تفسيره" إنهم النصارى، وذلك أنهم سعوا في خراب بيت المقدس، وأعانوا بُخْتنْصَّر على ذلك ومنعوا مؤمني بني إسرائيل من الصلاة فيه بعد مُنْصرف بختنصر عنهم إلى بلاده. اهـ. فهذا قول قتادة والسدي وقد ذكر الجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٦١ أن ما روي في خبر قتادة يشبه أن يكون غلطا من راويه؛ لأنه لا خلاف بين أهل العلم بأخبار الأولين أن عهد بختنصر كان قبل مولد المسيح عليه السلام بدهر طويل، والنصارى إنما كانوا بعد المسيح وإليه ينتمون، فكيف يكونون مع بختنصر في تخريب بيت المقدس، والنصارى إنما استفاض دينهم في الشام والروم في أيام قسطنطين=
وهذا قول عطاء (١) وابن زيد (٢).
وقيل (٣): إنه أمر في صيغة الخبر، يقول: جاهدوهم واستأصلوهم بالجهاد؛ كيلا يدخلها أحد منهم إلا خائفًا من القتل والسبي، كقوله عز وجل: ﴿وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا﴾ [الأحزاب: ٥٣] نهاهم على لفظ الخبر، ومعناهما: لا ينبغي لهم ولكم (٤).
وقال الزجاج حاكيًا: إنَّ هذه الآية مما يعنى به جميع الكفار الذين تظاهروا على الإسلام ومنعوا جملة المساجد؛ لأن من قاتل المسلمين حتى يمنعهم من الصلاة فقد منع جميع المساجد، وكل موضع يتعبد فيه فهو
(١) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٢٦، وعنه البغوي في "تفسيره" ١/ ١٣٩، والحافظ في "العجاب" ١/ ٣٥٩.
(٢) ينظر الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٠، ففيه عن ابن زيد بغير هذا المعنى ومال إلى هذا ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٦٧ وبين أن أعظم خراب فعلوه إخراجهم رسول الله - ﷺ - واستحواذهم عليه بأصنامهم، وصدهم رسول الله - ﷺ - يوم الحديبية، وذكر الآيات الدالة على أن معنى العمارة إقامة ذكر الله فيها وليس زخرفتها... إلخ.
(٣) في (ش): (وقال).
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٢٤، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٣٩، والرازي ٤/ ١٢، والقرطبي ٢/ ٧٠، و"البحر المحيط" ١/ ٣٥٨ - ٣٥٩.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا﴾ الآية، أعلم الله عز وجل أن أمر المسلمين يظهر على جميع من خالفهم، حتى لا يمكن دخول مخالف إلى مساجدهم إلا خائفا، وهذا كقوله: ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ [التوبة: ٣٣]. الآية (٣).
وقوله: ﴿أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ موضع (أن) نصب؛ لأنه المفعول الثاني للمنع، وهو مع الفعل بمنزلة المصدر (٤).
قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ﴾ الآية. قال المفسرون: يريد القتل للحربي، والجزية للذمي (٥). وذكرنا معنى الخزي عند قوله: ﴿فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ﴾ [البقرة: ٨٥].
١١٥ - قوله تعالى: ﴿وللهِ المشَرِقُ وَالمغَرِبُ﴾ ارتفع المشرق من جهتين:
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٦.
(٣) نقله عن الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٩٦.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٢٣، القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٦٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٥٨ وذكر الثعلبي في "تفسيره" جواز نصبه على نزع الخافض والتقدير: من أن يذكر.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٢٤، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٤٠، والقرطبي ٢/ ٧٠ عن قتادة، وأخرجه عبد الرازق في "تفسيره" ١/ ٥٦ ومن طريقه الطبري ١/ ٥٠٠، وابن أبي حاتم ١/ ٢١١ عن قتادة: أن المراد بها الجزية وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٦ - ١٩٧، قال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ١٦٨: والصحيح أن الخزي في الدنيا أعم من ذلك كله، وقد ورد الحديث بالاستعاذة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
قال ابن عباس: نزلت الآية في نفر من أصحاب النبي - ﷺ - خرجوا في سفر فأصابَهم الضَّبابُ، وحضرت الصلاةُ فتحرَّوا القبلةَ، وصلوا إلى أنحاء مختلفة، فلما ذهب الضباب استبان أنهم لم يصيبوا، فلما قدموا سألوا رسول الله - ﷺ - عن ذلك، فنزلت هذه الآية (٣).
وقال ابن عمر: نزلت في صلاة المسافر يصلي حيثما توجهت به راحلته تطوعًا (٤).
وروى أن النبى -صلى الله عليه وسلم- كان يصلى على راحلته فى السفر حيثما توجهت به (٥).
وقال عكرمة وأبو العالية: نزلت في تحويل القبلة، وذلك أن اليهود عيّرت المؤمنين في انحرافهم من بيت المقدس، فأنزل الله هذه الآية جوابًا
(٢) "تفسير الطبري" ١/ ٥٠١.
(٣) أخرجه ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، كما في "ابن كثير" ١/ ١٦٩، وذكره السمرقندي في "تفسيره" ١/ ١٥١، والثعلبي ١/ ١١٢٨، والسيوطي في "لباب النقول" ص ٢٣، وفي "الدر المنثور" ١/ ٢٠٥، وعزاه إلى ابن مردويه، وضعف إسناده. وقد ذكر ابن كثير في "تفسيره" روايات كثيرة في هذا ثم قال: وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشد بعضها بعضًا.
(٤) أخرجه مسلم (٧٠٠/ ٣٤ - ٣٥ - ٣٦) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت به.
(٥) أخرجه البخاري (٤٠٠) في الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان، ومسلم (٧٠٠) صلاة المسافرين، باب جواز النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت.
قوله تعالى: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا﴾ أي: وجوهَكم، فحذف المفعول (٢).
ومعنى ﴿تُوَلُّوُا وُجُوهَكُم﴾: تجعلونها تليه، ونذكر معنى هذا الحرف عند قوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨].
وقوله تعالى: ﴿فَثَمَّ﴾ قال أبو إسحاق: (ثَمّ) بُني على الفتح لالتقاء الساكنين، وثَمَّ في المكان: إشارة، بمنزلة هناك (٣)، فإذا أردت المكان القريب قلت: هنا زيد. وإذا أردت المتراخي قلت: هناك وَثَمّ. وإنما منعت (ثَمّ) الإعراب لإبهامها (٤).
قال أبو علي الفارسي: المبني على ضربين: مبني على حركة، ومبني على سكون، والمبني على الحركة على ضربين: أحدهما: ما يكون بناؤه على الحركة، لتمكّنه قبل حاله المفضية إلى بنائه (٥)، وذلك نحو: من عَلُ وأولُ ويا حَكَم، وما أشبه ذلك.
(٢) ينظر: "الوسيط" ١/ ١٩٤.
(٣) في "معاني القرآن": هنا زيد.
(٤) بتصرف من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٧، وينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٠٥، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٠٨.
(٥) في "الإغفال": في حالة المفضية به إلى البناء.
وقوله تعالى: ﴿وَجْهُ اللَّهِ﴾ قال أكثر المفسرين (٤): الوجه: صلة، معناه: فثمَّ الله. كقوله: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ [الحديد: ٤]، والمعنى: فثم الله يَعْلَمُ وَيرَى (٥). و (الوجه) قد ورد صلة مع اسم الله كثيرًا، كقوله:
(٢) في (ش): (معروف معهود).
(٣) "الإغفال" ٣٨٣ - ٣٨٥ بتصرف واختصار.
(٤) بين شيخ الإسلام في "الفتاوى" ٢/ ٤٢٨ أن جمهور السلف على القول بأن المعنى: فثم قبلة الله ووجهة الله.
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٨.
وهذا قول الكلبي (١) وعبد الله بن مسلم (٢) (٣)، وقال الحسن (٤)، ومجاهد (٥) وقتادة (٦) ومقاتل (٧): فثم قبلة الله (٨)، والوجه والجهة والوجهة: القبلة. ومثله: الوزن والزِّنَة، والوَعْد والعِدَة، والوَصْل والصِّلة. والعرب تجعل القصد الذي يتوجه إليه وجهًا (٩)، كقول الشاعر:
ربَّ العبادِ إليه (١٠) الوجهُ والعملُ (١١)
(٢) يعني ابن قتيبة في "تأويل مشكل القرآن" ص ٢٥٤، وقد نُسِب هذا القول لابن عباس كما في "زاد المسير" ١/ ١٣٤ - ١٣٥، "القرطبي" ٢/ ٧٥، "البحر المحيط" ١/ ٣٦١، وانظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٠٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٣٤.
(٣) في (ش): (ومسلم).
(٤) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٢، "الثعلبي"، ١/ ١١٣٤، "البغوي" ١/ ١٤٠، "زاد المسير" ١/ ١٣٥.
(٥) أخرجه الترمذي في التفسير، تفسير سورة البقرة ٥/ ٢٠٦، الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٢ (١١٢٢)، والبيهقي في سننه ٢/ ١٣.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٢، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢١٢، الثعلبي ١/ ١١٣٤، البغوي ١/ ١٤٠، وينظر: "ابن كثير" ١/ ١٦٨.
(٧) أي: ابن حيان، ذكره عنه "الثعلبي" ١/ ١١٣٤ وعنه البغوي ١/ ١٤٠.
(٨) أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" هذا القول عن ابن عباس ١/ ٢١٢، وينظر في هذا القول: "الطبري" ١/ ٥٠٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٣٤، السمعاني ٢/ ٢٦، "زاد المسير" ١/ ١٣٥، القرطبي ٢/ ٧٥، الخازن ١/ ٩٩.
(٩) ينظر: "اللسان" ٤٧٧٥ (وجه).
(١٠) في (ش): وإليه.
(١١) وصدر البيت:
أستغفر الله ذنبًا لستُ مُحْصِيه =
والذنب هنا اسم جنس بمعنى الجمع؛ فلذا قال: لستُ محصيه، وأراد: من ذنبٍ. والوجه: القصد والمراد.
(١) ساقطة من (أ)، (م).
(٢) هذه الآية مما تنازع فيه الناس، هل هي من آيات الصفات أو لا؟ قولان: فمنهم من عدها في آيات الصفات وجعلها من الآيات الدالة على إثبات صفة الوجه لله واستدلوا على ذلك بقول النبي - ﷺ -: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قِبَل وجهه" رواه البخاري (٤٠٦) كتاب الصلاة، باب: حك البزاق باليد ومسلم (٥٤٧) كتاب المساجد، باب: النهي عن البصاق في المسجد في الصلاة وغيرها، وبقوله "لا يزال الله مقبلا على عبده بوجهه ما دام مقبلًا عليه، فإذا انصرف صرف وجهه عنه". وممن قرر ذلك: "ابن خزيمة" كما في "مجموع الفتاوى" ٦/ ١٦ وبهذا فسرها السعدي في "تفسيره" ص ٤٥ وابن عثيمين في "شرح العقيدة الواسطية" ١/ ٢٨٩ (ط. ابن الجوزي).
وقال آخرون: إن المراد بالوجه هنا الجهة كما نقل عن مجاهد والشافعي ونصره شيخ الإسلام في "الفتاوى" ٦/ ١٦، ٣/ ١٩٣و ٢/ ٤٢٨ بل قال في ٣/ ١٩٣: من عدها في آيات الصفات فقد غلط كما فعل طائفة، فإن سياق الكلام يدل على المراد حيث قال: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ والمشرق والمغرب الجهات، والوجه هو الجهة، يقال: أي وجه تريده؟ أي: أي جهة.. ولهذا قال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ أي: تستقبلوا وتتوجهوا والله أعلم. اهـ. وقال في ٦/ ١٦: ولكن من الناس من يسلِّم أن المراد بذلك وجه الله: أي قبلة الله، ولكن يقول: هذه =
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ الواسع في صفة الله تعالى على ثلاثة أوجه (٢):
أحدها: أنه واسع بإفضاله على خلقه، واحتماله مسائل عباده، وأنه لا يُكرِثه (٣) إلحاحُهم (٤)، من قول العرب: فلان يسع ما يسأل، قال أبو زبيد:
أُعطيهم الجَهْدَ مني بَلْهَ ما أسِعُ
وقد بيَّن الشيخ ابن عثيمين في "شرح الواسطية" ١/ ٢٩٠: أن الأول صحيح موافق لظاهر الآية، وأن الثاني لا يخالف الأول في الواقع، فإذا قلنا: فثم جهة الله، وكان هناك دليل سواء كان هذا الدليل تفسير الآية الثانية في الوجه الثاني، أوكان الدليل ما جاءت به السنة، فإنك إذا توجهت إلى الله في صلاتك، فهي جهة الله التي يقبل الله صلاتك إليها، فثم أيضًا وجه الله حقًا، وحينئذٍ يكون المعنيان لا يتنافيان. اهـ. هذا وقد نبه شيخ الإسلام على أمرٍ مهم فقال في "الفتاوى" ٦/ ١٧: والغرض أنه إذا قيل: فثم قبلة الله لم يكن هذا من التأويل المتنازع فيه، الذي ينكره منكرو آيات الصفات، ولا هو مما يستدل به عليهم المثبتة، فإن هذا المعنى صحيح في نفسه، والآية دالة عليه، وإن كانت على ثبوت صفة فذاك شيء آخر، ويبقى دلالة قولهم ﴿فَثَمَّ وَجهُ اللَّهِ﴾ على: فَثَّمَّ قبلة الله، هل هو من باب تسمية القبلة وجهًا باعتبار أن الوجه والجهة واحد، أو باعتبار أن من استقبل وجه الله فقد استقبل قبلة الله؟ فهذا فيه بحوث ليس هذا موضعها.
(١) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٣٤.
(٢) ينظر تفصيل ذلك في: "البحر المحيط" ١/ ٣٦١.
(٣) في (أ): (لا يكونه).
(٤) "تفسير الطبري" ١/ ٥٠٦.
الثاني: أنه يُوَسِّع على عباده في دينهم، ولا يضطرهم إلى ما يعجزون عن أدائه، فهو واسعُ الرَّحمة، واسع الشريعةِ بالترخيص لهم في التوجهٍ إلى أي جهة أدَّى إليها اجتهادهم عند خفاء الأدلة (٣).
الثالث: أنه يسع علمَ كلِّ شيء، ويسع علمُه كلَّ شيء، كقوله: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ أي: علمه (٤)، وقال: ﴿وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: ٩٨]. وقال ابن عباس في بعض الروايات: إن هذه الآية نزلت في النجاشي (٥)، وذلك أنه توفي، فأتى جبريل النبي - ﷺ - فقال: "إن أخاكم النجاشي قد مات، فصلوا عليه"، ثم صلى رسول الله - ﷺ - بأصحابه عليه، فقال أصحابه في أنفسهم: كيف نصلي على رجل مات وهو يصلي لغير قبلتنا؟، وكان النجاشي يصلي إلى بيت المقدس حتى مات، وقد صرفت القبلة إلى الكعبة، فأنزل الله تعالى هذا الآية (٦). وعَذَر النجاشيَّ في ذلك؛
(٢) في "مجاز القرآن" ١/ ٥١.
(٣) "الوسيط" ١/ ١٩٤.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٣٦ سيأتي الرد على هذا القول موسعًا عند آية الكرسي.
(٥) هو: أصحمة بن أبحر، والنجاشي لقبه، قال ابن عيينة: أصحمة بالعربية عطية، هو ملك الحبشة الذي أكرم المسلمين الذين هاجروا إلى بلاده من مكة، وأحسن استقبالهم وأسلم ولم يهاجر وليست له رؤية فهو تابعي من وجه، وصاحب من وجه، وقد توفي في حياة النبي - ﷺ -. ينظر: "الإصابة" ١/ ١٠٩، و"تفسير عبد الرزاق" ١/ ١٤٤ و"السير" ١/ ٤٢٨.
(٦) ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٤١ ونقله عنه في: "العجاب" ١/ ٣٦٤، من قول ابن عباس في رواية عطاء، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣٣٢ عن عطاء وقتاده، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ط. شاكر ٢/ ٥٣٢ - ٥٣٣، مختصرًا عن =
١١٦ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ﴾ وفي مصاحف الشام: قالوا (٢) بغير واو؛ لأن هذه الآية ملابسة بما قبلها من قوله ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ لأن الذين قالوا: اتخذ الله ولدا من جملة الذين تقدم ذكرهم، فيستغنى عن الواو؛ لالتباس الجملة بما قبلها كما استغنني عنها في نحو قوله: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: ٣٩]. ولو كان (وَهُمْ) كان حسنًا، إلا أن التباس إحدى الجملتين بالأخرى وارتباطها بها أغنت عن الواو. ومثل ذلك قوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢]، ولم يقل: ورابعهم كما قال: ﴿وَثَامِنُهُمْ﴾ [الكهف: ٢٢]، ولو حذفت الواو منها كما حذفت من التي (٣) قبلها، واستغنى عن الواو بالملابسة التي بينهما كان حسنًا، ويمكن أن يكون حذف الواو لاستئناف جملة ولا يعطفها على ما تقدم (٤).
والآية نزلت ردًّا على اليهود والنصارى والمشركين، فإنهم وصفوا الله
(١) قوله: عليم بما قبله.. ساقطة من (أ)، (م).
(٢) ذكره ابن أبي داود في: كتاب "المصاحف" ص ٥٤، ولم ينص عليه أبو عمرو الداني في: "المقنع في رسم مصاحف الأمصار". وينظر: "تفسير ابن عطية" ١/ ٤٦٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٦٢.
(٣) في (ش): (الذي).
(٤) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ٢٠٨.
﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ قال مجاهد (٥) وعطاء (٦) والسدي (٧): مطيعون.
قال أبو عبيد: أصل القنوت في أشياء: فمنها القيام، وبه جاءت الأحاديث في قنوت الصلاة؛ لأنه إنما يدعو قائمًا، ومن أبين ذلك: حديث جابر (٨) قال: سئل النبي - ﷺ - أي الصلاة أفضل؟ قال: "طول القنوت" (٩)
(٢) في (م): (الثاني).
(٣) ينظر: "كتاب سيبويه" ٤/ ٢٢٣.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٣٨.
(٥) أخرجه الطبري ١/ ٥٠٧، ابن أبي حاتم ١/ ٢١٣من طريقين عن مجاهد.
(٦) ذكره عنه في "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٣٨.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٧ وهو مروي أيضًا عن ابن عباس وقتادة وعكرمة، ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٠٧، البغوي في "تفسيره" ١/ ١٤١، واختاره الطبري في "تفسيره" و"ابن كثير" في "تفسيره".
(٨) هو: أبو عبد الله جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي، أحد الصحابة المكثرين من الرواية عن النبي - ﷺ -، شهد العقبة كما شهد تسع عشرة غزوة مع الرسول - ﷺ - عدا بدراً وأحدًا، منعه أبوه، توفي سنة ٧٨ وقيل ٧٤، أو ٧٣ هـ. ينظر: "أسد الغابة" ١/ ٣٠٧، و"الإصابة" ١/ ٤٣٤.
(٩) أخرجه مسلم (٧٥٦) في صلاة المسافرين، باب أفضل الصلاة طول القنوت.
والقنوت أيضًا: الطاعة (١)، وقال عكرمة في قوله: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ القانت: المطيع (٢)، وقال الزجاج مثله، قال: والمشهور في اللغة أن القنوت الدعاء، وحقيقة القانت: أنه القائم بأمر الله، والداعي إذا كان قائمًا خُصَّ بأن يقال له: قانت، لأنه ذاكر لله وهو قائم على رجليه، فحقيقة القنوت: العبادة والدعاء لله في حال القيام (٣).
ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن لم يكن قيام بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية (٤).
قال ابن عباس في هذه الآية: قوله: ﴿كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ﴾ راجع إلى أهل طاعته دون الناس أجمعين (٥).
وهو من العموم الذي أريد به الخصوص، وهذا اختيار الفراء (٦)، وطريقة مقاتل (٧) ويمان (٨) إلا أنهما قالا: هذا يرجع إلى عُزير والمسيح
(٢) أخرجه أبو عبيد في: "غريب الحديث" ١/ ٤٣٨، ورواه الطبري ١/ ٥٠٧ بنحوه
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٨.
(٤) رجح الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٧ أن القنوت: الطاعة والإقرار لله عز وجل بالعبودية، بشهادة أجسامهم بما فيها من آثار الصنعة والدلالة على وحدانية الله.
(٥) ورد عن ابن عباس بلفظ: قانتون: مطيعون. عند الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٧ وأما اللفظ المذكور أعلاه فلعله من تلك الرواية التي تقدم الحديث عنها في مقدمة الكتاب.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ٧٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٠.
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ١٣٣، وذكره الثعلبي ١/ ١٤٠.
(٨) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٠.
وقال السُدي ومجاهد والزجاج: هذا على ما ورد من العموم، فقال السدي: هذا في يوم القيامة (٢)، تصديقه قوله: ﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ﴾ [طه: ١١١] (٣).
وقال مجاهد: إن ظِلالَ الكفار تسجد لله وتطيعه (٤). دليله قوله (٥): ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ﴾ [النحل: ٤٨]، الآية، وقوله: ﴿وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ [الرعد: ١٥] (٦).
وقال الزجاج: كل (٧) ما خلق الله في السماوات والأرض فيه أثر الصنعة فهو قانت لله، ودليل (٨) على أنه مخلوق. والمعنى: كل له قانت، إما (٩) مُقِرّ بأنه خالقه؛ لأنه أكثر من يخالف ليس يدفع أنه مخلوق، وما كان
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٠٧ وذكره الثعلبي ١/ ١١٤٠.
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤١.
(٤) تقدم تخريجه عن مجاهد قريباً. قال ابن كثير في تفسيره ١/ ١٧١: وهذا القول عن مجاهد -وهو اختيار ابن جرير- يجمع الأقوال كلها، وهو أن القنوت: هو الطاعة والاستكانة إلى الله وذلك شرعي وقدري.
(٥) من قوله: قوله: وعنت... ساقط من (ش).
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤١ البغوي ١/ ١٤١.
(٧) في (ش): على.
(٨) في "معاني القرآن"، (والدليل).
(٩) في (ش): (إنما)، وليست الكلمة في "معاني القرآن" للزجاج، والكلام مستقيم بدونها.
وقال غيرهُ: طاعة الجميع لله تكونهم (٣) في الخلق عند التكوين إذا قال: كن كان كما أراد (٤)، فنسب القنوت إليه كما نسبت الخشية إلى الحجارة، والمحبة إلى الجبال، والشكوى إلى الإبل، والسجود إلى الأشجار (٥).
١١٧ - قوله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية، أي: خالقها وموجدها (٦) لا على مثالٍ تقدّم (٧)، وهو عند الأكثرين فعيل بمعنى مُفعلٍ، كأليم ووجيع وسميع في قوله:
(٢) "معاني القرآن" ١/ ١٩٨.
(٣) في (ش): (بكونهم).
(٤) يروى عن مجاهد. ينظر: ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٣.
(٥) نسبت الخشية إلى الحجارة في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٧٤]، ونسبت المحبة إلى الجبال في قوله - ﷺ -: "أحد جبل يحبنا ونحبه" متفق عليه.
ونسبت الشكوى إلى الإبل في الحديث الذي رواه أبو داود وأحمد عن عبد الله بن جعفر أن النبي - ﷺ - لما راى جملًا لرجل من الأنصار، حنّ الجمل وذرفت عيناه، فمسح النبي - ﷺ - ذِفراه، فسكت فقال: "من رب هذا الجمل"، فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله، فقال: "أفلا تتقى الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه".
ونسب السجود إلى الأشجار في قوله تعالى: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ [الرحمن: ٦]، وغيرها من الآيات.
(٦) في (ش): (خالقهما وموجدهما).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤١.
أي: المسمع. فالبديع: الذي يُبْدِعُ الأشياءَ، أي: يحدثها مما لم يكن.
ابن السكيت قال: البدعة: كل محدثة، وسقاء بديع: أي: جديد (٢).
وقال أبو إسحاق: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ منشئُهما (٣) على غير حذاء ولا مثال، وكل من أنشأ ما لم يسبق إليه قيل: أبدعت؛ ولهذا قيل لمن خالف السنة (٤): مبتدع؛ لأنه أحدث في الإسلام (٥) ما لم يسبقه إليه السلف (٦) (٧).
قال الأزهري: قول الله تعالى: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ بمعنى مبدعهما، إلا أن بديعًا من بَدَعَ لا من أَبْدَع، وأَبْدَع أكثر في الكلام من بَدَع، ولو استُعْمِل بَدَع لم يكن خطأ، فبديع: فعيل بمعنى فاعل، مثل: قدير بمعنى قادر، وهو (٨) من صفات الله؛ لأنه بدأ الخلق على ما أراد على
يؤرقني وأصحابي هجوع
وهو لعمرو بن معد يكرب، وقد تقدم البيت.
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٩٣، "لسان العرب" ١/ ٢٣٠ (بدع).
(٣) في "معاني القرآن": يعني أنشأهما.
(٤) في "معاني القرآن" للزجاج: السنة والإجماع.
(٥) في "معاني القرآن" للزجاج: لأنه يأتي في دين الإسلام.
(٦) في "معاني القرآن" للزجاج: بما لم يسبقه إليه الصحابة والتابعون.
(٧) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩ وقد نقله بحروفه من "تهذيب اللغة" ١/ ٢٩٣ ولذلك اختلفت العبارات مادة (بدع).
(٨) في "تهذيب اللغة": وهو صفة من صفات الله.
وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ أي: قدره وأراد خلقه (٢).
قال أبو إسحاق في قوله: ﴿وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ [الأنعام: ٨]: قضى في اللغة على وجوه، كلها يرجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه، ومنه قول الله تعالى: ﴿قَضَى أَجَلًا﴾ [الأنعام: ٢]. معناه: ثم حتم بذلك (٣) وأتمه، ومنه: الأمر، وهو قوله: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾ [الإسراء: ٢٣]، معناه: أمر، إلا أنه أمرٌ قاطع حتم.
ومنه الإعلام، وهو قوله: ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ [الإسراء: ٤]، أي: أعلمناهم إعلامًا قاطعًا، ومنه: القضاء الفصل فى الحكم، وهو قوله: ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ [الشورى: ١٤] (٤) أي: قطع بينهم في الحكم، قال: ومن ذلك قضى فلان دينه، تأويله: أنه قطع ما لغريمه عليه، وأداه إليه، وقطع ما بينه وبينه. وكل ما أحكم فقد قُضِيَ.
تقول: قد قضيت هذا الثوب، وقد قضيت هذه الدار، إذا عملتها وأحكمت عملها، تقول: قد قضيت هذا الثوب، وقد قضيت هذه الدار، إذا عملتها وأحكمت عملها، وقال أبو ذؤيب (٥):
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤١.
(٣) في "معاني القرآن": بعد ذلك.
(٤) وردت الآية في نسخ "البسيط" كلها، وفي "معاني القرآن" للزجاج ناقصة هكذا، (ولولا أجل مسمى لقضي بينهم).
(٥) هو: خويلد بن خالد بن محرث أبو ذؤيب الهذيلي، تقدمت ترجمته.
أسلمت وجهي لمن أسلمت | له الأرض تحمل صخرًا ثقالا |
وأسلمت وجهي لمن أسلمت | له المزن تحمل عذبًا زلالا = |
وَعَلَيْهِمَا مَسْرُودَتَانِ قَضَاهما | داودُ أو صنعَ السوابغَ تُبّعُ (١) (٢) |
وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، القول هاهنا عند كثيرٍ من النحويين لا يكونُ المراد به النطق، قالوا: لأن المعدوم الذي ليس بكائن لا يخاطَبُ، وتأويله: إذا قضى أمرًا فإنما يكوِّنُه فيكونُ، والقولُ قد يَرِدُ ولا يرادُ به النطقُ والكلام، كما قال:
امتلأ الحوضُ وقال قَطْني (٣) (٤)
(٢) بتصرف يسير من "معاني القرآن" للزجاج ٢/ ٢٣٠.
(٣) عجز البيت:
مهلا رويدًا قد ملأت بطني
وهذا البيت لم يعرف قائله، والبيت في "تفسير الطبري" ١/ ٥١٠، و"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦، و"الأمالي الشجرية"١/ ٣١٣، و"المقاصد النحوية" ١/ ٣٦، و"الخصائص" ١/ ٢٣، ومعنى قطني: أي: حسبي. وروي: سلَّا رويدًا.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩.
يَقُلْنَ للرائد: أعشبت، انزل (٢)
والذبّانُ لا قولَ لها، وقال آخرون: إن ما قدّر الله وجوده وعلم فهو كالموجود (٣).
قال أبو بكر بن الأنباري: يحتمل أن تكون اللام في (له) لام أجْل، والتأويل: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ فإنما يقول من أجْل إرادته: كن، فيكون، كقوله: ﴿رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ﴾ [آل عمران: ١٩٣] أي: من أجله (٤)، وكقوله: ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: ٨]، معناه: إنه من أجل حبّ المال لبخيل. قال: ولا يعجبني أن يُلغى القول، ويبطل معناه؛ لأنا لا نجعل حرفًا من كتاب الله مُطَّرَحًا إذا وجدنا له من وجه من الوجوه معنى.
فإن قيل: كيف قال (كن) للشيء الذي يكونه، وذلك الشيء لا يكون نفسه حتى يقال له: كن؟ قلنا: على مذهب النحويين هذا لا يلزم؛ لأن التقدير عندهم فإنما يكوِّنه فيكون، ولفظ الأمر هاهنا المراد منه الخبر، ونذكره فيما بعد. وأما من جعل هذا أمرًا حقيقيًّا فإنه يقول هذا من الأمر الحتم الذي لا انفكاكَ للمأمور منه، ولا قدرة له على دفعه والانصراف
(٢) سبق تخريجه تحت الآية رقم ٩٣.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩ ففيه: قال بعض أهل اللغة (إنما يقول له كن فيكون) يقول له وإن لم يكن حاضرًا (كن)، لأن ما هو معلوم عنده بمنزلة الحاضر، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٦٤.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩.
وقوله تعالى: ﴿فَيَكُونُ﴾ قال الفراء (٢): والكسائي (٣) وأبو إسحاق (٤): رفعه من وجهين: أحدهما: العطف على (يقول)، ومثله ﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ﴾ (٥) [إبراهيم: ٤٤].
الثاني: أن يكون رفعه على الاستئناف، المعنى: فهو يكون؛ لأنَّ الكلامَ تمَّ عند قوله: (كن) ثم قال: فسيكون (٦) ما أراد الله. قال الفرَّاءُ: وإنه لأحبُّ الوجهين إلي (٧)، وقرأ ابن عامر وحده (فيكونَ) بنصب النون (٨).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٤.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩.
(٥) وهذا الذي اختاره الطبري في "تفسيره" ١/ ٥١١.
(٦) في (م): (فيكون).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٥.
(٨) ينظر كتاب: "السبعة" ١٦٨، "الحجة" ٢/ ٢٠٣.
فأمَّا مَنِ احتج له فإنه يقول: اللفظ لما كان على لفظ الأمر وإن لم
(٢) في (ش): (فكون).
(٣) في الأصل: زيد، والمثبت من "الحجة".
(٤) في (م): (وإذا).
(٥) في (ش): (لأنه).
(٦) من قوله: معناه.. ساقطة من (ش).
١١٨ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس: هم اليهود، قالوا لمحمد - ﷺ -: لا نؤمن لك حتى يكلّمنا الله أنك رسوله، أو حتى تأتينا بمثل الآيات التي أتت بها الرسل (٤). وقال مجاهد: هم النصارى (٥).
(٢) في (ش): (على ما يقول).
(٣) إلى هنا انتهى كلام أبي علي الفارسي ١/ ٢٠٨ بتصرف واختصار.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥١٢، ابن أبي حاتم ١/ ٢١٥ وذكره الثعلبي ١/ ١١٤٢، وذكره ابن هشام في "السيرة النبوية" عن ابن إسحاق ٢/ ١٧٦، وينظر: "تفسير السمعاني" ٢/ ٣٣، "زاد المسير" ١/ ١٣٧، "تفسير القرطبي" ٢/ ٨٣.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥١٢، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٥، وهو في "تفسير مجاهد" ص ٨٦، وهذا الذي رجحه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥١٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٢ لدلالة سياق الآيات.
وقوله تعالى: ﴿لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ﴾ قال أبو عبيدة (٣) والزجاج (٤): معنى لولا: هلّا، وأنشد أبو عبيدة:
تعدُّونَ عَقْرَ النِّيب أفضلَ مجدِكم | بني ضَوْطَرَى، لولا الكَمِيَّ المُقَنَّعَا (٥) |
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥١، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٥١، والثعلبي ١/ ١١٤٢.
(٣) ينظر: "مجاز القرآن" ١/ ٥٢.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" ١/ ١٩٩.
(٥) البيت "لجرير" في ديوانه ص٢٦٥، "النقائض" ص ٨٣٣، "مجاز القرآن" ١/ ١٩٩، "تفسير الطبري" ١/ ٥١٣، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٢١٠. وقد عزاه هؤلاء الثلاثة لأشهب بن رُميلة. ورواية الديوان والنقائض: أفضل سعيكم. وقوله: عقر النيب: يقال عقر الناقة أو الفرس: أي ضرب قوائمها فقطعها، والنيب: جمع ناب، وهي الناقة المسنة، سميت بذلك لطول نابها، وقوله: بني ظوطري: يعني: يابني الحمقى، وقيل: إنه نبز لرجلٍ من بني مشجاع بن دارم. والكمي: الشجاع الذي لا يرهب، فلا يحيد عن قرنه، كان عليه سلاح أو لم يكن. وكان العرب يعقرون البعير قبل نحره لئلا يشرد، وكانوا يتكارمون بالمعاقرة، وهي أن يعقر هذا ناقة فيعقر الآخر، يتباريان في الجود حتى يغلب أحدهما. ينظر حاشية "تفسير الطبري" ١/ ٥١٣.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٥٢ - ٥٣.
قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ أراد: كفار الأمم الخالية. قال الزجاج: أعْلَمَ اللهُ أنَّ كفرَهم في التعنُّتِ بطلب الآيات على اقتراحهم، كَكُفْر الذين من قبلهم في قولهم لموسى: ﴿أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] وما أشبهه، وفي هذا تعزية للنبي - ﷺ - (٢).
وقوله تعالى: ﴿تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: أشبه بعضُها بعضًا في الكفرِ والقسوةِ ومسألةِ المُحال (٣) كقوله: ﴿يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ﴾ [التوبة: ٣٠].
وقوله تعالى: ﴿قَدْ بَيَّنَّا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ يريد: أن من أيقن وطلبَ الحقّ فقد أتته الآيات البينات، نحو: المسلمين ومن لم يعاند من علماء اليهود؛ لأن القرآن برهانٌ شافٍ (٤).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٩٩.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤٣.
(٤) نقلًا عن "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٠.
وأصل الحق ما ذكرنا من أنه الصدق الواجب، ثم يسمى كلُّ ثابت موجود غير باطل: حقًا، كالذي ذكره ابن الأعرابي. والحقُّ من أسماء الله تعالى قال الله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٧١]، والحقُّ: العدل في قوله. ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ﴾ [الأعراف: ٨٩]، والحق: الدَّين في قوله: ﴿وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ (٥) [البقرة: ٢٨٢].
فأما تفسير الحق في هذه الآية، فقال ابن عباس: الحق: القرآن (٦)، كقوله: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ﴾ [ق: ٥]، (٧)، وقال ابن كيسان: الحق
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٧٧
(٣) نقله عن شمر كما في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٧٦
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٠.
(٥) ينظر: "المفردات" للراغب الأصفهاني ص ١٣٢، "اللسان" ٢/ ٩٤٠ (حق).
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٣، والواحدي في "الوسيط" ١/ ١٩٨، البغوي ١/ ١٤٢، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٣٧.
(٧) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤٣.
والباء في (بالحق) بمعنى مع، أي: مع الحق (٣). وقوله: ﴿وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ﴾ [المائدة: ٦٢]، وإذا (٤) كان كذلك كان في موضع النصب بالحال (٥)، كقوله: ﴿بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾ (٦) البشير: فعيلٌ بمعنى فاعل من بشَر يبشُرُ بشَرًا بمعنى بشّر (٧)، ونذكر ذلك عند قوله: ﴿أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ [آل عمران: ٣٩]. والنذير: بمعنى المنذر، وكان الأصل: نَذَرَ، إلا أن فعل الثلاثي أميت، ومثله: السميع: بمعنى المسمع، والبديع بمعنى المبدع، وتقول: أنذرتُه فَنَذِر، أي: أعلمتُه فعلِمَ وتحرّز (٨).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ سأل فِعْلٌ يتعدّى إلى مفعولين، أنشد أحمد بن يحيى (٩):
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤٣.
(٣) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٦٧.
(٤) في (ش): (فإذا).
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٦٧ وذكر أنه حال من الكاف، ويحتمل أن يكون حالا من الحق؛ لأن ما جاء به من الحق يتصف أيضًا بالبشارة والنذارة، والأظهر الأول.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٠، "إعراب القرآن" ١/ ٢٠٩.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٣٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٦٧.
(٨) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٤٦، "اللسان " ٧/ ٤٣٩٠.
(٩) في "الحجة" ذكر هذا البيت ثم قال: وأنشد أحمد بن يحيى:
سألت عَمْرًا بعد بكير خُفًّا | والدلْو قد تُسْمَعُ كي تَخِفّا |
سألناها الشِّفَاءَ فما شَفَتْنَا | ومَنَّتْنَا المواعدَ والخِلابا (١) |
وسائلةٍ بثعلبةَ بْنِ بكر | وقد أودَتْ بثعلبةَ العَلُوقُ (٢) |
وإذا تعدى إلى مفعولين فالمفعول الثاني يكون على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يكون الفعل واقعًا عليه من غير حرف ظاهر ولا مضمر، وذلك نحو قوله:
سألتُ زيدًا بعد بكر خُفًّا (٣)
(٢) البيت للمفضل النكري، في "الأصمعيات" ص ٢٠٣، و"المنصفات" ص ٢٥، و"الخصائص" ٢/ ٤٣٧، "الحجة" ٢/ ٢١٠، "لسان العرب" ٤/ ٢١٧٠، (مادة: سير)، ٥/ ٣٠٧٤، (مادة: علق)، "المعجم المفصل" ٥/ ١٨٢ وروايته في بعض المصادر: (سير) بدل: بكر، و (علقت) بدل: أودت، وهذا البيت من قصيدة الشاعر المنصفة، يذكر أن ثعلبة بن سيار كان في أسره، وهو الذي ذكره في البيت: ثعلبة بن سير، ضرورة لإقامة الوزن. والعلوق: المنية.
(٣) البيت من الرجز لم ينسب لقائل، وبعده:
والدلَو قد تُسْمَعُ كي تَخِفّا
ذكره في "الحجة" ٢/ ٢١٠ مرة قال: عمرًا، ومرة قال: زيدًا. "اللسان" (مادة: خفف).
الثاني: أن يتعدّى الفعلُ إليه بإضمارِ حرف، وذلك قوله (٢): ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠]. معناه: ولا يسأل حميمٌ عن حميمٍ، ويكون بمنزلة: اخترت الرجال زيدًا، ويجوز إظهارُ الحرف، فيكوَن كقوله: ﴿وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ﴾ [الأعراف: ١٦٣].
والثالث: أن يقع موقعَ المفعول الثاني استفهام، كقوله: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ [البقرة: ٢١١]. وقوله: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾ [الزخرف: ٤٥] (٣).
وفي (سألت) لغتان: تحقيق الهمزة وهي الفاشية الكثيرة، وسِلْتُ أَسَال لغةٌ، وعليها جاء قول الشاعر:
سَالَتْ هذيلُ رسولَ الله فاحشةً... ضلَّت هذيلُ بما قالت ولم تُصِبِ (٤)
وحمل سيبويه (٥) (سالت) على قلب الهمزة ألفًا للضرورة، كما قال:
راحَتْ بمسلمةَ البغالُ (٦) عَشِيَّةً... فارعَيْ فَزارةُ لا هَنَاكِ المَرْتَعْ (٧)
(٢) من قوله: سألت زيدًا بعد بكر... ساقط من (ش).
(٣) ما تقدم منقول من "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٢٠٩ - ٢١١.
(٤) البيت لحسان بن ثابت هجو هذيلاً، في ملحق ديوانه ص ٣٤، "السيرة النبوية" لابن هشام ٣/ ١٧٦، "الكتاب" لسيبويه ٢/ ١٣٠ "المقتضب" للمبرد ١/ ١٦٧، "الحجة" ٢/ ٢١٨ "المعجم المفصل" ١/ ٤٢٥.
(٥) "الكتاب" ٣/ ٤٦٨، ٥٥٥. ونقل ذلك عنه أبو علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٢١٨.
(٦) في (ش): (النعال).
(٧) البيت للفرزدق، في "ديوانه" ١/ ٤٠٨، "الكتاب" ٣/ ٥٥٤، "الحجة" ٢/ ٢١٨، "المعجم المفصل" ٤/ ٢٦٧.
والوجه الثاني: أن يكون منقطعًا من الأول، مُستأنفًا به، يُراد: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم، ويقوي هذا الوجهَ قراءة عبد الله: ولن تسألَ، وقراءة أُبي: وما تُسأل (٤)، فلن، وما يشهدان للاستئناف (٥). ومعنى الآية ما قال مقاتل: وهو أن النبي - ﷺ - قال: لو أن الله أنزل بأسه باليهود لآمنوا، فأنزل الله عز وجل ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ (٦). أي: لست بمسؤولٍ عنهم، وليس عليك من شأنهم عُهدة ولا تبعة، فلا تحزن عليهم، كما قال:
(٢) "الحجة" ٢/ ٢١٦.
(٣) ساقط من (ش) من قوله: (في اللفظ).
(٤) القراءتان في "الحجة" لابن زنجلة ص ١١٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤٦، و"مختصر في شواذ القرآن" لابن خالوية ص ١٦، و"الكاشف" ١/ ١٨٢، وتفسير ابن عطية ١/ ٤٦٨.
(٥) إلى هنا انتهى كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢١٦.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٥، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١١٩، و"القرطبي" ٢/ ٨٣ ونقله ابن حجر في "العجاب" ١/ ٣٦٨ عن الواحدي، ثم قال: لم أر هذا في "تفسير مقاتل بن سليمان"، فينظر في "تفسير مقاتل بن حيان" ا. هـ. وهذا مرسل لا يحتج به.
وقرأ نافعٌ وحدَه (ولا تَسْألْ) بفتح التاء وجزم اللام، وله وجهان: أحدهما: أن يكونَ هذا نهيًا للنبي - ﷺ - على ما روي عن ابن عباس، أنه قال: سأل رسول الله - ﷺ - جبريل عن قبر أبيه وقبرِ أمِّهِ، فدلَّه عليهما، فذهب إلى القبرين ودعا لهما، وتمنىَّ أن يعرف حالَ أبويه في الآخرة فنزلت قوله: ﴿وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ﴾ (٢).
وقال القرظي: قال رسول الله - ﷺ - ذات يوم: "ليت شعري ما فعل أبواي"، فأنزل الله هذه الآية، فما ذكرهما حتى توفاه الله (٣). قال ابن
(٢) ذكره أبو علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٢١٦، وقال: وهذا إن ثبت معنى صحيح، ويذكر أن في إسناد الحديث شيئا وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٤ والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣ من طريق عطاء عن ابن عباس. وقال ابن حجر في "العجاب" ١/ ٣٦٩: وأما قول ابن عباس فنسبه الثعلبي في "تفسيره" لرواية عطاء عنه، وهي من تفسير عبد الغني بن سعيد الواهي، وقد أخرجه الطبري من مرسل محمد بن كعب القرظي، وعليه اقتصر الماوردي وابن ظفر وغيرهما، وأستبعد الرازي صحة هذا السبب، قال لأنه - ﷺ - يعلم من مات كافرًا. انتهى. وفي سنده موسى بن عبيدة وهو ضعيف.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٥٩، الطبري ١/ ٥١٦ وأشار إلى ضعفه في ١/ ٥١٦، ابن أبي حاتم ١/ ٢١٧ من طريق موسى بن عبيدة الربذي عن محمد بن كعب، وذكره السيوطي في "الدر" ١/ ٢٠٩، وزاد نسبته إلى وكيع، وسفيان بن عيينه، وعبد بن حميد، وابن المنذر. قال السيوطي: هذا مرسل ضعيف الإسناد، وقال أحمد شاكر بعد أن أورده الطبري من طريقين عن موسى بن عبيدة: هما حديثان مرسلان، فإن محمد بن كعب بن سليم القرظي، تابعي، والمرسل لا تقوم به حجة، ثم هما إسنادان ضعيفان أيضًا بضعف راويهما موسى بن عبيدة بن نشيط الربذي... وقد أخرجه الطبري أيضًا ٢/ ٥٥٩ عن داود بن أبي عاصم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- =
قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون النهي لفظًا، ويكون المعنى على تفخيم ما أَعَدَّ لهم من العقاب، كما تقولُ (٢): لا تسأل عما فيه فلان من البلاء، إذا عظمته وبالغت في وصفه (٣). وعلى هذا يكون الظاهر نهيًا وتأويله تأويل التعجيب والتعظيم (٤). واختار أبو عبيد القراءة الأولى قال: لأنه لو أراد النهي لكانت الفاء أحسن من الواو (٥).
وقال أبو علي: إنما تكون الفاء أحسن إذا كانت الرسالة بالبشارة والنِذارة علّةً لأن لا يسأل عن أصحاب الجحيم، كما يقول الرجل: قد حملتُك على فرس فلا تسألني غيره، فيكونُ حملُه على الفرس علّةً لئلا يَسْأل غيره، وليس البشارة والنذارة علةً لئلا يسأل (٦)، وإنما يجعل للقراءة الأولى مزية على الثانية؛ لأن الأولى خبر، والكلام الذي بعده وقبله خبر، فإذا كان أشكل بما قبله وبما بعده كان أولى من القراءة الثانية التي هي
(١) أخرجه الطبري ١١/ ٤٢ من طريق عطية العوفي وسنده مسلسل بالضعفاء.
(٢) في "معاني القرآن": كما يقول لك القائل الذي تعلم أنت أنه يجب أن يكون من تسأل عنه في حالة جميلة، أو حالة قبيحة، فتقول: لا تسأل عن فلان، أي: قد صار إلى أكثر مما تريد.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٠.
(٤) في "معاني القرآن" ١/ ٢٠٠.
(٥) نقله أبو علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٢١٧ دون نسبة.
(٦) "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٢١٧.
والجحيم عند العرب: النار المستحكمة المتلظية، يقال: جَحَمَتِ النارُ تَجْحَمُ، بفتح العين فيهما، جُحومًا فهي جاحم وجحيم، قال الله تعالى في قصة إبراهيم: ﴿فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ﴾ [الصافات: ٩٧]، أراد: النار الشديدة التأجج. ويقال لشده القتل في معركة الحرب: جاحم، تشبيهًا بالنار العظيمة، قال:
حتى إذا ذاق منها جاحِمًا بَردَا (٢)
والجَحْم والجَحْمَة: توقُّد النار (٣)، ومنه قوله:
نحن حَبسنا بني جَدِيلةَ في | نارٍ من الحرب جَحْمةِ الضَّرَمِ (٤) |
(٢) ذكره في "تهذيب اللغة" ١/ ٥٤٥، عن الليث، ولم ينسبه وكذا في "اللسان" ١/ ٥٥٣.
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٥٤٥، "المفردات" للراغب ص ٩٥، "اللسان" ١/ ٥٥٣.
(٤) ينظر: "ديوان الحماسة" ١/ ٤٦.
(٥) ساقطة من (م).
(٦) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٠٢، والسمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ١٥٤، الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٦، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣، وفي "الوسيط" ١/ ٢٠٠، البغوي ١/ ١٤٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٣٨، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٦٨.
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (حتى) تقع (٢) على الأسماء وعلى الأفعال، وهي لوضعِ غاية أسمية أو فعلية. أما الأسمية: فمثل قولك: لقيتُ القوم حتى عبدَ الله، ومررت بالقومِ حتى عبدِ الله. وأمَّا الفعليةُ: فمثلُ قولك: اصبِرْ حتى أخرُجَ إليك. و (حتى) قد تقوم مقام (إلى) وتؤدي مثلَ معناها في بعض المواضع، ويفترقان في كثير منها، أما الموضع الذي يتفقان فيه، فمثلُ قولك: أقمْنا عندَه إلى الليلِ، وحتى الليل. وأما موضعُ افتراقهما، فمثل قولك: لقيتُ القوم حتى زيدًا، فإنه لا يجوز في هذا الموضع: لقيت القوم إلى زيد. وأما قولهُم: أكلت السمكةَ حتى رأسَها، ورأسُها، ورأسِها. فإذا كسرت لم يدخل الرأس في الكل، لأنَّ الأكلَ انتهى إليه، وهو بمعنى إلى. وفي النصب والرفع الرأسُ مأكولٌ؛ لأن (حتى) أتبع الرأسَ السمكة في النصب. وفي الرفع كان (حتى) بمعنى الواو، ورأسُها ابتداء، والخبر مضمرٌ فيه.
وأما نصبها للفعل فقال الخليل (٣) وسيبويه (٤): الناصبُ للفعل بعد حتى (أن)، إلا أنها لا تظهر مع حتى، والدليل على أن (حتى) غير ناصِبَة بنفسها: أنَّها خافضةٌ بالإجماع، كقوله ﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: ٥]، ولا يُعرَف (٥) في العربية ما يعمل في اسم يعمل في فعلٍ، ولا ما يكون خافضًا
(٢) في (أ)، (م): يقع.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠١.
(٤) "الكتاب" ٣/ ٧.
(٥) في (ش): (تعرف).
وقوله تعالى: ﴿مِلَّتَهُم﴾ قال ابن عباس: دينهم (٢).
وكذلك قال أهل اللغة، قالوا: وإنما سُمَيَ الدينُ ملّةً؛ لأنه يُمَلُّ، أي: يُملَى على المدعوِّ إليه، وأملّ وأملَى بمعنى واحد (٣)، لكن الملة بنيت (٤) على الأصل، وهو الثلاثي. وقيل: الملّة فِعْلةٌ من مَلَّه يمُلّه، إذا ألقاه في الرماد الحار، جُعِلَتْ اسمًا للدين؛ لما فيه من مشاق تخرج عن قضية (٥) الهوى ورسم النفس، ويُقْلِق ويُحرقُ (٦) (٧). والزجاج ذكر فيها وجهًا آخر، وهو أنه قال: الملّة بمعنى السنّة والطريقة قال: ومن هذا سُمّيت المَلَّة؛ لأنها تؤثر (في مكانها كما يؤثر) (٨) في الطريق بالسلوك فيه (٩)، فجعل المَلَّة
(٢) أخرجه الثعلبي في "تفسيره" كما في "الدر المنثور" ١/ ٢٠٩.
(٣) زيادة من (م).
(٤) في (ش) كأنها: (ثنيت).
(٥) في (ش): (قصة).
(٦) في (ش): (تعلق وتحرق).
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤٧، "اللسان" ٧/ ٤٢٧١.
(٨) ساقط من (ش).
(٩) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٢ وعبارته: ومن هذه المَلَّة، أي: الموضع الذي =
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى﴾ قال ابن عباس: يريد أن الذي أنت عليه هو دين الله الذي رضيه (١). وقال الزجاج: أي: الصراط الذي دعا إليه وهدى إليه هو طريق الحق (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ إنما جمعَ الهوى؛ لأنَّ جميع الفرق ممن يخالفُ النبي - ﷺ - لم يكن لِيُرضيَهم منه إلا اتباعُ هواهم (٣). وأراد بهذا: ما يدعونه إليه من المهادنة والإمهال.
وقوله تعالى: ﴿بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ دين الله هو الإسلام (٤)، وقيل: من العلم أنهم على الضلالة. وروي عن ابن عباس في هذه الآية قولان:
أحدهما: أنه قال: الآية نزلت في تحويل القبلة، وذلك أن اليهود والنصارى كانوا يرجُون أن يرجع محمد إلى دينهم، فلمَّا صرفَ اللهُ القبلة إلى الكعبة شَقَّ ذلك عليهم، وأَيِسُوا منه أن يوافقَهم على دينهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (٥). يعني:
(١) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢٠٠، وهذا لعله من رواية عطاء.
(٢) و (٣) "معاني القرآن" ١/ ٢٠٢.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٤٧.
(٥) ذكره الثعلبي ١/ ١١٤٦ والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣، والبغوي ١/ ١٤٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٣٨، وابن حجر في "العجاب" ١/ ٣٧٣، والسيوطي في "لباب النقول" ص ٢٥، وعزاه في "الدر" ١/ ٢٠٩ للثعلبي.
والقول الثاني: إن المراد بقوله ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أمةُ محمد - ﷺ -، وأما محمد فقد عصمته. وإياكم أخاطب وأنهى وأؤدب، فقد علمتم أن محمدًا قد جاءكم بالحق والصدق، فلا تتبعوا أهواء الكافرين، فلا يكونَ لكم من دوني ولي ولا نصير، فالخطاب لرسول الله - ﷺ - والمراد منه أمته (١).
١٢١ - ثم ذكر أن من كان منهم غير متعنّت ولا حاسد ولا طالب رئاسة تلا التوراة كما أنزلت، فرأى فيها أن النبي - ﷺ - حق فآمن به. فقال: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ قال ابن عباس: نزلت في الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب (٢) من أهل الحبشة، وكانوا من أهل الكتاب، آمنوا بالنبي - ﷺ - (٣).
ومعنى قوله: ﴿يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ﴾ قال ابنُ مسعود: يُحِلِّون حلالَه،
(٢) جعفر بن أبي طالب، ابن عم رسول الله - ﷺ -، وأخو علي بن أبي طالب لأبويه وهو الملقب بالطيار، وكان أشبه الناس بالنبي - ﷺ - خلقًا وخُلُقًا، هاجر الهجرتين، وعينه النبي صلى الله عليه خلفًا لزيد بن حارثة في مؤته واستشهد فيها سنة ٨هـ. ينظر: "الاستيعاب" ١/ ٣١٢، "أسد الغابة" ١/ ٣٤١.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٧، ونقله الواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣ وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٦٧ من رواية عطاء والكلبي: نزلت في أصحاب السفينة الذين أقبلوا مع جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة، كانوا أربعين رجلًا من الحبشة وأهل الشام. وقال ابن حجر في "العجاب" ١/ ٣٧٤ تعقيبًا: ذكر بأبسط منه الثعلبي في "تفسيره" وقد ذكره الحيري في "الكفاية" ص ٧٠، والسمعاني في "تفسيره" ٢/ ٣٨، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٤٤، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٦٩.
وقال الحسن: يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهِه، ويَكِلُونَ علمَ ما أشكلَ عليهم إلى عالمه (٢).
وقال مجاهد: يتبعونه حق اتباعه (٣)، وقال الضحاك: نزلت في مؤمني اليهود: عبد الله بن سلام وأصحابه (٤)، وقال قتادة (٥) وعكرمة (٦): نزلت في أصحاب النبي - ﷺ -، و (الكتاب) على هذا: القرآن. ﴿أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بمحمد أو بالكتاب.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٢٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٨، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٥٠، وعزاه في "الدر" ١/ ٢١٠ إلى وكيع. وينظر: "تفسير الحسن البصري" ٢/ ٧٩.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٢٠، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢١٨، والثعلبي ١/ ١١٥٠.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٨، ولفظه: هم من آمن من اليهود: عبد الله بن سلام، وشعبة بن عكرو وتمام بن يهوذا، وأسيد وأسد ابنا كعب وابن يامين وعبد الله بن صوريا وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣ مختصرًا وفي "الوسيط" ١/ ٢٠٠، البغوي في "تفسيره" ١/ ١٤٤، وفي "البحر المحيط" ١/ ٣٦٩، وينظر: "العجاب" ١/ ٣٧٤.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥١٨، وذكره الثعلبي ١/ ١١٤٨، وعزاه في "الدر" ١/ ٢١٠ لعبد بن حميد.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٤٨، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٣.
١٢٤ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ﴾ الآية، الابتلاء: الاختبار والامتحان، وابتلاء الله تعالى يعود إلى إعلامه عباده لا إلى استعلامه؛ لأنه يعلم ما يكون، فلا يحتاج إلى ابتلاءٍ ليَعْلَم (٤).
وقوله تعالى: ﴿بِكَلِمَاتٍ﴾ الكلبي، عن أبي صالح (٥)، عن ابن عباس، قال: الكلمات التي ابتلى الله عز وجل إبراهيمَ بها عشر خصال من السُّنة: خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فاللاتي في الرأس: المضمضة والاستنشاق والفرق والسواك وقص الشارب، والتي في الجسد: تقليم الأظفار وحلق العانة والختان والاستنجاء ونتف الرفغين (٦).
(٢) في (ش): (ولا تنفعها).
(٣) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ١٢٨.
(٤) ينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٥٤، "تفسير الطبري" ١/ ٥٢٤، "المفردات" للراغب ص ٧١ - ٧٢، "تفسير البغوي" ١/ ١٤٥.
(٥) هو: باذان، ويقال: باذام، أبو صالح مولى أم هانىء، تقدمت ترجمته.
(٦) هذا الإسناد ضعيف لا تقوم به حجة، لكن ورد هذا عن ابن عباس بإسناد صحيح عند عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٥٧ عن معمر عن ابن طاوس، عن ابن عباس، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٢٤، ابن أبي حاتم =
وقال ابن عباس في رواية عطاء: أوحى الله إلى إبراهيم: يا خليلي، تطهّرْ، فتمضمض، فأوحى الله إليه أن تطهرْ، فاستنشقَ، فأوحى إليه أن تطهر، فاستاك، فأوحى إليه أن تطهر، فأخذ شاربه، فأوحى (٢) إليه أن تطهر، فَفَرَقَ شعره، فأوحى إليه أن تطهر، فاستنجى، فأوحى إليه أن تطهرَ، فحلق عانته، فأوحى إليه أن تطهر، فنتف إبطيه، فأوحى إليه أن تطهر، فقلم أظفاره، فأوحى إليه أن تطهر، فأقبل بوجهه على جسده ينظر ماذا يصنع فاختتن بعد عشرين ومائة سنة (٣).
وقال بعض المتأولين: المراد بالكلمات في هذه الآية: انقياده لأشياء امتحن بها، وأخذت عليه، منها: الكوكب والشمس والقمر والهجرة والختان وعزمه على ذبح ابنه (٤) (٥)، والمعنى: وإذ ابتلى إبراهيم ربه بإقامة
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٤، وقال ابن أبي حاتم ١/ ٢١٩: روي عن أبي صالح وأبي الجلد ومجاهد وسعيد بن المسيب والنخعي والشعبي نحو ذلك.
(٢) في (ش): (فأوحى الله).
(٣) هو بمعنى ما سبق، ولكن فيه تفصيل.
(٤) أورد هذا المعنى عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٧٥، الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٢٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٢١ (١١٧٠)، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٥٥ كلهم عن الحسن.
(٥) ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٢٧ - ٥٢٨ الأقوال في المسألة ثم بين أن الصواب:=
وقوله تعالى: ﴿فَأَتَمَّهُنَّ﴾ معناه: أدَّاهُنَّ تامّاتٍ غيَر ناقصات (٣)، وقيل: إنه مِنْ فعلِ الله تعالى، أي: قضاها الله له (٤).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾. قال ابن عباس: أوحى الله إليه إني جاعلك للناس إمامًا يقتدي بك الصالحون من بعدك (٥).
(١) في (ش): (النسخ والمنسوخ)، وفي (م): (النسخ للمنسوخ).
(٢) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٨٧، و"تفسير ابن كثير" ١/ ١٧٦.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٢٨، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٦٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٥٧.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٤.
(٥) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢٠٣ لعله من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في=
فقال إبراهيم: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أي: ومن أولادي أيضًا فاجعل أئمةً يُقْتدَى بهم (٤). فأمَا تفسيرُ الذرية، فقال الليث: الذر: عدد الذرية،
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٥.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٥، وينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٦ (مادة: أمَ).
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٦، و"المفردات" للراغب الأصفهاني ص ٣٣ - ٣٤.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٥٧.
وتكون (٥) الذرية واحدًا وجمعًا، فممَّا جاء فيه ذرية يراد به الواحدِ قوله: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً﴾ [آل عمران: ٣٨]، فهذا مثل قوله: ﴿فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا﴾ [مريم: ٥]. ألا ترى أنه قال: ﴿فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى﴾ [آل عمران: ٣٩]. ومما جاء فيه جمعًا قوله: ﴿وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٧٣]، وهو كثير.
وأما أصل الذُّرِّيةِ ومأخذُها، فقال أبو إسحاق النحوي: فيها قولان: قال بعضهم: هي فُعْليَّةٌ، من الذَرَ؛ لأنَ الله تعالى أخرجَ الخلق من صُلْبِ آدم كالذَّرِّ، حين أشهَدَهُم على أنفسِهم (٦).
(٢) في (ش): (تمنى).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٧٤ (مادة: ذرأ).
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٧٤ (مادة: ذرأ).
(٥) في (ش): (ويكون).
(٦) لم يذكر أبو إسحاق شيئا من ذلك في هذه الآية، لكنه أشار إلى العلة في آية الأعراف: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾. فقال في "معاني القرآن" ٢/ ٣٩٠: قال بعضهم: خلق الله الناس كالذر من صلب آدم وأشهدهم على توحيده.
وزاد ابن الأنباري الوجهين (٥) اللذين ذكرهما أبو إسحاق بيانًا فقال: الذرية مأخوذةٌ من ذرأَ الله الخلق، ويكون أصلها ذُرُّوؤه، تُرِكَ هَمْزُها، وأبدل من الهمز ياءً، فلمَّا اجتمعت الياء والواو والسابقُ ساكنٌ أُبدلَ من الواو ياءً، وأُدغمت في الياء التي بعدَها، وكُسِرَ الراء لتصِحَّ الياء.
قال: ويجوزُ أن تكون (٦) منسوبة إلى الذر بالتشبيه في كثرة التوالد، وضم الذال لأن النسبة قد يغير فيها الحرف، كما قالوا: دُهريٌّ بضم الدال (٧)، وقالوا: بُصري للمنسوب إلى البصرة.
وقال الخليل: الذرية فُعْليّة، من ذَرَرْت؛ لأن الله تعالى ذَرَّهم في الأرض، أي: نشرهم.
قال أبو على الفارسي: أمَّا مثالُ ذرية من الفعل، فيجوزُ أن يكون
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٧٧، وعنه في "اللسان" ٣/ ١٤٩١ (مادة: ذرأ).
(٣) في (أ) و (م): (واختيار).
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٧٧.
(٥) المثبتمن (ش)، وفي غيرها: (للوجهين).
(٦) في (أ)، (م): (يكون).
(٧) الدهري، بضم الدال وفتحها، الذي يقول ببقاء الدهر "القاموس" ص ٣٩٥.
وقوله تعالى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أعلم الله إبراهيم أن في ذريته الظالم (٣). قال ابن عباس: يريد من كان من ولدك ظالمًا لم ينل عهدي (٤). يريد: ليس بإمام ولا كرامة (٥).
واختلفوا في معنى العهد هاهنا، فقال أبو عبيد: العهد هاهنا: الأمان، أي: لا ينال أماني الظالمين (٦)، يقول: لا أؤمنهم عذابي، وقال
(٢) ينظر: تفصيل ذرية وما فيها من اشتقاق وتصريف في: "البحر المحيط" ١/ ٣٧٢ - ٣٧٣، "اللسان" ٣/ ١٤٩٤ (ذر)، ٣/ ١٤٩١ (ذرأ).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٥.
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٢٢ بمعناه.
(٥) تفسير العهد بالإمامة قال به: ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير، وبه قال كثيرون، ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٣٠، و"تفسير السمعاني" ٢/ ٤٥، "تفسير ابن عطية" ١/ ٤٧٧، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٤٠، و"تفسير القرطبي" ٢/ ٩٨.
(٦) "غريب الحديث" ١/ ٤٤٠، وذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٠ في نسخةٍ، وفي النسخة: أبو عبيدة، وليس في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة، ونسبه الرازي في "تفسيره" ٤/ ٤٥ إلى أبي عبيد، وقد أخرجه الطبري ١/ ٥٣٠ عن قتادة.
وقال الفراء: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ أي: لا يكون للناس إمام مشرك (٢). وقال عبد الله بن مسلم (٣): العهد هاهنا: الميثاق، يقول: لا ينال ما وعدتك من الإمامة الظالمين من ذريتك، والوعد من الله عز وجل ميثاق (٤). وهذه الأقوال متقاربة.
١٢٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا﴾ هذه الآية تنعطف على ما تقدمها من الآيات التي ذكر فيها (٥) (إذ)، ويريد بالبيت الكعبة التي هي القبلة اليوم، ولذلك ذكره بالألف واللام (٦).
قوله تعالى: ﴿مَثَابَةً لِلنَّاسِ﴾ المثاب والمثابة مصدران لقولهم: ثاب يثوب مثابًا ومثابة وثؤوبا وثَوَبانا، ذكر ذلك الفراء في كتاب "المصادر". فالمثابة هاهنا: مصدر وُصِف به، ويراد به الموضعُ الذي يُثاب إليه (٧)، كما يقال: درهمٌ ضربُ الأمير، والمصدر قد يوصف به كثيرًا، قال زهيرٌ:
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٧٦.
(٣) يريد ابن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة ٢٧٦ هـ
(٤) "تأويل مشكل القرآن" ص ٦٢، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٤١.
(٥) قوله: (التي ذكر فيها) ساقطة من (ش).
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٣٢.
(٧) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٦، الطبري ١/ ٥٣٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٥ - ٢٠٦ انظر البحث في مثابة في: "اللسان" ١/ ٥١٨ (ثوب).
مَتَى يَشْتَجِرْ قَوْمٌ يَقُلْ سَرَوَاتُهُمْ | هُمُ بَيْنَنا فَهُمُ رضًا وَهُمُ عَدْلُ (١) |
سقى الله نجدًا من ربيعٍ وصيّفِ | وماذا تُرْجَى (٢) مِن ربيعٍ سَقَى نَجْدا |
بلى إنَّهُ قد كانَ للعيشِ مرةً | وللبيضِ والفتيانِ منزلةً حمدا (٣) |
وفيهم مقاماتٌ حِسَانٌ وجوهُها | وأنديةٌ ينتابُها القولُ والفِعْلُ (٥) |
(٢) ساقطة من (أ)، (م).
(٣) هما بلا نسبة في "المذكر والمؤنث" للأنباري ص ٢٤٦، "معجم البلدان" ٥/ ٢٦٣ (نجد). وينظر: "المعجم المفصل" ٢/ ٢٠٤.
(٤) ابن الأنباري.
(٥) البيت لزهير بن أبي سلمى، في "ديوانه" ص١١٣، "لسان العرب" ٦/ ٣٧٨٧ مادة (قوم)، "المعجم المفصل" ٦/ ٢٤٥.
(٦) في (ش): (لا تقضون).
وروي أيضًا عن ابن عباس أنه قال في تفسير المثابة: معادًا (٢)، وعلى هذا فقال أبو إسحاق: الأصل في مثابة مثْوَبةٌ، ولكنَّ حركة الواو نُقلت إلى الثاء، وتبعت الواو الحركة فانقلبت ألفًا. قال: وهذا إعلال إتباع، تبع مثابةٌ بابَ ثاب (٣)، وأصلُ ثاب ثَوَبَ، ولكنَّ الواوَ قُلِبَت ألفًا؛ لتحركها وانفتاحِ ما قبلها، لا اختلاف بين النحويين في ذلك. انتهى كلامه (٤). وُينشدُ على أن المثاب والمثابة واحد قول ورقة في صفة الحرم:
مَثَابًا لأَفْنَاءِ القبائلِ كُلِّها | تَخُبُّ إليها اليعملاتُ الطَّلائحُ |
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٠، البغوي في "تفسيره" ١/ ١٤٦، "البحر المحيط" ١/ ٣٨٠. ولفظهم: معاذًا وملجًا، بالذال، وليست بالدال. وقال الطبري ١/ ٥٣٢: وإذ جعلنا البيت مرجعا للناس ومعاذًا. وورد بالدال في "الوسيط" ١/ ٢٠٤.
(٣) في (ش): (وإعلال الألف اتباع تبع ألف مثابة ألف ثاب).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٦.
(٥) نسبه إلى ورقة الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٣٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٨٠، و"البداية والنهاية" ٢/ ٢٩٧. ورواية الطبري: مثابٌ، وذكره الشافعي في "الأم" (١/ ١٥٣ط. دار المعرفة) منسوبًا لورقة بن نوفل خلافًا لما ذكره الواحدي، لكنه قال: الذوامل بدل الطلائح وكذلك ذكره القرطبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠ وعدها أبو حيان رواية في البيت. وبمثل هذه الرواية ذكرها صاحب "اللسان" ٣/ ١٥١٦ منسوبًا لأبي طالب، وذكره في (مادة: ذمل) غير منسوب قال=
وقال الأخفشُ: الهاء في المثابة للمبالغة في كثرة من يثوب إليه، كقولهم: رجل علامة ونسابة (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَأَمْنًا﴾ أراد: مأمنا (٣)، وهو أيضًا مصدر وصف به، كما ذكرنا. قال ابن عباس: يريدُ: من دخله كان آمنًا، فمن أحدث حدثًا خارج الحرم ثم لجأ إليه أمن من أن يُهاجَ فيه. ولكن لا يُؤْذى (٤) ولا يخالط ولا يُبَايع، فإذا خرج منه أُقيم عليه الحدُّ، ومَنْ أحدثَ في الحرم أُقيمَ عليه الحد فيه (٥).
(١) في "تهذيب اللغة" ١/ ٤٦٣ (مادة: ثاب).
(٢) "معاني القرآن" ١/ ١٤٦.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٣٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٤٦.
(٤) في "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٦١: ولكن لا يُؤْوَي.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ١/ ١١٦١ والسمعاني٢/ ٤٧، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٤١ وينظر: "تفسير السمرقندي" ١/ ١٥٧، القرطبي ٢/ ١١١، الرازي ٤/ ٥٢ =
وعلى هذا فمعنى قوله: ﴿وَأَمْنًا﴾ الأولى أن يأمن فيه الجاني، فإن أخيف بإقامة الحد عليه جاز، فقد قال كثير من المفسرين: من شاء أمن، ومن شاء لم يؤمن، كما أنه لما جعله مثابة من شاء ثاب ومن شاء لم يثب، وقد كان قبل الإسلام يرى الرجلُ قاتلَ أبيه في الحرم فلا يتعرض له، وهذا شيء كانوا توارثوه من دين إسماعيل، فبقُوا عليه إلى أيام النبي - ﷺ -، فاليوم من أصاب فيه جريرةً أقيم عليه الحد بالإجماع (٥).
(١) ينظر: "شرح السير الكبير" للسرخسي ١/ ٣٦٦ (ط. الشركة الشرقية)، "كشف الأسرار" للبزدوي ١/ ٢٩٦، قال في "المغني" ٩/ ٩٠ (ط. دار احياء التراث العربي): وهذا قول ابن عباس، وعطاء، وعبيد بن عمير، والزهري ومجاهد وإسحاق والشعبي وأبي حنيفة وأصحابه. وأحمد بن حنبل في القتل وأما في غيره فعنه روايتان.
(٢) ينظر: "الأم" للشافعي ٤/ ٢٩٠، وبه قال مالك وابن المنذر كما في "المغني" ٩/ ٩٠.
(٣) ساقطة من (أ)، (م).
(٤) ذكره البخاري (١٠٤) كتاب العلم، باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، ومسلم (١٣٥٤) كتاب الحج، باب: تحريم مكة وصيده، قال ابن حجر: كلام ظاهره حق لكن أراد به الباطل، "الفتح" ١/ ١٩٩ وقال في "المغني" ٩/ ٩١: وما رووه من الحديث فهو من كلام عمرو بن سعيد الأشدق يرد به قول رسول - ﷺ - حين روى له أبو شريح هذا الحديث [يعني إن الله حرم مكة] وقول الرسول أحق أن يتبع.
(٥) ينظر الخلاف الفقهي فيه في: "تفسير الطبري" ٤/ ١١ - ١٥، "غرائب النيسابوري" ١/ ٣٩٤، "الوسيط" ١/ ٢٠٤.
وقوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ هذا معطوف على ما أضيف إليه إذ، كأنه: وإذ اتخذوا.
قال الزجاج: وهو عطف جملة، على جملة (٥).
وقال الفراء: أي: جعلناه مثابةً لهم فاتخذوه مُصلَّى. والفتح في الخاء على معنى الخبر، قراءة أهل المدينة والشام (٦). ويؤكده أنَّ الذي قبله والذي بعده خبر، وهو قوله ﴿جَعَلْنَا﴾ و ﴿وَعَهِدْنَا﴾.
ومن قرأ ﴿وَأتَّخِذُوا﴾ بالكسر على الأمر (٧) فحجته في ذلك: ما أخبرنا
(٢) ابن الأنباري.
(٣) ساقطة من (أ)، (ش).
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٨٠.
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٢٠٧.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ٧٧.
(٧) قرأ بفتح الخاء نافع وابن عمر، وبكسر الخاء على الأمر، قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي. ينظر: "السبعة" ص ١٦٩، "الحجة" ٢/ ٢٢٠، "المبسوط" لابن مهران ص ١٣٥، "التيسير" للداني ص ٦٥.
(٢) هو عبد الرحمن بن إبراهيم بن محمد بن يحيى، أبو الحسين بن أبي إسحاق المزكي، من فقهاء نيسابور، قال الخليلي: كان ثقة، وقال الحاكم: كان من الصالحين العباد، التاركين لما لا يغني، قراء القرآن، المكثرين من سماع الحديث توفي سنة ٣٩٧. ينظر: "تاريخ بغداد"١٠/ ٣٠٢، "السير" ١٦/ ٩٧.
(٣) هو أبو الفضل عبدوس بن الحسين بن منصور النَّصْراباذي، سمع محمد بن عبد الوهاب الفراء وطبقته، روي عنه أبو علي الحافظ، ويقال: إن اسم عبدوس: عبد القدوس، والله أعلم ينظر: "الأنساب" ٥/ ٤٩٢.
(٤) هو: محمد بن إدريس بن المنذر الحنظلي، أبو حاتم الرازي، تقدمت ترجمته.
(٥) هو محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك، أبو عبد الله البصري القاضي، ثقةٌ، توفي سنة (٢١٤) أو نحوها. انظر: "تهذيب الكمال" ٢٥/ ٥٣٩، "تقريب التهذيب" ص ٤٩٠ (٦٠٤٦)، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٦١٤.
(٦) هو: حميد بن أبي حميد الطويل، أبو عبيدة البصري، اختلف في اسم أبيه على نحو عشرة أقوال، ثقة مدلس، كثير التدليس عن أنس معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتاده، وقد وقع تصريحه عن انس بالسماع وبالتحديث في أحاديث كثيرة في البخاري وغيره مات وهو قائم يصلي سنة ١٤٢ هـ ينظر: "تهذيب الكمال" ٧/ ٣٥٥، "التهذيب" ١/ ٤٩٣.
(٧) أنس بن مالك بن النضر الأنصاري، الخزرجي، خادم رسول الله - ﷺ -، خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة ٩٢ وقيل: ٩٣ وقد جاوز المائة. ينظر: "الاستيعاب" ١/ ١٩٨، "أسد الغابة" ١/ ١٥١.
وهكذا قال ابن عباس في هذه، فقال في قوله: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾: وذلك أن عمر بن الخطاب قال: يا رسول الله، لو صليت بنا خلف المقام، فأنزل الله تعالى على ما قال عمر، ففعل رسول الله - ﷺ - (٢).
وعلى هذه القراءة يكون قوله: ﴿وَاتَّخِذُوا﴾ عطفا على المعنى لا على اللفظ؛ لأن قوله: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً﴾ معناه: ثوبوا إليه واتخذوا.
واختلف في مقام إبراهيم، فقال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: البيت (٣)، وقال النخعي (٤) (٥):
(٢) لعله من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها في المقدمة، والحديث رواه عدد كبير من الأئمة، وبعضهم أخرجه مختصرًا. وقد رواه الثعلبي بالإسناد نفسه ١/ ١١٦٣ بهذا اللفظ، وإسناده ورجاله ثقات عدا عبدوس فإنه لم يذكر بجرح أو تعديل، والحديث ثابت في البخاري (٤٤٨٤) كتاب التفسير: باب: قوله تعالى: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وغيره من طريق آخر عن حميد الطويل عن أنس به.
(٣) هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة.
(٤) هو إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود أبو عمران النخعي من أهل الكوفة، كان إماما مجتهدًا، له مذهب، صالح زاهد ثقة، إلا أنه يرسل كثيرًا ويدلس، توفي سنة ٩٧ هـ. ينظر: "الطبقات الكبرى" لابن سعد ٦/ ٢٧٠، "الأعلام" ١/ ٨٠.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٦٤، البغوي ١/ ١٤٦، القرطبي ٢/ ١٠٢، "البحر المحيط" ١/ ٣٨١، والآلوسي ١/ ٣٨٠.
وقال قتادة (٤) ومقاتل (٥) والسدي (٦) في هذه الآية: هو الصلاة عند مقام إبراهيم، أمروا بالصلاة عنده، ولم يؤمروا بمسحه ولا تقبيله، والمقام في اللغة: موضع القدمين حيث يقوم عليه (٧). وروى عبد الله بن عمر (٨) أن النبي - ﷺ - قال: "الركن والمقام ياقوتتان من ياقوت الجنة، طمس الله نورهما، ولولا أن طمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب" (٩).
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٤، والبغوي ١/ ١٤٦، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٨١.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٢٦.
(٤) أخرجه الطبري ١/ ٥٣٧، وذكره الثعلبي ١/ ١١٦٤.
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ١٣٧ - ١٣٨، وذكره الثعلبي ٣/ ١١٦٤.
(٦) أخرجه الطبري ١/ ٥٣٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٢٧.
(٧) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٨١.
(٨) هكذا في الأصل، والصواب: عبد الله بن عمرو كما في مصادر تخريج الحديث.
(٩) أخرجه الترمذي (٨٧٨) كتاب الحج، باب: ما جاء في فضل الحجر الأسود، والإمام أحمد في "المسند" ٢/ ٢١٣ - ٢١٤ ابن خزيمة ٤/ ٢١٩ برقم ٢٧٣٢ في المناسك، باب صفة الركن والمقام، والبيان انهما ياقوتتان من يواقيت الجنة، والحاكم ١/ ٤٥٦ البيهقي ٥/ ٧٥ وعبد الرزاق في "المصنف" ٥/ ٣٩، الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٧. قال الترمذي: هذا يُرْوى عن عبد الله بن عمرو، موقوفًا من قوله، وفيه عن أنس أيضا، وهو حديث غريب وقال ابن خزيمة: لست أعرف (رجاء) [يعني رجاء بن صبيح الحَرَشي] هذا بعدالة ولا جرح، ولست أحتج بخبر مثله، اهـ. وقد ضعفه الحافظ في "الفتح" ٣/ ٤٦٢ وللحديث شواهد كثيرة حكم بعضها على الحديث بالحسن لغيره، كالدكتور خالد العنزي في تحقيق "تفسير الثعلبي".
وذلك الحجر هو مقام إبراهيم الذي يعرفه الناس اليوم، وإذا أطلق مقام إبراهيم لم يفهم إلا الذي هو اليوم في المسجد، ويدل على هذا حديث عمر الذي رويناه آنفا (٣)، وجعل تأثير قدم إبراهيم في الحجر معجزة
(٢) ذكر القصة مطولة مبسوطة الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٤ وقد ذكر الواحدي منها موضع الشاهد، وقد أخرج القصة الطبري في "تاريخه" ١/ ١٥٤ من طرق عن سعيد بن جبير، وذكرها البغوي في "تفسيره" ١/ ١٤٧، الثعلبي أيضا من رواية السدي وغيره في كتابه: "عرائس المجالس" ص ٧١، ورواها الطبري مختصرة من كلام السدي ١/ ٥٣٧، وأصل القصة رواها البخاري (٣٣٦٤) كتاب الأنبياء، وليس عند البخاري غسل رأس إبراهيم ووضع رجله حينذاك على المقام، ومن طريق البخاري أخرجها ابن الجوزي في "المنتظم" ١/ ٢٦٨ ثم ذكر قصة غسل زوجة إسماعيل الثانية لرأس إبراهيم، من رواية عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس. وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٦٦ تحقيق د: العنزي.
(٣) قال في "البحر المحيط" ١/ ٣٨١ بعد أن ذكر اتفاق المحققين على هذا القول: ورجح بحديث عمر أفلا نتخذه مصلى. الحديث، وبقراءة رسول الله - ﷺ - لما فرغ من الطواف وأتى المقام ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ فدل على أن المراد منه ذلك الموضع؛ ولأن هذا الاسم في العرف مختص بذلك الموضع، ولأن الحجر صارت تحت قدميه في رطوبة الطين حين غاصت فيه رجلاه، وفي ذلك معجزة له، فكان اختصاصه به أقوى من اختصاص غيره، فكان إطلاق هذا الاسم عليه أولى =
وقال أنس بن مالك: رأيت في المقام أثر أصابعه وعقبه وأخمص
قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم (١).
ومعنى قوله تعالى: ﴿مُصَلًّى﴾ قال الحسن: قبلة (٢)، وقال مجاهد: مُدَّعى (٣)، أي: موضع دعاء. وقال قتادة: صلوا عنده (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ﴾ أي: أمرناهما وأوصينا إليهما (٥): ﴿أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ﴾ قال سعيد بن جبير (٦)، وعبيد بن عمير (٧) (٨)،
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٧ وفي "عرائس المجالس" ص ٧٣، وأخرجه الواحدي بسنده من طريق الزهري، عن ابن أنس في "الوسيط" ١/ ٢٠٦، وذكره أبن كثير في "تفسيره" ١/ ١٨٢ من هذا الطريق، وذكره القرطبي ٢/ ١٠٢ وابو حيان في "البحر" ١/ ٣٨١ وروى الطبري ٣/ ٣٥ بسنده عن قتادة قال: إنما أمروا أن يصلوا عنده، ولم يؤمروا بمسحه، ولقد تكلفت هذه الأمة شيئًا ما تكلفته الأمم قبلها، ولقد ذكر لنا بعض من رأى أثر عقبيه وأصابعه فيه، فما زالت هذه الأمة يمسحونه حتى اخلولق وانمحى.
(٢) في (ش): (وقبله).
(٣) أخرجه الطبري ١/ ٥٣٧، ابن أبي حاتم ١/ ٢٢٧.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٣٧.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٦٩.
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٢٧، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٦٩، البغوي ١/ ١٤٨، القرطبي ٢/ ١٠٣.
(٧) هو: أبو عاصم عبيد بن عمير بن قتادة الليثي، ولد على عهد النبي - ﷺ -، يعد من كبار التابعين، أجمعوا على توثيقه، كان من العباد، توفي سنة ٧٣ هـ. ينظر: "تقريب التهذيب" ص ٣٧٧ (٤٣٨٥)، "السير" ٤/ ١٥٦.
(٨) أخرجه الطبري ٣/ ٤٠، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٢٨، والثعلبي ١/ ١١٦٩.
وقوله تعالى: ﴿لِلطَّائِفِينَ﴾ قال الفراء (٧): يقال: طاف يطُوفُ طَوفًا وطَوافًا وطوفانًا، وطاف يطِيف، وأطَاف يُطِيفُ، بمعنى واحد (٨).
وقوله تعالى: ﴿وَالْعَاكِفِينَ﴾ العكوف: الإقامة (٩) على الشيء (١٠).
قال المفسرون: عنى بالطائفين: النُّزَّاع إليه من الآفاق، وبالعاكفين:
(٢) "تفسير مقاتل"١/ ١٣٨. وينظر: "الثعلبي" ١/ ١١٦٩، "البحر المحيط" ١/ ٣٨٢.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٧.
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٧٧.
(٥) ذكره عنه الثعلبي ١/ ١١٧١ وينظر: البغوي ١/ ١٤٥٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٨٢.
(٦) خَلَّقاه: أي طَيَّباه، والخلُوق والخِلاق: ضرب من الطيب وقيل: الزعفران وغيره، قال بعض الفقهاء: وهو مائع فيه صفرة. "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٩٤ "المصباح المنير" ص ١٨٠.
(٧) من قوله: (وقوله تعالى: للطائفين) ساقط من (ش).
(٨) هذا في كتاب "المصادر" للفراء وهو مفقود ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٥٥، "لسان العرب" ٥/ ٢٧٢٢.
(٩) في (م): (القيام).
(١٠) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٣٢.
١٢٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾. (البلد) يجوز في اللغة أن يكون جمع بلدة، ويجوز أن يكون واحدًا، وجمعه بلدان وبلاد (٣). قال الليث: كل موضع من الأرض (٤) عامرٍ أو غامر (٥) مسكونٍ أو خالٍ: بلدٌ، والطائفة منه: بلدة (٦). والبلد: المفازة، يقال: أذلّ من بيضةِ البلدِ، أي: بيضة النعامة التي تتركُها بالبلد، وهو المفازة. والعربُ تُسَمِّي كلَّ موضع خال: بلدة، فيقولون لموضع خالٍ من الكواكب بين النعائم وسعد الذابح: بلدة (٧). ويقال للذي ليس بمقرون الحاجبين: الأبلدُ؛ لخُلُوّ ما بين حاجبيه من الشعر.
وقال أهل اللغة: أصلُ البلد: هو الأثر. من ذلك قولهم لكِرْكِرَةِ (٨)
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٣٩ - ٥٤١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٧، "تفسير الثعلبي"، "تفسير البغوي" ١/ ١٤٨ - ١٤٩ وذكر الثعلبي في "تفسيره" عن عطاء قال: إذا كان طائفا فهو من الطائفين، وإذا كان جالسًا فهو من العاكفين، وإذا كان مصليًا فهو من الركع السجود. وأخرجه الطبري ١/ ٥٤٠ - ٥٤١ مفرقًا عن ابن عطاء ورجحه، وأخرج ابن حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٢٨ مثله عن عطاء عن ابن عباس.
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٣.
(٤) عبارة في "التهذيب" البلد: كل موضع مُسْتَحِييزٍ من الأرض.
(٥) في (م): (أو غير عامر) وهو كذلك في "تهذيب اللغة" والغامر: ضد عامر.
(٦) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٣.
(٧) نقل في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٣ عن الليث: والبلدة في السماء موضع لا نجوم فيه بين النعائم وسعد الذباح، وليست كواكب عظامًا تكون علمًا، وهي من منازل القمر وهي آخر البروج سميت بلدةً، وهي من برج القوس، خالية إلا من كواكب صغار.
(٨) الكِركِرة: بالكسر: رحى زور البعير، أو صدر كل ذي خف. "القاموس" ٤٦٩.
قال ذو الرمة:
أُنِيخَتْ فألقَتْ بلدةً فوقَ بلدةٍ | قليلٍ بها الأصواتُ إلا بُغَامُها (١) |
قال القُطامي (٢):
وبالنُحورِ كُلومٌ ذاتُ أبلادٍ (٣)
وقال ابنُ الرِّقاع (٤):
عرَف الديارَ توهُّمًا فاعتادَها | مِنْ بعدِ ما شَمِلَ البِلَى أبلادَها (٥) |
كلُّ امرئ تاركٌ أحبَّتَه | ومُسْلِمٌ وجهَه إلى البلَد (٧) |
(٢) هو عمير بن شييم التغلبي القطامي، شاعر إسلامي، تقدمت ترجمته [البقرة: ٦١].
(٣) هذا عجز بيت، وصدره: ليست تجرح فُرّارًا ظهورهم. وهو للقطامي في "ديوانه" ص ١٢، ينظر: "اللسان" مادة: بلد. ويروى: وفي النجوم، كما في "عمدة الحفاظ"١/ ٢٥٨، وكذا في "المشوف المعلم" ١/ ١١٧، و"البصائر" ٢/ ٢٧٣، وينظر: "مفردات ألفاظ القرآن" للراغب ص ١٤٣.
(٤) هو عدي بن الرقاع بن عاملة حي من قضاعة، تقدمت ترجمته [البقرة: ٦٠].
(٥) البيت في "ديوانه" ص ٣٣، "لسان العرب" ١/ ٣٤١ مادة: بلد.
(٦) هو خفاف بن عمير بن الحارث بن الشريد السلمي، من مضر، أبو خراشة، شاعر فارس، كان أسود اللون، وعاش زمنًا في الجاهلية، وأدرك الإسلام فأسلم، وشهد فتح مكة وحنينًا والطائف، وثبت في الردة على إسلامه، توفي سنة ٢٠ هـ. ينظر: "أسد الغابة" ٢/ ١٣٨، "الأعلام" ٢/ ٣٠٩.
(٧) البيت بلا نسبة في "المخصص" ٦/ ١٣٣، وانظر: "المعجم المفصل" ٢/ ٤٢٩.
ألا لا تَلُمْهُ اليومَ أن يتبلَّدا | فقد غُلِبَ المحزونُ أن يتجلَّدا (١) |
جَرَى طَلَقًا حتى إذا قيلَ سابقٌ | تداركَه أعراقُ (٢) سوءٍ فَبَلَّدَا (٣) |
ونمتُ وما ليلُ المطيِّ بنائمٍ (٦)
ويقولون: همٌّ ناصب، أي: ينصبُ فيه الإنسان، وينصبُ لأجلِه (٧)
(٢) في (ش): (أعواق).
(٣) البيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٨٣، "لسان العرب" ١/ ٣٤٢ و ٥/ ٢٩٠٤، "المعجم المفصل" ٢/ ٢٠١.
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٢٠٧.
(٥) زيادة من (م).
(٦) البيت لجرير بن عطية، ومطلعه:
لقد لُمتِنا يا أمَّ غيلان في السُّرى
ينظر: "ديوانه" ص ٤٥٤.
(٧) وليس هذا بقياس عند سيبويه، وعن المبرد أن فاعلاً بمعنى صاحب، كذا قياس، وفي شرح المفصل: وكثر فعال حتى لا يبعد دعوى القياس فيه، وقل فاعل، فلا يمكن دعوى القياس فيه لندوره. ينظر: "حاشية ابن جماعة الكناني على شرح الجاربردي للشافية لابن الحاجب" ١/ ١٢٥، "همع الهوامع" للسيوطي ٢/ ١٩٨.
كِلِيني لَهمٍّ يا أميمةُ ناصبِ (١)
فأما التفسير فقال ابن عباس: يريد حرامًا محرمًا، لا يصاد طيره، ولا يقطع شجره، ولا يختلى خلاه، ولا يدخلها أحد إلا بإحرام، ولا تحلُّ لأحدٍ من الخلق إلا الساعة التي حلّت للنبي - ﷺ -، هذا كلامه (٢). فأما الحكم في هذا، فإنَّ صيدَ مكة لا ينفر، ولا ينتف شعره، ولا يتعرض له بنوع أذًى، ومن قتل صيد مكة فعليه جزاؤه، ولا يجوز قطع أشجار (٣) الحرم على جهة الإضرار بها، ويجوز تشذيبها على جهة المصلحة لها، ولا يجوز خبطها؛ ولكنها تهشُّ هشًا رفيقًا، ويجوزُ إرسالُ المواشي لترتَعَ في حشيش الحرم (٤). وقال النبي - ﷺ -: "إن الله حبس الفيل عن مكة، وسلَّطَ عليها رسولَه والمؤمنين، وإنهَّا لم تَحِلُّ لأحدٍ كان قبلي، ولا تحلُّ لأحدٍ كان بعدي، وإنما أُحِلَّت لي ساعة من النهار" (٥). والعرب تقول: آمَنُ من حمام مكة، يضربون المثلَ بها في الأمن (٦).
وليلٍ أقاسيه بطيءِ الكواكبِ
ينظر: "ديوانه" ص ٤٥، و"المعجم المفصل" ١/ ٤٥٠.
(٢) ينظر مرفوعًا عن ابن عباس بنحوه عند البخاري (١٣٤٩) كتاب الحج باب: الأذخر والحشيش في القبر، ومسلم (١٣٥٣) كتاب الحج؛ باب: تحريم مكة وصيدها وخلاها.
(٣) في (م): (شجر).
(٤) ينظر في المسألة: "مشكل الآثار" للطحاوي ٤/ ١٧٦ ط دار الكتب العلمية، "المجموع شرح المهذب" ٧/ ٤٢٥ و ٧/ ٤٤٤ ط المنيرية، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٨٠.
(٥) تقدم تخريجه آنفًا.
(٦) لأنها لا تثار ولا تهاج. ينظر: "مجمع الأمثال" للميداني ١/ ٨٧، "جمهرة الأمثال" للعسكري ١/ ١٩٩، "المستقصى" للزمخشري ١/ ٧.
قال المفسرون: استجاب الله دعاء إبراهيم، فقال في موضع آخر: ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [القصص: ٥٧] (١).
قال عطاء عن ابن عباس: ذكروا أن الله عز وجل بعث جبريل إلى الشام، حتى اقتلع الطائف من موضع الأردن، ثم طاف بها حول الكعبة أسبوعًا، لذلك سميت الطائف، ثم أنزلها تهامة، ومنها تجْبَى إلى مكة الثمرات (٢).
وقوله تعالى: ﴿مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (من) بَدَلٌ من أهله (٣) وهو بدل البعض من الكُلِّ، كقوله: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ [آل عمران: ٩٧]. والأخفش يسمي هذا بدل التبيان؛ لأنَّ الأول دلَّ على العموم، ثم بان بالبدل أن المراد به البعض، كما تقول: أخذت المال ثلثيه، ورأيت القوم ناسًا منهم (٤). وإنما خصَّ إبراهيم عليه السلام بطلب الرزق المؤمنين؛ لأن الله تعالى أدبه بقوله: ﴿قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾ فتوهَّم أنه كما لا يعطيهم النبوة إلا إذا كانوا مؤمنين، كذلك لا يرزق أهل
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٠ ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ١٤٩ دون نسبة، وبعضه يذكر عن الزهري ومحمد بن مسلم الطائفي. ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٤٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٢٩ - ٢٣٠، "البحر المحيط" ١/ ٣٨٣.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٧.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٤٧.
قال ابن عباس: وكانت دعوةُ إبراهيم يومئذ وأهلها مؤمنون (٢)، فما زالوا على إيمانٍ ومعرفة بالله حتى غيَّرَ ذلك عمرو بن لُحَيّ الخُزاعي (٣)، وهو الذي قال رسول الله - ﷺ -: "رأيته في جهنم يجُرّ قُصْبَه (٤) في النار" (٥)، وكان أول من غيّر دين إبراهيم، وعبد الأصنام، وسيّب السائبة، وبَحَر البحيرة، وحمى الحامي (٦)، وغلب على مكة، وقهر أهلها، وهم ولد إسماعيل.
﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً﴾ فسأرزقه إلى منتهى أجله (٧). وفي (أمتعه)
(٢) لعله من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها في القسم الدراسي.
(٣) هو عمرو بن لحي بن حارثة بن عمرو بن عامر الأزدي وقيل: عمرو بن لحي بن قَمَعَة، وقيل غير ذلك، من قحطان، أول من غير دين إسماعيل، ودعا العربَ إلى عبادة الأوثان حيث دعا إلى تعظيمها. ينظر: "البداية والنهاية" ٢/ ١٨٧، "الأعلام" ٥/ ٨٤.
(٤) قصبه أي: أمعاءه، ينظر: "صحيح مسلم" (٢٨٥٦) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون.
(٥) رواه البخاري (٤٦٢٣) كتاب تفسير القرآن، باب: ما جعل الله من بحيرة، ومسلم (٢٨٥٦) كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب: النار يدخلها الجبارون.
(٦) السائبة: قيل: من الإبل، وقيل من جميع الأنعام وتكوم من النذر للأصنام، فتسيب فلا تحبس عن مرعى ولا ماء ولا يركبها أحد، كان الرجل ينذر إن برىء أو قدم من سفره ليُسيبن بعيرًا. والبحيرة: هي التي بحرت أذنها أي خرمت، قيل من الإبل وقيل من الشاة، إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها وتركت فلا يمسها أحد. والحامي: هو فحل الإبل، إذا انتجوا منه عشرة أبطن، قالوا قد حمى ظهره، فلم يركب وقيل: غير ذلك ينظر: "فتح الباري" ٨/ ٢٨٤.
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٧٧، "تفسير البغوي" ١/ ١٤٩.
خَلِيطَين من شعبين شتّى تجاورا | قديمًا وكانا بالتفرُّقِ أمتعا (٣) |
(٢) هو: أبو جندل عبيد بن حصين النميري، والراعي لقبه؛ لكثرة وصفه للإبل، وهو شاعر من المحدثين الفحول، عاصر جريرًا والفرزدق، توفي سنة ٩٠ هـ. ينظر: "الشعر والشعراء" ٢٦٥، "الأعلام" ٤/ ١٨٨.
(٣) ينظر: "ديوانه" ص ١٦٦، "لسان العرب" ٧/ ٤١٢٩، "المعجم المفصل" ٤/ ١٩٩.
(٤) في "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٢٢.
(٥) "الكتاب" ١/ ١٢٤.
وأما جواز أن يكون (قليل) صفة للزمان فيدل عليه قوله: ﴿قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ﴾ [المؤمنون: ٤٠] بعد زمان قليل، كما تقول: أطعمه عن جوعٍ وكساه عن عُري (٢).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ﴾ أي: ألجئه في الآخرة إلى عذاب النار ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ مُختصر، أي: بئس المصير النار أو عذاب النار (٣).
١٢٧ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ﴾ معنى القعود في أصل (٤) اللغة: الثبات على أيِّ حالةٍ كانت، الدليل عليه قوله تعالى: ﴿تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ﴾ [آل عمران: ١٢١]، يريد: مثابت ومراكز، ولا يريد مَجَالس. وقولهم: قَعَدَتِ المرأةُ عن المحيض، معناه: ثبتت على حالة الطُّهْر، ولا يراد به الجُلوس. ويقولون: قَعَدَتِ الفَسِيلة، إذا ثَبَتَتْ في الأرض، وصار لها جذع (٥). ومن هذا: قواعد البيت، فَقَعَدَ في أصل اللغة
(٢) انتهى كلام أبي علي الفارسي من "الحجة" ٢/ ٢٢٢.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٧٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٨٦ - ١٨٧.
(٤) ساقط من (ش).
(٥) "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠٠٤.
وأما تفسير قواعد البيت، فقال ابن المظفر: القواعد: أصول الأساسِ، الواحد: قاعدة (٢).
قال الزجاج: وكل قاعدةٍ فهي أصلٌ للذي فوقها (٣). قال الكُمَيْت (٤):
في ذِروةٍ من يفاعٍ اوّلهم | زانت عواليَها قواعدُها (٥) |
وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ المعنى: يقولان (٨): ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾
(٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠٠٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٨٢، "البحر المحيط" ١/ ٣٨٧.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٢٠٨، قال في "البحر المحيط" ١: ٣٧٣: القواعد: قال الكسائي والفراء: هي الجدر، وقال أبو عبيدة: الأساس، وبالأساس فسرها ابن عطية أولًا والزمخشري وقال: هي صفة غالبة، ومعناها: الثابتة. اهـ.
(٤) تقدمت ترجمته.
(٥) البيت للكميت في "مجاز القرآن" ١/ ٥٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٨٣، "البحر المحيط" ١/ ٣٧٣ ولم ينسبه، واليَفَاع: المشرف من الأرض والجبل.
(٦) "لسان العرب" ٦/ ٣٦٨٩ (قعد)، والهَوْدَج: مركب للنساء يوضع على ظهور الرواحل.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١١٨٢، وأخرجه ابن أبي حاتم ١/ ٢٣١ بلفظ: أساس البيت، وأخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٤٦ بلفظ: القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك.
(٨) يروي ابن عباس ذلك كما في "تفسير الطبري" ١/ ٥٤٩، وينظر: "صحيح البخاري" (٣٣٦٥) كتاب الأنبياء، باب: يزفون النسلان في المشي، وعند الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ١٤٨ أن إسماعيل هو الذي قال: (ربنا تقبل منا).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ﴾ يريد: لدعائنا ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما في قلوبنا (١).
١٢٨ - قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ﴾ أي: مطيعين مستسلمين منقادين لحكمك (٢).
قال ابن الأنباري: يقال: فلان مسلم، وفيه قولان:
أحدهما: أنه المستسلم لأمر الله.
والثاني: هو المخلص لله العبادة، من قولهم: سَلَّمَ لفلان الشيءَ، أي: خَلَّصَه له، وسَلِمَ له الشيءُ، أي: خَلَصَ (٣)، ومنه قوله تعالى: ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ﴾ [الزمر: ٢٩]، معناه: خالصًا لرجل، وأنشد على أنَّ المسلم بمعنى المستسلم لأمر الله قولَ الشاعر:
فقلنا أسْلِمُوا إنّا أخوكم (٤) | فقد بَرِئَتْ مِنَ الإحَنِ الصُّدُورُ (٥) |
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٨٥، "تفسير البغوي" ١/ ١٥٠.
(٣) نقله في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٤٥، وعنه في "لسان العرب" ٤/ ٢٠٨٠.
(٤) في (ش): (باحركم).
(٥) البيت لعباس بن مرداس، في "ديوانه" ص ٥٢، "لسان العرب" ١/ ٤١ "المعجم المفصل" ٣/ ٣٢٦.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ الأمَّةُ في اللغة تكون على وجوه، قال أبو العباس: الأمَّةُ تأويلها: الجماعة من كل شيء، من ذلك: أمة محمد - ﷺ -، ويقال: إنما فلان أمةٌ وَحْدَه، أي يَسُدُّ مَسَدَّ جَمَاعةٍ، ومنه يقال: فلان حسن الأُمَّة، إذا مُدِحَ بالتمامِ واستجماعِ الخُلُقِ على الاستواء (٣).
قال الأعشى (٤):
وإنَّ معاويةَ الأكْرَمِين | حسَانُ الوُجُوهِ طِوالُ الأُمَمْ (٥) |
(٢) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٤٥، "لسان العرب" ٤/ ٢٠٨٠.
(٣) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٢ - ٢٠٦، "لسان العرب" ١/ ١٣٥ (أمم).
(٤) هو أبو بصير ميمون بن قيس، تقدمت ترجمته.
(٥) البيت للأعشى في "ديوانه" ص ١٩٩، "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٤، "لسان العرب" ١/ ١٣٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٢، "الأمالي" لأبي علي القالي ١/ ٢٥، "المعجم المفصل" ٧/ ٢٩.
(٦) في (أ): (يجتمع)، وفي (م): (مجتمع).
(٧) "لسان العرب" ١/ ١٣٣ - ١٣٤ (أمم).
(٨) "المفردات" للراغب الأصفهاني ص ٣٣.
قال الشنفرى (٣):
وأمَّ عيال قد شَهِدتُ تَقُوتُهم | إذا أحْتَرتْهُمْ (٤) أحْتَرَتْ وأقَلَّتِ (٥) |
وقال أبو إسحاق: الأمة في اللغة أشياء، الأمة: القرن من الناس، يقال: قد مضت أمم أي: قرون، والأمة: الدِّين، ومنه قوله: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [البقرة: ٢١٣]، أي: كانوا على دين واحد، والأمة: القامة وأنشد:
.......... طوال الأمم (٧)
والأمة: الرجل الذي لا نظير له، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ (٨)، [النحل: ١٢٠].
(٢) "لسان العرب" ١/ ١٣٣ (أمم).
(٣) هو ثابت بن أوس الأزدي، شاعر جاهلي، تقدمت ترجمته [البقرة: ٣٠].
(٤) في (ش): (أخترتهم)، وفي (أ) لعلها كذلك.
(٥) البيت للشنفرى في "ديوانه" ص ٣٥، "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٣ وروايته: إذا حَتَرَتْهم أتْفَهَتْ وأقَلَّتِ، "لسان العرب" ٢/ ٧٦٩ (مادة: حتر)، ١/ ١٣٧ (مادة: أمم)، "المعجم المفصل" ١/ ٥٥٢.
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٢ - ٢٠٣، "لسان العرب" ١/ ١٣٥ (أمم).
(٧) هذه قطعة من البيت المذكور في الصفحة السابقة.
(٨) بتصرف من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٨٣، وزاد من المعاني: الأمة: بمعنى النعمة والخير.
قال الأزهري: والأمة فيما فسّروا يقع على الكفار والمؤمنين (٣)، وقال الليث: كلُّ قوم نُسبوا إلى نبيٍّ فأضيفوا إليه فهم أمته، وقيل: أمة محمد - ﷺ -: كل من أرسل إليه (٤) ممن آمن به أو كفر، قال: وكل جيل من الناس هم أمة على حدة (٥).
قال ابن الأنباري: والأمة أيضًا أتباع الأنبياء، من قولهم: نحن أمة محمد - ﷺ -.
قال ابن عباس: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا﴾ يريد: أمةَ محمَّدٍ - ﷺ - ﴿أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ يريد: المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان (٦). قيل: وإنما خصّا
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٤.
(٣) "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٤.
(٤) ساقط من (ش).
(٥) نقله في "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٥.
(٦) لم أجده ولعله من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة.
وقوله تعالى: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾. (أرنا) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون منقولًا من رأيت الذي يراد بها إدراك البصر، نقلت بالهمزة فتعدت إلى مفعولين، والتقدير: حذف المضاف، كأنه قال: أرنا مواضع مناسكنا، والمناسك: جمع منسك، وهو مصدر، جُمع لاختلاف ضروبه، والمعنى: عَرِّفْنا هذه المواضع التي تتعلق النسك بها؛ لنفعله ونقضي نسكنا فيها (١)، على حدِّ ما يقتضيه توقيفنا عليها، وذلك نحو: المواقيت التي يحرم منها، ونحو: الموضع الذي يوقف فيه بعرفةَ، وموضع الطواف، وموضع رمي الجمار، فهذا من: رأيتُ المواضع، وأريته زيدًا.
والوجه الآخر: أن يكون أرنا منقولًا من رأيت، الذي لا يراد به رؤية العين ولكن التوقيف على الأمر، وضرب من العلم. وإلى هذا ذهب أبو عبيدة في تأويل الآية فقال: (وأرنا مناسكنا) أي: عَلِّمْنا، وأنشد:
أريني جوادًا مات هَزْلًا لأَنني | أرى ما تَرَيْنَ أو بخيلًا مُخَلَّدا (٢) |
(٢) البيت لحاتم الطائي، في "ديوانه" ص ٤٠، ولحطائط بن يعفر، "مجاز القرآن" ١/ ٥٥، "الحجة" ٢/ ٢٢٥، "شرح أبيات المغني" ١/ ٢١٩، وفي "خزانة الأدب" ١/ ٤٠٦، ولدريد في "لسان العرب" ١/ ١٥٨، ولمعن بن أوس في "ديوانه" ص ٣٩. قال: العيني ١/ ٣٢٩: أقول قائله هو حاتم بن عدي الطائي، كذا قالت جماعة من النحاة. ينظر: "المعجم المفصل" ٢/ ٢٠٢، وتحقيق أحمد شاكر لكتاب "الشعر والشعراء" ١/ ٢٤٨.
وقال أبو إسحاق: ﴿وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا﴾ معناه: عرِّفنا متعبداتنا، وكلُّ متعبدٍ فهو منسِك ومنسَك، ومن هذا قيل للعابد: ناسك، ويقال للذبيحة المتقرب بها إلى الله: نسيكة، وإنما سمي الذبيحة نَسِيكة (٣)؛ لأنهم كانوا يذبحونها للعبادة. فقوله: ﴿مَنَاسِكَنَا﴾ يحتمل أن يكون جمع مَنْسَك الذي هو المصدر، فيكون على تقدير حذف المضاف كما ذكرنا، ويحتمل أن يكون جمع منسك الذي هو الموضع، فلا يكون فيه حذف. ونسك في اللغة على معنيين:
أحدهما: ذَبَح، والآخر: عَبَدَ، فلا يُدرى (٤) أيهما الأصل (٥).
وفي قوله: (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا} قراءتان: كسر الراء، وإسكانها (٦).
قال أبو إسحاق: والأجود الكسر؛ لأن الأصل أَرْئنا، فالكسرة في الراء إنما هي كسرة همزة، أُلقيت فَطُرحت حركتها على الراء، فالكسرة دليلُ الهمزة، وحذفُها قبيحٌ، وهو جائزٌ على بُعدٍ؛ لأن الكسرةَ والضمةَ
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٥٥.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٠٩، وقال بعده: وكان الأصل في النسك إنما هو من الذبيحة لله جل وعز.
(٤) في (ش): (ندري).
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٢ (نسو).
(٦) قرأ ابن كثير والسوسي ويعقوب بإسكان الراء، وقرأ الدوري عن أبي عمرو بإخفاء كسرتها: أي: اختلاسها، والباقون بالكسرة الكاملة على الأصل. ينظر: "السبعة" ص ١٧٠، "الحجة" ٢/ ٢٢٤، "البدور الزاهرة" ص ٥٠.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ﴾ قال ابن عباس: أي: الراجع بأوليائه وأهل طاعته (٣) إلى أفضل دينه (٤).
١٢٩ - وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا﴾ قال ابن عباس: يريد: في ولدي (٥)، والكناية تعود إلى الذرية أو إلى الأمة في قوله: ﴿أُمَّةً مُسْلِمَةً﴾ (٦)، وكلاهما ولد إبراهيم، وهم العرب (٧).
وقوله تعالى: ﴿رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ قال ابن عباس: يريد محمدًا - ﷺ -،
فاستجاب الله دعاءه، وبعث فيهم رسولًا من أنفسهم، محمدًا سيد الأنبياء (٨)، لذلك قال رسول الله - ﷺ -: "إني عند (٩) الله في أمِّ الكتاب لَخَاتَمُ
(٢) في (ش): (وهذا).
(٣) في (أ)، (ش): (طاعة).
(٤) لعله من رواية عطاء التي تقدم ذكرها. وينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ١٢٠٠.
(٥) لعله من رواية عطاء.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٨٧، وينظر: "سنن سعيد بن منصور" ٢/ ٦١٥، "تفسير الطبري" ١/ ٥٥٦، "زاد المسير" ١/ ١٤٦.
(٧) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٨٧ قال: وقيل في أهل مكة. وينظر: "زاد المسير" ١/ ١٤٦، "الخازن" ١/ ١١١، "البحر المحيط" ١/ ٣٩٢.
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٣/ ١١٩٥، "تفسير البغوي" ١/ ١٥١.
(٩) في (ش): (عبد).
وقوله تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ قال ابن عباس: يريد القرآن الذي أنزل عليه، وما فيه من الفرائض والأحكام والسنن وشرائع النبيين (٢).
فعلى هذا الحكمة: هي نفس الكتاب، وجُمع بينهما لاختلاف اللفظين. والحكمة في اللغة: فهم المعاني، وبه قال مجاهد، فإنه قال: يعنى بالحكمة فهم القرآن (٣).
وقال عبد الله بن مسلم: هي العلم والعمل، ولا يسمى الرجل حكيما
(٢) لعله من رواية عطاء، وينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٥٧، عن قتادة وغيره "المحرر الوجيز" ١/ ٢١٢.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٨٨ عن مجاهد، وعنه البغوي ١/ ١١٨٨، "الخازن" ١/ ١١٢، وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٣.
ومنه قوله - ﷺ -: "إنَّ من الشعرِ حكمةً (٥) ".
وأصلها في اللغة: من المنع والرد (٦)، قال الأصمعي: أصل الحكومة: ردُّ الرجل عن الظلم، ومنه سميت حَكَمَةُ اللِّجَام؛ لأنها تَرُدُّ الدَّابَّة (٧)، وهذا يذكر في مواضع من هذا الكتاب.
وقوله تعالى: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أصل التزكية في اللغة: النسبة إلى الازدياد من الأفعال الحسنة التي ليست بمشوبة، والزكاة: الزيادة (٨)، وقد ذكرنا
(٢) هو علي بن الحارث البياري الخراساني، من معادن العلم، أديب بارع شدت إليه الرحال صاحب كتاب "شرح الحماسة وصناعة الشعر" ينظر: "إنباه الرواة" ٢/ ٢٧٤، ٢٧٥، "دمية القصر" ص ٣٠٢.
(٣) هو العلامة إمام النحو أبو سعيد الحسن بن عبد الله بن المرزبان، "السيرافي"، صاحب التصانيف ونحوي بغداد، وهو من أعيان الحنفية، رأسًا في نحو البصريين، تصدر لإقراء القراءات واللغة والفقه والفرائض، وولي قضاء بغداد توفي سنة ٣٦٨ هـ ينظر: "السير" ١٦/ ٢٤٧ - ٢٤٨، "إنباه الرواة" ١/ ٤١٣، "تاريخ بغداد" ٧/ ٣٤١ - ٣٤٢.
(٤) هكذا بهذا الإسناد عند الثعلبي ١/ ١١٨٩ وزاد: فهي حكمة وحكم. وذكره ابن دريد في "الجمهرة" ١/ ٥٦٤، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٢، والسمعاني ٢/ ٦٠.
(٥) رواه البخاري (٦١٤٥) كتاب الأدب، باب: ما يجوز من الشعر والرجز والحداء وما يكره منه، من حديث أبي بن كعب.
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٦، "تفسير الثعلبي" ٨٤٣ و ١١٩٢.
(٧) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٨٦، "لسان العرب" ٢/ ٩٥٢.
(٨) "تفسير الطبري" ١/ ٥٥٨، "المحرر الوجيز" ١/ ٤٩٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٢٠.
وقيل: يأخذ زكاة أموالهم (٤)، وقال ابن كيسان: يشهد لهم يوم القيامة بالعدالة إذا شهدوا للأنبياء بالبلاغ، بيانه قوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ (٥) [البقرة: ١٤٣] الآية.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ اختلف قول أهل اللغة في معنى العزيز واشتقاقه، فقال أبو إسحاق: العزيز في صفات الله: الممتنع فلا يغلبه شيء (٦)، وهذا قول المفضل، قال: العزيز: المنيع الذي لا تناله الأيدي (٧).
وعلى هذا القول العزيز من عزّ يَعَزُّ بفتح العين، إذا اشتد (٨)، يقال: عَزَّ علي ما أصاب فلانًا أي: اشتد، وتعزز لحم الناقة إذا صلُب واشتدّ (٩)،
(٢) هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، تقدمت ترجمته [البقرة: ٣٥].
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٥٨، وذكره الثعلبي ١/ ١١٩٢ بلا نسبة.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٩٢، والسمرقندي ١/ ١٥٨، والبغوي ١/ ١٥٢، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٤٦، وبنحوه في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٣.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٩٢، وعنه البغوي ١/ ١٥٢، "الخازن" ١/ ١١٢.
(٦) نقله عن أبي إسحاق الزجاج الأزهري في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠، وعنه في "اللسان" ٥/ ٢٩٢٥، وينظر تفصيلا في "اشتقاق أسماء الله" لأبي القاسم الزجاجي ص ٢٣٧ - ٢٤٠.
(٧) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٩٣ وأبو حيان في "البحر المحيط"١/ ٣٩٣.
(٨) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠ "عزز".
(٩) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٩٤، "البحر المحيط" ١/ ٣٩٣، "الدر المصون" ١/ ٣٧٣.
أُجُدٌ إذا ضَمَرَتْ تعزّزَ لحمُها | وإذا تُشَدُّ بنسعةٍ لا تَنْبِسُ (٢) |
وقال أبو كبير الهذلي (٣) يصف عقابًا (٤):
حتى انتهيت إلى فراشِ عزيزة | سوداء روثةُ أنفِها كالمِخْصفِ (٥) |
(٢) البيت للمتلمس الضبعي في "ديوانه" ص ١٨٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٩٤، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٢٧، "تاج العروس" ٨/ ١٠٥، "الأغاني" ٢٤/ ٢٣٠، وذكره ابن دريد في "الجمهرة" ص ٣٤١ ولم ينسبه. ورواية "الديوان": عُنُسٌ بدل أَجُدٌ، ورواية الثعلبي: بنَسعِها. ومعنى: ضمرت: نحلت، وقوله: تَعَزَّزَ لحمها: اشتد وصلب، والنسع: سير من الجلد تشد به الرحال، ومعنى لا تنبس: لا تنطق ولا تصيح. وهو في البيت يصف الناقة.
(٣) هو عامر بن الحليس الهذيلي، أبو كبير من بني سهل بن هذيل، تقدمت ترجمته.
(٤) ساقطة من (أ)، (م).
(٥) ينظر: "شرح أشعار الهذليين" ص١٠٨٩، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٢٦، ١/ ١٠٣٩ (خصف)، "تاج العروس" ٣/ ٢٢٠ (مادة: روث)، "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية" ٥/ ٩١.
(٦) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠ (عزز).
(٧) ذكره الشيخ بكر أبو زيد في "معجم المناهي اللفظية" ص ٣٠٢ أن من أسماء الله تعالى القوي، ومن لوازم القوة: القدرة، بخلاف الشديد ولهذا لم يأت في القرآن =
قال الفراء: يقال: عزّ يَعِزُّ بالكسر: إذا قلَّ حتى لا يكاد يوجد، عِزّةً فهو عزيز (٥). وقال الكسائي (٦) وابن الأنباري (٧) وجماعة من أهل اللغة: العزيز: القوي الغالب، تقول العرب: عَزَّ فلانٌ فلانًا يَعُزُّه عِزًّا، إذا غلبه (٨)، قال الله تعالى: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣].
(١) في (ش): (من).
(٢) في (أ) و (م): (يناله).
(٣) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠ - ٢٤٢١، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٢٥ (عزز).
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٩٢، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٢، "الخازن" ١/ ١١٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٣.
(٥) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠، وينظر: "القاموس المحيط" ص ٥١٧.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٩٣، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٣، والقرطبي ٢/ ١٢١.
(٧) "الزهراء" ١/ ١٧٤.
(٨) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٢٥ (عزز).
هُنالك إما تَعُزُّ الهوى | وإما على إثرهم تَكْمدُ (٢) |
١٣٠ - قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ﴾ يقال: رغبت عن الشيء أي: تركته عمدًا، وهو ضدُّ قولك: رغبتُ فيه (٦).
قال أبو إسحاق: معنى (مَنْ) التقريرُ والتوبيخُ، ولفظُها لفظُ الاستفهام والمعنى: ما يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سَفِهَ نَفْسَه (٧)، وذكرنا معنى السفه فيما تقدم (٨).
واختلف النحويون في نصب (نفسَه). فقال الفرَّاءُ: العرب توقع (٩)
(٢) ينظر: "الأغاني" ١٣/ ٨٧.
(٣) ذكره عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠ "عزر".
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٠، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٢٥ (عزر).
(٥) تقدم عند قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة: ٣٢].
(٦) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٣٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٩٤.
(٧) انظر: "معاني القرآن" للزجاج بتصرف، ١/ ٢٠٩ "البحر المحيط" ١/ ٣٩٤.
(٨) تقدم عند قوله تعالى: ﴿أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ﴾ [البقرة: ١٣].
(٩) في (م): (ترفع).
واعترض الزجاج على هذا بأن قال: معنى التمييز لا يحتمل التعريفَ؛ لأنَّ التمييزَ إنما هو واحدٌ يدل على جنس أو خَلَّة يخلص من خِلال، فإذا عَرَّفته صار مقصودًا قصده، وهذا لم يقُلْهُ أحدٌ ممن تقدَّمَ (٤) من النحويين (٥).
ثم حكى أقوالًا، فحكى عن الأخفش (٦)، عن أهل التأويل، إنهم قالوا: إن المعنى: سَفَّه نفسه. وقال يونس (٧) (٨): أُراها لغةً، ذهب إلى أن
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٧٩، ونقله في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٩٩.
(٣) ساقطة من (ش)، (م).
(٤) في (م): (من المتقدمين).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٧٩، وينظر: "التبيان" للعكبري ٩٣.
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٤٨.
(٧) نقله عنه الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ١٤٨.
(٨) هو يونس بن حبيب الضبي بالولاء، البصري أبو عبد الرحمن، تقدمت ترجمته.
قال ابن الأنباري: لا يعرف (٢) هذا؛ لأن العرب لا تقول: سَفِهَ زيدٌ عمرًا بمعنى: سَفَّه، وحكى الزجّاج أيضًا، عن أبي عبيدة، أنه قال: معناه: أهلك نفسه، وأوبق نفسه (٣)، وهذا القول مثل ما حكى الأخفش عن أهل التأويل (٤).
وقال أبو بكر: على هذا القول أهلكت في معنى سفه معنًى، وليس بتفسير، وإذا كان كذلك لم يجز نصبُ النفس به، وإيقاعُه عليه؛ لأن سَفِهَ يخالف أهلَكَ في التعدِّي، وإن كان بمعنى خِفْتُ.
وحكى الزجّاج أيضًا عن الأخفش نفسه (٥): أن سَفِهَ نفسَه بمعنى سَفُه في نفسه، إلا أن (في) حذفت كما حُذفت حروف الجر في غير موضع، كقوله تعالى: ﴿أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، المعنى: أن تسترضعوا لأولادكم (٦)، فحذف حرف الجر من غير ظرف؛ لأن المعنى: لأولادكم، ومثله ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ﴾ [البقرة: ٢٣٥]، أي: عليها، ومثلُه قول الشاعر:
نغالي اللحم للأضياف نِيئًا | ونبذُلُه إذا نَضجَ القُدُورُ (٧) |
(٢) في (ش): (نعرف).
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٥٦.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٠.
(٥) ساقطة من (م).
(٦) ساقطة من (ش).
(٧) البيت لرجل من قيس، في "جمهرة اللغة" ص ١٣١٧، "أساس البلاغة" (غلو) =
قال: ومثله: قول العرب: ضُرِبَ زيدٌ الظَهَر والبَطنَ، المعنى (٢): على الظهر والبطن.
قال: وهذا عندي مذهَبٌ صالح، ثم اختار أن يكون معنى سفِه نفسَه: جَهِلَ نفسه، فالمعنى والله أعلم: إلا من جهل نفسه، أي: لم يفكر في نفسه، فوضع سَفِهَ موضع جَهِل، وعُدِّى كما عُدَي (٣). وقد ارتضى هذا القول كثير من العلماء (٤)، وبه قال ابن كيسان فقال في تفسير قوله: ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾: إلا من جهِل نفسه (٥)؛ لأن من عبد حجرًا أو قمرًا أو شمسا أو صنمًا (٦) فقد جهل نفسه؛ لأنه لم يعلم خالقها، ولم يعلم (٧) ما يحق لله عليه. والعرب تضع سَفِهَ في موضع جَهِل، ومنه الحديث: "الكِبْرُ (٨)
(١) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٤٨ - ١٤٩، وينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٨٥.
(٢) في (ش): (والمعنى).
(٣) بتصرف من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٠، وعنده: فحذف حرف الجر في غير الظرف.
(٤) ينظر: "التبيان" ٩٣، "البحر المحيط" ١/ ٣٩٤.
(٥) الثعلبي ١/ ١٢٠٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٢. والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٤، وهو اختيار الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢١١.
(٦) في (ش): (ضيًا).
(٧) في (م): (ولا يعلم).
(٨) في (أ) و (م): (الكبير).
ويؤيد هذا القولَ ما روي في الحديث (٣): "مَنْ عرف نفسه فقد (٤) عرف ربه" (٥). قيل في معناه: إنما يقع الناس في البدع والضلالات لجهلهم أنفسهم، وظنّهم أنهم يملكون الضرّ والنفع دون الله.
(٢) رواه الطبراني في "الكبير" ٢/ ٦٩، عن ثابت بن قيس، قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٥/ ١٣٣، في طريق عبد الله بن عمرو: رواه الطبراني في "الكبير" و"الأوسط" وفيه عبد الحميد بن سليمان، وهو ضعيف، وقال: رواه أحمد والبزار ورجال أحمد ثقات. اهـ. ورواه أحمد ٤/ ١٣٤ عن أبي ريحانة بلفظ: "إنما الكبر من سفه الحق وغمض الناس" ورواه مسلم (٩١) كتاب الإيمان، باب: تحريم الكبر وبيانه ولفظه: "الكبر بطر الحق وغمط الناس".
(٣) ذكره في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٠٠، وقال: كما جاء في الخبر فذكره، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٥٣.
(٤) ساقطة من (أ).
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره"، وعنه البغوي ١/ ١٥٣، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٤ قال النووي: ليس بثابت، ينظر: "المقاصد الحسنة" ص ٤٩٠ (١١٤٩)، وقال ابن تيمية: موضوع، ينظر: "المصنوع في معرفة الموضوع" ص ١٨٩ (٣٤٩)، وقال السمعاني: إنه لا يعرف مرفوعًا، ينظر: "المقاصد" ص٤٩٠، "الموضوعات" ص ٣٥١. وقال العجلوني في "كشف الخفاء" ٢/ ٢٦٢: وقال أبو المظفر ابن السمعاني في "القواطع": إنه لا يُعرف مرفوعًا وإنما يُحْكى عن يحيى بن معاذ الرازي، يعني من قوله. وقال ابن الفرس بعد أن نقل عن النووي أنه ليس بثابت، قال: لكن كُتبُ الصوفية مشحونة به، يسوقونه مساق الحديث، كالشيخ محيي بن عربي، وغيره. قال: وللحافظ السيوطي فيه تأليف سماه "القول الأشبه في الحديث: من عرف نفسه فقد عرف ربه" والكتاب ضمن الكتب الموجودة في "الحاوي للفتاوى" للسيوطي، وذكره أبو نعيم في "الحلية" ١٠/ ٢٠٨، عن سهل التستري.
ثم بعد هذه الأقوال، قد حكي عن الخليل قول حَسَنٌ، وهو أنه قال: تجيء أفعال تتعدى إلى النفس خاصة، نحو: سَفِه نفسَه وصَبَر نفسَه، ولا يقال: سَفهتُ زيدا (٥) ولا صبرتُه، قال عنترة (٦):
فصبرتُ عارفةً لذلك حُرّةً | ترسُو إذا نفسُ الجبان تَطَلَّعُ (٧) |
(٢) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢١٤.
(٣) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٥، والبغوي ١/ ١٥٣.
(٤) في (م): (حتى يذهب يرغب).
(٥) في (م): (سفهت نفسه زيدًا).
(٦) هو عنترة بن عمرو بن شداد العبسي، من أشهر فرسان العرب وشجعانهم، من أصحاب المعلقات، يعد من الطبقة السادسة لفحول شعراء الجاهلية. ينظر: "الشعر والشعراء" ص ١٤٩، "الأعلام" ٥/ ٩١.
(٧) البيت لعنترة، تقدم تخريجه [البقرة: ٤٤].
قال الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله: ﴿إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ﴾ قال: خسر نفسه (٢).
وقال بعضهم: سفِه حقَّ نفسه، أي: جهِلَ (٣)، فجعله من باب حذف المضاف.
وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ معنى اصطفيناه: اخترناه للرسالة، وهو افتعلنا من الصفوة، قلبت التاءُ طاءً؛ لأنها أشبه بالصاد (٤)، وتأويل: ﴿اصْطَفَيْنَاهُ﴾ أخذناه صافيًا من غير شائب (٥). قال ابن عباس في معنى قوله: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾: يريد: أنه ليس في الأرض خلق إلا وهو (٦) يذكره بخير، وينتحل دينه (٧)، وقيل: ﴿وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا﴾ بالنبوة، وقيل: بالخُلّة.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾، قال ابن عباس: يريدُ
(٢) ذكره الثعلبي ١/ ١١٩١، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٢، والخازن ١/ ١١٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٤.
(٣) ذكره الثعلبي ١/ ١٢٠٠، عن المفضل بن سلمة عن بعضهم. وانظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٩٤.
(٤) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٣٩ - ٢٤٠، "تفسير الطبري" ١/ ٥٥٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١١٩٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٢٢.
(٥) ينظر: "الوسيط" للواحدي ١/ ٢١٥.
(٦) في (م): (إلا ويذكره).
(٧) لعله من رواية عطاء.
وقال الزجاج: يريد من الفائزين؛ لأن الصالح في الآخرة فائز (٤).
وقال الحسينُ بن الفضل (٥): هذا على التقديم والتأخير، تقديره: ولقد اصطفيناه في الدنيا والآخرة وإنه لمن الصالحين قال: ومثل هذا: الآية التي في النحل: ﴿وَآتَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [النحل: ١٢٢] (٦).
١٣١ - قوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ﴾ قال الزجاج: معناه: اصطفيناه إذ قال له ربه ﴿أَسْلِمْ﴾، أي: في ذلك الوقت (٧). ولأهل التفسير في قوله: ﴿أَسْلِمْ﴾ طريقان:
أحدهما: أنه أراد بقوله: ﴿أَسْلِمْ﴾ ابتداء الإسلام، فقد قال ابن
(٢) ذكره الثعلبي ١/ ١٢٠١، والبغوي ١/ ١٥٣، وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٥.
(٣) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢١٥، "البحر المحيط" ١/ ٣٩٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١١.
(٥) هو الحسين بن الفضل بن عمير البجلي، تقدمت ترجمته.
(٦) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٠١، والبغوي ١/ ١٥٣، والقرطبي ٢/ ١٢٢، وأبو حيان ١/ ٣٩٥ وقال: وهذا الذي ذهب إليه خطاء ينزه القرآن عنه.
(٧) "معاني القرآن" ١/ ٢١١.
وقال أصحاب هذا القول: إن الأنبياء يجوز عليهم قبل الوحي من الشرك والكبائر ما جاز على غيرهم، وإنما عصموا من وقت البعثة وإنزال الوحي (٤)، وهذا مذهب جماعة من أهل الأصول (٥).
وقال عدة من المفسرين: قوله: (أسلِمْ) معناه: دُمْ واثْبُتْ على الإسلام، كقوله تعالى لمحمد - ﷺ -: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ (٦)
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٩٤، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٣، الخازن ١/ ١١١، والقرطبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٣، وهو من رواية الكلبي عنه ولفظه كما في "الوسيط" رفع إبراهيم الصخرة عن باب السَّرَب، ثم خرج منه فنظر إلى الكوكب والشمس والقمر.
(٣) في قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا﴾ [الأنعام: ٧٦]، وهذا اختيار الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٦٠.
(٤) قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" ٤/ ٣١٩: فإن القول بأن الأنبياء معصومون عن الكبائر دون الصغائر، هو قول أكثر علماء الإسلام، وجميع الطوائف، حتى إنه قول أكثر أهل الكلام، كما ذكر أبو الحسن الآمدي أن هذا قول أكثر الأشعرية، وهو أيضًا قول أكثر أهل التفسير والحديث والفقهاء، بل هو لم يَنْقُلْ عن السلف والأئمة والصحابة والتابعين وتابعيهم إلا ما يوافق هذا القول.. وإنما نُقِل ذلك القول في العصر المتقدم عن الرافضة ثم عن بعض المعتزلة، ثم وافقهم عليه طائفة من المتأخرين، وعامة ما ينقل عن جمهور العلماء أنهم غير معصومين عن الإقرار على الصغائر، ولا يُقَرُّون عليها، ولا يقولون: إنها لا تقع بحال. وأول من نُقِل عنهم من طوائف الأمة القول بالعصمة مطلقًا وأعظمهم قولًا لذلك: الرافضة....
(٥) ينظر مناقشة ذلك عند أبي حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٥.
(٦) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٢٠١.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قال ابن عباس: في رواية عطاء: يريد بقلبه ولسانه وجوارحه، فلم يعدل بالله شيئا، ورضي أن يُحرَق بالنار في رضى الله تعالى، ولم يستعن بأحد من الملائكة (٤).
١٣٢ - قوله تعالى: ﴿وَوَصَّى﴾ يقال: وصَّى يُوَصّي توصية (٥)، يكونُ المصدر منه على تفعلة، ولا يكون على تفعيل؛ لأنك لو جئت به على تفعيل
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١١٩٥، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٥، والبغوي ١/ ١٥٣، والقرطبي ٢/ ١٢٣، وهذا اختيار ابن كثير ١/ ١٩٨، وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٦.
(٣) ذكره عنه الثعلبي ١/ ١١٩٥، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٣ وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٥.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" بنحوه، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٣.
(٥) المادة المذكورة في "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٢٢٧ - ٢٢٨، "اللسان" ٨/ ٤٨٥٣ - ٤٨٥٤ (وصى).
والوصاة: اسم من التوصية، يقوم مقام المصدر، يقال: وصَّاه وصاةً، كما يقال: كلَّمه كلامًا، قال الله تعالى: ﴿وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا﴾ [الأحزاب: ٤٩]، قال الشاعر:
ألا مَنْ مبلغٌ عَنِّي يزيدًا | وَصاةً من أخي ثقةٍ وَدودِ (١) |
وصى الليل بالأيامِ حتى صلاتُنا | مُقاسمةٌ يشتَقُّ أنصافَها السَّفْرُ (٣). |
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٠٢ (وصى).
(٣) ينظر: "ديوانه" ص ٥٩٠، "لسان العرب" ٨/ ٤٨٥٤، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٠٢، "ديوان الأدب" ٣/ ٢٥٧، "أساس البلاغة" (وصى)، "المعجم المفصل" ٣/ ٢٨٢، ورواية " التهذيب" (نَصِي) بدل (وصى).
بين الرَّجَا والرَّجَا من جنبِ واصيةٍ | يَهْمَاءُ خابطُها بالخوفِ مَكْعُومُ (١) (٢) |
وفي هذا الحرف قراءتان: وصَّى، وأوصى (٨)، ولهما أمثلة من الكتاب. فمثال التشديد قوله: ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ [يس: ٥٠]، وقوله:
(٢) في (ش): (معكوم).
(٣) ذكره في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٠٢ (وصى).
(٤) المصدر السابق.
(٥) لم أجد في النصوص ما يدل على وصف علي -رضي الله عنه- بالوصي سواء بالمفهوم الذي ذكره المؤلف أو بمفهوم الرافضة. وقد بين شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى ٤/ ٧٧ أن الرافضة خرج أولهم في زمن علي -رضي الله عنه- صاروا يدعون أنه خُص بأسرار من العلوم والوصية حتى كان يسأله عن ذلك خواص أصحابه فيخبرهم بانتفاء ذلك.. وقد خرج أصحاب الصحيح كلام علي هذا من غير وجه مثل ما في الصحيح عن أبي جحيفة، قال: سألت عليًا، هل عندكم شيء ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ماعندنا إلا ما في القرآن إلا فهمًا يعطيه الله لرجل في كتابه، وما في الصحيفة. قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال. العقل وفكاك الأسير.
(٦) ذكره في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٠٢ (وصى).
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٠٢، "لسان العرب" ٨/ ٤٨٥٤ (وصى).
(٨) قرأ نافع وابن عامر: (وأَوْصَى) بها وقرأ الباقون من السبعة: (وَوَصَّى). ينظر: "السبعة" ص ١٧٠، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٢٧، "الحجة" لابن خالويه ص ٨٩.
وقوله تعالى: (بِهَا) اختلفوا في هذه الكناية، فقال بعضُهم: إنهَّا ترجع إلى الوصية؛ لأنه ذكر الفعلَ، والفعلُ يدُلُّ على المصدرِ وعلى الاسمِ منه، كقول الشاعر:
إذا نُهِيَ السفيهُ جرى إليه (٣)
أي: إلى السَّفَهِ، فدل السفيهُ على السَّفَهِ. وهذا قولُ أبي عبيدة، قال: وإن شئت رددتها إلى الملة؛ لأنه قد ذكر ملة إبراهيم (٤). وقال المفضَّلُ وجماعة: الكناية عائدة إلى غير مذكور، ثم اختلفوا إلى ماذا تعود؟ فقال المفضل: تعود إلى الطاعة (٥)، كأنه قال: ووصّى بالطاعة. وقال الكلبي (٦)
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١١، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٣٩٧.
(٣) تمام البيت:
وخالف والسفيه إلى خلاف.
لم ينسب البيت لقائل. أنشده الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٢٤٨، وثعلب في "مجالسه" ١/ ٦٠، وذكره في "خزانة الأدب" ٤/ ٣٣٥، وفي "الخصائص" ٣/ ٤٩، وفي "همع الهوامع" ١/ ٢٦٤.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٠٣، ونقله البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٣، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١١.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٠٣، وذكره ولم ينسبه أبو حيان في "البحر" ١/ ٣٩٧، والسمين في "الدر المصون" ١/ ٣٧٦.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٠٣، والواحدي في "البسيط" ١/ ١٢٠٤، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٣.
وقال طرفة (٢)؟
على مثلها أمضي إذا قال صاحبي | ألا ليتني أَفْدِيكَ منها وأَفْتَدي (٣) |
وقوله تعالى: ﴿يَا بَنِيَّ﴾ قيل: أراد أن يا بني، فحذف (أن) كأنه قال: وصَّاهم أن يا بني، وكذلك هو في قراءة أُبي وابن مسعود، بإثبات أن (٥). قال الفراء: إنمَّا حذف (أن) لأن الوصية قول، وكل كلام رجع إلى القول جاز فيه دخول (أن) وجاز إلقاؤه (٦)، كما قال: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ﴾ [النساء: ١١]، ولم يقل: أن للذكر، كأنّ معناه: قال الله: للذكر، فجرى الوصية على معنى القول. قال: وأنشدني الكسائي:
(٢) هو: طرفة بن العبد بن سفيان البكري، تقدمت ترجمته.
(٣) ينظر: "ديوانه" ص ٢٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٠٤ "الإنصاف" لابن الأنباري ص ٨٥، "الدرر اللوامع على همع الهوامع" ٢/ ٢٦٩، والهاء في قوله: (منها) تعود إلى مضمر، وهي الصحراء المهلكة، وهو الشاهد حيث عادت على غير مذكور.
(٤) كذا في "البحر المحيط" ١/ ٣٩٨.
(٥) كذا في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٠٧، "شواذ القراءة" ص ٣٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٢٥.
(٦) في (م): كأنها (الغاوه).
لي شَجَنان شجن بنجد
وشَجَنٌ لي ببلاد السند (١)
ولم يقل: أن لي؛ لأن الإبداء بلسانه في معنى القول، قال: ومثله قوله: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ﴾ [المائدة: ٩]، لأن العِدَةَ قولٌ، وإذا جعلت الوصية بمعنى القول لا يحسن أن يقال: أراد أن يا بني فحذف؛ لأنه لا يحتاج إلى إضمار أن مع القول (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى﴾ قال أبو إسحاق: إنما كسرت (إنّ) لأن معنى وصى وأوصى: قول، والمعنى: قال لهم: إن الله اصطفى (٣). قال ابن عباس: إن إبراهيم قال لبنيه: لا تَعْدِلُوا بالله شيئًا، وإن نُشرتم بالمناشير وقُرضتم بالمقاريض وحُرقتم بالنار (٤).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى﴾ يريد: دين الإسلام دين الحنيفية، والألف واللام فيه للعهد لا للجنس؛ لأنه لم يختر جميع الجنس من الدين، إنما اختار دين الإسلام على سائر الأديان (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ قال الفراء في كتاب
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٠
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١١.
(٤) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢١٦، "تفسير ابن عباس" ص ١٩.
(٥) "البحر المحيط" ١/ ٣٩٩.
ووقع النهي في ظاهرِ الكلام على الموت، وإنما نهُوا في الحقيقة عن ترك الإسلام؛ لئلَّا يصادفهم الموت وهم (٣) عليه، فإنه لابد منه، وتقديره: لا تتعرضوا للموت على ترك الإسلام بالشرك والكفر بالله (٤)، وهذا كما تقول: لا أريَنَّكَ ههنا، فتوقع حرف النهي على الرؤية، وأنت لم تنه نفسك على الحقيقة، بل نهيتَ المخاطب (٥)، كأنك قلت: لا تقربن هذا الموضع فمتى جئته لم أرك فيه، ومثله من الكلام: لا يصادفك الإمام على ما يكره، تقديره: لا تتعرض لأن يصادفك. قال الزجاج: وهذا من سعة الكلام، والمعنى في الآية: ألزموا الإسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم عليه (٦).
١٣٣ - قوله تعالى: ﴿أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ﴾ الآية،
(٢) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٢١، "لسان العرب" ٧/ ٤٢٩٦ (مات).
(٣) زيادة من (م).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٢، "البحر المحيط" ١/ ٣٩٩.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٢.
(٦) المصدر السابق.
كذَبَتْكَ عَيْنُكَ أم رأيتَ بواسِطٍ (٣)
بمعنى: هل رأيت (٤).
ويجوز أن يتقدمه استفهام مضمر، كأنه قيل لليهود: أبلغكم ما تقولون وتنسبون إلى (٥) يعقوب، أم كنتم شهداء حضرتم وصيته (٦)؟ وقد شرحنا معنى (أم) عند قوله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا﴾ [البقرة: ١٠٨].
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٢، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٠٠.
(٣) وعجز البيت:
غَلَسَ الظلام من الرَّباب خيالا
ينظر: "ديوان الأخطل" ص ٣٨٥، "مجاز القرآن" ١/ ٦٥، "الخزانة" ٢/ ٤١١، ٤/ ٤٥٢، "لسان العرب" ٦/ ٣٢٨١، ٧/ ٣٨٤١، "المعجم المفصل" ٦/ ٧٩.
(٤) "مجاز القرآن" ١/ ٥٧.
(٥) في (ش): (عن).
(٦) قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ١/ ٤٩٧ - ٤٩٨: وقال لهم على جهة التقريع والتوبيخ: أشهدتم يعقوب وعلمتم بما أوصى فتدلون عن علم، أي: لم تشهدوا بل أنتم تفترون، وأم، تكون بمعى ألف الاستفهام في صدر الكلام لغة يمانية، وحكى الطبري أن أم يستفهم بها في وسط كلام قد تقدم صدره، وهذا منه. ، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٠٠ - ٤٠١.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ حَضَرَ﴾ موضع إذ نصب؛ لأنه بمعنى وقت حضر، والحضور خلاف الغيبة، وحَضْرة الرجل: فناؤه (٢) (٣).
وقوله: ﴿إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ﴾: إذ هذه الثانية موضعها نصب، كموضع الأولى، وهو بدل مؤكد (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَإِلَهَ آبَائِكَ﴾ الآباء: جمع أب، وفي الأب لغاتٌ، يقال: هذا أبُكَ، وهذا أباك، وهذا أبوكَ، فمن قال: أَبُكَ، قال في التثنية: أَبَان وأبُونَ وأَبِينَ، ومن قال: أباك وأبوك، فتثنيتهما أَبَوَان. أنشد أحمد بن يحيى (٥):
سوى أبِكَ الأدنى وأنَّ محمدًا | علا كلَّ عالٍ يا ابنَ عمِّ محمدِ (٦) |
فلما تَبَيَّنَّ أصواتَنا | بَكَيْنَ وَفَدَّيْنَنَا بالأبِينَا (٨) |
(٢) في (ش): (حضر الرجل فتاه).
(٣) "تهذيب اللغة "١/ ٨٤٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٩٧.
(٤) كذا قال الزجاج في: "معاني القرآن" ١/ ٢١٢.
(٥) في: "اللسان" ١/ ١٦ (أبى).
(٦) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ١/ ١٦ (أبى)، "المعجم المفصل" ٢/ ٤٣٦.
(٧) في: "الكتاب" ٣/ ٤٠٦، وهو في "اللسان" ١/ ١٥ (أبى).
(٨) البيت لزياد بن واصل السلمي، في "خزانة الأدب" ٤/ ٤٧٤ - ٤٧٧، "شرح أبيات سيبويه" ٢/ ٢٨٤، وبلا نسبة في "الأشباه والنظائر" ٤/ ٢٨٦، "خزانة الأدب" ٤/ ١٠٨، ٤٦٨، "الخصائص" ١/ ٣٥٦، "شرح المفصل" ٣/ ٣٧، "الكتاب" ٣/ ٤٠٦، "لسان العرب" ١/ ١٥ (أبى)، "المقتضب" ٢/ ١٧٤، "البحر المحيط" ١/ ٤٠٢، "المعجم المفصل" ٨/ ٧٥.
الليث: فلان يأبو تيمًا إباوة بكسر الألف، أي: يغذوه (١)، وتأبىّ فلان (٢) فلانًا، أي: اتخذه أبًا، كما تقول: تبنَّى من الابن (٣). وقال في تصغير الأب: أُبَيّ، وتصغير الآباء على وجهين: أجودهما: أُبيُّون، والآخر: أُبيَّاء؛ لأن كل جماعة كانت على أفعال فإنها تصغّر على حدها (٤)، كما تقول في تصغير الأجمال: أجيمال.
وقوله تعالى: ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ أدخله في جملة الأباء، وهو كان عمَّ يعقوب؛ لأن العرب تُسَمِّي العمَّ أبًا (٥)، وقد روي أنه لما كان يوم فتح مكة قال رسول الله - ﷺ - للعباس (٦): "امض إلى قومك، أهل مكة، فادعهم إلى الله قبل القتال"، فركب العباس بغلة رسول الله - ﷺ - الشهباء، فانطلق، فلما مضى فأبعد، قال رسول الله - ﷺ -: "رُدُّوا عليَّ أبي، ردوا عليَّ أبي، لا تقتلْه
(٢) في (أ) (م): (تأبى فلانًا).
(٣) في "اللسان" ١/ ١٧ (أبي). "تهذيب اللغة" ١/ ٣٩٦.
(٤) في (ش): (أحدها).
(٥) يروى عن أبي العالية، كما أخرج ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٤، وينظر: "مجاز القرآن"، "معاني القرآن" للفراء، "تفسير الطبري" ١/ ٥٦٣، "تفسير الثعلبي".
(٦) العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي القرشي أبو الفضل، عم رسول الله - ﷺ -، وكان إليه في الجاهلية السقاية والعمارة، هاجر قبل الفتح، وثبت يوم حنين، وقال النبي - ﷺ -: "من آذى العباس فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه"، ولد قبل النبي - ﷺ - بسنتين، وتوفي بالمدينة سنة ٣٢. ينظر: "فضائل الصحابة" للإمام أحمد ٢/ ١١٥٩، "الاستيعاب" ٢/ ٣٥٨.
وفي بعض القراءات: "وإله أبيك إبراهيم" (٤) وله وجهان:
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ١٤/ ٤٨٤ عن عكرمة مرفوعًا، وينظر أيضًا: "كنز العمال" ١٤/ ٥٨٤ (٣٩٦٥٤).
(٣) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" ١١/ ٨٠ عن ابن عباس مرفوعًا ولفظه: "استوصوا بعمي العباس خيرًا فإنه بقية آبائي، وإنما عم الرجل صنو أبيه" قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٩/ ٢٦٩: رواه الطبراني، وفيه عبد الله بن خراش، وهو ضعيف، ووثقه ابن حبان، وقال: ربما أخطاه، وبقية رجاله وُثَّقُوا، ورواه الطبراني في "الصغير" ١/ ٣٤٤ من حديث الحسن بن علي مرفوعًا بلفظ "احفظوا في العباس فإنه بقية آبائي" قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم وضعفه الألباني كما في "ضعيف الجامع الصغير" برقم ٢١٣، وأخرجه الخطيب في "تاريخ بغداد" ١٠/ ٦٨ من حديث عبد المطلب بن ربيعة، وقد ضعفه الألباني كما في "السلسلة الضعيفة" ٤/ ٤١٥، وروي عم مجاهد مرسلًا كما عند ابن أبي شيبة في "المصنف" ١٢/ ١٠٩ وعبد الرزاق في "تفسيره" ٢/ ٣٣١.
(٤) كذا قرأ ابن عباس والحسن وابن يعمر والجحدري وأبو رجاء، كما في "مختصر شواذ القرآن" لابن خالويه ص ٩، "شواذ القراءة" للكرماني ص ٣٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢١١، "البحر المحيط" ١/ ٤٠٢، وقال الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٦٣: وقرأ بعض المتقدمين (وإله أبيك إبراهيم) ظنا منه أن إسماعيل إذ كان عمًّا ليعقوب، فلا يجوز أن يكون فيمن ترجم به عن الآباء وداخلا في عدادهم، وذلك من قارئه كذلك قلة علم منه بمجاري كلام العرب، والعرب لا تمنع من أن =
والثاني: أنه كره أن يجعل إسماعيل من جملة الآباء فوحَّد الأب، ويكونُ التقدير: إلهَ أبيك إبراهيمَ وإله إسماعيل وإسحاق، كما تقول: رأيتُ غلامَ زيد وعمرو أي: غلامهما (١)، قال عطاء عن ابن عباس: إن الله لم يقبض نبيًّا حتى يخيره بين الموت والحياة، فلما خيرَّ يعقوب قال: أنظِرْني حتى أسألَ ولدى وأوصيَهم، فجمع ولده، وهم اثنا عشر رجلًا، وهم الأسباطُ، وجميع أولادهم، فقال لهم: قد حَضَرَتْ وفاتي، وأنا أريدُ أن أسألكم وأوصيكم: ما تعبدون من بعدي قالوا: نعبد إلهك كما في الآية (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِلَهًا وَاحِدًا﴾ ينتصب على وجهين: إن شئت على الحال، كأنهم قالوا: نعبد إلهَكَ في حال وحدانية، وإن شئت على البدلِ، وتكون الفائدة في هذا البدل: ذكر التوحيد، فيكون المعنى: نعبد إلهًا واحدًا (٣).
(١) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٠٢ - ٤٠٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٢٧.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ١٢١٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٤، والحافظ في "العجاب" ١/ ٣٨٠ من قول عطاء، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ١٢١٠ والرازي في "التفسير الكبير" ٤/ ٧٦، عن ابن عباس وذكره دون نسبة "الخازن" ١/ ١١٤، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٠٢.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٢، وذكره الأخفش في "معانيه" ١/ ١٥٠ على وجه الحال فقط.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ﴾ أي: مضت (٣)، وخَلَتْ إذا استعمل في المكان فالمراد به خلوه عن السكان، وإذا استعمل في الزمان فالمراد به المضي (٤) كقوله عز وجل: ﴿الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ [الحاقة: ٢٤]. وقول لبيد:
حِجَجٌ خلون حلالُها وحرامُها (٥)
والمراد بقوله: (تلك أمة) إبراهيم وبنوه ويعقوب وبنوه الذين تقدم ذكرهم، (لها ما كسبت) من العمل، ثم قال لليهود: ﴿وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ﴾ أي: حسابهم عليهم، وإنما تسألون عن أعمالكم (٦).
١٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ المعنى: قالت اليهود: كونوا هودًا، وقالت النصارى: كونوا نصارى (٧).
(٢) ينظر: "شرح التصريح على التوضيح" للشيخ خالد الأزهري ١/ ١٢٨.
(٣) كذا قال الأخفش في "معاني القرآن" ١/ ١٥٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢١٢.
(٤) "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٧٤ (خلا).
(٥) مطلع البيت:
دمن تجرم بعد عهد أنيسها
وهو من الكامل، للبيد بن ربيعة من معلقته، ينظر: "ديوانه" ص ١٦٣.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢١٢، "تفسير ابن كثير" ١/ ١٩٩.
(٧) ذكره الزجاج في "معاني القرآن".
وقوله تعالى: ﴿بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ بنصب (٢) ﴿مِلَّةَ﴾ بفعل مضمر، كأنه قال: قولوا بل نتبع ملة إبراهيم (٣). وقال بعض النحويين: هو عطف على المعنى؛ لأن قوله: ﴿كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى﴾ معناه: اتبعوا اليهودية والنصرانية، فقال الله: ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ أي: بل اتبعوا ملته (٤).
قال أبو اسحاق: ويجوز أن تنصب على معنى: بل نكون أهلَ ملةِ إبراهيم، ويحذف الأهل كقوله: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ (٥) [يوسف: ٨٢]، وإلى هذا القول أشار الفراء والكسائي.
(٢) في (أ)، (م): (تنصب).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للفراء، "معاني القرآن" للزجاج، وقال بعده: ويجوز الرفع (بل ملةُ إبراهيم حنيفا) والأجود والأكثر النصب، ومجاز الرفع على معنى: قل: ملتنا وديننا ملة إبراهيم.
(٤) كذا في "معاني القرآن" للزجاج.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج، وذكره بنحوه أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٠٦.
قال أهل المعاني: وفي هذا احتجاج عليهم؛ إذ في اليهودية تناقُضٌ، وكذلك النصرانية، والتناقضُ لا يكون من عند الله، وملةُ إبراهيم سليمةٌ من التناقض، فهو أحقُّ بالاتباع (٢).
فمِمَّا في اليهودية من التناقض (٣): امتناعُهم من جواز النسخ، مع ما في التوراة مما يدل على ذلك، وإمتناعُهُمْ من العمل بما تقدمت به البشارة في التوراة من اتباع النبي الأمي، مع إظهارهِم التمسك بها، وامتناعهم من الإذعان لما دلّت عليه المعجزة من نبوة محمد وعيسى عليهما السلام، مع إقرارهم بنبوة موسى من أجل المعجزة، إلى غير هذا مما هم عليه من التناقض، وأما النصارى فقولهم بثلاثة، ثم يقولون: إنه إله واحد (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَنِيفًا﴾. انتصب على الحال؛ لأن المعنى: نتبعُ ملةَ ابراهيم في حال حنيفيته، وعند الكوفيين ينتصب على القطع، كأنه ملة
(٢) ينظر: "تفسير الفخر الرازي" ٤/ ٨٠.
(٣) ساقط من (م) و (أ).
(٤) ينظر: "تفسير الفخر الرازي" ٤/ ٨٠.
وأمَّا معنى الحنيف: فقال ابنُ دُريد: الحنيف: العادل عن دين إلى دين، وبه سمي الإسلام: الحنيفية؛ لأنها مالت عن اليهودية والنصرانية (٢). قال أبو حاتم: قلت للأصمعي: من أين عُرِفَ في الجاهلية الحنيف؟ قال: لأن من عدل عن دين اليهود والنصارى فهو حنيف عندهم، وكان كل من حجَّ البيت سُمِّيَ حنيفًا، وكانوا في الجاهلية إذا أرادوا الحجَّ قالوا: هلموا نتَحَنَّفْ (٣) (٤). فالحنيف: المسلم؛ لأنه مال عن دين اليهود والنصارى إلى دين الإسلام، ومنه قيل للميل في القَدَم: حَنَفٌ.
قال ذو الرمَة:
إذا حَوَّل الظلُّ العشِيَّ رأيتَه | حنيفًا وفي قَرنِ (٥) الضحَى يَتَنَصَّر (٦) (٧) |
(٢) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢١٨.
(٣) في (م): (نحنف).
(٤) ذكره في "الوسيط" ١/ ٢١٨.
(٥) في (م): (قرب).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٦٣٢، "لسان العرب" ٢/ ١٠٦٠، "المعجم المفصل" ٣/ ٢٦٥.
(٧) في (م): (تنتصر).
وروى ابن نجدة (٢)، عن أبي زيد (٣)، أنه قال: الحنيفُ: المستقيم، وأنشد (٤):
تعلم أَنْ سَيَهْدِيْكُم إلينا | طريقٌ لا يَجُور بكم حَنِيفُ (٥) |
(٢) هو محمد بن الحسين بن محمد الطبري النحوي، يعرف بابن نجدة، قال ياقوت: مشهور في أهل الأدب، وله خط مرغوب فيه، قرأ على الفضل بن الحباب الجمحي. ينظر: "بغية الوعاة" ١/ ٩٤، "معجم الأدباء" ١٨/ ١٨٦.
(٣) "لسان العرب" ٢/ ١٠٢٦ (حنف).
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٩٤٢ (حنف).
(٥) البيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ٩٤٢، "لسان العرب" ٢/ ١٠٢٦ (حنف)، "المعجم المفصل" ٣/ ٢٦٥.
(٦) "تهذيب اللغة" ١/ ٩٤٢ (حنف).
(٧) "غريب القرآن" ص ٦٤ بنحوه، وكذا قال الطبري ١/ ٥٦٤ - ٥٦٥.
(٨) هو العباس بن الفرج، أبو الفضل الرياشي، اللغوي النحوي، قرأ على المازني النحو، وقرأ عليه المازني اللغة، ووثقه الخطيب، صنف كتاب الخيل وكتاب الإبل، وغير ذلك، قتله الفرنج سنة ٢٥٧ هـ. ينظر: "بغية الوعاة" ٢/ ٢٧، "الأعلام" ٣/ ٢٦٤.
(٩) في (ش): "للمقارفة".
(١٠) لعل صحة العبارة كما قيل للمهلكة: مفازة، أو: كما قيل: مفازة للمهلكة، وينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٥٦٤.
وقال مجاهد: الحنيفية اتباع الحق (٢)، وروي عنه أيضًا: الحنيفية: اتباع إبراهيم فيما أتى به من الشريعة التي صار بها إمامًا للناس بعده، من الحج، والختان، وغير ذلك من شرائعه (٣).
وقال الحسن: الحنيفية: حج البيت (٤)، وهو معنى قول ابن عباس (٥)، وعطية (٦) (٧).
وقيل: الحنيفية: إخلاص الدين لله وحده (٨)، وهذه الأقوال غير خارجة عما ذكره أهل اللغة؛ لأنها تعود إلى الاستقامة أو الميل إلى ما أتى به إبراهيم عليه السلام من الشريعة (٩).
(٢) بنحوه أخرج الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٦٥ - ٥٦٦، وابن أبي حاتم ١/ ٤١ قال: وروي عن الربيع بن أنس نحو ذلك.
(٣) عنه الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢١٨، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٥.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩٥، ومن طريقه أخرجه الطبري ١/ ٥٦٥، وأخرجه من طريق أخرى ١/ ٥٦٥، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٤٢، والثعلبي ١/ ١٢١٤.
(٥) أخرجه عنه الطبري ١/ ٥٦٥، وابن أبي حاتم ١/ ٢٤١، قال: وروي عن الحسن والضحاك وعطية والسدي نحو ذلك.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٦، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٤١.
(٧) تقدمت ترجمته.
(٨) ذكر عن السدي كما أخرج الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٦٦، وعن خصيف عند ابن أبي حاتم ١/ ٢٤٢، وذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٤١.
(٩) رجح الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٦٦ أن الحنف والحنيف: الاستقامة على دين =
فأما الأسباط: فهو مشتق من السبط، وهو ضرب من الشجر، يعلفه الإبل. كأنه جعل إسحاق بمنزلة شجرة، وكذلك يفعل النسابون في النسب، يجعلون الوالد بمنزلة الشجرة، ويجعلون الأولاد بمنزلة أغصانها (٢).
وقال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي، ما معنى السبط في كلام العرب؟ فقال: خاصة الأولاد (٣) والمُصَاصُ منهم (٤)، وكان في الأسباط أنبياء؛ لذلك قال: ﴿وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ﴾.
وقوله: ﴿لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ﴾ أي: لا نكفر ببعض ونؤمن ببعض،
(١) عبارة الزجاج التي نقلها الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦١٥ (سبط): والصحيح أن الأسباط في ولد إسحاق عليه السلام، بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل، فولدُ كل ولد من أولاد يعقوب سبط، وولدُ كل ولد من أولاد إسماعيل قبيلة، وإنما سموا هؤلاء بالأسباط، وهؤلاء بالقبائل ليُفْصَل بين ولد إسماعيل وولد إسحاق عليهما السلام.
(٢) نقله بتصرف من "تهذيب اللغة" عن الزجاج ٢/ ١٦١٥ (سبط)، وقد ذكر في "معاني القرآن" شيئا يسيرا من هذا ١/ ٢١٧، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢١٥، وقال: والأسباط من بني إسرائيل كالقبائل من العرب والشعوب من العجم.
(٣) ساقط من (أ)، (م).
(٤) كما في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦١٦ (سبط)، وعبارته: فقال: السِّبط والسِّبطان والأسباط: خاصة الأولاد، أو المُصاص منهم.
١٣٧ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ قال الزجاج: تأويل هذا: إن أتوا بتصديقٍ مثل تصديقكم (٣)، فيُحْمَلُ على تشبيهٍ بالإيمان، لا على التشبيه في الشيء الذي آمنوا به، كأنه قال: إن آمنوا وكان إيمانهم كإيمانكم، ووحدوا كتوحيدكم، وهذا قول ابن الأنباري، وزاد بيانًا فقال: المعنى: فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به، أي: فإن آمنوا مثل إيمانكم، فتزاد الباء للتوكيد، كما زيدت في قوله: ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ﴾ [مريم: ٢٥].
وقال أبو معاذ النحوي (٤): أراد: إن آمنوا هم (٥) بكتابكم كما آمنتم أنتم بكتابهم (٦). فالمثل هاهنا: الكتاب، والمسلمون يؤمنون بالتوراة،
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٠٩.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٢١٧.
(٤) هو أبو معاذ النحوي المروزي، المقرئ اللغوي، تقدمت ترجمته في المقدمة.
(٥) ليست في (م).
(٦) نقله البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٦.
وقوله تعالى: ﴿فَقَدِ اهْتَدَوْا﴾ أي: فقد صاروا مسلمين (٣).
﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾ أي: خلاف وعداوة (٤)، وتأويله: أنهم صاروا في شِقّ غير شَقّ المسلمين (٥)، والعداوة تسمى شقاقًا؛ لأنّ كلّ واحد من المعادين يأتي بما يشقّ على صاحبه، أو لأنّ كل واحد صار في شقّ غير شق صاحبه للعداوة والمباينة (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ قال المفسرون: كفاه الله أمر اليهود بالقتل والسبي في قريظة، والجلاء والنفي في بني النضير، والجزية والذلة (٧) في نصارى نجران (٨).
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢١٨، "البحر المحيط" ١/ ٤١٠.
(٣) كذا قال الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢١٤، والثعلبي ١/ ١٢١٧.
(٤) ذكره الثعلبي ١/ ١٢١٨، عن ابن عباس وعطاء والأخفش.
(٥) في (م): (الإسلام).
(٦) بنحوه عند الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢١٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢١٨، "تفسير السمرقندي" ١/ ١٦٢، والرازي ٤/ ٩٣.
(٧) في (ش): (والذلة والجزية).
(٨) "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢٢٠و ١/ ١٥٧، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٣١، "البحر المحيط" ١/ ٤١٠.
وقالت العلماء: لا يكون الرجل مؤمنًا حتى يؤمن بسائر الأنبياء السابقين، وجميع الكتب التي أنزلها الله على الرسل، فيجب على الإنسان أن يُعَلِّمَ صِبيانَه ونساءهَ أسماءَ الأنبياء ويأمرهم بالإيمان بجميعهم؛ إذ لا يبعد أن يظُنَّوا أنهم كُلِّفوا الإيمان بمحمد - ﷺ - فقط فيلقَّنوا قوله تعالى: ﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ الآية.
١٣٨ - قوله تعالى ﴿صِبغَةَ الله﴾ الصِّبْغ: ما يُلَوَّنُ به الثياب، والصَّبْغُ المصدر، وأصله: المزجُ للتلوين، وما يُصْطبَغُ به من الأطعمة يسمى: صِبْغا وصِبَاغًا؛ لأنه مزج شيء بشيء، ولون بلون (٣).
قال الحسن (٤) وقتادة (٥) وأبو العالية (٦) ومجاهد (٧) والسُّدّي (٨) وعطية (٩) وابن زيد (١٠): دين الله. فعلى هذا القول، إنما سمي الدينُ
(٢) ذكره في "الوسيط" عنه، وبنحوه عن الضحاك، كما في "الدر المنثور" ١/ ٢٥٨.
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٧٥ - ١٩٧٦ "صبغ"، "البحر المحيط" ١/ ٤١١.
(٤) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٤٥.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٧١، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٤٥.
(٦) المراجع السابقة.
(٧) المراجع السابقة.
(٨) المراجع السابقة.
(٩) المراجع السابقة.
(١٠) المراجع السابقة.
دعِ الشَّرَّ وَانْزِلْ بِالنَّجَاةِ تَحَرُّزًا | إذا أنت لم يَصْبِغْكَ في الشَّرِّ صَابغُ (١) |
وقال أبو عمرو: كل ما يتقرب به إلى الله عز وجل فهو الصِّبْغَةُ (٣).
وقال ابن عباس: إن النصارى كانوا إذا ولد لأحدهم ولد، فأتى على سبعة أيام غمسوه في ماء لهم، يقال له: المعمودي، وصبغوه به ليطهروه بذلك مكان الختان (٤)، ويقولون: هو تطهير له وتنظيف، فجعل الله الختان للمسلمين تنظيفًا وتطهيرًا، وأمر به معارضةً للنصارى. فعلى هذا القول جرت الصبغة على الختانة؛ لصبغهم غلمانهم في الماء.
(٢) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٧٦، وابن منظور في "اللسان" ٤/ ٢٣٩٦ (صبغ).
(٣) ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٧٦، وعنه ابن منظور في "اللسان" ٤/ ٢٣٩٦.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٢٣، وعنه البغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٧، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٤، ٤٥، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥١، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٣٢، و"الخازن" ١/ ١١٦، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤١١، وابن حجر في "العجاب" ١/ ٣٨٢.
قد صبغت مشافرًا كالأشبارْ (٢)
فسمي الختانُ صبغةً من حيثُ كان بدل ما فعلوه من صبغهم أولادهم، كما قال: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] فسمى الثانية سيئة لما كانت في معارضة الأولى، كذلك الختانة سماها الله تعالى صبغة؛ لأنها تجري (٣) للمسلمين مجرى صبغ النصارى أولادهم، وهذا القول اختيار الفراء (٤). ويحتمل أنه سمي الختان صبغة؛ لأنه يصبغُ الولدَ بالدم.
وذكر أبو إسحاق في قوله: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ قولًا آخر، هو مذهب أبي عُبيدة (٥)، وهو أنه قال: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ أي: خِلقَةَ الله، من صبَغْتُ الثوب، إذا غيرتُ لونَه وخِلْقَتَه، فيجوز أن يسمى الخلقة صبغة، والله تعالى ابتدأ الخلقة على الإسلام بدليل قوله: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ﴾ [الأعراف: ١٧٢] الآية.
وقوله: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [الروم: ٣٠] (٦)، وما
(٢) هذا رجز ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٧٦، وابن منظور في "اللسان" ٤/ ٢٣٩٦ (صبغ)، ولم ينسباه.
(٣) في (م): (تجزي).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٢، وينظر: "الزاهر" ١/ ١٤٥، "تفسير الطبري" ١/ ٥٧٠.
(٥) "مجاز القرآن" ١/ ٥٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٥ - ٢١٦، والثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٢١.
وانتصب قوله: ﴿صِبْغَةَ اللَّهِ﴾ عند الأخفش (٣) على البدل من قوله: ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾. وذكر الزجاج (٤) في انتصابه الوجهين اللذين ذكرنا في ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾، وقال أبو عبيد: نصب على الإغراء، أي: الزموا واتبعوا (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً﴾ أي: دينًا، على القول الأول، وعلى قول ابن عباس: تطهيرًا، ومعناه: أن التطهير الذي أمر الله به مبالغ في النظافة، وعلى قول أبي إسحاق: فطرة وخلقة.
١٣٩ - قوله تعالى: ﴿قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا﴾ الخطاب ليهود المدينة، ونصارى نجران، ومحاجتهم أنهم قالوا: إن أنبياء الله كانوا منا، وديننا هو الأقدم، وكتابنا هو الأسبق، ولو كنت نبيًّا كنت منَّا، فأنزل الله تعالى: {قُلْ
(٢) ليست في (أ) و (م).
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٥٠، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٢٤.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٥.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٢٣، وذكر هذا الوجه ابن الأنباري في "البيان في غريب إعراب القرآن" ١/ ١٢٦، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٤١٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٧.
وقوله تعالى: ﴿فِي اللَّهِ﴾ أي: في دين الله (٤)، ولنا أعمال نجازى بحسنها وسيئها، وأنتم في أعمالكم على مثل سبيلنا، لا يؤخذ بعض (٥) بذنب بعض. ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾ أي: موحدون (٦)، ومعنى الإخلاص: التنقية من الشوائب (٧).
ولقد سألت الأستاذ أبا إسحاق أحمد بن محمد (٨) رحمه الله فحدثني بإسناده مسلسلا (٩): أن حذيفة (١٠) رضى الله عنه قال: سألت النبي - ﷺ - عن
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٢٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٥٧، "البحر المحيط" ١/ ٤١٢.
(٣) قال أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤١٣: والهمزة للاستفهام مصحوبًا بالإنكار عليهم. وينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ١٣٣.
(٤) في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٢٤ قال: وذلك أنهم قالوا: يا محمد إن الأنبياء كانوا منا وعلى ديننا، ولم يكن من العرب نبي، فلو كنت نبيًّا لكنت منا وعلى ديننا، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٥٧، "تفسير الخازن" ١/ ١١٦.
(٥) في (ش): (بعضنا).
(٦) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٢٢٤.
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٢٥ - ١٣٣٢، وقد أفرد فصلًا في معنى الإخلاص، "تفسير البغوي" ١/ ١٥٧.
(٨) يعني الثعلبي.
(٩) هذا الحديث مسلسل بالسؤال عن الإخلاص من أدناه إلى أعلاه.
(١٠) هو حذيفة بن اليمان العبسي، حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، =
قال ابن الأنبارى: وفي الآية إضمار واختصار، أراد: ونحن له مخلصون، وأنتم غير مخلصين، فحذف اكتفاء بقوله: ﴿وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ﴾.
قال: ومعنى الآية: أتحتجون علينا، وأنتم مشركون كافرون بالأنبياء، ونحن مخلصون له بالعبادة والتوحيد؟ ومَن هو على مثل سبيلكم، الواجبُ عليه أن يتشاغل بالفكر في عماه، وأن لا ينازع ويناظر من يعلم (٢) أنه أرشد منه وأهدى سبيلًا. وتلخيص الآية: لا حجة لكم علينا في دين ربنا؛ إذ كنا نخلص له (٣) ولا نعبد معه سواه، وأنتم تجعلون له الشركاء والأنداد (٤).
(١) رواه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٢٥، وذكره الديلمي في "مسند الفردوس" ٣/ ١٨٧، عن علي وابن عباس مرفوعًا، وذكره القرطبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٤، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤١٣، والآلوسي في "روح المعاني" ١/ ٣٩٩، والحديث في إسناده أحمد بن عطاء، وعبد الواحد بن زيد، وقال عنه الحافظ ابن حجر في "الفتح" ٤/ ١٠٩: حديث واهٍ جدًا وضعفه كذلك الدكتور خالد العنزي في تحقيق "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٢٧.
(٢) في (ش): (يعلم الله).
(٣) في (ش): (معه).
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤١٣ - ٤١٤.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّه﴾ أي: قد أخبرنا الله أن الأنبياء كان دينهم الإسلام، ولا أحد أعلم منه (٦) (٧).
(٢) من "الحجة" ٢/ ٢٢٩ بتصرف، وينظر: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٣٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ١٥٨.
(٣) كذا قال الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢١٧.
(٤) في (م) و (ش): (قرأ).
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٧.
(٦) ساقط من (ش).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٧.
قال ابن عباس: يريد مَنْ أظلمُ ممَّنْ كتمَ شهادتَه التي أشهد عليها، يريد أن الله أشهدهم في التوراة والإنجيل: أنه باعث فيهم محمد بن عبد الله من ذرية إبراهيم، وأخذ على ذلك مواثيقهم أن يبيّنوه للناس ولا يكتموه، فكتموه وكذبوا فيه (٢).
وقال مجاهد (٣) والربيع (٤): الشهادةُ في أمر إبراهيم والأنبياء الذين ذكرهم وأنهم كانوا حنفاء مسلمين، فكتموها، وقالوا: إنهم كانوا هودًا أو نصارى (٥).
وحكى ابن الأنباري عن بعضهم: أن هذا من كلام المسلمين، يريدون: من أظلم منا إن تابعناكم على ما تقولون، بعد ما وقفنا على كذبكم بإعلام الله إيّانا، وكتمان أمر محمد، والشهادة له بالنبوة، بعد أن ثبتت (٦)
(٢) هذا من رواية عطاء التي تقدم ذكرها في المقدمة، ويذكر قريب منه عن غير ابن عباس عند الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٧٤ - ٥٧٥، وابن أبي حاتم ١/ ٢٤٦.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٧٤.
(٤) أخرجه الطبري ١/ ٥٧٥، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٤٦.
(٥) رجح هذا القول الطبري في "تفسيره" ١/ ٥٧٥ - ٥٧٥ مبينًا أن هذه الشهادة جاءت بعد ذكر هؤلاء الأنبياء؛ فأولى بها أن تكون متصلة بهم لا بموضوع آخر، والشهادة التي عندهم ما أنزل الله إليهم في التوراة والإنجيل من الأمر بمتابعة هؤلاء المذكورين من الأنبياء، وأنهم كانوا حنفاء مسلمين فكتموا ذلك حينما دعاهم إليه رسول الله - ﷺ - إلى الإسلام. ورجحه كذلك أبو حيان في "البحر" ١/ ٤١٥، مبينا أنه أشبه بالسياق.
(٦) في (م): (ثبت).
١٤١ - قوله تعالى ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ﴾ أي: ثواب ما كسبت ﴿وَلَكُمْ﴾ ثواب ﴿مَا كَسَبْتُمْ﴾ (١) وحَسُنَ تكريرُ هذه الآية؛ لأن الحجاج إذا اختلفت مواطنه حَسُنَ تكريرُه للتذكير به (٢).
١٤٢ - قوله تعالى ﴿سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ﴾ الآية، نزلت في تحويل القبلة إلى الكعبة.
قال ابن عباس: عَنَى بالسفهاء يهود المدينة (٣)، وقال الحسن: يعني مشركي مكة.
وقال السدي: يعني منافقي المدينة، وذلك أن المشركين قالوا لما توجه النبي - ﷺ - إلى الكعبة: قد اشتاق محمد إلى مولده، ومولد آبائه، وقد توجه نحو قبلتكم، وهو راجع إلى دينكم. وقالت اليهود: قد تردد على محمد أمره، ولا يدري أين يتوجه. وقالت المنافقون استهزاءً بالإسلام والمسلمين: ﴿مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ (٤)، والسفهاء: جمع سفيه، وهو الخفيف إلى ما لا يجوز له أن يخِفّ إليه (٥)، وذكرنا هذا فيما تقدم.
(٢) ينظر: "الوسيط" ١/ ٢٢٤، "البحر المحيط" ١/ ٤١٥، وقال: وليس ذلك بتكرار؛ لأن ذلك ورد إثر شيء مخالف لما وردت الجمل الأولى بإثره، وإذا كان كذلك فقد اختلف السياق فلا تكرار، بيان ذلك: أن الأولى وردت بإثر ذكر الأنبياء فتلك إشارة اليهم، وهذه وردت عقب أسلاف اليهود والنصارى فالمشار إليه هم.
(٣) أخرجه الطبري ٢/ ١، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٤٧.
(٤) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٥٨.
(٥) ينظر: "اللسان" ٤/ ٢٠٣٢ (سفه).
وقوله تعالى: ﴿عَنْ قِبْلَتِهِمُ﴾ القبلة: الوجهة، وهي الفعلة من المقابلة، والعرب تقول: ماله قِبلة ولا دِبرة، إذا لم يهتد لجهة أمره، وأصل القبلة في اللغة: الحالة التي يقابل الشيء غيره عليها، كالجلسة للحال التي يجلس عليها، إلا أنها الآن صارت كالعلم للجهة التي تستقبل في الصلاة (٢).
وقوله تعالى: ﴿الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا﴾ يعنون: بيت المقدس، في قول أكثر المفسرين، والضمير في قبلتهم: للنبي - ﷺ - وأصحابه.
وقال عطاء عن ابن عباس: يريد التي كان عليها إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط (٣)، وهذا على زعمهم؛ لأنهم كانوا يدعون أن قبلة إبراهيم كانت بيت المقدس، وعلى هذا القول الضمير (٤) في ﴿قِبلَتِهِمُ﴾ لإبراهيم ومن ذُكر بعده، كأنهم قالوا: ما ولّى النبي وأصحابه عن قبلة إبراهيم والأسباط. والقول هو الأول، وعليه المفسرون.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ﴾ أي: له أن يأمر بالتوجه إلى أي جهة شاء (٥).
وقيل: أراد بالمشرق الكعبة؛ لأن المصلي بالمدينة إذا توجه إلى الكعبة فهو متوجه إلى المشرق، وإذا توجه إلى بيت المقدس فهو متوجه إلى
(٢) "اللسان" ٦/ ٣٥١٧ (قبل).
(٣) قريب منه في "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٤٧.
(٤) ساقط من (م).
(٥) كذا في "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٠.
وقوله تعالى: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قال ابن عباس: إلى دين مستقيم، يريد: أني قد رضيت قبلة أولئك، ورضيت هذه القبلة لمحمد - ﷺ -. "ودين الله" يسمى: صراطًا مستقيمًا؛ لأنه يؤدي إلى الجنة؛ كما يؤدي الطريق المستقيم إلى البغية (٢).
١٤٣ - قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ الآية. قال أهل المعاني: التشبيه في قوله: ﴿وَكذَلِكَ﴾ يرجع إلى ذكر الأنبياء الذين أنعم الله عليهم، وهم إبراهيم وأولاده، فلما ذكرهم وذكر النعمة عليهم بالكتاب المنزل، والحنيفية المستقيمة، قال: ﴿وَكذَلِكَ﴾ أي: وكما اخترنا إبراهيم وذريته واصطفيناهم، كذلك جعلناكم أمةً وسطًا (٣).
وقيل: هذه الآية تتصل بما قبلها من قوله: ﴿يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ أي: هديناكم وخصصناكم دونهم بالصراط المستقيم، وتحويل قبلتكم إلى قبلة إبراهيم، وكذلك أنعمنا عليكم نعمة أخرى فقال: إنا جعلناكم عدولًا (٤).
وقوله: ﴿وَسَطًا﴾ الوسط: اسم لما بين طرفي الشيء. قال الفراء: الوَسَط المثقل: اسم، كقولك: رأسٌ وسط وأسفل، ولا تقولن ههنا:
(٢) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٠.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٥، "تفسير البغوي" ١/ ١٥٨، "تفسير الرازي" ٤/ ٩٦ - ٩٧.
(٤) ذكر الرازي في "التفسير الكبير" ٤/ ٩٦ - ٩٧، وجوهًا أخر. وينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٣ - ٤، "البحر المحيط" ١/ ٤١٢.
قال الفراء: قال ابن يونس: سمعت وسْط ووَسَط بمعنًى (٢)، قال الشاعر:
قالوا يالَ أشجع يومَ هَيْجٍ | ووَسْط الدار ضَربًا واحْتِمايا (٣) |
(٢) قال الجوهري: كل وضع صلح فيه بين فهو وسْط، وإن لم يصلح فيه بين فهو وسَط بالتحريك، وقال: وربما سكن، وليس بالوجه. وذكر البيت.
(٣) البيت، نسبه في "اللسان" ٨/ ٤٨٣١ (وسط) لأعصر بن سعد بن قيس عيلان.
(٤) في (م): (يتميز بعضها من بعض).
(٥) نقله عنه بمعناه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٢٨٨٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٤، "اللسان" ٨/ ٤٨٣٢ (وسط).
(٦) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٥/ ٣٨٤ عن حذيفة، في الذي يقعد في وسط الحلقة قال: ملعون على لسان ٢٢٧٥٢، والترمذي (٢٧٥٣) الأدب، باب: كراهية القعود وسط الحلقة، وأبو داود (٤٨٢٦) الأدب، باب: في الجلوس وسط الحلقة، وقال الترمذي: حسن صحيح.
قال الفراء: ويقال: وسطتُ القوم سِطةً ووسوطًا إذا دخلت وسطهم: قال الله تعالى: ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ [العاديات: ٥] (٢).
فأما التفسير: فقال عُظْم أهل التفسير في قوله: ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾ أي: عدلًا خيارًا (٣)، وروي ذلك في حديث مرفوع، أخبرناه الأستاذ أبو طاهر محمد بن محمد بن محمش الزيادي (٤) رحمه الله، ثنا أبو بكر محمد بن عمر بن حفص الزاهد (٥)، ثنا إبراهيم بن عبد الله الكوفي العبسي (٦)، ثنا
(٢) نقله عنه بمعناه في "اللسان" ٨/ ٤٨٣٣، ينظر في معاني الوسط: "المفردات" ص ٥٣٧ - ٥٣٨، "البحر المحيط" ١/ ٤١٨، "اللسان" ٨/ ٤٨٣١ - ٤٨٣٤ (وسط).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٤٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٤، "المحرر الوجيز" ٢/ ٤ - ٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٠.
(٤) هو محمد بن محمد بن محمش الزيادي، أبو طاهر، من شيوخ الواحدي، كان إمام أصحاب الحديث بخراسان، وفقيههم ومفتيهم، أخذ الواحدي عنه، توفي سنة ٤١٠هـ. ينظر: "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٢٧٦ - ٢٧٨، "تذكرة الحفاظ" ٣/ ١٠٥١.
(٥) هو الإمام الزاهد المعمر أبو بكر محمد بن عمر بن حفص النيسابوري العابد، سمع سهل بن عمار وغيره، روى عنه أبو طاهر بن محمش وغيره، توفي سنة ٣٣٥ هـ. ينظر: "سير أعلام النبلاء" ١٥/ ٣٧٦.
(٦) هو إبراهيم بن عبد الله العبسي الكوفي أبو شيبة، سمع من أبي نعيم وقبيصة والإمام أحمد وغيرهم، وحدث عنه ابن ماجه والنسائي في اليوم والليلة، قال أبو حاتم: صدوق، توفي سنة ٢٦٥ هـ. ينظر: "السير" ١١/ ١٢٨، "الجرح والتعديل" ٢/ ١١٠.
والوسط: العدل، ثم اختلفوا لِمَ سمّي العدل وسطًا؟ فقالت طائفة: هذا مأخوذ من وسط الوادي والقاع، وهو خير موضح فيه، وأكثره كَلأً وماءً، وذلك أن في غالب الأمر الماء يبرح وسط الوادي؛ لأنه في الصيف وشدة الحر ينحسر عن الأطراف إلى جوف الوادي، فيكون الكلأ هناك أكثر، ولذلك تقول العرب: انزل وسط الوادي، أي (٥): خير مكان منه (٦)، فعلى هذا (الوسط) اسم وصف به (٧)، ومنه قول زهير:
هم وَسَطٌ يرضى الأنام بحكمهم (٨)....................... البيت.
(٢) هو أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي، تقدمت ترجمته [البقرة: ٦٠].
(٣) ساقط من (ش).
(٤) أخرجه البخاري (٣٣٣٩) كتاب أحاديث الأنبياء، باب: قول الله ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾، ورواه أحمد ٣/ ٣٢، ٥٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٨، وابن أبي حاتم ١/ ٢٤٩.
(٥) في (م): (انزل إلى وسط الوادي إلى)، وفي (أ): (انزل وسط الوادي إلى). وما أثبته موافق لما في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٣.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢١٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٣.
(٧) ينظر: "اللسان" ٨/ ٤٨٣٤ "وسط".
(٨) البيت تتمته:
إذا نزلت إحدى الليالي بمعظَمِ
أحدهما: الغلو.
والثاني: التقصير، وهما مذمومان، وهذا قول الكلبي (١).
قال أهل المعاني: لما صار ما بين (٢) الغلو والتقصير خيرًا منهما (٣) صار الوسط، والأوسط عبارة عن كل ما هو خير، وإن لم يتصور فيه الغلو والتقصير، حتى قالوا: هو من أوسطهم نسبًا، أي: خيرهم، قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ [القلم: ٢٨] قيل في تفسيره: خيرهم وأعدلهم (٤)، وقال النبي - ﷺ -: "خير هذا الدين النمط الأوسط" (٥). فعلى هذا، أمة
لحيٍّ حلال يعصم الناس أمرهم | إذا طرقت إحدى الليالي بِمُعْظَمِ |
(٢) من قوله: (الغلو)، ساقط من (ش).
(٣) في (ش): (مبهمًا).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٤.
(٥) قال العراقي في "تخريج الإحياء" ١/ ١٠٦: حديث: "عليكم بالنمط الأوسط"، رواه أبو عبيد في "غريب الحديث" موقوفا على علي بن أبي طالب، ولم أجده مرفوعا، وذكره في "اللسان" ٨/ ٤٨٣٣ "وسط" من كلام علي. وفي "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٠ - ١٤١: "عليكم بالنمط الأوسط، فإليه ينزل العالي وإليه يرتفع النازل". والنمط: جماعة من الناس أمرهم واحد، وقيل هو الطريقة.
وقالت طائفة: وَسَط جمع واسط، وفَعَل يجوز في جمع فاعل، نحو: خدَم ونشَأ. والواسط: الذي يسِطُ الشيء، أي: يتوسطه، قال الشاعر:
وَسَطتْ نسبتي الذوائبَ منهم | كلُّ دار فيها أبٌ لي عظيم (٢) (٣) |
أحدهما: أن نسبه توسط نسبهم، فهو كريم الطرفين، أبوه وأمه من ذلك النسب.
والثاني: أنه أخذ من واسطة القلادة؛ لأنه يجعل فيه أنفَسَ خَرَزها.
قال بعض سعد بن زيد مناة:
ومَن يفتقِرْ في قومه يحمَدِ الغنى | وإن كان فيهم واسطَ العَمِّ مُخْوِلا (٤) |
وقوله تعالى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد: على جميع الأمم، وذلك أن (٦) الله تعالى إذا جمع الأولين والآخرين، أتى بالناس أمة بعد أمة، فيؤتى بأمة نوح، فيسألهم عما أرسل
(٢) سقطت من (م).
(٣) البيت لحسان بن ثابت في "ديوانه" ص ٢٢٥.
(٤) البيت لجابر بن الثعلب الطائي، ينظر: "ديوان الحماسة" ١/ ١٠٩.
(٥) ينظر: "زاد المسير" ١/ ١٥٤.
(٦) في (م): (لأن الله).
وشهداء: لا ينوّن؛ لأن فيه ألف التأنيث، وألف التأنيث يبنى معها الاسم، وجعل الجمع بألف التأنيث كما جعل بهاء التأنيث، نحو: أَجْرِبَة، وأغْرِبَة، وضَرَبَة، وكَتَبَة (٢). وقال ابن زيد في هذه الآية: الأشهاد أربعة: الملائكة، والأنبياء، وأمة محمد - ﷺ -، والجوارح، وهذا كقوله: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ﴾ [الزمر: ٦٩]. وقوله: ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [غافر: ٥١] (٣).
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٠ بتصرف، وأجربة: جمع جريب، والأصل فيه: كل أرض ذات حدود، ثم استعمل في مقدار معين من الأرض، وهو يستعمل في المساحة والكيل. وضربة: جمع ضارب.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١١.
وقوله تعالى: ﴿عَلَيْكُمْ﴾ أي: لكم (٢)، كقوله (٣): ﴿وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ﴾ [المائدة: ٣]، أي: للنصب، وقيل: معناه: على صدقهم، فهو من باب حذف المضاف (٤).
قال ابن جريج: قلت لعطاء: ما معنى: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾؟ قال: أمةُ محمد شهداءُ على من ترك الحق من الناس أجمعين (٥)، حين جاءه الهدى والإيمان، فذكر الله في كتابه ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ يشهد على أنهم آمنوا بالحق حين جاءهم، وقبلوا، وصدّقوا به.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ اختلف أهل المعاني في هذا، فقال بعضهم: إن الله تعالى تعبّد نبيه والمسلمين بالصلاة إلى بيت المقدس حيث (٦) كانوا بمكة في أول الأمر مخالفةً للمشركين؛ ليتبين إيمان المؤمن ونفاق المنافق، إذ كانت العرب تحب الكعبة، وترغب في الصلاة إليها، ولا يعجبهم الصلاة إلى بيت المقدس، فتعبّدهم الله بما يشقّ
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٥.
(٣) في (م): (لقوله).
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٤٢٣.
(٥) رواه "الطبري" في "تفسيره" ٢/ ١١، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥٠، والبغوي ١/ ١٥٩.
(٦) في (ش): (حين).
وعلى هذا التأويل خبر ﴿جَعَلْنَا﴾ محذوف، معناه: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها قبلة إلا لهذا، فحذف المفعول الثاني؛ لإحاطة العلم، ويقال: إن ﴿جَعَلْنَا﴾ هاهنا لا يقتضي (١) مفعولًا ثانيًا؛ لأنه في تأويل نصبنا.
وقال بعضهم: إن النبي - ﷺ - لما (٢) هاجر إلى المدينة أمر بالتوجه إلى الكعبة مخالفة لليهود وامتحانًا للمؤمنين، وعلى هذا التأويل (٣) تقدير الآية: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ فيكون من باب حذف المضاف (٤)، ويحتمل أن يكون التقدير: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها منسوخة، فأضمر المفعول الثاني، كما ذكرنا في الوجه الأول.
وتحتمل الآية على هذا التأويل وجهًا ثالثًا، وهو أن ﴿كُنْتَ﴾ بمعنى: أنت (٥)، والتقدير: وما جعلنا القبلة التي أنت عليها -وهي: الكعبة- قبلةً،
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) في (م): (وعلى هذا التقدير تأويل الآية).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٦.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٣٦، "البغوي" ١/ ١٥٩، "الكشاف" ١/ ١٩٩، وروي هذا عن ابن عباس.
ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٢٣، وقال: وهذا من ابن عباس إن صح: تفسير معنى، لا تفسير إعراب؛ لأنه يؤول إلى زيادة كان الرافعة للاسم والناصبة للخبر، وهذا لم يذهب إليه أحد.
ويجوز أن يريد بمعنى الكون: الحال، كقوله: ﴿كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا﴾ [مريم: ٢٩] أي: من هو في الحال صبي، وكقوله: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ﴾ [آل عمران: ١١٠] أي: أنتم. ويؤكد هذا التأويل الثاني: أن جماعة من اليهود لما صرفت القبلة إلى الكعبة، قالوا للمسلمين: أخبرونا عن صلاتكم نحو بيت المقدس، أكانت هدًى أو ضلالةً؟ فإن كانت هدًى، فقد تحولتم عنها، وإن كانت ضلالة، لقد دنتم الله بها؟ فقال المسلمون: إنما الهدى ما أمر الله به، والضلالة ما نهى الله عنه، عيّروهم بنسخ القبلة (١).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ والله تعالى عالم لم يزل، ولا يجوز أن يحدث له علم.
واختلف أهل المعاني في وجه تأويله (٢):
فذهب جماعة إلى أن العلم له منزلتان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم به (٣) بعد وجوده، والحكم للعلم بعد الوجود؛ لأنه يوجب الثواب والعقاب، والمتعبد بالشيء إذا لم يُطع وعصى عَلِمَه اللهُ تعالى عاصيًا، وإذا
(٢) ينظر في وجوه تأويل هذا: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢ - ١٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٦٠، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧ - ٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٣، "البحر المحيط" ١/ ٤٢٤.
(٣) سقطت من (ش).
فمعنى قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ أي: لنعلم العلم الذي يستحق العامل به الثواب والعقاب، وتبدل الأحوال على المعلوم لا يقتضي تبدل العلم وتغيره، وهذا مذهب جماعة من أهل النظر (١). ويؤيده: ما روي عن ابن عباس: أنه فسر العلم هاهنا: بالرؤية، وقال: معنى ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾: إلا لنرى (٢)، وهذا راجع إلى ما ذكرنا؛ لأنه إنما يراه إذا علمه موجودًا.
وحكى ابن الأنباري، عن الفراء، أنه قال: يجوز أن يكون الله جل اسمه أضاف العلم إليه، وهو للمخاطبين (٣) في المعنى، كما يجتمع جاهل وعاقل، فيقول الجاهل: الحطب يحرق النار. ويقول العاقل: النار تحرق الحطب، وسنجمع بينهما؛ لنعلم أيهما يحرق صاحبه؟. ومعناه: لتعلم أنت فينسب إلى نفسه فعل غيره، كذلك معنى الآية: إلا لتعلموا أنتم. ومثله: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ [محمد: ٣١]، على هذا التأويل.
ويجوز في سَعَة العربية إضافة الفعل إلى من ليس له في الحقيقة، كقول العرب: طلعت الشِّعرى، وانتصب العود على الحرباء، معناه: انتصب الحرباء على العود، فنسب الانتصاب إلى غير فاعله، ومثله في الكلام: لا أرَيَنَّك ههنا، أوقع النهي على غير المنهي؛ لأن المنهيَّ المخاطب، وذكرنا
(٢) ذكره الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٣ - ١٤، ولم ينسبه لابن عباس، ثم رد عليه، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥٥.
(٣) في (أ): (المخاطبين).
وقيل: أراد ليعلم محمد - ﷺ -، فأضاف علمه إلى نفسه تخصيصًا وتفضيلًا، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ﴾ [الأحزاب: ٥٧] وقوله: ﴿فَلَمَّا آسَفُونَا﴾ [الزخرف: ٥٥] (١) وتحقيق هذا القول: أنه تعالى أراد: ليعلم حزبنا من النبي والمؤمنين، كما يقول الملك: فعلنا بمعنى: فعل أولياؤنا، ومنه: فتح عُمَرُ السواد، وجبى الخراج، وإن لم يتول ذلك بنفسه (٢).
وقوله تعالى: ﴿مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ﴾ أي: يطيعه في التوجه (٣) إلى بيت المقدس (٤).
﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ أي: يرتد فيرجع إلى الشرك دين آبائه (٥).
ويجوز أن يكون المراد: ممن هو مقيم على كفره (٦)؛ لأن جهة الاستقامة إقبال وخلافها إدبار، وكذلك وصف الكافر بأنه أدبر واستكبر، هذا إذا قلنا: المراد بقوله: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا﴾ بيت المقدس
(٢) قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٨ عن الأقوال السابقة: وهذا كله متقارب، والقاعدة: نفي استقبال العلم بعد أن لم يكن. وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٢٤: فهذه كلها تأويلات في قوله: (لنعلم) فرارًا من حدوث العلم وتجدده؛ إذ ذاك على الله مستحيل، وكل ما وقع في القرآن مما يدل على ذلك أُوِّل بما يناسبه من هذه التأويلات.
(٣) في (ش): (التوحيد).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٤.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥، "زاد المسير" ١/ ١٥٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٤.
(٦) ينظر: "التفسير الكبير" ٤/ ١٠٥.
والانقلاب على العَقِب: عبارة عن الانصراف إلى حيث أقبل منه؛ لأن عقبَ الإنسان يكون وراءه، فإذا رجع إلى وراء يقال: نكص على عقبيه، وانقلب على عقبيه، أي: انصرف راجعًا (٣).
قال ابن عباس: ﴿مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ يريد: من يرجع إلى دينه الأول (٤)، يعني: المنافقين، وسمي العقب عقبًا؛ لأنه يتلو القدَمَ، وأصل هذا الباب: الإتباع (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً﴾ قال سيبويه: ﴿وَإِنْ﴾ تأكيد شبيه
(٢) في (م) و (ش): (الله).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠.
(٤) هذه من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها بالمقدمة.
(٥) ينظر: "المفردات" ص ٣٤٣ - ٣٤٤، "اللسان" ٥/ ٣٠٢٢ (عقب).
قال أبو إسحاق: دخلت اللام مع إن، لأنها لو لم تدخل كان الكلام جحدًا، فلولا اللام كان المعنى: (ما كانت كبيرة)، فإذا جاءت (إن واللام) فمعناهما التوكيد للقصة (٢).
وأما التفسير: فقال ابن عباس (٣) ومجاهد (٤) وقتادة (٥): وقد كانت التولية إلى الكعبة لكبيرة.
قال ابن زيد (٦): وقد كانت الصلاة إلى الكعبة لكبيرة ثقيلة، إلا على الذين هدى الله، وقال أبو العالية: وإن كانت القبلة لكبيرة (٧)، يعني: الكعبة. وقيل: إنه يعني: بيت المقدس (٨)، أي: وإن كان اتباعها لكبيرًا إلا على الذين هدى الله.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ قال المفسرون: قالت اليهود للمسلمين لما حُوِّلت القبلة إلى الكعبة: إن كان هذا التحويل حقًّا
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٠، وينظر: "التبيان" للعكبري ٩٨، "البحر المحيط" ١/ ٤٢٥.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ١٥، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥١.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ١٥، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥١.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ١٥، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٥١.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ١٦.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٥، بلفظ: عن أبي العالية (وإن كانت لكبيرة) أي: قبلة بيت المقدس (إلا على الذين هدى الله)، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٥١، وجعل قوله كقول مجاهد.
(٨) وعلى هذا المعنى حمله الطبري ٢/ ١٦.
قال الفراء: أسند الإيمان إلى الأحياء من المؤمنين، والمعنى: فيمن مات من المسلمين. وإنما أضيف إلى الأحياء؛ لأن الذين ماتوا على القبلة الأولى كانوا منهم. فقال: ﴿إِيمَانَكُمْ﴾ وهو يريد: إيمانهم؛ لأنهم داخلون معهم في الملة، وهو كقولك للقوم: قد قتلناكم وهزمناكم، يريد: قتلنا منكم، فيواجههم بالقتل وهم أحياء (٢).
ويمكن أن يحمل على العموم، بأن أراد: إيمان الأحياء والأموات (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ الرأفة: أخص من
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٣ - ٧٤.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨.
وقال أبو زيد: رَأَفْتُ بالرجل، أَرْأَفُ به رأفةً، ورآفةً، ورَؤُفْتُ أَرْؤُفُ به، كلٌ من كلام العرب (٢). وفي الرؤوف قراءتان (٣):
أحدهما: رؤوف على وزن فعول.
والثانية: رؤف على وزن رَعُف.
فمن قرأ على فَعُول؛ فلأنه أكثر في كلامهم من فَعُل، ألا ترى أن باب صبور وشكور، أكثر من باب حذُر ويقُظ، وإذا كان أكثر في كلامهم كان أولى. يؤكد هذا: أن صفات الله قد جاءت على هذا (٤) الوزن، نحو: ﴿غَفُورٌ شَكُورٌ﴾، ولا نعلم فَعُلًا فيها قال الشاعر:
نطيع إلهنا ونطيع ربًّا | هو الرحمن كان بنا رؤوفًا (٥) |
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٢٣، وينظر: "لسان العرب" ٣/ ١٥٣٥ (رأف). وينظر في بيان معاني الرؤوف: "اشتقاق أسماء الله" للزجاجي ص ٨٦.
(٣) قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وشعبة عن عاصم: (رؤف)، بهمزة من غير واو. وقرأ الباقون بواو بعد الهمزة. ينظر "السبعة" ص ١٧١، "النشر" ٢/ ٢٢٣.
(٤) في (أ)، (م): (على وزن رعف الوزن).
(٥) البيت لكعب بن مالك الأنصاري في "ديوانه" ص ٢٣٦، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٠ وروايته: نطيع رسولنا، "لسان العرب" ٣/ ١٥٣٥ "رأف"، وروايته: نطيع ربنا، "تاج العروس" ١٢/ ٢٢١ (رجف).
(٦) هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط أبان بن عمرو، أسلم يوم فتح =
وشرُّ الطالبين (١) فلا تَكُنْه | يقاتل عمَّه الرؤوفَ الرحيما (٢) |
ترى للمسلمين عليك حقًّا | كفعل الوالد (٣) الرؤوف الرحيم (٤) (٥) |
قال ابن عباس: لأنها كانت قبلة أبيه إبراهيم (٦).
وقال مجاهد (٧) ومقاتل (٨) وابن زيد (٩): لأنه كره موافقة اليهود (١٠).
(١) في (أ)، (م): (للطالبين).
(٢) البيت للوليد في "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٣٠، ابن عطية في "تفسيره" ٢/ ١٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٥، "البحر المحيط" ١/ ٦٠١، "أنساب الأشراف" ص ١٤٠، "تاريخ الطبري" ٥/ ٢٣٦. وورد البيت في بعض المصادر هكذا:
وشر الظالمين للظالمين فلا تكنه | يقابل عمه الرؤف الرحيمُ |
(٤) البيت لجرير في "ديوانه" ص ٤١٢، "الخزانة" ٤/ ٢٢٢، "الكامل" للمبرد ٢/ ١٣٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤١، "البحر المحيط" ١/ ٦٠١.
(٥) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٢٩ - ٢٣٠.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٢٠، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥٣، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٤٢.
(٧) رواه عنه الطبري ٢/ ٢٠، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٤٢، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٢٦٩ إلى عبد بن حميد.
(٨) ذكره الثعلبي ١/ ١٢٤٢، والحيري في "الكفاية" ١/ ٨٠.
(٩) رواه عنه الطبري ٢/ ٢٠، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٤٢.
(١٠) وثم قول ثالث روي عن السدي، وهو ليتألف العرب لمحبتها في الكعبة. ينظر "البحر المحيط" ١/ ٤٢٨.
وقال ابن زيد: قال الله لنبيه - ﷺ -: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ فقال: هؤلاء اليهود يستقبلون بيتًا من بيوت الله، فلو استقبلناه، فاستقبله النبي - ﷺ - سبعة عشر شهرًا (٢).
ثم رأى أن الصلاة إلى الكعبة أدعى لقومه إلى الإسلام، فقال لجبريل: وددت (٣) أنّ الله صرفني عن قبلة اليهود إلى غيرها، فقال له جبريل: إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك، فادع ربك وسَلْه، ثم ارتفع جبريل، وجعل رسول الله يديم النظر إلى السماء؛ رَجَاء أن يأتيه جبريل بالذي سأل ربه، فأنزل الله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ﴾ (٤).
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠ بلفظ: ستة عشر شهرًا، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٤٢، ويوحي صنيع الواحدي أن ما بعده تبع له، وليس الأمر كذلك.
(٣) في (م): (وودت).
(٤) كذا في "تفسير مقاتل" ١/ ١٤٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٣، "تفسير البغوي"، عن مجاهد ١/ ١٦١، "العجاب" لابن حجر ١/ ٣٩٥، وقال في "الدر المنثور" ١/ ٢٦٩: أخرجه أبو داود في "ناسخه" عن أبي العالية. وذكره الواحدي ص ٤٦، =
وقوله تعالى: ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ أي: في النظر إلى السماء.
وقوله تعالى: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً﴾ يقال، وَلَّيْتُكَ القبلة،: إذا صيرتَه يستقبلها (٢) بوجهه، وليس في (فعلت) منه هذا المعنى؛ لأنك إذا قلت: وَلِيتُ الحائط، ووليت الجدران، لم يكن في قولك دلالة على أنك واجهته. فَفَعَّلت من هذه الكلمة ليس بمنقول من (فَعَلت) الذي هو وَلِيتُ، فيكون على حد قولك: فَرِحَ وفرّحْتُه، ولكن المعنى الذي هو المواجهة عارض (٣) في فَعّلت، ولم يكن في (فَعَلْت)، وإذا كان كذلك كان فيه دلالة على أن النقل لم يكن من فَعَلت، كما كان قولهم: ألقيتُ متاعَك بعضه على بعض، لم يكن النقل فيه (٤) من: لقي متاعك بعضه بعضًا، ولكن
(١) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٣، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٥، والوجه الثاني هو الذي ذكره الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠.
(٢) في (م): (مستقبلها).
(٣) في (ش): كأنها (يمارض).
(٤) في (ش): (فيه دلالة).
وقد جاءت هذه الكلمة مستعملة على خلاف المقابلة والمواجهة، وذلك نحو: ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ﴾ [البقرة: ٨٣] ﴿وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى﴾ [يوسف: ٨٤] ﴿ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [البقرة: ٦٤] ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى﴾ [عبس: ١] ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا﴾ [النجم: ٢٩]، فهذه مع (٢) دخول الزيادةِ الفِعْلَ. وفي غير الزيادة قوله: ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ [النمل: ١٠]، وقوله: ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥]، وقوله: ﴿مُدْبِرِينَ﴾ حال مؤكدة؛ لأن في ﴿وَلَّيْتُمْ﴾ دلالة على أنهم مدبرون، وهذا على نحوين: أما ما لحق التاءُ أولَّه، فإنه يجوز أن يكون من باب: تَحَوَّب (٣) وتأثم، إذا ترك الحُوب (٤) والإثم، فكذلك إذا ترك الجهة التي هي المقابلة. وأما الذي لا زيادة فيه، فيجوز أن تكون الكلمة استعملت على الشيء وعلى خلافه، كالحروف المروية في الأضداد، وقد روي في الأضداد: ولّى: إذا أقبل، وولّى: إذا أدبر (٥).
(٢) في (ش): فهذا (دخول).
(٣) في (أ)، (م): (تحرب).
(٤) في (أ)، (م): (الحرب).
(٥) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٣١ - ٢٣٢ بمعناه.
وقوله تعالى: ﴿فَوَلِّ وَجْهَكَ﴾ أي: أقبل وجهك نحوه.
وقوله تعالى: ﴿شَطْرَ الْمَسْجِدِ﴾ أي: قصدَه ونحوَه، ومعنى الشطر: النحو عند أهل اللغة، يقولون: وَلِّ وجْهَك نحوَ الموضع، وشطرَه، وتلِقَاءه بمعنًى.
قال الشاعر:
وأظعنُ بالقوم شَطْر الملوك | حتى إذا خَفَق المِجْدَحُ (٥) |
أقول لأم زِنباعَ أقيمي | صُدورَ العِيس شَطْرَ بني تميمِ (٦) |
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٢.
(٣) أن ساقطة من (م).
(٤) تقدمت في أول الآية.
(٥) البيت لدرهم بن زيد الأنصاري، في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٤، "مجمل اللغة" ١/ ١٨٠، "الكشاف" ١/ ٢٠١، "أساس البلاغة" ٢/ ٧٢، "تاج العروس" ٤/ ٢٢ (جرح)، "لسان العرب" ١/ ٥٥٩، ٢/ ١٢١٤. والمجدح: نجم من النجوم كانت العرب تزعم أنها تمطر به، كقولهم الأنواء. وجواب إذا خفق المجدح، في البيت الذي بعده وهو قوله:
أمرت صحابي بأن ينزلوا | فناموا قليلًا وقد أصبحوا |
أقِمْ قصدَ وجهك شطرَ العراق | وخالَ الخليفة فاستَمْطِرِ (١) |
وقوله تعالى: ﴿اَلْحَرَامِ﴾ بمعنى المحرم، وأصله: من المنع، وسمِّيت تلك البقعة حرامًا لما منع فيها من أشياء لم تمنع في غيرها (٣)، ونذكر الكلام في الحرام والحرمات في موضع آخر. ﴿وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ﴾ في بر أو بحر (٤)، وذكرنا الكلام في حيث عند قوله: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ [البقرة: ١٩٩].
﴿فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾ فيه إضمار واختصار، أي: وحيثما كنتم، وأردتم الصلاة، فولّوا وجوهكم شطره.
قال المفسرون: إن أول ما نسخ من أمور الشرع أمر القبلة (٥). وهذه
(٢) بتصرف من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٢، ونقل الإجماع على النحو ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥٦، وينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٢٠ - ٢٢١، "التبيان" للعكبري ص ٩٩. وينظر في معاني الشطر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠ - ٢١، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ص ٦٠، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٦٤، "المفردات" ص ٢٦٤، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٦.
(٣) ينظر: "لسان العرب" ٢/ ٨٤٧ - ٨٤٨.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٤.
(٥) قاله ابن عباس كما رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٥٣ عنه، ورواه أبو داود في ناسخه كما في "الدر المنثور" ١/ ٢٦٩، ورواه الطبري عن الحسن وعكرمة ٢/ ٤، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤١.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٤ عن مجاهد وغيره، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٦٢، (الخازن) ١/ ١٢١.
(٣) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٤٦، وذكره هكذا الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٤، والبغوي ١/ ١٦٢، وأخرج الطبري ٢/ ٢٤ - ٢٥ نحوه عن السدي، وقد اختلفت الروايات كثيرًا في الوقت والمكان والكيفية التي غيرت فيها القبلة، وقد ذكر جملة منها: السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٢٦٧ - ٢٧٣.
وقال الحافظ ابن حجر في "الفتح" ١/ ٥٠٣: اختلفت الرواية في الصلاة التي تحولت القبلة عندها، وكذا في المسجد، فظاهر حديث البراء هذا أنها الظهر، وذكر محمد بن سعد في "الطبقات" قال: يقال: إنه صلى ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه، ودار معه المسلمون، ويقال: زار النبي - ﷺ - أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة، فصنعت له طعامًا، وحانت الظهر، فصلى رسول الله - ﷺ - بأصحابه ركعتين، ثم أمر فاستدار إلى الكعبة، واستقبل الميزاب، فسمي مسجد القبلتين. قال ابن سعد: قال الواقدي: هذا أثبت عندنا. وذكر ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥٧، خلاف العلماء في وقت تحويل القبلة فلينظر.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أنكم يا معشر المؤمنين تطلبون مرضاتي، وما أنا بغافل عن ثوابكم وجزائكم. وإن اليهود يطلبون سخطي، وما أنا بغافل عن خِزْيِهم في الدنيا والآخرة (٤)،
١٤٥ - وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ الآية، معنى (لئن): ما تستقبل، ومعنى (لو): ماض، وحقيقة معنى (لو): أنها يمتنع بها الشيء لامتناع غيره، تقول: لو جئتني لأكرمتك، أي: لم تجئني، فلم أكرمك، فإنما امتنع إكرامي لامتناع مجيئك (٥). ومعنى إن ﴿وَلَئِنْ﴾: أنه يقع بهما الشيء لوقوع غيره، تقول: إن تأتني أكرمْك، فالإكرام يقع بوقوع
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٣٠.
(٣) ينظر في الأقوال: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٣، "زاد المسير" ١/ ١٥٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٠، "الدر المنثور" ١/ ٢٦٧ - ٢٦٩.
(٤) ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ١٦٣.
(٥) بمعناه من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٤، وينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٢٤، "المقتضب" للمبرد ٣/ ٧٥.
فقولهم: (لئن) تستعمل فيما يستقبل، وجوابها يقع بالمستقبل، و (لو) تستعمل في الماضي، وجوابها يقع بالماضي، كقولك: لئن قمتَ لأقومنّ، ولو قمتَ قمتُ، هذا معنى الكلمتين ووضعهما في الأصل.
ثم إنّ العرب لما استجازت في الفعل المستقبل والماضي أن يقوم أحدهما مقام الآخر، استجازت تقريب إحدى هاتين الكلمتين من الأخرى في الجواب؛ لذلك أجيبت لئن بجواب لو في هذه الآية (٢). ومثل هذا من تقريب إحداهما من الأخرى في التنزيل قوله: ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا﴾ [الروم: ٥١]، أجيب (لئن) بجواب (لو). وأجيبت (لو) بجواب (لئن) في قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ﴾ [البقرة: ١٠٣] فقوله: ﴿لَمَثُوبَةٌ﴾ ميعاد للثواب في المستقبل، ومثل هذا يكون جوابًا لقولك: لئن. وهذا معنى قول الفراء؛ لأنه قال؛ أجيبت لئن بجواب لو؛ لأن الماضي وليها، كما يلي لو، فأجيبت بجواب لو، ودخلت كل واحدة منهما على أختها، وشبهت كل واحدة بصاحبتها (٣).
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٤، واختاره الطبري ٢/ ٢٤، ورده الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٢٤، وينظر: "التبيان" للعكبري ص ٩٩، وقال متعقبا رأي الفراء: وهو بعيد، لأن إن للمستقبل، ولو للماضي. وقال أبو حيان، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٠: اللام في (ولئن) هي التي تؤذن بقسم محذوف متقدم، فقد اجتمع القسم المتقدم المحذوف والشرط متأخر عنه، فالجواب للقسم، وهو قوله: (ما تبعوا)؛ ولذلك لم تدخله الماء، وجواب الشرط محذوف لدلالة جواب القسم عليه، وهو =
فإن قيل: كيف قال هذا، وقد آمن منهم كثير؟
قيل: هذا إخبار عن جميعهم أنهم كلهم لا يفعلون (٢) ذلك (٣).
وقيل: إنه أراد الفريق الذين هم أهل العناد، وهم الذين عناهم بقوله: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ﴾ حسم بهذا إطماع اليهود في رجوعه - ﷺ - إلى قبلتهم، لأنهم كانوا يطمعون. وأكّد بهذا أنه لا ينسخ التوجه
(١) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٤٧، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٥، "الكفاية" ١/ ١٨، "تفسير البغوي" ١/ ١٦٣.
(٢) في (ش): (لا يعقلون).
(٣) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ١٧، "التفسير الكبير" ٤/ ١٢٥، ونسبه إلى الحسن.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٣١.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ﴾ أخبر أنهم وإن اتفقوا في الظاهر على النبي - ﷺ - مختلفون فيما بينهم. فاليهود تستقبل بيت المقدس، والنصارى تستقبل المشرق. واليهود لا تتبع قبلة النصارى، ولا النصارى تتبع قبلة اليهود (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: صليت إلى قبلتهم ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ﴾ أن قبلة الله الكعبة ﴿إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أي: إنك إذن مثلهم (٤)، وأجيبت (لئن) ها هنا بجواب مثلها؛ لأنه أراد فيما يستقبل من الزمان.
وذكر أهل التأويل في قوله: ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ وجهين:
أحدهما: أن الخطاب له - ﷺ - في الظاهر وهو في المعنى لأمته، كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١].
والثاني: أن الله تعالى خاطب نبيه -عليه السلام- بهذا مهددًا أمته، أي: إذا استحققت منا مثل ذا الجزاء عند مخالفة، لو وقعت منك، ولن تقع أبدًا
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٣٢.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٤، ٢٥ والثعلبي ١/ ١٢٤٦، "التفسير الكبير" ٤/ ١٢٦، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٢، " المحرر الوجيز" ٢/ ١٧ - ١٨.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٦.
وذكر وجه ثالث: وهو أن معنى ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ﴾ أي: في المداراة معهم حرصًا على إيمانهم ﴿إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ لنفسك، إذ قد أعلمتك أنهم لا يؤمنون (١).
وذكرنا الكلام في معنى (إذن) عند قوله: ﴿فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا﴾ [النساء: ٥٣].
١٤٦ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ الآية، الكناية في ﴿يَعْرِفُونَهُ﴾ تعود إلى محمد - ﷺ - عند أكثر المفسرين (٢). وكنى عن محمد، وقد تقدم ذكره في الخطاب؛ على عادة العرب في تلوين الخطاب.
ويشهد بصحة (٣) هذا التأويل: ما روي أن عبد الله بن سلام قال لما نزلت هذه الآية، وسئل عن معرفته محمدًا - ﷺ -، فقال: والله لأنا بمحمد وصحة نبوته أعرف مني بابني؛ لأني لا أشك في أمره، ولا أدري ما أحدث النساء (٤).
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٦، وعزاه في "المحرر الوجيز" ٢/ ٢١ إلى قتاده ومجاهد، وعزاه في: "زاد المسير" ١/ ١٥٨ إلى ابن عباس، ولم يذكر ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢٠٧ غيره، وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٣٥: "واختاره الزجاج ورجحه التبريزي، وبدأ به الزمخشري" وهو الذي رجحه أبو حيان.
(٣) في (م): (على صحة).
(٤) أخرجه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٦، من حديث ابن عباس، وفيه الكلبي، وينظر "الفتح السماوي" ١/ ١٩٥، "الوسيط" للواحدي ١/ ٢١٥، وذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ١٦٦، والحيري في "الكفاية" ١/ ٨٢، =
وقوله تعالى: ﴿لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ﴾ قال ابن عباس: يعني النبي - ﷺ - وصفته في التوراة (٥)، وقال قتادة (٦) والربيع (٧): يريد به: القبلة، والمسجد، والبيت، وأمر الكعبة (٨).
(١) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٥، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٥٥.
(٢) رواه عنه الطبري ٢/ ٢٦، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٥٥، وروي عنه ما يوافق القول الأول، أخرجه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ١/ ٢٧١.
(٣) رواه عنه الطبري في ٢/ ٢٦.
(٤) وهذا اختيار الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦، ورواه أيضا عن ابن عباس والسدي، كما رواه ابن أبي حاتم عنهما في "تفسيره" ١/ ٢٥٥، وينظر: "زاد المسير" ١/ ١٥٨، قال الحافظ ابن حجر في "العجاب" ١/ ٤٠٠: وحاصله أن الضمير في قوله: (يعرفونه) للنبي - ﷺ -، وهو في آية الأنعام بعيد، وأما في آية البقرة فمحتمل، وقد جاء أن الضمير للبيت الحرام، كذا قال مقاتل بن سليمان.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٧، ولم ينسبه لأحد، ورواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦ - ٢٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥٦ عن مجاهد، كما رواه ابن جرير ٢/ ٢٧، عن قتادة وخصيف بن عبد الرحمن.
(٦) روى الطبري في "تفسيره" عن قتادة ٢/ ٢٧ ما يوافق القول الأول.
(٧) رواه عنه الطبري ٢/ ٢٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥٦.
(٨) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٤٨، وعزاه في "زاد المسير" ١/ ١٥٨ إلى السدي، وقد جمع الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٤٧ بين القولين.
١٤٧ - ثم قال: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ أي: هذا الحق من ربك (١). وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ لفظ خاص، ومعناه العموم، والخطاب للنبي - ﷺ -، والمراد غيره (٢).
والمعنى: فلا تكونن من الممترين في الجملة التي أخبرتك من أمر القبلة، وعناد من كتم النبوة، وامتناعهم من الإيمان بك (٣)، والمِرْيَة: الشك، ومنه: الامتراء والتماري (٤).
١٤٨ - قوله تعالى: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ﴾ مختصر، أراد: ولكل أهل دين وِجهة (٥). والوِجهة: اسم للمتوجَّه إليه. وقيل: الوجهة: الجهة.
قال الفراء: تقول العرب: هذا أمر ليس له وِجْهَةٌ، وليس له وَجْه (٦). قال: وسمعت العرب تقول (٧): وجِّه الحجر، وجِهةٌ مَّا لَه، وَوِجهةٌ مَّا لَه، ووَجهةٌ مَّا لَه (٨)، وجِهة مَّا له، ووَجْه ما له، معناه: ضعه غير هذه
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤، وقال: وكل ما ورد عليك من هذا النحو فهو سبيله.
(٣) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢١، ٢٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٤٩ - ١٥٠.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٧، "زاد المسير" ١/ ١٥٨، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٥٠، وقال الراغب في "المفردات" ص ٤٦٩: المرية: التردد في الأمر، وهو أخصمن الشك، والامتراء والمماراة: المحاجة فيما فيه مرية.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٨.
(٦) في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٠ زيادة: وليس له جهة.
(٧) سقطت من (م).
(٨) في "معاني القرآن" ١/ ٩٠، وسمعتهم يقولون: وجه الحجر، جهةٌ ما له، ووجهة ما له، ووجهٌ ما له. وينظر: "اللسان" ٨/ ٤٧٧٥، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٢ "وجه".
قال أبو إسحاق: ومثله: وَضْعة وضِعَة وضَعَة (٤).
وقوله تعالى: ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ ذكرنا معنى التولية في قوله: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ﴾ [البقرة: ١٤٤]. وقوله: ﴿هُوَ﴾ (٥) ضمير اسم الله (٦) وقد حذف من الكلام أحد مفعولي الفعل الذي يتعدى إلى مفعولين وهو التولية، والتولية تقتضي (٧) مفعولين، كقوله: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً﴾ [البقرة: ١٤٤]. والتقدير هاهنا: الله موليها إياه، وإياه ضمير كل الموجَّه (٨) المولَّى، وتولية الله إياه إنما هي بأمره له بالتوجه إليها، أو بإرادته ذلك، هذا قول أبي علي (٩).
(٢) في "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٠: ويقولون: ضعه غير هذه الوضعة، والضِّعة والضَّعة، ومعناه: وجِّه الحجر فله جهة، وهو مَثَلٌ.
(٣) من "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٠ بتصرف، وينظر في معاني الكلمة: "المفردات" ص ٥٢٩، "اللسان" ٨/ ٤٧٧٦ (وجه).
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٥، ونصه: وكذلك يقال: ضَعَةٌ، ووَضْعة، وضِعَة.
(٥) قال ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٥٩: وفي هو ثلاثة أقوال: أحدها: أنها ترجع إلى الله تعالى، فالمعنى: الله موليها إياهم، أي: أمرهم بالتوجه إليها. والثاني: ترجع إلى المتولي، فالمعنى: هو موليها نفسه، فيكون هو ضمير كل. والثالث: يرجع إلى البيت، قاله مجاهد، أمر كل قوم أن يصلوا إلى الكعبة.
(٦) قوله: (اسم الله) سقطت من (ش).
(٧) قوله: (أحد مفعولي..) سقطت من (ش).
(٨) في (ش): (المؤخر).
(٩) ينظر: "الحجة" ٢/ ٢٣٩.
والتولية في هذا الموضع: الإقبال، وفي ﴿يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ﴾ [آل عمران: ١١١] ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ [التوبة: ٢٥] نصراف، وهو كقولك في الكلام: انصرِفْ إليّ، أي: أقبِلْ إلي، وانصرف إلى أهلك، أي: اذهب إلى أهلك (٤)، وهذا وجه آخر في ولّى، بمعنى: أقبل، وبمعنى: أدبر، غير ما ذكرنا في قوله ﴿فَلَنُوَلّيَنَكَ﴾ أنّ (ولّى) من الأضداد.
قال الزجاج: وكلا القولين جائز (٥)، أي: أن يكون ﴿هُوَ﴾ كناية عن الله تعالى. وأن يكون كناية عن كلّ.
(٢) في (أ)، (م): (هو).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٥، وليس عنده: وجاء قوله كان حسنًا، وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٣٧: (وهو)، من قوله: (موليها)، عائد على (كل)، على لفظه، لا على معناه، أي: هو مستقبلها وموجه إليها صلاته التي يتقرب بها، والمفعول الثاني لموليها محذوف؛ لفهم المعنى، أي: هو موليها وجهه أو نفسه، قاله ابن عباس وعطاء والربيع، ويؤيد أن هو عائد على كل، قراءة من قرأ: هو مولاها.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٥ بمعناه.
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٥.
وقال أبو (٤) الحسن النحوي فيما قرأته عليه: من قرأ بفتح اللام فحجته قوله: ﴿فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً﴾ فلما كان الله هو الذي يولّي القبلةَ فالإنسان مولًّى (٥) إياها، ومن قرأ بكسر اللام قال: لما كان الله هو الذي يولّي المتوجه القبلة؛ كان إسناد التولية إليه أولى. وموضع ﴿هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ رفع؛ لأنها جملة وقعت صفةً لقوله ﴿وِجْهَةٌ﴾ (٦).
وقال الحسن في هذه الآية: هو كقوله: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا﴾ [الحج: ٦٧] (٧).
(٢) ينظر: "السبعة" ص ١٧١، "الكشف" لمكي ١/ ٢٦٧، "النشر" ٢/ ٢٢٣.
(٣) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٤٠، وزاد: ألا ترى أن في (موليها) ضمير اسم الله عز وجل، فإذا أسند الفعل إلى المفعول به، وبناه له، ففاعل التولية هو الله تعالى، كما كانت القراءة الأخرى كذلك.
(٤) في (ش) سقطت (أبو).
(٥) في (ش) و (م): كتبت (مولي) بنقطتين.
(٦) ينظر: "التبيان" للعكبري ص ٩٩ - ١٠٠، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٧.
(٧) وفي "البحر المحيط" ١/ ٤٣٧: وقال الحسن: وجهة: طريقة، كما قال: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
ثنائي عليكم يَا ابْنَ حَرْبٍ وَمَنْ يَمِلْ | سواكم فإني مهتدٍ غيرُ مائل (٢) |
وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾ قال الفراء: إذا رأيت حروف الاستفهام قد وُصِلت بـ (ما) مثل: أينما، ومتى ما، وكيف ما ﴿أَيًّا مَا تَدْعُوا﴾ [الإسراء: ١١٠] كانت جزاء ولم تكن استفهامًا. فإذا لم توصل بـ (ما) كان الأغلب عليها الاستفهام، وجاز فيها الجزاء، فإذا كانت جزاءً جزمت الفعلين، الفعلَ الذي مع أينما وأخواتها، وجوابَه، كقوله: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ﴾. فإذا أدخلت الفاء في الجواب، رفعت الجواب فقلت في مثله من الكلام: أينما تكن فآتيك، ومثله قوله: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ﴾ [البقرة:
(٢) البيت للراعي النميري، في مدح يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، ينظر "ديوانه" ص ١٩١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٩، "الدر المصون" ١/ ٤٠٧ وموضع الشاهد قوله: ومن يمل سواكم، أراد: ومن يمل إلى سواكم.
(٣) في (ش): (ومعنى دعوى).
(٤) سقطت من: (ش).
فإذا (٣) أدخلْتَ في جواب الاستفهام فاءً نصبتَ، كما تقول: هل أدلك على بيتي فتأتيني؟ قال: ومثله قوله: ﴿وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] (٤).
وقال أبو إسحاق: إنما تجزم ما بعدها، لأنها إذا وصلت بما جزمت ما بعدها، وكان الكلام شرطًا، وكان الجواب جزمًا كالشرط، وإن كانت استفهامًا، نحو: أين زيد؟ فأجبته أجبت بالجزم، تقول: أين بيتُك أزرْكَ؟ المعنى: إن (٥) أعرف بيتك أزرك (٦).
قال أبو علي، فيما استدرك عليه (٧): لا فائدة تحت قوله: إنها إذا وصلت بما جُزِمت (٨)؛ لأنها تجزم ما بعدها في الشرط والجزاء، وُصلت
(٢) ذكر الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٨٦ مثالا غير هذا، فقال: كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ثم أجاب الاستفهام بالجزم، فقال: تبارك وتعالى: (يغفر لكم ذنوبكم).
(٣) في (أ)، (م): (فإن).
(٤) من "معاني القرآن" للفراء ٦/ ٨٥ - ٨٦.
(٥) في (ش): (أين).
(٦) بتصرف يسير من، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٦.
(٧) يعني في كتاب "الإغفال" لأبي علي الفارسي.
(٨) كرر كلام أبي إسحاق في نسخة (ش) وهو زيادة لا داعي لها.
أين تصرِفْ بنا الغداة تجدنا | نصرف العيس نحوها للتلاقي (٣) (٤) |
أحدهما: التعميم. والثاني: التخصيص.
فأما التخصيص فقوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ أراد: القبلة في الصلاة لكل أهل دين (٥)، كما ذكرنا.
وقوله ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ قال الزجاج: أي: فبادروا إلى القبول من الله عز وجل، وولّوا وجوهكم حيث أمركم الله أن تولوا (٦). وعلى هذا ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ على صيغتها من العموم، وهي مخصوصة؛ لأنه أراد الابتدارَ إلى استقبال الكعبة.
وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ قيل: إنه في
(٢) في (ش): (أي).
(٣) البيت لابن همام السلولي في "الكتاب" ٣/ ٥٨، وبلا نسبة في "الإغفال" ص ٣٨٩، "شرح ابن يعيش" ٤/ ١٠٥، "المقتضب" ٢/ ٤٨، "شرح الأشموني" ٣/ ٥٨٠، والرواية في بعض نسخ "الإغفال" وبعض المصادر:
أين تضرب بنا العُداة
(٤) من "الإغفال" ص ٣٨٩، باختصار.
(٥) ينظر أثر ابن عباس والسدي وابن أبي زيد ومجاهد والربيع وعطاء في هذا: عند ابن جرير ٢/ ٢٨، ٢٩، وابن أبي حاتم ١/ ٢٥٦ - ٢٥٧.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٦، وينظر أثر قتادة عند الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٠.
وأما التعميم فقوله: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ قال عطاء، عن ابن عباس: يريد: من أراد وجهَ الله قبِلَ اللهُ منه، ومن أراد غير ذلك فإن الله يجزيه (٢)، يعني: ان من طلب في جميع ما يأتي وجهَ الله قبِلَ الله منه، ومن رايا وطلب غير الله بعلمه عَلِمَ الله ذلك منه. وهذا كما قال سعيد بن جبير في هذه الآية قال: لكلٍّ طريقةٌ هو مجبور عليها. وهذا كقوله: ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾ [الإسراء: ٨٤] وكقوله: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة: ٤٨].
وقوله: ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ﴾ قال ابن عباس: يريد: تنافسوا فيما رغب فيه من الخير لكل عنده ثوابه (٣) (٤).
١٤٩ - وقوله تعالى: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ أي: أينما تكونوا يجمعكم الله للحساب فيجزيكم بأعمالكم (٥).
(٢) تقدم الحديث عن هذه الرواية.
(٣) تقدم الحديث عن هذه الرواية، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠ حيث روى عن الربيع وابن أبي زيد ما يدل على العموم، وكذا ابن أبي حاتم ١/ ٢٥٧، وينظر: "زاد المسير" ١/ ١٥٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٩، "التفسير الكبير" ٤/ ١٣١ - ١٣٣.
(٤) من قوله: (وقوله تعالى:...) ساقط من (أ)، (م).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠، والثعلبي ١/ ١٢٤٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٣٩.
١٥٠ - قوله تعالى: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ﴾ إنما كرر هذا؛ لأن هذا من مواضع التوكيد؛ لأجل النسخ الذي نُقلوا فيه من جهة إلى جهة للتقرير (٣).
وقوله تعالى ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ قيل: الحجة: فُعلة، من الحج الذي هو القصد، لأنها مقصودة للمخاصم، ومنه: المحجّة: لأنها تقصد بالسلوك. والمخاصمةُ يقال لها: المحاجّة؛ لقصد كل واحد من الخصمين إلى إقامة بينته وإبطال ما في يد صاحبه (٤).
وقوله تعالى ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ اختلف العلماء في وجه هذا الاستثناء، وهم في هذه الآية فريقان:
فريق أوّلوا الآية على سياقها، وصححوا الاستثناء على ظاهره (٥)،
(٢) قال الطبري ٢/ ٣٠: وان التوجه شطره للحق الذي لا شك فيه من عند ربك، فحافظوا عليه، وأطيعوا الله في توجهكم قِبَله. وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٣٩. هذا إخبار من الله تعالى بأن استقبال هذه القبلة هو الحق، أي الثابت الذي لا يعرض له نسخ ولا تبديل.
(٣) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٦٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٤.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٠، "المفردات" ص ١١٥، "لسان العرب" ٢/ ٧٧٩ (حجج).
(٥) بين أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٤١ أن الاستثناء في الآية متصل، ونسبه إلى ابن عباس، قال: واختاره الطبري، وبدأ به ابن عطية، ولم يذكر الزمخشري غيره، وذلك أنه متى أمكن الاستثناء المتصل إمكانًا حسنًا كان أولى من غيره.
ثم قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وهم المشركون، فإنهم قالوا: قد تحيّر محمد في دينه، فتوجه إلى قبلتنا، وعلِم أنّا (١١) أهدى سبيلًا منه، ويوشك
(٢) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٢، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٥١.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٢، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٥١.
(٤) رواه الطبري ٢/ ٣٢، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٥١.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٢، وذكره الثعلبي ١/ ١٢٥١.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١ - ٣٥.
(٧) هو عطية بن الحارث الهمداني الكوفي صدوق، صاحب تفسير، عده ابن حجر من طبقة صغار التابعين، ينظر: "تقريب التهذيب" ص ٣٩٣ (٤٦١٥)، "الجرح والتعديل" ٣/ ٣٨٢.
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٤.
(٩) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١ - ٣٢، ٢/ ١٩ - ٢٠، والثعلبي ١/ ١٢٥١، والبغوي ١/ ١٦٥، و"زاد المسير" ١/ ١٥٩ - ١٦٠، وزاد نسبة هذا القول لابن عباس وأبي العالية ومقاتل.
(١٠) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٦ - ٢٢٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٤٢.
(١١) في (ش): (أننا).
قال أبو روق: حجة اليهود أنّهم كانوا قد عرفوا أنّ النبيّ المبعوث في آخر الزمان قبلته الكعبة، وأنه يحوَّل إليها، فلما رأوا محمدًا - ﷺ - يصلي إلى الصخرة واحتجوا بذلك، فصرفت قبلته إلى الكعبة؛ لئلا يكون لهم عليه حجة إلا الذين ظلموا منهم (٤)، يريد: إلا الظالمين الذين يكتمون ما عرفوا من أنه يُحَوَّل إلى الكعبة.
وقال المفضَّل بن سلمة (٥): المراد بالناس في هذه الآية: جميع الناس، كانوا يحتجّون على النبي - ﷺ - بأنه (٦) لو كان نبيًّا لكانت له قبلة، ولم يصلّ إلى قبلة اليهود، فلما حُوِّلت قبلته إلى الكعبة، بطل هذا الاحتجاج، إلا أن الظالمين يتعنتون ويخاصمون. فيقول المشركون ومن دان بدينهم:
(٢) في (أ)، (م): (فهو لانتقالهم الخصومة).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٢.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٥٤، والبغوي ١/ ١٦٥، وقد ذكر الرازي في "تفسيره" ٤/ ١٤٠ أربعة أوجه لتأويل كون الاستثناء متصلًا.
(٥) هو المفضل بن سلمة بن عاصم، أبو طالب الضبي، لغوي، كان كوفي المذهب في النحو، لقي ابن الأعرابي وغيره من العلماء، توفي في نحو ٢٩٠ هـ كما في "الأعلام". ينظر: "إنباه الرواة" ٣/ ٣٠٥، "بغية الوعاة" ٢/ ٢٩٦ - ٢٩٧، "الأعلام" ٧/ ٢٧٩.
(٦) في (م): (لأنه).
وعلى هذا المذهب موضع (الذين) خفض على البدل من الناس: كما تقول: ما مررت بأحد إلا زيد. ويجوز أن يكون موضعه نصبًا على الاستثناء، كما يستثنى بعد الإيجاب؛ كقوله: ﴿مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ﴾ [النساء: ٦٦] من رفعه جعله بدلًا من الواو، ومن نصبه نصبه على الاستثناء (١)، وكذلك: ﴿وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ﴾ [هود: ٨١]، رفعًا ونصبًا (٢).
وأما الفريق الثاني فإنهم لم يصححوا الاستثناء، وعدلوا به عن ظاهره، وهم الأخفش والمؤرج والفراء ومعمر بن المثنى. قال الفراء والمؤرج: هذا استثناء منقطع من الكلام الأول، ومعناه: لأن لا يكون للناس كلهم عليكم حجة إلا الذين ظلموا فإنهم يحاجّونكم بالظلم. هذا معنى قولهما، ثم قال الفراء: وهو كما تقول في الكلام: الناس كلهم حامدون إلا الظالم لك، فإن ذلك لا يُعتدّ به وبتركه الحمد لعداوته لك، وكذلك: الظالم لا حجة له وقد سمّي ظالمًا.
(٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو إلا امرأتك برفع التاء. والباقون بنصبها. ينظر: "السبعة" ص ٣٣٨.
أحدهما: أن يكون الذي بعدها مستأنفًا، يلابس الأول من جهة عائد عليه منها، أو معنى يقرب به منه، كقول القائل: قعدنا نتذاكر الخير وما يقرّبنا من الله، إلا أن قومًا يبغضون ما كنا فيه. فالذي بعد (إلا) مستأنف، يلبس بالأول من جهة المعنى، وذلك بغضهم لما كانوا فيه، فتأويل إلا: لكن قومًا. ولو لم يلتبس ما بعد (إلا) بما قبلها من وجه لم يكن الاستثناء معنى على جهة إيصال ولا انقطاع، ولذلك يقول النحويون: (إلا) في الاستثناء المنقطع بمنزلة (لكن)، لأن الذي بعد (لكن) مستأنف.
وبهذا قال الأخفش في هذه الآية، لأنه قال: معناه: لكن الذين ظلموا، كقوله: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] يعني: لكن الذين يتبعون الظن ﴿وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى﴾ [الليل: ١٩ - ٢٠]، يعني: لكن يبتغي، فيكون منقطعًا من الكلام الأول. وأما المتصل فإنه يخرج من أسماء تشاكله ومن فعل يخالف بخروجه منه ما قبله من الأسماء المذكورة، كما تقول: خرج القوم إلا زيدًا، فزيد من جنس القوم قد خالفهم بترك الخروج. والمنقطع لا يكون مخرجًا من الأسماء التي قبل إلا في الظاهر، ولكن من معنى من معاني الكلام يجب به الملابسة كما ذكرنا.
والمعنى الثاني في الاستثناء المنقطع: أن يكون مؤكدًا لما قبله، وذلك أن الرجل إذا قال: ارتحل الناس إلا الأثقال، أكّد ارتحال الناس بقوله: إلا الأثقال، وذهب إلى أنه إذا لم يبق إلا الأثقال، كان القوم كلهم مرتحلين، وكان تأويله: ارتحل الناس كلهم. وكذلك: مضى العسكر إلا الأبنية والخيام، معناه: مضوا أجمعون؛ لأنه إذا لم يبق إلا بناء وخيمة كان
......... وما بالربع من أحد
إلا أواري......... (١)
معناه: لكن، وضم الاستثناء؛ لأنها كانت مستثناة ممن كان بالربع، فالربع كان يشملهم، وهذا ملابسة بينهما، وأيضًا فإن هذا التأكيد لخلو الأرض؛ لأنه إذا لم يبق في الدار إلا الأواري كان خلوها من الإنس متيقنًا.
فهذان المعنيان ذكرناهما في الاستثناء المنقطع تحتملهما الآية؛ لأن الظالمين وإن لم يكن لهم حجة فهم يموّهون ويحتجون بالباطل، وأيضًا: فإنه إذا لم يكن لأحد عليهم حجة إلا من كان ظالمًا كان في هذا تأكيدًا لنفي الحجة.
فعلى المذهب الأول: الظالمون كانوا ظالمين بشركهم وكفرهم، وعلى المذهب الثاني: كانوا ظالمين لاحتجاجهم بما لا متعلق لهم به. وموضع (الذين) على هذا القول -وهو قول الفريق الثاني- نصب على أكثر العرب؛ لأنهم ينصبون ما كان من الاستثناء المنقطع كقوله:
إلا أواريّ......
وقفتُ بها أصيلانًا أسائلها | عيَّتْ جوابًا وما بالربع من أحدِ |
إلا الأواريَّ لأيًا ما أبينها | والنؤيُ كالحوض بالمظلومة الجَلَدِ |
وبلدةٍ ليس بها أنيسُ | إلّا اليعافيرُ وإلّا العِيسُ (١) |
وقال معمر بن المثنى: إلا هاهنا معناها: الواو، فهو عطفٌ عُطِف به ﴿الَّذِينَ﴾ على ﴿النَّاسِ﴾. والمعنى: لئلا يكون للناس والذين ظلموا عليكم حجة (٣)، واحتُجَّ على هذا المذهب بأبيات منها (٤):
(٢) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٦٥، وقال في "البحر" ١/ ٤٤٢ مبينا مثار الخلاف بين من قال بالاتصال والانقطاع هو: هل الحجة هو الدليل والبرهان الصحيح، أو الحجة هو الاحتجاج والخصومة؟ فإن كان الأول: فهو استثناء منقطع، وإن كان الثاني: فهو استثناء متصل.
(٣) ينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٠ - ٦١، و"تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٥، و"تفسير البغوي" ١/ ١٦٦.
(٤) احتج أبو عبيدة بهذه الأبيات: الأول للأعشى:
إلا كخارجةَ المكلِّفِ نفسَه | وابني قبيصة أن أَغيبَ وأشهدا |
من كان أسرع في تفرق فالج | فلبونُه جَرِبتْ معَا وأغدَّتِ |
إلا كناشرةَ الذي ضيّعتمُ | كالغصن في غُلَوائه المتنبِّتِ |
وكل أخٍ مفارقُهُ أخوه | لَعَمْرُ أبيك إلا الفرقدان (١) |
وما أنشده الأخفش (٢):
وأرى لها دارًا بأغْدِرَةِ السِّيـ | ـدَانِ لم يَدْرُس لها رَسْمُ |
إلّا رَمَادًا خامدًا دَفَعَتْ | عنهُ الرِّياحَ خَوَالِد سُحْمُ (٣) |
وهذا القول عند الفراء خطأ (٥)؛ لأن (إلا) (٦) لا يُخرج عن الاستثناء إلى النسق حتى يتقدمها عدد لا يصلح أن يستثنى منه، فتجري مجرى الواو إذا بطل فيها معنى الاستثناء، بيانه: قولك: لي على فلان ألفٌ إلا عشرةً إلا
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٥٢.
(٣) البيت للمُخَبَّل السعدي، ينظر: "ديوانه" ص ٣١٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٦، "لسان العرب" ٢/ ١٢٢٥ (خلد)، "المفضليات" ص ١١٣ - ١١٤. والأغدرة: جمع غدير، السِّيدان: أرض لبني سعد. الخوالد: البواقي وعنى بها: الأثافي. سحم: ذات لون يضرب إلى السواد.
(٤) سقط من (ش).
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٩، وخطأه أيضًا الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٣ - ٣٤، وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٤٢: وإثبات إلا بمعنى الواو، لا يقوم عليه دليل، والاستثناء سائغ فيما ادعى فيه أن إلا بمعنى الواو، وكان أبو عبيدة يضعَّف في النحو، ثم نقل تخطئة الزجاج لهذا القول.
(٦) كتبت في (ش): (لئلا).
ما بالمدينة دارٌ غيرُ واحدةٍ | دارُ الخليفة إلا دارُ مروانا (١) |
فعند الفراء إنما تكون (إلا) (٣) بمنزله الواو إذا عطفتها على استثناء قبلها، لا يصلح أن يكون الثاني استثناء من الأول، كما بيّنا، ومن الناس من صوّب أبا عبيدة في مذهبه، وصحح قوله بما احتج به من الشعر.
وقال قطرب: الاستثناء في هذه الآية من الضمير في ﴿عَلَيْكُمْ﴾، المعنى: لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا على الذين ظلموا منهم فإن عليهم الحجة (٤)، وهذا الوجه اختيار أبي منصور الأزهري. حكاه لي أحمد بن إبراهيم المقبري -رحمه الله- عن الحسن بن محرم، عنه.
قال أبو بكر بن الأنباري: وهذا عندي بعيد رديء (٥)؛ لأن المكني المخفوض لا ينسق عليه إلا بإعادة الخافض، ولأن (٦) الكاف والميم في عليكم، للمخاطبين، فلو استثنى الذين ظلموا منهم لقال: إلا الذين ظلموا
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٨٩ - ٩٠.
(٣) سقطت من (ش).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٧، "التفسير الكبير" ٤/ ١٤٠، "البحر المحيط" ١/ ٤٤٢، وممن ضَّعف هذا: الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤.
(٥) ساقط من (أ)، (م).
(٦) في (ش): (ولكن).
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَخْشَوْهُمْ﴾ الكناية ترجع إلى الذين ظلموا، والمعنى: لا تخشوهم في انصرافكم إلى الكعبة، وفي تظاهرهم عليكم في المحاجّة والمحاربة (٢)، فإني وليكم، أُظْهركم عليهم بالحجة والنصرة (٣). ﴿وَاخْشَوْنِي﴾ في تركها ومخالفتها (٤).
﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ عطف على قوله: ﴿لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ﴾ (٥)، ولكن (٦) أتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم فتتم لكم الملة الحنيفية (٧).
قال عطاء: عن ابن عباس: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ﴾ يريد: في الدنيا والآخرة، أما الدنيا: فأنصركم على عدوكم، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأولادهم، وأما في الآخرة: ففي رحمتي وجنتي، وأزوجكم من الحور العين (٨).
وقال علي - رضي الله عنه -: تمام النعمة: الموت على الإسلام.
(٢) في (ش): (والمجابهة).
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٧.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٧، والطبري ٢/ ٣٥، و"معالم التنزيل" ١/ ١٦٦.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٨، "البحر المحيط" ١/ ٤٢٢، "التبيان" ص ١٠٥.
(٦) هكذا وردت في الأصول، ووردت في "الثعلبي": ولكي. وهي أوضح في المعنى.
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٥٨، والطبري ٢/ ٣٥، والبغوي ١/ ١٦٦.
(٨) تقدم الحديث عن هذه الرواية في المقدمة.
وقوله تعالى: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ ذكرنا معنى (لعل) فيما تقدم (٤)، ونظمُ الكلام يوجب طرح الواو؛ لأن معناه: ولأتم (٥) نعمتي عليكم لعلكم تهتدون بنعمتي، إلا أنه قد يحسن استعمال الواو في مثل هذا الموضع، ويستفاد منه أن يكون ما بعده جملة مبتدئة تتضمن الاتصال بما سبق من الكلام، ويحسن حذف الواو فيكون حينئذ اتصالًا محضًا لا يتضمن استئناف جملة، مثاله: أن تقول: أعطيتك وأكرمتك أرجو رُشْدك، ويحسن أن تقول: وأرجو رُشْدك، أي: بالإكرام والإعطاء، وإن كانت جملة مبتدئة.
١٥١ - قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ﴾ الآية، تكلم النحويون وأرباب المعاني في أن الكاف في قوله: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا﴾ بماذا تتعلق، فذكروا فيه قولين (٦)، أحدهما: أنه متعلق بما قبله، وهو من صلة ﴿وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي﴾، فيكون المعنى: ولأتم نعمتي عليكم كإرسالي إليكم رسولًا، أي:
(٢) ذكره عنه الثعلبي ١/ ١٢٥٨، والبغوي ١/ ١٦٦.
(٣) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٥٨، وذكر أبوحيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٤٣: ثمانية أقوال في معنى تمام النعمة، قال فيها: صدرت مصدر المثال، لا مصدر التعيين، وكل فيها نعمة.
(٤) وقد ذكر الثعلبي في هذا الموضع من "تفسيره" ١/ ١٢٥٨ - ١٢٦٠: معاني لعل.
(٥) في (ش): (لأتم).
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٦، والثعلبي ١/ ١٢٦٢.
إحداهما: قوله ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا﴾ [البقرة: ١٢٨].
الثانية: قوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩] وهو محمد - ﷺ -، فالله تعالى قال: ﴿وَلِأُتِمَّ نِعمَتِى﴾ ببيان شرائع ملتكم الحنيفية، وأهديكم لدين خليلي إبراهيم، ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ﴾ يعني (١): فكما أجبتُ دعوته بابتعاث الرسول، كذلك أجيب دعوته بأن أهديكم لدينه، وأجعلكم مسلمين، فيكون هذا إجابةً لدعوته حيث قال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً﴾ (٢) وهذا الوجه اختيار الفراء (٣).
القول الثاني: أن ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا﴾ جواب لقوله: ﴿فَاذْكُرُونِي﴾ معناه: فاذكروني أذكركم كما أرسلنا، فيكون هذا بمنزلة جزاءٍ له جوابان، أحدهما: مقدم، والآخر: مؤخر، ومثله من الكلام: إذا أتاك عبد الله فأتِه (٤) تُرْضِه، فقد صارت فأتِه ترْضِه جوابين (٥).
(٢) "تفسير الطبري" ١/ ٣٥ - ٣٦ بتصرف. ورجحه مكي بن أبي طالب في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١١٤، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٤٤.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٢، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٦٢.
(٤) في (ش): كتبت: (فأنه).
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٢، وذكر الثعلبي في "تفسيره" ١/ ٢٦٢، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٤٤ أن هذا قول مجاهد وعطاء والكلبي ومقاتل، وهو اختيار الأخفش والزجاج وابن كيسان والأصم، وردّ الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦ قول من قال: معنى الآية: فاذكروني كما أرسلنا فيكم رسولا منكم أذكركم =
وهذا القول موافق لتفسير الآية؛ لأن الآية خطاب لمشركي العرب (٣)، خاطبهم الله تعالى بما دلّهم على إثبات رسالة محمد - ﷺ - فقال: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ﴾ محمدًا، وهو رجل منكم أمي، تعلمون أنه لم يتلُ كتابًا، فأنبأكم (٤) بأخبار الأنبياء، أىِ: فكما أنعمت عليكم بإرساله ﴿فَاذْكُرُونِي﴾
(١) في (م): (وفسر هذا).
(٢) في نسخة (ش): (والفاء جوابها وترضه جواب الشرط مقدر من الإتيان..) والمثبت من نسختي (أ)، (م).
(٣) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٢٦٢.
(٤) سقطت من (ش).
قال ابن عباس: قوله: ﴿وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ﴾ قال: هذا كله للمهاجرين والأنصار، فأوّل الآية الخطابُ عامٌّ؛ لأن الإرسال عام، وباقي الآية خاص؛ لأن تلاوته وتعليمه وتزكيته مما خص الله به أقوامًا دون (٢).
ومعنى قوله: ﴿وَيُزَكِّيكُمْ﴾ أي: يعرضكم لما تكونون به أزكياء، من الأمر بطاعة الله، واتباع مرضاته (٣)، ويحتمل أن يكون المعنى: ينسبكم إلى أنكم أزكياء بشهادته لكم؛ ليعرفكم الناس به، وقد ذكرنا معنى التزكية فيما تقدم (٤).
١٥٢ - قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ أصل الذكر في اللغة: التنبيه على الشيء، ومن ذكّرك شيئا فقد نبهك عليه، وإذا ذكرته فقد تنبهت عليه، والذَّكرُ أَنْبَهُ من الأنثى. وقوله: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ﴾ [الزخرف: ٤٤] أي: شرف لك، من النباهة. ومعنى الذكر: حضور المعنى للنفس، ثم يكون تارة بالقلب، وتارة بالقول، وليس موجبه أن يكون بعد النسيان؛ لأنه يستعمل كثيرًا دون أن يتقدمه نسيان (٥).
(٢) سقط في نسختي: (أ)، (م). وأما في (ش) فبياض بمقدار كلمة ولعلها (أقوام).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٦ - ٣٧.
(٤) ينظر ما تقدم في قوله: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ﴾ [البقرة: ١٢٩].
(٥) ينظر في الذكر: "البحر المحيط" ١/ ٤٤٥ - ٤٤٦، "لسان العرب" ٣/ ١٥٠٧ - ١٥٠٩ (ذكر)، وقال الراغب في "المفردات" ص ١٨٤: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان، ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر.
وقوله تعالى: ﴿وَاشْكُرُوا لِي﴾ تقول العرب: شكرته وشكرت له، ونصحته ونصحت له، في أحرف تسمع ولا تقاس. فمن قال: شكرتك، أوقع اسم المنعم موقع النعمة، فعدّى الفعل بغير وسيطة، والأجود: شكرت لك؛ لأنه الأصل في الكلام، والأكثر في الاستعمال (٣). والنعمة محذوفة من الآية؛ لأن معنى الكلام: واشكروا لي نعمتي؛ لأن حقيقة الشكر إنما هو إظهار النعمة، لا إظهار المنعم. وكذلك ﴿وَلَا تَكْفُرُونِ﴾ أي: لا تكفروا نعمتي (٤)؛ لأن أصل الكفر إنما هو ستر النعمة (٥) لا ستر
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٦٧.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٣٧ - ٣٨، "المفردات" ص ٢٦٨، "لسان العرب" ٤/ ٢٣٠٥ (شكر)، قال: يقال: شكرته، وشكرت له، وباللام أفصح، وقال الفراء في "معاني القرآن" ١/ ٩٢: العرب لا تكاد تقول شكرتك، إنما تقول: شكرت لك، ونصحت لك، ولا يقولون: نصحتك، وربما قيلتا. وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٤٧: وهو من الأفعال التي ذكر أنها تارة تتعدى بحرف الجر، وتارة تتعدى بنفسها وقالوا: إذا قلت شكرت لزيد، فالتقدير: شكرت لزيد صنيعه، فجعلوه مما يتعدى لواحد بحرف جر ولآخر بنفسه، ولذلك فسر الزمخشري هذا الموضع بقوله. واشكروا لي ما أنعمت به عليكم.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٦٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٤٧.
(٥) ينظر في الكفر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٧ - ٣٨، وقال في "المفردات" ص ٤٣٥: وكفر النعمة وكفرانها: سترها بترك أداء شكرها والكفران في جحود النعمة أكثر استعمالاً، والكفر في الدين أكثر، والكفور فيهما جميعًا.
قال الفراء: وليست تتهيّب العرب حذف الياء من آخر الكلام (٥)، إذا كان ما قبلها مكسورًا، من ذلك ﴿أَكْرَمَنِ﴾ ﴿أَهَانَنِ﴾ [الفجر: ١٥ - ١٦] و ﴿أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ [النمل: ٣٦]، ومن غير النون ﴿الْمُنَادِ﴾ [ق: ٤١] و ﴿الدَّاعِ﴾ [القمر: ٨]، (٦) يكتفي من الياء بكسر ما قبلها، ومن الواو بضمة ما قبلها، مثل: ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ [العلق: ١٨]، و ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (١١)﴾ [الإسراء: ١١]. وقد تُسقط العرب الواو، وهي واو جِمَاع (٧)، اكتفاءً بالضمة قبلها، فيقال في ﴿ضَرَبُوا﴾: ضَرَبُ، وفي ﴿قالوا﴾: قالُ، وهي في هوازن وعُليا قيس. قال بعضهم:
إذا ما شاءُ ضرّوا من أرادوا | ولا يألوهم أحدٌ ضرارا (٨) (٩) |
(٢) (النون) سقطت من (م).
(٣) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ١٨٦، "المقتضب" ٤/ ٢٤٦.
(٤) في (م): (ينادى المنادي).
(٥) في (م): (النون).
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٨، وقال فيه: الأكثر الذي أتى به القراء حذف الياءات مع النون.
(٧) في (ش): (اجماع).
(٨) (ما) ساقطة من (أ)، (م). وفيهما: "ضرار". وفي (م)، (ش): (ضربوا)، وهو تحريف.
(٩) البيت بلا نسبة في "الإنصاف" ص ٤٣٠، "همع الهوامع" ١/ ٥٨، وأورده البغدادي في "شرح شواهد المغني" ٢/ ٨٥٩، وقال: هذا البيت مشهور في تصانيف =
فلو أنّ الأطِبّا كانُ حولي | وكان مع الأطبّاءِ الأُسَاةُ (١) (٢) |
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ قال عطاء، عن ابن عباس:
متى تقول خلت من أهلها الدار | كأنهم بجناحي طائر طاروا |
(٢) من "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩١.
(٣) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٥٠، وعبارته: استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلوات في مواقيتها نحو الكعبة، حين عيرتهم اليهود بترك قبلتهم.
(٤) ينظر في الصبر ومعناه وحقيقته: كتاب ابن القيم الماتع: "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين".
(٥) في (ش): (من).
(٦) في (ش): (عن).
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٨.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٩.
وقال أبو اسحاق: تأويله: أنه يظهر دينهم على سائر الأديان؛ لأن من كان الله معه فهو الغالب، كما قال عز وجل: ﴿فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ﴾ [المائدة: ٥٦] (٢).
١٥٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ﴾ يرتفع بإضمار المكني، تقريره: لا تقولوا: هم أموات. ولا يجوز إيقاع القول على الأسماء، لا يجوز أن تقول: قلتُ عبد الله قائمًا، وإنما يجوز إيقاع القول على (٣) اسم في معنى قول، من ذلك قولك: قلت خيرًا، وقلت شرًا، نصبتهما؛ لأنهما قول، كأنك قلت كلامًا حسنًا أو قبيحًا (٤).
نزلت الآية في قتلى بدر من المسلمين، وذلك أن الناس كانوا يقولون لمن يقتل في سبيل الله: مات فلان، وذهب عنه نعيم الدنيا ولذتها، فأنزل الله هذه الآية (٥).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٢٩.
(٣) من قوله: (الأسماء..) ساقط من (ش).
(٤) بمعناه من كلام الفراء في "معاني القرآن" ٩٣/ ١، "تفسير الطبري" ٣٨/ ٢ - ٣٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ٣٠ - ٣١، "البحر المحيط" ١/ ٤٤٨.
(٥) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٥٠، وعدَّ أسماء القتلى، وأبو الليث السمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ١٦٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٦٩، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٤٧ - ٤٨، والحيري في "الكفاية" ١/ ٨٧، والسمعاني ٢/ ١٠٠، والماوردي مختصرا في "النكت والعيون" ١/ ٢٠٩، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣٨٤ لابن منده في المعرفة، من طريق السدي الصغير، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وهذه سلسلة الكذب. وحكى ابن عطية في "المحرر" ٢/ ٣٠ - ٣١ في سببها، دون أن ينسبه إلى أحد، أن المؤمنين صعب عليهم فراق =
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أي: ما هم فيه من النعيم والكرامة، وقيل ﴿وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ أنهم أحياء (٣).
فإن قيل: كيف لا يشعرون وقد أخبر الله بذلك؟
قلنا: أراد: لا يحسّون ذلك؛ لأنهم لا يشاهدون (٤)، وهذا النوع من العلم مقتضى (٥) الشِعْرِ، وذكرنا هذا في أول السورة (٦)، وبيّنّا أنه لهذا المعنى لا يقال: الله يشعر.
١٥٥ - قوله تعالى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ النون فيه للتأكيد، واللام جواب قسم
(١) سقطت من (م).
(٢) أخرجه مسلم عن عبد الله بن مسعود (١٨٨٧) كتاب الإمارة، باب: بيان أن أرواح الشهداء في الجنة.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٧٠، "البحر المحيط" ١/ ٤٤٨، وقال: ولكن لا تشعرون بكيفية حياتهم، ولو كان المعنى بأحياء: أنهم سيحيون يوم القيامة أو أنهم على هدى، فلا يقال فيه ولكن لا تشعرون؛ لأنهم قد شعروا به.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٠.
(٥) في (ش): (فيقتضي).
(٦) عند قوله: ﴿وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ [البقرة: ٩].
ومعنى ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أي: نعاملكم معاملة المبتلي؛ لأن الله تعالى يعلم عواقب الأمور، فلا يحتاج إلى الابتلاء ليعرف العاقبة، ولكنه يعاملهم معاملة من يبتلي، فمن صبر أثابه على صبره، ومن لم يصبر لم يستحقّ الثواب، فيكون في ذلك إلزام الحجة (٢).
وقوله تعالى: ﴿بِشَيْءٍ﴾ ولم يقل: بأشياء، وقد ذكر بعده ما هو أشياء لمكان (من)، والمعنى: بشيء من الخوف وشيء (٣) من الجوع، وهو كقول القائل: أعطني شيئًا من الدراهم، ومن الطعام، فيصير شيء كالمكرر في المعنى، ولو كان (بأشياء) كان صوابًا (٤).
قال ابن عباس: ﴿مِنَ الْخَوْفِ﴾ يعني خوف العدو (٥)، ﴿وَالْجُوعِ﴾ يعني: المجاعة والقحط، ﴿وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ﴾ يعني: الخسران والنقصان
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤١، "تفسير البغوي" ١/ ١٦٩.
(٣) في (م)، (ش): (شيئًا).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣١٢، "تفسير الطبري" ٣/ ٤١، "البحر المحيط" ١/ ٤٥٠، وقال: أفرده ليدل على التقليل؛ إذ لو جمعه فقال: بأشياء، لاحتمل أن تكون ضروبًا من كل واحد مما بعده.
(٥) ذكره عن ابن عباس: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٧٤، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣٦، و"البغوي" ١/ ١٦٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٥٩.
قال أبو إسحاق وابن الأنباري: تأويل الآية: ولَنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع لتصبروا عليه، فيكون صبركم داعيًا من يخالفكم من الكفار إلى أتباعكم والدخول فيما أنتم عليه، وذلك أنهم يقولون: لم يصبر هؤلاء القوم على هذا الدين الذي امتُحِنوا فيه بما امتُحِنوا ونالتهم فيه الشدائد إلا بعد ما قامت براهينُ صحته عندهم، ولم يداخلهم ريب في أنه هو الحق، فيكون ذلك أدعى إلى الإسلام (٢).
قال أبو بكر: وقيل في الآية: ولنختبرنّكم (٣) بشيء من الخوف والجوع، لتنالوا به درجةً، وتصلوا معه إلى منزلة لولا هو ما وصلتم إليها، ولكي (٤) تتضرعوا في كشفه عنكم، فتكتسبوا بذلك حظًا من الثواب جزيلًا.
وقال الشافعي - رضي الله عنه -: يعني بالخوف: خوف الله عز وجل، وبالجوع: صيام شهر رمضان، وبنقص من الأموال: أداء الزكوات والصدقات، والأنفس: الأمراض، والثمرات: موت الأولاد؛ لأن ولد الرجل ثمرة قلبه (٥). وقد
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣١.
(٣) في (ش): (لنختبرنكم).
(٤) في (م): (ولكن).
(٥) ذكره عن الشافعي: الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٧٤، والبغوي ١/ ١٦٩، والرازي ٤/ ١٦٧، وأبو حيان في "البحر" ١/ ٤٥٠، وذكره ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٢١١، قائلًا: وقد حكى بعض المفسرين، ثم قال: وفي هذا نظر.
وفي قوله: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ دليل على أن من صبر على هذه المصائب أعطاه الله تعالى في العاجل والآجل ما هو أعمّ نفعًا له.
١٥٦ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ﴾ الآية، من الناس من يجعل ﴿الَّذِينَ﴾ مبتدأ، وخبره قوله: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ﴾ ومنهم: من يجعله صفة للصابرين (٢).
وقوله تعالى: ﴿أَصَابَتْهُمْ﴾ يقال في المصدر: الإصابة، والمُصَابة، والمُصَاب. أنشد الفراء:
فلو أنّا بكينا من مُصَابِ | على حَدَثٍ بكينا سَيِّدَيْنَا |
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٥١، وقال عن الأول: إنه محتمل، وعن الثاني: إنه ظاهر الإعراب، وذكر أيضا: أنه منصوب على المدح، أو مرفوع على إضمار هم على وجهين: إما على القطع، أو على الاستئناف.
أظُلَيْمُ إن مُصَابَكمْ رَجُلًا | أهدى السلامَ تحيةً ظُلْمُ (١) |
فأما جمعها: فحكى سيبويه: أن بعضهم قال في جمع مصيبة: مصائب فهمز، وهو غلط، وإنما هو مُفْعِلَة فتوهموها فَعِيلَة.
قال: ومنهم من يقول: مصاوب، فجيء به عن الأصل والقياس. هذا كلامه (٣)، ومثل هذا الغلط في جمع مصيبة على مصائب بالهمزة: قراءة من قرأ (معائش) بالهمز، وقد شرحنا ذلك مستقصى.
قال أبو علي الفارسي: قول سيبويه: وتوهموها فعيلة، أي: توهموا
وظليم: ترخيم ظليمة، ويروى: أظلوم، وظليم: هي أم عمران زوجة عبد الله بن مطيع وكان الحارث يُنْسب بها، ولما مات زوجها تزوجها.
ورجلًا منصوب بمصاب، يعني: إن إصابتكم رجلًا، وظُلْمُ: خبر إن.
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٥١.
(٣) بمعناه من "الكتاب" لسيبويه ١/ ٣٥٦، وقال الزجاج فيما نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٥٦ "صاب": أجمع النحويون على أن حكوا مصائب في جمع: مصيبة، بالهمز، وأجمعوا على أن الاختيار: مصاوب، ومصائب عندهم بالهمز من الشاذ، قال: وهذا عندي إنما هو بدل من الواو المكسورة، كما قالوا: وسادة وإسادة.
قال أبو علي: وليس القول عندي كذلك؛ لأن المكسورة غير أول لا تبدل كالمفتوحة، ألا ترى أنهم قالوا: أَناةٌ؟ فأبدلوا الواو أولًا، ولم يلزموا البدل غير أول، مع تكررهما في أَحْوويّ ونحوه، فكذلك المكسورة لا يجوز إبدالها غير أول (٣) إذ لم تجئ في شيء مكسورة مبدلة غير أول، وإذا كان كذلك، كان قوله في مصائب عاريًا من دلالة تبينه، وخاليًا من نظير يردّ إليه، ويستشهد به (٤) عليه، وقول النحويين: إنه على جهة الغلط أشبه
(٢) ينظر كلامه فيما نقله الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٥٦ (صاب).
(٣) من قوله: (تبدل كالمفتوحة..) ساقط من (ش).
(٤) في (أ)، (م): (ويستشهد به دل عليه).
وقوله تعالى: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ أي: نحن وأموالنا لله، ونحن عبيد يصنع بنا ما يشاء، وفي ﴿إِنَّا لِلَّهِ﴾ إقرار له بالعبودية ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ﴾ إقرار بالبعث والنشور (٢).
ومعنى الرجوع إلى الله: الرجوع إلى انفراده بالحكم، كما كان أول مرة، إذ قد مَلَّك قومًا في الدنيا شيئًا من الضر والنفع لم يكونوا يملكونه، ثم يرجع الأمر إلى ما كان، إذا زال تمليك العباد (٣).
وقال أبو بكر الوراق: ﴿إِنَّا للِّهِ﴾: إقرار منّا له بالملك ﴿وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾: إقرار على أنفسنا بالهلك (٤)، وظاهر الخطاب في هذه الآية يقتضي أن يكون قول القائل: ﴿إِنَّا للِّهِ﴾ على إثر المصيبة من غير أن يتخللها جزع؛ ليستحق الثواب الموعود. يؤيد هذا: ما روي أن النبي - ﷺ - قال لامرأة جزعت ثم راجعت: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى" (٥). الصبر الموعود عليه الأجر والثواب (٦).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ٣٤، "البحر المحيط" ١/ ٤٥١.
(٣) في (ش): (العبادة).
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٧٧، والرازي في "تفسيره" ٤/ ١٧١، وذكره القرطبي في "تفسيره" ٢/ ١٦١ [دون نسبة].
(٥) أخرجه البخاري (١٢٨٣) كتاب الجنائز، باب: زيارة القبور، ومسلم (٩٢٦) كتاب الجنائز، باب: في الصبر على المصيبة عند الصدمة الأولى.
(٦) ينظر في ذلك: كتاب "عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين" ص ١١٤ وما بعدها.
وقال أبو عبيدة: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ﴾ يقول: ترحّم من ربهم (٣)، واحتجّ بقول الأعشى:
تقولُ بنتي وقد قَرّبْتُ مُرْتَحِلًا | يا رَبِّ جَنِّبْ أَبِي الأوصابَ والوجعا |
عليكِ مِثْلُ الذي صلَّيتِ فاغتمضي | نومًا فإنّ لجنب المرء مضطجَعا (٤) |
(٢) ينظر في معنى الصلاة: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٠، "المفردات" ص ٢٨٧ قال:.. والصلاة، قال كثير من أهل اللغة: هي الدعاء والتبريك والتمجيد، يقال: صليت عليه، أي دعوت له وزكيت وصلوات الرسول، وصلاة الله للمسلمين هو في التحقيق تزكيته إياهم، ومن الملائكة هي الدعاء والاستغفار كما هي من الناس.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ص ٦١ - ٦٢.
(٤) البيتان في "ديوانه" ص ١٠٦، وفي "الخزانة" ١/ ٣٥٩، و"مراتب النحويين" ص ١٩٤.
(٥) سقطت من (م).
وأنشد الأزهري في تفسير هذه الآية قول الشاعر:
صلّى على يحيى وأشياعه | ربٌّ كريمٌ وشفيعٌ مُطاعْ (٢) |
فالصلاة لها معانٍ بالتدريج، أصلها: الدعاء، ثم صارت الرحمة، لما ذكرنا من أن الداعي مترحّم، ثم صارت للمغفرة؛ لأن الترحم يوجب المغفرة، ومن ترحم الله عليه غفر له، وفسر ابن عباس الصلوات في هذه الآية بالمغفرة، فقال: ﴿صَلَوَاتٌ﴾ أي: مغفرة من ربهم (٥).
(٢) البيت للسفاح بن بكير اليربوعي، في "شرح اختيارات المفضل" ص ١٣٦٢، وقيل: هو لرجل من قُريع يرثي يحيى بن ميسرة صاحب مصعب بن الزبير. ينظر: "الخزانة" ١/ ١٤١، وبلا نسبة في "لسان العرب" ٤/ ٢٤٩٠ (صلا).
(٣) في (ش): (ومعناه).
(٤) في (ش): (الله من الله). وهو خطأ.
(٥) ذكره عن ابن عباس الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٨٠، وبهذا فسر الطبري الرحمة =
وقوله تعالى: ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ قال ابن عباس: ونعمة (٤).
وقال أهل المعاني: إنما ذكر الرحمة، ومعنى الصلوات هاهنا: الرحمة؛ لإشباع المعنى، والاتساع في اللفظ (٥). ومثله قوله: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٨٠].
وقال ذو الرمة:
لمياءُ في شفتيها حوَّة لَعَسٌ (٦)
(١) سقطت من (ش).
(٢) أخرجه البخاري (٤١٦٦) كتاب المغازي، باب: غزوة الحديبية، ومسلم (١٠٧٨)
كتاب الزكاة، باب: الدعاء لمن أتى بصدقته.
(٣) ذكره في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٠.
(٤) ذكره في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٠.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ٤٧٨، "معالم التنزيل" ١/ ١٧٠، "المحرر الوجيز" ٢/ ٣٤.
(٦) عجز البيت:
وفي اللثات وفي أنيابها شَنَبُ
وهو في "ديوانه" ص ٣٢، "لسان العرب" ٤/ ٢٣٣٦ (شنب).
وقوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد: الذين اهتدوا للترجيع (١). وقيل: إلى الجنة والثواب، وقيل: إلى الحق والصواب (٢)، وكان عمر - رضي الله عنه - إذا قرأ هذه الآية قال: نعم (٣) العِدلان، ونعمت العلاوة (٤) (٥).
١٥٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ الآية، الصفا: جمع صفاة، وهي: الحجارة.
قال أبو العباس: الصفا: كلُّ حجر لا يخلطه غيره، من طين أو تراب يتصل به، واشتقاقه من صفا يصفو إذا خَلَص (٦)، والمروة: واحدة المرو،
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨١، "معالم التنزيل" ١/ ١٧٠.
(٣) في (م): (نعمت).
(٤) في (ش) حاشية: (قال عبد المؤمن: أراد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة: الاهتداء).
(٥) الأثر أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" ٢/ ٦٣٤، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٧/ ١١٦، من طريق مجاهد عن عمر، والحاكم ٢/ ٢٧٠، وصححه على شرط الشيخين، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٢٦ من طريق مجاهد عن سعيد بن المسيب عن عمر، ومجاهد لم يلق عمر، وسعيد أدرك عمر ولم يسمع منه. والأثر ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٨١، و"تفسير البغوي" ١/ ١٧٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٦٢.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٢، "المفردات" ص ٢٨٦، "البحر المحيط" ١/ ٤٥٤، وذكر أبو حيان =
قال الأعشى:
وتُوَلّي الأرضَ خُفًّا ذابلًا | فإذا ما صادف المَروَ رَضَحْ (٢) |
وشعائر الله: واحدتها شعيرة. قال المفسرون وأهل اللغة جميعًا: شعائر الله: متعبداته التي أشعرها الله، أي: جعلها أعلامًا لنا، وهي كلّ ما كان من مَشعر، أو موقف، أو مسعًى، أو منحر (٤)، وهي من قولهم: شعرتُ، أي: علمتُ، وهي كلّها معلومات، وهذا قول الزجاج، واختياره (٥).
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٣ - ٤٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٣،"تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٣، "البحر المحيط" ١/ ٤٥٤، وذكر في "البحر" أقوالا أخر هي: الحجارة الصلبة، أو الصغار المرهفة الأطراف، أو الحجارة السود، أو الحجارة البيض، أو الحجارة البيض الصلبة.
(٢) البيت في مدح إياس بن قبيصة الطائي، ينظر: "ديوان الأعشى الكبير" ص٤٠، وفيه: (مجمرًا) بدل (ذابلًا)، وفي "تفسير الطبري" ٢/ ٤٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٨٠. يصف الشاعر خف ناقته بأنه إذا وطئ المرو -وهي الحجارة الصغيرة- تكسرت من تحت خفها الأحجار، ورضح الحصى: كسرها.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٢٨٣.
(٤) سقطت مشعر من (أ)، (ش) كما أن فيها تقديمًا وتأخيراً بين المذكورات.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٣، وينظر "البحر المحيط" ١/ ٤٥٤.
شَعَائرَ قُربانٍ بهم يُتَقَرَّبُ (٣)
ويحتمل أن يكون من الإعلام بالشيء (٤)، وبه قال مجاهد في قوله: ﴿مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾. قال: يعني: منْ الخبر الذي أخبركم عنه (٥)، كأنه إعلام من الله عبادَه أمرَ الصفا والمروة (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ﴾ قال الليث: أصل الحج في اللغة: زيارة شيء تعظّمه.
(٢) في (ش): (من أسنامها).
(٣) وشطره الأول:
نُقَتِّلهُم جيلًا فجيلًا، تَرَاهُمُ
ينظر: "القصائد الهاشميات" للكميت بن زيد ص ٢١، في "مجاز القرآن" ١/ ١٤٦، "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٤، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٦٥.
(٤) ينظر: "مجاز القرآن" ١/ ١٤٦، "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٣، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٨٤ وما بعدها، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٤، "المفردات" ص ٢٦٥، "تفسير البغوي" ١/ ١٧٢.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٢٨٤.
(٦) قال الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٢٧: وذلك تأويل من المفهوم بعيد، وإنما أعلم الله تعالى ذكره بقوله: (إن الصفا)، عباده المؤمنين أن السعي بينهما من مشاعر الحج التي سنها لهم، وأمر بها خليله إبراهيم - ﷺ - إذ سأله أن يريه مناسك الحج، وذلك وإن كان مخرجه مخرج الخبر، فإنه مراد به الأمر.
وقال كثير من أهل اللغة: أصل الحجّ: إطالة الاختلاف إلى الشيء. واختار ابن جرير هذا القول، قال: لأن الحاجّ يأتي البيت قبل التعريف، ثم يعود إليه للطواف يوم النحر، ثم ينصرف عنه إلى منى، ثم يعود إليه لطواف الصَّدَر؛ فلتكرارِهِ (٢) العودَ إليه مرةً بعد أخرى قيل له: حاج (٣).
وكلهم احتجوا بقول المخبّل القُريعي (٤):
يحجُّون سِبَّ (٥) الزِّبرِقانِ المُزَعْفَرا (٦)
(٢) في (م): (فلتكرار)
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤ - ٤٥، "المفردات" ص ١١٥، "اللسان" ٢/ ١٨١ - ٧٧٨ (حجج).
(٤) هو المخبل بن ربيعة بن عوف قتال بن أنف الناقة بن قريع، أبو يزيد، شاعر فحل، هاجر وابنه إلى البصرة، وولده كثير بالأحساء، وهم شعراء، وله شعر كثير جيد، هجا به الزبرقان وغيره، وكان يمدح بني قريع ويذكر أيام سعد. ينظر: "طبقات ابن سلام" ص ٦١، "الشعر والشعراء" ٢٦٩.
(٥) في (ش): (سب الزعفران الزبرقان المزعفرًا).
(٦) صدر البيت:
وأشهد من عوف حُلُولًا كثيرةً
ينظر في نسبته إليه "إصلاح المنطق" ص ٣٧٢، "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤، "البيان والتبيين" ٣/ ٩٧، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٦، "تفسير السمعاني" ٢/ ١٠٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٦٥، وروي (المعصفرا) بدل (المزعفرا). وقوله: يحجون أي: يزورون. والسِبّ: العمامة، وقيل: الاست. والزبرقان: هو حصين بن بدر =
وكأنّ عافيةَ النسور عليهمُ | حُجٌّ بأسفلِ ذي المَجَاز نُزُولُ (٣) (٤). |
وراكبٌ جاء من تثليثَ معتمرُ
قال الأزهري: وقد يقال: الاعتمار (٧) القصد، وأنشد للعجاج:
لقد سما ابنُ مَعْمَرٍ (٨) حينَ اعْتَمَرْ | مَغْزًى بعيدًا من بعيدٍ وضَبَر (٩) |
(١) ذكر في "اللسان" ٢/ ٧٧٩ "حجج"، أن الكسائي لا يفرق بين الحِج والحَج، وغيره يقول: الحَج حَج البيت، والحِج عمل السنة.
(٢) في (ش)، (م): (ذو).
(٣) البيت لجرير يهجو الأخطل في "ديوانه"، ص١٠٤، "لسان العرب" ٢/ ٧٧٨، وقال: والمشهور في روايات البيت: حِجّ، بالكسر، وهو اسم الحاج.
(٤) ينظر فيما تقدم "اللسان" ٢/ ٧٧٨ - ٧٧٩ (حجج).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٤.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٥، "المفردات" ص ٣٥٠.
(٧) في (م): (للاعتمار).
(٨) في (ش): (معتمر).
(٩) البيت للعجاج يمدح عمر بن عبيد الله التميمي، في "ديوانه" ص ١٩، "تفسير =
وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾ الجناح: الإثم، وأصله: من الجنوح، الذي هو الميل، يقال: جَنَحَ: مال، ومنه قوله: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ﴾ [الأنفال: ٦١] وقيل للأضلاع: جوانح؛ لاعوجاجها. قال ابن دريد: معنى ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ أي: لا ميل إلى مأثم. وجناح الطائر من هذا؛ لأنه يميل في أحد شقّيه، ليس على مستوى خلقته، فمعنى الجناح: الميل عن الحق.
وقال أبو علي الجرجاني: معنى ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ﴾ أينما ذكر في القرآن: لا ميل لأحد عليه بمطالبة شيء من الأشياء، هذا هو الأصل، ثم صار معناه: لا حرج عليه، ولا ذنب عليه (٢).
قال ابن عباس: كان على الصفا صنم، وعلى المروة صنم، وكان أهل الجاهلية يطوفون بينهما، ويمسحونهما، فلما جاء الإسلام وكسرت الأصنام كره المسلمون الطواف بينهما؛ لأجل الصنمين؛ فأنزل الله عز وجل هذه الآية، منبهًا لهم (٣) على أن الطواف بالصفا والمروة لا تبعة فيه عليهم، وأنه
(١) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٨٦.
(٢) ينظر في معنى الجناح: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٥، الثعلبي ١/ ١٢٨٩، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٤٦، "المفردات" ص١٠٧، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٦٦، "اللسان" ٢/ ٦٩٧ - ٦٩٨ (جنح).
(٣) سقطت من (م).
فالآية تدلّ بظاهرها على إباحة ما كرهوه، ولكن السنّة أوجبت الطواف بينهما والسعي، وهو قوله - ﷺ -: "يا أيها الناس كُتِبَ عليكم السعيُ فاسعَوا" (٢).
وهو مذهب الشافعي، رضي الله عنه (٣)، والواجب أن يبدأ بالصفا،
(٢) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٦/ ٤٢٢، حديث (٢٦٩١٧)، وابن خزيمة في "صحيحه" ٤/ ٢٣٢ برقم (٢٧٦٤)، والدارقطني في "سننه" ٢/ ٢٥٥ - ٢٥٦، والطبراني في "الكبير" ٢٤/ ٢٥٥، والحاكم ٦/ ٤٢١، والحديث صححه الحافظ المزي، وابن عبد الهادي كما في "الإرواء" ٤/ ٢٧٠، وقواه الحافظ في "الفتح" ٣/ ٤٩٨، وصححه الألباني في "الإرواء" ٤/ ٢٧٠.
(٣) ينظر: "المجموع شرح المهذب" ٨/ ٦٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٩٥، وقد اختلف العلماء في السعي: فمنهم من قال بركنيته، وهذا قول عائشة وعروة ومالك والشافعي، ومنهم من قال بسنيته، روي ذلك عن ابن عباس وأنس وابن الزبير =
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ فيه وجهان من القراءة (٤):
أحدهما: ﴿تَطَوَّعَ﴾ على تَفَعَّل ماضيًا وهذه القراءة تحتمل أمرين (٥):
أحدهما: أن يكون موضع تطوَّع جزمًا، وتجعل (مَن) للجزاء، وتكون الفاء مع ما بعدها من قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ في موضع جزم؛ لوقوعها موقع الفعل المجزوم، والفعل الذي هو ﴿تَطَوَّعَ﴾ على لفظ المثال
(١) ينظر: "المغني" لابن قدامة ٥/ ٢٣٧.
(٢) في (م): (فابدأوا).
(٣) جزء من حديث جابر الطويل في صفة حجة النبي - ﷺ -، أخرجه مسلم (١٢١٨) كتاب: الحج، باب: حجة النبي - ﷺ -.
(٤) قرأ حمزة والكسائي وخلف: (يَطَّوَّعْ) بالياء التحتية، وتشديد الطاء، وإسكان العين على الاستقبال، والباقون: بالتاء الفوقية، وتخفيف الطاء، وفتح العين. ينظر "السبعة" ص ١٧٢، "النشر" ٢/ ٢٢٣.
(٥) في (م): (وجهين).
الثاني: أن لا تجعل (مَن) للجزاء، ولكن تكون بمنزلة الذي، وتكون (١) مبتدأ به، ولا موضع حينئذ للفعل الذي هو ﴿تَطَوَّعَ﴾، والفاء مع ما بعدها في موضع رفع، من حيث كان خبر المبتدأ الموصول، والمعنى فيه معنى الجزاء؛ لأن هذه الفاء إذا دخلت في خبر الموصول أو النكرة الموصوفة؛ آذنت أنّ الثاني إنما وجب لوجوب الأول، كقوله: ﴿وَمَا بِكُم مِن نِّعمَةٍ فَمِنَ اَللهِ﴾ [النحل: ٥٣] وما: مبتدأ موصول، والفاء مع ما بعدها جواب له، وفيه معنى للجزاء؛ لأن تقديره: ما ثبت بكم من نعمة، أو ما دام بكم من نعمة فمن ابتداء الله إياكم بها، فسبب ثبات (٢) النعمة ابتداؤه [ذلك] (٣)، كما أن استحقاق الأجر إنما هو من أجل الإنفاق في قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ﴾ [البقرة: ٢٧٤].
وعلى هذا كل ما في القرآن من هذا الضرب، كقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا﴾ إلى قوله: ﴿فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ﴾ [البروج: ١٠]، وقوله: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٩٥]، ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ﴾ [البقرة: ١٢٦]، ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: ١٦٠]، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩]. ونذكر هذه المسألة مشروحة عند قوله: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ [البقرة: ٢٧٤].
(٢) في (ش): (ابتدا).
(٣) زيادة يقتضيها الكلام، من كلام أبي على الفارسي في "الحجة" ٢/ ٢٤٦.
وأما التفسير: فقال مجاهد: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ بالطواف بهما (٣)، وهذا على قول من لا يرى الطواف بهما فرضًا.
وقال مقاتل والكلبي: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ فزاد في الطواف بعد الواجب (٤).
ومنهم من حمل هذا النوع على العمرة، وهو قول ابن زيد (٥)، وكان يرى العمرة غير واجبة.
وقال الحسن: ﴿وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا﴾ يعنى به: الدين كلّه، أي: فعل غير المفترض عليه، من طواف وصلاة وزكاة ونوع من أنواع الطاعات (٦).
(٢) ما تقدم من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٤٥ - ٢٤٨ بتصرف واختصار.
(٣) "تفسير مجاهد" ص ٩٢، ورواه الطبري عنه في "تفسيره" ٢/ ٥٠، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٢٩٢ إلى: سيعد بن منصور، وعبد بن حميد، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٦٨ عن أنس قوله: والطواف بهما تطوع، وكذا روي عن ابن عباس، وعزاه في "الدر": إلى عبد بن حميد، وأبي عبيد في "فضائله"، وابن أبي داود في "المصاحف".
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ١٥٢، وذكره عنهما الثعلبي ١/ ١٣٠٠، والبغوي ١/ ١٧٥.
(٥) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٢/ ٥٢، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٠١.
(٦) ذكره الثعلبي ١/ ١٣٠١، والبغوي في "معالم التنزيل" ١/ ١٧٥.
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ﴾ أي: مُجازٍ بعمله ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيته (٢).
قال أهل المعاني: وحقيقة الشاكر في اللغة: هو المظهر للإنعام عليه، والله تعالى لا تلحقه المنافع والمضارّ، فالشاكر في وصفه مجازٍ، ومعناه: المجازي على الطاعة بالثواب، إلا أن اللفظ خرج مخرج التلطف للعباد، مظاهرة في الإحسان إليهم، كما قال: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٤٥]، وهو تعالى لا يستقرض من عوزة ولكنه تلطّف (٣) في الاستدعاء. كأنه قيل: من الذي يعمل عمل المُقرِض، بأن يقدّمَ، فيأخذ أضعاف ما قدَّمَ في وقت فقره وحاجته (٤)!؟
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠١.
(٣) في (م): (اللطف).
(٤) وقال الزجاجي في "اشتقاق أسماء الله" ص ٨٧: فلما كان الله عز وجل يجازي عباده على أفعالهم ويثيبهم على أقل القليل منها، ولا يضيع لديه تبارك وتعالى لهم عمل عامل، كان شاكرا لذلك لهم، أي: مقابلًا له بالجزاء والثواب. وقال الشيخ السعدي في "تفسيره" ص ٧٧: الشاكر والشكور من أسماء الله تعالى: الذي يقبل من عباده اليسير من العمل، ويجازيهم عليه العظيم من الأجر، الذي إذا قام عبده بأوامره وامتثل طاعته أعانه عليه وأثنى عليه ومدحه، وجازاه في قلبه نورًا وإيمانًا وسعة، وفي بدنه قوةً ونشاطًا، وفي جميع أحواله قلادة بركة ونماء، وفي أعماله زيادة توفيق، ثم بعد ذلك يقدم على الثواب الآجل عند ربه كاملًا موفرًا، لم تنقصه هذه الأمور، ومن شكره لعبده أن من ترك شيئا لله أعاضه الله خيرًا منه، ومن تقرب منه شبرًا تقرب منه ذراعًا.
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠١، وروى ابن أبي حاتم ١/ ٢٦٩ عن السدي عن أصحابه: [البينات]: الحلال والحرام.
(٣) في (ش): (وبعثه).
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠١، وقد ذكر هذا الفرق بين البينات والهدى أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٥٨، وقال: والبينات هي: الحجج الدالة على نبوته - ﷺ -، والهدى: الأمر باتباعه، أو الهدى والبينات، والجمع بينهما توكيد، وهو ما أبان عن نبوته وهدى إلى اتباعه. وقد بين الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢ البينات بقوله: البينات التي أنزلها الله: ما بين من أمر نبوة محمد - ﷺ - ومبعثه وصفته في الكتابين اللذين أخبر الله تعالى ذكره أن أهلهما يجدون صفته فيهما. ويعني -تعالى ذكره- بالهدى: ما أوضح لهم من أمره في الكتب التي أنزلها على أنبيائهم.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣، قال: لأن العلم بنبوة محمد - ﷺ - وصفته ومبعثه لم يكن إلا عند أهل الكتاب دون غيرهم، ثم قال: وهذه الآية وان كانت في خاصّ من الناس فإنها معنيّ بها كلُّ كاتمٍ علمًا فرض الله تعالى بيانه للناس. وينظر: "تفسير الثعلبى" ١/ ١٣٠١، "البحر المحيط" ١/ ٤٥٨.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٦٩، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠١، و"تفسير البغوي" ١/ ١٧٥، وروى "الطبري" ٢/ ٥٣، عن قتادة أن المراد: التوراة والإنجيل، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٦٩ عن الحسن أن الكتاب: القرآن، قال: وروي عن ابن عباس مثل ذلك، وقال في "البحر المحيط" ١/ ٤٥٨: والأولى والأظهر عموم الآية في الكاتمين، وفي الناس، وفي الكتاب.
وقال قتادة: هم الملائكة (٣).
وقال عطاء: الجنّ والإنسان (٤).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٥، والثعلبي ١/ ١٣٠٥، والقرطبي ٢/ ١٧١.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ٥٢ إلا أنه قال في رواية: اللاعنون من ملائكة الله، ومن المؤمنين، وروى ذلك ٢/ ٥٦ عن الربيع بن أنس، وكذا رواه ابن أبي حاتم ١/ ٢٦٩، ورجحه الطبري؛ لأن الله قد وصف الكفار بأن اللعنة التي تحل بهم إنما هي من الله والملائكة والناس أجمعين، في قوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾. وبنحوه قال الزجاج.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣٠٣، والبغوي ١/ ١٧٥، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٢٩٦ إلى عبد بن حميد.
١٦٠ - قوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾ معنى (٣) (إلّا) التخصيص (٤)، نحو قولك: جاءني القوم إلا زيدًا، خصصتَ زيدًا بأنه لم يجئ (٥).
ومعنى قوله تعالى: ﴿وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ بعد قوله: ﴿تَابُوا﴾ إزالة الإبهام: أن التوبة مما سلف من الكتمان تكفي، ومعنى ﴿وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا﴾ أي: أصلحوا السريرة بإظهار أمر محمد - ﷺ - (٦).
١٦١ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ﴾ إلى قوله: ﴿وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ إن قيل: كيف يلعنه الناس أجمعون، وأهل دينه لا يلعنونه؟ قيل: يلعنونه في الآخرة؛ لقوله: ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ
(٢) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ٣٠٣ من طريق السدي الصغير، عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن مسعود، وهذا إسناد واه، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٠٤ ولفظه: هو الرجل يلعن صاحبه فترتفع اللعنة في السماء ثم تنحدر فلا تجد صاحبها الذي قيلت له أهلًا لذلك، فترجع إلى الذي تكلم بها فلا تجده أهلا، فتنطلق فتقع على اليهود، فهو قوله عز وجل {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾. فمن تاب منهم ارتفعت اللعنة عنه فكانت في من بقي من اليهود. وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٥، "تفسير البغوي" ١/ ١٧٥.
(٣) في (أ)، (م): (يعنى).
(٤) في (أ)، (م): (للتخصيص).
(٥) "البحر المحيط" ١/ ٤٥٩.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٧٠، "تفسير البغوي" ١/ ١٧٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٧٢.
وقال قتادة (٢) والربيع (٣): أراد بـ ﴿وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾: المؤمنين، وعلى هذا كأنه لم يعتدّ بغيرهم، كما تقول: المؤمنون هم الناس (٤).
وقال السدي: لا يتلاعن اثنان مؤمنان ولا كافران، فيقول أحدهما: لعن الله الظالم، إلا وجبت تلك اللعنة على الكافر؛ لأنه ظالم، وكل أحل من الخلق يلعنه (٥).
١٦٢ - قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ معنى الخلود: اللزوم أبدًا، ومنه يقال: أخلد إلى كذا، أي: لزمه، وركن إليه (٦). والعامل في الخالدين: الظرف من قوله (عليهم)؛ لأن فيه معنى الاستقرار، وهو حال من الهاء والميم في ﴿عَلَيْهِمْ﴾، كقولك: عليهم المال صاغرين (٧)، ومثل هذه الآيات الثلاث: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا﴾، ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ﴾، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ في سورة آل عمران [الآيات: ٨٧ - ٨٩]، وذكرنا الكلام هناك بأبلغ من هذا.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد:
(٢) رواه عنه الطبري ٢/ ٥٨، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٧١، والثعلبي ١/ ١٣٠٦.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨.
(٤) رواه ابن أبي حاتم ١/ ٢٧١ عن أبي العالية.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٥٨، وابن أبي حاتم ١/ ٢٧١. ورجح الطبري العموم.
(٦) ينظر: "المفردات" ص ١٦٠.
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٢.
١٦٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ الآية، معنى الوحدة في اللغة: هي الانفراد، يقال: وحَدَ الشيءُ، وهو يَحِدُ حِدَةً، فهو واحد، وجمعه: وُحدان بالضم. والوَحدان بالفتح؛ بمعنى: الواحد، مثل قولهم: فَردان بمعنى: الفَرد. وحقيقة الواحد: شيء لا يتبعض، ويقال أيضًا: وَحَدَ يَوْحَدُ وَحَادةً وَوَحْدةً فهو وحيد (٢).
ويستعمل الواحد على وجهين:
أحدهما: على جهة الحكم والحقيقة.
والثاني: على الوصف والمجاز. فالحكم كقولك: ذاتٌ واحدةٌ، وجزء واحد، والوصف قولك: إنسان واحد، ودار واحدة، فهذا لا ينقسم عن (٣) الجهة التي جرت عليه الصفة، إذ ليس ينقسم من جهة أنه إنسان، وإن انقسم من جهة أنه جسم، وإذا أجريته حكمًا لم ينقسم من وجه من الوجوه.
فأما الواحد في صفة الله تعالى، فقال الأزهري: له معنيان:
أحدهما: أنه واحد لا نظير له، وليس كمثله شيء، والعرب تقول: فلان واحد قومه، وواحد الناس، إذا لم يكن له نظير.
وقال بعضهم: المعنى في الواحد: أنه إله واحد، وربّ واحد، ليس له في إلاهيته وربوبيته شريك؛ لأنّ المشركين أشركوا معه آلهةً فكذّبهم
(٢) ينظر في معاني الواحد: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٠، "المفردات" ص ٥٣٠، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٤٤، "اللسان" ٨/ ٤٧٧٩ - ٤٧٨٣ (وحد).
(٣) في (ش): (من).
وقال أبو علي: قولهم: واحد، اسم جرى على وجهين في كلامهم:
أحدهما: أن يكون اسمًا.
والآخر: أن يكون وصفًا.
فالاسم الذي ليس بصفة قولهم: واحد المستعمل في العدد، نحو: واحد، اثنان، ثلاثة، فهذا اسم ليس بوصف، كما أنّ سائر أسماء العدد كذلك، وأما (٢) كونه صفة فنحو قولك: مررت برجل واحد، وهذا شيء واحد، فإذا أجري هذا الاسم على القديم تعالى جاز أن يكون الذي هو وصف، كالعالم والقادر، وجاز أن يكون الذي هو اسم، كقولنا: شيء. يقوي الأول قوله: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ (٣).
ويجمع (٤) الواحد واحدِين، كقوله:
فقد (٥) رجعوا كحيٍّ واحدينا (٦)
(٢) في (م): (فأما).
(٣) نقله عنه الرازي في "التفسير الكبير" ٤/ ١٦٨.
(٤) في (م): (وجمع).
(٥) في (ش): (وقد).
(٦) ورد البيت هكذا:
فَرَدَّ قَواصِيَ الأحياء منهم | فقد أضحوا كحيٍّ واحدينا |
طاروا (١) إليه زَرَافاتٍ ووُحْدانا (٢)
وذلك أنه وإن كان صفة قد يستعمل استعمال الأسماء، فكسروه على فُعلان، كقولهم: راع ورُعْيَان.
وأما التفسير: فقال ابن عباس في رواية الكلبي: قالت كفار قريش: يا محمد صِفْ وانسُبْ لنا ربّك. فأنزل الله تعالى سورة الإخلاص، وهذه الآية (٣).
وقال جويبر (٤)، عن الضحاك، عن ابن عباس: كان للمشركين ثلاثمائة وستون صنمًا، يعبدونها من دون الله، فبيّن الله سبحانه لهم أنه واحد، فأنزل هذه (٥).
(٢) صدر البيت:
قوم إذا الشرّ أدى ناجذيه لهم
والبيت للعنبري، واسمه: قريط بن أنيف، ويروى لأبي الغول الطهوي. ينظر: "عمدة الحفاظ" ٢/ ٤٩٩.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣٠٧، والوا حدي في "الوسيط" ١/ ٢٤٥، والبغوي ١/ ١٧٦، والسمعاني ٢/ ١١٤، والقرطبي ٢/ ١٧٥، ونقله في "البحر المحيط" ١/ ٤٦٢، وإسناده واه، ونقله عنه ابن حجر في "العجاب" ١/ ٤١٣.
(٤) هو جويبر بن سعيد البلخي، روى: عن الضحاك وأبي سهل، وروى عنه: الثوري وابن المبارك ويزيد بن هارون، وهو ضعيف، قال يحيي بن معين: ليس بشيء، وكان وكيع لا يسميه استضعافًا له، في قول عن سفيان عن رجل. ينظر: "الجرح والتعديل" ٢/ ٥٤٠ - ٥٤١.
(٥) ذكره الثعلبي ١/ ١٣٠٧، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٤، ونقله ابن حجر في =
ولهذا قال أصحابنا: التوحيد: هو نفي الشريك والقسيم، والشريك والشبيه، فالله سبحانه وتعالى واحد في أفعاله، لا شريك له يشاركه في إثبات المصنوعات؟ وواحد في ذاته، لا قسيم له؟ وواحد في صفاته، لا يشبه الخلق فيها (١).
وقال أهل المعاني: في الآية تقديم وتأخير، تقديرها: وإلهكم الرحمن الرحيم إله واحد، لا إله إلا هو.
١٦٤ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الآية، قال المفسرون: لما نزل قوله: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ عجب المشركون، وقالوا: إن محمدًا يقول: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾؛ فليأتنا بآية إن كان من الصادقين، فأنزل الله هذه الآية (٢)، وعلّمهم كيفيةَ الاستدلالِ على الصانع، وعلى
(١) ينظر في تفسير الواحد: "اشتقاق أسماء الله" لأبي القاسم الزجاجي ص٩٠ - ٩٣.
(٢) رواه الثوري في "تفسيره" ص ٥٤، وسعيد بن منصور في "سننه" ٢/ ٦٤٠، وأبو الشيخ في "العظمة" ١/ ٢٥٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٧٢، والبيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ١٣٠، والثعلبي ١/ ١٢٠٨ كلهم عن أبي الضحى. ورواه الطبري ٢/ ٦٠ عن عطاء، وذكرهما الواحدي في "أسباب النزول" ص ٥٠ - ٥١، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٧٣ عن ابن عباس أن قريشًا سألت النبي - ﷺ - أن يجعل لهم الصفا ذهبًا، فأوحى الله إليه: إني معطيهم، ولكن إن كفروا عذبتهم عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين، فنزلت، وذكره السيوطي في "لباب النقول" =
قال أهل المعاني: وجمع السماوات؛ لأنها أجناس مختلفة، كل سماء من جنس غير الأخرى، ووحّد الأرض؛ لأنها كلها تراب (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار﴾ فسّر الاختلاف هاهنا تفسيرين يرجعان إلى أصل واحد:
أحدهما: أنه افتعال، من قولهم: خلَفه يخلُفه، إذا ذهب الأول وجاء الثاني خلافه، أي: بعده، فاختلاف الليل والنهار: تعاقبهما في الذهاب والمجيء، ومنه يقال: فلان يختلف إلى فلان، إذا كان يذهب إليه، ويجيء
(١) دليل التمانع: هو أنه لو كان للعالم صانعان، فعند اختلافهما -مثل أن يريد أحدهما: تحريك جسم، والآخر تسكينه، أو يريد أحدهما: إحياءه، والآخر إماتته- فإما: أن يحصل مرادهما، أو مراد أحدهما، أو لا يحصل مراد واحد منهما، والأول ممتنع؛ لأنه يستلزم الجمع بين الضدين، والثالث ممتنع؛ لأنه يلزم خلو الجسم عن الحركة والسكون وهو ممتنع، ويستلزم أيضًا عجز كل منهما، والعاجز لا يكون إلها، وإذا حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان هذا هو الإله القادر، والآخر عاجزًا لا يصلح للإلهية. ينظر: "شرح العقيدة الطحاوية" ١/ ٢٨.
(٢) "تفسير البغوي" ١/ ١٧٧، وينظر أيضاً: "تفسير الطبري" ١/ ١٩١ - ١٩٥، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٤.
الثاني: قال ابن كيسان (٣) وعطاء (٤) في هذه الآية: أراد: اختلافهما في الطول والقصر، والنور والظلمة، والزيادة والنقصان.
قال الكسائي: يقال لكل شيئين اختلفا: هما خِلْفان وخِلْفتان، وقول زهير:
بها العِينُ والآرامُ يمشين خِلْفةً (٥)
فسّر بالوجهين: تكون مختلفة في ألوانها وتكون يذهب هذا، ويجيء هذا. وهذا القول يرجع إلى معنى الأول؛ لأن معنى الاختلاف في اللغة:
(٢) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٧١، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠٨، "اللسان" ٢/ ١٢٣٧ (خلف).
(٣) ذكره في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٥.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٠٩، "القرطبي" ٢/ ١٧٦، "البغوي" ١/ ١٧٧.
(٥) عجز البيت:
وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
وهو في "ديوانه" ص ٥، "جمهرة اللغة" ص٤١٥ - ٤١٦، "لسان العرب" ٢/ ١٢٣٧ (خلف)، و ٥/ ٢٧٠٠، وبلا نسبة في "رصف المباني" ص ١٤٥. وقوله: بها: أى بدار من يتغزل بها، والعين: البقر، واحدها: أعين وعيناء، وذلك لسعة عيونها، والآرام: الظباء الخوالص البياض، والأطلاء: الصغار من البقر والظباء، والمجثم: ما تربض فيه وترقد.
وقوله تعالى: ﴿وَالْفُلْكِ﴾ الفُلْك: واحد وجمع، ويذكر ويؤنث، وأصله من الدوران، وكل مستدير فُلك، وفَلَك السماء: اسم لأطواق (٢) سبعة، تجري فيها النجوم، وفَلَكَتِ الجارية: إذا استدارَ ثَدْيُها، وفَلَكَة (٣) المِغْزلَ من هذا، والسفينة سميت فُلكًا؛ لأنها تدور بالماء أسهل دور (٤). وإنما كانت للواحد والجمع؛ لأنه على بناء يصلح لها (٥)، فإذا أريد به الواحد ذُكِّر، وإذا أريد به الجمع أُنِّث. ومثلُ الفلك من الجموع التي كسرت الآحاد عليها واللفظ فيهما (٦) واحد: قولهم: ناقة هِجَان، ونوق هِجَان (٧)، ودرع دِلاصٍ، وأدرُع دِلاص (٨)، وشِمال: للخليقة والطبع،
(٢) في (ش): (لأطواف).
(٣) في (م): (وفلك).
(٤) ينظر في الفلك: "تفسير غريب القرآن" ص ٦٤، "تفسير الطبري" ٢/ ٦٤، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨٣٠ - ٢٨٣١، "المفردات" ص ٣٨٧، "اللسان" ٦/ ٣٤٦٥ (فلك)، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٧٨.
(٥) في (م): (بها).
(٦) في (ش): (فيها).
(٧) (نوق هجان) سقطت من (ش). والهجان: البيض الخوالص.
(٨) دلاص: ملساء ليِّنة.
وقال سيبويه (٢): الفلك إذا أريد به الواحد فضمة الفاء فيه بمنزلة ضمة (٣) باء بُرْد، وخاء خُرْج، وإذا أريد به الجمع، فضمة الفاء بمنزلة ضمة الحاء في حُمْر، والصاد من صُفْر، فالضمتان وإن اتفقتا في اللفظ فإنَّهما مختلفتان (٤) في المعنى، وغير منكر أن يتفق اللفظان من أصلين مختلفين، ألا ترى أن من رخّم منصورًا في قول من قال: يا جار، قال: يامنصُ، فبقى الصاد مضمومة، كما بَقَّى الراء مكسورة، ومن قال: يا جارُ، فاجتلب للنداء ضمةً قال أيضًا: يا منصُ، فحذف ضمّةَ الصاد، كما حذف كسرة الراء، واجتلب للصاد ضمةَ النداء، كما اجتلب للراء ضمة النداء، إلا أن لفظ: يا منصُ في الوجهين واحد، والمعنيان متباينان.
وقوله تعالى: ﴿تَجْرِي فِي الْبَحْرِ﴾ قد مضى الكلام في البحر. والآية في الفلك: تسخيرُ الله تعالى إياها، حتى يجريَها على وجه الماء، كما قال: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ﴾ [إبراهيم: ٣٢]، ووقُوفُها فوق الماء مع ثقلها وكثرة وزنها.
وقوله تعالى: ﴿يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ أي: بالذي ينفعهم، من ركوبها،
(٢) قريب منه ما في "الكتاب" ٣/ ٥٧٧، ونقله عنه في "اللسان" ٦/ ٣٤٦٥ (فلك).
(٣) في (م): (ضمها).
(٤) في (م): (فهما مختلفان)، وفي (أ): (فإنهما مختلفان).
وقوله تعالى: ﴿فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ أراد بموت الأرض: جدوبتَها ويُبُوستَها، فسمّاها موتًا مجازًا، وذلك أن الأرضَ إذا لم يصبها مطر لم تُنبت، ولم تُنْمِ نباتًا، وكانت (٣) من هذا الوجه كالميت، وإذا أصابها المطر أنبتت، ونحو هذا قوله: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ﴾ [الحج: ٥]، فلما وصفت بالاهتزاز وهو (٤) الحركة عند نزول الماء، توصف عند إمساك الماء بالسكون، والعربُ تسمي السكون موتًا (٥)، قال الشاعر:
إني لأرجو أن تموتَ الريحُ | فأسكنَ اليوم وأستريحُ (٦) |
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٠، "تفسير البغوي" ١/ ١٧٧، "تفسير الرازي" ٤/ ١٩٧، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٨٠.
(٣) في (ش) و (م): (وكان).
(٤) في (ش): (وهي).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١١، "تفسير البغوي" ١/ ١٧٧، "تفسير الرازي" ٤/ ١٩٨.
(٦) البيت في "اللسان" ٧/ ٤٢٩٥ (موت)، بغير نسبة. وينظر: "شأن الدعاء" ص ١١٦، "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣٨١.
(٧) سقطت جملة: (ذلك موتًا سمي) من (ش).
(٨) ينظر: "تفسير الرازي" ٤/ ١٩٨ - ١٩٩.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ﴾ قال ابن عباس: يريد: كلّ ما دبّ على الأرض من جميع الخلق، من الناس وغيرهم (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ أراد: وتصريفه الرياح، فأضاف المصدر إلى المفعول، وهو كثير (٤). والرياح: جمع الريح.
قال أبو علي: الريح: اسم على فعل، والعين منه واو، انقلبت في الواحد (٥) للكسرة، فأما في الجمع القليل: أرواح، فصحّت؛ لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال، ألا ترى أن سكون الراء لا يوجب إعلال هذه الواو في نحو: قوم، وعون، وقول. وفي الجمع الكثير: رياح، انقلبت الواو ياء؛ للكسرة التي قبلها، نحو: ديمة ودِيَم، وحِيلَة وحِيَل (٦).
(٢) ينظر في البث: "الطبري" ٢/ ٦٤، "المفردات" ص ٤٧، "اللسان" ١/ ٢٠٨ (بثث).
(٣) لم أجد هذا عن ابن عباس.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٤، واختار هذا الوجه، ونقل الرازي في "تفسيره" ٤/ ٢٠١ هذا عن الواحدي، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٧، وذكر وجهًا آخر وهو أن يكون تصريف مصدرًا مضافًا للفاعل، أي: وتصريف الرياح السحاب، أو غيره مما له فيه تأثير بإذن الله.
(٥) سقطت من (م).
(٦) ونقله عنه ابن سيده في "المخصص" المجلد ٢/ السفر التاسع ص ٨٣، والرازي في "تفسيره" ٤/ ٢٠١، وينظر: "لسان العرب" ٣/ ١٧٦٣.
قال زهير:
قِفْ بالديار التي لم يعفُها القدمُ | بلى وغيَّرَها الأرواحُ والدِيَمُ (٢) |
قال الكسائي: الصواب: لم يُرحْ، من: أرَحتُ أُريح، وقال الفراء: لم يَرَح، بفتح الراء. وقال غيرهما: الصواب: لم يرِحْ، من رحت أريح.
(٢) ينظر: "ديوانه" ص ١٤٥، "لسان العرب" ٨/ ٤٩٤٢.
(٣) الحديث أصله في الصحيحين، رواه البخاري (٧١٥٠، ٧١٥١) كتاب الأحكام، باب: من استرعى رعية فلم ينصح، ومسلم (١٤٢) في الإيمان، باب: استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، وليس في ألفاظهما: "لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها لتوجد من مسيرة مائة عام"، ولفظ (لم يرح) في حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا" رواه البخاري (٣١٦٦) كتاب الجزية، باب: إثم من قتل معاهدًا بغير جرم، (٦٩١٤) كتاب: الديات، باب: إثم من قتل ذميًّا بغير جرم.
وماءٍ وَرَدْتُ على زَوْرَةٍ | كَمَشْيِ السَّبَنْتَى يَراحُ الشَّفِيفَا (٢) |
والصَّبَا والدَّبُور. فأما الشمال فمن عن يمين القبلة، والجنوب من عن جهة
شمالها، والصَّبَا والدَّبور متتابعتان (٣)، فالصَّبا من قبل المشرق، والدَّبور
من قبل المغرب، وأنشد أبو زيد البيت لأبي صخر الهذلي:
إذا قلتُ هذا حينَ أسلُو يهيجُني | نسيمُ الصَّبا من حيث يَطَّلِعُ الفَجْر (٤) (٥) |
وقال الأصمعي: إذا انحرفت واحدة منهن عن هذه المهابّ فهي نكباء.
(٢) البيت لصخر الغَيِّ الهذلي في "شرح أشعار الهذليين" ص ٣٠٠، "لسان العرب" ٣/ ١٧٦٤، ٣/ ١٨٨٧. والزورة: البعد، وقيل: انحراف عن الطريق، والشفيف: لذع البرد، والسبنتى: النمِر.
(٣) في كتاب "الحجة" ٢/ ٢٥٠: متقابلتان. وهو أصوب.
(٤) البيت لأبي صخر الهذلي في "شرح أشعار الهذليين" ٢/ ٩٥٧، و"شرح شواهد المغني" ١/ ١٦٩، و"لسان العرب" ٥/ ٢٦٨٩ (طلع)، و"مغني اللبيب" ٢/ ٥١٨.
(٥) من كتاب "الحجة" ٢/ ٢٥٠.
وقال غيره: الجنوب: التي تجيء من قبل اليمن، والشمال: التي تهبّ من قبل الشام، والدَّبور: التي تجيء من عن يمين القبلة شيئًا، والصّبا: بإزائها (١).
والشمال ريح باردة، تكرهها العرب؛ لبردها وذهابها بالغيم، وفيه (٢) الحَيَا والخِصْبُ (٣)، وإذا سمعت الريح تنسب إلى الشام فهي الشمال الباردة، كقول زياد بن منقذ:
والمطعِمون إذا هبّتْ شاميةً | وباكر الحيَّ من صُرّادها صِرَمُ (٤) (٥) |
وهبّت الريحُ مِن تلقاءِ ذي أُرُلٍ | تُزجى مع الليل من صُرّادها صِرَمًا (٦) |
(٢) في (ش): (وفيها).
(٣) من كلام الأصمعي، نقله أبو علي في "الحجة" ٢/ ٢٥٥.
(٤) في (أ): ضبطت صِرَم، وفي (ش): صَرَم.
(٥) ينظر: "معجم البلدان" ١/ ٢٠٣ (أشي).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٦٣، "لسان العرب" ١/ ٦٥، ٤/ ٢٤٣٩، "مقاييس اللغة" ٣/ ٣٤٥، "أساس البلاغة" (مادة: صرم).
جرت سُنُحًا (١) فقلت لها مَرُوعُا | نَوًى مَشْمُولةٌ فمتى اللِّقاءُ (٢) |
وقد صرّح طرفة بأن الشمال شامية، في قوله:
فأنت (٤) على الأدنى شَمالٌ عَرِيّةٌ (٥) | شآميّةٌ (٦) تَزوي (٧) الوجوهَ بَلِيلُ |
فلا يُبْعِدِ اللهُ الشبابَ وقولَنا | إذا ما صَبَوْنا صبْوَةً سَنَتُوبُ |
لياليَ أَبْصَارُ الغواني وسمعُها | إليَّ وإذ ربْحِي لهن جنوبُ (٩) |
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٥٩، و"لسان العرب" ٤/ ٢١١٣، ٤/ ٢٣٢٩، "أساس البلاغة" ١/ ٥٠٦ (مادة: شمل).
(٣) ينظر: "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٢٥٥.
(٤) في (ش)، (م): (وأنت).
(٥) في (ش): (عزية).
(٦) سقطت من (م).
(٧) في (ش): (تزري).
(٨) من كلام الأصمعي تابع للنقل السابق عنه، نقله أبو علي في "الحجة" ٢/ ٢٥٥، وقطعه المؤلف وأدخل فيه غيره.
(٩) البيتان لحميد بن ثور، وردا في "الإصابة" ١/ ٣٥٦، "الاستيعاب" ١/ ٤٣١، "الأغاني" ١٨/ ١٣٢، "الزاهر" ١/ ٣٦٧. ينظر: "وضح البرهان" ٢/ ٣٣٢.
وقال أبو عبيدة: الشمال عند العرب للرَّوْح، والجنوب للأمطار والأنداء، والدَّبور للبلاء، أهونه أن يكون غبارًا عاصفًا، يقْذي (١) العين، وهي أقلهن هُبوبًا، والصَّبا لإلقاح الشجر، وكل ريح انحرفت فوقعت بين ريحين من هذه الأربع فهي نكباء.
وتقول العرب: إنَّ النُّكْب أربع: فنكباء الصبا والجنوب ميباس للبقل ونكباء الصبا (٢) والشمال مِعْجاجٌ مِصْراد، لا مطر فيها ولا خير، ونكباء الشمال والجنوب ريح قَرَّة، وربما كان فيها مطر وهو قليل، ونكباء الدبور والجنوب قد تكون في الشتاء والصيف (٣). وقول الخثعمي:
مِن كلِّ فيّاضِ اليدين إذا غدَتْ | نكباءُ تُلْوي بالكنيفِ (٤) المُوصَدِ (٥) |
واختلف القراء في ﴿الرِّيَاحِ﴾ فقرأ بعضهم: بالجمع في مواضع، وبالتوحيد في مواضع (٨)، وهم مختلفون فيها. والأظهر في هذه الآية
(٢) في (ش): (للصبا).
(٣) في (أ): (كأنها المصيف).
(٤) في (ش): (الكثيف).
(٥) ورد البيت في "ديوان الحماسة" ١/ ٣٣٤.
(٦) في (م): (الثنا).
(٧) ينظر في تفصيلات الريح وأسمائها وأنواعها:"المخصص" لابن سيده ٢ سفر ٩٦٢ وما بعدها.
(٨) فبهذه الآية قرأ حمزة والكسائي وخلف بإسكان الياء وحذف الألف بعدها، على الإفراد، وغيرهم بفتح الياء وألف بعدها على الجمع. ينظر: "السبعة" ص ١٧٣،=
فأما ما روي في الحديث من أن النبي - ﷺ - كان إذا هبت ريح قال: "اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحاً" (٣).
فمما (٤) يدل على أن مواضع الرحمة بالجمع أولى قوله (٥): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦]، وإنما تبشر بالرحمة، ويشبه أن يكون النبي - ﷺ - قصد هذا الموضع من التنزيل. ومواضع الإفراد من
(١) في (م): (يقال).
(٢) في (م): (هلك).
(٣) أخرجه الشافعي في الأم ١/ ٢٥٣ باب القول في الإنصات عند رؤية السحاب، وفي "المسند" ١/ ١٧٥ برقم ٥٠٢، باب في الدعاء من طريق العلاء بن راشد عن عكرمة عن ابن عباس، ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في "معرفة السنن والآثار" ٥/ ١٨٩، وأخرجه أبو الشيخ في "العظمة" ٤/ ١٣٥٢ من طريق العلاء بن راشد، وهو ضعيف، وأخرجه أبو يعلى في "مسنده" ٤/ ٣٤١، والطبراني في "الكبير" ١١/ ٢١٣ من طريق الحسين بن قيس، وهو متروك. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ١٠/ ١٣٥: رواه الطبراني وفيه: حسين بن قيس، الملقب بحنش، وهو متروك، وقد وثقه حصين بن نمير، وبقية رجاله رجال الصحيح.
(٤) في (م): (رايدًا).
(٥) في كتاب "الحجة" ٢/ ٢٥٧: ومواضع العذاب بالإفراد، ويقوي ذلك قوله تعالى.
وقد يختص اللفظ في التنزيل بشيء فيكون أمارة له، فمن ذلك أن عامة ما جاء في التنزيل من قوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ﴾ مبهم غير مبيّن، كقوله: ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى: ١٧]، وما كان من لفظ (أدراك) مفسّر، كقوله: ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ﴾ [القارعة: ٣]، ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ [القارعة: ١٠] (٢).
فأما التفسير، فالتصريف في اللغة: التقليب، وهو تَفْعيل من الصَّرف، والصَّرف: القلب عن الشيء. والصَّرِيف: اللبنُ الذي سَكَنَت (٣) رَغْوتُه؛ لانصراف الرغوة عنه، وقيل: لا يُسمَى صريفًا حتى يُنصرف به عن الضرع (٤)، والصريف: الفحل نابيه؛ لأنه يقلب أحدهما بالآخر (٥).
قال المفسرون: ومعنى ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾: تَقْليبُها قَبُولًا ودَبُورًا وشمالًا وجنوبًا، كما بَيَّنَّا، وتصريفها مرةً بالرحمة، ومرةً بالعذاب، وتصريفها مرة حارةً، ومرةً باردةً، ومرة لينةً، ومرةً عاصفة (٦).
(٢) من كتاب "الحجة" ٢/ ٢٥٦ - ٢٥٨ بتصرف.
(٣) في (ش): (سكتت). ولعلها كذلك في (م).
(٤) ينظر في معاني التصريف: "المفردات" ص ٢٨٣، "اللسان" ٤/ ٢٤٣٤ (صرف).
(٥) العبارة غير واضحة، وقد يكون صوابها: صرف الفحل نابه، أي: حرقه فسمعت له صوتًا، ولنابه صريف أي: صوت. قال في "اللسان" ٤/ ٢٤٣٦: الصريف: صوت الأنياب، وصرف الإنسان والبعير نابه، وبنابه حرقة فسمعت له صريفًا، وناقة صروف بينة الصريف، وصريف الفحل: تهدُّره.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٧٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٥١، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٧.
ومعنى التسخير: التذليل، ﴿وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّر﴾: المطيعة لله تعالى (٢).
١٦٥ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ الآية، لما ذكر الله تعالى الدلالةَ على وحدانيته أَعْلَم أنّ قومًا بعد هذه الدلالة والبيان يتخذون الأنداد، مع علمهم أنهم لا يأتون بشيء مما ذكر (٣). ومضى الكلام في معنى: (الأنداد) (٤).
قال أكثر المفسرين: يريد بالأنداد: الأضداد (٥) المعبودة من دون الله عز وجل، فعلى هذا، الأصنام أنداد بعضها لبعض، أي: أمثال، ليست أنها أنداد لله تعالى (٦).
وقال السُدِّي: يعنى: بالأنداد أكفاء من الرجال يطيعونهم في معصية الله (٧).
(٢) ينظر: "المفردات" ٢٣٣، "التفسير الكبير" ٤/ ٢٠٢، "اللسان" ٤/ ١٩٦٣ (سخر).
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٧، وينظر: "التفسير الكبير" ١/ ٢٠٤، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٩.
(٤) ينظر في معنى الند: "تفسير الطبري" ١/ ١٦٣، "المفردات" ص ٤٨٩.
(٥) في (ش): (الأصنام). وهو كذلك عند الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣١٤
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٤، "زاد المسير" ١/ ١٧٠، "معاني القرآن" ١/ ٩٩، "البحر المحيط" ١/ ٤٦٩، "التفسير الكبير" ٤/ ٢٠٤، ونسبه إلى أكثر المفسرين. وظاهر كلام المفسرين: أنهم اتخذوها أندادًا لله بحسب زعمهم.
(٧) رواه عنه الطبري ٢/ ٦٧، ولفظه: الأنداد من الرجال، يطيعونهم كما يطيعون الله،=
وقوله تعالى: ﴿يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّه﴾ قال الليث: يقال: أَحْبَبَتُ الشيءَ فأنا مُحِبٌّ، وهو محبوبُ، قال: ومثله: أحزنته فهو محزون، وأجَنَّه الله فهو مجنون، وقد جاء مُحَبّ شاذًا في قول عنترة:
بمنزلة المُحبِّ المكرم (٣)
قال شمر: قال الفراء: وحَبَبْتُ لغةٌ، وأنشد:
فو الله لولا تَمْرُهُ ما حَبَبَتْهُ | ولا كان أدنى من عُبيدٍ ومُشرِقِ (٤) (٥) |
(١) في (ش): (أندادًا لمطيعين).
(٢) في (ش): (وبعضهم).
(٣) والبيت بتمامه:
ولقَدْ نَزَلْتِ فلا تَظُنِّى غيرَه | مني بمنزلة المُحَبِّ المكرم |
(٤) في (م): (ومشرقي).
(٥) البيت لغيلان بن شجاع النهشلي، في "لسان العرب" ٢/ ٧٤٣ (حبب). وروايته: فأُقسِمُ، وبلا نسبة في "الأشباه والنظائر" ٢/ ٤١٠، "مغني اللبيب" ١/ ٣٦١.
وفي قوله: ﴿كَحُبِّ اَللَّهِ﴾ طريقان لأهل المعاني: أحدهما: أن المعنى فيه كحب المؤمنين الله، أي: يحبون الأصنام كما يحب المؤمنون ربهم، فأضيف المصدر إلى المحبوب، كقول القائل: أكلتُ طعامي كأكل طعامك، وبعت جاريتي كبيع جاريتك، وهو يريد: كبيعك جاريتك وأكلك طعامك، فيحذف الفاعل، ولضيف المصدرَ إلى المفعول (٢)، كقول الشاعر:
ولستُ مسلِّما ما دمتُ حيًّا | على زيدكتسليم الأميرِ (٣) |
(٢) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٥٤ - ٥٥، "البحر المحيط" ١/ ٤٧٠.
(٣) البيت لعلي بن خالد البردخت، كما في "رسائل الجاحظ" ٢/ ٢٦١، ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٠، "البيان والتبيين" ٤/ ٥١، "تفسير الطبري" ٢/ ٦٧ "تفسيرالثعلبي" ١/ ١٣١٤.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٧.
(٥) نسبه إليه ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٧٠، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٥٤.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٧، واختار هذا القول، ورواه عن قتادة ومجاهد والربيع وابن أبي زيد، وكذا رواها ابن أبي حاتم ١/ ٢٧٦، ونسبه في "زاد المسير" ١/ ١٧٠ أيضًا إلى عكرمة وأبي العالية ومقاتل. وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٤، وعزاه لأكثر العلماء، "تفسير السمعاني" ٢/ ١٢٠، "الكشاف" ١/ ٢٠٩.
(٧) في (ش): (وكثير).
الطريق الثاني: أن المعنى فيه: يحبونهم كحب الله، أي: يسوّون بين هذه الأصنام وبين الله عز وجل في الحب، فيكون تقدير الآية: يحبونهم كحبهم الله، فيضاف الحب إلى الله عز وجل، والمشركون هم المُحِبُّون (٣)، وعلى المشركين في تسويتهم بين الله عز وجل والأصنام في المحبة أعظم الحجج وأوكدها، إذ أحبوا وعبدوا ما لا ينفع ولا يضر، ولا يحيي ولا يميت. وقد بيّن الله -عز اسمه- ما يدل على هذا المعنى في قوله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر: ٣]. وهذا القول اختيار الزجاج (٤) وابن كيسان (٥)، وعلى هذا فقد أثبت للمشركين حبًّا لله، شبه حبّهم الأصنام بحبهم الله تعالى.
وقال أبو رَوق: معنى قوله: ﴿كَحُبِّ اللَّهِ﴾، أي: يحبون الأصنام حُبًّا لا يستحقّ مثلَ ذلك الحبِّ إلا اللهُ، ويحبونهم كما ينبغي لهم أن يحبوا الله، فالمعنى فيه: كالحب المستحق لله.
ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ قال ابن عباس: أي:
(٢) في (م): (الله).
(٣) في (م): (المحبين).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٧، وقال عن القول الأول: (ليس بشيء، ودليل نقضه قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾. والمعنى: أن المخلصين الذين لا يشركون مع الله غيره هم المحبون حقًّا). وهو اختيار الرازي في "تفسيره" ٤/ ٢٠٤.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٤.
وقيل: لأن المؤمنين يوحدون ربهم، والكفار يعبدون مع الصنم أصنامًا، فتنقص محبة الواحد، بضم محبة مجمع إليه، والذي لا يعبد إلا واحدًا محبته له أتم. وهذه الأقوال على طريقة من لم يثبت للمشركين محبة لله. فأما من أثبت لهم محبة لله فالمؤمنون أشد حبًّا منهم؛ لأن الكفار يقولون: إن الله خالقنا ورازقنا، ثم يجعلون معه شركاء، فتضعف محبتهم، وتنقص بذلك، وتتم محبة المؤمنين ربّهم بإفرادهم إياه في العبادة (٥).
وهذا معنى قول الحسن: إن الكافرين عبدوا الله بالواسطة، وذلك قولهم للأصنام: ﴿هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾ [يونس: ١٨] وقولهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ﴾ [الزمر: ٣] والمؤمنون يعبدونه بلا واسطة، لذلك قال: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾، (٦) ومعنى حب المؤمنين الله:
(٢) في (م): (أخير).
(٣) ذكره الثعلبىِ في "تفسيره" ١/ ١٣١٥، والسمعاني في "تفسيره" ٢/ ١٢١، والبغوي ١/ ١٧٨ ولم ينسبه لابن عباس.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٥/ ١٣١١، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ١٧٨ - ١٧٩، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٣٦.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٥ - ١٣١٦.
(٦) في "تفسير الحسن البصري" ١/ ٩٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣١٥.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ جواب (لو) محذوف. وقد كَثُر في التنزيل حذفُ جواب (لو) كقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا﴾ [الرعد: ٣١] ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ﴾ [الأنعام: ٢٧] ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ [الأنعام: ٩٣].
قال أصحاب المعاني: وحذف جواب (لو) في مثل هذا الآي يكون أفحم وأبلغ؛ لذهاب المخاطب المتوعَّد إلى كلّ ضرب من الوعيد، ولو
قال ابن القيم في "إغاثة اللهفان" ١/ ١٦٥: وليس شيء يحب لذاته من كل وجه إلا الله عز وجل وحده، الذي لا تصلح الألوهية إلا له. وأما تقسيم المحبة والإرادة إلى نافعة وضارة، فهو باعتبار متعلقها ومحبوبها ومرادها، فإن كان المحبوب المراد هو الذي لا ينبغي أن يحب لذاته ويراد لذاته إلا هو، وهو المحبوب الأعلى الذي لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا نعيم ولا سرور إلا بأن يكون هو وحده محبوبه ومراده وغاية مطلوبه، كانت محبته نافعة له. أما الأشاعرة فينفون المحبة بين الله وعبده؛ لأن العقل لا يدل عليها، وكل ما لا يدل العقل عليه فإن الله يجب أن ينزه عنه، وقالوا: إن المحبة لا تكون إلا بين متجانسين، فلا تكون بين رب ومخلوق، وهذه دعوى باطلة يكفي فيها المنع؛ لأن الأصل عدم ثبوت الدعوى، والواقع يدل على ثبوت المحبة بين غير المتجانسين، كما يحب آلاته وبعض بهائمه. علمًا بأن العقل قد دل على ذلك؛ فإثابة الطائعين ونصرهم وتأييدهم وإجابة دعائهم دليل على المحبة. وينظر: "شرح العقيدة الواسطية" للشيخ محمد العثيمين ص ١٩٦، "مختصر منهاج القاصدين" ٣٤٣ - ٣٥٦.
وكثر اختلافُ القُرّاء (٣) في هذه الآية، فقرأ حمزة والكسائي وعاصم وأبو عمرو وابن كثير: (ولو يَرَى) بالياء، ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ﴾ بالفتح فيهما (٤).
والمراد بالرؤية هاهنا: رؤية العين المتعدية إلى مفعول واحد، والفعل في هذه القراءة (٥) مسند إلى الذين ظلموا، و (الذين ظلموا): هم الذين
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٩، و "تفسير الطبري" ٢/ ٦٧، "التبيان" للعكبري ص ١٠٥، "البحر المحيط" ١/ ٤٧١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٨.
(٣) ينظر في توجيه القراءات في الآية: "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٧، "تفسير الطبري" ٢/ ٦٧ - ٦٩، "التبيان" ص ١٠٥ - ١٠٦، "البحر المحيط" ١/ ٤٧١، "الحجة" ٢/ ٢٥٨.
(٤) ينظر: "السبعة" ص ١٧٣ - ١٧٤، "النشر" ٢/ ٢٢٤، "الحجة" ٢/ ٢٥٨، قال في "النشر": واختلفوا في ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ﴾ فقرأ نافع وابن عامر ويعقوب بالخطاب، واختلف عن ابن وردان عن أبي جعفر، فروى ابن شبيب عن الفضل من طريق النهرواني عنه بالخطاب، وقرأ الباقون بالغيب. واختلفوا في ﴿يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ فقرأ ابن عامر بضم الياء، وقرأ الباقون بفتحها. واختلفوا في ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾ فقرأ أبو جعفر ويعقوب بكسر الهمزة فيهما. وقرأ الباقون بفتح الهمزة فيهما.
(٥) في (ش): (الآية).
وقال أبو عبيد والزجاج (٣): يجوز أن يكون العامل في (أن) جواب (لو) المقدر؛ لأنه قد جاء في تفسير هذه الآية: لو رأى الذين كانوا يشركون في الدنيا عذاب الآخرة، لعلموا حين يرونه أن القوة لله جميعًا، ففتحوا (أن) بالجواب المقدر وهو: لعلموا (٤).
وضعّف أحمد بن يحيى هذا القول، وقال: (٥) العَلَم لو حذف لم يترك صلته، وقال من احتج لهذا القول: حذف الموصول وإبقاء أصله لا ينكر، كقوله تعالى: ﴿لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ [الأنعام: ٩٤]، في قراءة من نصب، والمراد: ما بينكم، فحذفت (ما) وتُركت صلتها.
وقرأ أبو جعفر: (ولو يرى) بالياء (٦)، وكسر (إن القوة) و (إن الله)
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٨.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٨.
(٤) في (ش): (وعلموا).
(٥) في (م): (قال).
(٦) في (ش): (بالتاء).
قال الفراء: وتكون الرؤية على هذه القراءة واقعة على (إذ) في المعنى، وفتح (أنّ) مع الياء أحسن من كسرهما (١).
وقرأ يعقوب وسَهْل: (ولو ترى) بالتاء، (إن القوة)، و (إن الله): بالكسر فيهما. والخطاب في هذه القراءة (٢) للنبي - ﷺ -، ولم يقصده (٣) بالمخاطبة؛ لأنه لم يعلم ما يراه الكفار من العذاب في الآخرة، ولكن في قصده المخاطبة (٤) تنبيه لغيره، ألا ترى أنه قد يُخَاطَبُ فيكون خطابه خطابًا للكافّة، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى﴾ [الأنفال: ٧٠] و ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [الطلاق: ١] (٥).
قال أبو إسحاق: وهذا (٦) كما قال عز وجل: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٠٦) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١٠٦ - ١٠٧] وهو بمنزلة: ألم تعلموا. كذلك، (ولو ترى) بمنزلة: ولو ترون، ويكون (إن القوة) مستأنفة كما وصفنا. ويكون الجواب -والله أعلم- لرأيت أمرًا
(٢) في (ش): (الآية).
(٣) في (أ)، (م): (يقصد).
(٤) سقطت من (أ)، (م).
(٥) "الحجة" ٢/ ٢٦٢.
(٦) في (ش): (فهذا).
الجواب؛ لأن المعنى معلوم (٢).
قال ابن الأنباري: ويجوز في هذه القراءة أن تضمر القول وتعلق (إن) به، ويكون التقدير: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب لقلت: إن القوة لله جميعا، فانكسرت (إن) مع القول كما انفتحت مع العلم.
وقرأ نافع وابن عامر: (ترى) بالتاء (٣)، وفتح: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ﴾، و ﴿وَأَنَّ اللَّه﴾، وعلى (٤) هذه القراءة لا يجوز أن يكون العامل في: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ﴾ قوله: (ترى)؛ لأن الرؤية هاهنا: المراد به رؤية البصر، فلم يجز أن تتعدّى إلى (أن)؛ لأنها قد استوفت مفعولها الذي تقتضيه، وهو: (الذين ظلموا)، فإذا لم يجز أن تنتصب (أن) بـ (ترى)، ثبت أنه منتصب (٥) بفعل آخر غير (ترى) الظاهرة، وذلك الفعل هو الذي يقدر جوابا لـ (لو)، كأنه: ولو ترى الذين ظلموا إذ يرون العذاب رأوا أن القوة لله، والمعنى: أنهم شاهدوا من قدرته سبحانه ما تيقنوا معه أنه قوي عزيز، وأن الأمر ليس على ما كانوا عليه من جحودهم لذلك، أو شكّهم فيه (٦).
والاختيار عند الفراء وغيره: كسر (إن) مع المخاطبة؛ لأن الرؤية واقعة على الذين ظلموا، فكان وجه الكلام أن يستأنف (إن).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٨ - ٢٣٩، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣١٨.
(٣) في (م): (بفتح التاء وفتح).
(٤) في (أ)، (م): (على).
(٥) في (م): (انتصب).
(٦) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٦٣.
هذه وجوه اختلاف القراءة في هذه الآية (٤). فإن قيل: كيف جاءت (إذ) في قوله: ﴿إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ﴾ مع قوله: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ وهذا أمر مستقبل وإذ لما مضى؟، قيل: إنما جاء على لفظ المضي لإرادة التقريب في ذلك، كما جاء ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النحل: ٧٧]، ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ﴾ [الشورى: ١٧]، فلما أريد فيها من التحقيق والتقريب؛ جاء على لفظ المضي، وعلى هذا جاء في ما هو من (٥) أمر الآخرة أمثلة الماضي، كقوله: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ﴾ [الأعراف: ٤٤]. ومما جاء على لفظ المضي للتقريب من الحال: قول المقيم: قد قامت الصلاة، يقول ذلك قبل إيقاعه التحريم بالصلاة؛ لقرب ذلك من قوله، وعلى هذا قول رؤبة:
أَوْدَيْتُ إن لم تَحْبُ (٦) حَبْوَ المُعْتَنِكْ (٧) (٨)
(٢) ليست في (أ)، (م).
(٣) من "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٧ - ٩٨.
(٤) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٦٣ بتصرف.
(٥) ساقطة من (أ)، (م).
(٦) في (ش): (يجب).
(٧) في (ش): (المعتبك).
(٨) لرؤبة من قصيدة يمدح فيها الحكم بن عبد الملك في "ديوانه" ص ١١٨،=
وقرأ ابن عامر: (يُرون) بضم الياء، وحجته قوله (٣): ﴿كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ﴾ (٤).
وقوله تعالى: ﴿أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ منصوب على الحال، المعنى: إن القوة ثابتة لله عز وجل في حال اجتماعها (٥).
١٦٦ - قوله تعالى: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ﴾. العامل في ﴿إِذْ﴾ معنى ﴿شَدِيدُ﴾
(١) في (ش): (بالحقيقة).
(٢) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٦٠ - ٢٦١.
(٣) ساقط من (ش) وكلمة قوله ليست في (م).
(٤) "الحجة" ٢/ ٢٦٤.
(٥) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٩، وينظر: "التبيان" للعكبري ص ١٠٧، وهذا إعراب لكلمة: (جميعًا).
وقوله: ﴿الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ يعنى: المتبوعين في الشرك والشرّ، ﴿مِنَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا﴾ يعنى: السفلة والأتباع (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ﴾ الباء هاهنا: بمعنى: عن (٣)، كقوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: ٥٩]، أي: عنه، قال علقمة بن عبدة:
فإن تسألوني بالنساء فإنني | بصيرٌ بأدواء النساء طبيب (٤) |
وقال آخر:
تسائل بي هوازنُ أين مالي | وهل لي غيرَ ما أتلفتُ مالُ (٥) |
وقوله تعالى: ﴿الْأَسْبَابُ﴾ أصل السبب في اللغة: الحبل، قال شمر: قال أبو عبيدة: السببُ: كلُّ حَبْل حَدَرْتَه (٦) من فوق.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣٩، وتنظر الآثار في ذلك عند الطبري في "تفسيره" ٢/ ٧٠، وابن أبي حاتم ١/ ٢٧٧ عن قتادة وأبي العالية والربيع وعطاء، وينظر: "زاد المسير" ١/ ١٧١، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٠ وعزاه لأكثر أهل التفسير.
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٠، "التبيان" ١/ ١٠٧، وذكر أنها أيضًا للسببية، والتقدير: وتقطعت بسبب كفرهم، وقيل: إنها للحال، أي تقطعت موصولة بهم الأسباب، وقيل: الباء للتعدية، والتقدير: قطعتهم الأسباب، كما تقول: تفرقت بهم الطرق، أي فرقتهم، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٧٣، "التفسير الكبير" ٤/ ٢١١.
(٤) البيت لعلقمة الفحل في "ديوانه" ص ٣٥.
(٥) البيت ليزيد بن الجهم، في "ديوان الحماسة" ٢/ ٣٥٦.
(٦) في (ش): (جدوته).
ومن هاب (٢) أسبابَ المنايا ينلنه | ولو رام أسبابَ السماء بسُلَّمِ (٣). |
بل ما تَذكَّرُ من نوارَ وقد نأتْ | وتقطّعت أسبابُها ورِمامُها (٤) (٥). |
(٢) سقط من (ش).
(٣) البيت في "ديوانه" ص٣٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٢، "السمعاني" ٢/ ١٢٣، "الرازي" ٤/ ٢٣٤، "القرطبي"، "لسان العرب" ٤/ ١٩١٠ (سب).
(٤) البيت في "ديوانه" ص ٣٠١، "لسان العرب" ٤/ ١٩١٠ (سب).
(٥) ينظر في معاني السبب: "تفسير الطبري" ٢/ ٧١ - ٧٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٢، "المفردات" ص ٢٢٦، "تاج العروس" ٢/ ٦٦ وما بعدها.
وقيل: أراد بالأسباب: الأرحام التي كانوا يتعاطفون بها (٤).
وقال ابن زيد: يعني: الأعمال التي كانوا يؤملون أن يصلوا (٥) بها إلى ثواب الله (٦).
١٦٧ - وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ وهم الأتباع. ﴿لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً﴾ موضع أن رَفْع؛ لأن لو تطلب الفعل (٧)، المعنى: لو وقع كرور، أي: رجعة إلى الدنيا (٨).
﴿فَنَتَبَرَّأَ﴾ جواب التمني بالفاء، كقوله: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ١٠٢]، قال الكسائي: إنما نصب جواب التمني بالفاء (٩)؛ لأن تأويله: لو أنّ لنا أن نَكُرَّ فَنَتَبَرَّأَ (١٠).
(٢) رواه عنه الطبري ٢٧١، وابن أبي حاتم ١/ ٢٧٨.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١٥/ ٦٥، والطبري ٢/ ٧١، وابن أبي حاتم ١/ ٢٧٨.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٧١ بسنده عن ابن عباس، وابن أبي حاتم عن الضحاك ١/ ٢٧٨، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٢٠ عن ابن جريج والكلبي.
(٥) في (م): (يوصلوا).
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٧٢، ورواه ابن أبي حاتم عن السدي عن أبي صالح ١/ ٢٧٩.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٠.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٠، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٣، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٧٩.
(٩) ساقطة من (أ)، (م).
(١٠) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٣، "التبيان" ١/ ١٠٦، وذكر وجهًا آخر وهو أن (فنتبرأ) منصوب بإضمار أن، تقديره: لو أن لنا أن نرجع فأن نتبرأ، وجواب لو على هذا محذوف، تقديره. لتبرأنا أو نحو ذلك.
وقال ابن كيسان: يعني بأعمالهم: عبادَتَهم الأوثان رجاء أن تقربهم إلى الله، فلما عُذِّبوا على ما كانوا يرجون ثوابه تحسّروا وندموا (٤).
قال أبو إسحاق: والحَسْرَةُ: شِدَّةُ الندم، حتى يبقى النادم كالحسير من الدوابّ الذي لا منفعة فيه، ويقال: حَسِرَ فلان يَحْسَر حَسْرَةً وحَسَرًا: إذا اشتدَّ نَدَمُه على أمر فاته، قال المَرَّار:
ما أنا اليومَ على شيء خلا | يا ابنةَ القَيْنِ تَوَلَّى بِحَسِرْ (٥). |
وأصل الحَسْر: الكشف، يقال: حَسَر عن ذراعه، والحَسْرَة: انكشاف عن حال الندامة (٦)، والحُسُور: الإعياء؛ لأنه انكشاف الحال
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٠، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٢ وذكر وجها آخر، أي: كما أراهم العذاب كذلك يريهم الله!
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٧٥، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٢٣، والقرطبي ٢/ ١٩٠.
(٤) ذكره الثعلبي ١/ ١٣٢٣، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٥٢، "البغوي" ١/ ١٨٠.
(٥) البيت للمرار في "لسان العرب" ٢/ ٨٦٩.
(٦) سقطت من (م).
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في المشركين الذين أخرجوا النبي - ﷺ - من مكة.
١٦٨ - قوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا﴾ قال ابن عباس، في رواية أبي صالح: نزلت في الذين حَرَّموا على أنفسهم السوائب والوصائل والبحائر (٣)، وقال في رواية عطاء: يعني: المؤمنين خاصةً (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَلَالًا﴾ إن شئت نصبته على الحال: ﴿مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾، وإن شئت نصبته على أنه مفعول: ﴿مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾.
(٢) ينظر في معاني حسر: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٣ - ٧٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٣، "المفردات" ص١٢٥، "تاج العروس" ٦/ ٢٧٣.
(٣) روى البخاري (٤٦٢٣) كتاب: التفسير، باب: ما جعل الله من بحيرة ولا سائبةٍ، عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة: التي يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة: التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء، والوصيلة: الناقة البكر في أول نتاج الإبل بانثى، ثم تثني بعد بانثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينهما ذكر.
(٤) ينظر: "العجاب" ١/ ٤١٧، وفي "البحر المحيط" ١/ ٤٧٨: قال الحسن: نزلت في كل من حرم على نفسه شيئًا لم يحرمه الله عليه، وروى الكلبي ومقاتل وغيرهما: أنها نزلت في ثقيف وخزاعة وبني الحارث بن كعب، قاله النقاش. وقيل: في ثقيف وخزاعة وعامر بن صعصعة، قيل: وبني مدلج فإن صح هذا كان السبب خاصًّا واللفظ عامًّا، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. انتهى. وينظر: "زاد المسير" ١/ ١٧٢.
والطيب في اللغة يكون بمعنى: الطاهر، والحلال يوصف بأنه طيب؛ لأن الحرام يوصف بأنه خبيث، قال الله تعالى: ﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ﴾ [المائدة: ١٠٠]. والأصل في الطيب: هو ما يُسْتَلَذُّ ويستطاب، وَوُصفَ به الطاهر والحلال على جهة التشبيه؛ لأن النجسَ تكرهُهُ النفس فلا يُسْتَلَذّ، والحرام غير مستلَذّ؛ لأن الشرع يزجر عنه (٢).
قال ابن عباس: يريد: قد غَنَّمْتُكم مال أعدائكم (٣)، فعلى هذا عنى بالحلال الطيب: الغنيمة.
وقال أهل المعاني: أراد كل ما يغتذى به من المطاعم، ولهذا جمع
(٢) ينظر في الطيب: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٦، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٤٧ - ٢١٤٨ (طاب)، "المفردات" ٣١٤ - ٣١٥، "تفسير البغوي" ١/ ١٨٠، "تاج العروس" ٢/ ١٨٨ - ١٩٢، "البحر المحيط" ١/ ٤٧٩.
(٣) هذا من رواية عطاء، وتقدم الحديث عنها.
وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى: من حيث يطيب لكم، أي: لا تأكلوا مما يحرم (٢). فعلى هذا: المعنى: كلوا حلالًا من حيث يحِلّ لكم، فأما أن يأكل مال غيره فهو حلال في جنسه، ولكن ليس يحلّ له أكله، فهو حلال وليس مما يطيب له.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ قال ابن السِّكِّيت فيما رواه عن اللحياني: الخُطوة والخَطْوة بمعنى، وحكى عن الفراء: خَطَوْتُ خَطْوَةً، والخَطْوَة ما بين القدمين. وقالوا: خطوتُ خُطوةً، كما قالوا: حَسَوتُ حَسْوَةً، والحُسْوة: اسم ما تحسيت، وكذلك غَرفتُ غَرْفةً، والغُرفة: اسم ما اغترفت (٣). وإذا كان كذلك، فالخطوة: المكان المتخطى، كما أن الغرفة: المغترَفة بالكف، فيكون المعنى: لا تتبعوا سبيله، ولا تسلكوا طريقه، لأن الخطوة: اسم مكان، وهذا قول عبد الله
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤١.
(٣) نقل الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٢ (خطا): وقال الفراء: العرب تجمع فُعلة من الأسماء على فُعُلات، مثل: حجرة وحجرات، فرقًا بين الاسم والنعت، النعت يخفف، مثل حلوة وحُلْوات، فلذلك صار التثقيل الاختيار، وربما خفف الاسم، وربما فتح ثانيه فقيل: حُجَرات ولنظر في معاني الخطوة "تفسير الطبري" ٢/ ٧٦، "المفردات" ص ١٥٨، "اللسان" ٢/ ١٢٠٥ (خطا).
وقال الوالبي عن ابن عباس: خُطوات الشيطان: عمله (٥)، وهذا على أن يكون الخُطوة بمعنى الخَطوة، وخَطوة الشيطان: عمله.
وقال الكلبي (٦) والسُّدّي (٧): يعني: طاعته، وهذا على أنَّ من اقتدى بإنسان واتبع خطاه فقد أطاعه، يريد: لا تطيعوا الشيطان (٨).
وفي الخطوات قراءتان: ضَمُّ العين وإسكانها (٩)، فمن ضم العين فلأن الواحدة خُطوَة، فإذا جمعتَ حركتَ العينَ للجمع، كما فعلت
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤١.
(٣) ما تقدم في معنى الخطوة من قوله. وقالوا: خطوت خطوة، من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٢٦٧.
(٤) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣٢٨، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٧٩.
(٥) أخرجه عنه الطبري ٢/ ٧٦، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٢٧.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣٢٧.
(٧) أخرجه عنه الطبري ٢/ ٧٧، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٢٧.
(٨) ذكر الطبري ٢/ ٧٧: أن هذه الأقوال قريب معنى بعضها من بعض؛ لأن كل قائل منهم قولًا في ذلك فإنه أشار إلى نهي اتباع الشيطان في آثاره وأعماله. وقال أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٧٩: وهذه أقوال متقاربة.
(٩) قرأ: نافع وأبو عمرو وشعبة وحمزة بإسكان الطاء، والباقون: بضمها. ينظر: "السبعة" ص ١٧٤، "النشر" ٢/ ٢١٦، "البدور الزاهرة" ص ٥٤.
وأما من أسكن العين، فإنهم نووا الضمة، وأسكنوا الكلمة عنها؛ لثقل الضمة، وحذفوها من اللفظ وهم يقدرون ثباتها، ولا يجوز أن يكون جمع فعلة، فتركوها في الجمع على ما كان عليه في الواحد؛ لأن ذلك إنما يجئ في ضرورة الشعر، دون حال السعة والاختيار، كما قال ذو الرُّمَّة:
ورَفْضاتُ الهوى في المفاصل (٣)
وإذا كان كذلك، علمتَ أنهم أسكنوا تخفيفًا وهم يريدون الضمة، لأنّ تحريكَ العين فصلٌ بين الاسم والصفة كما ذكرنا، فلا بد من أن يكون التحريك الذي يختصّ بالأسماء دون الصفات منويًّا هاهنا (٤).
ووجه آخر لمن سكن: وهو أنه أجرى الواو في خُطْوَة مجرى الياء في نحو: مُدْيَة وكُلية وزُبية، فإنها تجمع بإسكان العين، فيقولون: مُدْيات وكُلْيات. وذلك أنهم لو جمعوا بتحريك العين؛ للزم انقلاب الياء واوا
(٢) "الحجة" ٢/ ٢٦٨.
(٣) تمام البيت:
أبتْ ذِكَرٌ عَوَّدن أحشاءَ قلبه | خفوقًّا ورَفْضاتُ الهوى في المفاصلِ |
(٤) من "الحجة" ٢/ ٢٦٨ بتصرف.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ قال المفسرون: قد أبان عداوته لكم بإبائه السجود لآدم، وهو الذي أخرجه من الجنة (٤)، فعلى هذا (مبين): من أَبَان العداوة: إذا أظهرها. ويجوز أن يكون المبين بمعنى: الظاهر هاهنا؛ لأنّ (أبان) يتعدى، ولا يتعدى (٥). ثم بين عداوة الشيطان فقال: ﴿إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ﴾ الكلام في إنما نذكره في قوله: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ﴾ [البقرة: ١٧٣].
١٦٩ - وقوله تعالى: ﴿بِالسُّوءِ﴾ قال الليث: يقال: ساء الشيءُ يسوء فهو سيّئ، إذا قَبُحَ (٦)، والسوء: الاسم الجامع للآفات والداء.
وقال غيره: يقال: ساءه يَسُوءه سَوءًا ومساءةً، والسُّوء الاسم، بمنزلة الضُّرّ وهو كل ما يسوء صاحبه في العاقبة (٧)، وذكرنا الكلام في (ساء)
(٢) ضبطت في (ش): (اتسَّروا).
(٣) من "الحجة" ٢/ ٢٦٩ بتصرف.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٨، والقرطبي ٢/ ١٩٢ - ١٩٣.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٨، وينظر: "اللسان" ١/ ٤٠٦ بين، "المفردات" ص ٤٥ - ٤٦، "زاد المسير" ١/ ١٧٢.
(٦) نقله عنه في "اللسان " ٤/ ٢١٣٨ (سوأ).
(٧) ينظر في السوء: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٧، "المفردات" ص٢٥٣ - ٢٥٤، "المحرر الوجيز" ٢/ ٦٢، "زاد المسير" ١/ ١٧٢، "اللسان" ١/ ٤/٢١٣٨ - ٢١٣٩ (سوأ).
وقوله تعالى: ﴿وَالْفَحْشَاءِ﴾ اسم على ما قَبُحَ من الفعل والقول، كالفاحشة (١).
قال الليث: الفحشاء: اسم الفاحشة، وكل شيء تجاوز قَدْرَه فهو فاحش، وكلُّ أمرٍ لا يكون موافقًا للحق فهو فاحشة وفحشاء. ويقال: فَحُش الرجل يفحُش صار فاحشًا، وأفحَشَ [قال] قولًا فاحشًا (٢).
قال عطاء عن ابن عباس: السوء: عصيان الله، والفحشاء: البُخل (٣)، وقال في رواية باذان: السوء من الذنوب: ما لا حدّ فيه في الدنيا، والفحشاء: كل ما كان فيه حدّ (٤).
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ من تحريم الحرث والأنعام (٥). قال ابن عباس: يريد: المشركين وكفار أهل الكتاب (٦).
(٢) ينظر في الفحش: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٧، "المفردات" ص ٣٧٥ - ٣٧٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ٦٢، "البحر المحيط" ١/ ٤٧٧.
(٣) ذكره في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٠ عن عطاء عن ابن عباس في تفسير الفحشاء، وقال: البخل، ولم يذكر تفسير السوء، وذكره بنحوه: أبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٨٠ [عن عطاء].
(٤) ذكره في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٢٩، وفي "البحر المحيط" بنحوه ١/ ٤٨٠.
(٥) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٠، الطبري ٢/ ٧٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٨٠، "الدر المنثور" ١/ ٣٠٦.
(٦) لم أجده عند الثعلبي.
وقال الضحاك، عن ابن عباس: نزلت في كفار قريش (٢)، والكناية تعود إلى (من) في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ﴾ [البقرة: ١٦٥] (٣).
وقال آخرون: نزلت في الذين حرّموا على أنفسهم من الحرث والأنعام (٤)، والكناية ترجع إلى (الناس) في قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ﴾ [البقرة: ١٦٨] عدل عن المخاطبة إلى الغيبة (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ﴾ إلى آخر الآية، معناه: أيتبعون آباءهم وإن كانوا جهالًا، فترك جواب لو لأنه معروف (٦)، والتقدير: أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئًا ولا يهتدون يتبعونهم (٧)؟
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٧.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٨، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٢، "البحر المحيط" ١/ ٤٨٠.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٢، والبغوي ١/ ١٨١.
(٥) ينظر: "الطبري" ٢/ ٧٨، والثعلبي ١/ ١٣٣٢، ورجح هذا الطبري والثعلبي، وقال: لأن هذه القصة عقيب قوله: (يا أيها الناس)، فهي أولى أن تكون خبرًا عنهم من أن تكون خبرًا عن المتخذين للأنداد مع ما بينهما من الآيات وطول الكلام.
(٦) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٣.
(٧) ينظر: "التبيان" ص ١٠٩.
والآية تضمنت النهي عن التقليد؛ لأن الله تعالى أنكر عليهم متابعة آبائهم، وأمر بمتابعة العقل والهدى (٣).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا﴾ لفظه عام ومعناه الخصوص؛ لأنهم كانوا يعقلون أمرَ الدنيَا، ومعناه: لا يعقلون شيئًا من أمر الدين (٤).
قال عطاء عن ابن عباس: لا يعقلون عظمةَ الله، ولا يهتدون إلى دينه (٥).
١٧١ - قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ﴾ الآية، قال أهل اللغة، الفراء وغيره: النعيق: دعاء الراعي الشاة، يقال: انعَقْ بضَأنِك، أي: ادعُها، وقد نَعَقَ يَنْعِقُ نعيقًا ونَعْقًا ونَعْقانًا ونُعاقًا، إذا صاح بالغنم زجرًا، قال الأخطل:
(٢) "البحر المحيط" ١/ ٤٨١.
(٣) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ١٩٤، "البحر المحيط" ١/ ٤٨٠.
(٤) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٤.
(٥) قد تقدم الحديث عن هذا الحديث عن هذه الرواية.
فانعِقْ بِضَأْنِك يا جريرُ فإنما | مَنَّتْكَ نَفْسُك في الخَلَاء ضَلالا (١) (٢) |
أحدهما: تصحيح المعنى بإضمار في الآية.
والثاني: إجراء الآية على ظاهرها من غير إضمار (٣).
فأما الذين أضمروا فقد اختلفوا، فقال الأخفش (٤) والزجاج (٥) وابن قتيبة (٦): تقدير الآية: ومثلك يا محمد، ومثل الذين كفروا في وعظهم ودعائهم إلى الله عز وجل؛ فَحَذَف أحدَ المثلين اكتفاءً بالثاني، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١]، وعلى هذا التقدير: شبه الكفار بالبهائم، وشبه داعيهم بالذي يصيح بها، وهي لا تعقل شيئًا.
وقال الفراء (٧) في هذه الآية قولين:
أحدهما: أن تقدير الآية: ومثل واعظ الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، فحذف كما قال: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف: ٨٢]، أي: أهلها (٨).
(٢) ينظر في معنى نعق: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٣، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦١٣، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٥، "المفردات" ٥٠١، "اللسان" ٧/ ٤٤٧٦.
(٣) ينظر في معنى الآية: "تفسير الطبري" ٢/ ٧٩، "المحرر الوجيز" ١/ ٦٣ - ٦٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٩٧ - ١٩٨، "البحر المحيط" ١/ ٤٨١.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٤، ولم أجده في "معاني القرآن" للأخفش.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٢.
(٦) "تأويل مشكل القرآن" ص ١٩٩، "تفسير غريب القرآن" ص ٦٥.
(٧) ينظر: "معاني القرآن" للفراء بمعناه، وقال بعد ذكر القولين: وكلٌّ صواب.
(٨) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨١، "البحر المحيط" ١/ ٤٨٢، وهذا اختيار الطبري.
كانت فريضة ما تقول كما | كان الزناءُ فريضةَ الرجم (٢) |
(٢) البيت للنابغة الجعدي في "ديوانه" ص ٣٥، "لسان العرب " ٣/ ١٨٧٥ (زني)، وورد غير منسوب في "معاني القرآن" للفراء، "مجاز القرآن" ١/ ٣٧٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٨١، والثعلبي ١/ ١٣٣٧.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ٩٩ - ١٠٠، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٦ - ١٣٣٧.
(٤) في (أ)، (م): (على الغلط وعلى طريق).
(٥) "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ٢٠٠، "البحر المحيط" ١/ ٤٨٢ وقال: وينبغي أن ينزه القرآن عنه؛ لأن الصحيح أن القلب لا يكون إلا في الشعر، أو إن جاء في الكلام فهو من القلة بحيث لا يقاس عليه.
والطريق الثاني في الآية: هو أن معناها: ومثل الكفار في قلة فهمهم وعقلهم، كمثل الرعاةِ يكلمون البَهم والبهم لا تعقل عنهم، وعلى هذا التفسير لا تحتاج الآية إلى إضمار (٤).
وقال عبد الرحمنُ بن زيد: معنى الآية: ومثل الذين كفروا في دعائهم الأصنام وعبادتهم الأوثان، كمثل الرجل الذي يصيح في جوف الجبال، فيجيبه منها صوت يقال له: الصدى، يجيبه ولا ينفعه (٥)، وتقدير الآية على
(٢) رواه عن عكرمة ومجاهد وقتادة وعطاء والربيع: "الطبري" ٢/ ٧٩، وذكره "الثعلبي" ١/ ١٣٣٤.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٠، وابن أبي حاتم ١/ ٢٨٢.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٣٨، "الوسيط" للواحدي ١/ ٢٥٥، والرازي ٥/ ٨، والقرطبي ٢/ ١٩٧ - ١٩٨.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٢.
قال ابن الأنباري: ويجوز على هذا القول أيضًا: أن يكون السمع منفيًا عن المنعوق به، فيكون المعنى: كمثل الذي ينعق بما لا يسمع ألبتة (٣). والدعاءُ والنداءُ ينتصبان بـ (ينعق)، و (إلا) توكيد هاهنا، معناها السقوط، كقول الفرزدق:
هم القوم إلا حيث سلّوا سيوفهم | وضَحَّوا بلحم من مُحِلٍّ ومُحرِمِ (٤) |
والتقدير الأول في هذا المعنى أولى مما ذكره أبو بكر؛ لأن السمع إذا كان منفيًّا عن المنعوق به لم يكن للجبل اختصاص بالنعيق به؛ لأن غير الجبل من القفار والرمال والأشجار لا يسمع ألبتة أيضًا، وفي نفي السمع
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨١، والثعلبي ١/ ٣٣٩، والسمعاني ٢/ ١٢٨، والبغوي ١/ ١٨١، والرازي ٥/ ٩.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨١
(٤) البيت للفرزدق في "ديوانه" ص ٢٠٠.
(٥) من قوله: (معناه هم). ساقطة من (ش).
١٧٢ - وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ قال المفسرون: هذا أمرُ إباحةٍ لا ندبٍ، ولا إيجابٍ (٢)، وأراد بالطيبات: الحلالات من الحرث والنعم وما حرمه المشركون على أنفسهم منها (٣)، وذكرنا لم سُمّي الحلال طيبًا.
وقوله تعالى: ﴿وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ أراد: إن كانت العبادة لله واجبة عليكم بأنه إلهكم، فالشكر له واجب بأنه محسن إليكم، فمعنى الشرط هاهنا: المظاهرة في الحجاج (٤).
١٧٣ - ثم بين أن المحرَّم ما هو (٥)، فقال عز من قائل: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ الآية. ﴿إِنَّمَا﴾ تكون على وجهين (٦):
(٢) ينظر: "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٥١، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٩٨.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٣، والثعلبي ١/ ١٣٤٠.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٣
(٥) سقطت: (هو) في (ش).
(٦) ينظر في (إنما) وإعرابها: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٤، "الكتاب" لسيبويه ٢/ ١٣٨، و٣/ ١١٦ - ١٣١، "التبيان" ١/ ١٤٠ - ١٤١.
والوجه الآخر: أن تكون حرفين: ما منفصلة عن إنّ، وتكون بمعنى الذي (١)، وإذا (٢) كان كذلك وصلتها بما توصل به (الذي)، ثم ترفع الاسم الذي يأتي بعد الصلة، كقولك: إنّ ما أخذت مالُك، وإنّ ما ركبتُ دابتُك، وفي التنزيل كثيرًا ما أتى على الوجهين:
كقوله (٣): ﴿إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [النساء: ١٧١]، ﴿إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ﴾ [هود: ١٢]، فهذه حرفٌ واحد؛ لأن (الذي) لا يصلح في موضع (ما). وأما التي (٤) في مذهب (الذي) فقوله: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ﴾ [طه: ٦٩]، ولو نصب كيدَ ساحر على أن تجعل (إنما) حرفًا واحدًا كان صوابًا، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ﴾ [العنكبوت: ٢٥]، تنصب المودة وترفع، على ما ذكرنا من الوجهين، هذا كله قول الفراء (٥).
وقال الزجاج: ﴿إِنَّمَا﴾ إذا جعلته كلمةً واحدةً كان إثباتًا لما يذكر بعده ونفيًا لما سواه، فقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ معناه: ما
(٢) في (م): (وإن).
(٣) في (م): (زيادة إنما الله إله).
(٤) في (م): (الذي).
(٥) "معاني القرآن" للفراء، وينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٢٩.
وإنما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي (١)
المعنى: ما يدافع عن أحسابهم إلا أنا أو مثلي، وإنما صارت كلمة إنما إثباتًا للشيء ونفيًا لما سواه؛ لأن كلمة (إنّ) للتوكيد في الإثبات، و (ما) تكون نفيًا، وإذا قال (٢) القائل: إني بشرٌ، فالمعنى: أنا بشرٌ على الحقيقة، وإذا قال: إنما أنا بشرٌ، كان المعنى: ما أنا إلا بشرٌ (٣).
والميتة: ما فارقته الروح من غير ذكاة مما يُذبح (٤).
وتحريم الميتة مخصوص بالسنة لقوله - ﷺ -: "أُحِلّتْ لنا ميتتان" (٥).
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما
والبيت للفرزدق في "ديوانه" ص ٧١٢، "معاني القرآن" للزجاج، "معاهد التنصيص" ١/ ٨٩.
(٢) في (م): (وإذا كان قال).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٢ - ٣٤٣.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٤٣، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ١٣٢، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٥٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٠٣ - ٢٠٤، وتعريف المؤلف رحمه الله ناقص؛ فإنه لم يدخل فيه أيضًا ما ذبح بطريقة غير شرعية، قال الجصاص ١/ ١٣٢: "الميتة في الشرع: اسم حيوان الميت غير المذكى، وقد يكون ميتة بأن يموت حتف أنفه من غير سبب لأدمي فيه، وقد يكون ميتة لسبب فعل آدمي إذا لم يكن فعله على وجه الذكاة المبيحة له".
(٥) أخرجه ابن ماجه (٣٢١٨) كتاب الصيد، باب: صيد الحيتان والجراد، وأحمد في "المسند" ٢/ ٩٧، وعبد بن حميد في "المنتخب من مسنده" ص٢٦٠، والعقيلي في "الضعفاء الكبير" ٢/ ٣٣١، والدارقطني في "سننه" ٤/ ٢٧٢، وابن عدي في "الكامل" ٤/ ٢٧١، والبيهقي في "سننه" ١/ ٢٥٤، كلهم من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه عن ابن عمر مرفوعًا وأخرجه ابن عدي في "الكامل" =
وقوله تعالى: ﴿وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ﴾ أراد: الخنزيرَ بجميع أجزائه، وخص اللحم؛ لأنه المقصود بالأكل (٣)، ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ أبو عبيد: قال الأصمعي: الإهلال أصله: رفع الصوت، وكل رافع صوتَه فهو مُهِلّ، قال ابن أحمر (٤):
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٨/ ٧١، الثعلبي ١/ ١٣٤٣، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ١/ ٧١ - ٧٢، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٥٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ١٩٩.
(٢) في (م): (وتأكلها).
(٣) وقد حكي الإجماع على هذا، وممن حكاه: السمرقندي ١/ ١٧٧، وابن حزم في "المحلى" ٧/ ٣٩١، وابن رشد في "بداية المجتهد" ١/ ٤٥٢، وابن عطية ٢/ ٦٩، والرازي ٥/ ٢٢، والقرطبي ٢/ ٢٠٥، والشوكاني في "فتح القدير" ١/ ٢٦٢.
(٤) هو عمرو بن أحمر بن العمرو بن تميم بن ربيعة الباهلي، أبو الخطاب، أدرك الإسلام فأسلم، وغزا مغازي الروم، وأصيبت إحدى عينيه هناك، ونزل الشام، وتوفي على عهد عثمان، وهو صحيح الكلام، كثير الغرائب. ينظر: "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٥٧١، و ٥٨٠، و"الشعر والشعراء" ص ٢٢٣.
يُهِلُّ (١) بالفَرْقَدِ رُكْبَانُها | كمَا يُهِل الراكبُ المُعْتَمِرْ (٢) |
فمعنى قوله: ﴿وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ﴾ قال ابن عباس: يعني: ما ذبح للأصنام (٤)، وهو قول مجاهد (٥) والضحاك (٦) وقتادة (٧).
وقال الربيع (٨) وابن زيد (٩): يعني: ما ذكر عليه غير اسم الله عز وجل.
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٦٦، "مجاز القرآن" ١/ ١٥٠، "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ١٧٣، "تفسير السمعاني" ٢/ ١٣٠، الثعلبي ١/ ١٣٤٦، "لسان العرب" ٣/ ١٥٩٥، و ١٧١٤، ٥/ ٣١٠٢.
(٣) ينظر في الإهلال: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٥، والثعلبي ١/ ١٣٤٥، "المفردات" ص ٥٢٢، "اللسان" ٨/ ٤٦٨٩.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٥.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٥.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٥.
(٧) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٥.
(٨) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٥.
(٩) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٦. وقد حكى الإجماع الواحدي في "الوسيط" ١/ ٢٥٧ على أن ما أهل به لغير الله يشمل ما ذبح للأصنام، وذكر عليه غير اسم الله، وحكاه الجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ١٥٤، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٦، ٨/ ٧١، "النكت والعيون" للماوردي، "معالم التنزيل" ١/ ١٨٣، "فتح القدير" ١/ ٢٦٢، "روح المعاني" ٢/ ٤٢.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ أي: أُحْوِجَ وألجئ، وهو افتُعِل من الضرورة، قال الأزهري: معناه ضُيق عليه الأمر بالجوع، وأصله: من الضرر وهو الضيق (٤).
وقرئ: برفع النون وكسرها في ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ (٥) فمن رفع فللإتباع، ومن كسر فعلى أصل الحركة. لالتقاء الساكنين (٦). وفي الآية إضمار، معناه: فمن اضطر إلى شيء مما ذكرنا أنه محرّم، ويدخل تحت قوله: ﴿اضْطُرَّ﴾: أن يحوج إليه لبؤس، أو يضطر (٧) أو يُكره عليه لخوف، والإكراه مذهب مجاهد (٨).
(٢) ينظر: "إعلام الموقعين" ٤/ ٤٠٤، ، "المغني" ١٢/ ٢٧٦، و"القول المفيد شرح كتاب التوحيد" ١/ ٢١٤.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٤٨، القرطبي ٢/ ٢٠٨ - ٢١٤.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٠، "المفردات" ص ٢٩٦ - ٢٩٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٠، "القاموس" ص ٤٢٨.
(٥) قرأ أبو عمرو ويعقوب وعاصم وحمزة بكسر النون وضم الطاء، وأبو جعفر بضم النون وكسر الطاء، والباقون بضمهما معًا. ينظر: "النشر" ٢/ ٢٢٥، "البدور الزاهرة" ص ٥٤.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٠، "التبيان" ص ١١٠، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٠.
(٧) ليست في: (أ)، (ش).
(٨) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٦.
قال الفراء: (غير) في هذا الموضع حال للمضطر، كأنك قلت: فمن اضطر لا باغيًا ولا عاديًا فهو له حلال (٢).
وقوله: ﴿بَاغٍ﴾ أصل البغي في اللغة: الفساد وتجاوز الحد، قال الليث: البغي في عدو الفرس: اختيال ومرح، وإنه ليبغي في عدوه. ولا يقال: فرس باغ، والبغي: الظلم والخروج عن النَّصَفة، ومنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ﴾ [الشورى: ٣٩].
الأصمعي: يقال: بغى الجرح يبغي بغيًا: إذا ترامى بالفساد، وبغت السماء: إذا كثر مطرها حتى تجاوز الحد.
الفراء: يقال للجرح إذا تورّم واشتد: بغى يبغي بغيًا، وبَغَى الجرح والبحر والحساب سواء: إذا طغى وزاد (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَادٍ﴾ العدْو: هو التعدي وتجاوز ما ينبغي له أن يقتصر عليه، يقال: عدا عليه عَدْوًا وعُدُوًّا وعُدْوانًا وعدًا واعتداءً وتعديًا:
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٢ - ١٠٣.
(٣) ينظر في معاني البغي: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥١، "المفردات" ص ٦٥ - ٦٦، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٠.
أحدهما وهو قول ابن عباس في رواية عطاء: غير باغ على المسلمين، ولا عاد عليهم (٣). وهذا قول مجاهد (٤)، وسعيد بن حُبَير (٥)، والضحاك (٦)، والكلبي (٧) قالوا: غير قاطع للطريق، ولا مفارق للأئمة، مُشاقّ للأمة. وعلى هذا التأويل كل من عصى بسفره لم يحل له أكل الميتة عند الضرورة؛ لأنه باغ عاد، وهو مذهب الشافعي (٨) رحمه الله، قال: إن
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٨٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٣ - ٢٤٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥١، "تفسير البغوي" ١/ ١٨٣، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٢ - ٧٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢١٤، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٠ - ٤٩١.
(٣) تقدم الحديث عن هذا هذه الرواية ص ٩٢.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٦، ٨٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٨٣.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٦، ٨٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٨٤.
(٦) ذكره الثعلبي ١/ ١٣٥١.
(٧) ذكره الثعلبي ١/ ١٣٥١.
(٨) ينظر: "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٥٨، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢١٤، "المغني" ١٣/ ٣٣٣، وقال الكيا الهراسي في "أحكام القرآن" ١/ ٧٤: اختلف قول الشافعي في إباحة أكل الميتة للمضطر العاصي بسفره، ويشهد لأحد القولين قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾، فإنه عام، ويشهد للقول الآخر قوله: ولا تقتلوا أنفسكم، وليس أكل الميتة عند الضرورة رخصة، بل هو عزيمة واجبة، ولو امتنع من أكل الميتة كان عاصيًا، وليس تناول الميتة من رخص السفر، أو متعلقًا بالسفر، بل هو من نتائج الضرورة سفرًا كان أو حضرًا، وهو كالإفطار للعاصي المقيم إذا كان مريضًا، وكالتيمم للعاصي المسافر عند عدم الماء، وهو الصحيح عندنا. ا. هـ =
والثاني: أن هذا البغي والعدوان يرجعان إلى الأكل، ومعناه: غير آكلها تلذُّذًا من غير اضطرار، ﴿وَلَا عَادٍ﴾ ولا مجاوز ما يدفع به عن نفسه الجوع، وهذا قول السدي (٢).
وقال الحسن (٣)، وقتادة (٤)، والربيع (٥)، وابن زيد (٦): (غير باغ) بأكله من غير اضطرار، ولا (عاد) يتعدى الحلال إلى الحرام، فيأكلها وهو غني عنها. وعلى طريقة هؤلاء يُباح للعاصي بسفره تناول الميتة عند الضرورة، وهو مذهب أهل العراق (٧).
والتأويل الأول أولى؛ من حيث اللفظ والمعنى.
(١) "الأم" ٢/ ٢٢٦، وينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٢.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٨٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٨٤، ورواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٣) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٦٥، والطبري ٢/ ٨٧
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٧، وابن أبي حاتم ١/ ٢٨٥.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٧، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٥٣.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٨٧، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٥٣.
(٧) يعني به الحنفية، ينظر: "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ١٥٦، وقد ناقش هذه القضية بتوسع وأجاب على أدلة المانعين، فلينظر: "أحكام القرآن" للتهانوي ١/ ١٢٠.
وأما من حيث المعنى: فإن نفس المؤمن يعاف الميتة والدم، ويستقذرهما (٢) استقذارا يمنعه من أكلهما؛ ولهذا لا يقام الحد على آكلهما، لأنه لم يحتج في الزجر عنهما إلى الحد، لا كالخمر فإن لها دواعي من النفس، وإذا كان كذلك فليس يتجاوز أحدٌ في أكل الميتة قدر التشبع عند الضرورة، ولا يتعدى الحلال الذي معه، فيأكلها تلذذًا من غير أن يَرِدَ بهذا نهي، وإن جاز ورود النهي تأكيدًا؛ فلهذين الوجهين: قلنا إن التأويل الأول أولى.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ الله غَفُوُرُ﴾ أي: للمعاصي، وفيه إشارة إلى أنه إذا كان يغفر المعصية فإنه لا يأخذُ بما جعل فيه الرخصة. ﴿رَحِيمٌ﴾ حيث رَخَّصَ للمضطر في أكل الميتة (٣).
(٢) في (ش): (تعاف وتستقذرهما).
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٥.
وقوله تعالى: ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ﴾ يجوز أن تعود الكناية إلى الكتمان، والفعل يدل على المصدر، ويحتمل أن تعود الكناية إلى ﴿مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾، ويجوز أن تعود إلى المكتوم مما أنزل الله (٢). ومعنى قوله: ﴿وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ كقوله: ﴿تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ [البقرة: ٤١]. وقد مرّ.
وقوله: ﴿مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ﴾ ذكر البطن هاهنا زيادة بيان؛ لأنه يقال: أكَلَ فلانٌ المال: إذا بَذَّرَه وأَفْسَدَه (٣).
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٤، وذكرها في "البحر المحيط" ١/ ٤٩١، واستظهر الثاني.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٩١ قال: أو كناية عن ملء البطن؛ لأنه يقال: فلان أكل في بطنه، وفلان أكل في بعض بطنه، أو لرفع توهم المجاز إذ يقال: أكل فلان ماله إذا بذره وإن لم يأكله.
وقوله: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. قال المفسرون: أي: لا يكلمهم كلاما ينفعهم ويسرهم، فأما التهديد والمناقشة فقد تكون.
وقيل: معناه: أنه يغضب عليهم؛ لأن ترك التكليم علامة الغضب.
وقيل: لا يرسل إليهم الملائكة بالتحية (٣).
﴿وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾: لا يطهرهم من دنس ذنوبهم، ولا يثني (٤) عليهم (٥).
١٧٥ - قوله تعالى: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ﴾ معنى الفاء هاهنا: الجواب لما تقدم، وذلك أن ما قبله من الكلام وهو قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٢.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٨، وعزاه لأهل التفسير، "تفسير الطبري" ٢/ ٩٠، وقد اختار الأول، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٥، "زاد المسير" ١/ ١٧٦. والقولان الأخيران فيهما عدول عن ظاهر اللفظ، وتأويل للصفة.
(٤) في (أ)، (م): (لا يثني).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٥، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٨، "زاد المسير" ١/ ١٥٣، وذكر ثلاثة أقوال: لا يثني عليهم، قاله الزجاج، ولا يزكي أعمالهم، قاله مقاتل، ولا يطهرهم من دنس كفرهم، قاله ابن جرير.
فأما المعنى: ففيه وجهان لأهل التأويل (١):
أحدهما: أن (ما) هاهنا تعجب (٢)، كقولهم: ما أحسن زيدًا. فما: رفع بالابتداء، وأحسن: فعل ماض، وهو خبر الابتداء، وفيه ضمير يرجع إلى ما وهو فاعل أحسن، وزيدًا (٣): نصب (٤) بأحسن، والتقدير: شيء أحسن هو زيدًا؛ وخُصَّتْ لفظة ما بالتعجب لإبهامها، وهي واقعة على الشيء الذي تتعجب منه، وذلك الشيء ليس مما يعقل (٥).
فإن قيل: قد قلتم: إن (ما) استعمل لإبهامها، فهلا استعمل (الشيء) إذ كان أبهم الأشياء؟
قيل: إن الشيء ربما يستعمل للتقليل، فلو قلت: شيء حسَّن زيدًا، لجاز أن يعتقد أنك تقلل المعنى الذي حسن زيدًا، وأيضًا: فإن الغالب في قولك: شيء حسّن زيدًا، أنه خبر عن معنى مستقر، وما يتعجب منه، فحقه أن يبهرك في الحال، فأما ما قد استقر وعرف فلا (٦) يجوز التعجب منه،
(٢) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٣٥٩، قال في "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤: والأظهر أنها تعجبية، وهو قول جمهور المفسرين.
(٣) في (أ): (نصبت).
(٤) في (أ): (نصبت).
(٥) "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤.
(٦) سقطت من (ش).
يا ما أُمَيْلح غزلانًا (٣) شدنّ (٤) لنا (٥)
وتصغيره لا يدل على أنه اسم، وذلك أن فعل التعجب قد لزم طريقةً واحدةً، فجرى في اللفظ مجرى الأسماء، فأدخلوا عليه التصغير تشبيهًا بالاسم، وليس يجب أن يكون الشيء إذا حمل على غيره لشبه بينهما أن يُخرج من جنسه، ألا ترى أن اسم الفاعل قد أُعمل عمل الفعل ولم يخرج من أن يكون اسمًا، وكذلك الفعل أعرب؛ لشبهه بالاسم ولم يخرجه ذلك من أن يكون فعلًا، فكذلك فعل التعجب وإن صُغِّر تشبيهًا بالاسم؛ لم يجب أن يكون اسمًا (٦). فقد بان بما ذكرنا أن قوله: ﴿فَمَا أَصْبَرَهُمْ﴾ إذا
(٢) مذهب البصريين أنه فعل، وأما الكوفيون فيرون أنه اسم. ينظر: "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤.
(٣) في (م): (عن). وفي (أ): (عزلانا).
(٤) في (م): (شدان).
(٥) تكملة البيت:
من هؤليائكن الضال والسمر
والبيت للمجنون في "ديوانه" ص ١٣٠، ونسب لآخرين.
(٦) ينظر في ما تقدم: "المقتضب" للمبرد ٤/ ١٧٥ وما بعدها.
قال ابن الأنباري: ويكون أصبر ههنا بمعنى: صبّر (١)، وكثيرًا ما يكون أفعل بمعنى فعّل، نحو: أكرم وكرّم، وخبّر وأخبر، فهذا الذي ذكرنا بيان معنى التعجب وفعله.
فأما التفسير على هذه الطريق: فقال المؤرّج: معناه: فما أصبرهم على عمل يؤديهم إلى النار (٢)، أو على عمل أهل النار (٣) وهو قول الكسائي وقطرب (٤).
وقال أحمد بن يحيى: الصبر معناه هاهنا (٥): الجرأة، أي: ما أجرأهم على أعمال أهل النار (٦).
وهذا قول الحسن (٧) وقتادة (٨) والربيع (٩).
(٢) الثعلبي ١/ ١٣٥٩، والحيري في "الكفاية" ١/ ١٠٩، والقرطبي ٢/ ٢١٨، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤.
(٣) سقطت من (أ)، (م).
(٤) عزاه إليهما الثعلبي ١/ ١٣٦٠، والحيري في "الكفاية" ١/ ١٠٩، والقرطبي في "تفسيره" ٢/ ٢١٨، وأبو حيان في "البحر المحيط" ١/ ٤٩٤، وهو قريب من قول المؤرخ كما بيّن أبو حيان، ونسبه في "زاد المسير" ١/ ١٧٦ إلى عكرمة والربيع.
(٥) في (م): (الصبر هاهنا معناه).
(٦) ونسبه في "زاد المسير" ١/ ١٧٦ إلى مجاهد.
(٧) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٥٩.
(٨) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٥٩.
(٩) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، وذكره الثعلبي ١/ ١٣٥٩.
قال أهل المعاني: وإنما جاز استعمال الصبر بمعنى الجرأة؛ لأن الصبر حبس النفس على الشدة، والجريء يصبِّر نفسه على الشدة، فلما كانت الجرأة تقتضي الصبر سميت به.
وقال السدي: هذا على وجه الاستهانة (٤) (٥)، وقد تقول في الكلام لمن تعرف ضعفه، تستخف به: ما أقواك على هذا الأمر!
وقيل: أراد ما أبقاهم في النار، وما أطول مكثهم فيها، كما يقال: ما أصبر فلانًا على الضرب والحبس، أي: ما أبقاه فيهما (٦).
قال عطاء عن ابن عباس: لم يرد أنهم حين دخلوا النار صبروا عليها،
(٢) في (م): (يقال).
(٣) بتصرف من "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٣، وهذا اختيار الطبري ٢/ ٩٢.
(٤) في (ش): (الاستهابة).
(٥) ذكره الثعلبي ١/ ١٣٦٠ولم ينسبه، وكذا القرطبي ٢/ ٢٣٦، وقد أخرج الطبري ٢/ ٩١، والثعلبي ١/ ١٣٦٠ عن السدي وعطاء وابن زيد وأبي بكر بن عياش نحوه.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٥، "تفسير السمرقندي" ١/ ١٧٨، الثعلبي في "تفسيره" ١/ ١٣٦٠، "زاد المسير" ١/ ١٧٦ - ١٧٧.
قال أصحاب المعاني: ومعنى التعجب من الله أنه يُعجِّب المخلوقين، ويدلُّنا على أنهم قد حلّوا محلّ من يتعجب منه (٢)، ولا يجوز على الله التعجب؛ لأنا قد ذكرنا أن التعجب إنما هو مما لا يعرف سببه، والله تعالى عالم لا يخفى عليه شيء (٣).
الوجه الثاني من التأويل: أن (ما) في هذه الآية استفهام يتضمن التوبيخ، معناه: ما الذي صبرهم؟، وأي شيء صبرهم على النار حين تركوا الحق واتبعوا الباطل؟ وهذا قول عطاء (٤) وابن زيد (٥)، وقد ذكرنا عن ابن
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٢، "زاد المسير" ١/ ١٧٦.
(٣) قد دلت النصوص على إثبات صفة التعجب لله، وعقيدة أهل السنة إثباتها كما جاءت دون تأويل، قال الله تعالى: ﴿بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ﴾، في قراءة ضم تاء الفاعل، وقوله - ﷺ -: "عجب ربنا من قنوط عباده وقرب غِيَره" رواه أحمد ٤/ ١١ - ١٢، وقال - ﷺ -: "يعجب ربك من شاب ليست له صبوة" رواه أحمد ٤/ ١٥١، وفيه ضعف، وقوله - ﷺ -: "عجب الله عز وجل من قوم بأيديهم السلاسل حتى يدخلوا الجنة" أخرجه البخاري (٣٠١٠) كتاب الجهاد والسير، باب: الأسارى في السلاسل وغيرها. وحقيقة التعجب: استغراب الشيء، ويكون ذلك لسببين: الأول: لخفاء الأمر على المستغرب المتعجب، وهذا مستحيل على الله؛ لأن الله عليم بكل شيء. والثاني: لخروج ذلك الشيء عن نظائره، وعما ينبغي أن يكون عليه، بدون قصور من المتعجب، وهذا ثابت لله عز وجل، وليس فيه نقص. ينظر: "شرح العقيدة الواسطية" للشيخ محمد العثيمين ٢/ ٤٤٦، "الأسماء والصفات" للبيهقي ٢/ ٤١٥.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، وذكره عنه الثعلبي.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٩١، ورواه أيضا عن أبي بكر بن عياش، وزاد نسبته في "زاد =
وقيل: معناه: أيُّ: شيء غرّهم من النار أنهم يصبرون عليها؟.
١٧٦ - قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى قوله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [البقرة: ١٧٤] معناه: ذلك العذاب لهم بأن الله نزل الكتاب بالحق فاختلفوا فيه، فأضمر: فاختلفوا فيه (١). و ﴿الْكِتَابَ﴾ هو التوراة، واختلافهم فيه: إيمانهم ببعض وكفرهم ببعض (٢). ويجوز أن يريد: القرآن، واختلافهم فيه (٣): قولهم: إنه كهانة، وسحر، ورجز، وأساطير الأولين (٤).
وقال بعضهم: معنى: ﴿ذَلِكَ﴾ أي: فعلهم الذي يفعلون من الكفر، والاجتراء على الله عز وجل من أجل أن الله نَزَّل الكتاب بالحق. وتنزيله الكتاب بالحق: هو إخباره عنهم بقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ﴾. إلى قوله ﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ [البقرة: ٦ - ٧] (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ﴾ أي: فآمنوا ببعض
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٥، "زاد المسير" ١/ ١٧٧، ابن أبي حاتم ١/ ٢٨٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٧ - ٧٨.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٣، ابن أبي حاتم ١/ ٢٨٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٨، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٥.
(٣) (فيه) سقطت من (ش).
(٤) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٨، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٥.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٢.
وقوله تعالى: ﴿لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ ذكرنا معنى (شقاق) عند قوله: ﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [البقرة: ١٣٧].
ومعنى ﴿لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾: لفي خلاف طويلٍ (٤)، ويقال: معناه: بعيدٍ عن الألفة بالاجتماع على الصواب (٥).
١٧٧ - قوله تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ﴾ قرئ (البرُّ) رفعًا ونصبًا (٦)، وكلتا القراءتين حَسَن؛ لأن اسم ليس وخبرها، اجتمعا في التعريف، فتكافآ في كون أحدهما اسمًا، والآخر خبرًا، كما يتكافأ النكرتان. وحجة من رفع (البر): أن اسم ﴿لَيْسَ﴾ مشبهة بالفاعل وخبرها بالمفعول، والفاعل أن يلي الفعل أولى من المفعول، كما تقول: قام زيد، فيلي الاسم الفعل، وإذا
(٢) ينظر: "زاد المسير" ١/ ١٧٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٥.
(٣) ينظر: ٣/ ٤٣١ - ٤٣٢.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي"، "زاد المسير" ١/ ١٧٧، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٨، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٦.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٨٧، "زاد المسير" ١/ ١٧٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٩٦.
(٦) قرأ حمزة وحفص: بالنصب، وقرأ الباقون: بالرفع. ينظر: "النشر" ٢/ ٢٢٦.
ومن نصب البر، ذهب إلى أن بعض النحويين قال: أَنْ مع صلتها أولى أن تكون اسم ليس؛ لشبهها بالمضمر، في أنها لا توصف كما لا يوصف المضمر، وكان هاهنا اجتمع مُضْمَرٌ ومظهر، والأولى إذا اجتمعا أن يكون المُضْمَرُ الاسم، من حيث كان أذهب في الاختصاص من المظهر، فكذلك إذا اجتمع (أن) مع مظهر غيره كان أن يكون (أن) (٢) الاسم، والمظهرُ الخبرُ أولى (٣)، وعلى هذا قرئ في التنزيل قوله: ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (١٧)﴾ [الحشر: ١٧]. وقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ [الأعراف: ٨٢] ﴿مَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا﴾ [الجاثية: ٢٥]، والاختيار رفع البر؛ لأنه روي عن ابن مسعود أنه قرأ: ليس البرُّ بأن (٤)، والباء تدخل في خبر ليس.
واختلف المفسرون في هذه الآية على وجهين: فقال قتادةُ (٥) والربيع (٦) ومقاتل (٧): عنى الله بهذه الآية: اليهود والنصارى، وذلك أن
(٢) (أن) ليست في (ش).
(٣) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٧١، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج.
(٤) رواه الثعلبي بسنده عن عبد الله، وأبي بن كعب. وينظر: "معاني القرآن" للفراء، "المحرر الوجيز" ٢/ ٧٨، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٢٠، ونسب القراءة لأبي بن كعب أيضًا، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢.
(٥) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٦٦، والطبري ٢/ ٩٤.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٩٥ واختاره، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٨٧.
(٧) لعل المراد به هنا مقاتل بن حيان، كما هو عند الثعلبي، وقد روى عنه ابن أبي حاتم ١/ ٢٨٧ ما يوافق القول الثاني.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ ﴿الْبِرَّ﴾ مصدر، ولا يخبر عن المصادر بالأسماء ومَنْ اسم. واختلف النحويون وأهل المعاني في وجهه. وقال أبو عبيدة: البر، هاهنا، بمعنى: البار (٧)، والفاعل قد يسمى بالمصدر، كما يسمى المفعول به، ومنه قوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ
(٢) السابق.
(٣) السابق.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٧٨، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢.
(٥) في (م): (جهة).
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٩٤ عن قتادة، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣١٠ إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٠ - ١٤١.
(٧) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٥، و"تفسير الطبري" ٢/ ٩٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧.
وقالت الخنساء:
فإنما هي إقبال وإدبار (١)
أي: مقبلة ومدبرة.
وقال آخر:
هَرِيقي مِنْ دمُوعهما سِجاما | ضُباعَ وجَاوبِي نَوْحًا قيامًا (٢) (٣) |
وحكى الزجَّاجُ أن معناه: ذا البر، فحذف (٤)، كقوله: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ١٦٣]، أي: ذوو درجات (٥).
وقال قطرب (٦) والفراء (٧): معناه: ولكن البرَّ برُّ من آمن، فحذف المضاف، وهو كثير في الكلام، كقوله: ﴿وَأُشرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ اَلعِجلَ﴾
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت
والبيت في "ديوان الخنساء" ص ٣٨٣، "الشعر والشعراء" ص ٢١٥.
(٢) في (م): (سقاقًا.. حاوي)، وفي (ش): (صباع.. وجاوني).
(٣) البيت في "مجاز القرآن" ١/ ٤٠٤ بلا نسبة، بل قال: وقال باكٍ يبكي هشامَ بن المُغيرة. والطبري ١٥/ ٢٤٩، والقرطبي ١٠/ ٤٠٩، و"شرح أبيات سيبويه" ١/ ٩٤، ٣٥٤.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٦٥.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٨، "البيان في إعراب القرآن" لأبي البركات الأنباري ١/ ١٣٩.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٨، "البحر المحيط" ٢/ ٣، قال: وعلى هذا خرجه سيبويه. ينظر: "الكتاب" لسيبويه ١/ ٢١٢، وهو اختيار الطبري في "تفسيره" ٢/ ٩٥.
(٧) "معاني القرآن" للفراء. ١/ ١٠٥.
وقال النابغة:
وكيف تواصل من أصبحت | خِلالتُه كأبي مرحب (١) |
لَعَمْرُك ما الفتيان أن تَنْبُتَ اللّحى | ولكنما الفتيانُ كلُّ فَتًى نَدِيّ (٤) |
(٢) سقطت من (ش).
(٣) سقطت من (ش).
(٤) قال البغدادي في شرح أبيات "مغني اللبيب": البيت ملفق من مصراعين من أبيات لابن بيض، وهي:
لعمرك ما الفتيان أن تنبت اللحى | وتعظم أبدان الرجال من الهبر |
ولكنما الفتيان كل فتى ندي | صبور على الآفات في العسرِ واليُسْرِ |
(٥) "معاني القرآن" ١/ ١٠٤ - ١٠٥ للفراء بمعناه.
قال أبو علي: ومثل هذه الآية قوله: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ﴾. ثم قال: ﴿كَمَنْ آمَنَ﴾ [التوبة: ١٩]، وهذا على: أجعلتم أهل سقاية حاج كمن آمن أو أجعلتم سقاية الحاج (٢) كإيمان من آمن، ليقع التمثيل بين حَدَثَيْن، أو بين فَاعِلَيْن، إذ لا يقع التمثيل بين (٣) حدث وفاعل (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَالْكِتَابِ﴾ يريد: الكُتُب، قاله ابن عباس (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ الأكثرون (٦) على أن الكناية في الحب راجعة إلى المال، والتقدير (٧): وآتى المال على حب (٨) المال،
(٢) الجملة من قوله: (ثم قال..) سقطت من (ش).
(٣) في (م): (من).
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" للرازي ٥/ ٣٩.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩، وقال الزمخشري في "الكشاف" ١/ ١٠٩: والكتاب: جنس كتب الله، أو القرآن. ينظر: "تفسير الرازي" ٥/ ٣٧.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٥، ٩٦، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٨٨، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٠، "البحر المحيط" ٢/ ٥، وقال: لأنه أقرب مذكور، ومن قواعد النحويين أن الضمير لا يعود على غير الأقرب إلا بدليل.
(٧) سقطت من (ش).
(٨) في (ش): (حبه).
قال ابن عباس (١) وابنُ مسعود (٢): هو أن تؤتيه وأنت صحيح شحيح. وهذا التفسير يقوي رجوع الكناية إلى المال.
وقال ابن الأنباري: يجوز أن تكون الهاء عائدة على ﴿مَنْ﴾ في
قوله: ﴿مَنْ آمَنَ﴾ فيكون المصدر مضافًا إلى الفاعل، وتُرِكَ ذكرُ المفعول معه، لانكشاف المعنى.
قال: ويجوزُ أن يعودَ إلى الإيتاء، أي: على حُب الإيتاء، (وآتى) يدل على الإيتاء؛ لأن الفعل يدل على المصدر، كقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا﴾ [آل عمران: ١٨٠]، أي: البخل، كنى عنه؛ لأن (يبخلون) يدل عليه، ومثله قولُ القَطَامي:
هُمُ الملوكُ وأبناءُ المُلوكِ هُمُ | والآخذون به والسَّاسَةُ الأُوَلُ (٣) |
(٢) رواه عنه ابن المبارك في "الزهد" ص ٨، وعبد الرزاق في "المصنف" ٩/ ٥٥، وسعيد بن منصور ٢/ ٦٤٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٩٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٨٨، وبمعنى هذا: حديث أبي هريرة مرفوعًا، رواه البخاري (١٤١٩) كتاب الزكاة، باب: أي الصدقة أفضل، ومسلم (١٠٣٢) كتاب الزكاة، باب: بيان أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح.
(٣) البيت من البسيط، وهو بهذه الصيغة للنابغة في "ديوانه" ص ٧٥، "لسان العرب" ١/ ١١٩مادة (ألا).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٤ - ١٠٥.
إذا نُهي السفيهُ جرى إليه | وخَالف والسفيهُ إلى خلاف (١) |
وقوله تعالى: ﴿وَابْنَ اَلسَّبِيلِ﴾ قال مجاهد: هو المنقطع من أهله يَمُرُّ عليك (٣).
وقال قتادة: هو الضيفُ ينزل بالرجل (٤).
قال أهل المعاني: كل مسافر من حاجٍّ وغازٍ وغيرهما، فهو ابن السبيل؛ لملازمته الطريق، وكل من لزم شيئا نسب إليه، فيقال للشجعان: بنو الحروب، وللناس: بنو الزمان؛ لأنهم لا يَنْفَكُّون منه، ولطيرِ الماءِ: ابنُ الماء، وهو كثير (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَفِى اَلرِّقَابِ﴾ قال ابن عباس: يريد المكاتبين (٦)، ويكون التقدير: وفي غزو الرقاب.
(٢) "تفسير الثعلبي"، ٢/ ١٥٠ "المحرر الوجيز" ٢/ ٨١، "زاد المسير" ١/ ١٧٧، "البحر المحيط" ٢/ ٥، وقال عن هذا القول: إنه بعيد من حيث اللفظ، ومن حيث المعنى، أما من حيث اللفظ: فإنه يعود على غير مصرح به، وعلى أبعد من المال، وأما المعنى: فلأن من فعل شيئًا وهو يحب أن يفعله لا يكاد يمدح على ذلك؛ لأن في فعله ذلك هوى نفسه ومرادها.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٩٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٩٠، وروى مثله عن قتادة.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٩٧، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٢٨٩، وأسنده عن ابن عباس، قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٨١: والأول أعم.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٩٧، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨١.
(٦) عزاه إليه ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ١٧٨، قال وهو مروي عن علي=
وقوله تعالى: ﴿وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا﴾ قال المفسرون: أراد: فيما بينهم وبين الله، وبينهم وبين الناس، إذا وعدوا أنجزوا، وإذا حَلَفُوا ونَذَروا وَفَّوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا ائتمنوا أدَّوا (٣).
ارتفع قوله: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾ بالعطف على محل (مَنْ) في قوله: {مَنْ
(١) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٢٤٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨١، "الكشاف" ١/ ١٠٩، وقال في "زاد المسير" ١/ ١٧٩: رواه مجاهد عن ابن عباس، وبه قال مالك بن أنس وأبو عبيد وأبو ثور، وعنه كالقولين.
(٢) ينظر في الرقاب: "المفردات" ص ٢٠٦، "اللسان" ٣/ ١٧٠١ (رقب)، والكلام بنصه عند الرازي في "تفسيره" ٥/ ٤٢.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٦، وينظر: "تفسير الرازي" ٥/ ٤٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٢٥.
وقوله تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ قال الكسائي: هو معطوف على ذوي القُربى، كأنه: وآتى المال على حبه ذوي القربي والصابرين (٢).
قال النحويون: إذا عطفت قوله: (والموفون) على الموصول وهو قوله: (من) لا يجوز أن يكون (الصابرين) مِنْ صلة (مَنْ) وقوله: (وآتى المال)، مِنْ صلة (مَنْ)، فإذا نصبت الصابرين بقوله: ﴿وَآتَى الْمَالَ﴾، على ما ذكره الكسائي فقد جعلت ﴿وَالْصَّابِرِينَ﴾ من تمام الصلة، ولا يجوز هذا؛ لأنك قطعت ذلك الكلام بالعطف على (مَنْ)، حيث عطفت عليه قوله: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾، ولا يجوز العطف على الموصول حتى ينقضي بصلته، كما لا يؤكد ولا يوصف إلا بعد انقضائه بجميع صلته؛ لأن الموصول مع الصلة بمنزلة اسم واحد، ومحالٌ أن يوصف الاسم، أو يؤكد، أو يعطف عليه،
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٧، قال: وإنما امتنع من مذهب المدح -يعني الكسائي- الذي فسرت لك؛ لأنه قال: لا ينصب الممدوح إلا عند تمام الكلام، ولم يتمم الكلام في سورة النساء، ألا ترى أنك حين قلت: (لكن الراسخون في العلم منهم) - إلى قوله: (والمقيمين والمؤتون)، كأنك منتظر لخبره، وخبره في قوله: (أولئك سنؤتيهم أجراً عظيماً). والكلام أكثره على ما وصف الكسائي، ولكن العرب إذا تطاولت الصفة جعلوا الكلام في الناقص والتام كالواحد وينظر أيضا: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٣١، وقال: وهذا القول خطأ بين.
واذا كان قوله: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾ عطفا على الموصول؛ لأن قولَه: ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ على هذا من تمام الموصول، فلا يجوز الفصل بينه وبين الموصول بالمعطوف على الموصول، ألا ترى أنه لا يجوز أن تقول: مررت بالضاربين وقوم زيدًا، حتى تقدم زيدًا على القوم، وكذلك سبيل التأكيد والصفة، لو قلت: أعجبني كلامُكَ كلُّه زيدًا، أو أعجبني كلامُك الحسن زيدًا، لم يجز؛ لوصفك الاسم وتأكيدك قبل تمامه بما في صلته.
وإن جعلت قوله: ﴿وَالْمُوفُونَ﴾ رفعًا على المدح على ما ذكرنا، لم يصح أيضا قول الكسائي؛ لأن الفصل بين الصلة والموصول يقع به إذا كان مدحًا، كما يقع إذا كان معطوفًا على الموصول، بل الفصل بينهما بالمدح أشنع؛ لكون المدح جملة، والجمل ينبغي أن تكون في الفصل أشنع بحسب زيادتها على المفرد (١).
فإن قيل: أليس جاز الفصلُ بين المبتدأ والخبر بالجملة، كقول القائل: إن زيدًا -فافهم ما أقول- رجلُ صدقٍ، وكقوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: ٣٠]. ثم قال: ﴿أُولَئِكَ﴾ ففصل بين المبتدأ والخبر بقوله: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ﴾؟ قيل: ليس الصلة مع الموصول كالمبتدأ مع الخبر؛ لأن اتصال كل واحد منهما بالآخر أشد من اتصال المبتدأ وخبره، لأن مجراهما مجرى حروف الاسم
فأما (٣) قول الشاعر:
ذاك الذي وأبيك يَعرِف مالكٌ | والحقُّ يَدفَع تُرَّهاتِ الباطلِ (٤) |
فالقسم مما (٥) قد اتسع بالفصل فيه؛ لكثرته، ويقع مواقع لم يقع غيره، فلا يلزم إذا اتسع فيه ففصل به أن يفصل بغيره. ألا ترى أنهم اتسعوا في الفصل بالظرف، ففصلوا به بين إن واسمها، وليس يوجب فصلهم بذلك
(٢) ذكر هذا بمعناه الرازي في "تفسيره" ٥/ ٤٤.
(٣) في (ش): (وأما).
(٤) البيت لجرير في "ديوانه" ص٥٨٠، "لسان العرب" ١/ ٤٣١ (تره).
(٥) في (م): (ما).
والوجه في نصب ﴿وَالصَّابِرِينَ﴾ قولُ الفراء، وهو أنه ذهب به إلى المدح، وإن كان مِنْ صفة ﴿مَنْ﴾، والعرب تعترض في صفات الواحد إذا تطاولت بالمدح أو الذم، فينصبون بعض المدح، وإن كان الاسم رفعًا، كأنهم ينوون إخراج المنصوب بمدح مجدد غير متبع لأول الكلام، من ذلك قولُ الشاعر:
لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ | سَمُّ العُداةِ وآفةُ الجُزْر |
النازلينَ بكلِّ مُعْتَرَكٍ | والطيبين معاقِدَ الأزْرِ (٢) |
وأنشد أيضا:
إلى الملك القَرْمِ وابنِ الهمام | وليثَ الكتيبةِ في المُزْدَحمْ (٣) |
(٢) البيتان لخرنق بنت بدر بن هفَّان، ترثي زوجها ومن قتل معه، في "ديوانها" ص ٤٣، "معاني القرآن" للفراء، "لسان العرب" ٧/ ٤٤٥٤ (نضر). وفي "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٦٤، لكن قال: (والطيبون) قال الفراء: وربما رفعوا (النازلون) (الطيبون)، وربما نصبوهما على المدح، والرفع على أن يُتْبَعَ آخرُ الكلام أوّلَه.
(٣) البيت بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٥، "الإنصاف" ص ٣٧٦، "الخزانة" ١/ ٢١٦. والقَرْم: السيد المعظم.
وقال أبو علي مختارًا هذا القول: الأحسن عندي في هذه الأوصاف التي تعطف وتذكر للرفع من موصوفها والمدح أو النقص منهم والذم: أن يخالف (٢) بإعرابها، ولا يجعل كلها جارية على موصوفيها؛ لأن هذه المواضع من مواضع الإطناب في الوصف، والإبلاغ في القول، فإذا خُولِفَ بإعراب الأوصاف كان أشدَ وأوقعَ فيما يعني لضرورةِ الكلام، وكونه بذلك ضروبًا وجملًا (٣)، وكونه في الإجراء على الأول وجهًا واحدًا وجملةً واحدة (٤). ونص سيبويه في قوله: ﴿وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ﴾ [النساء: ١٦٢]، أنه نصبٌ على المدح. انتهى كلامه (٥).
ومعنى المدحِ والذمِّ في النحو: أن العربَ لما أطنبت في وصفٍ بمدح أو ذم سلكت طرقًا، وأتت بأوصاف كثيرة، فلذلك خالفت بإعراب الأوصاف، تنويهًا بالموصوف وتنبيهًا على المراد، كأنهم ظنوا أنهم لو أجروا الأوصافَ على نحوٍ واحدٍ، كانوا قد أَتوا بوصفٍ واحدٍ. وأما علة اختلاف الحركة في المدح والذم: فقال الفراء: أصل المدح والذم من كلام السامع، وذلك أن الرجل إذا أخبر الرجل، فقال له: قام زيد، أثنى السامع عليه، فقال: ذكرت والله الظريف، ذكرت العاقل، وهو والله الظريف، هو العاقل، فأراد المتكلم أن يمدحه بمثل ما مدحه به السامع،
(٢) في (ش): (لا تخالف).
(٣) في (م): (وحولًا).
(٤) نقله عنه الرازي في "تفسيره" ٥/ ٤٥، ونقله في "البحر المحيط" ٢/ ٧ - ٨.
(٥) "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٦٣ - ٦٥.
وقال الخليل: المدح والذم ينصبان على معنى: أعني الظريفَ (٢).
وأنكر الفراء هذا القول (٣)، وقال: (أعني) إنما تقع تفسيرًا للاسم المجهول، والمدح يأتي بعد المعروف، ولو اطرد لنا إضمار (أعني) لأجزنا (٤): قام زيدٌ أخاك، على معنى: أعني أخاك، وهذا لا يقوله (٥) العرب أصلًا (٦). قال: والذم بمنزلة المدح، يقال: مررت بزيدٍ الخبيثِ، والخبيثَ، ومن هذا: قوله عز وجل ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ [المسد: ٤]. وقد تدخل الواو على المنصوب على المدح والذم ويكون (٧) نكرةً، فيقال: مررت برجل ينصفُ من يُناظرهُ، وعاقلًا لبيبًا عالمًا، قال الشاعر:
ويأوي إلى نسوة عُطَّلٍ | وشُعثًا مراضيعَ مثل السَّعَالِي (٨) |
(٢) نقله الرازي في "تفسيره" ٥/ ٤٥.
(٣) ليست في (أ)، (م).
(٤) في (ش): (لأجرينا).
(٥) في (ش): (بالتاء وفيهما).
(٦) نقله الرازي في "تفسيره" ٥/ ٤٥.
(٧) في (ش): (بالتاء).
(٨) البيت، وهو لأمية بن أبي عائذ الهذلي، في "شرح أشعار الهذليين" ٢/ ٥٠٧، ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٠٨ولم ينسبه، وفي "لسان العرب" ٣/ ١٦٦١ (رضع). ويروى: وشعث على النعت كما ذكر الفراء. وهذا البيت في وصف صائد وإعساره. وعطل: هن اللواتي لاحلي عليهن، وشعث: جمع شعثاء، وشعثها من قلة التعهد بالدهن والنظافة. والسعالي: ضرب من الغيلان، الواحد: سعلاة.
إلى الملك القرم وابن الهمام | وليثَ الكتيبة في المزدحم (١) |
وقوله تعالى: ﴿فِي الْبَأْسَاءِ﴾ قال ابن عباس: يريد الفقر، وهو اسم من البؤس. (والضراء) قال: يريد المرض (٢). وهما اسمان على فعلاء ولا أَفْعل لهما؛ لأنهما ليسا بنعتين (٣).
(وحين البأس) قال ابن عباس: يريد القتال في سبيل الله والجهاد (٤). ومعنى البأس في اللغة: الشدة، يقال: لا بأس عليكم في هذا، أي: لا شدة ولا حرج، ﴿بِعَذَابٍ بَئِيسٍ﴾ [الأعراف: ١٦٥]، شديد، ثم تسمى الحرب بأساء لما فيها من الشدة، والعذاب يسمى بأسًا لشدته، قال الله: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا﴾ [غافر: ٨٤] وقال: ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ [الأنبياء: ١٢] وقال: ﴿فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ﴾ [غافر: ٢٩] كل هذا معناه: العذاب (٥).
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ أي: أهل هذه الأوصاف هم الذين صدقوا في إيمانهم (٦). وهذه الواوات في الأوصاف في هذه الآية
(٢) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٩١، ورواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٩٩، عن ابن مسعود والربيع وقتادة والضحاك وابن جريج.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٠، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٠، "التفسير الكبير" للرازي ٥/ ٤٥.
(٤) رواه الطبري ٢/ ١٠١، وابن أبي حاتم ١/ ٢٩٢ عن ابن مسعود ومجاهد وقتادة والربيع والضحاك وسعيد بن جبير والحسن وأبي العالية ومرة ومقاتل بن حيان.
(٥) ينظر في معاني البأس: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٥٥ (بأس)، "المفردات" ص ٧٥، "التفسير الكبير" ٥/ ٤٥.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٠١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٢.
إلى الملك القرم......... (١)
البيت الذي أنشدناه آنفًا، دخلت الواو في هذه الأوصاف وهي لموصوف واحد. ولهذه النكتة اختلف السلف في هذه الآية، فقال بعضهم: هذه الصفة خاصة بالأنبياء؛ لأن غيرهم لا تجتمع فيه هذه الأوصاف كلها، وقال بعضهم: هذه عامة في جميع المؤمنين (٢).
١٧٨ - وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾، كُتِبَ هاهنا، بمعنى: فُرض وأُوجب، كقوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ [البقرة: ١٨٠]. وأصله: أن من أراد إحكام شيء والاستيثاق منه كَتَبَه؛ لئلا ينساه، فقيل في كل مفروضٍ واجب: كتب، بمعنى: أحكم ذلك. وقيل: أصلُه: ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، ومن هذا قوله: ﴿كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ [المجادلة: ٢١]، أي: قضى الله ذُلك، وفَرَغَ منه، وحَكَم به، ومثله قوله: ﴿وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ﴾ [الحشر: ٣]، أي: حكم بإخراجهم من دورهم، وقوله: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: ٥١]، وقوله: {لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ
(٢) نقله بتمامه الرازي في "تفسيره" ٥/ ٤٥ وصرح فيه بالنقل عن الواحدي.
ويكون (كتب) بمعنى (١): جعل، كقوله: ﴿أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ [المجادلة: ٢٢]، وقوله: ﴿فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ﴾ [المائدة: ٨٣] وقوله: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٦] (٢).
وقوله تعالى: ﴿القِصَاصُ﴾ معنى القصاص في اللغة: المماثلة والمساواة، وأصله من قولهم: قصصت أثره، إذا تتبعته (٣)، ومنه قوله تعالى: ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ﴾ [القصص: ١١]، فكأن المفعول به يتبع ما عُمِلَ به فَيَعْمَلُ مثله (٤). والقِصَاص مصدرة لأنه فعال من المفاعلة.
قال الفراء في كتاب المصادر: قاصَصْته قَصَصا، وأَقْصَصْتُه: إذا أقدته من أخيه إِقْصَاصًا، ويقال: قَصَصْتُ أثره قَصصًا وقَصًّا، وقَصصْتُ عليه الحديثَ قَصَصًا، قال الله تعالى: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ﴾ [يوسف: ٣].
وقال في قَصِّ الأثر: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا﴾ [الكهف: ٦٤] والقَصُّ جائز في هذين. هذا كلامه. وأراد بالقصاص هاهنا: المماثلة في النفوس والجروح.
(٢) ينظر في معنى (كتب): "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٢، ١٠٣، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٣، "المفردات" ص ٤٢٥ - ٤٢٧، "البحر المحيط" ٢/ ٧ - ٨، قال الراغب: ويعبر عن الإثبات والتقدير والإيجاب والفرض والعزم، بالكتابة، ووجه ذلك: أن الشيء يراد، ثم يقال، ثم يكتب، فالإرادة مبدأ، والكتابة منتهى، ثم يعبر عن المراد الذي هو المبدأ إذا أريد توكيده بالكتابة التي هي المنتهى.
(٣) في (م): (تبعته).
(٤) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٧٦.
وقال الليث: القصاص والتقاص (٢) في الجراحات والحقوق شيء بشيء (٣)، وهذا يبين ان معنى القصاص اعتبار المماثلة والمساواة (٤). وليس معنى الآية أن القصاص واجب علينا حتى لا يسعنا تركه، ولكن معناه: أن اعتبار المماثلة بين القتلى فرضٌ علينا، فالفَرْضِية ترجع إلى اعتبار المماثلة بين (٥) الدماء، لا إلى نفس القصاص، حتى يلزم قتْلُ القاتلِ حتمًا، فالقصاص حيث يجب إنما يجب إذا وُجِدَتْ المساواة، وهذا يؤكدُ أنَ القولَ في اشتقاق القِصَاص في اللغة إنما هو من الاتباع، لا من القطع كما قاله الأزهري؛ لأنه لو كان من القطع لوجب القصاص حتى لا يسعنا تركه (٦).
(٢) في (ش): (والتقصاص).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٧٦، "لسان العرب" ٦/ ٣٦٥٢ (قصّ).
(٤) ينظر في معنى القصاص "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٢ - ١٠٣، "اللسان" ٦/ ٣٦٥٢ (قصّ).
(٥) في (أ)، (م): (من).
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٢، ١٠٦، "زاد المسير" ١/ ١٨٠، "التفسير الكبير" ٥/ ٤٨، قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٣: وصورة فرض القصاص هو =
قال المفسرون: نزلت الآية في حَيَّيْنِ من العَرَبِ، لأَحَدِهِما طَولٌ على الآخر، فكانوا يتزوجون نسائهم بغير مهور، فقتلَ الأوضعُ منهما من الشريف قتلى، فحلف الشريف لَيَقْتُلَن الحرَّ بالعبد، والذكرَ بالأنثى. وليضاعفن الجراح، فأنزل الله هذه الآية، ليعلم أن الحر المسلم، كفء للحر المسلم، وكذلك العبد للعبد، والذكر للذكر، والأنثى للأنثى (٤).
(١) في (ش): (يقتص).
(٢) في (م): (نقيض).
(٣) ينظر في معاني الحر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٨٠ - ٧٨٣، "اللسان" ٢/ ٨٢٧ - ٨٣٢.
(٤) ينظر في سبب النزول "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٣، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٨، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٣ - ٨٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٥، "أسباب النزول" للواحدي ص ٥٢ - ٥٣، "زاد المسير" ١/ ١٨٠، "العجاب" لابن حجر ١/ ٤٢٣ - ٤٢٦، "لباب النقول" للسيوطي ص ٣٢ - ٣٣، وقد استطرد الطبري -رحمه الله- في ذكر أسباب نزول للآية، وكلها تدور حول هذا المعنى الذي ذكره الواحدي.
قال الفراء: هذه الآية منسوخة بقوله: ﴿وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] (٤) وكان عنده هذه الآية تدل على أن الرجل إنما يُقتل بالذَّكَر ولا يُقتل بالأنثى؛ لأنه قال: ﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى﴾ فلما لم يعمل بهذا وعمل بقوله: ﴿اَلنَّفسَ بِالنَّفسِ﴾ جعل هذه الآية منسوخة، والصحيح أن هذه الآية غير منسوخة؛ لأن حُكْمَ الآية ثابتٌ، ولم تدلَّ على أن الذكرَ لا يقتل بالأنثى (٥).
(٢) في (م): (لم).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٧، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٥، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ١/ ٤٤، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٦٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٢٧، "البحر المحيط" ٢/ ١١ وقد حكى هؤلاء الثلاثة الإجماع على ما ذكره المؤلف. "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٨٩.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٠٩.
(٥) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٢٧، قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٤ - ٨٥: روي عن ابن عباس أن الآية نزلت مقتضية أن لا يقتل الرجل بالمرأة، ولا المرأة بالرجل، ولا يدخل صنف على صنف، ثم نسخت بآية المائدة: (أن النفس بالنفس)، قال القاضي أبو محمد (ابن عطية): هكذا روي، وآية المائدة إنما هي إخبار عما كتب على بني إسرائيل، فلا يترتب النسخ إلا بما تلقي عن رسول الله - ﷺ - من أن حكمنا في شرعنا مثل حكمهم، وروي عن ابن عباس فيما ذكر أبو=
وقوله تعالى: ﴿مِنْ أَخِيهِ﴾ أراد: من دم أخيه، فحذف المضاف للعلم به (٣)، وأراد بالأخ: المقتول، سماه أخًا للقاتل، فدل أن أخوة الإسلام بينهما لا تنقطع، وأن القاتل لم يخرج عن الإيمان بقتله (٤) (٥).
وفي قوله: (شيء) دليل على أن بعض الأولياء إذا عَفَا سَقَطَ القود؛ لأن شيئًا من الدمِ قد بطل بعفو البعض (٦)، والله تعالى قال: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾، والكنايتان في قوله: ﴿لَهُ﴾ و ﴿أَخِيهِ﴾ ترجعان إلى (مَنْ) وهو القاتل (٧)، ولا يحتاج أن يقال: أخيه المقتول؛ لأن هذا الحكم لا
(١) الأرش: ما يأخذه المشتري من البائع إذا اطلع على عيب في المبيع، وأروش الجنايات والجراحات من ذلك، لأنها جابرة لها عما حصل فيها من النقص، وسمي أرشا؛ لأنه من أسباب النزل، يقال: أرَّشت بين القوم إذا أوقعت بينهم. "النهاية" ص ٣٣.
(٢) وهو قول ابن عباس ومجاهد وعطاء والشعبي وقتادة والربيع وغيرهم. ينظر: "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٦٦، "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٩٥، "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٨١.
(٣) "البحر المحيط" ١/ ١٢.
(٤) في (ش): (بقلبه).
(٥) "البحر المحيط"١/ ١٢، "التفسير الكبير" ٥/ ٥٤، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٨.
(٦) "البحر المحيط"١/ ١٣، "التفسير الكبير" ٥/ ٥٤.
(٧) "تفسير البغوي" ١/ ١٩١.
هذا الذي ذكرنا من معنى قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ﴾ هو الذي عليه عامة المفسرين وأهل المعاني وإن لم (١) يبينوا هذا البيان. (٢)
وقال الأزهري: هذه الآية فيها إشكال، وقد فسرها ابن عباس وغيرُه من المفسرين على جهة التقريب وقدر أفهام من شاهدهم من أهل عصرهم. وأهلُ عصرنا لا يكادون يفهمون عنهم ما أومأوا إليه حتى يزاد في البيان، ويوضح بعض الإيضاح، ونسأل الله التوفيق.
حدثنا محمد بن إسحاق، ثنا المخزومي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار (٣) عن مجاهد قال: سمعت ابن عباس يقول: كان القِصَاصُ في بني إسرائيل ولم تكن الدية، فقال الله لهذه الأمة: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ إلى قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ﴾ قال: فالعفو أن تقبل الدية في العمد (٤).
قال الأزهري: وليس العفو في قوله: ﴿فَمَنْ عُفِيَ لَهُ﴾ عفوًا من ولي (٥)
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٨، "تفسير البغوي" ١/ ١٩١، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٦٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٨، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣٤، وذكر خمس تأويلات للآية، وقال: هذا قول ابن عباس وقتادة ومجاهد وجماعة من العلماء.
(٣) هو: أبو محمد عمرو بن دينار المَكِّي الأثرم الجمحي مولاهم، تابعي إمام حافظ ثقةٌ ثبت، توفي سنة ١٢٦هـ ينظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ٢٣١، "التقريب" ص ٤٢١ (٥٠٢٤).
(٤) الحديث: أخرجه البخاري (٤٤٩٨) كتاب التفسير، باب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾، والطبري في "تفسيره" ٢/ ١٠٧، كلاهما بهذا الإسناد.
(٥) في (ش): (ولا).
ولقد أعجب بقوله، وزلّ (٤) فيما تكلف، وليس الأمر على ما ذكر، فإن (٥) قوله ﴿فَمَنْ عُفِيَ﴾ عفو من ولي الدم بإباحة الله تعالى ذلك، ولو
(٢) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٨٣ (عاض).
(٣) في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٨٣ (بمعناه).
(٤) في (م): (وزاد).
(٥) في (م): (ما ذكرنا وقوله).
وقوله: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ على معنى: فعليه اتباع بالمعروف، ولو كان في غير القرآن لجاز: فاتباعًا وأداءً على معنى: فليتبع اتباعًا، وليؤد أداءً (٥). قال الفراء: وهو بمنزلة الأمر في الظاهر، كما تقول: من لقي العدو فصبرًا واحتسابًا، فهذا نصب (٦)، ورفعه جائز، على معنى: فعليه. ومثله في القرآن كثير، كقوله: ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ﴿فَتَحرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [النساء: ٩٢]، ﴿فَإمسَاكُ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: ٢٢٩]، وليس شيء من هذا إلا ونصبه جائز على أن توقع عليه الأمر. ومما جاء منصوبًا قوله:
(٢) في (م): (العفو).
(٣) ليست في (م).
(٤) ليست في (ش).
(٥) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٩، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١١٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٢.
(٦) في (م): (نصبه).
وقال بعضهم: قوله: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ﴾ خبر مبتدأ محذوف، والمعنى: فالأمر اتباعٌ بالمعروف، أو فالحكم فيه اتباع بالمعروف (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَأَدَاءٌ﴾ الأداء: اسم، من قولك: أدَّيْتُ إليه المال، وقد ينوب عن المصدر فيقال: أدّيت أداءً، كما يقال: سَلَّمْتُ
(٢) في (أ)، (م): (التشدد).
(٣) بياض في (م).
(٤) في (ش): (اتباع).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٠٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٩.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٠٩.
(٧) وهذا اختيار الطبري في "تفسيره" ٢/ ١١٠، وينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٤٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٨٩، وقال: فاتباع رفع على خبر ابتداء مضمر، تقديره: فالواجب والحكم اتباع، وهذا سبيل الواجبات، كقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ﴾، وأما المندوب إليه فيأتي منصوبًا، كقوله تعالى: ﴿فَضَربَ الرِقَابِ﴾ [محمد: ٤]، قال في "البحر المحيط" ٢/ ١٤: ولا أدري هذه التفرقة بين الواجب والمندوب إلا ما ذكروا من أن الجملة الابتدائية أثبت وآكد من الجملة الفعلية في مثل قوله: ﴿قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ [هود: ٦٩].
وقوله: ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ قال ابن عباس، في رواية عطاء (٣): يريد: أن يؤديَ الدية في نجومها، ولا يَمْطُلَه، ولا يذهبَ بشيء (٤) منها، هذا هو الإحسان.
قال المفسرون: إن الله تعالى أمر الطالب أن يطلب بالمعروف، ويتبع الحق الواجب له، من غير أن يطالبه بالزيادة، أو يكلفه ما لا يوجبه الله، أو يشدد عليه (٥). كل هذا تفسير المعروف، وأَمَرَ المطلوب منه بالإحسان في الأداء، وهو ترك المَطْل والتسويف، وهذا لا يختص بثمن الدم، بل كل دين فهذا سبيله (٦).
وقوله: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد حيث جعل الدية لأمتك يا محمد (٧).
(٢) ينظر تفسير الواحدي لقوله تعالى: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧].
(٣) في (م): (شيئًا).
(٤) تقدم الحديث عن هذه الرواية.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٢.
(٦) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٥٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٦. وقوله: بل كل دين فهذا سبيله، ففي حق الطالب قال تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ﴾. وفي حق المطلوب قال النبي - ﷺ -: "مطل الغني ظلم يحل عرضه وعقوبته".
(٧) رواه الطبري بمعناه ٢/ ١١١، وابن أبي حاتم ١/ ٢٩٦.
قال المفسرون: إن الله تعالى كتب على أهل التوراة أن يُقِيدُوا (٢)، ولا يأخذوا الدية، ولا يعفوا؛ وعلى أهل الإنجيل أن، يعفوا ولا يقيدوا ولا يأخذوا الدية؛ وخَيّر هذه الأمة بين القصاص والدية والعفو، فقال: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾، أي: التخيير بين هذه الأشياء (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ قال ابن عباس: يريد: كما كانت الجاهلية تفعل، تقتل من قوم القاتل عِدَّةً (٤).
وقال آخرون: أي: ظَلَم فوثب على القاتل فقتله بعد أخذ الدية (٥).
وفي هذه الآية أدلة على القدرية:
أحدها: قوله في افتتاح الآية: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾ ولا خلاف أن القصاص واقع في قتل العمد، فلم يسقط اسم الإيمان عن القاتل بارتكاب هذه الكبيرة.
والثاني: ما ذكرنا في قوله: ﴿مِنْ أَخِيهِ﴾.
والثالث: قوله: ﴿ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ﴾ وهما يلحقان
(٢) في (ش): (ولا يفتفدوا).
(٣) روي نحوه عن ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والربيع وقتادة. ينظر البخاري (٤٤٩٨) كتاب التفسير، باب: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ﴾، "تفسير الطبري" ٢/ ١١٠، وابن أبي حاتم ١/ ٢٩٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٥.
(٤) لم أجده في الطبري ولا ابن أبي حاتم ولا البغوي، وذكر الرازي هذا القول ولم ينسبه لأحد ٥/ ٥٥.
(٥) تنظر الآثار التي أوردها الطبري ٢/ ١١٢، عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والربيع والحسن وعكرمة والسدي وابن زيد، وكذا عن ابن أبي حاتم ١/ ٢٩٧.
١٧٩ - قوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ قال عُظْمُ أهل التأويل (٢): معناه: أن سافكَ الدم إذا أُقيد منه ارتدع من كان يهمّ بالقتل، فكان في القصاص بقاءٌ؛ لأنه إذا علم أنه إن قَتَل قُتِلَ أَمْسَكَ وارتدع عن القتل، ففيه حياةٌ للذي همّ بقتله، وحياةٌ للهامّ أيضًا، وقد أخذ الشاعر هذا المعنى ونقله عن القصاص إلى العتاب فقال:
أبلغ أبا مالك عنى مُغَلغَلةً | وفي العتاب حياة بين أقوام (٣) |
(٢) ينظر في بيان كون القصاص حياة: "تفسير الطبري" ٢/ ١١٤، ١١٥، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٩٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩١، "تفسير البغوي" ١/ ١٩١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩١، "التفسير الكبير" ١/ ٥٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٣٧ - ٢٣٨، "البحر المحيط" ٢/ ١٥.
(٣) البيت لهمام الرقاشي في "مقاييس اللغة" ٤/ ٣٧٧، ولعصام بن عبيد الزماني في "تاج العروس"، وبلا نسبة في "لسان العرب" ٦/ ٣٢٨٩ (غلل).
(٤) في (ش): (فكفوا عن القتل وكان).
(٥) ينظر: "تأويل مشكل القرآن" ص ٦٦/ ٦٧، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ١٥٩، ويروى المثل بلفظ: القتل أنفى للقتل، وأوفى للقتل، وأكف للقتل. ينظر: "الصناعتين" لأبي هلال العسكري ص ١٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩١، "التفسير الكبير" ٥/ ٥٦، "الدر المصون" ٢/ ٣٥٧، وعزاه ابن كثير ١/ ٢٢٣ - ٢٢٤ لبعض الكتب المتقدمة.
وقال عطاء عن ابن عباس: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ﴾ فرح، وأراد: أن ولي الدم إذا استوفى القصاص تشفّى بذلك وطابت نفسه، فالتذ بالحياة، ولولا القصاص لتنغص بعيشه، فكأن حياته موتًا. وقد يبلغ بالإنسان القصور عن إدراك الثأر إلى أن يتمنى الموت، سيما العرب، فإنهم أشد الأمم حفاظًا، وأحرصهم على إدراك الثأر، والأخذ بالطوائل، وكل عيشٍ يراد الموتُ فيه موت، فإذا زال سبب تمني الموت بالقصاص كان فيه حياة. ويجوز أن يكون المعنى في هذا ما تذهب إليه العرب من أن قتل القاتل إحياء للمقتول، يقولون: أحيا فلان أباه، إذا قتل قاتله، ومنه:
أحيا أباه هاشمُ بنُ حَرمَله (٢)
يعني: قتل قاتله، فسماه إحياءً، فعلى هذا في القصاص حياة للمقتول على معنى: أن المراد بالحياة قتل قاتله.
وقوله تعالى: ﴿يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ أولوا: واحدها ذو، وهو من الجموع التي لا يفرد واحدها من لفظه، كالنفر (٣) والرهط والقوم والخيل
(٢) تمامه:
إذ الملوكُ حوله مُرَعبله.
البيت لعامر الخصفي، ذكره في "الاشتقاق" لابن دريد ص ٢٩٥، "السيرة النبوية" لابن هشام ١/ ١١٢، ١١٣، "الإصابة" ٣/ ٦١٦ وفيه قصة هذا البيت.
(٣) في (م): (كالنفس).
﴿الأَلْبَابِ﴾ جمع لُبٍّ، ولُبُّ الشيء: خالصُه، وهو الذي يَتَركَّبُ عليه القِشْر، وكذلك اللُّبَاب، يُقال: لبابُ القَمح والفستق، ولُبّ اللَّوز (٢) والجوز. وسمى العقل لُبَّا تشبيهًا به؛ لأنه أشرف خصال المرءِ، وأصل لُبّ: اللزوم، يقال: أَلَبَّ بالمكان، إذا لزمه لزوم لُبِّ الشّيء له، واللَّبَبَ: الرمل المتراكم، سمي للزوم بعضه بعضًا، ومنه قولُ ذي الرمة:
..... أفضى بها لَبَبُ (٣)
وقال ابن المظفر: اللَّبَابَةُ: مصدر اللَّبيب (٤)، وقد لَبِبْتَ تَلَبُّ، وهكذا قال الفراء
وغيرُه: لَبَّ يَلَبُّ: إذا عَقَل، ومنه قول صفية (٥) في ابنها الزبير (٦) وضربته، فقيل لها: لم ضربتيه؟ فقالت: أضربه كي يَلِبَ، ويقود الجيش ذا
(٢) في (م): (الموز).
(٣) تمام البيت هكذا:
براقةُ الجِيد واللبات واضحة | كأنها ظبية أفضى بها لبب |
(٤) في (أ): (اللبب).
(٥) هي: صفية بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، القرشية الهاشمية، عمة رسول الله - ﷺ -، أم الزبير بن العوام شقيقة حمزة، صحابية، توفيت سنة ٢٠ هـ- في خلافة عمر. ينظر: "أسد الغابة" ٧/ ١٧٢ - ١٧٤، "الأعلام" ٣/ ٢٠٦.
(٦) هو: الزبير بن العوام بن خويلد الأسدي القرشي، أبو عبد الله، أمه صفية بنت عبد المطلب، هو أول من سل سيفًا في سبيل الله، ما تخلف عن غزوة غزاها الرسول - ﷺ -، أحد المبشرين بالجنة، قتل سنة ٣٦ هـ. ينظر: "الاستيعاب" ٢/ ٨٩، "أسد الغابة" ٢/ ٢٤٩ - ٢٥٢.
وقرأتُ على سعيد بن محمد، قال: قرأت على أبي علي الفارسي، قال: قرأت على أبي إسحاق الزجاج، قال: قرأت على المبرد، عن يونس: لَبِبْتُ لبابًا، وليس في المضاعف حرف على فَعُلت غير هذا، ولم يروه أحدٌ غير يونس (٢).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ أي: الدماء مخافة القصاص (٣).
١٨٠ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ الآية. يعني: إذا تيقن حضور الموت، ورأى أعلامه، ولم يشكُك في قربهِ منه.
فقوله: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ يريد: أسبابَ الموت ومقدماته، من العلل والأمراض. وكان الإيصاء فرضًا قبل نزول أسباب الموت، ولكن يتضيق عند نزول سبب الموت حتى لا يجوز التأخير، فلذلك (٤) قال: ﴿إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ﴾ ليس أنه قبل الحضور لم يكتب عليه (٥). وإنما قال:
(٢) ينظر في معاني اللبيب: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٢٤ - ٣٢٢٦، "المفردات" ص ٤٤٩، " اللسان" ٧/ ٣٩٧٩ (لبب).
(٣) "تفسير الطبري" ٢/ ١١٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩٢.
(٤) في (ش): (فكذلك).
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩٣، "البحر المحيط" ٢/ ١٦، وذكر قولًا آخر: وهو أن المراد بالموت حقيقته لا مقدماته، فيكون الخطاب متوجهًا للأوصياء والورثة أن ينفذوا الوصية.
أحدُهما: على ما لم يسم فاعله، والثاني: على الابتداء، ويكون ﴿لِلْوَالِدَيْنِ﴾ الخبر، وتكون الجملة في موضع رفعٍ بـ ﴿كُتِبَ﴾، كما تقول: قيل: عبدُ الله قائم، فترفع عبدَ الله بقائم، وقائمًا بعبد الله، وتكون الجملة في موضع رفعٍ بـ (قيل) (٢).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ الخيرُ: اسم جامعٌ للمالِ وغيرِهِ، والخيرُ يراد به المالُ في كثيرٍ من القرآنِ، كقوله: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ [البقرة: ٢٧٢] ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ﴾ [العاديات: ٨]، ﴿مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: ٢٤] (٣).
وقوله تعالى: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بالشيء الذي يعلم ذوو التمييز أنه لا حيف فيه، فهو العدل الذي لا ينكر، يعني: لا يزيد على الثلث (٤).
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٠، وينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩٣، "التفسير الكبير" ١/ ٦٠، "البحر المحيط" ١/ ١٩.
(٣) ينظر في معاني الخير: "المفردات" ص ١٦٧ - ١٦٨، "البحر المحيط" ١/ ١٧.
(٤) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٠، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١١٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩٤، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٧.
وقوله تعالى: ﴿عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ أي: المؤمنين الذين يتقون الشرك (٢).
وقد اجتمعت العلماء على نسخ هذه الآية (٣).
وكان السبب في نزول هذه الآية: أن أهل الجاهلية كانوا يوصون بمالهم للبعداء رياءً وسمعةً، ويتركون العيالَ عالةً، فصرف الله بهذه الآية ما كان يُصرف إلى البعداء إلى الأهلِ والأقرباء، فَعُمِل بها ما كان العمل صلاحًا، ثم نسختها آية المواريث (٤)، فكانت الوصية للوالدين والأقربين فرضًا على من مات وله مال، حتى نَزَلَتْ آيةُ المواريث في سورة النساء، فأجمعوا على نسخ الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون (٥)؛ لقوله - ﷺ -:
(٢) "تفسير الطبري" ٢/ ١١٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٩٤.
(٣) تابع المؤلف -رحمه الله- الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٤٩ في هذا الإجماع، وسيأتي في كلامه ما يدل على نقض هذا الإجماع، وممن ذكر الخلاف في الآية فأطنب: الإمام الطبري في "تفسيره" ٢/ ١١٦، ولو قال -رحمه الله-: أجمع العلماء على نسخ حكم هذه الآية في القريب الوارث، لكان مقاربا، وهذا ما ذكره بعد عدة أسطر.
(٤) أشار إلى هذا الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٥٠، وذكره الرازي ٥/ ٦٠.
(٥) رواه عن ابن عباس: البخاري (٢٧٤٧) كتاب الوصايا، باب: لا وصية لوارث، وأبو داود (٢٨٦٩) الوصايا، باب: ما جاء في نسخ الوصية للوالدين، والدارمي ٢/ ٤١٩ - ٤٢٠، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص٢٣٠، والطبري ٢/ ١١٧ - ١١٩.
فأما الأقرباء الذين لا يرثون، والوالدان اللذان لا يرثان بكفر أو رقٍّ، ففل تجب الوصية لهم؟ اختلفوا، فذهبت جماعة إلى أن الوصية للوارث نسخت، والوصيِّة لهؤلاء الذين لا يرثون لم تنسخ، وهو (٢) مذهب مسلم بن يسار، والعلاء بن زياد (٣) (٤)، ومسروق (٥) والحسن (٦)، حتى قال
وقال ابن عبد البر في "التمهيد" ٢٣/ ٤٤٢: استفاض عند أهل العلم، وقوله: لا وصية لوارث استفاضة هي أقوى من الإسناد والحمد لله.
وقد ذكره السيوطي ضمن الأحاديث في كتابه: "الأزهار المتناثرة" ص ١١٩؛ وكذا الكتاني في "نظم المتناثرة من الحديث المتواترة" ص ١٧٦، ينظر: "نصب الراية" للزيلعي ٤/ ٤٠٣.
(٢) في (م): (وهذا).
(٣) العلاء بن زياد بن مطر العدوي، أبو نصر البصري، ثقة، أحد العباد، توفي في ولاية الحجاج سنة ٩٤ هـ. ينظر: "الثقات" ٥/ ٢٤٦، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٣٤٣.
(٤) رواه عن مسلم والعلاء في أثر واحد: ابن أبي شيبة في "المصنف" ١١/ ١٦٦، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٣٢، والطبري في "تفسيره" ٢/ ١١٨.
(٥) هو: أبو عائشة، مسروق بن الأجدع بن مالك الهمداني، تابعي ثقة، من أخص تلاميذ ابن مسعود، كان عابدًا فقيهًا مقرئًا، توفي سنة ١٦٢ هـ، وقيل بعدها. ينظر: "السير" ٤/ ٦٣ - ٦٩، "الأعلام" ٧/ ٢١٥.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١١٨.
وقال طاوس: إن أوصى للأجانب (٢) وترك ذوي قرابته نزع منهم، ورد إلى ذوي قرابته (٣).
فعلى قول هؤلاء: النسخُ تناول بعض أحكام الآية وهو الوصية للوارث (٤). والأكثرون من العلماء -وهو الذي يعمل به اليوم- على أن حكم الآية كلّه (٥) منسوخ، ولا تجب على أحد وصية لأحد قريب ولا بعيد. وإذا أوصى فله أن يُوصِي لكل من شاء من الأقارب والأباعد إلا الوارث (٦).
قال أبو عبيد: وعلى هذا القول أجمعت العلماء من أهل الحجاز وتهامة والعراق والشام، منهم سفيان ومالك الأوزاعي (٧) والليث، وجميع
(٢) في (ش): (الأجانب).
(٣) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٩/ ٨١، والطبري ٢/ ١١٧، وعزاه في "الدر" ١/ ٣١٩ إلى عبد بن حميد، وذكره الثعلبي ٢/ ١٩٨، والرازي ٥/ ٦٣.
(٤) عزا الطبري في "تفسيره" ٢/ ١١٧، ١١٨ القول بذلك أيضًا إلى ابن عباس وقتادة والربيع وإياس بن معاوية.
(٥) سقطت من (م).
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١١٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٩٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٠، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ١/ ٤٨٤، "تفسير البغوي" ١/ ١٩٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٧، "البحر المحيط" ١/ ١٧، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٢.
(٧) هو: أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو يحمد الأوزاعي، شيخ الإسلام، وعالم أهل الشام، أحد أئمة الدنيا فقهًا وعلمًا وورعًا وفضلًا وزهدًا، توفي سنة ١٥٩ هـ. ينظر: "السير" ٧/ ١٠٧ - ١٣٨، "الأعلام" ٣/ ٣٢٠.
والخير في هذه الآية حمل على المال الكثير (٢)، فقد روي عن علي رضي الله عنه أنه دخل على مريض يعوده، فقال: إني أريد أن أوصي، فقال علي: إن الله عز وجل يقول: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ وإنما تدع شيئًا يسيرًا، فَدعه لعيالك، فإنه أفضل (٣).
وروي أيضًا أن رجُلًا قال لعائشة رضي الله عنها: إني أريد أن أوصي، قالت: كم مالك؟ قال: ثلاثة آلاف، قالت: كم عيالك؟ قال: أربعة، قالت: إنما قال الله: ﴿إِنْ تَرَكَ خَيْرًا﴾ وإن هذا شيء يسير، (٤) فاتركه
(٢) الخير هنا: المال، في قول جميع المفسرين، وقد اختلف المفسرون فيه: فمنهم من جعل له حدًا معينًا، فمن ترك ذلك أوصى، وإلا فلا، واختلفوا في ذلك الحد، ومنهم من قيده بوصف، وهو المال الكثير عرفا كما بينه الواحدي، ومنهم من أطلق في القليل والكثير، كما روي عن الزهري، ونصره الطبري. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢١، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٢٩٩، "التفسير الكبير" ٥/ ٥٩، "البحر المحيط" ١/ ١٧.
(٣) رواه الثوري في "تفسيره" ص ٥٥، وعنه عبد الرزاق في "المصنف" ٩/ ٦٣، والدارمي في "سننه" ٢/ ٤٠٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ١٢١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢٩٨، وسعيد بن منصور في "سننه" ٢/ ٦٥٩، والبيهقي ٦/ ٢٧٠، وابن أبي شيبة في "المصنف" ١١/ ٢٠٨، والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٣٠١، وقال: صحيح على شرط الشيخين وتعقبه الذهبي بقوله: فيه انقطاع يعني الانقطاع بين عروة بن الزبير وعلي -رضي الله عنه-.
(٤) في (م): (شيئًا يسيرًا).
١٨١ - قوله تعالى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ﴾ الكناية تعود إلى الإيصاء؛ لأن الوصيةَ في معنى الإيصاء، ودالة (٢) عليه، كقوله: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ﴾ [البقرة: ٢٧٥] أي: وعظ. وقيل: الهاء (٣) راجعة إلى الحكم والفرض، إذ كان تأويل ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمْ﴾: فرض عليكم، فكأنه قال: فمن بدل فرض الله، فيدل ﴿كُتِبَ﴾ على الكَتْبِ فيُكْنى عنه.
وقيل: الكناية تعود إلى معنى الوصية، وهو قول أو فعل (٤)، قال المفسرون: أي فمن غيّر الوصية من الأوصياء والأولياء والشهود ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ من الميت (٥).
وما: صلة زائدة. والكناية في ﴿سَمِعَهُ﴾ ترجع إلى حيث رجعت الكناية (٦) في ﴿بَدَّلَهُ﴾. وقيل: (ما) بمعنى: الذي، والكناية في ﴿سَمِعَهُ﴾
(٢) في (ش): (دالة) بلا واو عطف.
(٣) في (م): (إنها).
(٤) ينظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٦٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥١، "تفسير الطبري" ٢/ ١٢١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٠٧.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٠٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٤، "التبيان" للعكبري ص ١١٤.
(٦) سقطت من (م).
وقوله: ﴿فَإِنَّمَا إِثْمُهُ﴾ أي: إثم التبديل على الذين يبدلونه (٢)، أي: على من بدل الوصية، وبرئ الميت (٣).
﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قد سمع ما قاله الموصي ﴿عَلِيمٌ﴾ بنيته وما أراد، وعليم بما يفعله الوصي (٤). ويحتمل أن يكون المنهي عن التبديل المُوصي، نهي عن تغيير الوصية عن المواضع التي بين الله سبحانه، وأمر أن يوصي على الوجه الذي أمر الله، وعلى هذا قوله: ﴿بَعْدَمَا سَمِعَهُ﴾ أي: عن (٥) الله تعالى (٦).
١٨٢ - قال الكلبي: كان الأولياءُ والأوصياءُ يمضون وصية الميت بعد نزول هذه الآية وإن كانت مستغرقة للمال، فأنزل الله قوله تعالى: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا﴾ (٧) أي: خشي، وقيل: علم.
(٢) من قوله: (فيبعد) ساقط من (ش).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٢، ١٢٣، "الثعلبي" ٢/ ٢٠٨، "البغوي" ١/ ١٩٤.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٣، "الثعلبي" ٢/ ٢٠٨، "البغوي" ١/ ١٩٤.
(٥) في (م): (من).
(٦) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٦٤.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٢١٧، لكنه قال: ثم نسختها هذه الآية: ﴿فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا﴾. وذكره البغوي ١/ ١٩٤، وروى عبد الرزاق في "المصنف" ٩/ ٨٩ عن سفيان الثوري نحوه.
وقوله: ﴿جَنَفًا﴾ أي: ميلًا، يقال: جَنِفَ يَجْنَفُ جَنَفًا: إذا مال، وكذلك تجانف، ومنه قوله: ﴿غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ﴾ [المائدة: ٣]، (٤).
قال ابن عباس: يريد: خطأ من غير تعمدٍ (٥).
قال عطاء: هو أن يُعطي عند حضور أجله بعض ورثته دون بعض (٦).
وقال طاوس: جنفُه: توليجه، وهو أن يوصي لولد ولده، يريدُ ولدَه (٧).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ إِثْمًا﴾ أي: قصدًا للميل، قال السُدّي (٨) والربيع (٩)
(٢) في (م): (قال).
(٣) ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٦٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠١، "الثعلبي" ٢/ ٢٠٨، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٨، "البغوي" ١/ ١٩٤، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٦.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٣، "المفردات" ص١٠٨، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٥.
(٥) رواه الطبري ٢/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٢، وقال: وروي عن أبي العالية ومجاهد والضحاك والسدي والربيع بن أنس نحو ذلك.
(٦) رواه عنه الطبري بنحوه ٢/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠١.
(٧) رواه عنه الطبري بنحوه ٢/ ١٢٥، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠١.
(٨) رواه عنه الطبري ٢/ ١٢٥.
(٩) رواه عنه الطبري٢/ ١٢٧.
فمن قال: (خاف) معناه: خشي قال: تأويل الآية: من حَضَر مَرِيضًا وهو يُوصي، فخاف أن يخطئ في وصيته فيفعل ما ليس له، أو يتعمد جورًا فيها فيأمر بما ليس له، فلا حَرَجَ عليه أن يُصلح بينه وبين ورثته، بأن يأمره بالعدل وهذا قول مجاهد (٢).
ومن قال خاف: معناه علم، قال: الميت إذا أخطأ في وصيته، أو حاف فيها متعمدًا، فلا حَرَجَ على من علم ذلك أن يُغَيِّرَه، ويصلح بعد موتِه بين ورثته وبين المُوصَى لهم، من وليّ أو وصيّ أو والي أمر المسلمين، ويردَّ الوصيَة إلى العدل. وهذا معنى قول ابن عباس (٣) وقتادة (٤) والربيع (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ﴾ يريد: بين الورثة والمختلفين في الوصية، وهم المُوصَى لهم. وسياق الآية وذكر الوصية يدل عليهم، فكنى عنهم (٦).
وقال الكسائي والفراء (٧): قوله: (أصلح) يدل على أن الصلح يكون
(٢) "تفسير مجاهد" ١/ ٩٦، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٣، وعزاه في "الدر" ١/ ٣٢٠ إلى عبد بن حميد، وهذا اختيار الطبري.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ١٢٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٣، وروي عن أبي العالية وطاوس والحسن وإبراهيم وسعيد بن جبير وقتادة والربيع بن أنس ومقاتل نحو ذلك.
(٤) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٦٩، والطبري ٢/ ١٢٤، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ١٧١.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٢٤، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٣٠٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢١٦، "التفسير الكبير" ٥/ ٦٧، "البحر المحيط" ١/ ٢٤.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١١.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ إنما قال للمتوسط للإصلاح: ليس عليه إثم، ولم يقل فله الأجر؛ لأنه ذكر إثم التبديل، ونفى الإثم عن المصلح، ليبين أنه ليس بمبدل (١).
١٨٣ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ الآية، الصيام: مصدر صام كالقيام، وأصله في اللغة: الإمساكُ عن الشيء والتركُ له، ومنه: قيل للصمت: صوم، لأنه إمساك عن الكلام، قال الله تعالى: ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا﴾ [مريم: ٢٦]، وصام النهار: إذا اعتدل وقام قائم الظهيرة، قال امرؤ القيس:
فَدَعْها وسَلِّ الهَمَّ عنكَ بجَسْرةٍ | ذَمُولٍ إذا صامَ النهارُ وهَجَّرا (٢) |
حتى إذا صَام النهارُ واعتدَلْ (٣)
(٢) البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ٦٣، "الكامل" للمبرد ٣/ ٨٩، "أساس البلاغة" (مادة: كنز). "لسان العرب" ٤/ ٢٥٣٠ (صوم) والجسرة: الناقة النشيطة، والذمول: هو "السير" السريع، وهجرا: من الهاجرة، وهي شدة الحر. ينظر: "الديوان" ص ٦٣.
(٣) ورد هذا الرجز بلا نسبة في "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٢٦، بعده عنده:
وسال للشمس لعابٌ فنزل
وكذا في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٨١، وفي "لسان العرب" ٣/ ١٥٢٤، ٣/ ١٩٠١ (ذوب، زيق)، بالرواية التالية:
وقام ميزان النهار فاعتدل
خيل صيامٌ وخيلٌ غير صائمة (١)
ويقال: بكرة صائمة: إذا قامتْ فلم تَدُر، وقال الراجز:
والبكراتُ شَرُّهن الصائمه (٢)
ومَصَام الشمس: حيث تَستَوى في مُنتصف النهار، وكذلك مَصَام النجم، وروي في شعر امرئ القيس:
كَأنَّ نُجومًا عُلِّقَتْ في مَصَامِها | بأَمْراسِ كَتّانٍ إلى صُمِّ جَنْدَلِ (٣) |
وفي الشريعة: هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع مع اقتران النية به (٥).
تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
في ملحق "ديوانه" ص ٢٤٠، "الكامل" للمبرد ٣/ ٨٩، "لسان العرب" ٥/ ٣٠٧٧ (مادة: علك)، ٤/ ٣٥٢٩ (مادة: صوم).
(٢) ذكره في "البحر" ٢/ ٢٦، ولم ينسبه، وذكره في "اللسان" ٢/ ٣٣. وقوله: الصائمة: أي التي لا تدور.
(٣) ينظر: "ديوانه" ص ١٩، "اللسان" ٤/ ٢٥٣٠ (مادة: صوم).
(٤) ينظر في (مادة: صوم): "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٨، "الثعلبي" ٢/ ٢٢٥، "المفردات" ص ٢٩٣، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦، "اللسان" ٤/ ٢٥٣٠، "أساس البلاغة" ٢/ ٣٣.
(٥) ينظر في تعريفه: "المغني" ٤/ ٣٢٣ - ٣٢٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٩ - ١٠٢.
وقد بيَّن الحافظ في "الفتح" ٨/ ١٧٨ أن الناس اختلفوا في التشبيه الذي دلت عليه الكاف، هل هو على الحقيقة، فيكون صيام رمضان قد كتب على الذين من قبلنا؟ أو المراد: مطلق الصيام دون وقته وقدره؟ قولان، والثاني قول الجمهور. وينظر في ذكر الخلاف: "تفسير الطبري" ٢/ ١٣٠، "المحرر الوجيز" ٢/ ٩٩ - ١٠٢، "النكت والعيون" ١/ ٢٣٠، "الإجماع في التفسير" ص ١٩٩ - ٢٠٠.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٩ - ١٣٠، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٤ - ٣٠٥، "الدر المنثور" ١/ ٣٢٢.
قال البغوي ١/ ١٩٦: قيل: كان في ابتداء الإسلام صوم ثلاثة أيام من كل شهر، ثم نسخ بصوم رمضان، ويقال. نزل صوم شهر رمضان قبل بدر بشهر وأيام، قال محمد بن إسحاق: كانت غزوة بدر يوم الجمعة، لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان على رأس ثمانية عشر شهرًا من الهجرة، ثم ذكر حديث عائشة في الصحيحين، قالت: كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، فلما قدم رسول الله - ﷺ - المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه. البخاري (٢٠٠٢) كتاب الصوم، باب: صوم عاشوراء، ومسلم (١١٢٥) كتاب الصوم، باب: صوم عاشوراء.
وقيل: إن التشبيه يعود إلى وقت الصوم، وقدر الصوم (٢)، وذلك أن الله تعالى فرض صيام رمضان على اليهود والنصارى، فأما اليهود فإنها تركت الشهر وصامت يومًا من السنة تزعم (٣) أنه يوم غَرَق فِرعون، وكذبت في ذلك أيضًا؛ لأن ذلك اليوم يوم عاشوراء على لسان رسول الله - ﷺ -.
فأما النصارى فإنهم حَوَّلوا صيامهم إلى فصل اعتدال الهواء؛ لأنهم ربما صاموه في القيظ، فكان يشتدُّ عليهم، فاستدعوا أحبارهم أن ينقلوا الصوم إلى وقت اعتدال الهواء، ويزيدوا عليه زيادة، ففعلوا، وزادوا عشرة أيام، ثم إن حبرًا لهم اشتكى فمه، فنذر إن (٤) شُفي أن يزيد في صومهم عشرة أيام، فبَرَأ فزاد، فصومهم اليوم خمسون يومًا. وهذا معنى قوله تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١] (٥).
(٢) روي عن ابن عباس والحسن وقتادة والسدي. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٢٩، ١٣٠، "ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٥، "الثعلبي" ٢/ ٢٣٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠١.
(٣) في (ش): (بزعم).
(٤) في (ش): (لأن).
(٥) رواه الطبري ٢/ ١٢٩ عن السدي، وذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١١٢، والثعلبي ٢/ ٢٣٣، والبغوي ١/ ١٩٥، وعند الثعلبي أن الذي اشتكى ملك وليس حبرًا، وقد روي نحوه مرفوعا إلى النبي - ﷺ -، فقد روى البخاري في "التاريخ الكبير" ٣/ ٢٥٤، والطبراني في "الكبير" ٤/ ٢٢٦، "الأوسط" ٩/ ٩٠، والنحاس=
قال أبو إسحاق: وموضع ﴿كَمَا﴾ نصب على المصدر، المعنى: فرض عليكم فرضًا كالذي فرض على الذين من قبلكم (٣).
وقال ابن الأنبارى: يجوز أن يكون في موضع نصب على الحال من الصيام، يراد بها: كتب عليكم الصيام مشبهًا ومماثلًا ما كتب على الذين من قبلكم (٤).
وقال أبو علي الفارسي: هو صفة لمصدر محذوف، تقديره: كتابة كما كتب يعني: مثل ما كتب عليهم، فحذف المصدر، وأقيم نعته مقامه، قال: ومثله في الاتساع والحذف قولهم في صريح الطلاق: أنتِ واحدة،
(١) في (ش): (القران).
(٢) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١١١، ورواه الطبري عنه ٢/ ١٢٩، والثعلبي ٢/ ٢٣٤، وقد ورد النهي عن صيام يوم الشك في أحاديث، منها: حديث أبي هريرة، رواه البخاري (١٩١٤) كتاب الصوم، باب: لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين، ومسلم (١٠٨٢) كتاب الصوم، باب: لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥١، وليس فيه الجملة الأولى.
(٤) ينظر: "التبيان" ١/ ١٤٨، "المحرر الوجيز" ١/ ٢٥٠.
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد كي تخافوني في حدودي وفرائضي (٢).
وقال السُدي: لكي تتقوا الأكل والشرب والجماع في وقت وجوب الصوم (٣).
وقال الزجاج: (٤) لتتقوا المعاصي، فإن الصيام وصلةٌ إلى التقى؛ لأنه يكف الإنسان عن كثير مما تطلَّع إليه النفسُ من المعاصي، و (لعل) هاهُنَا على ترجي العباد، والله عز وجل من وراء العلم أيتقون (٥) أم لا؟ ولكن المعنى: أنه ينبغي لكم بالصوم أن يقوى رَجاؤكم في التقى (٦).
١٨٤ - قوله تعالى: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ﴾ في انتصاب الأيام وجوه: أحدُها: أنها (٧) ظرف لكُتب، كأنه: كتب عليكم الصيام في هذه الأيام، هذا قول الزجاج (٨).
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٢، وينظر معنى لعل في: "المفردات" ص ٤٥٤.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ١٢٩، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٥.
(٤) من قوله: (يريد: كي) مكرر في نسخة (م)، وفيه تقديم وتأخير.
(٥) في (ش): (أتتقون).
(٦) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٢، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٣١، فيه مناقشات للأعاريب المذكورة.
(٧) في (م): (آنه).
(٨) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٢.
قال أبو إسحاق: ليس هذا بشيء، لأن الأيام هَاهُنَا معلقة بالصوم، وزيد والمال مفعولان لأُعطي، فلك أن تقيم أيهما شئت مقام الفاعل، وليس في هذا إلّا نصب (٢) أيام بالصيام (٣).
ونصر أبو علي الفارسي قول الفراء، وقال: يجوز أن ينتصبَ الأيام انتصاب المفعول به على السعة، وهو أن يكون الأيام اسمًا لا ظرفَّاَ، فتخرجها من حيّز الظروف إلى حيز الأسماء، متسعًا فيها، وهذا الاتساع كثير واسع في الظروف، وقد جاء التنزيل به، وهو قوله: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ [سبأ: ٣٣]، فجواز الإضافة إليهما (٤) دل على خروجهما من الظرف، ومتى وقعت الإضافة إلى هذه الأسماء المستعملة ظروفًا أخْرَجَتها الإضافة عن ذلك وأدخلتها في حَيّزِ الأسماء، وقد نص سيبويه على جواز هذا في قوله: يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار.
(٢) في (ش): (ونظر).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٢.
(٤) في (م): فجواز إليهما وفي (ش): (إليها).
وعند أبي علي يجوز أن تُعمل (الصيام) في الأيام، ثم (١) يجوز في انتصاب الأيام الوجهان اللذان ذكرنا إذا أعملت فيها (كتب)، من الظرف والانتصاب على المفعول به، فالظرف أن تجعل الأيام ظرفًا للصيام لا للكتابة، كما تقول: كتب عليكم الدخول يوم كذا، يجوز (٢) أن تجعل اليوم ظرفًا للدخول، وإن جعلت الأيام مفعولًا به لصيام أعملت الصيَام وهو مصدر، فنصبت به، والمصدر يعمل عمل الفعل، كقوله: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ﴾ [البقرة: ٢٥١]، وهو كثير، ومثله:
لحِقتُ فلم أنكُلْ عن الضرب مِسْمَعَا
قال أبو علي: والأجودُ فيمن جَعَل الأيامَ معمول الصيام أن ينصب على أنه ظرف ولا يجعله مفعولًا للمصدر؛ لأنه يعمل المصدر وفيه الألف
(٢) في (ش): (ويجوز).
فأما (١) قوله: عن الضرب مسمَعَا، فقد قيل فيه: إن مسمعًا مفعول (لحقت) دون الضرب، فإن قيل: الإضافة في التعريف كالألف واللام، وقد جاء المصدر عاملًا في الإضافة، كقوله: ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ﴾ [البقرة: ٢٥١] قيل: الإضافة أسهل من الألف واللام، ألا ترى أن الإضافة قد تقدر فيها الانفصال كثيرًا والألف واللام لا تشبهها، فلهذا رجَّحْنا قول من جعله ظرفًا، ولا يمتنع كون الأيام ظرفًا للصيام؛ لأن الصيام فيها، كما أن الكتابة فيها. وجمهور المفسرين على أن المراد بالأيام المعدودات: شهر رمضان (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ﴾ إلى قوله: ﴿أُخَرَ﴾ فيه معنى الشرط والجزاء، أي: من يكن منكم مريضًا أو مُسافرًا فأفطر فليقض. وإذا قدرت فيه معنى الشرط كان المراد بقوله: ﴿كَانَ مِنْكُمْ﴾ الاستقبال لا المضي، كما تقول: من أتاني أتيته، وفي الآية إضمارة لأن التقدير: فأفطر فعدة؛ لأن القضاء إنما يجب بالإفطار لا بالمرض والسفر، ومثله قوله: ﴿أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ﴾ [البقرة: ١٩٦]، والحذف كثير في كلام العرب إذا كان فيما (٣) أُبقي دليلٌ على ما أُلقي، قال ذُو الرمة:
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٣١، ١٣٢، وهو اختياره، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٣٦، "البحر المحيط" ١/ ٣٠.
(٣) في (م): (ما).
فلما لبسن الليل أو حين نصَّبت | له من خذا آذانها وهو جانح (١) |
ونذكر في الآية التي بعد هذه حكم المرض والسفر في الصوم.
وأصل السَّفَر من الكشف، وذلك أنه يكشف من أحوالِ الرجالِ وأخلاقهم، والمِسفَرة: المكنس؛ لأنها تُسِفر التراب عن الأرض، والسَّفيرُ: الداخل بين اثنين للصُّلح؛ لأنه يكشف المكروه الذي اتصل بهما، والمُسْفِر: المضيء؛ لأنه قد انكشف وظهر، ومنه: أسفر الصبح، والسِّفُر: الكتاب؛ لأنه يكشف عن المعاني ببيانه، ومنه ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ﴾ [عبس: ١٥]، أي: كتبة؛ لأن الكاتب يكشف عن المعاني، وسفرتِ المرأةُ عن وجهها: إذا كشفت النقاب (٣).
قال الأزهري: وسمي المسافر مُسَافرًا، لكَشْفِه قناع الكِنِّ عن وَجْهه، وبروزه للأرض الفضاء، وسُمي السَّفرُ سَفَرًا؛ لأنه يسفر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافِيًا مِنْهَا (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَعِدَّةٌ﴾ أي: فعليه عدة، كقوله: ﴿فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: ١٧٨]، والتقدير: فعليه صومُ عِدّةٍ، ويكون هذا من باب حذف المضاف (٥).
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٣٩، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢ - ٣٣، "التبيان" ص١١٦.
(٣) ينظر في السفر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٠١، "المفردات" ص ٢٣٩، "لسان العرب" ٤/ ٢٠٢٤ (سفر).
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٠٢ (سفر).
(٥) "تفسير الطبري" ٢/ ١٣٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢، "التبيان" ١/ ١١٦.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ أراد غير أيام مرضه أو سفره (٣). و (أُخَر) لا ينصرف؛ لأنها جمع أُخرى تأنيث آخر، وآخَرَ على وزن أفعل، وما كان على وزن أفعل فإنه يُستَعمل مع مِنْ أو بالألف واللام، فيقالُ: زيدٌ أفضل من عمرو، وزيد الأفضل، والألف واللام مُعاقبة لـ (مِن) في باب أفعل، فكان القياس يُوجب أن يقال: زيد آخر من عمرو، كما يقال: أقدم من عمرو، إلا أنهم حذفوا (من) من آخر؛ لأن لفظه اقتضى معنى مِنْ، فأسقطوا (مِنْ) اكتفاء بدلالة اللفظ عليه، والألف واللام تعاقب (مِنْ)، فلما جاز استعماله بغير الألف اللام صار آخر وأُخر وأُخْرى معدولة عن حكم نظائرها؛ لأن الألف واللام استعملتا فيها، ثم حُذفتا.
فإن قيل: الخروج عن النظائر يُوجب للاسم البناء، فهلا بُني آخر وأُخرى وأخَرُ؟ قيل: إنها وإن خرجت عن حكم نظائرها فليس هو خروجًا مُبَاينًا لما عليه الأسماء، وإنما هو خروج عن حكم تعريف إلى تنكير، وأكثر الأسماء يلحقها التعريف والتنكير، فلم يكن لهذه المخالفة قوةٌ توجب البناء، إلا أنه قد نقصت بهذا العدل لها درجة عن حكم أخواتها، فجعل هذا العدل لها من أقسام العلل المانعة للصرف، فاجتمع فيها في حال
(٢) ينظر: "المفردات" ص ٣٢٧، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢ - ٣٣،"لسان العرب" ٥/ ٢٨٣٢ - ٢٨٣٦ (عدد).
(٣) "تفسير الطبري" ٢/ ١٣٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٤٠.
وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ قال الأزهري: يُقَال: طَاقَ يَطُوقُ طَوْقًا، وأَطَاق يُطِيقُ إِطَاقَةً وطَاقَةً، كما يقال: طاع يَطُوعُ طَوْعًا، وأَطَاع يُطِيعُ إِطَاعة وطَاعَةً، والطَّاعَة والطاقة: اسمان يوضعان موضع المصدر (٢).
وقوله تعالى: ﴿فِدْيَةٌ﴾ الفِدْيَة: الجزاء والبدل، من قولك: فديته بكذا، أي (٣): أعطيته بدلًا منه (٤)، كقوله تعالى: ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات: ١٠٧]، ومضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿أُسَارَى تُفَادُوهُمْ﴾ [البقرة: ٨٥].
وقوله تعالى: ﴿طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قرأ أهل المدينة والشام بإضافة الفِدْيَةِ إلى الطَّعَام وجمع المساكين (٥).
ومعنى الآية: وعلى الذين يطيقون الصيامَ فأفطروا فديةُ طعامٍ؛ لأن
(٢) "تهذيب اللغة" ١/ ١٣١ (طبق).
(٣) في (م): إذا.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٤١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٥٤، "المفردات" ٣٧٦ ص، "مجمل اللغة" ٣/ ٧١٤.
(٥) هذا إجمال في ذكر القراءات، تفصيله: قرأ نافع وأبو جعفر وابن ذكوان بحذف تنوين (فدية)، وجر (طعام) وجمع (مساكين)، وفتح نونه بغير تنوين، والباقون بتنوين (فدية)، ورفع (طعام)، وإفراد (مساكين)، وكسر نونه منونة، إلا هشامًا فقرأ بجمع مساكين كقراءة نافع ومن معه. ينظر: "النشر" ٢/ ٢٢٦، "البدور الزاهرة" ص ٥٦.
وقرأ الباقون: (فِديةٌ) منونةً ﴿طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ على واحد، جعلوا ما بعد الفدية تفسيرًا لها، ووحَّدُوا المسكين؛ لأن المعنى: على كل واحد لكل يوم إطعام مسكين.
ومثل هذا في المعنى قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ﴾ وليس جميع القاذفين يُفرَّقُ فيهم جلد ثمانين، إنما على كل واحد منهم جلد ثمانين (٣) فكذلك على كل واحد منهم طعام مسكين، فأفرد هذا كما جَمَعَ قوله: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ﴾.
وقال أبو زيد: أتينا الأميرَ فكسانا كلَّنا حُلّةً وأعطى كلَّنا مائةً، قال:
(٢) ينظر: "الحجة" ٢/ ٢٧٣ - ٢٧٤، "تفسير الطبري" ٢/ ١٤١، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٠٦، "البحر المحيط" ٢/ ٣٧.
(٣) من قوله: (إنما على..) ساقطة من (ش).
فأما حكم قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ فقال ابن عباس: كانت الإطاقة أن الرجل أو المرأة كان يصبح صائمًا، ثم إن شاء أفطرَ وأطعم لذلك مسكينًا، فنسختها هذه الآية: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (٢) وهذا قولُ سلمة بن الأكوع (٣) (٤)، وعبد الرحمن بن أبي ليلى (٥) (٦)، وعلقمة بن قيس (٧)، وابن شهاب (٨)، ومذهب أكثر
(٢) أبو داود في الصوم، باب: نسخ قوله: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾ ٢/ ٣٠٥ برقم ٢٣١٦، من طريق عكرمة، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص٢٠٣، من طريق ابن سيرين، ورواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٤٣، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٤٩٥، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٧، من طريق عطاء الخراساني، ورواه الطبري ٢/ ١٣٤ من طريق عطية.
(٣) هو: سلمة بن عمرو بن سنان الأكوع الأسلمي، صحابي ممن بايع تحت الشجرة، غزا مع الرسول - ﷺ - سبع غزوات، وكان شجاعًا بطلًا راميًا عدّاءً، توفي بالمدينة سنة ٧٤ هـ. ينظر: "أسد الغابة" ٢/ ٤٢٣، "الأعلام" ٣/ ١١٣.
(٤) رواه عنه البخاري (٤٥٠٧) كتاب التفسير، باب: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾، ومسلم (١١٤٥) كتاب الصيام، باب: بيان نسخ قوله تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ﴾، والطبري ٢/ ١٣٤.
(٥) هو: عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري المدني ثم الكوفي، تابعي ثقة، مات بوقعة الجماجم سنة ٨٣ هـ. ينظر: "تقريب التهذيب" ص ٣٤٩ (٣٩٩٣)، وذكر أسماء التابعين ومن بعدهم ١/ ٢١٢.
(٦) رواه عنه البخاري (١٩٤٩) كتاب الصوم، باب: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾، والطبري ٢/ ١٣٤، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٦.
(٧) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٢٢٢، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٤٤، والطبري ٢/ ١٣٣، وابن أبي حاتم ١/ ٣٠٨.
(٨) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٤٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ١٣٤.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ﴾ قال ابن عباس: زاد في الصدقة، يعنى: على المُدِّ الوَاحِدِ (٢)؛ لأنه كان يجب مدٌّ واحدٌ على من أطاق الصومَ فَأَفْطَر قبل النسخ، في قول أهل الحجاز وأكثر العلماء (٣).
وقال مجاهد (٤) والسُدّى (٥): يطعم مسكينين، وفي هذا القول أيضًا زيادة الصدقة؛ لأنه إذا زاد مسكينا يجب أن يزيد في الصدقة حتى يكون متطوعًا. وقال ابن شهاب: يريد: من صام الفِدْية فهو خيرٌ له (٦) (٧).
(٢) رواه عنه الطبري ٢/ ١٤٢، ورواه ابن جريج وخصيف بن عبد الرحمن عن مجاهد، كما في "تفسير الطبري" ٢/ ١٤٢، "تفسير الثوري" ٥٦، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٩.
(٣) ينظر: "المغني" ٤/ ٣٩٥، و"تفسير البغوي" ١/ ١٩٧.
(٤) رواه عن مجاهد ابن جريج كما في "تفسير الطبري" ٢/ ١٤٢، وأشار إليها عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٢٢٣، ورواها عنه خصيف بن عبد الرحمن كما في "تفسير الثوري" ص ٥٦، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٩.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٤٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٠٩.
(٦) رواه عنه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٤٥، و"تفسير الطبري" ٢/ ١٤٣، و"تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٠٩.
(٧) قال الطبري ٣/ ٤٤٣: والصواب من القول في ذلك عندنا: أن الله -تعالى ذكره- =
والمعنى: والصوم خيرٌ لكم من الإفطار والفدية، وهذا إنما كان خيرًا لهم قبل النسخ، وبعد النسخ فلا يجوز أن يقال: الصوم خيرٌ من الإفطار والفدية (١).
١٨٥ - قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ الآية، الشهر: مأخوذ من الشهرة، تقول شَهَرَ الشيء يَشْهَرُه شَهْرًا: إذا أظهره، وسمي الشَّهْرُ شهرًا لشهرة أمره في حاجة الناس إليه في معاملاتهم، ومحل ديونهم، وقضاء نسكهم في صومهم وحجهم وغير ذلك من أمورهم.
قال الليث: والشهر: ظهور الشيء، وسمي (٢) الهلال شهرًا، قال ابن الأعرابي: لأنه يشهر به (٣).
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٣.
(٢) في (م): (ويسمى).
(٣) نقله عنه في "اللسان" ٤/ ٢٣٥١ (شهر).
وقال بعضهم: سُمي الشهر شهرًا باسم الهلال إذا أهلّ سمي شهرًا. والعرب تقول: رأيتُ الشَّهْرَ، أي: رأيت هلاله، قال ذو الرمة:
يرى الشَّهْرَ قَبْلَ الناسِ وهو بخيلُ (٢)
وقد أَشْهَرْنا، أي: أتى علينا شَهْرٌ.
قال الفراء: ولم أسمع منه فعلًا إلا هذا (٣). وارتفع على البدل من الصيام، كأن المعنى: كتب عليكم شَهْرُ رمضانَ. ويجوز أن يكون ابتداءً، وخَبرُه الذي مع صلته، كقولك: زيد الذي في الدار (٤).
وقال الأخفش: ارتفع على أنه خبر ابتداء محذوف، المعنى: هي شهر رمضان (٥)؛ لأن قوله: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ﴾ تفسيرٌ للأيام المعدُودات، وتبيين لها، ونحو هذا قال الفراء (٦)، أراد: ذلكم شهر رمضان، الصيام شهر رمضان، أي: صيامه كما قال في: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا﴾ [النور: ٢] أي: فيما فرض عليكم الزانية والزاني، أي: حكمهما، وكذلك: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا﴾ قال: والأشبه أن يكون ﴿الَّذِي﴾ وصفًا، ليكون النص قد وقع على الأمر بصيام الشهر، يعنى: أَنَّكَ إن جعلت الذي خبرًا
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٥٦١، وورد في "البحر المحيط": نحيل.
(٣) ينظر في معاني الشهر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٤٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٦٤، "المفردات" ص ٢٧٣، "اللسان" ٤/ ٢٣٥١ (شهر).
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٣.
(٥) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٥٢.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٢.
و ﴿رَمَضَانَ﴾ لا ينصرف للتعريف وزيادة الألف والنون، مثل: عثمان وسَعْدان. واختلفوا في اشتقاق ﴿رَمَضَانَ﴾، فقال بعضهم: هو مأخوذ من الرمض، وهو حرُّ الحِجَارة من شدّة حَرِّ الشمس، والاسم: الرَمْضَاء، رَمِضَ الإنسان رَمَضًا: إذا مشى على الرَمضاء، والأرض رَمِضة، فسُمي هذا الشهر رمضان؛ لأن وجوبَ صَومه وافقَ بشِدَّة الحرّ، وهذا القول حكاه الأصمعي عن أبي عمرو (٤).
وحكي عن الخليل أنه قال: مأخذه من الرَّمَضي (٥)، وهو من السَحَاب
(٢) في (م): (المبتدأ).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٢ - ١١٣، "تفسير الطبري" ٢/ ١٤٦ - ١٤٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٦٣، "التبيان" ص١١٨، "البحر المحيط" ١/ ٣٨ - ٣٩، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٣٨.
(٤) رواه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٢٦٧، وقد ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٦٨ (رمض) ولم ينسبه لأحد.
(٥) عند الثعلبي: (الرمض).
وقيل: هو من قولهم: رمَضتُ النصْلَ أرمِضُه رَمْضًا: إذا دقَقْتَه بين حجرين ليرقَّ، ونصل رَميض ومَرْمُوض، فسمي هذا الشهر رمضان لأنهم كانوا يرمُضُون فيه أسلحتهم، ليقضوا منها أوطارهم في شوالٍ قبل دخول الأشهر الحرم، وهذا القول يُحْكَى عن الأزهري (٣)، وعلى القولين الأولين يجب أن يكون هذا الاسم إسلاميًا، وقبل الإسلام لا يكون له هذا الاسم، وعلى ما حكاه الأزهري، الاسم جاهلي (٤).
وروي مرفوعًا أن النبي - ﷺ - قال ذات يوم لأصحابه: "أتدرون لم سمي شعبان؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "لأنه يشعب (٥) فيه خير كثير لرمضان"، أتدرون لم سُمي رمضان؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "لأنه يرمض الذنوب" (٦). والإرماض: الإحراق.
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩، وعزاه الأزهري في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٦٩ (رمض) إلى أبي عمرو.
(٣) لم يذكره في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٦٨، وذكره أبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢٦، ولم ينسبه لأحد.
(٤) ينظر في رمضان: "تفسير الطبري" ٢/ ١٤٤، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٦٨ - ١٤٦٩، "المفردات" ص٢٠٩، "اللسان" ٣/ ١٧٣٠، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦ (رمض).
(٥) سقطت من (ش).
(٦) أخرجه ابن الشجري في "أماليه" ٢/ ١٠٢.
وروى أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقولوا رمضان، انسبوه كما نسبه الله في القرآن، فقال: شهر رمضان" (٣).
وقوله تعالى: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ قال ابن عباس: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من شهر رمضان، فوضع في
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٤٤، ورواه ابن أبي حاتم عن جماعة منهم مجاهد ومحمد بن كعب القرظي، وقال ابن أبي حاتم ١/ ٣١٠: ورخص فيه ابن عباس وزيد بن ثابت.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" عن أنس ٢/ ٢٦٥، وليس في شئ من المصادر الحديثية عن أنس، بل روى من حديث أبي هريرة وابن عمر وعائشة - رضي الله عنها - عند ابن عدي في "الكامل" ٧/ ٥٣، والبيهقي ٤/ ٢٠١ والجوزقاني في "الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير" ٢/ ٨٨، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٠، وحكم ابن الجوزي عليه في "الموضوعات" ٢/ ١٨٧ بأنه موضوع لا أصل له، وقال المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة" ص ٨٧ موضوع بلا ريب، وضعفه القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٢٧٨، وقال: والصحيح جواز إطلاق رمضان من غير إضافة كما ثبت في الصحاح وغيرها.
روى مسلم (في الصيام، باب: فضل شهر رمضان برقم ١٠٧٩)، عن أبي هريره أن رسول الله - ﷺ - قال: "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الرحمة، وغلقت أبواب النار، وصُفِّدت الشياطين". ورواه البخاري برقم [١٨٩٨] ثم ذكر القرطبي آثارًا كثيرة كلها بإسقاط الشهر.
وقال سفيان بن عيينة: ﴿أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ معناه: أنزل في فضله القرآن. وهذا اختيار الحسين بن الفضل، قال: ومثله: أن تقول: أنزل في الصديق كذا آية، تريد في فضله (٣).
وقال ابن الأنبارى: أنزل في فرضه وإيجاب صومه على الخلق القرآن. كما تقول: أنزل الله في الزكاة كذا وكذا تريد في فرضها، وأنزل في الخمر كذا تريد في تحريمها (٤). فأما (٥) القرآن فهو اسم لكلام الله تعالى
(٢) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ٣٦٧، والنسائي في "تفسيره" ٢/ ١٣١، والحاكم ٢/ ٢٤٢، وصححه، والبيهقي في "دلائل النبوة" ٧/ ١٣١، والطبري ٢/ ١٤٤ - ١٤٥، وابن الضريس في "فضائل القرآن" ص ١٢٥، والطبراني في "الكبير" ١١/ ٣٠٥، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩، وصحح إسناده الحافظ في "الفتح" ٩/ ٤.
قال القرطبي: "ولا خلاف أن القرآن أنزل من اللوح المحفوظ ليلة القدر جملة واحدة، فوضع في بيت العزة في سماء الدنيا ثم ذكر قول مقاتل: أنزل من اللوح المحفوظ كل عام ليلة القدر إلى سماء الدنيا قلت: وقول مقاتل هذا خلاف ما نقل من الإجماع" انتهى كلامه.
(٣) ذكره الرازي عن سفيان ٥/ ٨٥، "البحر المحيط" ٢/ ٣٩.
(٤) نسب ابن الجوزي هذا القول في "زاد المسير" ١/ ١٨٥، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٣٩ إلى مجاهد والضحاك، وذكر ابن الجوزي قولًا ثالثًا نسبه إلى ابن إسحاق وأبي سليمان الدمشقي، وهو أن القرآن ابتدئ بنزوله فيه على النبي - ﷺ -.
(٥) في (م): (وأما).
أخبرنا سعيد بن العباس القرشي (٣) كتابة، ثنا أبو منصور محمد بن أحمد بن الأزهري، ثنا محمد بن يعقوب المعقلي، عن محمد بن عبد الله ابن عبد الحكم (٤)، أن الشافعي، رحمه الله، كان يقول: القرآن اسم، وليس بمهموز، ولم يؤخذ من قرأت، ولكنه اسم لكتاب الله، مثل التوراة والإنجيل، قال: ويهمز قرأت ولا يهمز القرآن، كما تقول: وإذا قرأت القرآن (٥). وقول الشافعي: إنه اسم لكتاب الله يشبه أنه ذهب إلى أنه ليس
(٢) قرأ ابن كثير بنقل حركة الهمزة إلى الراء، وحذف الهمزة في الحالين، وكذلك حمزة عند الوقف، وليس لورش فيه توسط ولا مد؛ نظرا للساكن الصحيح الذي قبل الهمز، وهكذا كل ما جاء من لفظه في القرآن معرَّفا أو منكرا. ينظر: "النشر" ٢/ ٢٢٦، "البدور الزاهرة" ص ٥٦، وقال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ (قرأ): وقال أبو بكر بن مجاهد المقرئ: كان أبو عمرو بن العلاء لا يهمز القرآن، وكان يقرؤه كما روي عن ابن كثير.
(٣) هو: سعيد بن العباس بن محمد بن علي القرشي الهروي، قدم بغداد حاجا، وحدث عن أبي حامد بن حسنويه وأبي منصور محمد بن أحمد الأزهري وغيرهم، توفي سنة ٤٣٣ هـ. ينظر: "السير" ١٧/ ٥٥٢ - ٥٥٣، "تاريخ بغداد" ٩/ ١١٣ - ١١٤.
(٤) هو: شيخ الإسلام المصري الفقيه، كان عالم الديار المصرية في عصره مع المزني كان أعلم بمذهب مالك وأحفظهم له، وكان عارفا بأقوال الصحابة والتابعين، له مصنف في أدب القضاة، توفي سنة ٢٦٨ هـ. ينظر: "السير" ١٢/ ٤٩٧، "وفيات الأعيان" ٤/ ١٩٣، "تقريب التهذيب" (٦٠٢٨).
(٥) ذكره الأزهري بسنده في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ (قرأ)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" ٢/ ٦٢، ونقله عن الواحدي: الرازي في "تفسيره" ٥/ ٨٦.
وذهب آخرون إلى أنه مأخوذ من قَرَنْتُ الشيءَ بالشيء: إذا ضممت أحدَهما إلى الآخر، فسمي لاقتران السور والآيات والحروف، ولأن العبارة عنه: قرن بعضه إلى بعض. فهو مشتق من قرن. والاسم: قران غير مهموز، كما يقال: خرج، والاسم خُراج، ومن هذا يقال للجمع بين الحج والعمرة: قران (٢).
وذكر الأشعري (٣) رحمه الله هذا المعنى في بعض كتبه فقال: إن كلام (٤) الله يسمى قُرآنًا؛ لأن العبارةَ عنه قرن بعضه إلى بعض (٥).
(٢) نقله عن الواحدي: الزركشي في "البرهان" ١/ ٢٧٨.
(٣) هو: علي بن إسماعيل بن أبي بشر، أبو الحسن تتلمذ في العقائد على الجبائي زوج أمه، وبرع في علمي الكلام والجدل على طريقة المعتزلة، ثم رجع فرد عليهم، وشُهر بمذهب ينسب إليه، وقيل إنه رجع بعده إلى مذهب السلف، له: "مقالات الإسلاميين"، و"الإبانة"، توفي سنة ٣٢٤ هـ. ينظر: "شذرات الذهب" ٢/ ٣٠٣، "الأعلام" ٤/ ٢٦٣.
(٤) في (م): (كتاب).
(٥) نقله عن الواحدي: الزركشي في "البرهان" ١/ ٢٧٨. وهذا مذهب الأشاعرة واعتقاد السلف إثبات صفة الكلام لله تعالى على الوجه اللائق به سبحانه من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تكييف ولا تعطيل على حد قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].
وأما الذين همزوا اختلفوا، فقالت طائفة: إنه مصدر القراءة.
قال أبو الحسن اللحياني (٢) (٣): يقال: قرأت القرآن، فأنا أقرأه قَرْأً (٤) وقراءةً وقرآنًا، وهو الاسم، قوله: وهو الاسم يعني: أن القرآن يكون مصدرًا لقرأت، ويكون اسمًا لكتاب الله، ومثل القرآن من المصادر: الرُّجْحَان والنُّقْصَان والخُسْران والغُفْران (٥)، قال ابن مقبل (٦):
يُقَطِّعُ اللَّيلَ تسبيحًا وقرآنًا (٧)
أي: قراءة، هذا هو الأصل، ثم المقروء، ويسمي قرآنًا لأن المفعول يسمى بالمصدر، كما قالوا للمشروب: شراب، وللمكتوب: كتاب، واشتهر هذا الاسم في المقروء حتى إذا طرق الأسماع سبق إلى القلوب أنه المقرُوء، ولهذا لا يجوز أن يقال: القرآن مخلوق مع كون القراءة مخلوقةً؛
(٢) هو: علي بن المبارك، وقيل ابن حازم، أبو الحسن اللحياني، تقدم.
(٣) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ (قرأ).
(٤) في (م): (قراء).
(٥) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٨٦، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٣ (قرأ).
(٦) هو: الشاعر تميم بن أبي بن مقبل العجلاني، تقدم.
(٧) صدر البيت:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به
والبيت لحسان بن ثابت في رثاء الخليفة عثمان - رضي الله عنه - كما في "المغني" ١/ ٢١٨، رقم ٣٦٣، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢، ومعنى الأشمط: شيب اللحية.
وقال أبو إسحاق الزجاج (٢): معنى قرآن معنى الجمع، يقال: ما قَرَأَتْ هذا الناقة سلًا قط، إذا لم يَضْطَم رحمها على ولد، وهذا مذهب أبي عبيدة (٣)، قال: إنما سُمي القرآن قرآنًا لأنه يجمع السور ويضمها، وأصل القرآن: الجمع، وأنشد قول عمرو:
هِجَان اللون (٤) لم تَقْرأْ جَنِينَا (٥)
أي: لم تجمع في رحمها ولدًا، ومن هذا الأصل: قُرء المرأة، وهو أيام اجتماع الدم في رحمها.
وقال قُطْرب (٦) في (القرآن) قولين:
أحدهما: ما ذكرنا وهو قول أبي إسحاق وأبي عبيدة.
والثاني: أنه سُمي قرآنًا؛ لأن القارئ يُظهرُه ويبينه ويلقيه من فيه، أخذ من قول العرب: ما قَرَأَتِ الناقة سلًا قَط، أي: ما رمت بولد، ونحو
(٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٣، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥.
(٣) ينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ١ - ٤، "التفسير الكبير" ٥/ ٨٦، "البرهان" للزركشي ١/ ٢٧٧، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٣.
(٤) في (م): (اللون).
(٥) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته وأوله:
ذِراعَيْ حُرَّةٍ أَدْماءَ بَكْرٍ
وينظر: "شرح المعلقات العشر" ١١١، "الجمهرة" ٧٦، "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٢ "لسان العرب" (مادة: قرأ)، و"تفسير القرطبي" ٣/ ١١٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ١٧٠.
(٦) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "التفسير الكبير" ٥/ ٨٦.
أَرَاها الوليد أن الخلا فتشذّرتْ | مرَاحًا ولم يقرأ (١) جنينًا ولا دمَا (٢) |
قال أبو إسحاق: وهذا القول ليس بخارج من الصحة وهو حسن. قَرَأْتُه أي: جَمَعْتُه (٤).
فبيّن على هذا أنه اسمٌ منقول من اسمِ هذا الحدث، كما أن قولنا: (زيد) في اسم رجل منقول من مصدر زاد يزيد، فأما دخول لام التعريف فيه بعد النقل فكدخوله في الحارث والعباس والفضل بعد النقل.
ومذهب الخليل وسيبويه في هذه الأسماء التي يسمى بها، وفيها الألف واللام: أنها بمنزلة صفات غالبةٍ، كالنابغة والصَّعِق، وهذا فيما ينقل من الصفات، فأما الفضل فإنما (٥) دخله الألف واللام لأنه (٦) أيضًا
(٢) البيت لحميد بن ثور في "ديوانه" ص ٢١، "لسان العرب" ٦/ ٣٥٦٥ (قرأ).
(٣) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٥.
(٤) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢.
(٥) في (م): (فإنه).
(٦) في (م): (فإنه).
يا ليت أم العمرو كانت صاحبي (٣)
قال: وقول من يقول: إنّ القرآن غير مهموز من قَرَنْتُ الشيء بالشيء سهو، وإنما هو تخفيف الهمزة ونقل حركتها إلى الساكن قبلها، فصار اللفظ به كفُعَال، من قرنت، وليس منه، ألا ترى أنك لو سميت رجلًا بقُرَان (٤) مخفف الهمزة لم تصرفه في المعرفة، كما لا تصرف عثمان، ولو أردت به فعالا من قرنت لا تصرف في المعرفة والنكرة، ذكر ذلك أبو علي في المسائل الحلبية (٥).
وقوله تعالى: ﴿هُدًى لِلنَّاسِ﴾ أي: هاديًا، وهو حال قد سَدّ مَسَدّ المفعول الثاني لأنزل (٦)، و ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ عطف على قوله ﴿هُدًى﴾،
(٢) سقطت من (ش).
(٣) عجزالبيت:
مكان من أشتى على الركائب
ولم يعرف قائل هذا الرجز، والبيت ورد في "الأغفال" ١/ ٢٦٧، "المخصص" ١/ ١٦٨، "الإنصاف" ص ٢٧٢، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٤٧، "الصحاح" ٣/ ١٦٩، "اللسان" ٢/ ١٥٦٣ (ربع). وانظر ص ٤٨ من هذا المجلد.
(٤) في (ش): (بقرأت).
(٥) "المسائل الحلبية" ص ٢٩٧، وينظر: "البرهان" للزركشي ١/ ٢٧٨.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٥٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٧٨، "البحر المحيط" ٢/ ٤٠.
والبيِّنَات: جَمْعُ بينة، يقال: بانَ الشيءُ يبين بيانًا فهو بين، مثل: بيِّع بمعنى بايع. والبيِّنات: الواضحات (٢).
وقوله تعالى: ﴿مِنَ الْهُدَى﴾ يريد: من الحلال والحرام والحدود والأحكام.
وذكرنا معنى الفرقان في قوله: ﴿وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ﴾ [البقرة: ٥٣]، قال عطاء عن ابن عباس في قوله: ﴿وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى﴾: يريد: من الرشاد إلى مرضاة الله، ﴿وَالْفُرْقَانِ﴾ يريد: فرّق فيه بين الحق والباطل، وبيّن لكم ما تأتون وما تَذَرُونُ.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ﴾ زعم الأخفش والمازني: أن الفاء ههنا زائدة، وذلك أن الفاء تدخل للعطف أو للجزاء أو زيادة، وليس للعطف ولا للجزاء ههنا مذهب (٣)، ومن زيادة الفاء: قوله: ﴿قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾ [الجمعة: ٨] وقول الشاعر:
لا تجزعي إِنْ مُنْفِسًا أهلكته | وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي (٤) |
(٢) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٩٩.
(٣) نقله عنه في "التفسير الكبير" ٥/ ٨٧ - ٨٨، والعكبري في "التبيان" ص ١١٧، ١١٨.
(٤) البيت للنمر بن تولب في "ديوانه" ص ٧٢، وانظر: "لسان العرب" ٨/ ٤٥٠٣ (نفس).
وقوله تعالى: ﴿شَهِدَ﴾ أي: حضر. ومعنى الشهود في اللغة: الحضور (٥)، ومفعول شهد محذوف؛ لأن المعنى: فمن ﴿شَهِدَ﴾ منكم البلد أو بيته، يعنى: لم يكن مُسَافرًا (٦).
(٢) ليست في (أ) و (م).
(٣) في (ش): (معينة).
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٨٨، قال: وأقول: يمكن أن يقال الفاء هاهنا للجزاء، فإنه تعالى لما بين كون رمضان مختصًا بالفضيلة العظيمة التي لا يشاركه سائر الشهور فيها، فبين أن اختصاصه بتلك الفضيلة يناسب اختصاصه بهذه العبادة، ولولا ذلك لما كان لتقديم بيان تلك الفضيلة هاهنا وجه، كأنه قيل: لما علم اختصاص هذا الشهر بهذه الفضيلة فأنتم أيضا خصوه بهذه العبادة.
(٥) ينظر: "التبيان" ص ١١٥، "البحر المحيط" ٢/ ٤١.
(٦) المراجع السابقة.
قوله: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾، قال ابن عباس وأكثر أهل التأويل: معناه: فليصم ما شَهِدَ منه؛ لأنه إن سافر في حال الشهر كان له الإفطار (٣).
وذهب طائفة إلى أنه إذا شهد أول الشهر مقيمًا ثم سافر لم يحل له الإفطار. وهو قول النخعي (٤) والسُدي (٥) وابن سيرين (٦) ومذهب
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٤٨، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ١٨٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٢٩٨.
(٣) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٣/ ١٨، والطبري ٢/ ١٤٦، والبيهقي ٤/ ٢٤٦، وذكرها الثعلبي ٢/ ٣٠٠، وابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ٨٢، والقرطبي ٢/ ٢٩٩، وروى الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس ما يوافق القول الثاني ٢/ ١٤٧.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٤٧، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٣١٢.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ١٤٦، وذكره ابن أبي حاتم ١/ ٣١٢.
(٦) رواه عنه عبد الرزاق في "المصنف" ٤/ ٢٦٩، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٣/ ١٨، والطبري ٢/ ١٤٦، ١٤٧، وقد ذكره من روايته عن عبيدة السلماني عن علي مرة، وعن عبيدة مرة أخرى.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾ أعاد هاهُنا تخييرَ المريض والمسافر وترخيصهما في الإفطار؛ لأن الله تعالى ذكر في الآية الأولى تخيير المقيمين بقوله: ﴿فَلْيَصُمْهُ﴾، فلو اقتصر على هذا لاحتمل أن يعود النسخ إلى تخيير الجميع، فأعاد بعد النسخ ترخيصَ المسافر والمريض؛ ليعلم أنه باق على ما كان (٢).
والمرض الذي يبيح الإفطار هو كل مرض كان الأغلبُ من أمر صاحبه بالصوم الزيادةَ في علته زيادةً لا يحتمله، والأصل فيه: أنه إذا أجهده الصوم أفطر (٣).
(٢) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ١٩٩.
(٣) ينظر: "أحكام القرآن" للشافعي ص ١٢١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٠٤، "أحكام =
(١) اختلف العلماء في حد السفر الذي يبيح الفطر على أقوال كثيرة. ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٢٧، "المغني" ٣/ ١٠٥ - ١١٠، ٤/ ٣٤٥، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٧٧، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٥٧ - ٢٥٨، والذي في البخاري: كان ابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد، وهي "ستة عشر فرسخا".
(٢) الفرسخ: ثلاثة أميال هاشمية، والميل: ستة آلاف ذراع، والذراع: أربعة وعشرون أصبعا معتدلة معترضة أي: أن طول الفرسخ نحو ٦ كلم. ينظر: "المجموع شرح المهذب" ٤/ ١٩٠، "القاموس" ٣٢٩، "المكاييل والأوزان الإسلامية وما يعادلها في النظام المتري" ص ٩٤.
(٣) في (أ)، (م): (ومن).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣١١، "المغني" ٤/ ٤٠٦.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣١٨ - ٣٢٢، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٦٠.
وذهب قومٌ من الصَّحَابة إلى أن الإفطار في السفر واجب (٢).
وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ﴾ أي: بالرخصة للمسافر والمريض (٣). واليُسْر في اللغة: معناه: السهولة، ومنه يقال للغِنَى والسَّعَة: اليَسَار؛ لأنه يتسهل به الأمور، واليد اليُسْرى قيل: على التفاؤل باليسر، وقيل: لأنه يتسهل الأمر بمعاونتها اليمنى (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ لأنه لم يشدد ولم يضيق عليكم. وهذه الإرادة ونفي الإرادة تختص بالأحكام لأهل الإسلام (٥) (٦). قال الحسين بن الفضل: يريد الله أن يكون أمره بالصوم عليكم ميسَّرًا، ولم يرد أن يكون أمره بالصوم عليكم مُعَسَّرًا (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ﴾ ذكرنا معنى العدة (٨)، والمدةُ من الأيام تسمى عِدَّة، قال أبو زيد: يقال انقضت عدة الرجل إذا انقضى
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٢ حيث روى ذلك عن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٠٥، "المغني" ٤/ ٤٠٦، "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٣١.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٣٢٧.
(٤) ينظر: "المفردات" ص ٥٥٣، "اللسان" ٨/ ٤٩٥٧ - ٤٩٦٠ (يسر).
(٥) في (أ)، (م): لأهل (الأحكام) سلام.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٣٢٨.
(٧) لم أجده.
(٨) تقدم معنى العدة في الآية السابقة.
قال عطاء عن ابن عباس: ولتكملوا عدة أيام الشهر، إن كان ثلاثين قضيتم ثلاثين، وإن كان تسعًا وعشرين قضيتم تسعًا وعشرين، عددًا (٢) بعدد (٣). وروي عنه أيضا يعني: عدة ما أفطرتم، يوما مكان يوم. رواه الكلبي عن أبي صالح عنه (٤)، فحمل ابن عباس إكمال العدة في الروايتين على قضاء رمضان (٥).
ومعنى الواو في قوله: ﴿وَلِتُكْمِلُوا﴾ على هذا التفسير: العطف على معنى الكلام لا على ظاهر اللفظ، وذلك أن في إباحته الإفطار للمريض والمسافر تسهيل، فتأويل الكلام: فعل الله ذلك ليسهل عليكم، ولتكملوا العدة إذا أقمتم وبرأتم، والعرب ربما تحمل الكلام على المعاني وتترك اللفظ، أنشد الزجاج (٦):
بادَت وغُيِّر آيُهنّ مع البلى | إلا رَواكدَ جمرهُن هباءُ |
ومشججٌ أما سواءُ قذاله | فبدا وغيّبَ سارَه المَعْزَاءُ (٧) |
(٢) روى الطبري ٢/ ١٥٦، ١٥٧، أثرين عن الضحاك وابن زيد بمعنى ما ذكر.
(٣) تقدم الحديث عن رواية عطاء ص ٩٢.
(٤) تقدم الحديث عن رواية الكلبي ص ٩٢.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٦، ١٥٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٣٠، "تفسير أبي المظفر السمعاني" ٢/ ١٧٤.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٤، وينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٩٢.
(٧) البيت لشماخ بن ضرار، في ملحق "ديوانه" ص ٤٢٧ - ٤٢٨، ولذي الرمة في ملحق "ديوانه" ص ١٨٤٠ - ١٨٤١، "لسان العرب" ٤/ ٢١٩٧. والرواكد: الأثافي، والمَعْزاء بفتح الميم: الأرض الغليظة الصلبة. والمشج: الوتد، والقذال: أعلاه،=
واحتج ابن الأنباري لهذه الطريقة بقول الشاعر:
قد سالَمَ الحياتُ منه القَدَما | الأُفْعُوانَ والشُّجَاع الشَّجْعَما (٢) |
واختار الفراء هذا القول، وقال: معنى الآية: ولتكملوا العدة في قضاء ما أفطرتم، والواو واو استئناف، واللام من صلة فعل مضمر بعدها، والتقدير: ولتكملوا العدةَ فعلَ ذلك، أو شرع ذلك، أي: الرخصة في الإفطار. ومثله: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ
(١) زيادة يقتضيها الكلام، من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٤.
(٢) اختلف في قائل هذا الرجز، فنسب في "اللسان" ٤/ ٢٢٠١ (شجع) إلى مساور بن هند، ويقال هو لأبي حيان الفقعسي، وفي "كتاب سيبويه" ١/ ١٤٥، لعبد بني عبس، ونسبه الأعلم للعجاج، وفي "شرح شواهد المغني" للسيوطي ص ٣٢٩ قال: هو من أرجوزة لأبي حيان الفقعسي، وقيل. لمساور بن هند العبسي، وبه جزم البطليوسي، وقيل: للعجاج، وقال السيرافي: قائله التدمري، وقال الصغاني: قائله عبد بني عبس، انظر: "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة ص ١٩٥.
(٣) في (أ): (تخلية).
وفي قوله: ﴿وَلِتُكْمِلُوا﴾، قراءتان: التخفيف والتشديد (٣)، فمن خَفَّفَ فلقوله: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ (٤) [المائدة: ٣]، وقد قال امرؤ القيس:
طوالُ المتون والعرانين والقنا | لِطافُ الخُصور في تمام وإكمال (٥) |
وقال النابغة:
(٢) هذا من رواية عطاء وقد تقدم الحديث عنها، ونسبه الثعلبي ٢/ ٣٢٩، البغوي ١/ ٢٠١ لعطاء.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٧، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٣، والبغوي ١/ ٢٠١، "المحرر الوجيز" ٢/ ١١٤، ١١٥، "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٣٢.
(٤) قرأ يعقوب وأبو بكر بن عياش عن عاصم بتشديد الميم، والباقون بالتخفيف. ينظر: "النشر" ٢/ ٢٢٦، "الحجة" ٢/ ٢٧٤.
(٥) البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ص ١٣٩.
(٦) ينظر: "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٧٤ - ٢٧٥.
فكمَّلَتْ مائةً فيها حمامتُها | وأسرعت حسبةً في ذلك العددِ (١) |
قوله تعالى: ﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد لتعظموا الله على. ما أرشدكم له من شرائع الدين (٥). وقال أكثر العلماء (٦): أراد به التكبير ليلة الفطر (٧).
قال ابن عباس في هذه الآية: حقٌّ على المسلمينَ إذا رَأَوا هَلالَ
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٢٩، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٥٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٠١.
(٣) سقطت من (م).
(٤) ينظر: "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٧٦ - ٢٧٧، قرأ ابن ذكوان بكسر اللام فيهما، والباقون بالإسكان، وقرأ شعبة بفتح الواو وتشديد الفاء من: وليوَفُّوا، والباقون بسكون الواو وتخفيف الفاء.
(٥) هذا من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها ص ٩٢. وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٣٣٠ دون عزو لأحد.
(٦) في (م): (المفسرين العلماء).
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٧، "تفسير القرطبي" ٢/ ٢٨٦ - ٢٨٧، "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٣٢ - ٢٣٣.
١٨٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ الآية، قال الضحاك: سأل بعض الصحابة النبي - ﷺ -: أقريب ربُنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله هذه الآية (٢).
وقال الحسن سأل أصحاب النبي - ﷺ - (٣) فقالوا: أين ربنا؟ فأنزل الله هذه الآية (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: من أوليائي وأهل طاعتي (٥).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٣٣٣، وكذا البغوي ١/ ٢٠٥، وروى الطبري ٢/ ١٥٨، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٤، وأبو الشيخ في "العظمة" ٢/ ٥٣٥ وغيرهم: عن أبي الصلت بن حكيم عن أبيه عن جده، بمثل حديث الضحاك، وذكر في "الدر المنثور" ١/ ٣٥٢: أنه رواه البغوي في معجمه، وابن مردويه، قال أحمد شاكر: وهذا الحديث ضعيف جدا، منهار الإسناد بكل حال. حاشية "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٨، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣٥٢ من حديث أبي بنحوه إلى سفيان بن عيينة في "تفسيره"، وعبد الله بن الإمام أحمد في زوائده على الزهد من طريق سفيان عن أبي.
(٣) من قوله: (أقريب..) ساقطة من (ش).
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٧٣، وعنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٥٨، وإسناده صحيح إلى الحسن، لكنه ضعيف لإرساله كما ذكر ذلك أحمد شاكر في تعليقه على الطبري. وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣٥٢ من حديث أنس بنحوه إلى ابن مردويه.
(٥) تقدم الحديث عن هذه الرواية.
وقوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ قال ابن عباس: أَتَقَبَّل عبادةَ من عَبَدَني وَوَحَّدني (٢).
وقال الشيخ ابن عثيمين في "شرحه للعقيدة الواسطية" ٤٦٠ ما خلاصته: اعلم أن من العلماء من قسم قرب الله إلى قسمين، كالمعية، وقال: القرب الذي مقتضاه الإحاطة قرب عام، والقرب الذي مقتضاه الإجابة والإثابة قرب خاص، ومنهم من يقول. إن القرب خاص فقط، مقتض لإجابة الداعي وإثابة العابد، ولا ينقسم، مستدلين بهذه الآية، وبقوله - ﷺ -: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد". رواه مسلم (٤٨٢) كتاب الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود، وهذا اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم، وقد أورد على قولهما: قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ﴾ وقوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ﴾، وهاتان عامتان في المؤمن والكافر، وأجيب بأن القرب فيهما إنما هو للملائكة، ألا ترى أنه قال بعد الأولى: إذ يتلقى المتلقيان، وهما من الملائكة، وقال في الثانية: ولكن لا تبصرون، أي: لا تبصرون الملائكة وهم حاضرون لقبض الروح.
(٢) هذه من رواية عطاء، وقد تقدم الحديث عنها.
وقال ابن الأنباري: ﴿أُجِيبُ﴾ هاهنا معناه: أسمع؛ لأنه أَخْبَر عن قُرْبه تعالى، وظاهر القُرْب يدل على السماع لا على الإجابة، والإجابة قد تكون في بعض المواضع بمعنى السماع؛ لأنها تترتب على السماع، فسمى السماعَ إجابةً، كما تقول: دعوت من لا يجيب، أي: دعوت من لا يسمع.
قال الشاعر:
منزلة صَمَّ صداها وعَفَتْ | أرسُمُها إن سُئلتْ لم تُجبِ (٢) |
وأنشد أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي:
دعوتُ الله حتى خِفْتُ أن لا | يكونَ اللهُ يَسْمَعُ ما أقولُ (٣) |
(٢) البيت بلا نسبة في "لسان العرب"١/ ٦١٨، ٢/ ١١٥٢.
(٣) البيت لسمير بن الحارث الضبي في "تاج العروس" ١١/ ٢٢٧ (سمع)، وفي "نوادر أبي زيد" ص ١٢٤.
وقال السدي: ما من مؤمن يدعو الله إلا استجاب له، فإما أن عجل له في الدنيا، وإما ادّخر (٢) له في الآخرة، أو دفع به عنه مكروهًا (٣).
و ﴿أُجِيبُ﴾ موضعه نصبٌ (٤) على الحَال، تأويله: فإني قريبٌ مجيبًا دعوةَ الداعي، فلما كان مستقبلًا رفع بما في أوله، ويجوز أن يكون مستأنفًا منقطعا مما قبله، ويجوز أن يكون محمولًا على ﴿قَرِيبٌ﴾. تأويله: فإني قريبٌ مجيب، فلما كان في لفظ الاستقبال رفع بالألف، وتأويله الرفع على النعت لقريب (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾ أي: فليجيبوني بالطاعة وتصديق الرسل. وأجاب واستجاب بمعنى (٦).
قال كعب الغنوي (٧):
(٢) في (ش): (أخر).
(٣) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٢/ ١٥٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣١٤.
(٤) في (ش): (نصبًا).
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٤٥، وذكر أيضا إعرابًا آخر، وهو أن أجيب خبر بعد خبر.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٩، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣١٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٣٥.
(٧) هو: كعب بن سعد بن عمرو الغنوي، من بني غنى، شاعر جاهلي حلو الديباجة يقال له: كعب الأمثال، لكثرة ما في شعره من الأمثال، أكثر شعره في رثاء أخ له قتل في حرب ذي قار قال عنه الأصمعي بين أصحاب المراثي: ليس في الدنيا مثله. وقد رد الزركلي وعبد العزيز الميمني قولَ الغدادي والبكري: إنه شاعر =
وداعٍ دَعَا يا (١) مَنْ يُجِيبُ إلى النَّدى | فلم يَسْتَجِبْه عندَ ذَاك مُجِيْبُ (٢) |
وغيثٍ من الوسمي حُوٍّ تِلاعُه | أجابت روابيه النِّجَاءَ هَوَاطِلُه (٤). |
(١) في (ش): (دعانا).
(٢) البيت في "الأصمعيات" ص ٩٦، "الأمالي" لأبي علي ٢/ ١٥١ "مجاز القرآن" ١/ ٦٧ "لسان العرب" ١/ ٢٨٣ (جوب).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٥٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٣٦، "البحر المحيط" ٢/ ٤٧.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ١٢٧. و"المخصص" لابن سيده ١٠/ ١٩٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٣٦، والوسمي: أول المطر، وحُوّ: تضرب إلى السواد من شدة خضرة نبتها، والتلاع: مسيل ما ارتفع من الأرض إلى بطن الوادي، والروابي: ما ارتفع من الأرض، وهواطله: مواطره، والهطل: مطر لين ليس بالشديد ينظر: "الديوان بشرح ثعلب" ص ١٢٧.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٤٧.
١٨٧ - قوله تعالى: ﴿أُحِلَّ لَكُمْ﴾ الآية قال المفسرون: كان في أول فرض الصيام الجماع محرَّما في ليل الصيام، والأكل والشرب بعد العشاء الآخرة، فأحل الله عز وجل ذلك كله إلى طلوع الفجر (٣).
وقوله تعالى: ﴿لَيْلَةَ الصِّيَامِ﴾ أراد: لَياليَ الصِّيام، فأوقع الواحد مَوْقِعَ الجماعة (٤)، ومنه قول العباس بن مرداس (٥):
فقلنا اسلموا إنا أخوكم | فقد برئت من الإِحنِ الصُّدُور |
عن اللَّغَا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ (٧)
(٢) ينظر: "المفردات" للراغب ص ٢٠٢، وقال: وقال بعضهم: الرَّشَد أخص من الرُّشْد، فإن الرشد يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والرَّشَد يقال في الأمور الأخروية لا غير، والراشد والرشيد يقال فيهما جميعا.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٥، وقد اختصر المؤلف قصة سبب النزول، وهي مطولة، ينظر: في "تفسير الطبري" ٢/ ١٦٥ - ١٦٧، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٤٦، وابن كثير ١/ ٢٣٥، ورواها البخاري (١٩١٥، ٤٥٠٨).
(٤) ينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٧.
(٥) انظر التعليق عند تفسير [البقرة: ٦١].
(٦) في (م): (فأما).
(٧) قبله:
وَرَبِّ أسرابِ حجيج كُظَّمٍ
وهو للعجاج، من ميميته الطويلة في "ديوانه" ص ٢٩٦، وأسراب: قطع، وكُظَّم: لا تتكلم بالكلام القبيح واللغا بفتح اللام: اللغو من الكلام. "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٩
قال أبو إسحاق: الرَّفَثُ: كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة (٢).
وقال عطاء فيما روى عن ابن عباس: الرفث: الجماع (٣).
قال ابن عباس: إن الله حيي كريم يكني، فما ذكر الله في القرآن من المباشرة والملامسة والإفضاء والدخول والرفث فإنما يعنى به الجماع (٤).
قال الزجاجي: قد تأملنا الألفاظ الواردة عن العرب، المستعملة في معنى الجماع، فما وجدنا فيها لفظةً وُضِعَتْ حقيقة في معنى الجماع حتى
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٥.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٦١ من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣١٥ من طريق سعيد بن جبير، قال ابن أبي حاتم: وروي عن عطاء ومجاهد وسعيد بن جبير وطاوس والحسن والضحاك وإبراهيم النخعي، وسالم بن عبد الله والسدي، وعمرو بن دينار وقتادة والزهري ومقاتل بن حيان وعطاء الخراساني نحو ذلك. وينظر: "تفسير ابن كثير" ١/ ٢٣٥ - ٢٣٦، "الدر المنثور" ١/ ٣٥٨.
(٤) رواه الثوري في "تفسيره" ص ٦٣، والطبري ٢/ ١٦١، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٧، وعزاه في "الدر" ١/ ٣٥٩ إلى ابن المنذر والبيهقي، وذكره الثعلبي ٢/ ٣٤٩، والبغوي ١/ ٢٠٧.
وقالوا: بَاضَعَها كأنه باشر بُضْعَها، ولم يقولوا: فارجها، وصارت المباضعة كالحقيقة في معنى الجماع؛ لأنهم لا يستعملونها في غيره، ألا ترى أنهم يقولون: غَشِيَها وتَغَشَّاها، ووَطِئَها وتوطاها، وقربها، وبَطَنَها وتَبَطَنَها، وكل هذه الألفاظ موضوعةٌ لغير هذا المعنى (١).
وذكر جماعة من أهل هذه الصناعة: أن صريحَ اللفظ المستعمل في المباضعة قولهم: ناك ينيكُ نَيْكا، وليس كما ذهبوا إليه؛ لأن هذه اللفظة مستعارة أيضا، وقد ذكر أبو زيد عن العرب: ناكَ النعاسُ عينَهُ، ونكح النعاس بمعنى (٢)، فجعل أصل الكلمة اللزوم والمواظبة.
وأما معنى النكاح فسنذكره عند قوله: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ [البقرة: ٢٢١]، إن شاء الله.
قال أبو عبيدة: الرّفث إلى نسائكم: الإفضاء إلى نسائكم (٣)، قال الأخفش: وانما عدّاه بإلى لأنه كان بمعنى الإفضاء (٤).
(٢) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٥٩، "اللسان" ٨/ ٤٥٣٧.
(٣) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٧، "البحر المحيط" ١/ ٤٨.
(٤) لم أجده في "معاني القرآن" للأخفش.
إذا ما الضجيعُ ثنى جيدَها | تثنّتْ فكانت عليه لباسا (٤) |
فدًى لك من أخي ثقةٍ إزاري (٦)
(٢) ينظر: "تأويل مشكل القرآن" ١٤١، "تفسير الطبري" ٢/ ١٦٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٦، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٢٨، ٣٢٢٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٥١، "البحر المحيط" ١/ ٤٩.
(٣) هو: قيس بن عبد الله بن عدس بن ربيعة الجعدي العامري، شاعر مفلق، صحابي من المعمرين، اشتهر في الجاهلية وسمي النابغة؛ لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله، هجر الأوثان ونهى عن الخمر في الجاهلية، ثم وفد إلى الرسول - ﷺ - فأسلم، توفي سنة ٥٥ هـ. ينظر: "الإصابة" ٣/ ٥٣٧، "الأعلام" ٥/ ٢٠٧.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ٨١، "تأويل مشكل القرآن" ١٤٢ "الشعر والشعراء" ١/ ٢٩٩ "تفسير الطبري" ٢/ ١٦٢، "لسان العرب" ٧/ ٣٩٨٦. ويروى عطفها بدل جيدها. وتداعت بدل تثنت.
(٥) في (ش): (الريض).
(٦) صدر البيت:
ألا أبلغ أبا حفص رسولًا
وهو لنفيلة الأكبر الأشجعي، وكنيته أبو المنهال، وكان كتب إلى عمر بن =
أكِبرٌ غَيّرني أم بيت (٢)
وقول (٣) الآخر:
جاء الشتاء ولمّا أتخِذْ رَبَضًا (٤)
وهذا المعنى الذي ذكرناه في اللباس (٥) هاهنا موافق لما قاله المفسرون، قال الربيع: هن فراش لكم وأنتم لحاف لهن (٦).
وقال ابن زيد في قوله: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ﴾ قال:
(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٥٤، "غريب الحديث" للخطابي ٢/ ١٠١، "الصحاح" للجوهري ٢/ ٥٧٨.
(٢) البيت لمجهول، ذكره في "الأمالي" لأبي علي ١/ ٢١، وفي "أساس البلاغة" ١/ ٧٢ (بيت)، وفي "لسان العرب" ١/ ٣٩٣ (بيتا).
(٣) في (ش): (وقال).
(٤) عجز البيت:
ياويح كفي من حفر القراميص
وهو في "اللسان" ٣/ ١٥٥٩، بغير نسبة.
(٥) ينظر في اللباس: "تفسير الطبري" ٢/ ١٦٢، ١٦٣، ابن أبي حاتم ١/ ٣١٦، "المفردات" ٤٥٠، " اللسان" ٧/ ٣٩٨٦ (لبس).
(٦) ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٠٧ بهذا اللفظ، ورواه الطبري عنه ٢/ ١٦٣، ابن أبي حاتم ١/ ٣١٦ ولفظهما: هن لحاف لكم وأنتم لحاف لهن، وكذا ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٣٥٢.
قال عمرو بن يحيى (٣): ليس شيء من الحيوان يتبطن طروقته غير الإنسان والتمساح. وزاد غيره: الدُبُّ. ومعنى تبطن: أتى من جهة البطن (٤).
وقيل: ﴿هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ﴾ أي: سكن لكم وأنتم سكن لهن، وهو قول ابن عباس في جميع الروايات (٥)، وقول مجاهد (٦) وقتادة (٧).
والمعنى: أنكم تلابسونهن وتخالطونهن بالمساكنة، وهن كذلك، أي: قَلَّ ما يَصْبرُ أحد الزوجين عن الآخر.
ويقال: إنما سُمِي الزوجان (٨) لباسًا؛ لسَتر كل واحد منهما صاحبه عما لا يحلّ (٩)، كما جاء في الخبر: (من تزوج فقد أحرز ثلثي دينه) (١٠).
(٢) "تفسير البغوي" ١/ ٢٠٧.
(٣) في (ش): (عمرو بن بحر) أقول لعله الجاحظ فليلاحظ
(٤) "حياة الحيوان الكبرى" للدميري ١/ ١٦٤. (ط. دار الفكر).
(٥) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣١٦، وقال بعده: وروي عن مجاهد وسعيد ابن جبير وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" عنه ٢/ ١٦٣، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٦.
(٧) رواه الطبري عنه ٢/ ١٦٣.
(٨) في (م): (سمي الزوجين).
(٩) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٦٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٢٥، "تفسير البغوي" ١/ ٢٠٧، "التفسير الكبير" ٥/ ١٠٦، "البحر المحيط" ١/ ٤٨.
(١٠) ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٠٧، دون إسناد، والحديث لفظه في كتب السنة الأخرى: "من تزوج فقد استكمل نصف دينه، أو نصف الإيمان" رواه الطبراني في "الأوسط" عن أنس برقم ٧٦٤٣، ورقم ٨٧٨٩، والأصفهاني في "الترغيب =
وقوله تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ﴾ يقال: خَانه خَوْنًا وخِيانَةً ومَخَانَةً واخْتَانَه اخْتِيانًا: إذا لم يف له، والسيف إذا نبا عن الضريبة فقد خانك، وخَانَه الدهرُ والنعيمُ: إذا تغير حاله إلى شر منها.
قال ابن قتيبة: الخيانة: أن يؤتمن الرجلُ على شيء فلا يؤدي الأمانةَ فيه، وناقض العهدِ خائن؛ لأنه آمن بالعهد فغدره، ومنه قوله: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً﴾ [الأنفال: ٥٨]. أي: نقضا للعهد، ويقال لعاصي المسلمين: خائن؛ لأنه مؤتمن على دينه، ومنه قوله: ﴿لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ [الأنفال: ٢٧]، أي: بالمعاصي (٢).
(١) في (ش): (وجد).
(٢) ينظر في "خان": "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٧٤، "الكشاف" للزمخشري ١/ ١١٥، وقال: الاختيان من الخيانة، كالاكتساب من الكسب، فيه زيادة وشدة، "اللسان" ٣/ ١٢٩٤، "المفردات" للراغب ص ١٦٧، قال: والاختيان: مراودة الخيانة، ولم يقل تخونوا أنفسكم؛ لأنه لم تكن منهم الخيانة، بل كان منهم الاختيان، فإن الاختيان تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة. اهـ. أقول: وسبب النزول يدل على وقوعهم في الجماع المحظور.
وقوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ﴾ يريد: عمر وأصحابه، وذلك أنه واقع أهله بعد ما صلى العشاء الآخرة، فلما اغتسل أخذ يبكي، فأتى النبي - ﷺ - وطلب الرخصة، واعترف رجال بمثل ما صنع عمر فنزلت هذه الآية فيه وفي أصحابه (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ أمر إباحة (٤)، والمباشرة: المجامعة؛ لتلاصق البشرتين وانضمامهما (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أكثر المفسرين على أن المراد بهذا: الولد، أي: اطلبوا بالمباشرة ما قضى الله لكم من الولد (٦).
(٢) ينظر أسباب النزول فيما تقدم.
(٣) تنظر الروايات في ذلك عند الطبري ٢/ ١٦٣ - ١٦٧، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٦، والثعلبي ٢/ ٣٤٦.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٥٦.
(٥) "تفسير الطبري" ٢/ ١٦٨، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٧، "الثعلبي" ٢/ ٣٥٤، "البغوي" ١/ ٢٠٧، "التفسير الكبير" ٥/ ١٠٨.
(٦) ذكر الآثار في ذلك: الطبري ٢/ ١٦٩ - ١٧٠، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٧ عن أنس وابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن والسدي والربيع وابن زيد والضحاك بن مزاحم وشريح وعطاء وسعيد بن جبير والحكم بن عتيبة وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان. وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٥٥، "تفسير البغوي" ١/ ٢٠٧، "الدر المنثور" ١/ ٣٥٩.
وقال أبو إسحاق: الصحيح عندي أن ما كتب الله لنا هو (٤) القرآن، أي: اتبعوا القرآن فيما أبيح لكم فيه (٥) وأمرتم به (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ أمر إباحة حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود (٧) روي في تفسير هذا عن النبي - ﷺ - أنه قال لعدي بن حاتم: "إنما ذاك بياض النهار من سواد الليل" (٨).
وبهذا قال عامة أهل التفسير (٩)، والعرب قد تكلمت بهذا اللفظ في
(٢) رواه عنه الطبري ٢/ ١٧٠، وذكره عنه الثعلبي ٢/ ٣٥٦، البغوي ١/ ٢٠٧.
(٣) رواه عنه الطبري ٢/ ١٧٠، وابن أبي حاتم ١/ ٣١٧، وذكره الثعلبي ٢/ ٣٥٦، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٢٢٧.
(٤) هو: سقطت من (م).
(٥) سقطت من (ش).
(٦) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٦ بمعناه، وقد بين الطبري ٢/ ١٧٠ أن كل الأقوال المذكورة مرادة، وهو مما كتب الله، لكن أشبه المعاني بظاهر الآية من قال: إن المراد به الولد؛ لأنه ورد عقيب قوله: جامعوهن.
(٧) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ١٠٩، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٩١.
(٨) أخرجه البخاري (١٩١٦) كتاب الصوم، باب قول الله: وكلوا واشربوا، ومسلم (١٠٩٠) كتاب الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر.
(٩) ينظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٨، "تفسير غريب القرآن" ص ٧٤، "تفسير الطبري" ٢/ ١٧٠ - ١٧٢، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣١٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٦٣، "البغوي" ١/ ٢٠٨.
الخيط الأبيض لون الصبح منفلق | والخيط الأسود لون الليل مركوم (٢) (٣) |
فَلمّا أَضَاءت لنا غُدْوَة | ولاحَ من الصُّبْح خَيْطٌ أَنَارا (٥) |
(٢) في (ش): (مزكوم).
(٣) البيت في "ديوانه" ص ٧٧، وذكره الثعلبي دون نسبة ٢/ ٣٦٤ ولفظه:
الخيط الأبيض وقت الصبح منصدع | والخيط الاسود جوز الليل مركوم |
(٤) جارية بن الحجاج بن حذاق، وقيل: حنظلة بن المشرقي، أبو دواد الإيادي، تقدمت ترجمته.
(٥) البيت لأبي دواد الإيادي في "ديوانه" ص ٣٥٢، "الأصمعيات" ص ١٩٠، "غريب الحديث" للخطابي ١/ ٢٣٣، "لسان العرب" ٣/ ١٣٠٢ خيط. ورواية الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٧٦، سُدْفَة، بدل: غدوة، والسدفة: ظلمة الليل في لغة نجد، والضوء في لغة قيس، وهي أيضًا اختلاط الضوء والظلمة جميعًا وهذا مراد الشاعر. والخيط: اللون هنا يكون ممتداً كالخيط.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٧٦ - ١٧٧، "تفسير البغوي" ١/ ٢٠٨، "التفسير الكبير" ٥/ ١٠٩ - ١١٠.
(٧) في (ش): (إنهما).
(٨) في (ش): (شبّها).
حتى تُخَيَّطَ (١) بالبياض قروني (٢)
البيت لبدر الهذلي، وأوله:
آليت لا أنسى منيحة واحدٍ
يعنى بالمنحة: هجاء مهاجيه (٣).
وقرأت على أبي الحسين الفسوي: أخبركم حمد بن محمد، قال: أنشدنا الحسن بن خلّاد، قال: أنشدني دريد، قال: أنشدنا ابن أخي الأصمعي، عن عَمِّه، لرجل يصف ليلًا:
كأن بقايا (٤) الليل في أخرياته | مُلاءٌ يبقى (٥) من طيالسة خضرِ |
تخال بقاياه التي أسأر الدجى | تمدُّ وشِيعًا فوق أرديةِ الفجرِ (٦) |
وقال الزجاج: هما فجران، أحدهما: يبدو أسود معترضًا، وهو الخيط الأسود، والأبيض: الذي يطلع ساطعًا يملأ الأفق (٧)، فعندهما
(٢) عجز بيت ذكر الواحدي بعده صدره، وهو من قول بدر بن عامر الهذلي في "الأغاني" ٢٤/ ١٦٦.
(٣) من قوله البيت: البدر... ساقط من: (ش).
(٤) في (ش): (بقانا).
(٥) في (م): (كأنها سقى).
(٦) لم أهتد إلى قائله أو من ذكره.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٧، والفجر فجران: أحدهما: يسطع في السماء مستطيلا كذنب السرحان (الذئب) ولا ينتشر، وهو الفجر الكاذب، فذاك لا يحل=
وقوله تعالى: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾ الفجر: مصدر قولك: فَجَرْتُ الماء أَفْجُره فَجْرًا، وفَجرتُه تفجيرًا، فانفجر انفجارًا، إذا سال.
قال الأزهري: أصله: الشق، ومنه: فَجْرُ السِّكْر (١)، فعلى هذا، الفجر في آخر الليل: هو شق عمود الصبح الليل، شَبَّه شقَّ الضوءِ ظُلْمةَ الليل بفجر الماء الحوض (٢).
قال سهل بن سعد (٣): لما نزل قوله: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ كان الرجل إذا أراد الصوم ربط في رجله خيطين أسود وأبيض، فلا يزال يأكل ويشرب حتى يتبين له رِئْيُهُما، فأنزل الله: ﴿مِنَ الْفَجْرِ﴾، فعلموا أنه يعني: الليل والنهار (٤). فالأكل للصائم بالليل
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٧٧، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٤٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٦٧، "المفردات" ٧٥، "اللسان" ٦/ ٣٣٥١ (فجر).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٦٧.
(٣) هو سهل بن سعد بن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي، أبو العباس، له ولأبيه صحبة، توفي سنة ٨٨ هـ. وقيل بعدها. ينظر: "أسد الغابة" ٢/ ٤٧٢، "تقريب التهذيب" ص ٢٥٧ (٢٦٥٨).
(٤) رواه البخاري (٤٥١١) كتاب التفسير، باب: قوله: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض وكذا برقم (١٩١٧) كتاب الصوم، باب: قول الله: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾، ومسلم (١٠٩١) كتاب الصيام، باب: بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر.
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ جعل الليل منتهى الصوم، ولم يُدْخِل الليلَ في الصوم، كما دخل المرفق في الغسل في قوله: ﴿وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦] لأن الليل ليس من جنس النهار، والمرفق (من جنس اليد) (٢).
قال أحمد بن يحيى: سبيل الغاية الدخول والخروج، وكلا الأمرين فيهما ممكن، كما تقول: أكلتُ السمكةَ إلى رأسها، جائز أن يكون الرأس داخلًا في الأكل وخارجًا منه، وخرج الليلُ من الصوم؛ لأنه لا يشك ذو عقل أن الليل لا يُصام، ودخلت المرافق في الغسل أخذًا بالأوثق، ثم انضم إلى هذا تبيين السنة (٣).
(٢) ساقط من (م).
(٣) قد بينت السنة ذلك بقوله - ﷺ -: "إذا أقبل الليل من هاهنا، وأدبر النهار من هاهنا، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم"، رواه البخاري (١٩٤١) كتاب الصوم، باب:=
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ قال المفسرون: كان الرجلُ يخرجُ من المسجد وهو معتكف فيجامع ثم يعود، فنهوا عن ذلك ما داموا معتكفين (٢)، فالجماع يفسد الاعتكاف، وأما المباشرةُ غيرُ الجماع مما يُقْصدُ به التلذُّذُ فهو مَكْروه، ولا يفسده، وما لا يقصد به التلذذ فلا يكره (٣).
(١) ينظر: "المغني" ٤/ ٤٣٢ - ٤٣٧، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٢٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٠٦، "التفسير الكبير" ٥/ ١١١ - ١١٢، وقد نقل كلام الواحدي هذا برمته.
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٧، وروى الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٨٠، عن مجاهد والضحاك والربيع وقتادة معنى ذلك، وينظر ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣١٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٧٥.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٠ - ١٨٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٧٤، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣١١، وبين أن من جامع زوجته وهو معتكف عامدا، أنه أفسد اعتكافه بإجماع أهل العلم، واختلفوا فيما عليه إذا فعل ذلك، فأما المباشرة من غير جماع فإن قصد بها التلذذ فهي مكروهة، وان لم يقصد لم يكره، لأن عائشة كانت ترجل رأس رسول الله - ﷺ - وهو معتكف، رواه البخاري (٢٠٢٨) كتاب الاعتكاف، باب: الحائض ترجل رأس المعتكف، ومسلم (٢٩٧) كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، وكانت لا محالة تمس بدن رسول الله - ﷺ - بيدها، هذا قول عطاء والشافعي وابن المنذر، قال أبو عمر (يعني: ابن عبد البر): وأجمعوا على أن المعتكف لا يباشر ولا يقبل، واختلفوا فيما =
قال الأزهري: ومن هذا: حدود الأرضين، وحدود الحرم.
قال أهل اللغة: أصل الحد: الصرفُ والمنعُ عن (١) ومنه يقال للمحروم: محدودٌ؛ لأنه ممنوع عن الرزق، ولهذا قيل للبواب: حدَّاد؛ لأنه يمنع الناس من الدخول، قال الأعشى:
وقُمْنا ولَّما يَصِحْ ديكُنَا | إلى جَوْنَةٍ عند حَدَّادها (٢). |
...... فاحدُدْها عن الفَنَد (٤)
(١) في نسختى (أ) (م): (عن)، وكأن في الكلام باقيًا لم يذكر.
(٢) ورد البيت هكذا:
فقمنا ولما يصحْ ديكنا | إلى خمرة عند حدّادها |
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٠.
(٤) تمام البيت:
إلا سليمان إذ قال الإله له | قم في البرية فاحددها عن الفند |
قال الأزهري: حدود الله على ضربين.
ضرب منها: ما حُدَّ للناسِ في مطاعمهم ومشاربهم ومناكحهم وغيرها مما أحل وحرم، وأمر بالانتهاء إليها (٢)، ونهى عن تعدّيها.
والضرب الثاني: عقوبات جعلت لمن تعداها (٣) كحد السارق وحد الزاني وحد القاذف، سميت حدودًا؛ لأنها تحدُّ، أي: تمنع من ارتكاب المعاصي التي جعلت عقوباتٍ فيها، وسميت الأولى حدودًا؛ لأنها نهايات أمر الله لا تُتَعَدَّى (٤).
وعلى ما ذكر الأزهري، وهو حسن صحيح، الضرب الأول سمي حدودًا؛ لأنها ممنوعة لا تؤتى، كالأكل بعد الفجر في الصوم، والضرب الثاني: مانعٌ، والمصدر يطلق على المفعول والفاعل كثيرًا، كقولهم: نسجُ اليمن، وضربُ الأمير، وقوله عز وجل: ﴿إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا﴾ [تبارك: ٣٠].
ويؤكد ما ذكرنا من المعنى في الحدود قوله تعالى: ﴿فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ أي: لا تأتوها فبيّن أنها ممنوعة (٥).
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٥٤٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٧، ٣٠٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٧٩، "تهذيب اللغة" ١/ ٧٥٩ (حدد).
(٢) عبارة الأزهري في "تهذيب اللغة" وأمر بالانتهاء عما نهي عنه منها.
(٣) عبارة الأزهري في "تهذيب اللغة" عقوبات جعلت لم ركب ما نهي عنه.
(٤) من "تهذيب اللغة" ١/ ٧٥٩ (حدد) بتصرف.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٢، "التفسير الكبير" ٥/ ١١٥.
١٨٨ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ أي: لا يأكل (٢) بعضكم مالَ بعضٍ. فأضافَ الأموالَ إليهم؛ لأن المؤمنين كجسد واحدٍ في توادِّهم وتعاطفِهم وتَرَاحمِهم، كذا قال رسول الله - ﷺ - (٣). ومثله قوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ معنى الباطل في اللغة: الذاهب الزائل، يقال: بَطَلَ الشيء يبطُل بُطْلًا وبُطولًا فهو باطل، ويجمع الباطل: بَوَاطل، وأَبَاطِيل جمع أُبْطُولَة، ويقال: بَطَل الأجيرُ يَبْطُلُ بِطَالَة، إذا تَعَطَّل واتبع اللهو، ومثله: تبطّل (٥).
(٢) في (أ): (لأكل).
(٣) عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - ﷺ -: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أخرجه البخاري في الأدب باب: رحمة الناس والبهائم (٦٠١١)، ومسلم في: البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم، وتعاضدهم (٢٥٨٦) (٦٠١١) كتاب الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم، ومسلم (٢٥٨٦) كتاب البر والصلة، باب: تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٠، "التفسير الكبير" ١/ ١١٦. وقال: اعلم أنهم مثلوا قوله تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ﴾، بقوله: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ﴾، وهذا مخالف لها؛ لأن أكله لمال نفسه بالباطل يصح كما يصح أكله مال غيره.
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٥٠ بطل، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٣، "الصحاح" ٤/ ١٦٣٥، "المفردات" ص٦١، "اللسان" ١/ ٣٠٢ بطل.
قال أهل المعاني: الأكلُ بالباطل على وجهين:
أحدهما: أن يكون على جهة الظلم، من نحو: الغَصْب والخيانة والسرقة، والثاني: على جهة اللهو واللعب، كالذي يُؤْخَذُ في القمار والملاهي ونحوها، كلُّ ذلك من أكل المال الباطل (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ في محل ﴿وَتُدْلُوا﴾ من الإعراب قولان (٣) ذكر في قوله: ﴿وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ﴾ [البقرة: ٤٢]. وأصل الإدلاء في اللغة: إرسال الدلو وإلقاؤها في البئر، قال الله تعالى: ﴿فَأَدْلَى دَلْوَهُ﴾ [يوسف: ١٩]، ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاءً، ومنه يقال للمحتج: أدلى بحجته، كأنه يرسلها ليصل إلى مراده إدلاءَ المستقى الدلوَ ليصل إلى مطلوبه من الماء، ويقال: فلان يُدلي إلى الميت بقرابة ورَحِم، إذا كان يَمت إليه من هذا؛ لأنه يطلب الميراث بتلك القرابة طلب
(٢) ينظر. "تفسير القرطبي" ٢/ ٣١٧، "زاد المسير" ١/ ١٩٤، ونقل عن القاضي يعلى أن الباطل على وجهين: أحدهما: أن يأخذه بغير طيب نفس من مالكه كالسرقة. والثاني: أن يأخذه بطيب نفسه كالقمار والغناء وثمن الخمر.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٤، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣١٩، "التبيان" للعكبري ١/ ١٢٠، وذكر الوجهين، وهما: الجزم عطفًا على لا تأكلوا، والنصب على معنى الجمع أي: لا تجمعوا بين أن تأكلوا وتدلوا، وقيل: نصب بإضمار أن الخفيفة، وقال الأخفش: نصب على الجواب بالواو. ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٦، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٥٣.
ومعنى قوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أي: تلقون أمورَ تلك الأموال بينكم وبين أربابها إلى الحكام.
قال ابن عباس: نزلت في الرجل يكون عليه مال، وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال، ويخاصم فيه إلى الحكام، وهو يعرف أن الحقَّ عليه، ولعلم أنه آثمٌ آكلُ حرامٍ (٢).
وقال الحسن: هو أن يكون على الرجل لصاحبه حَقٌّ، فإذا طالبه به دعاه إلى الحاكم فيحلف له، ولذهب بحقه (٣). وعلى هذا المعنى تفسير لفظ الآية ما ذكره الزجاج، وهو أنه قال: معنى أدلى فلان بحجته: إذا أرسلها، وأتى بها على صحة. قال: فمعنى قوله: ﴿وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ﴾ أي: تعملون على ما يوجبه ظاهر الحكم والإدلاء بالحجة، وتتركون ما قد علمتم (٤)، وقد قال - ﷺ -: "إنما أنا بشر، ولعل بعضَكُم أن يكون أَلْحَنَ بِحُجَّتِه من بعض" الحديث (٥).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" عنه ٢/ ١٨٣، وابن أبي حاتم ١/ ٣٢١، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣٦٦ إلى ابن المنذر.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٣٨٧، وذكر ابن أبي حاتم ١/ ٣٢١، عن الحسن أنه قال: لا تخاصم وأنت تعلم أنك ظالم.
(٤) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٥٨.
(٥) أخرجه البخاري (٧١٦٩) كتاب الشهادات، باب: موعظة الإمام للخصوم، ومسلم (١٧١٣) كتاب الأفضية، باب: الحكم بالظاهر واللحن بالحجة.
قال الأزهري: وهذا عندي أصح القولين؛ لأن الهاء في قوله ﴿بِهَا﴾ للأموال، وهي على قول الزجاج للحجة، ولا ذكر لها في الكلام (٢). واختار ابن قتيبة أيضًا قول الفراء، فقال: يقول: لا تُدْلِ بمالِ أخيك إلى الحاكم ليَحكمَ لك به وأنت تعلم أنك ظالم له (٣).
وقوله تعالى: ﴿لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا﴾ أي: طائفة (٤). ﴿مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ﴾ قال ابن عباس: يريد باليمين الكاذبة (٥).
وقال غيرُه: بالباطل (٦)، يعني: بأن يرشو الحاكم ليقضي له ﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنكم مبطلون وأنه لا يحلُّ لَكم (٧).
١٨٩ - قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ الآية. قال المفسرون: سأل معاذ بن جبل رسول الله - ﷺ - عن زيادة القمر ونقصانه؟ فأنزل الله هذه الآية (٨).
(٢) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢١٤ (دلو).
(٣) "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٧٥.
(٤) "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٢٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٦، "البحر المحيط" ٢/ ٥٧.
(٥) هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٣٨٦.
(٧) "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٢٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٨٦، "البحر المحيط" ٢/ ٥٢.
(٨) رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" ١/ ٤٩٣، وعزاه السيوطي في "لباب النقول" =
وقال أبو الهيثم: يسمى القمر لليلتين من أول الشهر وليلتين (٣) من آخر الشهر: هلالًا، ويسمى ما بين ذلك: قمرًا، وسمي الهلال هلالاً: لأنه حين يرى يُهلِّ الناس بذكر الله وبذكره (٤).
ويقال: أُهِلّ الهلال، واستُهِلّ، وأهللنا الهلال، واستَهْلَلْناه (٥)، إذا بُني الفعل للهلال ضُمَّ، وإذا بُنِيَ للرائين فُتِح. هذا قول عامة أهل اللغة، وقال شمِر: يقال: استَهَلَّ الهلال أيضًا وشهر مُستَهِلٌّ، وأنشد:
(١) في (م): (تراها).
(٢) في (م) و (أ): (له).
(٣) من قوله: (ثم يكون قمرًا بعد ذلك). ساقط من (أ)، (م).
(٤) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٣٩٢.
(٥) في (م): (استهللنا).
وشهرٌ مُستهلٌّ بعد شَهْر | وحَوْلٌ بعدَه (١) حولٌ جديد (٢) (٣) |
أخبرَ اللهُ سبحانه أن الحكمةَ في زيادة القمر ونقصانه زوال الالتباس عن أوقات الناس في حَجِّهم (٦)، وحَلِّ ديونهم، وعِدَدِ نسائهم، وأجور أُجَرَائِهم، ومُدَدِ حواملهم، ووقت صومهم وإفطارهم، فقال: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ (٧).
والمواقيت: جمع الميقات، والميقات: الوقت، كالميعاد بمعنى الوعد. وقال بعضهم: الميقات: منتهى الوقت، قال الله تعالى ﴿فَتَمَّ مِيقَتُ رَبِّهِ﴾ [الأعراف: ١٤٢] والهلال: ميقات الشهر، ومواضع الإحرام:
(٢) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٨/ ٤٦٩٠ (هلل). ورواية "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٨٤ (هلل: ويومٌ بعده يومٌ قريب).
(٣) ينظر في هلال: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٨٤ - ٣٧٨٨، "المفردات" ص٥٢٢، "اللسان" ٨/ ٤٦٩٠ (هلل).
(٤) في "معاني القرآن" للزجاج: نحو هلل وخلل، فقالوا: أهلة وأخلة.
(٥) من "معاني القرآن" ١/ ٢٦٢.
(٦) في (ش): (حجتهم).
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٩٢، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٥، "البحر المحيط" ٢/ ٦١.
أقلي اللومَ عاذلَ والعتابا (٣)
فالألفُ بدلٌ من التنوين، وليس هو تنوين الصرف الذي يدل على تَمَكُّن الاسم، وإنما هو للفاصلة (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ قال عامة أهل التفسير: كان أهلُ الجاهلية وفي أول الإسلام إذا أحرم الرجل منهم نَقَبَ في بيته نَقْبًا من مُؤَخَّرِه يخرج منه ويدخل، إلا قريشًا ومن دانوا بدينهم، فبينما رسول الله - ﷺ - وهو (٥) محرم، ورجل محرم فرآه دخل من باب حائط، فاتبعه ذلك الرجل، فقال له: تنح عنى، قال: ولم؟ قال: دخلت من الباب وأنت محرم! فوقف ذلك الرجل فقال: إني رضيت بسنتك وهديك، وقد
(٢) ينظر في المواقيت: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٣٩٢، "المفردات" ٥٤٤، "البحر المحيط" ٢/ ٥٩، "اللسان" ٨/ ٤٦٩٠ (هلل).
(٣) عجز البيت:
وقولي إن أصبت لقد أصابا
مطلع قصيدة لجرير يهجو فيها عبيدا الراعي والفرزدق في "ديوانه" ص ٨١٣، "أوضح المسالك" ١/ ١٤. وقوله: عاذل: هو مرخم عاذلة، وهو اسم فاعل مؤنث من العذل، وهو اللوم والتوبيخ.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٨/ ٣٩٧، "أوضح المسالك" ١/ ١٤.
(٥) ساقطة من (ش).
(٢) سقطت من (ش).
(٣) أورده بهذا اللفظ الثعلبي ٢/ ٣٩٤، وكذا ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٥٦، دون سند، وقد جمعه من آثار متفرقة كما ذكر الحافظ في "العجاب" ١/ ٤٥٨، وقد روي نحو هذا عن جابر، رواه ابن أبي حاتم ١/ ٣٢٣، والحاكم ١/ ٦٥٧، وصححه وعزاه الحافظ في "الفتح" ٣/ ٦٢١ إلى ابن خزيمة وعبد بن حميد وأبي الشيخ وبقي، وقال في "العجاب" ١/ ٤٥٦: هو على شرط مسلم ولكن اختلف في إرساله ووصله، وروى الطبري ٢/ ١٨٨، وابن أبي حاتم ١/ ٣٢٣ من طريق العوفي عن ابن عباس بنحوه، كما رواه الطبري ٣/ ٥٥٦ عن قيس بن حبتر، وأصل السبب رواه البخاري (١٨٠٣) كتاب العمرة، باب: قول الله تعالى: ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾، ومسلم (٣٠٢٦) كتاب التفسير من حديث البراء بن عازب.
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى﴾ كقوله: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ﴾ [البقرة: ١٧٧]، وقد مرَّ.
وذهب أبو عبيدة في تفسير هذه الآية إلى غير ما ذكرنا، وهو أنه قال: معناه: ليس البرُّ بأن تطلبوا الخير من غير أهله، وتلتمسوا الأمر من غير بابه، ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا﴾. أي: اطلبوا الخير من وجهه والأمر من بابه (١)، والقول ما عليه العامة.
واختلف القراء في ﴿الْبُيُوتَ﴾ وأخواته، كالجيوب والغيوب، فقرؤوا بضم أولها وكسره (٢)، فمن ضم فهو الأصل، لأن فَعْلًا يجمع على فُعُول بضم الفاء، ومن كسر فلأجل موافقة الياء، فإن الكسرة أشد موافقة للياء من الضمة، ولا يستقبح ذلك، وإن لم يكن في كلامهم فِعُل؛ لأن الحركة إذا كانت للتقريب من الحرف لم تُكره، ولم تكن بمنزلة مالا تقريب فيه، ألا ترى أنه لم يجئ في الكلام عند سيبويه على فِعِل إلا إِبِل، وقد أكثروا من هذا البناء، واستعملوه على اطراد، إذا كان القصد فيه تقريب الحركة من
(٢) قال في "النشر" ٢/ ٢٢٦: واختلفوا في الضم والكسر من (بيوت، والغيوب، وعيون، وشيوخا، وجيوب) فقرأ بضم الباء من (البيوت وبيوت) حيث وقع: أبو جعفر والبصريان (أبو عمرو ويعقوب) وورش وحفص، وقرأ بكسر الغين من (الغيوب) وذلك حيث وقع: حمزة وأبو بكر، وقرأ بكسر العين من (العيون وعيون)، والشين من (شيوخا) وهو في في كافر، والجيم من (جيوبهن)، وهو في سورة النور: ابن كثير وحمزة والكسائي وابن ذكوان وأبو بكر، إلا أنه اختلف عنه في الجيم من جيوبهن.
١٩٠ - قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: في دين الله وطاعته (٤)، قال الربيع (٥) وابن زيد (٦): هذه أول آية نزلت في القتال، فلما نزلت كان رسول الله - ﷺ - يقاتل من قاتله، ويكفُّ عمن كف عنه، حتى
(٢) في (م): (الكلام).
(٣) من "الحجة" ٢/ ٢٨٢ - ٢٨٣ باختصار وتصرف.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٨٩، "الثعلبي" ٢/ ٣٩٨، "البغوي" ١/ ٢١٢.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ١٨٩، وذكره الثعلبي ٢/ ٣٩٨، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٢٥٧.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ١٨٩، وذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٥١٦، والثعلبي ٢/ ٣٩٨.
ومعنى قوله: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ أي: لا تبدؤوهم ولا تعجلوهم بالقتال قبل تقديم الدعوة (١).
وقال ابن عباس (٢) ومجاهد (٣): الآية محكمة، أُمر رسول الله - ﷺ - فيها (٤) بالقتال، ولم ينسخ شيء من حكم هذه الآية.
قالا (٥): ومعنى قوله: ﴿وَلَا تَعْتَدُوا﴾ أي: لا تقتلوا النساء والصبيان والشيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السَّلَم وكف يده، فإن فعلتم ذلك فقد اعتديتم (٦).
وقال في رواية الكلبي: نزلت هذه الآيات في صلح الحديبية (٧)، وذلك
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٩٠، وابن أبي حاتم ١/ ٣٢٥، وذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٥١٦، والثعلبي ٢/ ٣٩٩.
(٣) رواه الطبري ٢/ ١٩٠، وابن أبي حاتم ١/ ٣٢٥.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) في (م): (قال).
(٦) روى الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٩٠ هذا القول أيضا عن عمر بن عبد العزيز ثم قال: وأولى هذين القولين بالصواب: القول الذي قاله عمر بن عبد العزيز؛ لأن دعوى المدعي نسخ آية يحتمل أن تكون غير منسوخة، بغير دلالة على صحة دعواه: تحكمٌ، والتحكم لا يعجز عنه أحد.
(٧) الحديبية: بالتخفيف والتشديد، قرية متوسطة ليست بالكبيرة، سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة التىِ بايع رسول الله - ﷺ - تحتها، وهي على تسعة أميال من مكة، ويقال لها الآن: الشميسي، وصلح الحديبية كان في سنة لست من الهجرة حين منع المشركون رسول الله - ﷺ - ومعه أصحابه وكانو ١٤٠٠ وقيل: ١٥٠٠، ثم تصالحوا=
(١) عمرة القضاء أو القضية كانت في ذي القعدة سنة سبع، وسميت بذلك قيل: لكونها قضاء للعمرة التي صدوا عنها، وقيل من المقاضاة، لأن رسول الله - ﷺ - قاضى عليها المشركين. ينظر: "سيرة ابن هشام" ٣/ ٤٢٤،"زاد المعاد" ٣/ ٣٧٠.
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٤٠٦، والحيري في "الكفاية" ١/ ١٣٤، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٥٧ - ٥٨، والبغوي ١/ ٢١٣، وذكره ابن حجر في "العجاب" ١/ ٤٦٥، ثم قال: الكلبي ضعيف لو انفرد، فكيف لو خالف، وقد خالفه الربيع بن أنس، وهو أولى بالقبول منه، فقال: إن هذه الآية أول آية في الإذن للمسلمين في قتال المشركين، وسياق الآيات يشهد لصحة قوله، فإن قوله تعالى عقيبهما: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه، منسوخ بقوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، عند الأكثر، فوضح أنها سابقة، لكن سيأتي في سورة الحج عن أبي بكر الصديق: أول آية نزلت في الإذن في القتال: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾، قلت: ويمكن الجمع، ولفظ الربيع قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة، فكان رسول الله - ﷺ - يقاتل من قاتله ويكف عمن كف عنه، حتى نزلت براءة. اهـ. ولم يرتض ابن كثير ١/ ٢٤٢ هذا فقال: وفي هذا نظر؛ لأن قوله: الذين يقاتلونكم إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله، أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم.
١٩١ - ثم قال: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ﴾ قال الليث: ثَقِفْنا فلانًا في موضع كذا، أي: أخذناه، ومصدره: الثَّقْف، وقال الفراء في المصادر: ثَقِفَ يَثْقَفُ ثَقْفًا، وربما ثُقِّل، فقيل: ثَقَفًا (٢) (٣).
قال المفسرون: أي: حيث وجدتموهم (٤).
وقال الزجاج: معنى الآية: لا تمتنعوا من قتلهم في الحرم وغيره (٥)، أينما وجدتموهم وصادفتموهم وظفرتم بهم (٦)
وقوله تعالى: ﴿وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ يعني: مكة (٧) ﴿وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ﴾ يعني: وشركهم بالله عز وجل أعظم من قتلكم إياهم في الحرم والحُرُم والإحرام (٨).
(٢) ضبطت في (ش): (ثقفا).
(٣) ينظر في ثقف: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٣، "اللسان" ١/ ٤٩٢ - ٤٩٣، "المفردات" ص ٨٥، وقال: الثقف: الحذق في إدراك الشيء، ويقال: ثقفت كذا إذا أدركته ببصرك لحذق في النظر، ثم يتجوز به فيستعمل في الإدراك وإن لم تكن معه ثقافة.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٠٧.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٢.
(٦) في (أ): (به).
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٠٨، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٣.
(٨) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٠٨، وعبارته في بعض النسخ: في الحرم والحرام والإحرام، "تفسير الطبري" ٢/ ١٩١، ١٩٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٤، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٤، وقوله: والحُرم: يعني: الأشهر الحرم، والقول الثاني في=
وقال بعض أصحاب المعاني: سُمِّيَ الكفرُ فتنةً: لأن الكفر إظهار الفساد عند الاختبار، وأصل الفتنة: الاختبار (١).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ﴾ قال مقاتل: نَسَخَ هذا قولَه: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُم﴾ ثم (٢) نسخ هذا قولُه: ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التوبة: ٥]، فهذه الآية ناسخة ومنسوخة، وعنده يجوز الابتداء بالقتال في الحَرَم (٣).
(١) ينظر: "زاد المسير" ١/ ١٩٨، "التفسير الكبير" ٥/ ١٣٠.
(٢) ليست في (أ)، (م).
(٣) ذكره عن مقاتل بن حيان: الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٤١٠، وبنحوه رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٢٦، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٢٢٨، وفي "زاد المسير" ١/ ١٩٩ - ٢٠٠، واختاره الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٩٣، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٥٢١، ومكي في "الإيضاح" ١٥٧، ونسبه ابن عطية في "تفسيره" ٢/ ١٣٩ للجمهور، وقد ناقش الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٢٩ - ١٣٠ قول مقاتل، ثم ضعفه فقال: وأما قوله: إن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، فهذا من باب التخصيص لا من باب النسخ، وأما قوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾، منسوخة بقوله: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾، فهو خطأ أيضا؛ لأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم، وهذا الحكم ما نسخ بل هو باق، مثبِت أن قوله ضعيف، ولأنه يبعد من الحكيم أن يجمع بين آيات متوالية تكون كل واحدة ناسخة للأخرى. اهـ وممن رجح القول بعدم النسخ: ابن العربي في الناسخ والمنسوخ ٢/ ٥٨، وابن الجوزي. اهـ. في نواسخ القرآن ٢٢٨، بعدم النسخ: ابن العربي في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٥٨، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ٢٢٨،=
وقرأ حمزةُ والكِسائي (ولا تقتلوهم) (حتى يقتلوكم) (فإن قتلوكم) هذه الثلاثة بغير ألف (٢)، وجاز ذلك، وإن وقع القتل ببعض دون بعض؛ لأن العرب تقول: قتلنا بني تميم، وإنما قتلوا بعضهم (٣).
١٩٣ - وقوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أي: شرك (٤)، يعني: قاتلوهم حتى يُسْلموا، فليس يُقْبَلُ من المشرك الوثني جِزْيةٌ، ولا يُرضى منه إلا بالإسلام (٥)، ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ﴾، أي: الطاعة والعبادة ﴿لله﴾
(١) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ١٣٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٣٠، ونسبه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٩٢ إلى مجاهد، وقال القرطبي: وبه قال طاوس، وهو الذي يقتضيه نص الآية، وهو الصحيح من القولين، وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه، ثم استدل بحديث ابن عباس، وفيه: وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وقد ذكر -رحمه الله- أدلة الفريقين.
(٢) قرأ حمزة والكسائي وخلف بحذف الألف في الثلاثة، والباقون بإثباتها. "النشر" ٢/ ٢٢٦ - ٢٢٧.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٠٩.
(٤) ينظر: "تأويل مشكل القرآن" ٣٧٤، "تفسير الطبري" ٢/ ١٩٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٢٧ حيث ذكر الآثار في ذلك عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والربيع وابن زيد. وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١١.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١١، وقد ذكر عن المفضل بن سلمة الحكمةَ في أخذ الجزية =
﴿فَإِنِ انْتَهَوْا﴾ أي: عن الكفر (٢) ﴿فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ أي: الكافرين الواضعين العبادة في غير موضعها (٣)، والذي عليهم إنما سماه عدوانًا على معنى الجزاء والقصاص؛ لأن ما يكون منهم عُدوان فسمي الذي عليهم عدوانًا، كقوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠] وذلك أنه في صورة العدوان من حيث إنه قَتلٌ ونهبٌ واسترقاقٌ (٤).
١٩٤ - قوله تعالى: ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ قال المفسرون: إن النبي - ﷺ - صُدّ عام الحديبية سنة ستٍ، ثم عاد في سنة سبع، ودخل مكة وقضى العُمرة في ذي القَعدة، فأنزل الله هذه الآية، يريد: ذو القعدة، الذي دخلتم فيه مكةَ، واعتمرتم ﴿بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾: ذي القعدة، الذي صددتم فيه عن البيت، يعني: أن هذا جزاء ذاك وبدله. وتأويله: العمرة في الشهر
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٢.
(٢) في "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٣: فإن انتهوا عن القتال والكفر.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٤، أو من بدأ بقتال على التأويل الثاني. ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٥٤.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩٥، ١٩٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٣٢.
والحرمات: جمع حُرْمَة، والحُرْمَة: ما مُنِع من انتهاكه (٢).
والقصاص: المساواة والمماثلة، ذكرنا ذلك. وأراد بالحرمات: الشهر الحرام، والبلد الحرام، وحُرمة الإحرام (٣).
ومعنى قوله: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ أي: اقتصصت لكم منهم، حيث أضاعوا وانتهكوا هذه الحرمات في سنة ستٍ، فقضيتم على زعمهم ما فاتكم في سنة سبع (٤).
قال مجاهدٌ: فَخَرت قريش أن صدت رسول الله - ﷺ - عن البيت الحرام في الشهر الحرام، في البلد الحرام، فأقصه الله، فدخل عليهم من القابل، في الشهر الحرام، في البلد الحرام، في البيت الحرام، وأنزل الله هذه الآية (٥)، هذا قول أكثر المفسرين (٦).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٦، وينظر: "المفردات" ص ١٢٢.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٥٧٩ و"تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٦ و"البغوي" ١/ ٢١٥.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢ - ١٩٨، "الثعلبي" ٢/ ٤١٦، ويفيد كلام الواحدي هنا أن هذه العمرة قضاء للعمرة التي حصروا عنها عام الحديبية، والقول الآخر: أنها من المقاضاة؛ لقول ابن عمر: لم تكن هذه قضاء ولكن كان شرطًا على المسلمين أن يعتمروا في الشهر الذي حاصرهم فيه المشركون. ينظر: "زاد المعاد" ٣/ ٣٧٨.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ١٩٧.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٦.
﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ﴾ يريد: إن قاتلوكم في الشهر الحرام، فقاتلوهم في مثله (١)، واختار الزجاج هذا القول، فقال: معناه: قتال الشهر الحرام بقتال الشهر الحرام (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ﴾ قال ابن عباس: يريد: إن انتهكوا لكم حرمةً فانتهكوا منهم مثل ذلك.
وقال الزجاج: أعلم الله عز وجل أن أمر هذه الحرمات قصاص (٣)، أي: لا يكون للمسلمين أن ينتهكوها على سبيل الابتداء، ولكن على سبيل القصاص. وهذا القول أولى القولين بالصواب، وأشبهها بالآية وبما (٤) قبلها، وهو قوله: ﴿وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ﴾ [البقرة: ١٩١] والذي يدل عليه من سياق الآية.
قوله تعالى: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ أي: ظلم، فقاتل، ﴿فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾. وسمى الثاني اعتداءً لأنه مجازاة اعتداء فَسُمِّي بمثل اسمه؛ لأن صورةَ الفِعْلين واحدة، وإن كان أحدهما طاعة والآخر معصية،
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٤.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٤.
(٤) في (أ)، (م): (بما) بلا واو.
ألا لا يَجْهَلَن أحدٌ علينا | فَنَجْهَل فوق جَهْلِ الجاهلينا (٢) |
١٩٥ - وقوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ كل ما أمر الله به من الخير فهو في سبيل الله، وأكثر ما استعمل في الجهاد؛ لأنه السبيل الذي يقاتل فيه على عقد الدين (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ قال أبو عبيدة (٥) والزجاج (٦): التَهْلُكة: الهلاك، يقال: هلك يهلك هَلاكًا وهُلْكًا وهَلَكًا وتَهلُكةً.
ينظر: "طبقات فحول الشعراء" ١/ ١٥١، "الشعر والشعراء" ص ١٣٧، "خزانة الأدب" ٣/ ١٨٣.
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٣٣٠ وقد تقدم تخريجه ٢/ ١٤٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٥، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩٩، ٢٠٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٣، ٤١٧، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٥.
(٤) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٥، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٥.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٦٨.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٦.
قال أبو علي: قد حكى سيبويه التَّضُرَّةُ والتَّسُرَّة وقد جاء هذا المثال اسما غير مصدر، حكى سيبويه: التتفل والتنضُب قال: ولا نعلمه جاء صفةً (٣).
وقال الليث: التَّهْلُكَة: كل شيء تصيرُ عَاقبتُه إلى الهلاك.
ومعنى الهَلاكِ: الضياعُ، وهو مصير الشيء بحيث لا يُدْرى أين هو (٤).
ومعنى قوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ﴾، لا تأخذوا في ذلك، يقال لكل من أخذ في عمل: قد ألقى يديه فيه (٥)، ومنه:
(٢) رواه عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٤١٧، والحيري في "الكفاية" ١/ ١٣٦، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٥٩، "الدر المصون" ٢/ ٣١٢.
(٣) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٧٠ - ٢٧١، وينظر: "البحر المحيط" ١/ ٥٩.
(٤) ينظر في التهلكة: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٧، "المفردات" ص ٥٢٢، "البحر المحيط" ١/ ٥٩، "اللسان" ٨/ ٤٦٨٦ (هلك)، وقال الحافظ في "الفتح" ٨/: وقيل: التهلكة: ما أمكن التحرز منه، والهلاك بخلافه، وقيل: التهلكة: نفس الشيء المهلك، وقيل ما تضر عاقبته، والمشهور الأول. وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢١٥، "البحر المحيط" ٢/ ٦٠، وقد تكلم كثيرا، يحسن تلخيص كلامه.
(٥) "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠٤، ٢٠٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٨.
أي: بدأت (٢) في المغيب (٣).
وقال المبرد: عبر بالأيدي عن النفس، أراد: لا تلقوا أنفسكم إلى التهلكة، فعبر بالبَعْضِ عن الكُلِّ، كقوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ [الحج: ١٠] ﴿فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: ٣٠] (٤).
والباء زائدة، أراد: لا تلقوا أيديكم، يدل عليه قوله ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [النحل: ١٥]. فعدّى بغير الباء (٥).
وقال أبو علي: المعنى لا تقربوا مما يهلككم؛ لأن من ألقى يَدَهُ إلى الشيء فقد قَرُبَ منه، وهذا مبالغة (في الزجر) (٦) وتأكيد، لأن النهي إذا وقع عن (٧) مشارفته ومُقاربته فمباشرته أولى بالانتهاء، وكان المعنى: لا تقربوا من ترك الإنفاق في سبيل الله (٨).
وأَجَنَّ عوراتِ الثُّغُورِ ظَلاَمُها
والبيت للبيد في "ديوانه" ص ٣١٦، و"شرح المعلقات السبع" لأبي عبد الله الزورني ص ٢٢٠، و"شرح المعلقات العشر" للتبريزي ص ٢٤٦، و"إصلاح المنطق" ص ١٢٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٨. والكافر: الليل، والكفر: الستر، والإجنان: الستر أيضًا. "لسان العرب" ٧/ ٣٨٩٧ (كفر).
(٢) في (م): (بدت).
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٤١٨.
(٤) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٤١٨، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٠٣.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤١٩، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٥٣، "الإنصاف في مسائل الخلاف" لابن الأنباري ٢٤٤.
(٦) سقطت من (م).
(٧) في (ش): (من).
(٨) ينظر في ذكر الأقوال في الآية "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠٠ - ٢٠٢، "البغوي" =
والمراد بهذه الآية: النَّهْيُ عن ترك النفقة في الجهاد، إما أن ينفق على نفسه ويخرج، وإما أن ينفق على من يغزو من المسلمين (١)، حتى قال ابن عباس: أنفق في سبيل الله، وإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص، ولا يقولن أحدكم: لا أجد شيئًا (٢).
وقال السدي، في هذه الآية: أنفق في سبيل الله ولو عقالًا. {وَلَا تُلْقُوا
(١) ذكر الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٠ - ٢٠٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣١ الآثار في ذلك عن حذيفة، وابن عباس وعكرمة والحسن ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير وأبي صالح والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان وقتادة ومحمد بن كعب القرظي، وينظر: "صحيح البخاري" ٥/ ١٨٥، و"تفسير سفيان الثوري" ص ٥٩، وسعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧١٠، وعبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٧٤، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٢٦٢.
(٢) رواه عنه سفيان الثوري في "تفسيره" ٥٩، والإمام أحمد في "العلل ومعرفة الرجال" ٢/ ٣٩٥، والطبري ٢/ ٢٠٠، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ٣٣١، والبيهقي ٩/ ٤٥.
وقال أبو إسحاق معناه: أنكم إن لم تنفقوا في سبيل الله هلكتم، أي: عصيتم الله فهلكتم، وجائز أن يكون هلكتم بتقوّي عدوكم عليكم (٢).
فعلى هذا معنى التهلكة: الهلاك بالعصيان بترك النفقة، والهلاك بقوة العدو عند ترك النفقة في الجهاد.
وقال أبو أيوب الأنصاري (٣): إنها نزلت فينا معشر الأنصار، لما أعز الله دينَهُ ونَصَر رَسُوله، قلنا: لو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها، فأنزل الله هذه الآية (٤).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٦.
(٣) هو: خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة، أبو أيوب الأنصاري، من بني النجار، صحابي شهد العقبة وبدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد، رحل إلى الشام وغزا مع جيش معاوية القسطنطينية، وتوفي هناك سنة ٥٢ هـ. ينظر: "الإصابة" ١/ ٤٠٥، "الأعلام" ٢/ ٢٩٥.
(٤) الحديث رواه الترمذي في التفسير، باب: ومن سورة البقرة ٥/ ٢١٢ وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٢٣٦، وأبو داود في الجهاد، باب: في قوله تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ ٣/ ١٢ برقم ٢٥١٢، وصححه الألباني كما في صحيح سنن أبي داود برقم ٢١٩٣، ولهذا الحديث قصة، عن أسلم بن عمران قال: غزونا من المدينة نريد القسطنطينية، وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة، فحمل رجل على العدو، فقال الناس: مه مه، لا إله إلا الله، يلقي بيديه إلى التهلكة! فقال أبو أيوب: إنما نزلت في الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد. هذا لفظ أبي داود. قال الحافظ في "الفتح" ٨/ ٣٤: وأما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو، فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته وظنه أنه يرهب العدو بذلك، أو يجرئ المسلمين عليهم أو نحو ذلك من المقاصد الحسنة فهو حسن، ومتى كان مجرد تهور =
والمعنى: لا تتركوا الجهاد فتهلكوا، فسمى ترك الجهاد تَهُلكة؛ لأنه يؤدي إلى الهلاك في الدنيا بقوة العدو وفي الآخرة بالعصيان (١).
وفي الآية قول ثالث، وهو ما روي عن البراء بن عازب (٢): أنه قيل له في هذه الآية: أهو (٣) الرجل يحمل على الكتيبة وهم ألف بالسيف؟ قال: لا، ولكنه الرجل يصيب الذنب فيلقي بيديه (٤) ويقول: لا توبة لي؟ (٥).
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠٥، "الثعلبي" ٢/ ٤٢٦، "البحر المحيط" ٢/ ٧٠.
(٢) هو: البراء بن عازب بن حارث الأنصاري الأوسي، صحابي غزا مع رسول الله - ﷺ - أربع عشرة غزوة، وهو الذي افتتح الرَّيَّ، وشهد الجمل وصفين مع علي - رضي الله عنه -، ومات في إمارة مصعب بن الزبير. ينظر: "أسد الغابة" ١/ ٢٠٥، "الإصابة" ١/ ٢٧٨.
(٣) في (ش): (أهوالٌ).
(٤) في (م): (بيده).
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٢، والحاكم ٢/ ٣٠٢، وقال: صحيح على شرط الشيخين، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٥/ ٤٠٧، والخطابي في "غريب الحديث" ١/ ٥٣٦، وصحح إسناده الحافظ في "الفتح" ٨/ ١٨٥، وروى الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٢، وأحمد في "مسنده" ٤/ ٢٨١ عن أبي بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال: قلت للبراء: الرجل يحمل على المشركين، أهو ممن ألقى بيده إلى التهلكة؟ قال: لا؛ لأن الله عز وجل بعث رسوله - ﷺ - فقال: فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك، إنما ذلك في النفقة، وذكر الحافظ في "الفتح" ٨/ ١٨٥ أنه إن كان محفوظا، فلعل للبراء فيه جوابين، والأول من رواية الثوري وأبي إسرائيل وأبي الأحوص ونحوهم، وكلٌّ منهم أتقن من أبي بكر بن عياش، فكيف مع اجتماعهم وانفراده.
وقال الفضيل: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ بإساءة الظن بالله (٦)، فعلى هذا القول التهلكة: هو ترك التوبة، والقنوط من رحمة الله، أو إساءة الظن بالله عز وجل في الإخلاف عند الإنفاق (٧).
قال أبو علي الفارسي: الباء في قوله: (بأيديكم) زيادة، المعنى: (ولا تلقوا أيديكم) يدل على ذلك قوله تعالى: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ [النحل: ١٥] ﴿وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ﴾ [الحجر: ١٩] و ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ﴾ [آل عمران: ١٥١]، وزيادتها ههنا كزيادتها في قوله: ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى﴾ [العلق: ١٤] (٨).
(٢) في (ش): (ريمان بن زيّات). وفي (م): (رباب).
(٣) هو: اليمان بن رباب أو ابن رئاب البصري من رؤساء الخوارج، تقدمت ترجمته.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٤٣٧. وهذا القول مروي أيضًا عن محمد بن سيرين وعبيدة السلماني وأبي قلابة البصري. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٣٢، "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٣٣٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٣٦ - ٤٣٧.
(٥) في (م): (بيده).
(٦) رواه سفيان الثوري في "تفسيره" ٥٩، ورواه ابن أبي الدنيا في "حسن الظن بالله" ص ١١٧، وذكره الثعلبي ٢/ ٤٤٣، وروى الطبري ٢/ ٢٠٥ عن عكرمة نحوه.
(٧) وروى الطبري ٢/ ٢٠٥، وابن أبي حاتم ١/ ٢٣٢ عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: التهلكة: عذاب الله، وهذا قول رابع في معنى الآية.
(٨) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠٥، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٥، وقال: وقيل: الباء في موضعها، وفيه حذف، أي: لا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، واختار أبو=
قال ابن عباس: أي (١): أحسنوا الظن بالله، فإنه يُضَاعِفُ الثواب، ويُخْلِفُ لكم النفقة (٢)، فالإحسان على هذا محمول على إحسان الظن بالله في الخُلْف، وعلى القول الثاني: جاهدوا، والمجاهد في سبيل الله محسنٌ، وعلى القول الثالث: تفسير الإحسان إحسان الظن بالله في قبول التوبة وغفران الذنوب (٣).
...
(١) ليست في (م).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" عن عكرمة ٢/ ٦٠٢، وذكر في "البحر المحيط" ٢/ ٧١.
(٣) ينظر: "زاد المسير" ١/ ٣٠٣، وذكر أن القول الثاني: أحسنوا الظن بالله، قاله عكرمة وسفيان، وهو يخرج على قول من قال: التهلكة: القنوط، والثالث: معناه: أدوا الفرائض، رواه سفيان عن أبي إسحاق.
وزارة التعليم العالي
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية
عماد البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
سورة البقرة من آية (١٩٦) - آخر السورة
تحقيق
د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبي |
وزارة التعليم العالي
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية
عماد البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
سورة البقرة من آية (١٩٦) - آخر السورة
تحقيق
د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبي |
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)./ علي بن أحمد الواحدي، محمد بن صالح بن
عبد الله الفوزان، الرياض١٤٣٠هـ.
٢٥مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسة
ديوي ٢٢٧٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠ هـ
ردمك ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[٤]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قال ابن عباس (١) ومجاهد (٢): أتِمُّوهما بمناسِكِهما وحدودِهما وسننِهِما وتأديةِ كل ما فيهما (٣).
وقال ابن مسعود (٤) وعلي (٥) رضي الله عنهما: إتمامُهُما: أن تُحرم بهما من دُوَيْرة أهلك مؤتنفَيْن. وبهذا قال سعيد بن جبير (٦) وطاوس (٧).
وفي إيجاب العمرة قولان:
(٢) في "تفسير مجاهد" ١/ ١٠٠، ورواه الثوري في "تفسيره" ص ٦٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٧، وعزاه في "الدر" ١/ ٣٧٦ إلى عبد بن حميد.
(٣) وبه قال علقمة وإبراهيم. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٠٦، ٢٠٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٥٢.
(٤) نسبه إليه البغوي في "تفسيره" ١/ ٢١٧، وابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ١١٧.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" بمعناه ٢/ ٢٠٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٣، والحاكم ٢/ ٣٠٣ وصححه، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٣٧٦ إلى وكيع وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر والنحاس في "ناسخه"، والبيهقي في "سننه".
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" عنه ٢/ ٢٠٧، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٣، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٢٦٣.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٤/ ٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٣، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٢٢٥، وقد ذكر المؤلف قولين، والقول الثالث: إتمامهما: أن يفصل بينهما فيأتي بالعمرة في غير أشهر الحج، روي عن عمر والحسن وعطاء، والرابع: أنه فعل ما أمر الله فيهما، روي عن مجاهد. والخامس: ألا يتجر معهما. والسادس: ألا يحرم بالعمرة في أشهر الحج، قاله قتادة. ينظر: "زاد المسير" ١/ ٢٠٤ (ط. المكتب الإسلامي)
قال ابن عباس: والله إن العمرة لقرينة الحج في كتاب الله ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ (٥).
وقال مسروق: نزلت العمرة من الحج منزلة الزكاة من الصلاة، ثم تلا هذه الآية (٦).
فمن أوجَبَ العمرةَ تأول الإتمام على معنى الابتداء، أي: أقيموهما وافعلوهما بما فيهما من الأعمال، كقوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٩، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ١٧٦ إلى عبد ابن حميد، وذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٤٦٣.
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٤، والدارقطني في "السنن" ٢/ ٢٨٥، والبيهقي في "تفسيره" ٤/ ٣٥١، والحاكم ١/ ٦٤٣ وصححه، وعزاه في "الدر" ١/ ٣٧٧، إلى عبد الرزاق وعبد بن حميد والدارقطني والحاكم والبيهقي.
(٤) ينظر: "الأم" للشافعي ٢/ ٤٧٧ (ط. دار إحياء التراث العربي) "المجموع" ٧/ ٧، "البيان في مذهب الشافعي" للعمراني ٤/ ١١، وممن قال بالوجوب: ابن عمر وجابر وزيد وعطاء وابن المسيب وسعيد بن جبير وعلي بن الحسين، والسفيانان، وقتادة، وهو المذهب عند الحنابلة. ينظر: "المصنف" لابن أبي شيبة ٤/ ٣٠٤ - ٣٠٥، "البيان" للعمراني ٤/ ١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٦٣، "الفروع" لابن مفلح ٣/ ٢٠٣.
(٥) رواه البخاري تعليقًا في العمرة، باب: وجوب الحج والعمرة ٢/ ٢٤٠، ورواه موصولاً: الشافعي في "الأم" ٤/ ١٤٤، والبيهقي في "تفسيره" ٤/ ٣٥١، وابن عبد البر في "التمهيد" ٢٠/ ١٦.
(٦) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٢/ ٢٠٩، والبيهقي في "تفسيره" ٤/ ٣٥١، وابن عبد البر في "التمهيد" ٢٠/ ١٥.
وفرائض الحَجِّ أربعةٌ: الإحرامُ، والوقوفُ، وطوافُ الإفاضة، والسعيُ (٢).
وأعمال العمرة: الإحرامُ، والطوافُ، والسعي، والحلق والتقصير (٣)، وأقله: ثلاث شَعَرات (٤).
القول الثاني: أن العمرة سنةٌ وليست بفريضة، وهو مذهب أهل العراق (٥)، وحملوا الآية على معنى: أتموها إذا دخلتم فيها، كالمتطوع
(٢) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٥٤، وهذا مذهب الجمهور. ينظر: "حاشية ابن عابدين" ٢/ ٢٥٠، "شرح الزرقاني على مختصر خليل" ٢/ ٢٨١، "المهذب" للشيرازي ٢/ ٧٨٩، "الوسيط" للغزالي ٢/ ١٢٦١، "البيان" للعمراني ٤/ ٣٧٣، "الموسوعة الفقهية الكويتية" ١٧/ ٤٩.
(٣) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٥٤، وينظر: "المهذب" ٢/ ٧٨٩، "المجموع" ٨/ ٢٦٥، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن أركان العمرة ثلاثة، هي: الإحرام، والطواف، والسعي، وهو مذهب المالكية والحنابلة، وزاد الشافعية ركنًا رابعًا هو الحلق، ومذهب الحنفية أن الإحرام شرط للعمرة، وركنها واحد هو الطواف. ينظر: "الشرح الكبير" و"حاشيته للدسوقي" ٢/ ٢١، "المسلك المتقسط" ص ٣٠٧، "كشاف القناع" ٢/ ٥٢١، "البيان" للعمراني ٤/ ٣٧٠.
(٤) القدر الواجب: هو حلق شعر جميع الرأس، أو تقصيره عند المالكية والحنابلة، وربع الرأس على الأقل عند الحنفية، وثلاث شعرات على الأقل عند الشافعية. ينظر: "فتح القدير" ٢/ ١٧٨ - ١٧٩، "المسلك المتقسط" ص ١٥١ - ١٥٤، "الشرح الكبير" و"حاشيته للدسوقي" ٢/ ٤٦، "الفروع" ٣/ ٥١٣.
(٥) القول بالسنية قول المالكية وأكثر الحنفية، وهو قول الشافعي في القديم، واختيار=
والقول الأول أولى لأن فيه جمعاً بين وجهي الإتمام، ومعناه: ابتدئوا العمرة فإذا دخلتم فيها فأتموها، وقد تقول لمن لم يشرع في أمر: أَتِمَّ هذا الأمر (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ اختلف أهلُ اللغةِ في الحَصْر والإحْصَار، ففرَّق بينهما قوم.
أقرأني العروضي، قال: أقرأنا الأزهري، عن المنذري، عن ابن فهم، عن محمد بن سلام (٣)، عن يونس، قال: إذا رُدّ الرجل عن وجه يريده فقد أُحْصر، وإذا حُبِسَ فقد حُصر (٤).
وبهذا الإسناد عن المنذري، عن الحرَّاني، عن ابن السِّكِّيت (٥):
(١) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٦٨، وينظر: "الأم" ٢/ ١٤٤، "تفسير الطبري" ٢/ ٢١٠، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٢٦٤، "التمهيد" ٢٠/ ١٠.
(٢) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٦٩، وقال: ولأن من أوجبها أكثر، والأخبار في إيجاب الحج والعمرة مقترنين أظهر وأشهر.
(٣) هو: محمد بن سلام بن عبيد الله بن سالم أبو عبد الله، الجمحي البصري، تقدمت ترجمته (البقرة آية ٥٨).
(٤) في "تهذيب اللغة" ١/ ٨٣٨ (حصر): عن يونس أنه قال: إذا رُدَّ الرجل عن وجه يريده فقد أحصر، أبو عبيد، عن أبي عبيدة: حُصر الرجل في الحبس، وأحصر في السفر من مرض أو انقطاع به.
(٥) في "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٣٨ (حصر)، وقال ابن السكيت، ولم يذكر الإسناد.
وأقرأني سعيد بن أبي بكر الزاهد، عن أبي عليٍّ الحسنِ (٢) بن أحمد الفارسي، عن أبي إسحاقَ الزجاج، قال: الروايةُ عن أهل اللغة للذي يمنعه الخوف أو المرض: أُحْصِر، وللمحبوس: حُصِر (٣).
وقال ابن قتيبة في قوله: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾: هو أن يَعْرِضَ للرجل ما يحول بينه وبين الحج من مَرَضٍ أو كَسْرٍ أو عَدُو، يقال: قد أُحصر فهو محصَر، فإن حُبِس في سجن أو في دار قيل: حُصِر فهو مَحصُور (٤).
وهذا هو قول الفراء في المَصَادر، ونحو (٥) ذلك ذكر أبو عبيد عن أبي عبيدة (٦).
وذهب قوم إلى أنهما بمعنى واحد، قال الزجاج، في باب الوفاق من فَعَلْت وأَفْعَلْت، يقال للرجل: من حَصَرك ههنُا، ومن أحصرك؟.
وقال أحمدُ بن يحيى: أصل الحَصْرِ والإِحْصَار: الحبس، وحُصِرَ في
(٢) في (أ) (م) الحسن.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٧ بمعناه.
(٤) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٧٨.
(٥) في (أ) (م) نحو بلا واو.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٦٩، وينظر: "الفروق في اللغة" للعسكري ص ١٠٨، "أحكام القرآن" ١/ ٢٦٨، وقد فرق بينهما الراكب في "المفردات" ص ١٢٨ فقال: والحصر والإحصار من طريق البيت، فالإحصار يقال في المنع الظاهر كالعدو، والمنع الباطن كالمرض، والحصر لا يقال إلا في المنع الباطن، فقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ فمحمول على الأمرين.
وقال الأزهري: الرواية عن ابن عباس صحيحة أنه قال: لا حصر (٢) إلا حصر العدو (٣)، فَجَعْلُه بغير ألف جائزٌ، بمعنى قول الله تعالى: ﴿فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ﴾ (٤).
وقال الفراء: يقال للذي يمنعه خوف أو مرض: أُحْصِر، ولمن حُبِسَ قَهْرًا: حُصر، فإن نويت بقهر السلطان أنها عِلَّةٌ مانعةٌ ولم يذهب إلى فعل الفاعل جاز فيه أحصر، وإن نويت في العلة (٥) أنها حبسته جاز حُصِر (٦).
هذا كلام أهل اللغة في الحصر والإحصار، وأصل الباب: الحَبْس، ومنه يقال للذي لا يبوح بسرِّه: حَصِرَة لأنه حبس نفسه عن البَوْح (٧) قال
(٢) سقطت من (ش).
(٣) رواه الشافعي في "الأم" ٢/ ١٧٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢١٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٦، والبيهقي في "تفسيره" ٥/ ٢١٩، وصحح إسناده الحافظ في "تلخيص الحبير" ٢/ ٢٨٨.
(٤) "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٣٨، قال القشيري أبو نصر: وادعت الشافعية: أن الإحصار يستعمل في العدو، فأما العدو فيستعمل فيه الحصر، والصحيح أنهما يستعملان فيهما، نقله القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩، وقال أبو حيان في: "البحر المحيط" ٢/ ٧٣: وثبت بنقل من نقل من أهل اللغة أن الإحصار والحصر سواء، وأنهما يقالان في المنع بالعدو وبالمرض وبغير ذلك من الموانع، فتحمل الآية على ذلك، ويكون سبب النزول ورد على أحد مطلقات الإحصار، وليس في الآية تقيد، وبهذا قال قتادة والحسن وعطاء والنخعي ومجاهد وأبو حنيفة.
(٥) في (ش) اللغة.
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٨ بمعناه.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٣٨ حصر.
ولقد تَكَنَّفَنِي الوُشَاةُ فَصَادفوا | حَصِراً بسرِّكِ يا أُمَيْمُ ضَنِيْنَا (١) |
جِنٌّ لَدَى بابِ الحَصِيرِ قِيامُ (٢)
والحصير: المعروف، وسَقِيْفُ من بَرْديٍّ (٣)؛ لانضمام بعضه إلى بعض، كحبس (٤) الشيء مع غيره، ومنه يقال للجَنْب: حصير، تشبيهًا به (٥).
فأما حُكْمُ الإِحْصار فمذهب أهل العراق: أن كل مانع منع المُحْرم عن الوصول إلى البيت من: مَرَضٍ أو جُرْح أو كسر أو خوف عدو أو أي مانع كان، فإنه يقيم مكانه على إحرامه، ولبعث بهديه، أو بثمن الهدي، فإذا نحر الهدي حَلَّ من إحرامه. واحتجوا بأن الإحصار من طريق اللفظ عام
(٢) ورد البيت وهو في "ديوانه" ص ١٦٠ هكذا:
وَمَقَامةٍ غُلْبِ الرِّقَابِ كَأنهم | جِنٌّ لدى طَرَفِ الحَصِيرِ قِيامُ |
(٣) في (ش) سقيف من تردي وفي (م) سفيف من بردي. والبردي: نبات يعمل منه الحصر.
(٤) في (ش): كلبس.
(٥) ينظر في مادة (حصر): "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٣٩، "المفردات" ص١٢٨، "عمدة الحفاظ" ١/ ٤٨١.
وأما مذهب أهل الحجاز (٢)، وهو مذهب الشافعي (٣)، رحمه الله، أن الحكم المتعلق بالإحصار إنما يتعلق بحبس العدو عن الوصول إلى البيت، فأما سائر الأعذار فغير داخل في الآية، والدليل على (٤) هذا سببُ النزول، وهو إحصار العدوِّ للنبي - ﷺ - وأصحابه بالحُدَيْبِيَةِ (٥)، يَدُلُّ على أن المراد به حبس العدو فقط، قوله في سياق الآية: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ ولم يقل: فإذا أندملتم (٦)، والأمن المطلق يقتضى الخوف المطلق من العدو، لأنه قال:
(٢) ينظر: "الموطأ" ١/ ٣٦٠، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١١٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٥، "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ١/ ٩٠ - ٩١، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١١٩، وقال: قاله ابن عمر وابن عباس وأنس والشافعي، وهو اختيار علمائنا، ورأي أكثر أهل اللغة ومُحصِّليها على أن أُحصِر: عرض للمرض، وحُصر: نزل به الحصر، واستدرك عليه القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٥٠ فقال: ما حكاه ابن العربي من أنه اختيار علمائنا، فلم يقل به إلا أشهب وحده، وخالفه سائر أصحاب مالك في هذا، وقالوا: الإحصار إنما هو المرض، وأما العدو فإنما يقال فيه: حصِر حصْرا فهو محصور، قاله الباجي في المنتقى، وحكى أبو إسحاق الزجاج أنه كذلك عند جميع أهل اللغة.
(٣) "الأم" ٢/ ١٧٨، و"اختلاف العلماء" للمروزي ص ٨٥، و"السنن" للبيهقي ٥/ ٢١٩.
(٤) في (ش) عليه.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي": ٢/ ٤٩٥. قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ١١٩: وقد اتفق علماء الإسلام على أن الآية نزلت سنة ست، في عمرة الحديبية، حين صد المشركون رسول الله - ﷺ - عن مكة.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٥، "تفسير القرطبى" ٢/ ٣٥٠.
وقولهم: الإحصار عام، قلنا: هو عام من حيث اللفظ، خاص ههنا في حبس العدو، بما (٢) ذكرنا من الدليل (٣).
فإذا (٤) بان أن الإحصار هو قهر العدو بالحبس عن البيت، فالرجل إذا أحرم بحجٍّ أو عُمْرةٍ انحتم عليه الإتمام، حتى لو أفسد الإحرام بالجماع وجب عليه المضي في فَاسِدِ الإحرام، وإنما يباح التحلل (٥) من الإحرام بإحصار العدو، كما أُحْصِر رسول الله (٦).
ثم إن كان الحج فَرْضاً أو العمرة فأحصره العدو فقال الشافعي: إذا أُحْصِرَ بعدوٍّ كافرٍ أو مسلم، أو سُلْطَان يحبسه في سجن، نحر هديًا بالإحصار حيث أُحْصِر في حِلٍّ أو حَرَم، وحَلَّ من إحرامه، وعليه القَضَاءُ إذا انْجَلَى الحَصْر، فإن انجلى الحَصْرُ عاجلاً أمكنه القضاء في ذلك العام، وإن كان النُّسُكُ في الأصل نفلاً فأُحْصِر فَتَحَلَّلَ فلا قضاء عليه من طريق الوجوب، ولكن يُسْتَحَبُّ له ذَلكَ، وإذا لم يجد هديًا يشتريه، أو كان فقيرًا، ففيه قَوْلان:
أحدهما: لا يحل إلا بهدي.
(٢) في (م) وبما.
(٣) ينظر في ذكر الأدلة: "أحكام القرآن" للكيا الهراسي ١/ ١٣٤ - ١٣٥.
(٤) في (ش) فإن.
(٥) في (ش) التحليل.
(٦) ينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٤٨ - ٣٥٥، "البحر المحيط" ٢/ ٧٣.
وأما المحصر بالمرض، فإنه يصير على إحرامه ولا يتحلل، وله أن يتداوى بما لابد منه ويفتدي، ويأتي في هذه الآية ذكره (٢).
وفي الآية إضمار، تقديره: فإن أحصرتم دون تمام الحج والعمرة، وجاز الحذف لأن ما تقدم يدل عليه (٣).
قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ محل "ما" رفع. المعنى: فواجبٌ عليكم ما استيسر (٤).
قال الفراء: ولو نصبتَ على معنى: اهْدُوا ما استيسر، كان صوابًا، وأكثر ما جاء في القرآن من أشباهه مرفوع (٥).
(٢) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٧، وينظر: "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٢١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٥١، وقد رد الإمام الطبري هذا القول في "تفسيره" ٢/ ٢٢٧، وناقش القائلين به، وبين عدم الفرق بين الإحصار بالعدو وبالمرض لعدم الفارق بين المعنيين بكلام نفيس.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢١٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٧، "تفسير الطبري" ٢/ ٢١٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٨، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٥٥، "التبيان" ١٢٢، وقال مكي في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٢٣: (ما) في موضع رفع بالابتداء، أي: فعليه ما استيسر.
(٥) "معاني القرآن" للفراء بمعناه ١/ ١١٨، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٨، "مشكل =
والهَدْيُ: جَمْعُ هَدْيَة، مثل: شَرْية وشَرْي، وجَدْيَة وجَدْي (٢).
قال أحمد بن يحيى: أهلُ الحجاز يُخَفِّفُون الهَدْي، وتميمٌ تُثَقِّلُهُ،
فيقولون: هديّة وهديّ، مثل مطيّة ومَطِيّ (٣).
قال الشاعر:
حَلَفْتُ بربِّ مَكَّةَ والمُصَلَّى | وأعْنَاقِ الهَديِّ مُقَلَّداتِ (٤) |
(١) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٠، "التبيان" للعكبري ١٢٢، قال: والسين هنا ليست للاستدعاء. وقال في "البحر المحيط" ٢/ ٧٤: واستيسر هو بمعنى الفعل المجرد، أي: يسر، بمعنى: استغنى وغني، واستصعب وصعب، وهو أحد المعاني التي جاءت لها استفعل.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢١٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٦٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٣٨، "المفردات" ٥١٩، "اللسان" ٨/ ٤٦٤٢ "هدى".
(٣) نقله الرازي في "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٠، وصاحب "اللسان" ٨/ ٤٦٤٢ (هدى).
(٤) البيت للفرزدق في "ديوانه" ١/ ١٠٨، "لسان العرب" مادة: قلد ٦/ ٣٧١٨.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٩، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٢٠، "المفردات" ٥١٩، "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٠، "اللسان" ٨/ ٤٦٤٢ (هدى).
(٦) رواه عنه مالك في "الموطأ" ١/ ٣٨٤، وسعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٧٥٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢١٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٦، قال: ما استيسر من الهدي: شاة، ولم يذكر هذا التقسيم، والواحدي لعله لما نقل هذا عن الثعلبي لم يلتفت إلى التفريق في عبارته؛ حيث قال الثعلبي ٢/ ٤٩٩: فقال علي ابن أبي طالب وابن عباس: شاة، وقال الحسن وقتادة: أعلاه بدنة، وأوسطه شاة.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ أي: لا تَتَحَلَّلُوا من إحرامكم حتى يُنْحَرَ الهَدْيُ (٤).
ومعنى ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ﴾ أي: حيث يَحِلُّ ذبحُه ونَحْرُه، يُقال: حلَّ الشيء يَحِلُّ حَلاَلاً وحِلاًّ، وهذا أوان محله، أي: حينَ حَلَّ (٥)، كقوله - ﷺ - في اللحم الذي تصدّق على بريرة: "قربوه فقد بَلَغ محله" (٦) أي: حل لنا
(١) رواه مالك في "الموطأ" ١/ ٣٨٤، والطبري بمعناه ٢/ ٢١٥ - ٢١٧، وابن أبي حاتم ١/ ٣٣٦، وسعيد بن منصور ٣/ ٧٤٩.
(٢) رواه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٥٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢١٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٣٦ كلهم عن الحسن قال: فما استيسر من الهدي: شاة، وليس فيه التقسيم المذكور. وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٠٠ بلفظ الواحدى.
(٣) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٤٩٩.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٢٠.
(٥) من "تفسير الثعلبي"، وينظر: "غريب القرآن" ٧٩، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٢٠.
(٦) بهذا اللفظ ذكره الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٢٢، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٠٢، وتابعه الواحدي هنا. وحديث بريرة المشهور، لفظه: هو لها صدقة ولنا هدية، رواه البخاري في الزكاة، باب: الصدقة على موالي أزواج النبي - ﷺ - ٢/ ١٦٤ برقم ١٤٩٣، ومسلم في العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق ٢/ ١١٤٣ برقم ١٥٠٤ وليس فيه اللفظ الذي ذكره المؤلف، لكنه ورد في حديث أم عطية أنه - ﷺ - قال عن الشاة التي أرسلتها نسيبة الأنصارية: فقد بلغت محلها، رواه البخاري في الزكاة، باب: قدر كم يعطي من الزكاة والصدقة ٢/ ١٤٨ برقم ١٤٤٦، ومسلم في الزكاة، باب. إباحة الهدية للنبي - ﷺ - ٢/ ٧٥٦. =
وهكذا فعل النبي - ﷺ - وأصحابه، حين صُدُّوا عن البيت، نَحَروا هَدْيَهُم بالحديبية ليست من الحرم (٤).
قال الشافعي رحمه الله: وكل ما وجب على المحرم في ماله من بَدَنةٍ وجَزَاء وَهَدْي فلا يُجْزِي إلا في الحرم، لمساكين أهله، إلا في موضعين:
أحدهما: دم المحصر بالعدو، فإنه ينحر حيث حبس ولحل.
والآخر: من ساق هديًا فعَطب في طريقه ذبحه وخلى بينه وبين المساكين (٥).
هذا على مذهب أهل الحجاز (٦)، وعلى مذهب أهل العراق محلُّ
(١) سقطت من (ش).
(٢) بريرة مولاة عائشة رضي الله عنهما، وكانت مولاة لبعض الأنصار، ثم اشترتها عائشة فأعتقتها، وكانت تحت مغيث فخيرها رسول الله - ﷺ - بعد عتقها، فاختارت فراقه، وعاشت إلى خلافة يزيد بن معاوية. ينظر: "صحيح البخاري" ٦/ ٢١٠، "الاستيعاب" ٤/ ٣٥٧ (٣٢٩٠).
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٥٠٢.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٢١، ٢٢٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٠٢.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٤٩٧، وقد عزاه فقال: وقال بعض الفقهاء، ولم يعزه إلى الشافعي، لكن الجملة التي قبله عزاها للشافعي، وهي التي نقلها الواحدي قبل عدة أسطر.
(٦) ينظر: "الأم" ٢/ ١٧٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٠١، "أحكام القرآن" لابن العربي=
وحقيقة الخلاف تعود إلى أن عند أهل الحجاز المحل في هذه الآية اسمًا للأوان الذي يحل فيه ذبح الهدي عن المحصر، وعند غيرهم المحل اسم للمكان (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ نزلت في كعب ابن عُجْرة (٤) قال: مر بي رسول الله - ﷺ - زمن الحديبية ولي وفرة من شعر فيها القَمْل والصِّيبَان، وهي تَتَناثر على وجْهي وأنا أطبخ قِدرًا لي، فقال رسول الله - ﷺ -: "أيؤذيك هوام رأسك؟ " قلت: نعم يا رسول الله قال: "احلق رأسك"، فأنزل الله عز وجل: ﴿فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ﴾ (٥) أي:
(١) في (م) (فحله في الموضعين).
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٢٣، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٢٧٢، "شرح معاني الآثار" ٢/ ٢٥١، "بدائع الصنائع" ٢/ ١٧٩.
(٣) "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٢.
(٤) كعب بن عجرة بن أمية البلوي، الأنصاري المدني، أبو محمد، صحابي مشهور، تأخر إسلامه، ثم شهد المشاهد كلها، مات بعد الخمسين، وله نيف وسبعون سنة، روى حديثه الجماعة. ينظر، "أسد الغابة" ٤/ ٢٤٣، "تقريب التهذيب" ص ٤٦١ (٥٦٤٣).
(٥) أخرجه البخاري (١٨١٧) كتاب المحصر، باب: النسك شاة، ومسلم (١٢٠١) =
والحكم في هذا: أن المحرم إذا تأذّى بهوامِّ رأسِه أو بالمرض أُبيح له الحلق والمداواة بشرط الفدية، وهذه الفدية على التخيير أيها شاء فعل، كما دل عليه ظاهر الآية (٢)، فالصيام ثلاثة أيام، يصوم حيث شاء من البلاد (٣)، والصدقة إطعام ستة مساكين، لكل مسكين مدان، فيكون الجملة فَرَقًا، وهو اثنا عشر مدًّا (٤)، وفي سائر الكفارات لكلِّ مسكين (٥) مدٌّ واحد.
وأصل معنى الصدقة نذكرها في قوله: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: ٢٧١] إن شاء الله تعالى.
(١) "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٦٠، "اللسان" ٦/ ٣٣٦٧ فدي.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٣١ - ٢٣٤، ٢٣٦، ٢٣٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٠٨، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٢٤.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٠٧، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٢٤ - ١٢٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٦٣ خلافًا لقول الحسن وعكرمة.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٠٧، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٢٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٦٢ - ٣٦٣.
(٥) ليست في (أ) ولا (م).
قال العلماء أعلاها: بدنة، وأوسطها: بقرة، وأدناها: شاة. وهو مخير بينهما؛ لأن النسك وقع على هذه الأجناس (٤). والصحيح: أنه يأتي بالإطعام والنسك أي موضع شاء، لأن الله تعالى أطلق في الآية، ولم يخص مكانًا دون مكانٍ (٥).
(٢) نقله عن ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٢.
(٣) ينظر في معنى النسك: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٢ - ٣٥٦٣، "المفردات" ٤٩٣، "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٤، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٦٤، "عمدة الحفاظ" ٤/ ١٩٧.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٠٧، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٣، وقال الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٦٤: اتفقوا في النسك على أن أقله شاة لأن النسك لا يتأدى إلا بأحد الأمور الثلاثة: الجمل، والبقرة، والشاة، ولما كان أقلها الشاة، لا جرم كان أقل الواجب في النسك هو الشاة، قال ابن عبد البر: كل من ذكر النسك في هذا الحديث مفسرًا فإنما ذكره بشاة، وهو أمر لا خلاف فيه بين العلماء، نقله القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٦١. وينظر: "الإجماع في التفسير" ص٢٠٤.
(٥) وهذا قول علي وإبراهيم النخعي، وروي عن مجاهد، وهو قول المالكية، واختيار الطبري والثعلبي، وقال الحسن وطاوس وعطاء ومجاهد، وهو قول الشافعي: النسك والإطعام بمكة، والصيام حيث شئت، وعلتهم: قياسه على جزاء الصيد، حيث قال الله تعالى: ﴿هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ﴾ [المائدة: ٩٥]، وإذا كان =
والمتاع: كل شيء يُتَمَتَّعُ به، ويُنْتَفَع به. وأصله: من قولهم: جَبَلٌ ماتعٌ، أي: طَويل، وكل من طالت صُحْبته مع الشيء فهو متمتع به (٢).
والتمتع بالعمرة إلى الحجِّ هو: أن يَقْدُمَ مَكَّةَ مُحْرِمُا، فيعتمرَ في أَشْهُرِ الحَجِّ، ثم يقيم حلالاً بمكةَ، حتى ينشئَ منها الحجَّ فيحج من عامه ذلك، ويكون متمتعًا بمحظورات الإحرام؛ لأنه حل بالعمرة إلى إحرامه بالحج (٣).
(١) هذا من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في المقدمة. والمفسرون على قولين: أحدهما: أمنتم من العدو؛ لأن الأمن لا يقال إلا من العدو، والمرض لا تؤمن معاودته، وبه قال قتادة والربيع، وقال علقمة: أمنتم من المرض والخوف، وكذا قال عروة. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٤٣.
(٢) ينظر في متع: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٣٤ - ٣٣٣٥، "المفردات" ٤٦٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١١، "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٥، "عمدة الحفاظ" ٤/ ٧٢ - ٧٤، "اللسان" ٧/ ٤١٢٧، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٢١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٠، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٣٤١.
(٣) وبه قال سعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب وعطاء =
وقوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ﴾ قال أصحابنا: المتمتع الذي يجب عليه الدّم: هو الذي يُحِم في أشهر الحج، ويحل بعمرة في أشهر الحج، ويُحْرم بالحج من عامه ذلك من مكةَ، ولا يرجع إلى الميقات، ويكون من غير أهل الحرم، فإذا انخرم شيء من هذه الشرائط سقط عنه الدم، ولا يكون متمتعاً (٢).
(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١١، ونقله الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٦٥، وقيل: سمي متمتعًا؛ لأنه تمتع بإسقاط أحد السفرين. ينظر القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٦٤ - ٣٦٦.
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١١، و"غرائب القرآن" للنيسابوري ٢/ ١٦١، "فتح الباري" ٣/ ٤٣٥، وذكر الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٦٥ - ١٦٦: أن دم التمتع له خمس شرائط عند الأصحاب أي من الشافعية: أحدها: أن يقدم العمرة على =
قال المفسرون: يصومُ يومًا قبل التروية، ويومَ التروية، ويومَ عرفة.
قال أصحابنا: يصوم ثلاثة أيام قبل يوم النحر في أشهر الحج، إن شاء متتابعة، وإن شاء متفرقة، وإن صام قبل يوم عرفة حتى يكون يوم عرفة (٢) مفطرًا كان أولى؛ لأن رسول الله - ﷺ - ما صامَ بعرفةَ يومَ عَرَفة، وذلك
(١) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٢، وهذا قول علي وابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين.
ينظر: "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٧٦، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٤٥ - ٢٤٦، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٤٢.
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٤٧ - ٢٤٩، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٢٩ -
١٣١، "زاد المسير" ١/ ٢٠٦، وقد بين الطبري رحمه الله علة قول من قال: إن آخر الثلاثة قبل يوم النحر، أن الله أوجب صومهن في الحج، وإذا انقضى عرفة انقضى الحج، والعلماء مجمعون على حرمة صوم يوم النحر، فإن كان إجماعهم على حرمة صيام لأجل كونه ليس من أيام الحج فما بعده أولى، وان كان لأجل كونه عيدا فما بعده من أيام التشريق في معناه. وقال آخرون: إن آخرهن أيام التشريق=
وقوله تعالى: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ أما السَّبْعَةُ فله أن يصومها بعد الفراغ من الحج، أين شاء ومتى شاء، والأولى: أن لا يُوقِعَها في أيام التشريق (٢)، وإن فاته صوم الأيام الثلاثة في الحج قضاها من بعد.
وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ يقال: كمُل الشيءُ يَكمُل، وكمَل يكمُل، فهو كامِلٌ وكميل، وذُكِر أيضًا: كَمِل يكمَلُ (٣).
وإنما قال: ﴿تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ﴾ مع العلم بأن الثلاثة والسبعة عشرة،
(١) ينظر: "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٣٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٧٧.
(٢) ذكر الطبري في "تفسيره" رحمه الله ٢/ ٢٥٣: " الإجماع" على أن المراد بقوله: ﴿وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾، أي: إلى أهليكم، ودليله. حديث ابن عمر في الصحيحين مرفوعا: فمن لم بجد هديا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع إلى أهله. البخاري ٢/ ١٨١ في الحج، باب: من ساق البدن معه، ومسلم ٢/ ٩٠١ في الحج، باب: وجوب الدم على المتمتع، وقد اختلف العلماء في حكم صيامها بعد الفراغ من أعمال الحج، وقبل الرجوع على قولين، ذكرهما القرطبي في "تفسيره" ٢/ ٣٧٨ - ٣٧٩.
(٣) ينظر: "لسان العرب" ٧/ ٣٩٣٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٧٩.
ثَلاثٌ واثْنَتَانِ فهُنَّ خَمْسُ (٣).......................... البيت.
وكقوله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ [الأعراف: ١٤٢].
وقيل: إن العرب أمّةٌ أميةٌ، لا تَعْرِف الحساب (٤)، ولذلك قال جابر حين ذكر عددَ أهلِ الحُدَيْبِيَة: كنا أربعَ عَشرَ مائة (٥). ويروى أن رجلًا من الصحابة سَبَى جاريةً في بعض المغازي، فطلبوا منه أن يأخذ الفداء، فقال: لا أفديها إلا بألف درهم، فبذلوها له، فقيل له: لو طلبت أكثر من ذلك لأعطوك، فقال: والله ما عرفت أن فوق الألف حسابا (٦).
وقال الزجاج: العرب قد تذكر الواو والمراد منها أو، كقوله: ﴿فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ [النساء: ٣]، فجاز أن يَتَوَهَّم المتوهم أن الفرضَ ثلاثة أيام في الحج أو سبعة في الرجوع، فأعلم الله عز وجل
(٢) هو: همام بن غالب بن صعصعة التميمي، أبو فراس، الشهير بالفرزدق، شاعر عظيم الأثر في اللغة، مات في بادية البصرة سنة ١١٠ هـ انظر: "الشعر والشعراء" ٣١٠، "السير" ٤/ ٥٩٠.
(٣) عجزه: وسادسة تميل إلى شمام
والبيت للفرزدق في "ديوانه" ٢/ ٨٣٥، ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٨٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٣، "الدر المصون" ٢/ ٣٢٠ وشمام: اسم جمل ينظر: "لسان العرب" ٥/ ٢٩٥٢ (عشر).
(٤) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٤، "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٩.
(٥) رواه مسلم (١٨٥٦) كتاب الإمارة، باب: استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال.
(٦) لم أجده.
وقيل: أراد: كاملة في البدل عن الدم، وإن كانت مُفَرَّقة، ثلاثة في الحج وسبعة في الوطن (٢).
وقيل: لفظه خبر ومعناه أمر، أي: فأكملوها ولا تنقصوها (٣).
وقوله: ﴿لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أي: ذلك الفرض والذي أمرنا به لمن كان من الغرباء من غير أهل مكة (٤).
قال الفراء: واللام في قوله: ﴿لِمَنْ﴾ معناها: على (٥)، أي: ذلك الفرض الذي هو الدمُ أو الصومُ على من لم يكن من أهل مكة، كقوله - ﷺ -: "اشترطي لهم الولاء" (٦). أي: عليهم.
والله تعالى ذكر الأهل والمراد بالحضور المحرم لا الأهل، وذلك أن
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٥٤، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٦٢، "التفسير الكبير" ٥/ ١٦٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٧٩.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٥٤، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٦٢، "التفسير الكبير" ٥/ ١٧٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٧٩، وهذا هو اختيار الطبري.
(٤) هذا قول، وهو رجوع اسم الإشارة إلى المتمتع الذي يلزمه الدم أو بدله، والقول الآخر: أن اسم الإشارة عائد إلى التمتع، ولهذا اختلفوا في حكم تمتع المكي، وهل له المتعة أو لا؟ والأول: قال به الشافعي، والثاني: قال به أبو حنيفة. ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ١٧١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٠، "البحر المحيط" ٢/ ٨٠.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٨، وينظر: "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨١، والقول الآخر: أن اللام على بابها، والمعنى: ذلك لازم لمن. ينظر: "الدر المصون" ٢/ ٣٢١.
(٦) أخرجه البخاري (٢١٦٨) كتاب البيوع، باب: إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل، ومسلم (١٥٠٤) كتاب العتق، باب: إنما الولاء لمن أعتق.
والحاضرون: من كانت دارُه على مسافةٍ لا يَقْصُر إليها الصِّلاة، سموا حاضرين: لأنهم يقربون من مكة، والحَضْرة عند العرب: قرب الشيء (٢).
وقوله تعالى: ﴿الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ أصلُ الحرام: المَنْع، والمحروم: المَمْنُوع من المكاسب، والشيء المنهي عنه حَرَام؛ لأنه منع من إتيانه؛ ومنه قول زُهيْر:
لا غائبٌ مالي ولا حَرِمُ (٣).
أي: لا ممنوع. فالمسجد الحرام: الممنوع من أن يفعل فيه ما حَرُم ولم يؤذن في إتيانه (٤).
قال الفراء: ويقال حَرَام وحَرَمُ، مثل: زَمَان وزَمَن (٥).
(٢) واختلف الناس في حاضري المسجد الحرام، بعد "الإجماع" على أن أهل مكة وما اتصل بها، من حاضريه، وقال الطبري: بعد "الإجماع" على أهل الحرم، فقالا بعضهم: من وجبت عليه الجمعة فهو من حاضريه، وقال مالك: هم أهل مكة وما اتصل بها خاصة، وقال أبو حنيفة: من كان دون المواقيت فهو من حاضري المسجد الحرام، وقال الشافعي: ما ذكره الواحدي. ينظر في ذكر الأقوال: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٥٥ - ٢٥٧، "التفسير الكبير" ٥/ ١٧١، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨١، "البحر المحيط" ٢/ ٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٥.
(٣) البيت بتمامه:
وإن أتاه خليل يوم مسألة... يقول: لا غائب مالي ولا حرم
وهو في "ديوان زهير بشرح ثعلب" ص ١٥٣، وفي "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٦٦، "الكامل" ١/ ١٣٤، "المقتضب" ٢/ ٧٠، والخليل من الخَلة: الفقير.
(٤) ينظر: "المفردات" ص ١٢٢، "عمدة الحفاظ" ١/ ٤٥٧، ونقله عن الواحدي بلا عزو: الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٧٢، "لسان العرب" ٢/ ٨٤٦ (حرم).
(٥) نقله عنه الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٧٢.
١٩٧ - قوله تعالى: ﴿الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ﴾ تقدير الآية عند النحويين على وجهين:
أحدهما: أن التقدير: أشهُر الحج أشهر معلومات، ليكون (٢) الثاني الأول في المعنى، فحذف المضاف (٣).
والثاني: أنّ التقدير: الحجُّ حجُّ أشهر مَعْلومات، أي: لا حج إلا في هذه الأشهر، ولا يجوز في غيرها، كما كان يفعله أهل الجاهلية، يستجيزونها في غيرها من الأشهر، فحذف المصدر المضاف إلى الأشهر. ويمكن تصحيحُ الآيةِ من غير إضمار، وهو أنه جعل الأشهر الحج لمَّا كان الحج فيها، كقولهم: ليل نائم، لما (٤) كان النوم فيه جعل نائمًا، كذلك ها هنا، اتسع في الأشهر وأخرجت عن الظرف، كقوله تعالى: ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ [طه: ٥٩]، ألا تَرَى أن الحجَّ في الأشهر، كما أن الموعدَ في اليوم، إلا أنه اتسع فيه، فجعل الأول لما كان فيه، كذلك جعل الحج الأشهر على الاتساع، لكونه فيها وكثرته من الفاعلين له (٥)، كما جَعَلتِ الخَنْساءُ الوحشيةَ إقبالًا وإدبارًا لكثرتهما منها في قولها:
(٢) في (ش) (أي ليكون).
(٣) قال مكي في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٢٣: ولولا هذا الإضمار لكان القياس نصب (أشهر) على الظرف، كما تقول: القتال اليوم، والخروج الساعةَ.
(٤) في (ش) ولما.
(٥) ليست في (أ) ولا (م).
تَرْتَعُ ما رَتَعَتْ حتّى إذا ادَّكَرَتْ | فإنَّما هي (١) إقْبَالٌ وإدْبَارُ (٢) |
لَعَمْري وما دَهْرِي بَتَأبِيْنِ هَالكٍ | ولا جَزعٍ مما أَصَاب فَأَوجَعَا (٤) |
والمراد بالأشهر، هاهنا، عند جميع المفسرين: شَوَّالٌ وذو القَعْدة وتسع من ذي الحِجَّة، ويقال: عشر من ذي الحجة، فمن قال: وتِسْع، أراد الأيام؛ لأن يوم عرفة وهو اليوم التاسع من ذي الحجة آخر هذه الأشهر (٦)، ومن قال: عَشْرٌ، عَبَّر به عن الليالي؛ لأن من أدركَ عرفةَ في الليل العاشر
(٢) البيت تقدم تخريجه مع تفسير [البقرة: ٤٩].
(٣) هو: متمم بن نويرة بن جمرة بن ثعلبة بن يربوع، أبو نهشل، صحابي شاعر فحل، اشتهر في الجاهلية والإسلام، أشهر شعره رثاء أخيه مالك، توفي سنة ٣٥ هـ انظر: "أسد الغابة" ٥/ ٥٢، ٥٨، "الشعر والشعراء" ص ٢٠٩.
(٤) البيت في "ديوانه" ص ١٠٦، "لسان العرب" ١/ ١٣ (أبن)، ٣/ ١٤٤٠ (دهر).
(٥) ينظر: في إعراب الآية: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٣، "التبيان" ص ١٢٣، "البحر المحيط" ٢/ ٨٤، "الدر المصون" ٢/ ٣٢٢، وقال أبو حيان والحج أشهر: مبتدأ وخبر، ولابد من حذف؛ إذ الأشهر ليست الحج، وذلك الحذف إما في المبتدأ، فالتقدير: أشهر الحج، أو وقت الحج، أو في الخبر، أي: الحج حج أشهر، أو يكون الأصل: في أشهر، فاتسع فيه، وأخبر بالظرف عن الحج. ثم رد على ابن عطية قوله بالإلزام بالنصب في الحالة الثالثة.
(٦) ذكره الشافعي في "أحكام القرآن" ص١٢٧، "مختصر المزني" ٨/ ١٥٩، "المجموع" ٧/ ١٤٣.
وإنما قال: أشهر، لشهرين وبعض الثالث؛ لأن الاثنين قد يوقع عليها (٣) لفظ الجمع، وذلك أن التثنية أولُ الجَمْع (٤)، الدليل عليه قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ [النور: ٢٦]. وإنما يريد عائشةَ وصَفْوان، وكذلك قوله: ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ [الأنبياء: ٧٨]، يريد: داودَ وسليمانَ، وقال: ﴿فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ [التحريم: ٤].
وقال الشاعر:
(٢) أما لفظ عشر من ذي الحجة، فقد ورد عن جماعة من الصحابة: عبد الله بن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير -رضي الله عنه- وجماعة من التابعين. ينظر: "سنن سعيد بن منصور" ٣/ ٧٨٣ - ٧٩١، "المصنف" لابن أبي شيبة، (القسم الأول من الجزء الرابع ص ٢١٨)، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٥٧، "سنن الدارقطني" ٢/ ٢٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٦. وأما لفظ تسع، فلم أعثر عليه في شيء من الأحاديث والآثار، لكن ذكرها المفسرون والفقهاء في معرض الخلاف في أشهر الحج، وذكرها الشافعي في "أحكام القرآن" له ص ١٢٧، وفي "المجموع" ٧/ ١٤٣، والمؤلف رحمه الله تابع الثعلبي على هذا. ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٦.
(٣) في (ش) (عليه).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٨، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٥، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٢، "المدخل لعلم تفسير كتاب الله" للحدادي ص ٢٨٠.
وقال ابن الأنباري: العرب توقع الوقت الطويل على الوقت اليسير، فيقولون: قُتل ابن الزبير زمان الحجاج أمير، وإنما كان القتل في أقصر وقت، فجاز على هذا وقوع الأشهر على أقل منها، ويقولون: أتيتك يوم الخميس، وإنما أتاه (٤) في ساعة منه، فيسمي تلك الساعة يومًا (٥).
وقال عروة بن الزبير (٦): أراد بالأشهر شوالًا وذا القَعْدة وذا الحِجَّة كُمَّلًا (٧)؛ لأنه يبقى على الحاج أمور بعد عرفة يجب عليه فعلها، مثل:
(٢) في (ش) (الريسين).
(٣) صدر البيت: ومهمهين قذفين مرتين
ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٤٨، وفيه قال الراجز هو خطام المجاشعي، "الخزانة" ٢/ ٣١٤، "البيان" ٢/ ٤٤٦. وينظر: "الوسيط" للواحدي ١/ ٣٠٠.
(٤) في (م) أتوه.
(٥) وينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١١٩، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥١٧، قال الفراء: وكذلك تقول العرب: له اليوم يومان منذ لم أره، وإنما هو يوم وبعض آخر، وهذا ليس بجائز في غير المواقيت؛ لأن العرب قد تفعل الفعل في أقل من الساعة ثم يوقعونه على اليوم.
(٦) هو: أبو عبد الله عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي، أخو عبد الله بن الزبير، وأمهما أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهم- ثقة مشهور، من أفاضل التابعين وعبادهم، توفي سنة ٩٤ هـ انظر: "السير" ٤/ ٤٢١، "تقريب التهذيب" ص ٣٨٩ (٤٥٦١).
(٧) ذكره الثعلبي عنه ٢/ ٥١٨، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٢٥، والرازي في "تفسيره" ١/ ١٧٣، ولم يذكره أحد من أصحاب الكتب المسندة في التفسير، وروى سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩١ عن عروة بن الزبير قال: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - (الحج أشهر معلومات) قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٣٩٣ إلى ابن المنذر، وهذا قول ابن مسعود وابن عمر وعطاء وطاوس ومجاهد والزهري والربيع ومالك. ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٨٥.
وقوله تعالى: ﴿مَعْلُومَاتٌ﴾ أي: أشهر مُؤَقَّتَةٌ معينة، لا يجوز فيها ما كان يفعلُه أهلُ الجاهلية من التبديل بالتقديم والتأخير، الذي كان يفعله النَّسَأة الذين أنزل فيهم ﴿إِنَمَا النَّسِىَءُ﴾ الآية [التوبة: ٣٧].
قال ابن عباس في هذه الآية: جعلهن سبحانه للحج، وسائر الشهور للعمرة، فلا يصلح لأحد (٢) أن يحرم بالحج إلا في أشهر الحج (٣).
وهذا مذهب الشافعي رحمه الله قال: من أراد أن يحرم بالحج لم يصح إحرامه بالحج إلا في أشهر الحج، فإن أحَرْم في غير أشهر الحج انعقد إحرامه عمرة؛ لأن الله تعالى خَصَّ هذه الأشهر بفرض الحج فيها، وجعلها وقتًا للحج (٤).
وعند أبي حنيفة: إذا أحرم بالحج في غير أشهر الحج كُرِه ذلك،
(٢) سقطت من (ش).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٥٧ - ٢٥٨ من طريق علي بن أبي طلحة عنه، ورواه الشافعي في "الأم" ٢/ ١٦٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٥، والنحاس في "معاني القرآن" ١/ ١٣٠ من طريق عكرمة، ورواه البخاري معلقا ٢/ ١٨٣ معلقا مجزوما به، ووصله ابن خزيمة في "تفسيره" ٤/ ١٦٢، والحاكم في "تفسيره" ١/ ٦١٦، وصححه، من طريق مقسم، عن ابن عباس بنحوه مختصرًا.
(٤) ينظر: "الأم" ٢/ ١٦٨، "المجموع" ٧/ ١٤٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٣، وهذا القول على التقدير في الآية: الحج حج أشهر معلومات، وبه قال ابن عباس وجابر وعطاء ومجاهد وطاوس والأوزاعي وأبو ثور، وقال الأوزاعي: يحل بعمرة، وقال أحمد: هذا مكروه، وروي هذا القول عن مالك، والمشهور عنه القول الآخر.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾. قال المفسرون: أي: من أوجب على نفسه فيهن الحج بالإحرام والتلبية (٢). ومعنى فَرَضَ في اللغة. ألزم وأوجب، يقال: فَرَضْتُ عليك كذا، أي: أوجبته، وأصل معنى الفَرْض في اللغة: الحزّ والقطع.
قال ابن الأعرابي: الفرض: الحز (٣) في القِدْح وفي (٤) الزند وغيره (٥)، وفُرْضَة القَوس: الحَزّ الذي يقع فيه الوتر، وفرضة الزند: الحز الذي فيه. قال: ومنه فَرْضُ الصلاة وغيرها، إنما هو لازم للعبد كلزوم الحز للقدح، ففرض بمعنى: أوجب، قد ورد في القرآن فرضَ بمعنى أَبَان، وهو
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٠ - ٢٦٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٠، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٣، وقد بين الطبري أن أهل التأويل اختلفوا في المعنى الذي يكون به الرجل فارضا الحج بعد إجماع جميعهم على أن معنى الفرض: الإيجاب والإلزام، فقال بعضهم: فرض الحج: الإهلال، وقد رواه عن ابن عمر وعطاء ومجاهد وطاوس والثوري والقاسم بن محمد، وبه قال أبو حنيفة، وابن حبيب من المالكية، وهو قول الظاهرية، وقال آخرون فرض الحج: إحرامه، وقد رواه عن ابن عباس والحسن وقتادة والنخعي والضحاك، وهذا قول الشافعي والحسن بن حي. ثم رجح القول الثاني، وبين سبب الترجيح.
(٣) في (م) كأنها (الجز).
(٤) في ليست في (م).
(٥) نقله عن ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" ٣/ ٧٧١ فرض.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ ذكرنا معنى الرفث عند قوله: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ [البقرة: ١٨٧]، وأما معناه في هذه الآية، فذهب ابن عباس (٣)، والأكثرون إلى أن المراد به الجماع (٤).
قالت طائفة (٥): المراد بالرفث، هاهنا، التعريض (٦) للنساء بالجماع،
(٢) ينظر في الفرض "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧١ "فرض"، "المفردات" ٣٧٨، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٢٥٨ - ٢٥٩.
(٣) رواه الثوري في "تفسيره" ص ٦٣، وسعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩٩، وأبو يعلى في "مسنده" ٥/ ٩٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٥، وابن أبي حاتم في " تفسيره" ١/ ٣٤٦ وغيرهم.
(٤) ذكر الطبري القول بذلك عن ابن مسعود وابن عمر والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وعمرو بن دينار وقتادة وسعيد بن جبير والسدي والربيع والنخعي والضحاك. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٥ - ٢٦٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٤٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٣.
(٥) ذكر الطبري القول بذلك عن ابن عباس وابن عمر وابن الزبير ومحمد بن كعب القرظي وطاوس وابنه وعطاء. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٦٣ - ٢٦٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٤٦، وقد رجح الطبري أن الرفث شامل للقولين، وقال أبو حيان في البحر ٢/ ٨٧: وملخص هذه الأقوال أنها دائرة بين شيء يفسده، وهو الجماع، أو شيء لا يليق لمن كان متلبسا بالحج لحرمة الحج.
(٦) في (م) التعرض.
وهُنَّ يَمْشِينَ بنا هَمِيسا | إن تَصْدُقِ الطَّيْرُ نَنِك لَمِيسَا (١) |
وقوله تعالى: ﴿وَلَا فُسُوقَ﴾ قال ابن عباس (٣) والأكثرون (٤): الفسوق معاصي الله كلها.
وقال ابن زيد: هو الذبح للأصنام، قُطِعَ ذلك بالنبي - ﷺ - حين حج فعلَّم أُمتَه المناسكَ (٥)، دليله قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ
(٢) رواه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٨٠٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٣ من طريق أبي حصين بن قيس، وهو القائل لابن عباس: ترفث وأنت محرم؟ ومن طريق أبي العالية الرياحي، ورواه الحاكم ٢/ ٣٠٣ وصححه وعنه البيهقي في "تفسيره" ٥/ ٦٧ من طريق الأعمش.
(٣) رواه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩٩، وأبو يعلى ٥/ ٩٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٧.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٦٩، عن عطاء والحسن وطاوس ومجاهد والقرظي وابن جبير وإبراهيم النخعي والربيع وعكرمة. قال ابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٢/ ١٦٩: وعموم المعاصي أولى الأقوال.
(٥) رواه الطبري، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٧ نحوه عن مالك، وينظر: "الموطأ" ١/ ٣٨٩.
(والجدال) يقال: من المجادلة، وأصلها (٢): من الجَدْل الذي هو الفَتْل، يقال: زِمَامٌ مَجْدُول وجَدِيْل، أي: مَفْتُول، والجَدِيْل: اسم للزمام لأنه لا يكون إلا مفتولًا، سميت المخاصمة مجادلة؛ لأن كلَّ واحدٍ من الخصمين يروم أن يفتل صاحبه عن رأيه (٣).
قال ابن عباس (٤) والمفسرون (٥) في قوله: ﴿وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾: هو أن يجادل صاحبه ويُمَارِيَه حتى يغضبه، نُهِي المحرمُ عن هذا.
(٢) في (م) وأصله.
(٣) ينظر في المجادلة: "تهذيب اللغة" ١/ ٥٦٠ - ٥٦١ "جدل"، "المفردات" ٩٧، وذكر الراغب في تسمية المخاصمة مجادلة قولا آخر فقال: "وقيل: الأصل في الجدال: الصراع، وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة" وذكر السمين في عمدة الحفاظ ١/ ٣٥٩ قولا ثالثا، وهو: أن أصله من القوة، فكان كُلًّا من المتجادلين يقوي قوله ويضعف قول صاحبه.
(٤) رواه عنه سعيد بن منصور في "السنن" ٣/ ٧٩٩، وابن أبي شيبة في "المصنف"، القسم الأول من الجزء الرابع ص ١٥٧، وأبو يعلى ٥/ ٩٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٨.
(٥) روى الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٨ هذا القول عن عطاء وابن جبير ومجاهد وعمرو بن دينار والحسن والربيع والضحاك والنخعي وعطاء بن يسار وعكرمة والزهري وقتادة.
قال أهل المعاني: ظاهر الآية نفي ومعناها نهي، أي: ولا ترفثوا ولا تفسقوا ولا تجادلوا، كقوله عز وجل: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢]، أي: لا ترتابوا (٤).
واختلف القُرَّاء في هذه الآية، فقرأ (٥) بعضهم: (فلا رفثٌ ولا فسوقٌ) مرفوعين منونين، وقرأ بعضُهم منونين غير منونين، ولم يختلفوا في نصب اللام من جدال (٦).
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٧٠.
(٣) ذكر الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٣٤٩ أقوالا أخر، فمنهم من قال: الجدال: السباب، وهو مروي عن ابن عمر وابن عباس وقتادة، ومنهم من قال: الجدال: اختلافهم فيمن هو أتم حجا من الحُجاج، وهو مروي عن محمد بن كعب القرظي، ومنهم من قال: الجدال: اختلافهم في اليوم الذي يكون فيه الحج، فنهوا عن ذلك، وهو مروي عن القاسم بن محمد، وقيل: بل اختلافهم في أمر مواقف الحج أيهم المصيب موقف إبراهيم، قاله ابن زيد. وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣٠، "النكت والعيون" ١/ ٢٥٩، "زاد المسير" ١/ ٢١١، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٧، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨
(٤) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣١، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٧، و"حجة القراءات" لابن زنجلة ص ١٢٨، "المدخل" للحدادي ص ٤٦٥.
(٥) في (ش) وقرأ.
(٦) قرأ ابن كثير المكي وأبو عمرو ويعقوب برفع الثاء والقاف مع التنوين، ووافقهم أبو جعفر، وانفرد بتنوين جدال مع الرفع، والباقون بـ (الفتح) بلا تنوين في الثلاث. ينظر: "السبعة" ص ١٠٨، "النشر" ٢/ ٢١١، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨.
فإن رفعتَ بها، فقلت: لا رجلٌ عندك (٢) ولا ثوبٌ لك، فيكون هذا جوابًا لقول القائل: هل رجل عندك؟ هل (٣) ثوب لك؟ فكما أن هل لا تعمل شيئًا، جعلت لا في الجواب مثلها، فرفعت ما بعدها بالابتداء وإن شئتَ جعلتَ "لا" مشبهةً بـ (ليس) فرفعت بها النكرات؛ لأن بعض العرب تجعلها بمنزلة ليس. من ذلك قوله:
فَأَنَا ابْنُ قَيْس لا بَرَاحُ (٤)
(٢) في (م) عندي.
(٣) في (ش) لا ثوب.
(٤) شطره الأول: "من صد عن نيرانها".
والبيت لسعد بن مالك بن ضبيعة من قيس ثعلبة. ينظر: "الكتاب" لسيبويه ١/ ٥٨، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠، "الخزانة" ١/ ٢٢٣، "المقتضب" ٤/ ٣٦٠، وفي رواية: من فر نيرانها، أي: نيران الحرب وشدتها، ومعنى: لا براح: أي لا براح لي ولا تحول، ولا أهرب منها، وابن قيس: سمى نفسه باسم جده لشهرته.
تالله لولا أنْ تَحُشَّ (١) الطُّبَّخُ | بيَ الجَحِيمَ حِسِن لا مُسْتَصْرَخُ (٢) |
فإن قدرت الاسم بعدها مرفوعًا بالابتداء، جاز في قول سيبويه أن يكون (في الحج) خبرًا عن الأسماء الثلاثة، لاتفاق الأسماء في ارتفاعها بالابتداء. أما قوله ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ فبين (٥)، وأما قوله ﴿وَلَا جِدَالَ﴾ فإن (لا) مع ﴿جِدَالَ﴾ في موضع رفع، فقد اتفقت الأسماء في ارتفاعها بالابتداء، فلا يمنع من أن يكون قوله: (في الحج) خبرًا عنها (٦). وإن قدرت لا بمنزلة ليس، لم يجز أن يكون "في الحج" منتصبًا في موضع خبر ليس، لأن الخبر لا ينتصب بلا كما ينتصب (٧) بليس، ولكنك تضمر لقوله: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ خبرًا، لأن من شأن العرب إذا رفعت ما بعد لا وكانت لا بمنزلة ليس، حذف الخبر. وإضماره كالبيتين الذين أنشدناهما، فقوله: لا براحُ، تقديره: لا براحٌ من هاهنا، ويكون قوله: (في
(٢) البيت في "الديوان" ص ١٤، "أمالي الشجري" ١/ ٢٨٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠.
(٣) في (ش): ولا دينار لك جاز فيه الوجهان.
(٤) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٢/ ٢٧٤، ٢/ ٣٠٣، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٠ - ٢٧١، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٢٠ - ١٢١.
(٥) في (م) فهن.
(٦) من "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٨٩ - ٢٩٠، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧١.
(٧) سقطت من (أ)، (م).
فأما من فتح فقال: ﴿فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ﴾ فحجته أنه أشد مطابقة للمعنى المقصود، ألا تري أنه إذا فتح فقد نفى جميع الرفث والفسوق، كما أنه إذا قال: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [البقرة: ٢]، فقد نفى جميع هذا الجنس، وإذا رَفَع وَنَوَّنَ كان المنفي الواحدَ منه، ألا ترى أن سيبويه يرى (٢) أنه إذا قال: لا غلام عندك ولا جارية، فهو جواب من سأل فقال: غلام عندك أم جارية؟ (٣) فالفتح أولى؛ لأن النفي به أعم والمعنى عليه (٤)، ألا ترى أنه لم يُرَخَّص في ضَرْبٍ من الرَّفَثِ والفُسوق، كما لم يُرَخَّص في ضرب من الجدال، وقد اتفق الجميع على فتح اللام من الجدال؛ لتناول النفي جمع جنسه، فيجب أن يكون ما قبله من الاسمين على لفظه، إذ كان في حكمه (٥)، ومن رفع فحجته أنه يُعلم من الفحوى (٦) أنه ليس المنفي رفثًا
(٢) "الكتاب" لسيبويه ١/ ٢٩٥.
(٣) من قوله: فهو جواب... ساقط من (ش).
(٤) في "الحجة": لأن النفي قد عم.
(٥) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٩١، قال العكبري في "التبيان" ص ١٢٤: "الفتح" في الجميع أقوى لما فيه من نفي العموم.
(٦) في (م) (النحوي).
(٢) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٢٩١ - ٢٩٢.
(٣) في (ش) معنى لا جدال النفي أي لا جدال أي الحج في ذي الحجة.
(٤) في (ش) (كمخالفة) وفي (م) (للمخالفة).
(٥) ينظر: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٣ - ١٢٤، "البحر المحيط" ٢/ ٨٨ - ٩٠، وقد تعقب أبو حيان في "تفسيره" ٢/ ٩٠ الزمخشري في دعواه أن قراءة أبي عمرو وابن كثير: (لا رفث ولا فسوق)، بالرفع، (لا جدال)، بالنصب، بأنهما حملا الأولين على النهي، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قيل: ولا شك ولا خلاف في الحج، فقال: الرفع والبناء لا يقتضيان شيئا من ذلك، بل لا فرق بين الرفع والبناء في أن ما كانا فيه كان مبنيا، وأما أن الرفع يقتضي الابتداء والبناء يقتضي الخبر فلا، ثم قراءة الثلاثة بالرفع، وقراءتها كلها بالبناء يدل على ذلك، غاية ما فرق بينهما أن قراءة البناء نص على العموم، وقراءة الرفع مرجحة له، فقراءتهما الأولين بالرفع، والثالث بالبناء على الفتح إنما ذلك سنة متبعة، إذا لم يتأد ذلك إليهما إلا على هذا الوجه من الوجوه الجائزة في العربية في مثل هذا التركيب. ثم بيَّن رحمه الله الخلاف في الآية هل يراد بها النفي حقيقة فيكون إخبارا، أو صورتها صورة النفي والمراد به النهي، ورجح الثاني.
وقوله تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ نزلت في ناس من أهل اليمن كانوا يحجون بغير زاد، ويقولون: نحن متوكلون، ثم كانوا يسألون الناس، وربما ظلموهم وغصبوهم، فأمرهم الله سبحانه أن يتزودوا (٢)، فقال: ﴿وَتَزَوَّدُوا﴾ ما تتبلغون به ﴿فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى﴾ ما تكفُّون به وجوهكم عن السؤال وأنفسكم. وفي هذا حَثٌّ على التزود للآخرة، وتنبيهٌ عليه (٣)، لأن الآية أفادت بيان الزادين، وذلك أن اللفظةَ العامة إذا أفادت فوائد ولم تكن متنافية، فلابد من استفادتها جميعًا، ويكون
(٢) وردت هذه القصة عن جمع من السلف، أشهرهم ابن عباس، روى حديثه البخاري (١٥٢٣) كتاب الحج، باب: قوله تعالى. وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، وأبو داود (١٧٣٠) كتاب المناسك، باب: التزود في الحج، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٢٤٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٧٨، والخلال في "الحث على التجارة" ص١٤٧، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٦٣، عن عكرمة عن ابن عباس، وذكر الطبري الرواية بذلك عن ابن عمر وابن عباس وعكرمة، والنخعي وابن زيد ومجاهد، دون ذكر لقوم معينين، وذكر الرواية بتعيين أهل اليمن عن مجاهد والحسن والربيع وقتادة. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٧٨ - ٢٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٣٦.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٢٧، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٨١، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٧٢، "التفسير الكبير" ٥/ ١٨٢ - ١٨٣، "تفسير القرطبي" ٢/ ٣٨٨ - ٣٨٩.
إذا أنْتَ لم تَرْحَلْ بزَادٍ من التُّقَى | ولاقيتَ بعدَ المَوْتِ من قَدْ تَزَوَّدَا |
نَدِمْتَ على أن لا تكونَ كمِثْله | وأنكَ لم تَرْصُدْ كما كان أرْصَدَا (٢) |
(٢) البيتان للأعشى من قصيدة يمدح بها رسول الله - ﷺ -، "ديوان الأعشى" ص ٤٦. وذكرها الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٣٨.
(٣) هذا السبب جمعه المؤلف من عدة آثار بمعناها عن ابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن وقتادة، وقد ثبت عن ابن عباس أنه قال: كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فكانوا يتجرون فيها، فلما كان الإسلام كأنهم تأثموا منها، فسألوا النبي - ﷺ - فأنزل الله: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ﴾، في مواسم الحج، رواه البخاري، "الفتح" (٣/ ٥٩٣) =
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَفَضْتُمْ﴾ معنى الإفاضة، في اللغة: الدَّفْعُ للشَّيءِ حين يَتَفَرَّق. يقال: أفاضت العينُ دَمْعَها، وأفاض بالقداح، وعلى القداح: إذا ضرب بها منبثةً متفرقة، ومنه:
وكأنَّهُن رِبَابَةٌ وكأنَّه | يَسَر يُفِيْضُ على القِدَاحِ وَيصدَعُ (٢) |
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧١.
(٢) والبيت لأبي ذؤيب الهذلي خويلد بن خالد يصف الحمُرُ، ضمن قصيدة من "المفضليات" ص ١٢٦، "ديوان الهذليين" ١/ ٦ والبيت في "اللسان" مادة: ريب، وصدع. والرِّبابة: بكسر الراء: الرقعة تجمع فيها قداح الميسر، واليَسَر. صاحب الميسر، شبه الأُتُن بالقداح لتجمعهن وتراكمهن، وشبه الحمار الوحشي بالضارب الذي يفرق القداح ويجمعها. وينظر: "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ١٨.
وأَفَضْنَ بعد كُظُومِهِنّ بجِرَّةٍ | من ذي الأبَاطِح إذ رَعَيْنَ حَقِيلا (١) |
(٢) ينظر في مادة (فيض): "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧١٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٤٦، "المفردات" ص ٣٩٠، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٣٠٨، قال الزجاج في "تفسيره" ١/ ٢٧٢: وكل ما في اللغة من باب الإفاضة، فليس يكون إلا من تفرقة أو كثرة.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٢، وفي معنى الآية ثلاثة أقوال، هذا أحدها. والثاني: أن معناه: فإذا رجعتم من حيث بدأتم، وهذا اختيار الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٨٥، والثالث: أن الإفاضة: الإسراع من مكان إلى مكان. وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٤٦، "النكت والعيون" ١/ ٢٦٠، "البحر المحيط" ٣/ ٨٣
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٢، قال أبو حيان في "تفسيره" ٢/ ٩٥ متعقبا هذا القول: ولا يظهر من هذا الشرط الوجوب، إنما يعلم منه الحصول في عرفة والوقوف بها، فهل ذلك على سبيل الوجوب أو الندب، لا دليل في الآية على ذلك، لكن السنة الثابتة والإجماع يدلان على ذلك.
فإذا كانت في الأصل اسمًا لبقعة ولم يكن جمعًا لواحد معروف تركوا إجراءها، مثل: عانات وأذرعات (٤)؛ لأنها ليست بجمع عانة ولا أذرعة، ففرقوا بين الواحد والجمع (٥)، وعلى هذا تتوجه قراءة أشهب العُقَيلي: (من عرفاتَ)، مفتوحة التاء، جعلها اسمًا واحدًا، مثل: عانات وأذْرِعَات.
(٢) في (م): سباب.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٤ - ١٦٥، "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٢٣٢ - ٢٣٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٨٥ - ٢٨٦، ورجح الطبري أنه اسم لواحد، سمي بجماع، فإذا صرف ذهب به مذهب الجماع الذي كان له أصلًا، وإذا ترك صرفه ذهب به إلى أنه اسم لبقعة واحدة معروفة، فترك صرفه كما يترك صرف أسماء الأمصار والقرى المعارف. واستدرك أبو حيان في "البحر" ٢/ ٨٣ على من زعم أنها جمع، بأنه إن عنى في الأصل فصحيح، وإن عنى حالة كونه علما فليس بصحيح؛ لأن الجمعية تنافي العلمية.
(٤) أذرعات: موضع بالشام بين دمشق وعمان، وعانات، ويقال عانة: موضع في العراق على نهر الفرات.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٤٩.
هذا كلامه، ومعناه: أن عرفات بمنزلة مسلماتٍ، وهو معنى قوله: لأنه بمنزلة الزيدين، وهي وإن كانت اسمًا لمكان واحد لفظه جمع كما بينا، بخلاف عانات.
قال: وقد يجوز منعه الصرف إذا كان اسمًا للواحد، إلا أنه لا يكون إلا مكسورًا، وإن أسقطت التنوين، وأنشد:
تَنَوَّرْتُها من أَذْرعاتٍ وأهْلُهَا | بيَثْرِبَ أدْنَى دَارِها نَظَرٌ عَالِ (٣) |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٢.
(٣) البيت لامرئ القيس في "ديوانه" ص ١٢٤. "الكتاب" لسيبوبه ٢/ ٢٣٣، "الخزانة" ١/ ٢٦، والضمير في قوله: تنورتها للمرأة التي يذكرها، وتنور النار: أبصرها من بعيد، والمعنى: لاح نور المرأة في الظلماء وهو بأذرعات بلد الشام وهي بيثرب (المدينة)، ثم يقول: أقرب ما يرى منها لا يرى إلا من عال في جو السماء، يصف بُعْدَ ما بينه وبينها، ومع ذلك فقد لاحت له في الليل من هذا المكان البعيد.
(٤) النحويون على إجازة الأوجه الثلاثة؛ لأنه ليس جمعا. ينظر الأشموني ١/ ٧٥، وممن أنشد البيت بغير تنوين: المبرد في "المقتضب" ٣/ ٣٣٣.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٢، والعبارة الأخيرة عنده هكذا: لأن نصب الجمع وفتحه كسر.
قال (١): وذكر المبرد أن الفتح فيه لا يجوز (٢)، فلا يجوز عنده أن تقول: رأيت عرفاتَ ومسلماتَ، إذا سميت بها رجلًا، قال: ورأيت من النحويين من يقول ضد هذا، يقول: إذا حذفت التنوين لم يجز إلا الفتح، قال: وكلام سيبويه (٣) عندي يدل على هذا، ولم يفصح بفتح ولا كسر، هذا معنى كلام السيرافي (٤)، وهو موافق لما ذكرنا وحكينا.
واختلفوا لم سميت تلك البقعة عرفات؟ (٥)
فقال الضحاك: إن آدم عليه السلام لما أُهْبِطَ، وقع بالهندِ، وحَوَّاء بِجُدَّة، فجعل آدم يطلب حواءَ، وهي تطلبه، فاجتمعا بعرفات يومَ عَرَفَة، وتَعَارَفا، فسمي اليوم عَرَفَة، والموضع عرفات (٦).
(٢) "المقتضب" للمبرد ٣/ ٣٣١ - ٣٣٤.
(٣) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٢٣٢ - ٢٣٣.
(٤) السيرافي: الحسن بن عبد الله بن مرزبان السيرافي أبو سعيد، تقدمت ترجمته ٣/ ٣٢٨ [البقرة: ١٢٩].
(٥) ذكر المفسرون أقوالًا كثيرة في سبب تسمية البقعة عرفات. ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٨٦، "النكت والعيون" ١/ ٢٦١، "التفسير الكبير" ٥/ ١٨٨ - ١٩٠.
(٦) ذكره الثعلبي ٢/ ٥٤٩، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٢٨، وابن الجوزي في "زاد =
وقوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ أي: بالدُّعاء والتَّلْبية (٢) ﴿عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ وهو المزدلفة (٣)، وتسمى أيضًا جَمْعًا؛ لأنه يجمع فيها بين صَلاتَي العشاء (٤).
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، القسم الأول من الجزء الرابع ٢٩١، ورواه الفاكهي في "أخبار مكة" ٥/ ٩، والطبري ٢/ ٢٨٦، والثعلبي ٢/ ٥٥٤، وروى الإمام أحمد ١/ ٢٩٧، وغيره عن ابن عباس نحوه.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٢.
(٣) اختلف في المراد بالمشعر الحرام، فقيل: هو الجبل الذي بالمزدلفة، ويسمى جبل قزح، وهذا قول لبعض المفسرين، وهو الذي صححه الزمخشري. والأكثرون على أن المزدلفة كلها هي المشعر الحرام، قال الطبري ٢/ ٢٨٧: فأما المشعر، فإنه ما بين جبلي المزدلفة من مأزِمَي عرفة إلى محسر، وليس مأزما عرفة من المشعر، وبالذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم ذكر الرواية به عن ابن عمر وابن عباس وابن جبير ومجاهد وعطاء والسدي والربيع. ثم ذكر الطبري أنه يحتاج للحاج أن يجعل وقوفه لذكر الله من المشعر الحرام على قُزح وما حوله؛ لحديث: هذا الموقف، وكل مزدلفة موقف.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٤، "تفسير البغوي" ١/ ٢٢٩، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٣٨، وهذا قول، وقيل: لأن الناس يجتمعون بها، وذلك أن قريشا كما سيأتي لا يخرجون إلى عرفات، فيكون اجتماع الحجيج في المزدلفة. ينظر: "معجم البلدان" [مزدلفة]، "اللسان" ٤/ ٢٢٧٧، وذكر قولا آخر، وهو: أنها سميت بذلك لأن آدم وحواء لما هبطا اجتمعا بها.
المعنى: واذكروه ذكرًا مثل هدايته إياكم، أي: يكون جزاءً لهدايته (٣)، ومعنى (اذكروه) بتوحيده والثناء عليه والشكر له (٤).
قال سيبويه: يقال: ذَكَرْته ذِكرًا مثل: حَفِظْتُه حِفْظًا (٥). وقالوا: ذُكرًا كما قالوا: شُربًا (٦).
والذكر في كلام العرب على ضَرْبين: ذكر هو خلاف النسيان، وذكر هو قول (٧)، فمما هو خلاف النسيان قوله: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الكهف: ٦٣] والذكر الذي هو قولٌ يستعمل على ضربين: قول لا ثلبَ فيه للمذكور، كقوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٠٠] ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٠٣]، وهو كثير.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٢، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٨٧، ونقل الثعلبي، عن المفضل: سمي المشعر لأنه أُشْعِرَ المؤمنون أنه حرم كالبيت ومكة، أي: اعملوا.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٣.
(٤) المصدر السابق.
(٥) "الكتاب" لسيبويه، لم أعثر عليه فيه. ونقله عنه في "اللسان" ٣/ ١٥٠٧ "ذكر".
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة"، ونقل عن الفراء قوله: الذَّكر: ما ذكرته بلسانك وأظهرته. قال: والذُّكر بالقلب، يقال: ما زال مني على ذُكر، أي: لم أنسه.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٨٦ - ١٢٨٧، نقله عن الليث، "لسان العرب" ٣/ ١٥٠٨ "ذكر".
يذكركم منا عدي بن حاتم | لَعَمْري لقد جِئْتُم حبولًا وماثما (٢) |
وإنما أعاد الأمر بالذكر بعد قوله: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ﴾ مبالغة في الأمر، وزيادة في الحث. وأكثر ما يكون التكرير في الأمر والنهي، كقولهم للرجل: اِرْم اِرْم. على أنَّ هذا التكرير حَسُنَ هاهنا؛ لأن اللفظةَ الثانيةَ لم تلاصِقِ الأُوْلى، وأيضًا فإن الأمر الثاني موصول بما لم يَصِلْ به الأول، وكانت الإعادة لما تعلق به من قوله: ﴿كَمَا هَدَاكُمْ﴾ (٤).
(٢) البيت لم أهتد إلى قائله، ولا من ذكره.
(٣) ينظر في مادة: (ذكر) "تهذيب اللغة" ٢/ ١٢٨٦ - ١٢٨٨، "اللسان" ٣/ ١٥٠٧ - ١٥٠٩ "ذكر"، "المفردات" ص ١٨٤ وقال: الذكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس، بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارًا بإحرازه، والذكر يقال اعتبارًا باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول، ولذلك قيل: الذكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان: ذكر عن نسيان، وذكر لا عن نسيان، بل عن إدامة الحفظ، وكل قول يقال له ذكر. ثم ذكر الأمثلة على ذلك، ولخص كلامه السمين الحلبي في "عمدة الحفاظ" ٢/ ٤٢ - ٤٥.
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ١٩٢ - ١٩٣، وذكر وجوها أخر.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ﴾ أي: من قبل هداه، فالهاء كناية عن الهدى لدلالة هدى عليه (٢)، وتأويله: ما كنتم من قبل إلا ضالين، كقوله: ﴿وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ [الشعراء: ١٨٦]، يعنى: ما نظنك إلا من الكاذبين (٣).
١٩٩ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ﴾ ذكرنا معنى الإفاضة.
و (حيثُ) حقُّها البناء؛ لأنها مُنِعَتْ الإضافةُ مع لزوم معنى الإضافة لها، ولمَّا لزمت معنى الإضافة إلى الجملة، صارت بمنزلة الأسماء الناقصة التي تحتاج إلى صِلَةٍ كالذي ونحوه، والاسم الناقص بمنزلة بعض الكلمة، وبعض الكلمة حرفٌ يستحق البناء، فأما بناؤها على الضم: فلأنها بمنزلة الغاية كقبلُ وبعدُ، من جهة أنها مُنِعت الإضافة، مع لزوم معنى الإضافة، ولو أُعربت لاستحقت النصب والجر فقط؛ لأنها ظرف، والظروف لا
(٢) واختاره الطبري ٢/ ٢٩١، وقيل: راجعة إلى الرسول - ﷺ -، كناية عن غير مذكور، وقيل: راجعة إلى القرآن، ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٦، "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٠، "البحر المحيط" ٢/ ٩٨.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٩١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٦، "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٠، "تفسير الرازي" ٥/ ١٩٥، وحكى الطبري وجها مفاده: أن إنْ بمعنى قد، والمعنى: وقد كنتم من قبل ذلك من الضالين، وهذا مذهب الكسائي كما في "البحر المحيط" ٢/ ٩٨.
قال عامة أهل التأويل: كانت الحُمْسُ (٣) لا يَخْرجون من الحرم إلى عرفات، إنما يقفون بالمزدلفة، ويقولون: نحن أهلُ الله، وقُطَّانُ حَرَمه، فلا نخرج من الحرم، ولسنا كسائر الناس، فأمرهم الله تعالى أن يقفوا بعرفات كما يقف سائرُ الناس، حتى تكون الإفاضة معهم منها، فالناس في هذه الآية: هم العربُ كلُّها غيرُ الحُمس، وإنما أتى الله تعالى بالجمع المبهم لانكشاف معناه عند المخاطبين، هذا قول جمهور المفسرين (٤).
(٢) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٢٣٣ حيث بين أنها ظرف للمكان، ٣/ ٢٨٦، ٢٩٩، "مغني اللبيب" ص ١٧٦ - ١٧٨ (ط. دار الفكر) "لسان العرب" ٢/ ١٠٦٤ - ١٠٦٥ "حيث".
(٣) الحُمس: تقدم بيانه عند قوله: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا﴾ ٣/ ٦٢٧ [البقرة: ١٨٩].
(٤) ذكر الرواية بذلك: الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٩١ - ٢٩٣ عن عائشة وابن عباس وعروة وعطاء ومجاهد وقتادة والسدي والربيع وابن أبي نجيح، وحديث عائشة رواه البخاري (٤٥٢٠) كتاب التفسير، باب: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، ومسلم (١٢١٩) كتاب الحج، باب: في الوقوف وقوله: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس، كما رواه البخاري (١٦٦٤) كتاب الحج، باب: الوقوف بعرفة، ومسلم (الموضع السابق) (١٢٢٥) من حديث جبير بن مطعم.
قال الطبري ٢/ ٢٩٣: والذي نراه صوابا من تأويل هذه الآية: أنه عُني بهذه الآية =
وقال بعضهم: المراد بالإفاضة في هذه الآية: الدَّفْعُ من مزدلفةَ إلى مِنَى، وأراد بالناس: الحُمْس، فإنهم كانوا يفيضون من المزدلفة إلى منى ولا يفيضون من عرفات. والله تعالى ذكر أولًا الإفاضة من عرفات إلى المزدلفة، ثم أمر بالإِفَاضَة من المزدلفة إلى منى (٢).
والحكم في الوقوف بعرفة والإفاضتين، هو أن الغرض (٣) من الوقوف بعرفة الحصولُ فيها مجتازًا أو ماكثًا، مستيقظًا أو نائمًا، عالمًا أنه بعرفة أو جاهلًا. والكمال في الصبر إلى غروب الشمس.
فإن أفاض قبل الغروب أراق دمًا، وما بين زوال الشمس من يوم
(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٨، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٩٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٠، وذكر قولا آخر: أن ثم بمعنى الواو، أي: وأفيضوا، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البلد: ١٧].
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٨، "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٠.
(٣) في (ش): الفرض.
فإذا أفاضوا من عرفة إلى المزدلفة باتوا بها، ومن ترك المبيت بها فعليه دم (١)، ويجمعون هناك بين صلاتي العشاء، ولهذا يسمي: جمعًا (٢)، ويسمى أيضًا: قُزَح والمشعر (٣). فإذا أصبحوا بها غَلّسوا بالصبح.
ثم وقفوا عند المشعر الحرام وهو آخر حد مزدلفة. والمزدلفة من الحرم كلها، ثم لا يزالون يدعون ويذكرون الله تعالى حتى يقاربوا (٤) طلوع الشمس، ثم يروحون من مزدلفة قبل الطلوع خلافَ العادةِ في الجاهلية (٥)، فإنهم كانوا يصبرون إلى الطلوع، ويقولون: أَشْرِقْ ثَبِيْر (٦) كيما نُغِير (٧)،
(٢) ينظر المراجع السابقة.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٤.
(٤) في (ش): يفارقوا.
(٥) ينظر: "الأم" ٢/ ٢٣٣، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣١٣، "المجموع" ٨/ ١٣٤، "المغني" ٥/ ٢٨٤، "صحيح البخاري" (١٦٨٤) كتاب الحج، باب: متى يدفع من جمع، "سنن أبي داود" (١٩٣٨) والترمذي كتاب الحج، باب: الإفاضة من جمع قبل طلوع الشمس ٣/ ٢٤٢ (٩٨٦)، والنسائي كتاب الحج، باب: الصلاة بجمع ٥/ ٢٦٥.
(٦) هو ثبير غيناء، ويسمى أيضا: ثبير الأثبرة، أي: كبيرها، وتسميه عامة أهل مكة اليوم: جبل الرخم، وهو المقابل لجبل النور (حراء) من الجنوب والمشرف على منى من الشمال. "معجم البلدان" ٢/ ٧٣، "معالم مكة" للبلادي ص ٥٥.
(٧) رواه البخاري (١٦٨٤) كتاب الحج، باب: متى يدفع من جمع، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه -.
وذهب الزُّهري (٢) إلى أن (الناس) في هذه الآية: آدم -عليه السلام- واحتج بقراءة سعيد بن جبير: (ثم أفيضوا من حيث أفاض الناسي (٣)). وقال: هو آدم، نسي ما عُهد إليه.
وروي أنه قرأ (الناسِ) فاكتُفي (٤) من الياء بالكسرة (٥).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٣١، "زاد المسير" ١/ ٢١٤، "تفسير الرازي" ٥/ ١٩٧.
(٣) في (ش): الناس.
(٤) في (ش) و (أ): اكتفى.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٣١، وابن جني في "المحتسب" ١/ ١١٩، وابن خالويه في "مختصر شواذ القراءات" ص ٢٠، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ١٧٧، وقال: وقرأ سعيد بن جبير: الناسي، وتأوله: آدم عليه السلام، ويجوز عند بعضهم: تخفيف الياء فيقول الناس كالقاض والهاد، قال ابن عطية: أما جوازه في العربية فذكره سيبويه، وأما جوازه مقروءًا به فلا أحفظه. وبها قرأ أبو المتوكل، وأبو نهيك، ومورق العجلي: الناسي، بإثبات الياء، ينظر: "زاد المسير" ١/ ٢١٤.
قال ابن الأنباري: وإيقاع الجمع على الواحد جائز، كما تقول العرب: خرج زيدٌ إلى البصرة في السفن، وإلى الكوفة على البغال.
٢٠٠ - قوله تعالى: ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ﴾ ذكرنا معاني القضاء عند قوله: ﴿وَإِذَا قَضَى أَمْرًا﴾ [البقرة: ١١٧]، وأراد هاهنا: أدَيْتُم، لأنه يقال: قضى ما عليه، إذا أداه. كقوله تعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةَ﴾ [الجمعة: ١٠] يعني: الجمعة، ولا يُتَصَوَّرُ فيها قَضَاءٌ دون الأداء، وأصلُ هَذَا يؤول إلى إحكامه بالفراغ منه (٤).
(٢) هو: أبو سلمة، نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي، صحابي مشهور، هاجر إلى الرسول - ﷺ - يوم الخندق، وهو الذي خذَّل المشركين واليهود حتى صرفهم الله، سكن المدينة، قُتِلَ في وقعة الجمل في أول خلافة علي، وقيل في خلافة عثمان. ينظر: "الإصابة" ٣/ ٥٦٨، "أسد الغابة" ٥/ ٣٤٨.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٢٩٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٦٩، "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٠ - ٢٣١، "التفسير الكبير" ٥/ ١٩٦.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ١٩٥، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٨٥ - ٢٩٨٧ "قضى"، "المفردات" ص ٤٠٦ - ٤٠٨، وقال الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٩٩: اعلم أن القضاء =
وقوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ﴾ قال أكثرُ أهل التفسير: كانت العربُ إذا فَرَغوا من حَجِّهم ذكروا مآثرَ آبائِهم ومفاخِرَهم، فأمرهم الله عز وجل بذكره، فقال: فاذكروني فأنا الذي فعلت ذلك بكم وبآبائكم، وأحسنت إليكم وإليهم (٣).
(١) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ١٧٨، "التفسير الكبير" ٥/ ١٩٩، "زاد المسير" ١/ ٢١٥، وذكر أن القائلين بأن المناسك هي المتعبدات قد اختلفوا في المراد بها هاهنا على قولين: أحدهما: أنها جميع أفعال الحج، قاله الحسن. والثاني: أنها إراقة الدماء، قاله مجاهد. وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٠٣.
(٢) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ١٩٩، "البحر المحيط" ٢/ ١٠٣، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٧٨ وقال: والمناسك عندي العبادات في معالم الحج، ومواضع النسك فيه.
(٣) نقله عن الثعلبي مختصرا "تفسير الثعلبي" ٢/ ٥٨٣، وقد جمعه الثعلبي من روايات عدة عن الصحابة والتابعين، وذكر الطبري ٢/ ٢٩٦ - ٢٩٧، الرواية بذلك عن أنس ومجاهد وأبي وائل وأبي بكر بن عياش وقتادة وسعيد بن جبير وعكرمة، وينظر: "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٧٩، "أخبار مكة" للفاكهي ٤/ ١٤٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ١/ ٣٥٥، "الدعاء" للطبراني ٢/ ١٢٠٨، "العجاب" ١/ ٥١١.
وقال في بعض الروايات (٣): وهو قول الربيع (٤) والضحاك (٥): أرادَ: فاذكروا الله كذكركم آباءكم وأمهاتكم، فاكتُفي بالآباء من الأمهات، كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١]، قالوا: وهو قول الصبي الصغير أول ما يُفْصحُ الكَلام: أَبَهْ أَبَهْ، أمَّهْ أمَّهْ، أي: الهجوا بذكر ربكم في جميع أحوالكم، كما يلزمُ الصبيُّ (٦) في صِغَرِه ذكرَ أبيهِ وأُمِّه (٧).
وقال ابن الأنباري في هذه الآية: إن العربَ كان أكثر أقسامها في الجاهلية بالآباء، كقولهم: وأبي وأبيك وأبيكم وجدكم. فقال الله تعالى:
(٢) رواه عن عطاء: الفاكهي في "أخبار مكة" ٤/ ١٤٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٩٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٥٦، والبيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ٤٥١، وذكره الرازي في "تفسيره" ٥/ ١٩٨.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٩٧ من طريق عطية العوفي عنه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٨٣.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٩٧، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٥٨٤، والرازي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٠.
(٥) انظر السابق.
(٦) من قوله: (الصغير...) ساقط من (أ) (م).
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبى" ٢/ ٥٨٤.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا﴾ يعني: وأشدّ (٢)، والعامل فيه: الكاف في قوله (٣): ﴿كَذِكْرِكُمْ﴾، وموضعه جر، وإن شئت جعلت العامل فيه: الفعل في (اذكروا)، فتكون نصبًا (٤).
وهذا الذكر المأمور به هو التكبير أيام منى، وقيل: إنه الدعاء لله عز وجل في تلك المواطن (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَمِنَ النَّاسِ..﴾ إلى آخر الآية قال ابن عباس: هم المشركون، كانوا يسألون المال والإبل والغنم، وكانوا يقولون: اللهم اسْقِنا المَطَر، وأَعْطِنا على عَدُوِّنا الظَّفَر، ويسألون التوسعة عليهم في
(٢) "التبيان" ١/ ١٦٤، قال في "البحر المحيط" ٢/ ١٠٣: و (أو) هنا قيل: للتخيير، وقيل للإباحة، وقيل: بمعنى: بل أشد.
(٣) في (م): (كقوله).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٤، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٤، "التبيان" ص ١٢٥ - ١٢٦، وقد اعترض أبو حيان في "البحر" ٢/ ١٠٣ على إعرابه بذلك، وبين سبب الاعتراض، وأطال في ذكر الأعاريب الضعيفة، ثم قال: والذي يتبادر إلى الذهن في الآية أنهم أمروا بأن يذكروا الله ذكرًا يماثل ذكر آبائهم أو أشد، وقد ساغ لنا حمل الآية على هذا المعنى بتوجيه واضح ذهلوا عنه، وهو أن يكون أشد منصوبا على الحال، وهو نعت لقوله (ذكرًا) لو تأخر، فلما تقدم انتصب على الحال، ويكون إذ ذاك: أو ذكرا أشد، معطوفا على محل الكاف من (كذكركم)، ثم ذكر وجهًا آخر.
(٥) والأول: اختيار الطبري ٢/ ٢٩٨، وينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٢٠٠، "البحر المحيط" ٢/ ١٠٣.
وحذف مفعول ﴿آتِنَا﴾ من الكلام، وهو المسؤول من الدنيا؛ للعلم (٢).
٢٠١ - قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ الآية.
هؤلاء المسلمون يسألون الحظ في الدنيا والآخرة. قال ابن عباس في رواية عطاء: أمّر رسول الله - ﷺ - أبا بكر رضي الله عنه (٣) عام الفتح على الموسم، ثم بعث عليًا رضي الله عنه بسورة التوبة، وصلى أبو بكر بالناس في الموسم، وعَرَّفَهُم مناسكهم.
ولما (٤) قَضَوْا حَجَّهم ومناسكهم ذكروا الله أشد من ذكرهم آباءهم، فكان أول من قال: ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ أبو بكر، ثم اتبعه علي والناس أجمعون (٥).
قال ابن عباس: ﴿فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ يريد: العملَ بما يُرضِي الله، وأكلَ الحلال، والزوجةَ الصالحة، ﴿وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ يريد: الجنةَ
(٢) "التفسير الكبير" ٥/ ٢٠٣، "البحر المحيط" ٢/ ١٠٤ - ١٠٥، وقال: حذف مفعولي آتى، وأحدهما جائز اختصارا واقتصارا، لأن هذا من باب: أعطى، وذلك جائز فيه.
(٣) قوله: (أبا بكر -رضي الله عنه-) سقطت من (م).
(٤) في (م): (فلما).
(٥) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٠٧، وأبو حيان في "البحر" ٢/ ١٠٥.
وروى مجاهد، عن ابن عباس قال: عند الركن اليماني مَلَكٌ قائم منذ خلق الله السموات والأرض يقول: آمين، فقولوا: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار (٢).
ولفظ الحسنة في الآية منكّرة مبهمة محتملة لكل حسنة من الحسناتِ على البدل، وأَتَمُّها ما قال ابن عباس (٣).
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ١٠/ ٣٦٨، والفاكهي في "أخبار مكة" ١/ ١١٠، والآجري في "مسألة الطائفين" ٣٣، وابن شاهين في "الترغيب في فضائل الأعمال" ٣٠١، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٣/ ٤٥٣ كلهم من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز عن مجاهد به، وهذا إسناد ضعيف؛ لضعف عبد الله بن مسلم. ينظر: "التقريب" ص ٣٢٢ (٣٦١٦)، وضعفه الدكتور/ المنيع في تحقيقه لـ"تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٠٠، ورواه الأزرقي في "أخبار مكة" ١/ ٣٤١ بهذا السند موقوفا على مجاهد، وله شاهد من حديث أبي هريرة، رواه ابن ماجه (٢٩٥٧) كتاب: المناسك، باب: فضل الطواف، عن حميد بن أبي سوية، قال: سمعت ابن هشام يسأل عطاء بن أبي رباح عن الركن اليماني، وهو يطوف بالبيت، فقال عطاء: حدثني أبو هريرة أن النبي - ﷺ - قال: وُكِّل به سبعون ملكًا، فمن قال: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، قالوا: آمين، الحديث، قال البوصيري في "مصباح الزجاجة" ٢/ ١٣٥: إسناده ضعيف، حميد قال فيه ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة، وقال الذهبي: مجهول، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن ابن ماجه" (٦٤٠).
(٣) والمروي عن السلف كله مقارب لهذا في المعنى، تنظر المرويات في ذلك عند الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٠٠ - ٣٠١، واختار الطبري أن المراد بالحسنة عام، فيشمل كل ما قيل فيها، وأما حسنة الآخرة فالجنة، لأن الله لم يخص شيئا من=
٢٠٢ - قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا﴾ قال ابن عباس: يريد: ثوابَ ما عملوا (٤).
وقال أبو إسحاق: أي: دعاؤهم مستجاب؛ لأن كَسْبَهُم هاهنا الذي ذكر: الدعاء (٥).
وقيل: معناه: لهم نصيب من كسبهم باستحقاقهم الثواب عليه، خلاف من بطل عمله فلم يكن (٦) له منه حظ (٧).
(١) في (م): (من المجيء).
(٢) في (أ) (م): (غير).
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة"، "المفردات" ١٨، "لسان العرب" ١/ ٢١ - ٢٤ "أتى".
(٤) لعله من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في القسم الدراسي.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٥.
(٦) في (م) (ينزل).
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠٢، ورواه عن قتادة وابن زيد، ينظر: "تفسير الثعلبي" =
والحساب: مصدر كالمحاسبة، وربما سمي المَحْسُوبُ حِسَابًا، ومعنى الحساب في اللغة: العد، يقال: حَسَب يَحْسُبُ حِسَابًا وحِسَابةً وحِسْبَةً وحَسْبًا؛ إذا عَدّ، ذكره الليث وابن السكيت، وأنشد قول النابغة:
وأَسْرَعَتْ حِسْبَةً في ذلك العَدَد (٢)
وقول آخر:
يا جُمْلُ أسْقَاكِ بلا حِسَابَهْ (٣)
(١) نقله في "تهذيب اللغة" ٢/ ٨٩، "تفسير القرطبي" ٢/ ٤١٠، ونقله عن الواحدي بغير عزو: الرازي في "تفسيره" ٥/ ٢٠٦.
(٢) صدره: فَكَمَّلَتْ مائةً فيها حمامَتُها
"ديوان النابغة" ص ٢٥، "لسان العرب" ٢/ ٨٦٥ (حسب).
(٣) ورد الرجز هكذا:
يا جمل أُسْقِيْتَ بلا حسابه * سُقْيَا مَلِيكِ حَسَنِ الرِّبَابَه * قتلتني بالدل والخلابة
والرجز لمنظور بن مَرْثَد الأسدي، في "لسان العرب" ٢/ ٨٦٥ (حسب)، وقال: وأورد الجوهري الرجز: يا جُمْل أسقاكِ، وصواب إنشاده: يا جُمْل أُسْقِيت، و"التنبيه والإيضاح" ١/ ٦٢، "تاج العروس" ١/ ٤١٩. "المعجم المفصل" ٩/ ٥١. والرِّبابة: القيام على الشيء بإصلاحه وتربيته، والخِلابة: أن تخلب الأمة قلب الرجل بألطف القول وأعذبه.
وقال الزجاج: الحساب في اللغة: مأخوذ من قولهم: حَسْبُك كذا، أي: كفاك، فسمى الحساب في المعاملات حسابًا؛ لأنه يعلم به ما فيه كفاية، وليس فيه زيادة على المقدار ولا نقصان (٢).
وأما التفسير، فإن (٣) ابن عباس حَمَلَ الحساب، هاهنا، على حساب المذكورين في هذه الآية، فقال: يريد: أنه (٤) لا حساب عليهم، إنما يقفون بين يدي الله يُعْطَوْن كتبهم بأيمانهم، فيها سيئاتهم، فيقال لهم: هذه سيئاتكم قد تجاوزتها عنكم، ثم يعطون حسناتهم فيقال لهم: هذه حَسَنَاتُكُم قد ضَعَّفْتُها لكم (٥).
وقال أبو إسحاق: معناه: أنه قد علم ما للمحاسَب وعليه قبل توقيفه على حسابه، فهو سريع الحساب؛ لأن الفائدة في الحساب علم حقيقته (٦).
فعلى ما ذكره أبو إسحاق تأويله: أنه عالم بما للمحاسبين وعليهم.
وقال ابن الأنباري: معناه: سريع المجازاة للعباد على أعمالهم، وإن
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ٨١٠ "حسب".
(٣) في (م): قال.
(٤) في (م): إنه يريد.
(٥) ذكره في "غرائب النيسابوري" ٢/ ٢٨٠ - ٢٨١، "الوسيط" ١/ ٣٠٨، "التفسير الكبير" ٥/ ٢٠٦.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٥.
وقيل: تأويل الآية: أنه سريع القبول لدعاء عباده، والإجابة لهم، وذلك أنه تعالى يُسأل في وقت واحد سؤالاتٍ مختلفة، من أمر الدنيا والآخرة، فيجزي كلَّ عَبْدٍ على قدر استحقاقه، فلو كان الأمر مع واحد من المخلوقين لطال العَدُّ واتصل الحساب، فأعلم الله تعالى أنه (٢) سريعُ الحساب، أي: الإحاطة والعلم بجملة سؤال السائلين؛ لأنه لا يحتاج إلى عَقْدِ يَدٍ، ولا وَعْي صَدْرٍ، ولا رؤيةٍ وفكرٍ، ثم تأويله يعود إلى سرعة القبول والإجابة ما لم يعرف مسألةَ كلِّ أحدٍ على التفصيل ليمكنه الإجابة (٣) إلى ما سأل، وهذا معنى الدعاء المأثور: يا من لا يشغله سَمْعٌ عن سَمْع (٤).
ومع ما ذكرنا من هذه التأويلات (٥) قد ورد في الخبر: "أن الله عز وجل
(٢) في (ش) (لأنه).
(٣) لسِت في (أ) ولا (م).
(٤) لم أجده.
(٥) ينظر في الأقوال السابقة: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٠٩، "تفسير السمعاني" ٢/ ٢٤٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٣، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٨١، "زاد المسير" ١/ ٢١٦، "تفسير الرازي" ٥/ ٢٠٧، "البحر المحيط" ٢/ ١٠٦، "تفسير القرطبي" ٢/ ٤١٢، وقال: الكل محتمل، فيأخذ العبد لنفسه في تخفيف =
٢٠٣ - قوله تعالى: ﴿وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ﴾ الأصحُّ أن هذه الأيام يرادُ بها: أيامُ التشريق (٢) وأيامُ رَمْي الجمار (٣)، سماها معدودات (٤) لِقِلَّتِهَا (٥)، كقوله: ﴿دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ﴾ [يوسف: ٢٠]. وجَمْعُها
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٠٩، وذكره الزيلعي في "آثار الكشاف" ١/ ١٢٨، والحافظ ابن حجر في "تخريج أحاديث الكشاف" ١/ ٢٤٩، وسكتا عليه، وقال المناوي في "الفتح السماوي" ١/ ٢٤٨: قال الولي العراقي: لم أقف عليه، وقال غيره: أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٢) سميت أيام التشريق بذلك؛ لأن الناس كانوا يشرقون اللحم تلك الأيام، وتشريق اللحم هو تقديده وبسطه في الشمس ليجف، وقيل: لأن الهدي والضحايا لا تنحر حتى تشرق الشمس، أي: تطلع. ينظر: "النهاية" لابن الأثير ص ٤٧٥.
(٣) قد حكى جماعة كثيرة من العلماء الإجماع على أن المراد بالأيام المعدودات هي أيام منى، منهم: الماوردي في: "النكت والعيون" ١/ ٢٦٣، وابن عبد البر، نقله عنه القرطبي في "تفسيره" ٣/ ١، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٣٩٤، والكيا الهراسي في "أحكام القرآن" ١/ ١٧٨، والرازي في "تفسيره" ٥/ ٢٠٨، والقرطبي في "تفسيره" ٣/ ١. وقال النووي في "المجموع" ٨/ ٢٨١: نقل القاضي أبو الطيب والعبدري وخلائق: إجماع العلماء على أن المعدودات هي أيام التشريق. وذكر الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٠٢ - ٣٠٣ هذا القول عن مفسري السلف، وقال: وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل، ثم أسند التفسير به عن ابن عباس وعطاء ومجاهد وإبراهيم والحسن وقتادة والسدي والربيع ومالك والضحاك وابن زيد. ينظر: "الإجماع في التفسير" ٢١٦ وما بعدها.
(٤) زيادة من (ي).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٥.
وروي أن حسان بن ثابت عرضَ شعره وهو صبي بعكاظ على النابغة وأنشده قوله:
لنا الجَفنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْن بالضُّحَى | وأسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَةٍ دمَا (٢) |
والمراد بالذكر في هذه الأيام: التكبير أدبار الصلوات وعند الجمرات، يكبر مع كل حصاة (٤).
وأكثر العلماء على ما ذكرنا وهو أن الأيام المعدودات: أيام
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٢٢١. "المقتضب" ٢: ١٨٨ "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٥٧٨ "الخصائص" ٢/ ٢٠٦، "المحتسب" ١/ ١٨٧، والغُر: البيض، جمع غرّاء، يريد بياض الشحم، يقول: جفاننا معدة للضيفان ومساكين الحي بالغداة وأسيافنا تقطر بالدم، لنجدتنا وكثرة حروبنا.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٥ - ٢٧٦، وقد استشهد سيبويه في "الكتاب" ٣/ ٥٧٨ ببيت حسان على الجمع الكثير.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦١٤، "زاد المسير" ١/ ٢١٧.
أولها: يوم القَرّ، وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، يستقرُّ الناس فيه بمنى.
والثاني: يوم النَّفْر الأول؛ لأن بعض الناس ينفرون في هذا اليوم من منى.
والثالث: يوم الثالث عشر، وهو يوم النفر الثاني (١).
وهذه الأيام الثلاثة مع يوم النحر كلها أيام النحر، وأيام رمي الجمار (٢). وهي الأيام الأربعة مع يوم عرفة أيام التكبير أدبار الصلوات، يبتدأ مع الصبح يوم عرفة، ويختم مع العصر يوم الثالث عشر، وهو مذهب
(٢) كونها أياما لرمي الجمار لا خلاف فيه، وكونها أياما للنحر وقع فيه الخلاف على أقوال: الأول: أن آخر أيام النحر اليوم الثاني من أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة، يوم النحر ويومان بعده، وهذا قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس، وهو قول أبي حنيفة ومالك والثوري. والثاني: أن آخر أيام النحر هو آخر أيام التشريق، روي عن علي، وبه قال عطاء والحسن، وهو مذهب الشافعي. والثالث: أن النحر في يوم النحر فقط وهو قول ابن سيرين. والرابع: أن آخرها لأهل الأمصار يوم النحر، ولأهل منى اليوم الثاني من أيام التشريق، وبه قال سعيد بن جبير وجابر بن زيد. والخامس: أن آخرها هلال المحرم، وبه قال أبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء بن يِسار. ينظر: "المغني" لابن قدامة ١٣/ ٣٨٦.
والأظهر من مذهب الشافعي رحمه الله أنه يبتدئ التكبيرَ من صلاة الظُّهر يوم النحر إلى صلاة الفجر من آخر أيام التشريق، اقتداءً بالحاجّ، قال: لأنهم يقطعون التلبية ويأخذون في التكبير يوم النحر، من صلاة الظهر، والصبح آخر صلاة يصليها الحاج، والناس لهم تبع (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾ معناه: فمن تعجل في يومين من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني، فلا إثم عليه في تَعَجُّلِه، ومن تَأَخَّرَ عن النفر في اليوم الثاني من أيام التشريق إلى اليوم الثالث حتى
(٢) ينظر: "الأم" ١/ ٢٧٥، "معرفة السنن والآثار" ٥/ ١٠٤، "المجموع" ٥/ ٣١، وقد وقع الخلاف في ابتداء التكبير عقب الصلوات المفروضات وانتهائه على ستة أقوال: الأول: ما ذكره المؤلف من مذهب علي، وبه قال عمر وعلي وابن عباس وابن مسعود والثوري وأبو ثور، والشافعي في بعض أقواله، وأبو يوسف ومحمد، وهو مذهب أحمد لمن كان محلا، أما إن كان محرما فيبتدئ بالظهر من يوم النحر. الثاني أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، قاله ابن مسعود وعلقمة والنخعي وأبو حنيفة. الثالث: من بعد صلاة الظهر يوم النحر إلى ما بعد العصر من آخر أيام التشريق، قاله ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وعطاء. والرابع: أنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى ما بعد صلاة الظهر من يوم النفر، وهو الثاني من أيام التشريق، قاله الحسن. والخامس: أنه يكبر من الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، قاله مالك وهو أحد قولي الشافعي. والسادس: أنه يكبر من صلاة المغرب ليلة النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، وهذا قول للشافعي. ينظر: "زاد المسير" ١/ ٢١٧، "المغني" ٣/ ٢٨٨، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٤٢، "تفسير القرطبي" ٣/ ٤.
فإن قيل: إنما يخاف الإثم المتعجل. فما بال المتأخر أُلحق به، والذي أتى أفضل؟
قيل: معناه: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فهو مبرور مأجور. فقال: (فلا إثم عليه) وهو يريد هذا المعنى لتوافق اللفظةُ الأولى الثانيةَ، وتكون على مثلِ سبيلها، وقد ذكرنا أنه حُمِلَ على موافقة اللفظ بما لا يصلح في المعنى (٢) وهو قوله: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ﴾ [الشورى: ٤٠]، وقوله: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ﴾ [البقرة: ١٩٤]، فَلأَن يحمل على موافقة اللفظ بما يَصِحُّ في المعنى أولى؛ لأن المبرور المأجور يصح في المعنى نفيُ الإثم عنه.
وقيل: فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه في استعماله الرخصة، ومن تأخر فَتَرْكُه استعمالَ الرخصةِ غيُر مؤثم له أيضًا.
وقيل: فمن تَعَجَّل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه من آثامهما التي كانت عليهما قبل أن يَحُجَّا، يدل على صحة هذا الوجه: ما روى منصور (٣)، عن أبي حازم (٤)، عن أبي هريرة، عن النبي - ﷺ - قال: "من
(٢) في (أ) و (م): ليوافق اللفظ ما لا يصح في المعنى.
(٣) هو: منصور بن المعتمر بن عبد الله السلمي، أبو عتاب الكوفي، أحد الأئمة الثقات، وكان أثبتَ أهلِ الكوفة، اشتهر بالعبد والصلاح، ذكر العجلي أن فيه تشيعا قليلا وليس بمغال، توفي سنة ١٣٢ هـ ينظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ٩٢، "تاريخ بغداد" ١١/ ١٢٠.
(٤) هو: سلمان أبو حازم الأشجعي الكوفي، روى عن ابن عمر وأبي هريرة، وروى =
وذهب بعض المتأولين: إلى أن المراد بوضع الإثم عنه المتعجلُ دون المتأخر، ولكن ذُكرا معًا والمراد أحدُهما، كقوله: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] والجناح على الزوج؛ لأنه أخذ ما أعطى، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ [البقرة: ٢٢٩] ومثل هذا قوله: ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١]، نسب النسيان إليهما، والناسي أحدُهما، وقوله ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢]، وإنما يخرج من أحدهما (٢).
وقوله تعالى: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ قال النحويون: المعنى: ذلك لمن اتقى، أي: طَرْح المآثم عن المتعجل والمتأخر يكون إذا اتَّقَيَا في حَجَّهما تضييع شيء مما حَدَّه الله وأمر به، حتى لا يظن أن من تعجل أو تأخر خرج عن الآثام دون أن يتقي، فيكون قوله: ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ خبرًا لمبتدأ محذوف (٣)،
(١) أخرجه البخاري (١٨٢٠) كتاب الحج، باب: قول الله: ولا فسوق ولا جدال في الحج، ومسلم (١٣٥٠) كتاب الحج، باب: في فضل الحج والعمرة.
(٢) ينظر في ذكر هذه الأجوبة على هذا الإشكال الذي طرحه الواحدي: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٧، "زاد المسير" ٢/ ٢١٨، "التفسير الكبير" ٥/ ٢١٠ - ٢١١، "البحر المحيط" ٢/ ١١٢.
(٣) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ١٨٥، "التبيان" ص ١٢٦ - ١٢٧، وقال في "البحر المحيط" ٢/ ١١٢: قيل هو متعلق بقوله: واذكروا الله، أي: الذكر لمن اتقى، وقيل: المعنى: ذلك التخيير ونفي الإثم عن المتعجل والمتأخر لأجل الحاج المتقي لئلا يختلج في قلبه شيء منهما فيحسب أن أحدهما آثام في الإقدام عليه،
وقال ابن عباس في رواية العوفي والكلبي: طرح المأثم عن المتعجل والمتأخر يكون إذا اتَّقَيَا قَتْلَ الصيد، لا يحلُّ لأَحَدْ أن يَقْتُلَ صيدًا حتى تخلو أيام التشريق (٥)، فمتى (٦) لم يتقياه كان عليهما مأثم.
وقال أبو العالية: ذهب إِثْمُهُ كُلُّه إن اتقى فيما بقي من عمره (٧).
ومعناه: التحذير من الاتكال على ما سلف من أعمال الحج والبر فيه، فبين أن عليهم مع ذلك ملازمةَ التقوى، ومجانبةَ الاغترار بالحال الأولى.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٠٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٣.
(٣) من قوله: كان يقرأ القرآن... ساقطة من (م). وهذه العبارة وردت مكررة في (أ) وفي الأولى منهما (لمن اتقى الله حجه).
(٤) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص ٢٩١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٢٠٨ عن ابن جريج، وذكر القراءة: الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٢٦، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ١١٣.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٠٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٣ كلاهما من غير طريق العوفي والكلبي، وفي "الدر المنثور" ١/ ٤٢٣، عزاه إلى سفيان بن عيينة وابن المنذر. رواية العوفي أخرجها الطبري ٢/ ٣٠٩، وذكرها الثعلبي ٢/ ٦٢٥، ورواية الكلبي ذكرها الثعلبي ٢/ ٦٢٥، وأخرجها ابن أبي حاتم ٢/ ٣٦٣، من طريق سفيان عن رجل قد سماه عن أبي صالح عن ابن عباس به.
(٦) في (ي) (فإذا).
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٠٨، وفي "الدر المنثور" ١/ ٤٢٥ عزاه إلى عبد بن حميد، وذكر النحاس في "معاني القرآن" ١/ ١٤٧، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٢٥.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٤.
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ١٧٧. وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٢٦، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢١٩، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٣٥.
(٤) عزاه في "زاد المسير" ١/ ٢١٩ إلى ابن عباس، وعزاه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٢٦، وكذا البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٣٥ إلى عطاء وحده وقد تقدم الحديث عن رواية عطاء في المقدمة.
(٥) هو: الأخنس بن شَرِيق بن عمرو بن وهب الثقفي، كان حليف بني زهرة، مطاعًا فيهم، نصحهم في عدم المشاركة في معركة بدر فأطاعوه ولم يشاركوا، كان أحدَ الثلاثةِ الذين تلذذوا بسماع القرآن ليلًا. اختلف في إسلامه. ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ١٨٧، "أسد الغابة" ١/ ٤٧، "البداية والنهاية" ٥/ ٧٨.
(٦) ساقطة من "ي".
(٧) هذا مختصر من لفظ مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٧٧ - ١٧٨، وذكره مطولا الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٢٦.
(٨) ما من قوله: وإنما. قال زيادة من (ي).
وقوله تعالى: ﴿وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ﴾ يعني قوله: والله إني بك مؤمن، ولك محب، فهو يحلف بالله ويُشْهِدُه على أنه مضمر (٢) ما يقوله، وهو كاذب في ذلك، فكان التأويل: ويشهد الله على ما في قلبه من الإيمان بزعمه (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ معنى الأَلَدّ: الشديد الخصومة. قال أبو إسحاق: أُخذ من لَدِيدَي العُنُق، وهما صَفْحَتَاه، وتأويله: أنه في
أحدهما: أنها نزلت فيمن نافق فأظهر بلسانه ما ليس في قلبه. وهذا قول مجاهد والربيع وعطاء والحسن وقتادة وابن قلد ومحمد بن كعب القرظي، وقال الرازي في "تفسيره" ٥/ ٢١٤: وهو اختيار أكثر المحققين من المفسرين.
الثاني: أنها نزلت في سرية الرجيع، وبه قال ابن عباس والضحاك، والرجيع: ماء لهذيل قرب الهداة، بين عسفان ومكة، حين بعث كفار قريش إلى النبي - ﷺ - إنا قد أسلمنا فابعث لنا نفرا من أصحابك يعلمونا ديننا، فبعث لهم النبي - ﷺ - ستة من أصحابه، فغدرت بهم عضل والقارة، وصارت لهم قصة، فقال بعض المنافقين: ويح هؤلاء المقتولين، لا في بيوتهم قعدوا ولا رسالة صاحبهم أدوا، فأنزل الله تعالى في الزبير والمقداد وخبيب وأصحابه والمنافقين هذه الآية وثلاث آيات بعدها. وخبر سرية الرجيع مذكور في الصحيحين. رواه البخاري (٤٠٨٦) كتاب المغازي، باب: غزوة الرجيع ورعل وذكوان. ينظر: "فتح الباري" ٧/ ٣٨٥ - ٣٩٢، ومسلم (٦٧٧) كتاب الأمارة، باب: ثبوت الجنة للشهيد، "سيرة ابن هشام" ٢/ ١٨٤ - ١٩١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٢٩ - ٦٣٨.
(٢) زيادة من (ي).
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٦٤٢.
والخصام: مصدر، كالمُخَاصمة، والمُخَاصَمَة: مُفَاعلةٌ من الخصُومة، وحقيقة الخُصومة: التَّعَمُّق في البحث عن الشيء، والمضايقةُ فيه، ولذلك قيل لزوايا الأوعية: خُصوم، واحِدُها: خُصْم (٣). قال ابن عباس في قوله: ﴿أَلَدُّ الْخِصَامِ﴾ يريد: الذي يدع الحق ويِخاصم على الباطل (٤).
٢٠٥ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ﴾ قال ابن عباس: ﴿وَإِذَا تَوَلَّى﴾ يريد: راجعًا إلى مكة (٥)، وذلك أنه لما انصرف من بدر ببني
(٢) ينظر في مادة لدد: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٥، "معاني القرآن" للفراء١/ ١٢٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٤٣، "لسان العرب" ٧/ ٤٠٢٠، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٥٤، وضبطت فيه: لدِدْتُ، بكسر الدال، وقال شاكر في حاشية "تفسير الطبري" عن لدادة: مصدر لم أجده في كتب اللغة التي بين يدي.
(٣) ينظر في مادة (خصم) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٧١، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٤٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٤٤، "لسان العرب" ٢/ ١١٧٧ - ١١٧٨، "المفردات" ص ١٥٥، وبين أن أصل المخاصمة أن يتعلق كل واحد بخصم الآخر أي جانبه، وأن يجذب كل واحد خُصْم الجوالق من جانب. ويرى الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٧٧: أن خصام: جمع خصم؛ لأن فَعلا يجمع إذا كان صفة على فعال، نحو صعب وصعاب، وكذلك إن جعلت خصما صفة، فهو يجمع على أقل العدد، وأكثره على فعول وفعال جميعا، يقال: خصم وخصام وخصوم، وإذا كان اسما ففعال فيه أكثر العدد، نحو: فرخ وأفراخ لأقل العدد، وفراخ وفروخ لما جاوز العشرة.
(٤) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٠ بلفظه، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٤٢٨ إلى الطستي من سؤالات نافع بن الأزرق.
(٥) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٢/ ٣١٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٦،=
وقال السُّدِّي. مرّ بزرع للمسلمين وحُمُر، فأَحْرَقَ الزَّرْعَ، وعَقَرَ الحُمُر (٤).
وقال الضحاك (٥) ومجاهد (٦): تولى بمعنى: ملك وَوَلي وصار واليًا، ومعناه: إذا ولي سلطانًا جار، وعلى تفسير ابن عباس معناه: أدبر وأعرض. وذكرنا معنى السَّعْيَ فيما تقدم.
وقوله تعالى: ﴿وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ﴾ أكثرُ المُفَسِّرين على أن المراد بالحرث: الزرع والنبات، وبالنَّسْل: نسل الدواب، على ما روي أنه
(١) هم: بنو زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر، كانوا بطنا من بني مرة بن كلاب من قريش من العدنانية، ينتهي نسبهم إلى معد بن عدنان. انظر. "معجم قبائل العرب" ٢/ ٤٨٢.
(٢) قبيلة منازلها في جبل الحجاز بين مكة والطائف، وتنقسم إلى عدة بطون منها: طويرق، وبطن النور، وثمالة، وبني سالم، وعوف، وسفيان، وقريش، وهذيل، وثقيف اليمن. انظر: "معجم قبائل العرب" ١/ ١٤٧ - ١٤٨.
(٣) ذكر القصة بمعناها مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٧٨، وذكرها الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٠، والرازي في "تفسيره" ٥/ ٢١٦.
(٤) رواه عنه الطبري ٢/ ٣١٢.
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٤٦، وذكر أيضا في "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٦، "زاد المسير" ١/ ٢٢١.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٧ بمعناه، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٦، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٤٨، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٣٦.
وقال مجاهد: إذا ولي فعمل بالعدوان والظلم أمسك الله المطر، فيهلك باحتباس المطر الحرث والنسل.
وقيل: إن الحرث: النساء، والنسل: الأولاد، وهذا غير مدفوع عن الصحة؛ لقوله: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، (٢).
والنسل: معناه في اللغة: الولد، يقال: نَسَلَ بولد كثير (٣)، واشتقاقه يحتمل أن يكونَ من قولهم: نَسَلَ يَنْسِلُ، إذا سقط وخرج، ومنه نَسَل رِيْشُ الطائر، وَوَبَرُ البعير، وشَعْر الحمار، إذا خرج فسقط منه، والقطعة منها إذا سقطت نُسالة، ومنه قوله عز وجل: ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ [يس: ٥١]، أي: يسرعون؛ لأنه إسراع الخروج بحدة، والنسل: الولد؛ لخروجه من ظهر الأب وبطن الأم وسقوطه، والنسل (٤): نسل آدم، وأصل الحرف من النُّسُول، وهو الخروج (٥).
وقوله: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾ قال ابن عباس في رواية الكلبي: أي: لا يَرْضَى بالفسادِ والعَمَلِ بالمعاصي (٦).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٧ - ٢٧٨ بمعناه.
(٣) ساقط من (ي).
(٤) في (ي) والنسل.
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٧، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٦٣ "نسل"، "المفردات" ص٤٩٣، "النهاية في غريب الحديث" ص ٩٣١ (ط. ابن الجوزي).
(٦) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣١١، "زاد المسير" ١/ ٢٢٢، وعبارة الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٩ نحو هذا.
ويقال: فَسَدَ الشيءُ يَفْسد فسودًا وفسادًا، كما يقال: ذهب ذُهُوبًا وذَهابًا، وكسد كُسُودًا وكَسَادًا (٢).
٢٠٦ - قوله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ﴾، وذلك أن رسول الله - ﷺ - دعاه إلى إجابةِ اللهِ في ظاهره وباطنه، فدعاه الأَنَفَةُ والكِبْر إلى الإثم والظلم، وهو قوله: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ﴾ (٣). ومعنى العزة هاهنا: المنعة والقوة (٤). وذكرنا معاني العز والعزيز فيما تقدم.
قال قتادة: إذا قيل له: مَهْلًا مَهْلَا ازداد إقدامًا على المعصية (٥).
قال أهل المعانى: معنى (أخذته العزة بالإثم) حملته عليه، وجَرّأته عليه، وزينت له ذلك، يقال: أخذت فلانًا بكذا وكذا، أي: أردته عليه، وحملته على ذلك، وكلفته.
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١١٢٤، "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٩، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٨٧ "فسد" وقال: قال الليث: الفساد: نقيض الصلاح، والفعل فسد يفسد فسادا، قلت: ولغة أخرى: فسُد فسودًا، ويقال: أفسد فلان المال يُفسده إفسادًا وفسادا.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٥٢.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٥٢، "الوسيط" ١/ ٣١١، "التفسير الكبير" ٥/ ٢١٩، "البحر المحيط" ٢/ ١١٧.
(٥) ذكره الواحدي عن قتادة في "الوسيط" ١/ ٣١١، والقرطبي ٣/ ١٩.
والجَارّ في قوله تعالى: ﴿بِالْإِثْمِ﴾ يجوزُ تَعَلُّقُه بالأخذ وبالعزة، فإن علقته بالأخذ، كان المعنى: أخذته بما يؤثمه، أي: أخذته بما كسبه ذلك، والمعنى: للعزة يرتكب ما لا ينبغي أن يرتكب، فكأن العزة حملته على ذلك وقلة الخشوع.
وإن علقته بالعزة كان المعنى الاعتزاز بالإثم، أي: اعتز بما يؤثمه فيبعده مما يرضاه الله (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ﴾ قال المفسرون: كافيه الجحيمُ جزاءً له وعذابًا (٣)، ويقال: حَسْبُكَ دِرْهَمٌ، أي: كفاك، وحَسْبُنا الله، أي: كافينا الله.
قال امرؤ القيس:
وحَسْبُكَ من غِنًى شِبَعٌ ورِيّ (٤)
(٢) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢٣٦، "البحر المحيط" ٢/ ١١٧، "الدر المصون" ٢/ ٣٥٤، وذكر أبو حيان أن الباء يحتمل أن تكون للتعدية، كأن المعنى: ألزمته العزة الإثم، ولحتمل أن تكون للمصاحبة، أي: أخذته مصحوبا بالإثم، أو مصحوبة بالإثم، فيكون للحال من المفعول، أي: أخذته متلبسا بالإثم أو من الفاعل أي: حال من العزة، أي متلبسة بالإثم. ويحتمل أن تكون سببية، والمعنى: أن إثمه السابق كان سببا لإخذ العزة له حتى لا يقبل ممن يأمره بتقوى الله.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣١٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٥٣، "التفسير الكبير" ٥/ ٢٢٠، "البحر المحيط" ٢/ ١١٧.
(٤) صدر البيت: فَتُوسِعَ أَهْلَها أَقِطًا وسَمْنًا
والبيت في "ديوان امرئ القيس" ص ١٧١، وينظر: "الزاهر" ١/ ٩٦، "الوسيط" للواحدي ١/ ٣١١.
وأما جهنم، فقال يونس وأكثر النحويين: هي اسم للنار التي يعذب الله بها في الآخرة، وهي أعجمية لا تُجْرَى للتعريف والعجمة (٢).
وقال آخرون: جهنم اسم عربي، سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها، ولم تُجْر (٣) للتعريف والتأنيث.
قال قطرب: حكي لنا عن رؤبة (٤) أنه قال: رَكِيَّةٌ جَهَنَّام، يريد: بعيدةَ القَعْر (٥).
والمهاد: جمع المهد. والمهد: الموضعُ المُهَيَّأُ للنَّوم، ومنه: مَهْدُ الصبي. وأصله: من التوطية، يقال: مَهَدْتُ الشَّيءَ والأرض مهادًا؛ لأنه موطاة للعباد (٦).
وسَمَّى جهنمَ هاهنا مِهادًا على معنى أنها قرار، والقرار كالوطاء في
(٢) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٦٨١، وفي "لسان العرب" ٢/ ٧١٥ "جهن"، وقوله: لا تجرى، أي: لا تصرف وتنون.
(٣) قوله: لم تجر، أي: لم تصرف وتنون.
(٤) هو: أبو الجحاف رؤبة بن العجاج بن عبد الله التميمي، تقدمت ترجمته [البقرة: ٩].
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٦٨١، "المفردات" ١٠٩، "التفسير الكبير" ٥/ ٢٢٠، "البحر المحيط" ٢/ ١٠٨، "لسان العرب" ٢/ ٧١٥ "جهن".
(٦) بنظر: "مجاز القرآن" ١/ ٧١، "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٠، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٦١، "المفردات" ص ٤٧٩، "اللسان" ٧/ ٤٢٨٦ "مهد".
٢٠٧ - قوله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ﴾ الآية، يشري من الأضداد، يقال: شَرَى إذا باع، وشرى إذا اشترى. وأصله: الاستبدال، قال الله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ [يوسف: ٢٠]، أي: باعوه (٢).
ومعنى بيع النفس هاهنا: بذلها لأوامر الله وما يرضاه (٣).
ونصب ﴿ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ على معنى المفعول له، أي: لابتغاء مرضاة الله، ثم نزع اللام منه، فوصل الفعل فنصبه (٤)، ولا يجوز على هذا: فعله زيدًا، أي: لزيد، ويجوز: فعله خوفًا، أي: للخوف، وذلك أن في ذكر المصدر دليلًا على الغَرَضِ الداعي إلى الفعل، وليس كذلك ذكر زيد،
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦، "الأضداد" للأصمعي ١٨، ١٩، "أضداد ابن السكيت" ١٨٥، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٦٩، ونقل عن الفراء قوله: وللعرب في شروا واشتروا مذهبان، فالأكثر منهما: أن شروا: باعوا، واشتروا: ابتاعوا، وربما جعلوهما بمعنى باعوا. وينظر: "اللسان" ٤/ ٢٢٥٢ - ٢٢٥٣ "شرى"، "المفردات" ص ٢٦٣، وقال: الراء والبيع يتلازمان، فالمشتري دافع الثمن وآخذ المثمن، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن، هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة بناض وسلعة، فأما إذا كانت بيع سلعة بسلعة صح أن يتصور كل واحد منهما في موضع الآخر، وشريت بمعنى: بعت أكثر، وابتعت بمعنى: اشتريت أكثر، قال الله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٥٤، "الوسيط" ١/ ٣١٢.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٦، "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٩٦، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٩٩.
والمرضاة: الرِّضَى، يقال: رَضِيَ رِضًا ومَرْضَاة (٢).
وكان الكسائي يقرأها ممالة (٣)، ليدل على أن الألف فيها منقلبة عن الباء، ولم يمنعها المستعلي وهو (الضاد) (٤) من الإمالة، كما لم يمنع من إمالة نحو: صار وخاف وطاب (٥).
وكان حمزة يقف عليها بالتاء (٦)، وحجته ما حكاه سيبويه عن أبي الخطاب (٧)، أنه كان يقول: طَلْحَت (٨).
(٢) ينظر: "اللسان" ٣/ ١٦٦٣ - ١٦٦٤ "رضى".
(٣) قرأ الكسائي وحده: مرضاة الله، ممالة، وقرأ الباقون: مرضاة الله، بالفتح، أي بلا إمالة. ينظر: "السبعة" ١٨٠، "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٩٩.
(٤) في (ي) و (أ): الميم ثم ذكر في تصحيح نسخة [أ] أن ذكر الميم غلط لأنها ليست من حروف الاستعلاء.
(٥) "الحجة" ٢/ ٢٩٩ - ٣٠٠ بمعناه، وحروف الاستعلاء هي حروف التفخيم، وهي سبعة مجموعة في قولك: خص ضغط قظ.
(٦) وقف حمزة على مرضات، بالتاء المفتوحة، والباقون يقفون عليها بالهاء. ينظر: "السبعة" ص ١٨٠، "الحجة" ٢/ ٢٩٩، وفي "التيسير" ص ٦٠، أن الكسائي وأبا عمرو كانا يقفان على هاء تأنيث رسمت في المصاحف تاء بالهاء، وهو قياس مذهب ابن كثير.
(٧) أبو الخطاب، هو: عبد الحميد بن عبد المجيد الأخفش الأكبر، تقدمت ترجمته [البقرة: ٣٢].
(٨) "الكتاب" لسيبويه ٤/ ١٦٧.
ما بَالُ عَيْني عن كَرَاها قد جَفَتْ | مُسْبِلَةً تَسْتَنّ لَمّا عَرَفَتْ |
دارًا لِسَلْمى بعد حَوْلٍ قَدْ عَفَتْ | بل جَوْزِ تَيْهَاءَ كَظَهْر الْجَحَفَتْ (١) |
يثبته في الوصل، أن المضاف إليه مراد (٢)، كما أشم (٣) من أشمّ في الوقف
الحرفَ المضمومَ، ليعلم أنه في الوصل مضمومٌ، وكما كَسَر من كَسَر قوله:
......................... واعتقالًا بالرِّجْلِ (٤)
ليعلم أنه في الوصل مجرور. ويدل على حُجةِ قراءة حمزة قول
(٢) في "الحجة": ليعلم أن المضاف إليه مراد.
(٣) الإشمام هو: ضم الشفتين من غير انطباق بعد إسكان الحرف، وهو يرى ولا يسمع. ينظر: "الكشف" لمكي ١/ ١٢٢.
(٤) هذا جزء من بيت في الرجز، وتمامه في "النوادر والخصائص" ٢/ ٣٣٥:
علَّمَنا أصحابنا بنو عجِل | الشغزَبِي واعتقالا بالرجِل |
علمنا إخواننا بنو عجل | شرب النبيذ واصطفافا بالرجل |
عمرو سمع أبا مرار الغنوي ينشد هذا البيت، والشغزبي: ضرب من المصارعة، والاعقال: أن يدخل رجله بين رجلي صاحبه فيصرعه. ينظر تعليق المحققين على "الحجة" ٢/ ٣٠١.
إن عَدِيًا رَكِبَتْ إلى عَدِي | وجَعَلَتْ (١) أمْوالَها في الحُطَمي |
أراد: بنيّ، فحذف ياء الإضافة للوقف، كما يخفف المثقل من نحو: سُرٍّ وضُرٍّ، فلولا أن المضاف إليه المحذوف في تقدير المثبت لرد النون في بنين، فكما لم يَرُدَّ النون في بنين فكذلك لم يقف بالهاء في (مَرْضَاةِ)، لأن المضاف إليه في تقدير الثبات في اللفظ (٣).
فأما التفسير، فقال أكثر المفسرين: نزلت في صهيب بن سنان الرومي (٤)، كان رجلًا من ولد النِّمر بن قاسط (٥)، فَسُبِيَ صغيرًا (٦) إلى
(٢) ورد هكذا:
إنَ عديا ركبت لي عديْ | وجعلت أموالها في الحطَميْ |
وزعم ابن جني أن هذا الشعر جاهلي، ينظر: "المحتسب" ١/ ١٠٨، " الخصائص" ٣/ ٣٢٧، "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣٠١، ورهنه عنه: جعله رهنًا بدلًا منه.
(٣) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٣٠٠ - ٣٠٢ بتصرف، وذكر الوجهين السمين في "الدر المصون" ٢/ ٣٥٧ - ٣٥٨.
(٤) هو: أبو يحيى صهيب بن سنان الرومي، أصله من النمر، يقال: اسمه عبد الملك، ولقبه صهيب، صحابي شهير شهد المشاهد كلها توفي بالمدينة في خلافة علي - رضي الله عنه - سنة ٣٨ هـ. انظر: "فضائل الصحابة" ٢/ ٨٢٨، "أسد الغابة" ٣/ ٣٦، "تقريب التهذيب" ص ٢٧٨ (٢٩٥٤).
(٥) هو النمر بن قاسط بن هِنْب بن أفصى بن دعمى من أسد بن ربيعة جد جاهلي، كان له بالمدينة عقب كثير. انظر: "قبائل العرب" ١١٩٢، "الأعلام" ٨/ ٤٨.
(٦) في (أ) و (م:) (صغير).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: إنه بذل ماله لمولاه، وقال له: خذ
(٢) زيادة من (م).
(٣) ساقطة من (م).
(٤) هذا السياق بمعناه ذكره مقاتل ١/ ١٧٨ - ١٧٩، ورواه ابن أبي حاتم بنحوه ٢/ ٣٦٨ عن سعيد بن المسيب، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٤٣٠ إلى ابن مردويه وابن سعد والحارث ابن أبي أسامة في "مسنده"، وابن المنذر وأبي نعيم في "الحلية"، وابن عساكر، كلهم عن سعيد بن المسيب، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" ٣/ ٤٠٠، والطبراني في "المعجم الكبير" ٨/ ٣٧حديث رقم (٧٢٩٦)، والبيهقي في "الدلائل" ٢/ ٥٢٢، ويشهد له ما أخرجه الحاكم في "المستدرك" ٣/ ٣٩٨، وابن المنذر "فتح القدير" ١/ ٢١٠ عن أنس، وأخرج الطبري ٢/ ٣٢١ عن عكرمة: أنها نزلت في صهيب بن سنان وأبي ذر الغفاري، كما أخرج الطبري ٢/ ٣٢١، عن الربيع هذه القصة إلا أنه لم يسم صهيبا، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٥٤، "أسباب النزول" للواحدي ص ٦٨، "تفسر البغوي" ١/ ٢٣٨، وقد نسبوه لأكثر المفسرين، وكذا ذكر الحافظ ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٢٧.
(٢) ينظر: "التفسير الكبير" ٥/ ٢٢٣.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٢٠، ومراد ابن عباس: أن قوله: وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم، هي في الكافر يأمره المؤمن بتقوى الله، فيرد ذلك الكافر فيقول المؤمن: وأنا أشري نفسي ابتغاء مرضاة الله، فيقتتل الرجلان، وبمعنى هذا: ما روي عن عمر أنها نزلت في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما ذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٦٨، ونقله ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٢٨، وقال: أسنده عبد بن حميد، وبمعناه أيضا ما روي عن الحسن، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٦٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٦٥٨.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣١٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٦٨، والخطيب في "تاريخ بغداد" ١١/ ١٣٥، وعزاه في "الدر" ١/ ٤٣٢ إلى وكيع وعبد ابن حميد والبخاري في "تاريخه" تاريخه ٦/ ٤٧.
(٥) في (أ) و (م): يتضمنان.
(٦) ذكر المفسرون أقوالا أخرى في سبب النزول، فقيل: إنها نزلت في المهاجرين والأنصار، وقيل: إنها نزلت في كل شارٍ نفسه في طاعة الله وجهاد في سيله، وقيل: نزلت في أناس بأعيانهم، وقيل: نزلت في أصحاب الرجيع، وتقدمت =
أما (٢) الكسر: فقال أبو عبيدة (٣) والأخفش (٤): السِّلم: الإسلام، وهو اسم جعل بمنزلة المصدر، كالعطاء من أَعْطيْتُ، والنبات من أَنْبَتَ. وأما الفتح: فيجوز أن يكون لغة في السِّلْم الذي يراد به الإسلام، ويجوز أن يكون المراد به الصُّلْح، والمعني بالصلح: الإسلام؛ لأن الإسلام صلح، ألا ترى أن القتال والحرب بين أهله موضوع، وأنهم أهل اعتقاد واحد، ويد واحدة في نصرة بعضهم لبعض، فإذا كان ذلك موضوعًا بينهم وفي دينهم (٥) كان صُلْحًا في المعنى، فكأنه قيل: ادخلوا في الصُّلْح، والمراد به: الإسلام، فسماه صُلْحًا لما ذكرنا، وهذا الوجه (٦) أوجه من أن يكون
(١) قرأ ابن كثير ونافع والكسائي بفتح السين هنا، وفي قوله: ﴿وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ﴾ [الأنفال: ٦١] وقوله: ﴿وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ﴾ [محمد: ٣٥]، وقرأ عاصم في رواية شعبة بكسر السين في الثلاثة، وقرأ حمزة بكسر السين هنا وفي سورة محمد، وفتح التي في الأنفال، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحفص، عن عاصم بكسر السين هنا، وفتحوا الأخريين. ينظر: "السبعة" ص ١٨٠ - ١٨١، "الحجة" ٢/ ٢٩٢.
(٢) في (م) فأما.
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٧١.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٦٧.
(٥) في "الحجة": زيادة: وغلِّظ على المسلمين في المسايفة بينهم.
(٦) زيادة من (م).
أنائلَ إنَّنِي سَلَمٌ | لأهلِكِ فاقْبَلي سَلَمِي (٣) |
والمراد بالسِّلم في هذه الآية: الإسلام (٥)؛ لأن المراد إنما هو
(٢) من "الحجة" ١/ ٢٩٣، وقد اختصر الواحدي كلامه كثيرًا، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٣.
(٣) البيت لمسعدة بن البختري يقوله في نائلة بنت عمر بن زيد الأسيدي، وكان يهواها، انظر: "الأغاني" ١٣/ ٢٧١، "تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٤٣، "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٢٩٤. وفي "اللسان" (مادة: سلم) ضبطت بكسر السين وتسكين اللام.
(٤) من "الحجة" ١/ ٢٩٣ - ٢٩٤ بتصرف واختصار، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٩، وآية النساء في المخطوطة كتبت: السلم، وهي كذلك في "الحجة" ٢/ ٢٩٦، وأما في "معاني القرآن" للزجاج فكتبت: السلام، بألف، والظاهر أن المؤلف ساقها شاهدا على السلم، وقد اختلف فيها القراء، فقرأها بالألف: ابن كثير وأبو عمرو والكسائي وعاصم، وقرأها بغير ألف: نافع وابن عامر وحمزة. ينظر في تفصيل ذلك: "السبعة" لابن مجاهد ص ٢٣٦.
(٥) ذكر الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٢٢ - ٣٢٣، وكذا ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٧٠ الرواية بذلك عن ابن عباس ومجاهد وعكرمة وطاوس وقتادة والسدي وابن زيد والضحاك. وقيل: بل المراد: الطاعة، وهو مروي عن ابن عباس وأبي العالية والربيع. وقيل: في أنواع البر كلها، وهو مروي عن مجاهد وسفيان الثوري، وهذه الثلاثة متقاربة، وقيل: الموادعة، وهو مروي عن قتادة، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٧٢.
قال ابن عباس في رواية عطاء (٣)
وقتادة (٤) وابن زيد (٥) والضحاك والسُّدِّي (٦): نزلت هذه الآية في عبد الله بن سلام وأصحابه، وذلك أنهم حين آمنوا بالنبي - ﷺ - قاموا بشرائعه وشرائع موسى، فعظموا السبت، وكرهوا لُحْمَانَ الإِبِلِ وألبَانَها بعد ما
(٢) من "الحجة" ١/ ٢٩٣ بتصرف، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٣.
(٣) رواه الواحدي بسنده في "أسباب النزول" ص ٦٨، وفي إسناده عبد الغني بن سعيد الثقفي، وهو واه كما قال ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٣٠، وذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٧٩ - ١٨٠ بمعناه، ورواه الطبري ٢/ ٣٢٥، عن ابن جريج عنه بلفظ: يعني أهل الكتاب، ورواه ابن أبي حاتم ٢/ ٣٦٩ - ٣٧٠ عن عكرمة عن ابن عباس قال: يعني مؤمني أهل الكتاب، ثم ذكره عن مقاتل بن حيان، أنه قال: عبد الله بن سلام، ومؤمنوا أهل "الكتاب"، ورواه الطبري عن عكرمة قال: نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد بن كعب وسعية بن عمرو وقيس بن زيد -كلهم من يهود- قالوا: يا رسول الله، يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، إلخ. بمعناه. وقد اعترض ابن كثير في "تفسيره" ص ٢٦٦ على رواية عكرمة فقال: وفي ذكر عبد الله بن سلام مع هؤلاء نظر؛ إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقق نسخه ورفعه وبطلانه، والتعويض عنه بأعياد الإسلام.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١٥/ ٨٢، والطبري ٢/ ٣٢٣، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٧٠، والثعلبي ٢/ ٦٧١.
(٥) رواه الطبري ٢/ ٣٢٣، وذكره الثعلبي ٢/ ٦٧١.
(٦) انظر المصدر السابق.
وقوله تعالى: ﴿كَافَّةً﴾ يجوز أن يكون معناه: ادخلوا جميعًا.
ويجوز أن يكون معناه: في السلم (١)، أي: في جميع شرائعه، وهذا أليق بظاهر التفسير، لأنهم أُمِروا بترك تعظيم السبت، واستحلاله لُحْمان الإبل، وهذا من شرائع الإسلام التي أمروا بالقيام بها كلها (٢).
ومعنى الكافة في اللغة: الحاجزة المانعة، يقال: كففت فلانًا عن السوء فكَفّ يَكُفُّ كَفًّا، سواء لفظ اللازم والمجاوِز، ومن هذا يقال: كُفَّةُ القميص، لأنها تمنع الثوب من الانتشار، وقيل لطرف اليد: كَفُّ؛ لأنه يُكَفُّ بها عن سائر البدن، ورجل مكفوف: كُفَّ بَصَرُه من أن ينظر. فالكافة معناها: المانعة، ثم صارت اسمًا للجملة الجامعة؛ لأنها تمنع من الشذوذ
(٢) ينظر في ذكر القولين: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٤ - ٣٢٥، "النكت والعيون" ١/ ٢٦٧، "المحرر الوجيز" ٢/ ١٩٧ - ١٩٨، "زاد المسير" ١/ ٢٢٥، قال ابن عطية: واختلف بعد حمل اللفظ على الإسلام من المخاطب؟ فقالت فرقة: جميع المؤمنين بمحمد - ﷺ -. والمعنى أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده، ويستغرق كافة حينئذ المؤمنين، وجميع أجزاء الشرع، فتكون الحال من شيئين، وذلك جائز نحو قوله تعالى: ﴿فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ﴾ [مريم: ٢٧]، إلى غير ذلك من الأمثلة. وقال عكرمة: بل المخاطب من آمن بالنبي - ﷺ - من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره. الحديث، فكافة على هذا لأجزاء الشرع فقط، وقال ابن عباس: نزلت في أهل الكتاب، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة، فكافة على هذا لأجزاء الشرع وللمخاطبين على من يرى السلم الإسلام، ومن يراها المسالمة يقول: أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية. ا. هـ- بتصرف.
وقال أبو إسحاق: معنى الآية: ابلغوا في الإسلام إلى حيث تنتهي شرائعه، فتكفوا (٤) من أن تعدوا شرائعه، وادخلوا كلكم حتى يكف عن عددٍ واحدٍ لم يدخل فيه (٥).
قوله تعالى ﴿وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ أي (٦): آثاره ونزغاته، فيما زين لكم من تحريم السبت ولحم الجمل (٧). وذكرنا هذا فيما تقدم.
٢٠٩ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ زَلَلْتُمْ﴾ يقال: زَلّ يَزِلّ زَلًّا وزالًا ومزلًا وزلولًا: إذا دحضت قدمه، وزَلَّ في الطين زليلًا. ومعنى زَلَلْتُم: تنحيتم عن القصد والشرائع في تحريم السبت ولحوم الإبل (٨) {مِنْ بَعْدِ مَا
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٩، وهذا لفظه بتصرف، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٦٥ "كف"، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٧٨، "المفردات" ص ٤٣٥، وقوله: سواء لفظ اللازم والمجاوز: أي المتعدي.
(٣) ينظر: "الوسيط" ١/ ٣١٣، "التفسير الكبير" ٥/ ٢٢٦.
(٤) في (ي) فيكفوا. وفي "معاني القرآن" للزجاج: فَكُفُّوا، وفي "تهذيب اللغة" موافق لما أثبت.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٧٩، وقوله: وادخلوا، في "معاني القرآن": أو ادخلوا، وفي "تهذيب اللغة" موافق لما أثبت، وكذا قوله واحد، في "معاني القرآن" وأحد، وفي "تهذيب اللغة" موافق لما أثبت.
(٦) زيادة من (ي).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٠، "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٧٨، "الوسيط" ١/ ٣١٣، "التفسير الكبير" ٥/ ٢٢٧.
(٨) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٠ بتصرف، وينظر في معاني زل "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٥٠ - ١٥٥١، "المفردات" ص ٢١٩.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ في نقمته لا تعجزونه، ولا يعجزه شيء، ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما شرع لكم من دينه (٢).
٢١٠ - قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ﴾ الآية، ﴿هَلْ﴾ هاهنا استفهام يراد به النفيُ والإنكار (٣)، كما يقال: هل يفعل هذا إلا مايق (٤)، أي: لم يفعل.
﴿يَنْظُرُونَ﴾ بمعنى: ينتظرون، والنظر عند أهل اللغة: الطلب لإدراك الشيء، وتقليب العين نحو الجهة التي فيها المرئي المراد رؤيته، مما يدل على ذلك قولُ ذي الرُّمَّةِ:
فيامَيّ هل يُجْزَى بُكائِي بمِثْلِه | مرارًا وأنْفاسِي إليك الزَّوافِرُ |
وإني متى أشْرِف على الجَانِبِ الذي | به أنتِ من بَينِ الجَوانِبِ ناظِرُ (٥) |
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٨٢، وقال ابن عطية ٢/ ١٩٩: والبينات: محمد وآياته ومعجزاته، إذا كان الخطاب أولا لجماعة المؤمنين، وإذا كان الخطاب لأهل الكتابين، فالبينات ما ورد في شرائعهم من الإعلام بمحمد - ﷺ - والتعريف به. اهـ-. وهذا الذي مال إليه الطبري ٢/ ٣٢٦، وبين أن الأول قريب منه في المعنى.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ١/ ٤٨١، ٢/ ٣٢٩، "التبيان" ص ١٢٩، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٤، وقال: وكونها بمعنى النفي إذا جاء بعدها إلا، كثير الاستعمال في القرآن وفي كلام العرب.
(٤) المائق: الأحمق. ينظر: "اللسان" ٧/ ٤٣٠٠.
(٥) البيت لذي الرمة من قصيدة يمدح فيها بلال بن أبي بردة بن أبي موسى الأشعري، في "ديوانه" ص ٢٣٣.
ونظْرَة ذي شِجَنٍ وأَمْنٍ | إذا ما الرَّكَائِبُ جاوَزْنَ مِيلًا (١). |
ما سِرتُ مِيلًا ولا جَاوَزْتُ مَرْحَلةً | إلا وذكركِ يَلْوِيْ دايبًا عُنُقِيْ (٢) |
والنَّظَر يُعَدَّى بإلى، ثم يجوز أن يُحْذَفَ الجار وُيوصَل الفعل كما أنشده (٥) الأخفش:
ظاهرات الجَمَالِ وَالحُسْنِ يَنْظُرْ | نَ كما تَنْظرُ الأرَاكَ الظِّبَاءُ (٦) |
(٢) البيت في "الحلة السيراء" ١/ ٩٤، وفي "محاضرات الأدباء" ٢/ ٧٣. ولم أهتد لقائله.
(٣) ينظر في (نظر) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٠٣ - ٣٦٠٦، "المفردات" ص ٤٩٩ - ٥٠٠، "اللسان" ٧/ ٤٤٦٥ - ٤٤٦٨ (نظر)، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٤.
(٤) في (م): (يتبعه).
(٥) في (أ): (م) (أنشد).
(٦) البيت لعبد الله بن قيس الرقيات في "ديوانه" ص ٨٨ وذكره في "البحر المحيط".
منها: النظر، بمعنى: الانتظار (٣)، كقوله تعالى: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] أي: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، والمنتظر يطلب إدراك ما يتوقع، يقال: نظرته وانتظرته، ومنه قوله: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل: ٣٥].
وقال الحطيئة (٤):
وقد نَظَرْتُكُم إينَاءَ صادرة.... (٥)
والناظرُ إلى الشيء يطلبُ إدراك ما يلتمس ببصره، والنظر بالفكر إدراك المعاني.
ويكون النظر بمعنى: التَّعَطُّفِ والرَّحْمَة، كقوله: {وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ
(١) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٢٤.
(٢) في (أ): الأصل.
(٣) قال الرازي في "تفسيره" ٥/ ٢٢٩: وأجمعوا على أنه يجيء بمعنى الانتظار.
(٤) هو جرول بن أوس من بني قطيعة بن عبس، الشاعر الهجاء الشهير، لقب بالحطيئة لقصره، وهو جاهلي إسلامي أسلم بعد وفاة الرسول - ﷺ -، وتوفي سنة ٤٥ هـ. ينظر: "الشعر والشعراء" ص ١٩٩، "الأعلام" ٢/ ١١٨
(٥) وتمامه: للوِردِ طال بها حَوزي وتَنْساسي.. البيت للحطيئة كما في "اللسان" ٧/ ٤٤٦٦ (نظر).
ويكون النظر بمعنى الاعتبار والتأمل والتدبر، وهو فعل غير متعد، فمن ذلك قوله: ﴿انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ﴾ [الفرقان: ٩] ﴿انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ﴾ [النساء: ٥٠] ﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [الإسراء: ٢١] وقد يتعدى هذا بالجار، كقوله: ﴿أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: ١٨٥]. وقوله: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشية: ١٧]. وقوله: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ﴾ [ق: ٦]، والمراد بالنظر في هذه الآية: نظر الاعتبار، وذلك أن الاعتبار ثاني النظر، كما ذكرنا في الرحمة. والنظر يكون بمعنى المقابلة، تقول العرب: الجبل ينظر إليك أي: يقابلك، وذلك أن الأكثر في باب النظر أن الناظر ينظر فيما يقابله، فلما كان الأكثر في هذا الباب المقابلة سميت المقابلة نظرًا (١).
والظُّلَل جمع ظُلَّة: مثل حُلَّة وحُلَلٌ، والظُّلَّة: ما يُسْتَظَلُّ به من الشمس، ويسمى السحابُ ظَلَّةً لأنه يُسْتَظَل بها، ومنه قوله: ﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ [الشعراء: ١٨٩]، أراد: غيمًا تحته سموم (٢).
ومعنى الآية: هل ينتظر التَاركونَ الدخولَ في السَّلْم والمتبعون
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٤٥ - ٢٢٤٨ (ظل)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٨٣، "المفردات" ٣١٧، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٠، "اللسان" ٥/ ٢٧٥٣ - ٢٧٥٦ (ظلل).
فإن قيل: إنهم لا ينتظرون العذاب، ولو انتظروا العذاب لدخلوا في السلم كافة؟ قيل: انتظارهم العذاب يكون في الآخرة، يوم القيامة يعلمون أنهم لا ثواب لهم فلا ينتظرون إلا العذاب، أو نقول: قد ذكرنا أن هذا استفهام معناه النفي، بمعنى: ما ينتظرون، ويكون هذا خبرًا بمعنى النهي، أي: لا تنتظروا بعد تكذيب محمد - ﷺ - إلا العذاب، وذكرنا عن صاحب النظم وجهًا آخر في نظير هذه الآية في سورة النحل.
وفي قوله تعالى ﴿إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ وجهان: أحدهما: أن هذا من بابِ المضاف، أذ يأتيهم عذابُ الله، أو أمرُ الله، أو آياتُ الله، فجعل مجيء الآيات والعذاب مجيئًا له، تفخيمًا لأن العذاب وتعظيمًا له.
والثاني: أن المعنى: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بما وعدهم من العذاب والحساب، فحذف ما يأتي به تهويلًا عليهم، إذ لو ذكر ما يأتي به كان أسهل عليهم في باب الوعيد، وإذا لم يذكرْ كان أبلغ لانقسام
أحدهما: أن العذاب يأتي فيها ويكون أهول، كقوله: ﴿عَذَابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾ [الشعراء: ١٨٩].
والثاني: أن ما يأتيهم من العذاب يأتي في أهوال مفظعة، فشبه الأهوال بالظلل من الغمام، كقوله: ﴿وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ﴾ [لقمان: ٣٢] (١).
وقوله تعالى: ﴿وَقُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أي: فُرغَ لهم مما كانوا يوعدون، بأن قدر عليهم ذلك وأعد لهم (٢). وذكرنا معنى القضاء فيما تقدم (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ اختلف القراء في (ترجع) (٤)، فقرأ بعضهم: بفتح التاء وكسر الجيم، بنى الفعل للفاعل، كقوله ﴿أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ﴾ [الشورى: ٥٣].
وقوله: ﴿إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥]، و ﴿إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ [المائدة:
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٣١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٦٩٢، "تفسير البغوي" ١/ ٢٤١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠١، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٥.
(٣) ينظر تفسير [البقرة: ٢٠٠].
(٤) قرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وعاصم بضم التاء، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بفتح التاء، وروى خارجة عن نافع أنه قرأ: وإلى الله يُرجع الأمور، بالياء مضمومة في سورة البقرة ولم يروه غيره ينظر السبعة ص ١٨١، "الحجة" ٢/ ٣٠٤.
ومعنى قوله: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ أي: في الخير من الثواب والعقاب، وذلك أن العباد في الدنيا لا يجازون على أعمالهم، ثم إليه يصيرون، فيعذب من يشاء، ويرحم من يشاء (٣).
قال ابن الأنباري: إن الأمور لم تخرج من يديه، ولكن العباد في الدنيا لا يجازون على أعمالهم بما يستحقون من الثواب والعقاب، ولا يُرزقون بمقدار الطاعة، ولا يُفَتَّر عليهم على حسب المعصية، بل الثواب والعقاب والجزاء والحساب في الآخرة، فقال الله تعالى: ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ يعني: أنه كان يجازي عليها وُيثِيْبُ ويُعَاقب، إذ كانوا في الدنيا لا يلحقهم من هذه الأشياء شيءٌ. ويكون المعنى على أن الله مَلَّك عبيده في الدنيا الأموالَ والتصرفَ فيها، ثم يرجع الأمر في ذلك كله إلى الله تعالى في الآخرة، فلا يملك أحدٌ شيئًا (٤).
٢١١ - قوله تعالى: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الآية، ﴿سَلْ﴾ كان في الأصل: اسأل، فتركت الهمزة التي هي عين الفعل؛ لكثرة الدور في الكلام
(٢) من "الحجة" ٢/ ٣٠٤ - ٣٠٥، وقال: والمعنى في بناء الفعل للمجهول كالمعنى في بناء الفعل للفاعل.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٣١.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٣١ - ٣٣٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠١، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٥.
وقال قطرب: يقال: سَال يَسَال، مثل: زأر الأسد يزأر، وسال يسال يسل، مثل: خاف يخاف، والأمر منه: سَلْ، مثل: خَفْ (١).
وبهذه اللغة قرأ نافع (٢) وابن عامر ﴿سَأَلَ سَائِلُ﴾ [المعارج: ١] (٣)، على وزن: قال وكال.
وقوله: ﴿كَمْ﴾ هو اسم مبني على السكون موضوع للعدد، يقال: إنه من تأليف (كاف) التشبيه إلى (ما)، ثم قصرت (ما)، وسكنت الميم، وبنيت على السكون لتضمنها حرف الاستفهام، ويعمل فيه ما بعده من العوامل، ولا يعمل فيه ما قبله سوى ما يجر، وهو في موضع نصب هاهنا بـ (أتيناهم)، وأكثر لغة العرب الجرُّ به عند الخَبَر، والنصبُ عند الاستفهام، ومن العرب من ينصب به في الخبر ويجر في الاستفهام (٤).
(٢) هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم الليثي مولاهم، المقرئ المدني، أحد الأعلام والقراء السبعة المشهورين، توفي سنة ١٦٩ هـ ينظر: "معرفة القراء الكبار" ١/ ١٠٧، "النشر" ١/ ١١٢.
(٣) قرأ نافع وابن عامر: سال، غير مهموز، والباقون بالهمز، وكلهم قرأ: سائل، بالهمز بلا اختلاف. ينظر: "السبعة" ص٦٥٠.
(٤) ينظر في عمل كم: "الكتاب" لسيبويه ٢/ ١٥٦ - ١٦٨، "مغني اللبيب" ٢٤٣، وبين أن الاستفهامية والخبرية يشتركان في خمسة أشياء ويفترقان في مثلها أيضا، "الدر المصون" ٢/ ٣٧٠ واختار أن الصحيح فيها أنها بسيطة وليست مركبة، وينظر في =
والتبديل: تصيير الشيء على غير ما كان (٣)، ونذكر الكلام فيه مستقصى عند قوله: ﴿بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ [النساء: ٥٦] إن شاء الله. والله تعالى هو الذي يبدل النعمة نقمة إذا كُفِرَت ولم يُعْرف حقها، ولكن أضاف التبديل إليهم؛ لأنه بسبب من جهتهم، وهو ترك الشكر والقيام بحقها (٤)، ثم بين حكم من بَدّل بباقي الآية.
وفي قوله: ﴿شَدِيدُ العِقَابِ﴾ إضمار، يريد: شديد العقاب له (٥).
(١) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٢، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٦، وذكر في "زاد المسير" ١/ ٢٢٧ قولًا آخر وهو أن المراد بالاستفهام التقرير والإذكار بالنعم.
(٢) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٣.
(٣) ينظر: "المفردات" ص ٥٠.
(٤) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٤.
(٥) قال في "التبيان" ص ١٣٠: ومن يبدل: في موضع رفع بالابتداء، والعائد الضمير في يبدل، وقيل: العائد محذوف تقديره: شديد العقاب له.
وقال ابن عباس في رواية عطاء: ﴿سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ يريد: الذين آمنوا بالله ﴿كَمْ آتَيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ﴾ يريد ما أعطى موسى ﴿وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ﴾ يريد: من تخلف من الإيمان من قريظة والنضير وبني إسرائيل (٢)، فعلى هذا: السؤال راجع إلى مؤمني أهل الكتاب.
وقال مجاهد (٣): النعمة في هذه الآية يراد بها: الحججُ والبراهينُ التي تدل على صحة أمر النبي - ﷺ - ونبوته، مما في كتابهم، وتبديلهم إياها: تغييرهم نعتَه وصفتَه وذكَره، وهذا الوجه اختيار الزجاج (٤).
٢١٢ - قوله تعالى: ﴿زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ الآية، إنما لم يقل: (زينت)؛ لأن الحياة مصدر، فذهب إلى تذكير المصدر، كقوله: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ [البقرة: ٢٧٥] ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ [هود:
(٢) تقدم الحديث عن رواية عطاء في المقدمة.
(٣) قال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٢: ونعمة الله، لفظ عام لجميع أنعامه، ولكن يقوي من حال النبي - ﷺ - معهم أن المشار إليه هنا محمد - ﷺ -، فالمعنى: ومن يبدل من بني إسرائيل صفة نعمة الله، ثم جاء اللفظ منسحبا على كل مبدل نعمة لله تعالى، وقال الطبري: النعمة هنا الإسلام، وهذا قريب من الأول، ويدخل في اللفظ أيضا كفار قريش الذين بعث محمد منهم نعمة عليهم فبدلوا قبولها والشكر عليها كفرًا، والتوراة أيضًا نعمة على بني إسرائيل أرشدتهم، وهدتهم فبدلوها بالتحريف لها، وجحدوا محمدًا - ﷺ -.
(٤) ذكره الزجاج ١/ ١٨١، وذكر ابن الجوزي ١/ ٢٢٧، أن في المراد بتبديل النعمة ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الكفر بها، قاله أبو العالية ومجاهد. والثاني: تغيير صفة النبي - ﷺ - في التوراة قاله أبو سليمان الدمشقي. والثالث: تعطيل حجج الله بالتأويلات الفاسدة.
وقال الزجاج: تأنيث الحياة ليس بحقيقي، لأن معنى الحياة والعيش والبقاء واحد، وكأنه قال: زين للذين كفروا البقاء (٢).
وقال ابن الأنباري: إنما لم يقل: (زينت)، لأنه فصل بين زين وبين الحياة بقوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾، وإذا فصل بين فعل المؤنث وبين الاسم بفاصل حسن تذكير الفعل؛ لأن الفاصل يكفي من تاء التأنيث (٣)، ويقال: من الذي زين لهم؟ قيل: فيه قولان:
أحدهما: زَيَّنَها لهم إبليس بما يمنيهم ويعدهم من شهواتها، قاله ابن كيسان والزجاج (٤).
والقول الثاني: أن الله تعالى زَيَّنَها لهم حين بَسَطَها وَوَسَّعَها عليهم، فهي هَمُّهم وطَلِبَتُهْم ونِيَّتُهم وهم لا يريدون غيرها، كقوله: ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾ [النجم: ٢٩] وإنما فعل الله ذلك بهم
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨١، وقد ذكر أيضا العلة التي ذكرها ابن الأنباري بعد.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٠٢، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٩، قال: وقرأ ابن أبي عبلة: زينت، بالتاء وتوجيهها ظاهرة لأن المسند إليه الفعل مؤنث. وينظر: "الدر المصون" ٢/ ٣٧١.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٢.
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يقال: سخر منه سُخريَّة، وسُخريًّا، وسَخَرًا، وسُخْرًا، قال الأعشى:
..... لا عَجَبٌ منه ولا سُخْرُ (٤)
ويروى: ولا سَخَرَ، ومعنى السُّخْرِية: الإيهام للشيء والانطواء على خلافه (٥).
(٢) وبها قرأ أبي بن كعب، والحسن ومجاهد وابن محيصن وابن أبي عبلة وأبو حيوة. ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٣، "زاد المسير" ١/ ٢٢٨.
(٣) ينظر في ذكر الأقوال: "تفسير البغوي" ١/ ٢٤٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٣، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٩ قال البغوي: الأكثرون على أن المزين هو الله تعالى، والتزيين من الله تعالى هو أنه خلق الأشياء الحسنة والمناظر العجيبة، فنظر الخلق إليها بأكثر من قدرها فأعجبتهم ففتنوا بها. وقال ابن عطية جامعا بين القولين: المزين هو خالقها ومخترعها وخالق الكفر، ويزينها أيضا الشيطان بوسوسته وإغوائه. وينظر: "زاد المسير" ١/ ٢٢٨.
(٤) تمام البيت:
إني أتتني لسان لا أسر بها | من عَلوَ لا عجبٌ منها ولا سُخْر |
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٦٥٠، "المفردات" ٢٣٣، "اللسان" ٤/ ١٩٦٣ (سخر)، ونقل في "التهذيب" عن الفراء قوله: سخِرتُ منه، ولا تقل سخرت به، قال الله تعالى: ﴿لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ﴾ [الحجرات ١١]، وقال ابن السكيت: تقول:=
قال ابن عباس في رواية أبي صالح: نزلت في مشركي العرب، كانوا يتنعمون بما بسط لهم في الدنيا من المال، ويسخرون من فقراء المؤمنين الذين يرفضون الدنيا (٢)، وقال في رواية عطاء: نزلت في رؤساء اليهود وعلمائهم من بني قريظة والنضير وقينقاع، سخروا من المهاجرين حيث أخرجوا من ديارهم وأموالهم (٣).
(١) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٧، "البحر المحيط" ٢/ ١٣٠، وذكر أنها خبر مبتدأ محذوف تقديره، وهو يسخرون، وقيل الجملة الفعلية معطوفة على الجملة الفعلية، ولا يلحظ فيها عطف الفعل على الفعل؛ لأنه كان يلزم اتحاد الزمان، وإن لم يلزم اتحاد الصيغة، قال: وصدرت الأولى بالفعل الماضي لأنه أمر مفروغ منه، فليس أمرًا متجددًا، وصدرت الثانية بالمضارع لأنها حالة تتجدد كل وقت. وينظر: "الدر المصون" ٢/ ٣٧١ - ٣٧٣.
(٢) ذكره الثعلبي ٢/ ٦٩٨ من رواية الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا إسناد ضعيف جدًّا، وذكر البغوي ١/ ٢٤٢، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٢٨، والسمعاني في "تفسيره" ٢/ ٢٦٣، والرازي في "تفسيره" ٦/ ٥، "البحر المحيط" ٢/ ١٢٩، وعزاه أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ١٩٨ إلى الكلبي، وقد روى الطبري ٢/ ٣٣٤، نحوه عن عكرمة.
(٣) تقدم الحديث عن هذه الرواية في المقدمة وقد ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٧ =
قال الزجاج (٤) وابن الأنباري: يجوز أن يكون (فوق) يدل على علو موضع المؤمنين على موضع الكافرين (٥)؛ لأن المؤمنين في الجنة، والجنة عالية، والكافرين في النار، والنار هاوية، فوصف المؤمنين بأنهم فوق الكفار، وإن لم يكن للكفار موضع يوصف بالفوقية، كما قال: ﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا﴾ [الفرقان: ٢٤] وإن لم يكن في مستقر أهل النار خير. وقال بعض أهل المعاني: أراد: أن حالهم في الآخرة فوق حال هؤلاء الكفار في الدنيا، وعلى هذا يتوجه قوله: ﴿خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا﴾ يعني: أن مستقرهم في الآخرة خير من مستقر هؤلاء الذين اغتبطوا به في
(١) "تفسير مقاتل" ١/ ١٨١.
(٢) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣١٥، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٣٣ - ٣٣٤.
(٣) ينظر: "زاد المسير" ١/ ٢٢٨، "التفسير الكبير" ٦/ ٨.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٢، وينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢٤٢، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٤، "زاد المسير" ١/ ٢٢٨، "التفسير الكبير" ٦/ ٨.
(٥) من قوله: قال الزجاج ساقط من (أ) و (م).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: يريد أن أموال قريظة والنضير تصير إليكم بلا حساب ولا قتال بأسهل شيء وأيسره (٢)، فيكون على هذا: والله يرزق من يشاء بغير تقدير من المرزوق للرزق، فيصير إليه ما لم يكن يحتسبه ولم يؤمله، ويكون ذلك من أهنأ العطاء وأحلا الأرزاق، لذلك مدح الله نفسه بهذا.
وقال في رواية لأبي صالح: يعني: كثيرًا بغير فوت ولا مقدار؛ لأن كل ما دخل عليه الحساب فهو قليل (٣). وقال الضحاك: يعني من غير تبعة في الدنيا ولا حساب في الآخرة (٤)، دليله قوله: - ﷺ -: "يدخل الجنة سبعون ألفًا من أمتي بغير حساب" (٥).
وقال مقاتل: يرزق من يشاء حين بسط للكافرين في الرزق، وقتّر على
(٢) هذا من تتمة الخبر السابق، عن عطاء، وقد تقدم تخريجه آنفا. وينظر في: "البحر المحيط" ١/ ١٣١، "غرائب النيسابوري" ٢/ ٣٠١، "الوسيط" للواحدي ١/ ٣١٥.
(٣) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧١٢، "البغوي" في "تفسيره" ١/ ٢٤٣، وروى ابن أبي حاتم ٢/ ٣٧٥ عن ابن عباس في تفسيرها قوله: ليس على الله رقيب ولا من يحاسبه.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧١٣، "البغوي" في "تفسيره" ١/ ٢٤٣.
(٥) رواه البخاري (٦٠٥٩) كتاب الرقاق، باب: يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب، (٥٢٧٠) كتاب الطب، باب: من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو، ومسلم (٣١٧) كتاب الإيمان، باب: الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة.
ولأصحاب المعاني أقوال (٣) في هذا:
أحدها: أن ما يعطي الله تعالى العبد على نوعين: ما يستحقه بعمله، ومنه ما يعطيه من فضله ابتداءً من غير استحقاق بعمل، كقوله تعالى ﴿فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ١٧٣] فقوله: ﴿وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ يعني: ما يتفضل به لا على حساب العمل.
والثاني: لا يخاف نفاد ما عنده فيحتاج إلى حساب ما يخرج منه، إذ كان الحساب من المعطي إنما يكون ليعلم ما يعطي وما يبقى ولا يتجاوز في عطائه إلى ما يجحف به، والله تعالى لا يحتاج إلى الحساب؛ لأنه عالم غني لا يتناهى لمقدوره ولا يخاف نفاد ما عنده (٤).
(٢) ذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٥، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٣١، "غرائب النيسابوري" ٢/ ٣٠١.
(٣) ينظر في هذه الأوجه: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٣٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧١٣، و"تفسير السمعاني" ٢/ ٢٦٤، "النكت والعيون" ١/ ٢٧٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٤٣، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٥ - ٢٠٦، "زاد المسير" ١/ ٢٢٨ - ٢٢٩، "التفسير الكبير" ٦/ ٩ - ١٠، وقد ذكر ثمانية أوجه، إذا كان المراد به عطاء الآخرة، وثلاثة إذا حملت الآية على عطاء الدنيا. "البحر المحيط" ٢/ ١٣١.
(٤) روى نحوه عن الربيع بن أنس كما في "الدر المنثور" ١/ ٤٣٥، وهذا اختيار الطبري" ٢/ ٣٣٤، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧١٣.
٢١٣ - قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ الآية، قال ابن عباس: كان الناس على عهد إبراهيم عليه السلام أمةً واحدةً كفارًا كلهم، وولد إبراهيم في جاهلية، فبعث الله إليهم إبراهيم وغيره من النبيين (٢).
وقال الحسن (٣) وعطاء (٤): كان الناس من وقت وفاة آدم إلى مبعث نوح أمة واحدة على ملة واحدة وهي الكفر، كانوا كفارًا كلهم أمثال البهائم، فبعث الله عز وجل نوحًا وإبراهيم وغيرهما من النبيين.
قال ابن الأنباري: على هذا القول وإن كان فيما بينهم من لم يكن
(٢) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٧٦ من طريق العوفي، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٤٣، "الدر المنثور" ١/ ٤٣٥.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧١٤، "البغوي" في "تفسيره" ١/ ٢٤٣، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٥، والرازي في "تفسيره" ٦/ ١٣٣، "غرائب النيسابوري" ٢/ ٣٠٣.
(٤) انظر المصادر السابقة.
وقال الكلبي (١) والواقدي (٢): هم أهل سفينة نوح، كانوا مؤمنين كلهم، ثم اختلفوا بعد وفاة نوح فبعث الله النبيين.
وقال ابن زيد (٣): لم يكونوا أمة واحدة إلا يومًا من الدهر، يذهب إلى الوقت الذي أخرجهم الله فيه من صلب آدم في صورة الذَّرِّ، حين قال لهم تعالى: ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى﴾ [الأعراف: ١٧٢].
وهذا القول مروي عن أبي بن كعب (٤)، وعلى هذين القولين يحتاج في الآية إلى إضمار، كأنه قال: كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله، وهكذا في قراءة أبيٍّ (٥) وابن مسعود (٦).
وحكى الزجاج عن بعض أهل اللغة قال: كان كلُّ من بعث إليه الأنبياء كفارًا (٧)، يريد: أن أمم الأنبياء الذين بعثوا إليهم كانوا كفارًا، كما
(٢) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧١٦، والقرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٢، وقد استظهر محقق "تفسير الثعلبي" أن المراد بالواقدي هنا: علي بن الحسين بن واقد القرشي ت ٢١١، وله تفسير رواه الثعلبي وصرح به في مقدمة "تفسيره".
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٣٦.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٣٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٧٦، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧١٧، "الدر المنثور" ١/ ٤٣٥.
(٥) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٧١٧.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧١٧، "الكشاف" ١/ ٢٥٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٩.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٤.
وقال محمد بن إسحاق: ولدت حواء لآدم أربعين ولدًا ذكرًا وأنثى، في عشرين بطنًا، وكانوا أمة مسلمين فاختلفوا حين قتل أحد ابني آدم أخاه (١).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ﴾ أي: الكتب، اسم الجنس أريد به الجمع (٢).
وقوله تعالى: ﴿بِالْحَقِّ﴾ أي: بالعدل والصدق، وما فيه من البيان عن الحق من الباطل (٣).
وقوله تعالى: ﴿لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ﴾ قال أهل المعاني: هذا مجاز وتوسع، وحقيقته ليحكم منزل الكتاب، إلا أنه جعل اللفظ على الكتاب تفخيمًا له لما فيه من البيان (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ﴾ الكناية راجعة إلى الكتاب، والمراد بالكتاب المختلف فيه: التوراة والإنجيل (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ يعني: اليهود والنصارى، وهم الذين
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٣، "الكشاف" ١/ ٢٥٦، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٠٦.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٣.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٤، "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٢.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٤.
واختلافهم: كفر بعضهم بكتاب بعض بغيًا وحسدًا. ويحتمل أن يكون المراد باختلافهم: تحريفهم وتبديلهم؛ لأن اليهود بدلت التوراة، وعلى هذا المراد اليهود دون النصارى إن لم تبدل النصارى، والوجهان في الاختلاف ذكرهما الفراء (٢).
وقال بعضهم: الكناية راجعةٌ إلى محمد - ﷺ -، لأنه من جملة النبيين وداخل فيهم، وعلى هذا معنى الآية: وما اختلف في أمر محمد بعد وضوح الدلالات لهم بغيًا وحسدًا إلا اليهود الذين أوتوا الكتاب، وذلك أن المشركين وإن اختلفوا في أمر محمد فإنهم لم يفعلوا ذلك للبغي والحسد، ولم تأتهم البينات في شأن محمد - ﷺ - وصحة نبوته كما أتت اليهود. فاليهود مخصوصون من هذا الوجه الذي ذكرنا (٣)، وهذا اختيار الزجاج، وقال في هذه الآية: لم يوقعوا الاختلاف إلا للبغي؛ لأنهم عالمون بحقيقة أمره في كتبهم (٤)، ويجوز أن تعود الكناية إلى الحق كأنه قال: وما اختلف في الحق، وذلك الحق الذي اختلفوا فيه هو: إما محمد - ﷺ -، وإما كتابهم،
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣١، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٥، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢١١، "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٢، "البحر المحيط" ٢/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٦١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٥، "البحر المحيط" ٢/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٤.
وقوله تعالى ﴿فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ أي: إلى ما اختلفوا، كقوله تعالى: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ [المجادلة: ٣]، ويقال: هديته إلى الطريق وللطريق والطريقَ، قال الله: ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا﴾ [الأعراف: ٤٣] (١).
فإن قيل: ما معنى الهداية إلى ما اختلفوا فيه؟ فالجواب ما قال ابن الأنباري: إن هذا من باب حذف المضاف، أي: فهدى الله الذين آمنوا لمعرفة ما اختلفوا فيه.
وقال الفراء: هذا من المقلوب، أراد: فهدى الله الذين آمنوا للحق مما اختلفوا فيه، وأنشد:
إِن سِرَاجًا لكَرِيمٌ مَفْخَرُه | تَحْلَى به العَيْنُ إذا ما تَجْهَرُه (٢) |
وقال بعضهم: اختلفوا فيه حق لا باطل، فالهداية إليه يصح في المعنى، وذلك أن أهل الكتاب اختلفوا فكفر بعضهم بكتاب بعض، فهدى الله الذين آمنوا بالكتب كلها؛ لأن الكتب المنزلة كلها حق، ألا تري إلى قول ابن زيد في هذه الآية، قال: ثم اختلفوا في القبلة، فصلت اليهود إلى بيت المقدس، وصلت النصارى إلى المشرق، فهدانا الله عز وجل إلى الكعبة، واختلفوا في الصيام، فمنهم من يصوم بعض يوم، ومنهم من يصوم بالليل،
(٢) البيت غير منسوب، في "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣١.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣١ - ١٣٢ بمعناه.
وقد قال النبي - ﷺ -: "كتب الله الجمعة على من كان قبلنا فاختلفوا فيها فهدانا الله لها، والناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غدٍ" (٢).
وقوله تعالى: ﴿بِإِذْنِهِ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد كان ذلك في قضائي وقدري (٣)، وقال بعضهم: بعلمه وإرادته فيهم، وهو قول الزجاج (٤).
وقال بعض أهل التفسير في قوله: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا اَلَّذِينَ أُوتُوهُ﴾ يعني: أهل كل كتاب اختلفوا فيه بعد ما جاءهم البينات بغيًا بينهم ظلمًا وطلبًا للملك، ورفضوا الحكم بكتابهم، فعصم الله هذه الأمة من نقض حكم كتابها، ومخالفة ما فيه من الأحكام.
٢١٤ - قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ الآية، قال عطاء
(٢) أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة، رواه البخاري (٨٧٦) كتاب الجمعة، باب: فرض الجمعة، ومسلم (٨٥٥) كتاب الجمعة، باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة. وأوله عندهما: "نحن الآخرون السابقون".
(٣) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣١٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٦.
فقوله: ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ﴾ قال الفراء: استفهم بـ (أم) في ابتداء ليس قبله ألف فيكون (أم) ردًا عليه، وذلك يجوز إذا كان قبله كلام يتصل به، ولو كان ابتداء ليس قبله كلام لم يجز ذلك، كقولك للرجل: أعندك خبز؟ لم يجز هاهنا: أم عندك خبز، ولو قلت: أنت رجل لا تُنْصِف أم لك سلطان تُدِلُّ به؟ لجاز ذلك، إذ تقدمه كلام فاتصل به (٥).
(٢) رواه في "الدر المنثور" ١/ ٤٣٧ بمعناه، وعزاه إلى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٧٩، وابن المنذر. وينظر: "الوسيط" ١/ ٣١٧.
(٣) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٨٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤١، والبيهقي في "دلائل النبوة" ٣/ ٤٣٥، وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٤٣٧ إلى ابن المنذر، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٢٧.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٧٩، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٢٧.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٨.
كَذَبَتْكَ عينُكَ أم رأيتَ بواسِطٍ | غَلَسَ الظلامِ من الرباب خَيَالا (١) |
كذبتك عينك أم رأيت............... البيت.
وقد استقصينا الكلام في (أم) عند قوله: ﴿أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا﴾ [البقرة: ١٠٨] الآية.
وقال بعضهم: أم هاهنا عطفٌ على استفهام متقدم محذوف، تقديره: أعلمتم أن الجنة حفت (٣) بالمكاره، أم حسبتم أن تدخلوا الجنة من غير بلاء ولا مكروه؟ والكلام ما ذكره الفراء وابن الأنباري (٤).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٨.
(٣) في (أ) (تحف).
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٥، "التبيان" ص ١٣١، واختارا أنها منقطعة، وفي "البحر المحيط" ٢/ ١٣٩ ذكر أبو حيان في (أم) هنا أربعة أقوال: الأول: أنها منقطعة بمعنى بل والهمزة. والثاني: أنها متصلة على إضمار جملة قبلها. والثالث: الاستفهام بمعنى الهمزة. والرابع: الإضراب بمعنى بل، قال: والصحيح هو القول الأول.
وقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا﴾ أي: شبه الذين مضوا من قبلكم من النبيين والمؤمنين، أي: ولما يصبكم مثل الذي (٣) أصابهم، ولم يمتحنوا بمثل الذي امتحنوا فتصبروا، كما صبروا، وهذا استدعاء إلى الصبر (٤).
وفي الكلام حذف، تقديره: مثل محن الذين، أو مثل مصيبة الذين من قبلكم (٥).
ثم ذكر ما أصابهم، فقال: ﴿مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء﴾ وهو اسم من البؤس بمعنى الشدة، قال عطاء: يريد: الفقر الشديد، ﴿وَالضَّرَّاءُ﴾: المرض والجوع (٦).
﴿الْبَأْسَاءُ﴾: نقيض النعماء، والضراء نقيض السراء.
(٢) ينظر: "التبيان" ص ١٣١، "البحر المحيط" ٢/ ١٤٠، "مغني اللبيب" ص ٣٦٧، وذكر أنها تفارق (لم) من خمسة أمور:
١ - أنها لا تقترن بأداة شرط.
٢ - أن منفيها مستمر النفي إلى الحال، ومنفي لم يحتمل الاتصال والانقطاع.
٣ - أن معنى (لما) لا يكون إلا قريبا من الحال.
٤ - أن منفي (لما) متوقع ثبوته.
٥ - أن منفي (لما) جائز الحذف. اهـ. وقال أبو حيان: ولما، أبلغ في النفي من لم؛ لأنها تدل على نفي الفعل متصلا بزمان الحال، فهي لنفي التوقع.
(٣) في (ي) و (ش) (الذين).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٢٩.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٤٠.
(٦) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣١٧.
قال أبو إسحاق: وأصل الزلزلة في اللغة من: زَلّ الشيء عن (٣) مكانه، فإذا قلت: زلزلته، فتأويله: أنك كررت زللَه (٤) من مكانه، فضوعف لفظه لمضاعفة معناه، وكل ما كان فيه ترجيع كررت فيه فاء الفعل، نحو: صَرَّ (٥) وصَرْصَرَ وَصَلّ وصلصل (٦). وتفسير ﴿وَزُلزِلُوا﴾ هنا: خوفوا وحقيقته ما ذكرنا، وذلك أن الخائف لا يستقر بل يضطرب لقلقه، ولهذا يقال للخوف: المقيم المُقْعِد؛ لأنه يُذْهب السكون، فيجوز أن يكون ﴿وَزُلزِلُوا﴾ هاهنا مجازًا، والمراد به: خوفوا، ويجوز أن يكون حقيقة بأن يكونوا مضطربين لا يستقرون لما في قلوبهم من الجزع والخوف (٧).
وقوله تعالى ﴿حَتَى يَقُولَ اَلرَّسُولُ﴾ قرئ (يقولَ) نصبًا ورفعًا (٨)، والنصب على وجهين إذا نصبت الفعل بـ (حتى) فقلت: سرت حتى أدخلها.
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٣٠.
(٣) في (م): (من).
(٤) كذا في الأصول، وفي "معاني القرآن" زلزلته.
(٥) (صر) ليست في (ي)، وفي (ش): (ضر وضرضر) وفي (م): (صر وصَرّ).
(٦) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٥. بمعناه.
(٧) ينظر في زلزل "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٥١، "المفردات" ص ٢١٩، "عمدة الحفاظ" ٢/ ١٦٥،"اللسان" ٣/ ١٨٥٧ (زلل). ونقل الأزهري عن ابن الأنباري في قولهم: أصابت القوم زلزلة، قال: الزلزلة: التخويف والتحذير، من ذلك قوله تعالى: ﴿وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١١] ﴿وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ أي: خوفوا وحذِّروا قال بعضهم: الزلزلة مأخوذة من الزلل في الرأي، فإذا قيل: زلزل القوم، فمعناه: صرفوا عن الاستقامة، وأوقع في قلوبهم الخوف والحذر.
(٨) قرأ نافع برفع اللام، وقرأ الباقون بالنصب. ينظر: "السبعة" ص ١٨١ - ١٨٢، "الحجة" ٢/ ٣٠٥ - ٣٠٦.
والوجه الآخر في النصب: أن يكون السير قد وقع والدخول لم يقع، ويكون المعنى: سرت كي أدخلها، وليس هذا وجه نصب الآية (٣). ورفع ما بعد حتى على وجهين.
فأحد الوجهين: هو وجه (٤) الرفع في الآية، كما تقول: سِرتُ (٥) حتى أَدْخُلُها، وقد مضى السير والدخول، كأنه بمنزلة قولك: سِرت فادخلها بمنزلة سرت فدخلتها، وصارت (حتى) هاهنا مما لا يعمل (٦) في الفعل شيئًا؛ لأنها تلي الجمل تقول: (٧) سرت حتى إني (٨) كالٌّ، وكقوله:
فيا عَجَبًا حتى كُليبٌ تَسُبُّني (٩)
(٢) في (ي): (مضت).
(٣) رجح أبو حيان في "البحر" ٢/ ١٤٠ الوجه الأول، قال: لأن المس والزلزال ليسا معلولين لقول الرسول والمؤمنين.
(٤) من قوله: نصب الآية. ساقط من (ي).
(٥) (سرت) ليست في (أ) ولا (م).
(٦) في (ش) (تعمل).
(٧) في (ش): (تقول).
(٨) في (ي): (كأني).
(٩) البيت للفرزدق، وعجزه:
كأن أباها نهشل أو مجاشع
أحدهما: أن يكون بمعنى (إلى)، وهو الذي تحمل (٣) عليه الآية، والفعل الذي يكون قبل (حتى) مع ما حدث عنه قد مضيا جميعًا، ألا ترى أن الأمرين في الآية كذلك.
والآخر: أن يكون بمعنى (كي)، وذلك قولك: (أسلمت حتى (٤) أدخلَ الجنة)، فهذه تقديره: أسلمت كي أَدْخُلَ الجنة، فالإسلام قد كان والدخول لم يكن.
وأما قراءة من قرأ: (حَتَّى يَقُولُ) بالرفع، فالفعل الواقع بعد حتى إذا
(١) ليست في (ي).
(٢) ينظر في ذلك: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٠٤ - ٣٠٦، "التبيان" ص ١٣١، "البحر المحيط" ٢/ ١٤٠، "مغني اللبيب" ١٦٦ - ١٧٦.
(٣) في (ش): (يجهل).
(٤) الجملة هذه ليست في (أ) و (م).
أحدهما: أن يكون السبب الذي أدى إلى (١) الفعل الذي بعد حتى قد مضى، والفعلُ المُسَبِّبُ لم يمضِ، ومثال ذلك قولهم: مرض حتى لا يرجونه، وشَرِبَتِ الإبلُ حتى يجيء البعير يَجُرُّ بَطْنَه، وتتجه الآية على هذا الوجه، كأن المعنى: زلزلوا فيما مضى حتى إن الرسول يقول الآن: متى نصر الله، وحُكِيَتْ الحالُ التي كَانوا عليها، كما حكيت الحال في قوله: ﴿هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّه﴾ [القصص: ١٥] وفي قوله: ﴿وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ [الكهف: ١٨].
والوجه الآخر من وجهي الرفع: أن يكون الفعلان جميعًا قد مضيا،
نحو: سِرتُ حتى أدخُلُها، والدخول متصل بالسير بلا فصل، كما (كان) (٢)
في الوجه الأول بينهما فصل، والحال في هذا الوجه أيضًا محكية، كما كانت محكية (٣) في الوجه الآخر، ألا ترى أن ما مضى لا يكون حالًا؟ وحتى إذا رُفِعَ الفعل بعدها حرفٌ، يصير الكلام بعدها إلى الابتداء، وليست العاطفةَ ولا الجارةَ، وهي إذا انتصب الفعلُ بعدها الجارةُ للاسم، وينتصب الفعل بعدها بإضمار (أن) كما ينتصب بعد اللام بإضمارها (٤).
واعلم أن (حتى) على ثلاثة أضرب:
أحدها: أن تكون جارة نحو ﴿حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾ [القدر: ٥]، وهذه (٥)
(٢) في (ش): (قال).
(٣) ليست في (أ) (م).
(٤) "الحجة" ٢/ ٣٠٦ - ٣٠٧، وينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣٢، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٠٤ - ٣٠٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٣٠.
(٥) (وهي) في (ي).
والآخر: أن تكون (٣) عاطفة في نحو:
والزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ ألْقَاهَا (٤).
وهذه تكون عاطفة.
والثالث: أن تكون داخلة على الجمل ومنصرفًا بعدها الكلام إلى الابتداء، كأما وإذا ونحوهما، وذلك نحو قوله:
فيا عجبًا حَتَى كليبٌ تَسُبُّني (٥)
فهذا جملة الكلام في حتى (٦). ومعنى الآية: أن الجهد قد بلغ بالأمم قبل هذه الأمة حتى استبطأوا النصر، فقال الله عز وجل: ألا إن نصر الله قريب
(٢) ليست في (ش).
(٣) (يكون) في (م).
(٤) صدر البيت: ألقى الصحيفة كي يخاف رحله.
البيت منسوب للمتلمس، وفيه إشارة إلى قصة المتلمس وطرفة حين كتب لهما عمرو بن هند كتابين مختومين، أوهمهما أن فيهما أمرًا لعامله في البحرين بإكرامهما، إلا أن المتلمس فض صحيفته فوجد فيها أمرا بقتله فرجع. وفي "الكتاب" لسيبويه ١/ ٩٧ نسبه لابن مروان النحوي. [وقال المحقق: الصواب أنه مروان النحوي] والبيت في "الكتاب" ١/ ٩٧، و"الخزانة" ١/ ٤٤٥، ٤/ ١٤٠، و"مغني اللبيب" ١٦٧، والشاهد في البيت: مجيء حتى عاطفة، حيث نصب نعله، ويستشهد به أيضًا على مجيئها ابتدائية برفع نعله.
(٥) تقدم تخريج البيت قريبًا.
(٦) ينظر في حتى: "الكتاب" لسيبويه ١/ ٩٦ - ٩٧، ٣/ ١٦ - ٢٧، "المقتضب" للمبرد ٢/ ٣٨ - ٤٣، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣٢ - ١٣٨، "الأزهية" ص٢١٤ - ٢١٦، "مغني اللبيب" ص ١٦٦ - ١٧٦.
وقوله تعالى: ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ (متى) سؤال عن زمان؛ لأن جوابها يقع بالزمان، ألا ترى أنك تقول: متى زيد خارج؟، فيكون الجواب: يوم الجمعة أو يوم السبت، فإذا كان الاسم الذي يلي (متى) جثة احتاج إلى خبر، كقولك: متى زيد منطلق؟، ولا يجوز أن تقول: متى زيد، وتسكت؛ لأن ظروف الزمان لا تكون خبرًا للجثث، وإن كان الاسم الذي (يلي) (١) (متى) لا يكون جثة، حسن السكوت على ذلك الاسم، كقولك: متى القتال؟ وكما في هذه الآية ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾؛ لأن ظروف الزمان تكون خبرًا للمصادر (٢).
وقوله تعالى ﴿أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ﴾ (ألا) صلةٌ لابتداء الكلام، كأنه تنبيهٌ للمخاطب.
قال صاحب النظم: في هذه الآية مبتدآن وجوابان، جمع بين المبتدأين والجوابين، فقوله: ﴿حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ مبتدآن.
وقوله: ﴿مَتَى نَصْرُ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية جوابان لهما، مجموع بينهما، فيحتاج أن يرد كل جواب إلى ابتداء به ليبين نظم الكلام، والتقدير: حتى
(٢) ينظر في متى: "الكتاب" لسيبويه ١/ ٢١٧ - ٢١٨، "المقتضب" ٣/ ٦٣، ٢٨٩، "الأزهية" ٢٠٠ - ٢٠١، "مغني اللبيب" ٤٤٠ - ٤٤١، قال في "التبيان" ص ١٣١: وموضع متى رفع؛ لأنه خبر المصدر، وعلى قول الأخفش موضعه نصب على الظرف، ونصر مرفوع به.
٢١٥ - قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ الآية، قال عطاء عن ابن عباس (٣): نزلت الآية في رجل أتى النبي - ﷺ - فقال: إن لي دينارًا؟ فقال: "أنفقه على نفسك" فقال: إن لي دينارين! فقال: "أنفقهما على أهلك"، فقال: إن لي ثلاثة؟ فقال: "أنفقها على خادمك"، فقال: إن لي أربعة؟ قال (٤): "أنفقها على والديك"، وقال: إن لي خمسة؟ قال: "أنفقها على قرابتك"، قال: إن لي ستة؟ قال: "أنفقها في سبيل الله، وهو أخسها".
وروي من طريق الكلبي عن ابن عباس: أن الآية نزلت في عمرو بن
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) تقدم الحديث عن رواية عطاء في المقدمة، وقد ذكره في "زاد المسير" ١/ ٢٣٣، والرازي في "تفسيره" ٢/ ٢٤.
(٤) (فقال) في (ي). في جميع المواضيع.
وقوله تعالى: ﴿مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ في محل (ماذا) من الإعراب قولان:
أحدهما: أن تجعل (ما) مع (ذا) بمنزلة اسم واحد، ويكون الموضع نصبًا بـ (ينفقون) المعنى: يسألونك أي شيء ينفقون، ومثل جعلهم (ماذا) بمنزلة اسم واحد قول الشاعر:
دَعِيْ مَاذا عَلِمْتُ سَأَتَّقِيْهِ | ولكن بالمغِيبِ ينبّئُنِي (٤) |
وعمرو، هو عمرو بن الجموح بن زيد بن حرام الخزرجي الأنصاري، شهد العقبة وبدرًا في رواية، وجعله النبي - ﷺ - سيد بني سلمة، وشهد أحدا، وكان أعرج شديد العرجة، واستشهد بها. ينظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم ٤/ ١٩٨٤، "الاستيعاب" ٣/ ٢٥٣.
(٢) في (ي) (فأنزل الله).
(٣) ذكره الثعلبي بغير إسناد ٢/ ٣٣٧، وعنه نقل الحافظ ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٣٤، وعزاه من طريق أبي صالح عن ابن عباس: الواحدي في "أسباب النزول" ص ٦٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٣٣، وعزاه الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣١٨، وعنه الفخر الرازي في "تفسيره" ٦/ ٢٠ إلى رواية الكلبي عن ابن عباس ٦/ ٢٤. وهو قول مقاتل بن سليمان كما في "تفسيره" ١/ وقول مقاتل بن حيان، نسبه إليه ابن المنذر كما في "الدر المنثور" ١/ ٤٣٧.
(٤) البيت للمثقب العبدي، في "ديوانه" ص ٢١٣، ولمزرد بن ضرار في "ديوانه" ينظر: "المعجم المفصل" ٨/ ٢٥٠.
عَلَى ما قام يشتمني لئيمٌ | كخنزيرٍ تَمَرَّغَ في دَمَاني (٣) |
يا خُزْرَ تَغْلِبَ ماذا بالُ (٤) نِسوتِكم | لا يَسْتَفِقْنَ إلى الدَّيرين تَحْنَانا (٥) |
(٢) ساقطة من (ي).
(٣) البيت لحسان بن ثابت، قاله في هجو بني عابد. ينظر: "الحجة" ٢/ ٣١٧ "شرح أبيات المغني" ٥/ ٢٢٠ "الخزانة" ٢/ ٥٣٧، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٢٣٣، "الشافية" ٤/ ٢٢٤، وابن يعيش ٤/ ٩، والعيني ٤/ ٥٥٤. والدمان كالرماد وزنًا ومعنى.
(٤) (قال) في (ي).
(٥) البيت لجرير يهجو الأخطل ينظر: "ديوانه" ص ١٦٧. و"الحجة" ٢/ ٣١٧.
القول الثاني: أن تجعل (ذا) اسمًا يرفع (ما) كأنك قلت: ما الذي ينفقون؟ يعنى: أيَّ شيء الذي ينفقون، فيكون (ما) رفعًا بالابتداء و (ذا) خبرُها، والعرب قد تذهب بهذا وذا إلى معنى الذي، فيقولون: ومن ذا يقول (٢) ذاك، في معنى من الذي، وأنشدوا:
عَدَسْ ما لِعَبّادٍ عَلَيْكِ إمَارَةٌ | أَمِنْتِ وَهَذَا تَحْمِليَن طَلِيقُ (٣) |
وقد (٥) مضى صدر من الكلام في (ماذا) عند قوله: ﴿مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا﴾ [البقرة: ٢٦].
وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ﴾ هذا جواب لسؤالهم. فإن (قيل): هذا الجواب لا يُطَابِقُ السُّؤَال، وما الجواب المطابق لهذا السؤال؟
(٢) (يكون) في (م).
(٣) البيت ليزيد بن مفرغ الحميري قاله في عباد بن زياد، وكان يزيد قد أكثر من هجوه، حتى حبسه وضيق عليه، حتى خوطب في أمره معاوية، فأمر بإطلاق سراحه،. فلما خرج من السجن قدمت له بغلة فركبها فنفرت فقال هذا الشعر، في "ديوانه" ص١٧٠، "لسان العرب" ٥/ ٢٨٣٧ "عدس" وعدس: اسم صوت لزجر البغل.
(٤) من "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٣٨ - ١٣٩.
(٥) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٠٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٣٧، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٢٧، "التبيان" ص ١٣١، قال: وموضع الجملة نصب بيسألون على المذهبين. "البحر المحيط" ٢/ ١٤٢.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ جزم ﴿وَمَا تَفْعَلُوا﴾ بالشرط، واسم الشرط وموضع ﴿وَمَا﴾ نصبٌ بـ ﴿تَفْعَلُوا﴾، وجواب الشرط قوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾ (١) ومعناه: (أنه يحصيه) (٢) ويجازي عليه.
قال ابن الأنباري: إن عمرو بن الجموح سأل رسول الله - ﷺ - عن الصدقة لمن (٣) يخص (٤) بها عند الموت، فأنزل الله عز وجل هذه الآية قبل آية المواريث، فلما نزلت آية المواريث نسخت من هذه التصدق على الوالدين.
ويقال: إن الإنفاق في هذه الآية لا يراد به الصدقة عند الموت، إنما يراد (٥) به النفع في الدنيا، والإيثار بما يتقرب به الإنسان إلى الله تعالى،
(٢) ساقط من (ش).
(٣) (لما) في (ي).
(٤) (نخص) في (ي) و (ش).
(٥) (أراد) في (ش).
وقال (٢) كثير من أهل التفسير: إن هذا كان قبل فرض الزكاة، فلما فُرِضَتِ الزكاة بالآية التي في براءة، نسخت الزكاةُ هذه الآية (٣).
٢١٦ - قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ﴾ الآية، اعلم أن رسول الله - ﷺ - كان غير مأذون في القتال مدة إقامته بمكة، فلما هاجر أذن بعد الهجرة في قتال من يقاتله من المشركين دون من لا يقاتل (٤)، ثم أذن في قتال المشركين عامة، وهذا كله قبل فرض الجهاد، ثم فرض الله الجهاد.
واختلف العلماء في حكم هذه الآية، فمذهب عطاء أن المعني بهذا: أصحاب رسول الله - ﷺ - خاصة دون غيرهم؛ لأنه قال: كان القتال مع النبي
(٢) في (أ) و (م): فقال.
(٣) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٣٨، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٤٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٨١، و"الناسخ والمنسوخ" لابن العربي ٢/ ٧٢، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ٢٢٨، وقد بين ابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ١٤٥، أن الأولى أن تكون الآية في بيان مصارف صدقة التطوع، ولا نسخ؛ لأن شروطه معدومة وقال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص ٢٢٩: والتحقيق أن الآية عامة في الفرض والتطوع، فحكمها غير منسوخ؛ لأن ما يجب من النفقة على الوالدين والأقربين إذا كانوا فقراء لم ينسخ بالزكاة، وما يتطوع به لم ينسخ بالزكاة، وقد قامت الدلالة على أن الزكاة لا تصرف إلى الوالدين والولد. وينظر: "النسخ في القرآن" للدكتور/ مصطفى زيد ٢/ ٦٥٦.
(٤) (يقاتله) في (ش).
وسئل عبد الله بن عمرو عن الفرائض؟ فقال: الفرائض: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله - ﷺ -، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان، والجهاد في سبيل الله، وخالفه ابن عمر في الجهاد، فعد الفرائض وترك الجهاد (٢).
وقال بعضهم: كان الجهاد في الابتداء من فرائض الأعيان، ثم صار فرض كفاية؛ لقوله عز وجل ﴿وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى﴾ [النساء: ٩٥] ولو كان القاعدُ مضيِّعًا فرضًا ما كان موعودًا بالحسنى. وقال بعضهم: لم يزل الجهادُ فرض كفاية، غير أن رسول الله - ﷺ - كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير؛ لوجوب طاعته (٣). وقال الزهري والأوزاعي: كتب الله سبحانه الجهاد على الناس (غَزَوا أو قعدوا، فمن غزا فبها ونعمت، ومن قعد فهو عدة، إن
(٢) رواه بسنده الجصاص في "أحكام القرآن" ٤/ ٣١١، وله قصة، وبين أنه مختلف في صحته، أما حديث ابن عمر المشهور: "بني الإسلام... " فقد رواه البخاري (٨) كتاب: الإيمان، باب: دعاؤكم إيمانكم، ومسلم (٢١) كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام.
(٣) قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" ٦/ ٣٧: فهو فرض كفاية على المشهور، إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو، ويتعين على من عينه الإمام، وممن ذكر أنه فرض كفاية أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٠٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤٤ - ٣٤٥، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٤١، وابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٢١٧.
وقال أبو عبيد: القول في الجهاد أنه حق لازم للناس، غير أن بعضهم يقضي ذلك عن بعض، وإنما وسعهم هذا لقوله: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ [التوبة: ١٢٢] فإنها فيما يقال ناسخة لفرض الجهاد، والإجماع اليوم على أنه من فروض الكفاية، إلا أن يدخل المشركون ديار المسلمين فإنه يتعين على كافة المسلمين، إلى أن يقوم بكفايتهم من يصرف وجوههم.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ يعني: القتال كره لكم، وكان الكسائي يقول في الكَرْه والكُرْه: هما لغتان في المشقة (٣) (٤).
قال الفراء: الكُره: المشقة، قمت على كُره، أي: على مشقة، وقال: أقامني على كره، إذا أكرهك عليه، فالكُره عند الفراء: الإجبار، ولهذا لم يقرأ هاهنا (كَرْه) بالفتح، كما قرأ في سائر المواضع بالضم والفتح؛ لأن المشقة هاهنا أليق من الإجبار (٥).
(٢) قول الزهري رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٠٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٨٢، وقول الأوزاعي ذكره أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٠٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤٤.
(٣) ساقط جميعًا من (ي).
(٤) ينظر في بيان أنهما لغتان بمعنى: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٦٥، و"تفسير الطبري" ٢/ ٣٤٥، و"الصحاح" ٦/ ٢٢٤٧.
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٨٨، و"تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٣٦ "كره"، و"المفردات" ص٤٣١، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٤٥٩، "اللسان" ٧/ ٣٨٦٤، ٣٨٦٥، قال الزجاج: والكره يقال فيه: كرهت الشيء كُرها وكراهية، وكل ما في كتاب =
وقيل: ﴿وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ﴾ قبل أن يكتب عليكم.
(١) ساقط جميعًا من (ي).
(٢) الزجاج ١/ ٢٨٩، وعبارته: معنى كراهتهم القتال أنهم كرهوه على جنس غِلَظِه عليهم ومشقته، لا أن المؤمنين يكرهون فرض الله عز وجل، لا يفعل إلا ما فيه الحكمة والصلاح.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤٤، عن عكرمة عن ابن عباس، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٨٢ عن عكرمة، ولفظ الأثر: نسختها هذه الآية ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ يعني: أنهم كرهوه ثم أحبوه، فقالوا: سمعنا وأطعنا، قال الطبري ٢/ ٣٤٤: وهذا قول لا معنى له؛ لأن نسخ الأحكام من قبل الله عز وجل لا من قبل العباد، وقوله: ﴿سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ خبر من الله عن عباده المؤمنين وأنهم قالوه لا نسخ منه.
﴿وَعَسَى﴾ عند العامة شك وتوهم، وهي عند الله يقين وواجب. وعسى. فعل يتصرف، درج مضارعه وبقي ماضيه، فيقال منه: عسيتما وعسيتم، قال الله تعالى: ﴿فَهَل عَسَيْتُم﴾ [محمد: ٢٢] يتكلم فيه على فعل ماض، (وأميت) (٢) ما سواه من وجوه فعله.
ويرتفع الاسم بعده كما يرتفع بعد الفعل، فتقول: عسى زيد، كما تقول: قام زيد، ويقال منه: أعس بفلان أن يفعل كذا، مثل أحر وأخلق، وبالعسى أن يفعل كذا، يقول: بالحري أن يفعل، ومعناه في جميع الوجوه: قريب وقَرُبَ وأَقْرِب به.
ومنه قوله: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ [النمل: ٧٢]، بمعنى: قرب، ومنه: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ [الإسراء: ٥١]، أي: قرب ذلك، وكثرت (عسى) على الألسنة حتى صارت كأنها مثل: (لعل).
وتأويل (عسى): التقريب؛ لكون الشيء الذي يقع عليه ويقتضيه فيجري مجرى (كاد) (٣) وقرب، ولما كانت فعلًا لم تخل من ذكر فاعل، وهو الاسم الذي يدل عليه (عسى)، كقولك: عسى زيد، فزيد رفع لأنه
(٢) في (ي): ليست.
(٣) في (ي): عاد.
عَسَى فَرَجٌ يأتي به اللهُ إنه | له كلّ يَوْمٍ في خَلِيقَتِهِ أمْرُ (٣) |
(٢) ينظر في عسى وأحكامها: "الكتاب" لسيبويه ٣/ ١١، ١٢، ١٥٨، ٤/ ٢٣٣، "المقتضب" ٣/ ٦٨ - ٧٢، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٨، "المفردات" ٣٣٨ ص، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٩٢، "اللسان" ٥/ ٢٩٥، "مغني اللبيب" ص ٢٠١ - ٢٠٤، وقال: ومعناه: الترجي في المحبوب، والإشفاق في المكروه، وقد اجتمعا في قوله تعالى: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾، ثم ذكر أنها تستعمل على سبعة أوجه. وقال في "البحر المحيط" ٢/ ١٤٣: عسى هنا للإشفاق لا للترجي، ومجيئها للإشفاق قليل، وهي هنا تامة لا تحتاج إلى خبر، ولو كانت ناقصة لكانت مثل قوله: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا﴾ [محمد: ٢٢] فقوله: ﴿أَن تَكرَهُوا﴾ في موضع رفع بعسى.
(٣) البيت لمحمد بن إسماعيل، ينظر: "همع الهوامع" ١/ ١٣١. "المعجم المفصل" ٣/ ٣٠١.
عَسَى الكَرْبُ الذي أمْسَيْتُ فيه | يكونُ وَرَاءَه فَرَجٌ قَرِيبُ (١) |
وحتى أُشِرَّتْ بالأكفِّ المَصَاحِفُ (٤)
فالشر: انبساط الضر، والشرر: اللهب لانبساطه، قال ابن عباس (٥): كنت رِدْف النبي - ﷺ - فقال: "يا ابن عباس ارض عن الله بما قدر وإن كان خلاف هواك، إنه لمثبت في كتاب الله عز وجل"، قلت: يا رسول الله، أين وقد قرأت القرآن؟ قال: (مكيس) (٦) ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ﴾ (٧).
(٢) ليست في (ش).
(٣) يقال: شرَّرت، وأشررت، وشرَرْت.
(٤) البيت لكعب بن جعيل، وقيل: إنه للحصين بن الحمام المرِّي، يذكر يوم صفين، وتمامه: فما برحوا حتى رأى الله صبرهم.
أي نشرت وأظهِرت. ينظر: "اللسان" ٤/ ٢٢٣٣ (شرر).
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٤٤، وفي "الدر المنثور" عنه ١/ ٤٣٩. ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٥٣، "المفردات" ص٢٦٠، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٢٩٨، "اللسان" ٤/ ٢٢٣٣ (شرر).
(٦) في (ي) و (ش) (مليس). ولم أعرف المراد من الكلمة.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٤٥ وأبو المسفر السمعاني في "تفسيره" ٢/ ٢٧٥ قال أحمد شاكر: هذا إسناد مظلم، والمتن منكر، لم أجد ترجمة يحيى بن محمد بن مجاهد، ولا عبيد الله بن أبي هشام،=
٢١٧ - قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ الآية، نزلت في سرية بعثها رسول الله - ﷺ - إلى نخلة، فلما انتهوا إليها وافت خيل المشركين فيها عمرو بن الحضرمي (١) والحكم بن كيسان، فرمى واقد بن عبد الله (٢)، وهو من أصحاب رسول الله - ﷺ - (٣)، عمرو بن الحضرمي فقتله، وظهر المسلمون على المشركين، وأسَرُوا بعضهم، وأهل هلال رجب والمسلمون يقاتلون لا يعلمون بدخوله، فضجت قريش بمكة، وكانوا يستعظمون سفك الدماء في رجب، فأنزل الله تعالى هذه الآية (٤).
(١) هو: عمرو بن العلاء الحضرمي، والحضرمي هو عبد الله بن عباد الصدفي، كان من صناديد كفار قريش، كان في عير تجارة قريش، قتله واقد بن عبد الله التميمي من سرية عبد الله بن جحش. انظر"البداية والنهاية" ٥/ ٣٧ - ٣٩.
(٢) هو: واقد بن عبد الله بن عبد مناف بن عرين التميمي الحنظلي اليربوعي، صحابي أسلم قبل دخول الرسول دار الأرقم، بعثه رسول الله - ﷺ - في سرية عبد الله بن جحش إلى نخلة لمراقبة تحركات المشركين والإتيان بأخبارهم، فكان أول من قاتل من المسلمين، شهد بدرًا والمشاهد كلها توفي في أول خلافة عمر - رضي الله عنه -. انظر: "معرفة الصحابة" ٥/ ٢٧٢٩، "أسد الغابة" ٥/ ٤٣٢ - ٤٣٣.
(٣) من قوله: عمرو بن الحضرمي.. ساقط من (أ) ولا (م).
(٤) ينظر في سبب النزول: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٤٧ - ٣٤٨، "سيرة ابن هشام" ٢/ ٣٤٠، والبيهقي في "دلائل النبوة" ٣/ ١٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٥٣ - ٧٦٠، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٦٩، قال ابن حجر في "تعليق التعليق" ١/ ٧٦: وهو مرسل جيد، قوي الإسناد، وقد صرح فيه ابن إسحاق بالسماع.
وقوله تعالى ﴿قِتَالٍ فِيهِ﴾ هو خَفْضٌ على البدل من الشهر، وهذا من باب بدل الشيءِ من الشيءِ، والمعنى مشتمل عليه، ويسمى: بدلَ الاشتمال، وهو إبدال المصادر من الأسماء، كقولك: أعجبني زيدٌ عِلْمُه، وعجبت من عمروٍ أمرِه، ونفعنى زيدٌ كلامُه، ومثله قوله: ﴿قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (٤) النَّارِ﴾ [البروج: ٤ - ٥]، وقول الأعشى:
لَقَدْ كان في حَوْلٍ ثَوَاءٍ ثَوَيْتُه | تُقَضِّى لُبَانَاتٍ وَيسْأَم سَائِم (١) |
ومعنى الاشتمال في الآية: أن سؤالهم اشتمل على الشهر وعلى القتال، وسؤالهم (٣) عن الشهر إنما كان لأجل القتال.
وقيل: الخفضُ في ﴿قِتَالٍ﴾ على معنى تكرير (عن)، تقديرُه: وعن قتال فيه، وكذلك هو في قراءة ابن مسعود والربيع (٤)، وقيل: إنه على
قوله: ثواءٍ: الثواء: الإقامة، بالجر، قال ثعلب: وأبو عبيدة يخفضه، والنصب أجود، ومن روى تقضى لبنات فإنه ينبغي أن يرفع ثواء. ينظر: "شرح الديوان"، "مجاز القرآن"، "المعجم المفصل" ٧/ ١١٧.
(٢) ينظر في بدل الاشتمال: "الكتاب" لسيبويه ١/ ١٥٠ - ١٥٨، "المقتضب" ١/ ٢٧، ٤/ ٢٩٦.
(٣) في (م): (ومعنى سؤالهم).
(٤) وبها قرأ ابن عباس والأعمى أيضا، ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤١، "المصاحف" لابن أبي داود ٥٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٦٧، "البحر المحيط" ٢/ ١٤٥.
ثم ابتدأ فقال: ﴿وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾، وهو رفع على الابتداء، وما بعده من قوله: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ﴾ مرتفع بالعطف على الابتداء (٢) وخبره قوله تعالى: ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ هذا قول الزجاج (٣)، وهو الصحيح (٤)، وذكر الفراء في ارتفاع الصَّدِّ وجهين آخرين (٥)، غُلِّطَ فيهما:
أحدهما: أنه عطف على قوله: ﴿كَبِيرٌ﴾ يريد: قل القتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به، يعني: أن القتالَ قد جَمَع أنه كبير وأنه صَدٌّ وأنه كُفْرٌ، وهذا القول يؤدي إلى (٦) أن يكون القتال في الشهر الحرام كفرًا
(٢) من قوله: (وما بعده من..) ساقطة من (ي).
(٣) ذكره الزجاج في "تفسيره" ١/ ٢٩٠.
(٤) ينظر في إعراب الآية: المصادر السابقة.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤١.
(٦) ساقطة من (ش).
والوجه الآخر: أن يجعل الصد مرتفعًا بالابتداء، وخبره محذوف لدلالة ﴿كَبِيرٌ﴾ المتقدم عليه، كأنه قال: والصد كبير، كقولك: زيد منطلق وعمرو، فيصير التقدير: قل قتال فيه كبير، وكبيرٌ الصد عن سبيل الله والكفر به، وينتقض هذا عليه بقوله: ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ﴾؛ لأنه يستأنف على ما ذكر من التقدير قوله: ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرِ﴾ (١) وإخراج أهله منه لا يكون أكبر عند الله من الكفر به، ومن قال: إنه أكبر فهو غالط بالإجماع (٢).
ومعنى الصد: الحَبْس، يقال: صَدَّ عن الشيء صُدُودًا، إذا صَدَف عنه، وصَدَّ غَيرَه يَصُدّ صَدًّا (٣)، ويعني بهذا الصد: أن المشركين منعوا رسول الله - ﷺ - وأصحابه عن البيت عام الحديبية (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ﴾ أي: بالله ﴿وَالْمَسْجِدِ﴾ يُخْفَضُ بالعطف على ﴿سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تقديره: وصدٌّ عن سبيلِ الله وعن المسجدِ الحرام؛ لأن المشركين صدوا المسلمين عنه؛ كما قال الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا
(٢) ينظر في مناقشة الفراء: "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٢٨.
(٣) ينظر في الصد "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٨٤، ١٩٨٥، "المفردات" ص ٢٧٩، "اللسان" ٤/ ٢٤٠٩ "صد".
(٤) ذكر الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٦٧ مثل قول الواحدي، دون قوله: عام الحديبية، وفيه إشكال؛ لأن الآية نزلت قبل ذلك، والظاهر أن المراد بالصد عن سبيل الله: الصد عن دين الله. ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٢١، "تفسير القرطبي" ٣/ ٤٦، وقد حاول الرازي الإجابة عن هذا بأن المراد أنه معلوم لله قبل وقوعه، والأولى ما ذكرنا.
وقال الفراء: المسجد الحرام مخفوض بقوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ﴾ وعن المسجد (١)، وأُنكر (٢) عليه هذا، بأنهم لم يُسْأَلوا عن المسجد، وإنما السؤال عن القتال في الشهر الحرام (٣)، وله أن يقول: إن القوم لما استعظموا القتال في الشهر الحرام وكان القتال عند المسجد الحرام فجرى مجراه في الاستعظام (جمعوهما) (٤) في السؤال، وإن كان القتال إنما وقع في الشهر الحرام خاصة، كأنهم قالوا: هل استحللت الشهر الحرام وَالْمَسْجِد الحَرَام؟ (٥)، ولا يجوز حمله على الهاء في (٦) (وكفر به)؛ لأنه لا يعطف على المضمر المجرور إلا بإعادة الجار، ولأنه ليس المعنى: على كفر بالله والمسجد.
وقيل: إنه خفض بواو القسم وليس بشيء (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ﴾ أي: أهل المسجد منه ﴿أَكْبَرُ﴾ أعظم وزرًا وعقوبة ﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ (٨). ﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ أي: الشرك والكفر {أَكْبَرُ
(٢) في (ش): (فأنكر).
(٣) ينظر في مناقشة قول الفراء: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٢٨، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٢١، "التفسير الكبير" ٦/ ٣٤، "التبيان" ص ١٣٣.
(٤) في (أ) (ي): (مجوعهما) وفي (م): (فجمعوهما).
(٥) ليست في (ي).
(٦) في (ي) (الباقى) وفي (م) (الثاني) وفي (ش) (الباقى).
(٧) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٠٨، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٢٨، "التبيان" ص ١٣٣، "البحر المحيط" ٢/ ١٤٦.
(٨) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٧٦٨.
وأما حكم القتال في الشهر الحرام اليوم، فالعلماء فيه مختلفون: قال ابن جريج (٤): حلف لي عطاء بالله: ما يحل للناس أن يغزوا في الحَرَم (٥) ولا في الشهر الحرام إلا أن يُقاتَلوا.
وروى أبو الزبير عن جابر (٦)، قال: لم يكن رسول الله - ﷺ - يغزو في الشهر الحرام إلا أن يُغْزى (٧)، فإذا حضر ذلك أقام حتى ينسلخ. وسئل سعيد بن المسيب (٨): هل يصلح للمسلمين أن يقاتلوا الكفار في الشهر الحرام؟ قال: نعم، وقال ذلك سليمان بن يسار (٩)، وهذا مذهب قتادة (١٠)
(٢) هو: عبد الله بن جحش بن رباب بن يعمر بن صبرة، أبو محمد الأسدي، أمه أميمة بنت عبد المطلب، أسلم قبل دخول الرسول - ﷺ - دار الأرقم وهاجر الهجرتين، كان أول أمير أمره الرسول - ﷺ -، شهد بدرا وقتل في أحد شهيدًا سنة ٣هـ. انظر "أسد الغابة" ٣/ ١٩٤ - ١٩٥، "الأعلام" ٤/ ٧٦.
(٣) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٦٨، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٤٨.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٥٣.
(٥) في (ش) (بالحرم).
(٦) المصدر السابق.
(٧) في (ي) (يغروا).
(٨) ذكره في "زاد المسير" عنه ١/ ٢٣٧، والرازي في "تفسيره" ٢/ ٢٣.
(٩) ذكره في "زاد المسير" عنه ١/ ٢٣٧.
(١٠) لم أجده عنه.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ﴾ يعني: مشركي مكة، وهو فعل لا مصدر له، يقال: ما يزال يفعل كذا، ولا (١) يزال، ولا يقال منه فاعل ولا مفعول، ومثله من الأفعال كثير، نحو: (عسى)، ليس له مصدر ولا مضارع، وكذلك ﴿وَذَرُوا مَا بَقِيَ﴾ [البقرة: ٢٧٨]، وهَلُمّ وهَاكَ وهَاتِ وتَعَالَوا.
ومعنى (لا يزالون) أي: يدومون، وكأن هذا مأخوذ من قولهم: زال عن الشيء، أي: تركه، فقولك: ما زال يفعل كذا، أي: لم يتركْه، وقلّ ما يتكلم به إلا بحرف نفي لأنه يبطل المعنى، وذلك أنك إذا قلت: زال زيد، فإنما أثبت زوال القيام، فإذا أدخلت حرف النفي نفيت الزوال، وبينت معنى الدوام، ومثله: (ما برح) بهذا التقدير سواء (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ﴾ أظهر التضعيف مع الجزم؛ لسكون الحرف الثاني، وهو أكثر في اللغة من الإدغام (٣).
(٢) ينظر في زال وأحكامها: "المقتضب" للمبرد ٣/ ٩٦ - ١٨٩، ٤/ ١١٩ - ١٢٠، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٧٧، "المفردات" ٢١٦، "اللسان" ٣/ ١٩٠١"زول".
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٠، "التبيان" ص ١٣٣.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٦٨، "التبيان" ص ١٣٣.
(٣) في (ش) (وجوابها).
(٤) ونقل في "تهذيب اللغة" ١/ ٧٢٦ "حبط" عن ابن السكيت، يقال: حَبَط عملُه يحبُط حبْطا وحُبوطا، بسكون الباء، وحبِط بطنُه إذا انتفخ يحبَط حبَطا فهو حبِط، ورأيت بخط الأقرع في كتاب ابن هانىء: حبَط عملُه يحبُط حبوطا وحبْطا، وهو أصح، ثم قال في ١/ ٧٢٨: قلت: ولا أرى حبْط العمل وبطلانه مأخوذا إلا من حبَط البطن؛ لأن صاحب الحبَط يهلِك، وكذلك عمل المنافق والمشرك يحبط، غير أنهم سكنوا الباء من قولهم: حبط بطنُه يحبَط حبْطا، كذلك أثبت لنا عن ابن السكيت وغيره.
(٥) في (ي): (ما).
(٦) أخرجه البخاري (٦٤٢٧) كتاب: الرقاق، باب: ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، ومسلم (١٠٥٢) كتاب الزكاة، باب: تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا. قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ١/ ٧٢٧: هو مثل الحريص المفرط في الجمع والمنع، وذلك أن الربيع يُنْبِتُ أحرار العشب التي تَحْلَوْليها الماشية فتستكثر منها حتى تنتفخ بطونها وتهلِك، وكذلك الذي يجمع الدنيا، ويحرص عليها ويشحّ على ما جمع حتى يمنع ذا الحق حقه منها.
(٧) ينظر في حبط: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٢٦، "المفردات" ص ١١٣ - ١١٤، "عمدة الحفاظ" ١/ ٤٢٣ - ٤٢٥، "لسان العرب" ٢/ ٧٥٥.
٢١٨ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ نزلت في عبد الله بن جحش وأصحابه، قالوا لرسول الله: أصبنا القوم في رجب أنرجو أن يكون لنا أجر المجاهدين في سبيل الله؟ فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ (٢) يعني بمحمد ﴿هَاجَرُوا﴾ فارقوا عشائرهم وأوطانهم (٣)، وأصله من الهجر، الذي هو ضِدّ الوَصْل، ومنه قيل للكلام القبيح: الهُجْرة لأنه مما ينبغي أن يهْجَر، والهاجِرة: وقتٌ يُهْجَر فيه العمل (٤).
﴿وَجَاهَدُوا﴾ يعني: جاهدوا المشركين، ومعناه: حملوا أنفسهم على المشقة في قتالهم، ومنه: يقال: اجتهد فلان رأيه، إذا حمل نفسه على المشقة في بلوغ صواب الرأي، وأصله: من الجُهْد، الذي هو المشقة، ومنه: الجهاد، وهو الأرض الصلبة، لحمل النفس في ركوبها على
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٥٦، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٧١، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٦٩، وقد رواه الطبري من حديث جندب بن عبد الله في "تفسيره" ٤/ ٣٠٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٨٤، وأبو يعلى في "مسنده" ٣/ ١٠٢، وهو تمام قصة سبب النزول في الآية السابقة ومذكور في بعض رواياتها.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٧٦٩.
(٤) ينظر في هجر "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧١٧، "المفردات" ص٥١٤ - ٥١٥، "عمدة الحفاظ" ٤/ ٢٧٨ - ٢٨٠، "لسان العرب" ٨/ ٤٦١٧. قال الراغب: الهجْر والهِجران: مفارقة الإنسان غيره، إما بالبدن أو باللسان أو بالقلب.
﴿أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ﴾ قال الزجاج: إنما قال: ﴿يَرْجُونَ﴾ لأنهم عند أنفسهم غير بالغين ما يجب لله (٣) عليهم، ولا يعلمون ما يختم به أمرهم (٤). ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ غفر لعبد الله بن جحش وأصحابه ما لم يعلموا ورحمهم.
٢١٩ - قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ الآية، نزلت في عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل وسعد بن أبي وقاص وجماعة، أتوا رسول الله - ﷺ -، فقالوا: أفتنا في الخمر والميسر، فإنهما مذهبة للعقل، مسلبة للمال، فنزل قوله: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ (٥).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٧٦٩.
(٣) في (ي): (ما يحب الله).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٠ - ٢٩١.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٧٧٠، وعنه ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٤٦، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٧٣، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٤٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٣٩، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ١٥٦. وورد عن عمر قوله: لما نزل تحريم الخمر قال عمر: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت الآية التي في البقرة: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ﴾ فدعي عمر فقرئت عليه، قال: اللهم بين لنا في الخمر بيانًا شافيًا. الحديث رواه أبو داود =
وقد أَصَابَتْ حُمَيَّاها مَقَاتِلَهُ | فلم تكَد تَنْجَلِي عن قَلْبِه الخُمَرُ (٢) |
وقد اخْتَمَرَتِ المرأةُ بخمارها، وتَخَمَّرَتْ وهي حَسَنَهُ الخِمْرَةِ،
(١) في "مقاييس اللغة" ٢/ ٢١٥ زيادة: [والسكر في قلبه] والكلام منسوب إلى الخليل فلعل الليث ناقل كما قال محقق "تهذيب اللغة"، كما أنه أخبر عن الخمر بالمذكر فقال: معروف، وكذا في "التهذيب"، والعبارة المنقولة عن الخليل: الخمر معروفة.
(٢) البيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٩٩، "مقاييس اللغة" ٢/ ٢١٥، "لسان العرب" ٢/ ١٢٥٩ (خمر) وروايته: لذٌّ أصابت.
(٣) نقله عن ابن المظفر في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٩٩.
(٤) نقل عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٩٩ قوله: أبو عبيد عن الكسائي: خمرت العجين وفطرته، وهي الخمرة الذي يجعل في العجين يسميه الناس: الخمير.
(٥) في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٩٩: ثعلب عن ابن الأعرابي.
(٦) رواه البخاري (٣٢٨٠) كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده، ومسلم (٢٠١٣) كتاب الأشربة باب تغطية الإناء في الأشربة باب الأمر بتغطية الإناء وإيكاء السقاء، من حديث جابر بن عبد الله. والتخمير: التغطية.
وقيل: سميت خمرًا؛ لأنها تُغَطَّى حتى تدرك، وقال ابن الأنباري: سميت خَمْرًا؛ لأنها تُخَامِرُ العَقْلَ، أي: تخالِطُه، يقال: خَامَره الداءُ، إذا خَالَطَه، وأنشد لكثير:
هَنِيئًا مَرِيئًا غيرَ داءٍ مُخَامِرٍ (٢)
يقال: خامر السقامُ كبدَه، وخامرت كبدُه السقامَ، تجعل أيهما شئت فاعلًا، قال:
أتَيْت الوَلِيدَ له عَايدًا | وقد خَامَرَ القَلْبُ منه سَقَامَا (٣) |
(٢) عجز البيت: لعزة من أعراضنا ما استحلت.
والبيت في "ديوانه" ص١٠٠، كتاب "العين" ٤/ ٢٦٣، "مقاييس اللغة" ٢/ ٢١٦. "المعجم المفصل" ١/ ٥٤٧.
(٣) البيت لم أهتد إلى قائله، ولا من ذكره.
(٤) في (ش) (وهو).
(٥) في (ي) (خالطه).
(٦) ينظر في مادة خمر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩١، "تهذيب اللغة" ١/ ١١٠١، "المفردات" ص ١٦٥، "عمدة الحفاظ" ١/ ٦١٤، "اللسان" ٢/ ١٢٦١.
قال الزجاج: القياس أن ما عمل عمل الخمر أن يقال لها خمر، وأن يكون (٩) في التحريم بمنزلها (١٠)، لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام، وإنما (١١) ذكر الميسر من بينه وهو قمار في الجُزُر (١٢)، وحُرِّم كلُّه قياسًا على الميسر، وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلته، وكل مُسْكِرٍ مخالط للعقل مُغَطٍّ عليه فهو خمر، ويقال لكل شارب غلبه بخار شرب المسكر،
(٢) ينظر: "مختصر الطحاوي" ص ٢٧٨، "شرح معاني الآثار" ٤/ ٢١٢، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٢٤.
(٣) الحبلة: العنبة.
(٤) في (م): (فغشي).
(٥) ينظر: "الموطأ" في الأشربة، باب: الحد في الخمر ١/ ٨٤٣، "المدونة" ٦/ ٢٦١.
(٦) ينظر. "الأم" ٦/ ١٩٥.
(٧) ينظر: "المغني" ١٢/ ٥١٤، "شرح الزركشي على مختصر الخرقي" ٦/ ٣٧٢.
(٨) ينظر: "التمهيد" ١/ ٢٤٥، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ١٤٩.
(٩) في (ش) (تكون).
(١٠) ابن الأنباري، ذكره الزجاج ١/ ٢٩١.
(١١) في (ش): (وإما).
(١٢) في (م): (الجزد)، وفي (ش): (الجرر)، وفي (ي): (الحرر).
وقوله تعالى: ﴿وَالْمَيْسِرِ﴾ يعني: القمار، قال ابن عباس: كان الرجلُ في الجاهلية يخاطر الرجلَ على أهله وماله، فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله، فأنزل الله هذه الآية (٢). والمَيْسِر عند أهل اللغة: مَفْعِل، من قولهم: يَسَر لي هذا الشيء يَيْسِرُ يَسَرًا ومَيْسِرًا، إذا وجب، والياسر: الواجبُ بقدح وجب ذلك أو مُنَاحبةٍ (٣) أو غير ذلك، هذا أصله، ثم قيل للقمار: ميسر، وللمقامر: ياسر ويسرٌ (٤)، قال:
يَسَرُ الشِّتَاءِ وفَارِسٌ ذو قدمة | في الحَرْبِ أن حَاصَ الجَبَانُ مَحِيصَا (٥) |
(٢) رواه أبو عبيد في " الناسخ والمنسوخ" ص ٢٤٩، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٥٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٩٠، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٦٢٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٧٨، "الدر المنثور" ١/ ٤٥٢.
(٣) في (ش): مناجية. وفي (أ) كأنها: مناخبة، وما أثبت من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٧٨، والمناخبة: المراهنة والمخاطرة كما في النهاية، وأثبت محقق "تفسير الطبري" فتاحة.
(٤) "تفسير الطبري" ٢/ ٣٥٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٧٨، وعنده: الواجب بقداح.
(٥) البيت لم أهتد لقائله، ولا من ذكره.
وهم أيْسَارُ لُقْمَانَ إذا | أغْلَتِ الشَّتْوَةُ أبْدَاءَ الجُزُرْ (١) |
أقولُ لهم بالشِعْبِ إذ يَيْسِرُونني | ألم تيأسوا أني ابنُ (٤) فَارِسِ زَهْدَمِ (٥) |
قال النضر: الياسر: الجزار، ويَسَرْتُ الناقة، أي (٨): جَزَّأْتُ
(٢) نقله في "اللسان" ٨/ ٤٩٥٩ (يسر).
(٣) من قوله: يسر الياسر. ساقط من (أ) و (م).
(٤) في (ش) و (ي): (لي).
(٥) البيت لسحيم بن وثيل اليربوعي، ينظر: "مجاز القرآن"،"اللسان" ٨/ ٤٩٥٩، "تفسير القرطبي" ٣/ ٥٣، ورواية الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٨١ "يسر". أقول لأهل الشعب، ورواية "اللسان": ألم تعلموا. وتيأسوا: تعلموا. وزهدم: اسم فرس.
(٦) ليست في (أ) ولا (م).
(٧) ينظر: "الميسر والقداح" لابن قتيبة ص ٥٦ - ١٥٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٧٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٣٤، "الميسر والأزلام" لعبد السلام هارون ص ١٢ - ٥٤.
(٨) في (ش): (إذا).
والجَاعِلُو القُوتِ على اليَاسِرِ (٢)
يعني: الجازر، وقيل: الميسر من اليُسْر، وهو تَسَهُّلُ الشيء، وذلك أنهم كانوا يشتركون في الجزور لِيَسْهُل أمرُه (٣)، وإلى هذا ذهب مقاتل؛ لأنه قال: (٤) سمي ميسرًا لأنهم كانوا يقولون: يَسِّرُوا لنا ثَمَنَ الجَزُور (٥)، وليست هذه الآية المُحَرِّمَةُ للخمر ﴿وَالْمَيْسِرِ﴾ (٦) إنما المحرمة التي في المائدة (٧).
وقوله تعالى: ﴿قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾ أراد: الإثم بسببهما من المخاصمة والمشاتمة، وقول الفحش والزور، وزوال العقل والمنع من الصلاة، والقمار يورث (٨) الجماعة (٩) العداوة، بأن يصير مال الإنسان إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه (١٠).
(٢) عجز بيت للأعشى، وصدره:
لمطعمون اللحم إذا ما شتوا
ينظر: "ديوانه" ص ٩٥، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٨٠، "لسان العرب" ٨/ ٤٩٥٩ (يسر).
(٣) ينظر في الميسر: "الميسر والقداح" لابن قتيبة، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٨١، "عمدة الحفاظ" ٤/ ٤٠٩، "لسان العرب" ٨/ ٤٩٥٩ (يسر).
(٤) ليست في (ش)
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ١٨٨.
(٦) ليست في (ي).
(٧) تقدم ذلك في ذكر سبب نزول الآية.
(٨) من قوله: الخاصمة. ساقط من (أ) ولا (م).
(٩) ليست في (أ) ولا (م) ولا (ي).
(١٠) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٨٨٩ - ٨٩٠.
لنا من ضُحَاها خُبْثُ نَفْسٍ وكَأبةٌ | وذِكرى هُمُومٍ ما تَغِبُّ أَذَاتُها |
وعند العِشَاءِ طيبِ نَفْسٍ ولَذّةٍ | ومالٍ كثِيرٍ عدة نَشَوَاتُها (٥) |
وقال قتادة: في هذه الآية ذمها ولم (٧) يحِّرْمها، وهي يومئذ حلال (٨).
وذهب قوم من أهل النظر: إلى أن الخمر حرمت بهذه الآية؛ لأن الكتاب قد دل في موضع آخر على تحريم الإثم في قوله: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ﴾ [الأعراف: ٣٣] وقد حرم الإثم، وقال: ﴿فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ﴾، فوجب أن يكون محرمًا (٩).
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦١، وذكره النحاس في "معاني القرآن" ١/ ١٧٤، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩١.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٩٠
(٤) ليست في (أ) ولا (م) ولا (ي).
(٥) البيتان للأعشى بن قيس في قصيدة فخر له، ينظر: "ديوانه" ص ٣١ وفي الأشربة لابن قتيبة ص ١٩٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٣٥٩ "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٩٠.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٩٠.
(٧) في (ي): (فلم).
(٨) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦٣، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٢٤١٤، وفي "الحجة" ٢/ ٣٠٧.
(٩) من "الحجة" ٢/ ٣٠٨.
وقالوا في اللمم: صغيرٌ وصغيرة، ولم يقولوا: قليل، فلو كان (كثير) متجهًا في هذا لوجب (٢) أن يقال في غير الكبيرة (٣): قليل، ألا ترى أن القلة تقابل الكثرة، كما أن الصغر يقابل الكبر. واتفاق القراء على الباء في ﴿وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ﴾، ورفضهم الثاء مما يقوي الباء.
وأما من قرأ بالثاء فلأنه قد جاء فيهما ما يقوي (٤) وصف الإثم فيهما بالكثرة دون الكبر، وهو قوله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ﴾ [المائدة: ٩١] فذكر عددًا من الذنوب فيهما، ولأن (٥) النبي - ﷺ - لعن عَشْرَةً في سبب الخمر (٦)،
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ﴾ نزل في سؤال عمرو بن الجموح، لما نزل قوله: ﴿فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ﴾ [البقرة: ٢١٥] في سؤاله أعاد السؤال وسأل عن مقدار ما ينفق، فنزل قوله: ﴿قُلِ الْعَفْوَ﴾ (٣). قال ابن عباس في رواية مقسم: العفو: ما فضل من المال عن العيال (٤)، وهو قول السدي (٥) وقتادة (٦) وعطاء (٧).
(٢) من "الحجة" ١/ ٣١٢ - ٣١٤ بتصرف.
(٣) ذكر السيوطي في "لباب النقول" ١/ ٤١ أن ابن المنذر أخرج عن أبي حيان أن عمرو ابن الجموح سأل النبي - ﷺ - ماذا ننفق من أموالنا، وأين نضعها؟ فنزلت. وذكره مقاتل بنحوه ١/ ١٨٨ وذكر الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩١ أن رسول الله - ﷺ - حثهم على الصدقة، ورغبهم فيها من غير عزم، فقالوا: يا رسول الله، ماذا ننفق وعلى من نتصدق؟ فنزلت، وعنه نقله ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٤٦، والسيوطي في "لباب النقول" ص ٤٢، وعزاه لابن جرير، وبنحوه عند ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٨١.
(٤) رواه سعيد بن منصور في "سننه" ٣/ ٨٣٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٣، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ١٣٣، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩٤.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٦٤، والثعلبي ٢/ ٨٩٣، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٥٣.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٨٩، والطبري ٢/ ٣٦٤، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٣، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩٣
(٧) رواه سعيد بن منصور ٣/ ٣٣٩، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦٤، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٣، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩٣.
وقال مجاهد: صدقة عن ظهر غنى (٣). وأصل العفو في اللغة: الزيادة، قال الله تعالى: ﴿حَتَّى عَفَوْا﴾ [الأعراف: ٩٥]، أي: زادوا على (ما) (٤) كانوا عليه من العدد (٥).
وقال الشاعر:
ولكنا نُعِضُّ السَّيْفَ منها | بأسْؤُقِ عَافِيَاتِ الشَّحْمِ كُومِ (٦) |
قال أهل التفسير: أُمِروا أن ينفقوا الفَضْل، وكان أهل المكاسب يأخذ الرجل من كسبه ما يكفيه في عامه، وينفق باقيه، إلى أن فرضت الزكاة، فنسخت آيةُ الزكاة المفروضة هذه الآية وكل صدقة أمروا بها قبل نزول الزكاة (٧) (٨).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٤، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ١/ ٦٣١، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩٤.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٦٥ بمعناه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٨٩٤.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ٨٩٦
(٦) القائل: لبيد، ينظر: "ديوانه" ص ١٠٤، "مجاز القرآن" ٠/ ٢٢٢، "تفسير الطبري" ٢/ ٣٦٦ "تفسير الثعلبي" ٢/ ٨٩٦ والضمير في قوله: منها، يعود إلى الإبل، يقال: أعضَّه السيف، إذا ضربه به والباء في (أسوق) زائدة، كُوْم: عظام الأسمنة يقال في البعير: أكوم، والناقة: كوماء.
(٧) من قوله: المفروضة. ساقطة من (ي).
(٨) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٣، وعزاه الثعلبي ٢/ ٨٩٩ للكلبي، و"نواسخ القرآن" لابن الجوزي ص ٢٣٨، واستظهر ابن الجوزي أن لا نسخ في الآية،=
ومن رفع العفو جعل ذا (٤) بعد (ما) بمنزلة الذي، ورد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ما الذي ينفقون؟ فقال: العفو، أي: الذي ينفقون العفو، فيضمن (٥) المبتدأ الذي كان خبرًا في سؤال السائل، كما تقول في جواب ما الذي أنفقته؟ مال زيد، أي: الذي أنفقته مال زيد (٦).
قال أبو إسحاق: ويجوز أن تنصب ﴿الْعَفْوَ﴾ وإن كان (ما) وحدها اسمًا، تحمل (العفوَ) على ينفقون (٧)، كأنه قيل (٨): قل أنفقوا العفو،
(١) قرأ أبو عمرو: ﴿قل العفوُ﴾ رفعا، والباقون نصبًا.
(٢) قوله: بمنزلة ما ينفقون ساقطة من (أ) و (م).
(٣) ساقطة من (ي).
(٤) في (ي): (إذا).
(٥) في (ش): (فيضمر) لحلها هي الصواب.
(٦) من "الحجة" ٢/ ٣١٨ بتصرف.
(٧) في (ي): (ما ينفقون).
(٨) (قيل) ساقطة من (ش).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ أشار إلى ما بين في الإنفاق، كأنه قال: مثل الذي بينه لكم في الإنفاق إذ يقول: (قل العفو) يبين لكم الآيات لتتذكروا (٤) في أمر الدنيا والآخرة، فتعرفوا فضل الآخرة على الدنيا.
وقيل: مثل البيان في الخمر والميسر يبين الله لكم الآيات (٥). وقال: ﴿كَذَلِكَ﴾ وهو يخاطب جماعة؛ لأن الجماعة معناها القبيل، كأنه قال: كذلك أيها القبيل.
وقد أتى القرآن في غير موضع (بذلك) للجماعة، قال الله تعالى: ﴿يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ﴾ ثم قال: ﴿وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾ [الأحزاب: ٣٠] والأصل: (ذلكن) (٦)، إلا أن الجماعة في معنى القبيل، وجائز أن يكون الكاف للنبي - ﷺ -، أي: كذلك أيها النبي يبين الله لكم الآيات؛ لأن خطاب النبي - ﷺ - مشتمل على خطاب أمته، كقوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾ [الطلاق: ١] (٧).
(٢) ذكره الزجاج ١/ ٢٩٣.
(٣) ينظر ما تقدم.
(٤) (لتتفكروا) في (ش)، وفي (ي): (تتفكروا).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٣٦٨ - ٣٦٩، "بحر العلوم" ١/ ٢٠٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٠ - ٩٠١، "الكشاف" ١/ ٢٦٣.
(٦) في (ي) و (ش) و (م): (ولكن).
(٧) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٣ - ٢٩٤ بتصرف، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٠.
وقوله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى﴾ قال الضحاك (٣) والسدي (٤) وابن عباس (٥) في رواية العوفي: كانت العرب في الجاهلية يعظمون شأن اليتيم ويشددون (٦) أمره، فلا يؤاكلونه، وكانوا يتشاءمون (٧) بملابسة أموالهم، فلما جاء الإسلام سألنا (٨) عن ذلك رسول الله - ﷺ -، فأنزل الله هذه الآية.
وقال قتادة والربيع (٩) وابن عباس في رواية سعيد بن جبير
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠١.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٢ بمعناه، وذكره في "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠١، "زاد المسير" ١/ ٢٤٤.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٢ بمعناه، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٢٤٤.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٢ بمعناه، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٠١.
(٦) في (ي): (يسدورن).
(٧) في (أ) و (م) و (ي): (يتشامون).
(٨) في (ي) و (ش): (سألوا).
(٩) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٨٩، والطبري بمعناه ٢/ ٣٧٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٠٢، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٤٥٦ - ٤٥٧ إلى عبد بن حميد وابن الأنباري والنحاس.
﴿وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ﴾ أي: تشاركوهم في أموالهم وتخلطوها بأموالكم، فتصيبوا من أموالهم عوضًا من قيامكم بأمورهم، أو تكافؤهم على ما تصيبون من أموالهم.
والمخالطة: جَمْعٌ يَتَعَذَّرُ معه التمييز، يقال: استَخْلط الفَحْل: إذا
(٢) قول ابن عباس من رواية سعيد رواه أبو داود (٢٨٧١) كتاب الوصايا، باب: مخالطة اليتيم في الطعام، والنسائي ٦/ ٢٥٦ كتاب الوصايا، باب: ما للموصى من مال اليتيم، وأحمد ١/ ٣٢٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٠ - ٣٧١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٥ وغيرهم. وقول ابن عباس من رواية الوالبي (علي بن أبي طلحة) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٣٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧١، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٣٣٠ وغيرهم.
(٣) في (ش): (نفردهما) وفي (ي): (يردهما).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٣.
الرجل: إذا جُنّ، والخلاط (٢): الجنون، لاختلاط الأمور على صاحبه
بزوال عقله (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي: فهم إخوانكم. والإخوان يعين بعضهم بعضًا، ويصيب بعضهم (٤) من مال بعض (٥)، ومثله قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [الأحزاب: ٥].
قال الفراء: ولو نصبته كان صوابًا، يُرِيد: فإخوانَكُم تخالطون (٦)، وانما يرفع من هذا ما حسن فيه هو، فإذا لم يحسن أجريته على ما قبله، فقلت: إن اشتريت طعامًا فَجَيِّدًا، أي: اشْتَرِ جَيدًا، وإن لبستَ ثِيابًا فالبياضَ، تنصب لأن هو (٧) لا يحسن هاهنا، والمعنى هاهنا مخالفٌ للأول، ألا ترى أنك تجد القوم إخوانًا وإن لم تخالطوهم (٨)، ولا تجد كل ما تلبس (٩) بياضًا ولا ما تشتري جيدًا، فإن نويت أن ما ولي شراءه
(٢) في (ي): (المخالط).
(٣) بنظر في خلط "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٨٣، ١٠٨٤، "المفردات" ص١٦١، "عمدة الحفاظ" ١/ ٦٠٠ - ٦٠١، "اللسان" ٢/ ١٢٢٩ - ١٢٣٢ (خلط).
(٤) في (ش): (يصيب بعضهم بعضَا من مال بعض).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٤.
(٦) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٠.
(٧) في (ش): (ها).
(٨) عبارة الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٤٢: ألا ترى أنك تجد القوم إخوانًا وإن جحدوا.
(٩) في (ش): (تلتبس).
قال أبو عبيد: هذه الآية عندي أصل للتناهد (٣) الذي يفعله الرفاق في الأسفار، ألا ترى أنهم يخرجون النفقات بالسوية ويتباينون في قلة المطعم وكثرته، فلما جاء هذا في أموال اليتامى واسعًا كان في غيرهم بحمد الله واسعًا (٤).
وقوله تعالى ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ﴾ أي: المفسد لأموالهم من المصلح لها، فاتقوا الله في مال اليتيم ولا تجعلوا مخالطتكم إياهم ذريعة إلى إفساد (٥) أموالهم وأكلها بغير حق (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ﴾ معنى الإعنات: الحمل على مَشَقَّةٍ لا تُطَاقُ ثَقِلًا، يقال: أعَنتَ فلانٌ فلانًا، أي: أوقعه فيما لا يستطيع الخروج منه، وتَعَنَّتَه تَعَنُّتًا إذا لَبَّسَ عليه في سؤاله له، وعَنَتَ العظمُ المجبورُ، إذا انكسر بعد الجبر، وأصل الحرف من المشقة، أَكَمَةٌ عَنوت: إذا كانت شاقةً كَؤُودًا (٧).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤١ - ١٤٢ بتصرف يسير.
(٣) في (ي): (المشاهد)، وفي (ش): (للمتناهد).
(٤) "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ص ٢٤٠.
(٥) في (ي) و (ش) (فساد).
(٦) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٥.
(٧) ينظر في عنت: "تفسير غريب القرآن" ص ٧٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٤ - ٢٩٥، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٨٥ - ٢٥٨٦، "المفردات" ص ٣٥٢ وقال: المعانتة: كالمعاندة لكن المعانتة أبلغ؛ لأنها معاندة فيها خوف وهلاك، ولهذا يقال: عنت فلان إذا وقع في أمر يخاف منه التلف يعنَت عنتا، وينظر: "عمدة الحفاظ" ٣/ ١٥٦، "لسان العرب" ٥/ ٣١٢٠.
وقال الزجاج: ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم (٣).
وقيل: ولو شاء الله لضيق عليكم وأثمكم في مخالطتهم (٤)، ومعناه التذكير بالنعمة في التوسعة. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ في ملكه ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما أمركم من أمر اليتامى.
٢٢١ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ الآية، قال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب: الوطء، وقيل للتزُّوج: نِكَاح، لأنه سبب الوطء (٥)، يقال: نَكَح المطرُ الأرضَ: إذا اعتمد عليها، ونكح النعاسُ عَيْنَه. حكى ذلك أبو مالك (٦) وأبو زيد (٧).
وقال أبو القاسم الزجاجي: النِّكَاح لفظةٌ جاريةٌ في كلام العرب بمعنى الوطء والعَقْدِ جميعًا، وموضوع (ن ك ح) على هذا الترتيب في كلامهم للزوم الشيء الشيء وإكبابه عليه، من ذلك قولهم: نكحَ المطرُ
(٢) ذكره الرازي في "تفسيره" ٢/ ٥٦.
(٣) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ٢/ ٢٩٤.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٥.
(٥) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٥٩ (نكح)، سبب الوطء المباح.
(٦) هو غزوان الغفاري الكوفي، مشهور بكنيته أبي مالك، ثقة قال ابن حجر من الثالثة. انظر "الجرح والتعديل" ٧/ ٥٥، "التقريب" ص ٤٤٢ (٥٣٥٤).
(٧) حكاه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٥٩ (نكح).
وقال أبو عمرو الشيباني: نكح النعاس عينه، إذا غَلَبَ ولزم، هذا كلام العرب الصحيح فإذا قالوا: نكح الرجلُ فلانةً، ينكِحُها نَكْحُا ونِكَاحُا، أرادوا: تزوج بها، كما قال الأعشى:
فلا تَقَربَنَّ جَارَةً إنَّ سِرَّها | عَلَيْكَ حَرَامٌ فانكِحَنْ أو تَأَبَّدا (٣) |
قال عثمان بن جني (٥) (٦): سألت أبا علي عن قولهم: نَكَح المرأةَ، فقال: فَرَّقَتِ العربُ بالاستعمال فرقًا لطيفًا بين موضع العقد بفحوى الكلام وموضع الوطء حتى لا يلتبس، فإذا قالوا: نكح فلانٌ فلانة أو ابنةَ فلانٍ، أرادوا: أنه تزوجَ وعَقَدَ عليها، وإذا قالوا: نكح امرأته أو زوجَه، لم يريدوا غير المجامعة؛ لأنه إذا ذكر امرأته أو زوجه فقد استغنى عن ذكر العقد ولم
(٢) نقله في "البحر المحيط" ٢/ ١٥٥، ونسبه للتبريزي، فلعله الزجاجي.
(٣) البيت للأعشى في "ديوانه" ص ٤٦، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٥٩ (نكح)، "اللسان" ٨/ ٤٥٣٧ "نكح" وروايتها ولا تقربن.
(٤) في (ي) و (ش) (أي تجنب).
(٥) في (ي) و (ش) (أن حسين).
(٦) هو أبو "الفتح" عثمان بن جني الموصلي النحوي، صاحب التصانيف البديعة في النحو والأدب، سكن بغداد، وتوفي سنة ٣٧٢ هـ. انظر "إنباه الرواة" ٢/ ٢٣٥، "وفيات الأعيان" ٣/ ٢٤٦.
وروى سلم (٢) (٣) عن الفراء أنه قال: العرب تقول: نُكْحُ المرأةِ (بضم النون) بمعنى بضعها، وهو كناية عن الفرج، بُني على بناء القُبُل والدُّبُر، فإذا قالوا: نَكَحَها فمعناه: أصاب نُكْحَها، أي: ذلك الموضعَ منها، وقلّ ما يقال: نَاكَحَها كما يقال: باضعها من البُضْع (٤)، وقد جاء لفظ النِّكاح في الشعر ولا يراد به إلا الوطء، من ذلك قوله:
التارِكِينَ على طُهْرٍ نِسَاءَهُم | والناكحينَ بِشَطَّيْ دِجْلةَ البَقَرَا (٥) (٦) |
(٢) في (م): (مسلم)، وفي (ي): (سالم).
(٣) لعله سلمة بن عاصم النحوي من تلاميذ الفراء.
(٤) الفراء، نقله في "البحر المحيط" ٢/ ١٥٥.
(٥) البيت للربيع بن ضبع الفزاري. ورد البيت في: "عمدة الحفاظ" ٤/ ٢٥١ بلفظ:
النازلين على ظهور متونهم | والناكحين بشاطي دجْلة البقرا |
الباركين على ظهور نسوتهم | والناكحين بشاطي دجلة البقرا |
ومعنى المشركات هاهنا: كل من كفر بالنبي - ﷺ -، وإن قال: إن الله واحد، وذلك أن من كفر بالنبي (٣) - ﷺ - فقد زعم أن ما أتى به النبي - ﷺ - من القرآن (٤) (٥) من عند غير الله، والقرآن إنما هو من عند الله عز وجل، فمن زعم
(٢) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٩٠ وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٠٦، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٧٤، والرازي في "تفسيره" ٦/ ٥٨، والحافظ ابن حجر في "الحجاب" ١/ ٥٥١، والسيوطي في "لباب النقول" ص ٤٢، وغيرهمِ، وقد ورد عن عبد الله بن عمرو قصة مرثد هذه فنزل قول الله: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ [النور: ٣] رواها أبو داود في النكاح، باب: قول الله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ ٢/ ٢٢٧ برقم٢٠٥١، والترمذي (٣١٧٧) كتاب التفسير، باب: ومن سورة النور وقال: حسن غريب، والنسائي ٦/ ٦٦ كتاب النكاح، باب: تزويج الزانية، والحاكم ١/ ١٨٠ وصححه، قال الزيلعي: فظهر أن هذا الحديث ليس في هذه الآية التي في البقرة، إنما هو في الآية التي في النور [تخريج أحاديث "الكشاف"١/ ٢٣٦]، وقال الحافظ في "الكشاف" ١/ ٢٦٤ عن آية البقرة. ونزولها في هذه القصة ليس بصحيح.
(٣) ساقط من (ي).
(٤) ساقط من (ي).
(٥) في (م) (إنه من عند).
وقال قتادة (٦) وسعيد بن جبير (٧): أراد بالمشركات في هذه الآية: مشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه، فعلى قولهما: الآية محكمة
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٥.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٧، والنحاس في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٤، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٤٥٨ إلى ابن المنذر.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) ينظر: "الناسخ والمنسوخ" لأبي عبيد ٨٤، "الناسخ والمنسوخ" للنحاس ٢/ ٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٠٩، "الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه" لمكي ص ١٧١، وقال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ٢٤١: قوله: "ولا تنكحوا المشركات" لفظ عام، خص منه الكتابيات بآية المائدة، وهذا تخصيص لا نسخ، وعلى هذا الفقهاء وهو الصحيح، وينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ٦٧، "النسخ في القرآن الكريم" لمصطفى زيد ٢/ ٦٠٤.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٣٧٧، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٤٥٨ إلى عبد الرزاق وعبد ابن حميد.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٧٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٧.
وقوله تعالى: ﴿وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ﴾ الأمة: المملوكة. ومصدرها: الأمُوَّة، وتأميتُ أَمَةً، أي: اتخَذْتُ أمة، وجمع الأمة: إماء وآم (٤)، قال الشاعر:
يا صاحِبيَّ ألا لا حَيَّ بالوادي | إلا عَبِيدٌ وآمٍ بَيْنَ أذْوادِ (٥) |
وقال الليث: يقال لجمع الأمة: إماء وإمَوَان وثلاث آم، وأنشد:
تَمْشِي بها رُبْدُ (٦) النَّعَام | تَمَاشِيَ الآمِي الزَّوَافِر (٧) (٨) |
(٢) في (م): (ومحكم).
(٣) انظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ٧٠.
(٤) وتجمع أيضا على أَمَوَات، وإِمْوان، وأُمْوان، وأَمَات. ينظر: "اللسان" ١/ ١٢١ (أما).
(٥) القائل: السليك بن السلكة، في "ديوانه" ص ٥١، "لسان العرب" ١/ ١٢١ (أما).
(٦) في (ي): (رند).
(٧) البيت للكميت في "ديوانه" ١/ ٢٣١، "تهذيب اللغة" ١/ ١٩٤، "لسان العرب" ١/ ١٢١ (أما).
(٨) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ١٩٤ (أما).
(٩) ضبطت في الأصل: أمَوَة، وما أثبتناه من "تهذيب اللغة"، "اللسان".
قال السدي: نزلت في عبد الله بن رواحة (٣)، كانت له أمة سوداء فغضب عليها ولطمها، ثم أتى النبي - ﷺ - وأخبره بذلك، فقال له: "وما هي يا عبد الله"، قال: تشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسوله، وتصوم رمضان، وتحسن الوضوء وتصلي، فقال: "هذه مؤمنة"، قال عبد الله: فوالذي بعثك بالحق لأعتقنها ولأتزوجنها، ففعل، وطعن عليه ناس من المسلمين وعرضوا عليه حرة مشركة فأنزل الله هذه الآية (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ أي: المشركة بمالها وجمالها (٥). و (لو) بمعنى (أن) إلا أن (لو) للماضي، و (أن) للمستقبل (٦).
(٢) ينظر في إماء: "تهذيب اللغة"، "البحر المحيط" ٢/ ١٥٥، "اللسان" ١/ ١٢١.
(٣) عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري، شهد العقبة، وهو أحد النقباء، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، وكان من الشعراء، واستشهد بمؤتة، وكان ثالث الأمراء بها في جمادى الأولى سنة ثمان. ينظر: "معرفة الصحابة" ٣/ ١٦٣٨، "الاستيعاب" ٣/ ٣٣.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٧ - ٣٨٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٣٩٨، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٧٥، وينظر: "العجاب" ١/ ٥٥١، "لباب النقول" ٤٢.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩١٠.
(٦) ينظر: "مغني اللبيب" ٣٣٧.
وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ﴾ يعني: المشركين ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾ أي: الأعمال الموجبة للنار (٢).
فإن قيل: أليست الكتابية تدعو أيضًا إلى النار، فلم جاز نكاحها؟
قيل: الوثنية تدعو بما هي عليه إلى التقصير في الجهاد، والكتابية الذمية من جملة من سقط فيهم فرض القتال فلا تدعو إلى التقصير في الجهاد (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ﴾ يقول: إلى التوبة والتوحيد والعمل الموجب للجنة، ﴿وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ أي: بأمره، يعني: أنه بأوامره يدعوكم.
وقيل: إن (٤) هذا مختصر على تقدير: يدعو إلى الجنة والمغفرة ولا هداية إلا بإذنه، كما قال في سورة يونس، فَبَسَطَ ما اخْتُصِر هاهنا، فقال: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [يونس: ٢٥] فدعاء الله الخلق على العموم، وتوفيقه على الخصوص، ويؤيد هذا المعنى: ما روي عن الحسن أنه كان يقرأ: ﴿وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ﴾ رفعاً (٥).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩١٣.
(٣) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٦٥ - ٦٦.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٦١، "التفسير الكبير" ٦/ ٦٦، "البحر المحيط" ٢/ ١٦٦.
وأصل الحيض في اللغة: السيلُ، حاض السيلُ، يقال: وفاض.
وقال الفراء: حَاضَتِ السَّمُرَة تحيض إذا سَالَ منها لَثَاها (٤)، وأنشد
(٢) عزاه السيوطي في "لباب النقول" ص ٤٣ إلى البارودي في الصحابة بسنده عن ابن عباس، ورواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٠ - ٣٨١ عن السدي مختصرا، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٠ عن مقاتل بن حيان، وذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٩١ وعنده: عمرو بن الدحداح، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٧٦ - ٧٧، وابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٥٤، وقال في " التلخيص الحبير" ١/ ١٦٤: وقيل إن السائل هو أبو الدحداح، قاله الواقدي، والصواب ما في الصحيح أن السائل عن ذلك أسيد بن الحضير وعباد بن بشر. اهـ-. يعني ما رواه مسلم (٣٠٢) كتاب الحيض، باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله، عن أنس. وينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ٨٠.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٦.
(٤) قوله: حاضت السمرة: خرج منها الدُّوَدِم، وهو شيء شبه الدم، وإنما ذلك على التشبيه. ينظر: "اللسان" ٢/ ١٠٧١ "حيض".
أجالَت حَصَاهُنَّ الذَّوَارِي وَحَيَّضَتْ (٢) | عَلَيْهِنّ حَيْضَات السُّيولِ الطَّواحِمِ (٣) (٤) |
قال الأزهري: ومن هذا قيل للحوض حوض؛ لأن الماء يحيض إليه، أي: يسيل، والعرب تدخل الواو على الياء، والياء على الواو؛ لأنهما من حَيِّزٍ واحدٍ وهو الهواء (٦).
قال أبو إسحاق: وعند النحويين أن المصدر في هذا الباب المَفْعِل، ولذلك (٧) ذهب قوم إلى أنه المأتى أي: (٨) موضع الحيض، وإنما هو مصدر، والمَفْعِل جيد بالغ، قال الراعي:
بُنِيَتْ (٩) مرافقُهُنّ فوق مَزِلَّةٍ | لا يَسْتَطِيعُ بها القُرَادُ مَقِيْلا (١٠) |
(٢) ساقط من (ش).
(٣) في (م) (الطواحي).
(٤) البيت في "لسان العرب" ٢/ ١٠٧١ "حيض"، ٥/ ٢٦٤٥ "طعم". والذَّوَاري والذاريات: الرياح.
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٦، "اللسان" ٢/ ١٠٧١ "حيض".
(٦) "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٦ "حاض".
(٧) في (ش) (وكذلك).
(٨) ليست في (م) (ساقطة).
(٩) في (م) (وبُنَيَتْ).
(١٠) البيت في "ديوانه" ص ٢٤١، "لسان العرب" ٢/ ٧٥٢، ٣/ ١٨٥٦ "حس-زلل".
قال ابن السِّكِّيت: إذا كان المفعل من ذوات الثلاثة نحو: كَال يَكِيْلُ، وحاض يحيضُ وأشباهه، (فإن) (٣) الاسم منفرد (٤) منه مكسور، والمصدر مفتوح، من ذلك مَال ممالًا وهذا مميلة، يذهب إلى الأسماء، وبالفتح إلى المصدر، ولو فتحتهما (٥) جميعًا أو كسرتهما في المصدر والاسم لجاز. تقول العرب: المَعَاش والمَعِيش، والمَعَابُ والمَعِيبُ، والمَسَار والمَسِيُر. وأنشد:
أنا الرَّجُلُ الذي قد عِبْتُمُوه | وما فيه لِعَيَّابٍ مَعَابُ (٦) |
(٢) ينظر في حيض: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٦، "المفردات" ص ١٤٤، "عمدة الحفاظ" ١/ ٥٤٨، "اللسان" ٢/ ١٠٧٠.
(٣) في (م) (لأن).
(٤) زيادة من (م).
(٥) في (م) و (ي) (فتحهما)
(٦) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٥/ ٣١٨٤ "عيب".
(٧) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٨٩، والدارمي في "السنن" ١/ ٢٥٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨١، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠١.
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠١.
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٢، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠١.
(١٠) رواه الدارمي في "السنن" ١/ ٢٥٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠١.
(١١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩١٩.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية عمد المسلمون إلى النساء الحيض فأخرجوهن من البيوت واعتزلوهن، فإذا اغتسلن ردوهن إلى البيوت، فقدم ناس من الأعراب وشكوا عزل الحيض عنهم، وقالوا: يا رسول الله! البرد شديد والثياب قليلة، فإن آثرناهن بالثياب هلك سائر أهل البيت، وإن آثرنا أهل البيت هلكت الحيض، فقال رسول الله - ﷺ -: "إنما أمرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم يأمركم بإخراجهن من البيوت كفعل الأعاجم" (١) (٢). فوطء الحائض في فرجها حرام (٣).
واعلم أن المرأة إذا حاضت حرم على الزوج جماعها ومباشرتها فيما بين السرة والركبة (٤)، ولم يحرم عليه تقبيلها وما (٥) فوق السرة وتحت الركبة منها (٦)، وكذلك كان يفعل رسول الله - ﷺ -، روت ندبة (٧) عن ميمونة
(٢) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٩١، والسمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ٢٥٠. وبنحوه روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس في "تفسيره" ٢/ ٤٠٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٢٤، وقال الحافظ في "الكشاف" ١/ ٢٦٥: لم أجده.
(٣) بالنص والإجماع. ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٧٢، "تفسير القرطبي" ٣/ ٨٦.
(٤) في (ي): (إلى الركبة).
(٥) في (م): (ولا ما).
(٦) هذا قول أبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي والجمهور، وقال الثوري ومحمد ابن الحسن وداود وبعض أصحاب الشافعي وهو الصحيح من قول الشافعي: يجتنب موضع الدم؛ لقوله - ﷺ -: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح". ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ٧٢، "تفسير القرطبي" ٣/ ٨٧.
(٧) ندبة: ويقال: بُرَيِّة، ويقال: بَدَنة، مولاة ميمونة أم المؤمنين، ذكرها ابن حبان في "الثقات" ٥/ ٤٨٧، وقال: روى عنها الزهري وذكرها الذهبي في النساء =
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ أي: لا تجامعوهن (٣)، يقال: قَرُبَ الرجلُ امرأَتَه: إذا جامعها، قربانًا (٤).
وقوله تعالى ﴿حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ أي: يَتَطَهَّرْنَ، ومعناه: يغتسلن بالماء بعد النَّقَاء من الدم، فأدغمت التاء في الطاء، هذه قراءة أهل الكوفة (٥)، وحُجَّتُهم: أن حكم انقطاع الدم قبل الاغتسال حكم اتصاله؛ لأنها ما لم
(١) رواه البخاري (٣٠٣) كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض، ومسلم (٢٩٤) كتاب الحيض باب مباشرة الحائض فوق الإزار من طريق عبد الله بن شداد عن ميمونة بنحوه. وأخرجه النسائي ١/ ١٥١ - ١٥٢ كتاب الطهارة، باب: مباشرة الحائض، وأبو داود (٢٦٧) كتاب الطهارة، باب: في الرجل يصيب منها ما دون الجماع، والإمام أحمد في "المسند" ٦/ ٣٣٢، ٣٣٥.
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٤٧، "تفسير القرطبي" ٣/ ٨١، "تفسير الرازي" ٦/ ٦٧.
(٣) في (ي) (يجامعوهن).
(٤) "المفردات" ص ٤٠٠ - ٤٠١.
(٥) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص، عن عاصم: يطْهُرن بالتخفيف، وقرأ حمزة والكسائي وشعبة عن عاصم: يَطَّهَّرن مشددة. ينظر: "السبعة" ص ١٨٢، "الحجة" ٢/ ٣٢١.
وأما من قرأ بالتخفيف، فقال أهل اللغة: طَهَرت المرأة، وطهُرت طُهْرًا وطَهَارة، والفتح أقيس؛ لأنها خلاف طَمَثت، فينبغي أن يكون على بناء ما خالفه، مثل: عَطِشَ وَرَوِيَ، ونحو ذلك (٢)، وُيقَوِّيَ طَهَرت أيضًا (٣) قولُهم: طَاهر، وهذا يدل على أنه مثل: قَعَدَ يَقْعُدُ فهو قَاعِد، فقوله: ﴿يَطْهُرْنَ﴾ يحتمل أن يكون المراد حتى يَنْقَطع الدم، ويحتمل أن يكون حتى يفعلن الطهارة التي هي الغسل؛ لأنه إنما يحكم لها بأنها طاهرة إذا اغتسلت، وهذا أولى؛ لما قدمنا أنها في حكم الحيض ما لم تغتسل (٤).
فإن قيل على هذه القراءة: وجب أن يحل الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الاغتسال، لأن التحريم قد تناهى، ودل ﴿حَتَّى﴾ على غاية التحريم؟
قيل: إن في الكلام حذفًا، قد دل عليه ما بعده، وأغنى (٥) عنه، لأن التقدير: ولا تقربوهن حتى يطهرن ويَطَّهَّرن، نحو قول القائل: لا تكلم
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٧، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٢٥ - ٢٢٢٦ (طهر)، "اللسان" ٥/ ٢٧١٢ - ٢٧١٣ (طهر)، قال الزجاج: ويقال: طَهَرت وطَهُرت جميعا، وطَهُرت أكثر.
(٣) ساقطة من (ش).
(٤) من "الحجة" ٢/ ٣٢١ - ٣٢٣ بتصرف.
(٥) في (ي)، (ش) (وأغني).
وعند أبي حنيفة إذا طهرت لعشرة أيام حل وطؤها دون الاغتسال، وان طهرت لما دونها لم يحل وطؤها إلا بإحدى ثلاث: أن تغتسل (٩)، أو
(٢) في (ش) (من الطهارة).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٥٣.
(٤) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي المدني، أحد الفقهاء السبعة، كان ثبتًا عابدًا فاضلًا، وكان يشبه بأبيه في الهدي والسمت، توفي سنة ١٠٦ هـ-. انظر: "التقريب" ص ٢٢٦ (٢١٧٦)، "وفيات الأعيان" ٢/ ٣٤٩ - ٣٥٠.
(٥) هو: أبو أيوب سليمان بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين، كان ثقة عالمًا فقيهًا كثير الحديث، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، توفي سنة ١٠٧هـ-. انظر: "وفيات الأعيان" ٢/ ٣٩٩، "الأعلام" ٣/ ١٣٨.
(٦) هو: القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي، ثقة أحد الفقهاء السبعة بالمدينة، قال أيوب: ما رأيت أفضل منه، توفي سنة ١٠٦هـ انظر "تقريب التهذيب" ص ٤٥١ (٥٤٨٩)، "الأعلام" ٥/ ١٨١.
(٧) في (ي)، (ش): (ابن شباب).
(٨) ينظر في عزو هذه الأقوال إليهم: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٥٢، "الموطأ" باب: ما يحل للرجل من امرأته برقم ٩٦، "الأم" ١/ ٧٦، "سنن البيهقي" ١/ ٣١٠، "الأوسط" لابن المنذر ١/ ٢١٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٢، وابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ١٦٥.
(٩) في (م) و (أ): (يغتسل).
وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوهُنَّ﴾ معناه: فجامعوهن، وهو إذن بعد الحظر، فهو كقوله: ﴿وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا﴾ [المائدة: ٢] ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا﴾ [الجمعة: ٩] (٢).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ﴾ أي: من حيث أمركم الله بتجنبه في الحيض وهو الفرج، قاله مجاهد (٣) وإبراهيم (٤) (٥) وقتادة (٦) وعكرمة (٧).
وقال ابن عباس في رواية الوالبي (٨): يقول: طؤوهن في الفرج ولا تعدوه إلى غيره (٩)، وقال في رواية عطاء: يريد: من حيث يكون النسل (١٠). وقال في رواية العوفي: فأتوهن من الوجه الذي أمركم الله أن تأتوهن
(٢) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٥٤.
(٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ١/ ٣٣٠، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٣٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٧ - ٣٨٨.
(٤) هو: الإمام الحافظ فقيه العراق أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود بن عمرو النخعي اليماني ثم الكوفي، تقدمت ترجمته ٣/ ٣٠٧ [البقرة: ١٢٥].
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٣٢، والدارمي في "السنن" ١/ ٢٥٩، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٨.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٨.
(٧) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ١/ ٩٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٧.
(٨) في (ي): (الكلبي).
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٧، والبيهقي في "سننه"١/ ٣٠٩.
(١٠) تقدم الحديث عن الرواية.
وقال ابن الحنفية: فأتوهن من قبل الحلال دون الفجور (٤).
وقال ابن كيسان: أي: من الجهات التي يحل فيها أن تقرب المرأة، أي: لا تأتوهن صائمات ولا معتكفات ولا محرمات واقربوهن وغشيانهن لكم حلال (٥) وهذا اختيار الزجاج (٦).
وقال الواقدي: (من) هاهنا بمعنى (في) يريد: في حيث أمركم الله وهو الفرج، نظيره قوله: ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ [الأحقاف: ٤] أي: فيها، وقوله: ﴿إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ﴾ [الجمعة: ٩] أي: فيه. (٧)
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ قال عطاء (٨) ومقاتل بن سليمان (٩) والكلبي (١٠): التوابين: من الذنوب، والمتطهرين (١١) بالماء من الأحداث والمحيض والجنابات والنجاسات.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٩.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٢.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٢/ ٢٣٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٨٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٢.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٦، والماوردي في "النكت والعيون" ١/ ٢٨٣.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٧، و"تفسير الرازي" ٦/ ٧٤.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٦. وذكره ولم يعزه في "زاد المسير" ١/ ٢٤٩.
(٨) رواه عنه الطبري "في تفسيره" ٢/ ٣٩٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٣.
(٩) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٥٧.
(١٠) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٦، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٥٩.
(١١) من قوله: قال عطاء. ساقط من (ي).
٢٢٣ - قوله تعالى: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ الآية، قال ابن عباس: جاء عمر - رضي الله عنه - إلى رسول الله - ﷺ -، فقال: يا رسول الله! هلكت. قال: "فما الذي أهلكك؟ " قال: حَوَّلْتُ رَحْلِيَ البارحة، فلم يرد عليه شيئًا، وأوحي إليه: ﴿نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ﴾ (٥).
وقال الحسن (٦) وقتادة (٧) والمقاتلان (٨) والكلبي (٩): تذاكر المسلمون واليهود إتيان (١٠) النساء، فقال المسلمون: إنا نأتيهن باركاتٍ وقائماتٍ
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٩، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٥٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٤٩.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٩، وفي "البحر المحيط" ٢/ ١٦٩.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩١، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٥٩.
(٥) الحديث رواه الترمذي (٢٩٨٠) كتاب التفسير، باب: ومن سورة البقرة وقال: حسن غريب، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٢٥٦، وأحمد ١/ ٢٩٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٥، والبيهقي في "سننه" ٧/ ١٩٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٦٢ وغيرهم.
(٦) رواه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٣٢، والدارمي في "سننه" ١/ ٢٥٧.
(٧) عزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٥٦٠، والسيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٤٦٧ - ٤٦٨ إلى عبد بن حميد، وذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٧١.
(٨) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٢، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧١.
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ٩٧١، والواحدي في "أسباب النزول" ص٨٠.
(١٠) في (أ): (آيتان).
وقال أهل العربية: معناه: ذواتُ حرثٍ لكم، فيهن تحرثون الولد (٤)، فحذف المضاف، وقيل: أراد: كحرثٍ لكم، كقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا﴾ (٥) [الكهف: ٩٦].
أي: كنار (٦)، وكَقَولِ الشاعر:
النَّشْرُ مِسْكٌ والوجوهُ دنا | نير وأطرافُ الأكفِّ عَنَم (٧) (٨) |
(٢) في (م) (للوالد).
(٣) في (م) (ي) (ش) (وحد).
(٤) في (م) زيادة (الولد والفدة وقال الأزهري) حرث الرجل امرأته وأنشد وهو تكرار.
(٥) (حتى) ساقطة من (ي).
(٦) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٦ - ٩٧٧، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٧٠، وذكر وجها ثالثا، قال: ويحتمل أن يكون حرث لكم بمعنى محروثة لكم، فيكون من باب إطلاق المصدر ويراد به اسم المفعول.
(٧) في (ي)، (ش) (غنم).
(٨) البيت للمرقش الأكبر في "ديوانه" ص ٥٨٦، وفيه: وأطراف البنان. "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٧ "تاج العروس" ٧/ ٥٢٤، "لسان العرب" ٧/ ٤٤٢٢ "نشر"، ينظر: "المعجم المفصل في شواهد العربية" ٧/ ٣٠ - ٣١.
إذا أكل الجَرادُ حُرُوثَ قومٍ | فَحَرْثِي هَمُّهُ أَكْلُ الجَرَادِ (٣) |
وقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ﴾ أي: كيف شئتم (٥)، ومن أين شئتم، بعد أن يكون في صمام واحد. ﴿أَنَّى﴾ شِئْتُمْ معناه من أين، يدل عليه الجواب، نحو قوله تعالى: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٣٧] (٦).
وقال الزجاج: أي ايتوا مواضع (٧) حرثكم كيف شئتم مقبلة ومدبرة (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.
(٣) البيت بلا نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٧، لكنه قال: قال المفضل بن سلمة أنشدني أبي "لسان العرب" ٢/ ٨٢٠، "تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، "تاج العروس" ٣/ ١٩٤ [مادة حرث]، "أساس البلاغة"، [مادة: حرث] "البحر المحيط" ١/ ١٧٠. "المعجم المفصل" ٢/ ٣٢٨.
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ١/ ٧٧٥، والكلام فيه منقول عن ابن الأعرابي.
(٥) ساقطة من (أ) و (م).
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٣، "البحر المحيط" ١/ ١٧٠.
(٧) في (ش) و (ي): (موضع).
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.
وقوله تعالى: ﴿لِأَنْفُسِكُمْ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: يريد العمل لله بما يحب ويرضى (٥)، وهو قول السدي (٦)
والكلبي (٧)، واختيار الزجاج؛ لأنه قال: معناه: قدموا طاعته واتباع أمره، فمن اتبع ما أمر الله به فقد قدم لنفسه خيرًا (٨)، يحض على العمل بالواجب الذي أمروا.
وقال بعض المفسرين: يعني: ابتغاء الولد والنسل (٩)، وذلك أن
(٢) في (ش): (كل).
(٣) في (ي): (للنسل).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ٩٧٩ - ١٠٠٠، " المحرر الوجيز" ٢/ ٢٥٦، "التفسير الكبير" ٦/ ٧٦، "تفسير القرطبي" ٣/ ٩٦، "البحر المحيط" ٢/ ١٧٠ - ١٧١.
(٥) تقدم الحديث عن هذه الرواية في المقدمة. وذكره في "زاد المسير" عنه ١/ ٢٥٣ برواية أبى صالح، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٢٩.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٩٩ بمعناه، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٦.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠٦، البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٦٢.
(٨) "معانى القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.
(٩) قال به عكرمة كما رواه ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٥، وقدمه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠١، وينظر: "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٧٧، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ١٨٦.
وقال أصحاب المعاني: معناه: ملاقو جزائه، إن ثوابًا وإن عقابًا. وقال بعضهم ﴿مُلَاقُوهُ﴾ أي: ملاقو ما قدمتم. ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين خافوه (٢) وحَذِرُوا مَعْصيتَهُ.
٢٢٤ - قوله تعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾: قال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رواحة، ينهاه عن قطيعة ختنه على أخته (٣)، بشير بن النعمان (٤)، حلف أن لا يكلمَه، ولا يَدْخُلَ بينه، وبين خصم له (٥)،
(٢) في (م): (يخافوه)، وفي (ي) (خافوا).
(٣) هي عمرة بنت رواحة الأنصارية، وهي امرأة بشير بن سعد والد النعمان. ينظر: "الاستيعاب" ٤/ ٤٤١.
(٤) هو بشير بن سعد بن ثعلبة الخزرجي والد النعمان، شهد العقبة وبدراً والمشاهد كلها، ويقال: إنه أول من بايع من الأنصار أبا بكر يوم السقيفة واستشهد يوم عين التمر مع خالد بن الوليد سنة ١٢هـ. ينظر: "الاستيعاب" ١/ ٢٥٢، وهذا هو زوج أخت عبد الله، وفي "الإصابة" ١/ ١٦٠ ترجمة لبشير بن النعمان بن عبيد، ويقال له مقرن بن أوس بن مالك الأنصاري الأوسي، قال ابن قداح: قتل يوم الحرة وقتل أبوه يوم اليمامة لكنه ليس المقصود والله أعلم. ينظر: "الإصابة" ١/ ١٦٠.
(٥) في (أ) كأنها: ولا يدخل بيته، وعند الثعلبي ٢/ ١٠٠٧: أن لا يدخل عليه ولا يكلمه ولا يصلح بينه وبين خصم له، فلعل في نسخ "البسيط" سقط كلمات، والمعنى صحيح على كل حال.
والعُرضَة عند أهل اللغة: مُشْتَقَّةٌ من أصلين:
أحدهما: وهو الذي عليه الجمهور، أنها مشتقة من (٣) الاعتراض بمعنى المنع، وذلك أن المعترض بين الشيئين مانع من وصول أحدهما إلى الآخر، تقول العرب: هو له دونه عرضة، إذا كان يعترض له دون الوصول إلى ذلك الشيء.
قال الأزهري: والأصل فيه: أن الطريق المسلوك إذا اعترض فيه بناءٌ أو جِذْعٌ أو جَبَلٌ مَنَعَ السَابِلَةَ من سُلُوكه، فوضِعَ الاعتراضُ موضع المنع لهذا المعنى، وكل شيء منعك عن (٤) أمر تريده فقد اعترض عليك وتعرض لك، ومن هذا يقال للمعارض في الكلام: معترض، واعترض عليه في كذا، أي: منع كلامه عن الاستمرار على وجهه (٥).
(٢) ذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ١/ ٢٠٦، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٠٧، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٨٠، وابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٧٦، وعزاه في "زاد المسير" ١/ ٢٥٣، "البحر المحيط" ٢/ ١٧٦ إلى ابن عباس، وقد ذكروا أسبابا أخرى لنزول الآية، فقيل: نزلت في أبي بكر - رضي الله عنه - حين حلف أن لا يصل ابنه عبد الرحمن حتى يسلم، وقيل: نزلت فيه حين حلف لا ينفق على مسطح حين خاض في الإفك.
(٣) في (ي) زيادة وتكرار من أصلين أحدهما: الاعتراض.
(٤) في (ي) و (م): (من).
(٥) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩٤ - ٢٤٠١ مادة "عرض".
قال الحسن (٤) وطاوس (٥) وقتادة (٦): لا تجعلوا اليمين بالله علة مانعة من البر والتقوى، من حيث تتعمدون اليمين تعتلوا (٧) بها.
وقال ابن عباس (٨) ومجاهد (٩) والربيع (١٠): لا تجعلوا (١١) اليمين بالله حجة في المنع، والتقدير: لا تجعلوا الله مانعاً من البر والتقوى باعتراضكم به حالفين.
الأصل الثاني: في اشتقاق العُرْضَة: أنها من الشدة والقوة، تقول العرب: لفلان عُرْضَة يصرع بها الناس، أي: قُوة، ودابة عُرْضَةٌ للسفر، أي: قوية عليه والعرضيّ من النوق والإبل: الذي فيه نشاط وقوة (١٢).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨ - ٢٩٩.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٤٠٠ - ٤٠٢، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٠٧، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٧٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠١١.
(٤) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣٣٠.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٠، وعزاه في الدر ١/ ٤٧٩ إلى عبد الرزاق.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٠.
(٧) في (ي) (لتعلموا).
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠١ بمعناه، وعزاه في "الدر" ١/ ٤٧٩ إلى ابن المنذر. و"ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤٠٧.
(٩) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٠١ - ٤٠٢ بمعناه.
(١٠) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٠٢ بمعناه.
(١١) ليست في (م) ولا (أ).
(١٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٠٩.
واعْرَوْرَتِ العُلُطَ العُرْضِيَّ تَرْكُضُه | أمُّ الفَوارسِ بالدِّيدَاءِ والرَّبَعَه (١) |
وأنشد القطامي:
بِيضُ الهِجَانِ التى كانت تكونُ بها | عُرْضِيّةٌ وهِبَابٌ حينَ يَرْتَحِلُ (٣) (٤) (٥) |
واعرورت العلط العرضي تركضه | أم الفوارس بالدأداء والربعة |
(٢) في (ش) و (ي) (عرضة).
(٣) في (ش) (هبات)، وفي (ي) (ترتحل) وهي كذلك في الديوان.
(٤) البيت في ديوانه ص ٢٣ - ٣٠ ط دار الثقافة، بيروت.
(٥) ينظر في عرض: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩٤ - ٢٤٠٣، "المفردات" ٣٣٢، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٦٦ - ٧٤، "اللسان" ٥/ ٢٨٨٤ - ٢٨٩٦.
وتفسير ابن عباس في رواية عطاء موافق لهذا المعنى؛ لأنه قال: يريد: لا يحلف الرجل في كل حق وباطل، ينبغي له أن ينزه الله عن كثير من الأيمان (٢).
والأيمان: جمع (٣) يمين، وهي القسم، وأصلها: من اليُمْن الذي هو البركة، فاليمين عَقْدُ الأمرِ بما يُتَبَرَّكُ (٤) بذكره (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَن تَبَرُّوا﴾ اختلف أهل المعاني في تقديره، فقال الزجاج: تقديره (٦): لا تعترضوا باليمين بالله في أن تبروا، فسقط (في) ووصل معنى الفعل (٧).
وقال أبو عبيد: معناه: أن لا تبروا، فحذفت لا، كقوله: ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ [النساء: ١٧٦] وكقوله: ﴿رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ﴾ [النحل: ١٥] والمعنى: لئلا تضلوا، أن لا تميد بكم (٨).
وقال أبو العباس: تقديره: لدفع أن تبروا، أو لترك أن تبروا، فحذف المضاف.
(٢) تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي.
(٣) في (ش) (جميع).
(٤) في (م) (يتبرك به بذكره).
(٥) ينظر في اليمين: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٨٤ - ٣٩٨٧، "اللسان" ٨/ ٤٩٦٧ - ٤٩٧١.
(٦) ساقط من (ش).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨.
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠١١.
وهذه التقديرات كلها توافق تفسير العرضة من الاعتراض بمعنى المنع.
وإن جعلنا تفسير العرضة القوة لم يصلح فيه تقدير الزجاج والكسائي.
وقال عطاء: أراد (٤): أن لا تبروا (٥)، وهذا موافق لتفسير الآية عنده، والتقدير: لا تحلفوا بالله إلا أن يكون اليمين لقصد بر أو تقوى أو إصلاح بين الناس، فلكم أن تحلفوا (٦).
فالعرضة على القول الأول بمعنى المعترض، وعلى القول الثاني بمعنى القوة والشدة، وعلى القولين جميعا معنى قوله: لا تجعلوا الله، لا تجعلوا اسم الله، فالله تعالى هاهنا يراد (٧) به التسمية لا الاسم الذي هو بمعنى الذات.
وأما محل (أن) من الإعراب، فقال أبو إسحاق: الاختيار فيه النصب عند جميع النحويين؛ لأنه لما حذف الخافض وصل الفعل، المعنى: لا
(٢) قوله: لا تتخذوا اليمين. ساقط من (أ) و (م) و (ش).
(٣) وقد ذكر النحاس في "إعراب القرآن" ١/ ٣١٢، ومكي في "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٠ أن موضع (أن) خفض على إضمار الخافض، فيكون في أن تبرو.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) ذكره في "زاد المسير" ١/ ٢٥٤.
(٦) تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي.
(٧) في (ي) (يريد).
وحرر بعض أصحابه هذا الفصل فقال: معنى هذا: أنّ (أنْ) لما وُصِل بالفعل احتمل الحذف كما يحتمل (الذي) إذا وصل بالفعل من حذف ضمير المفعول ما لا يحتمله الألف واللام إذا وُصل بالاسم، نحو: الذي ضربت، يريد: ضربته، فأما: الضاربه (٨) أنا زيد، فلا يحسن إلّا بالهاء، وذلك أن
(٢) في (ش): (يمنعنكم).
(٣) في (ش): (تقول).
(٤) في (أ) و (م) و (ش): والمضي، وما أثبته من (ي) موافق لما في "معاني القرآن".
(٥) في (ي) (إذا).
(٦) في "معاني القرآن": على معنى الاستقبال.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٨ - ٢٩٩ بمعناه.
(٨) في (ش) (المضاربة).
بلاَلٌ أنْدَى (٤) العَالَمينَ شَخْصًا | عندي وما بي أن أُسِيءَ الحِرْصا (٥) |
قال: وأما قوله: والنصب في (أن) في هذا الموضع الاختيار عند
(٢) في "الإغفال" ص ٥١١: تقول: جئتك طمعا في الخير، وللطمع في الخير، وزرتك كرامة فلان ولكرامة فلان، فتثبت اللام وتحذف، والمعنى في الحذف مثل المعنى في الإثبات.
(٣) هو بكر بن بقية، تقدمت ترجمته ٣/ ١٦٢، [البقرة: ٩٣].
(٤) في (ش): (أبدى).
(٥) هذان البيتان ليسا في "ديوان رؤبة" قال محقق "الإغفال": ولم أوفق في العثور عليهما. "الإغفال" ص ٥١٢.
أطال أبو علي الكلام في هذه المسألة على أبي إسحاق في الإنكار عليه، وقد اختصرته هاهنا (١).
قال أبو إسحاق: ويجوز أن يكون موضع (أن) رفعًا بالابتداء، وخبره محذوف تقديره: أن تبروا وتتقوا وتصلحوا أولى، أي: البر والتقى أولى، ويكون (أولى) محذوفًا، كقوله: ﴿وطَاعَةٌ وَقَول مَّعْرُوفٌ﴾ [محمد: ٢١] أي: طاعة وقول معروف (٢) أمثل. قال: ومذهب النحويين فيه الجر والنصب، ولا أعلم أحدًا منهم ذكر هذا المذهب (٣).
وهذا الذي ذكره أبو إسحاق من رفع (أن) تقدير (٤) زائد على ما ذكرنا من التقديرات في (أن)، لأن الكلام على هذا يصير مستأنفًا لا تعلق له بما قبله، والتقديرات السابقة توجب (٥) التعلق بما سبق (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ يسمع (٧) أيمانكم ويعلم ما تقصدون بها.
(٢) زيادة من (ي).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٠.
(٤) في (ش) (تقديره).
(٥) في (ش) (يوجب).
(٦) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١١ - ٣١٢، "مشكل إعراب القرآن" لمكي ١/ ١٣٠، "التبيان" ص١٣٥، "البحر المحيط" ٢/ ١٧٧، وقد ضعف الوجه الأخير فقال: لأن فيه اقتطاع (أن تبروا) مما قبله، والظاهر هو اتصاله به، ولأن فيه حذفا لا دليل عليه.
(٧) ساقطة من (ي).
قال العجاج:
ورُبَّ أسْرَابٍ حَجِيجٍ كُظّمِ | عن اللَّغَا ورَفَثِ التَّكَلُّمِ (٣) |
ويُطْرَحُ بينها المَرْئِيُّ لَغْوًا | كما أَلْغَيْتَ في المائةِ الحُوَارَا (٤) |
(٢) قال الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٢٩٩: ويقال: لغوت ألْغُو لغوًا، ولغوْت أَلْغَى لغوًا، مثل محوت أمحو محوا وأمحى، ويقال: لغيت في الكلام ألغَى لغىً إذا أتيت بلغو.
(٣) سبق تخريجه ٣/ ٦٠٥.
(٤) ورد البيت هكذا:
ويَهْلِكُ بينها المَرْئِيُّ فيها | كما أَلْغَيْتْ في الديةِ الحُوَارا |
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٧٥ مادة "لغو"، وبعض الكلام لغيره.
(٦) سقطت من (م) و (أ).
(٧) رواه البخاري (٩٣٤) كتاب: الجمعة، باب. الإنصات يوم الجمعة والإمام يخطب، ومسلم (٨٥١) الجمعة، باب: الإنصات يوم الجمعة في الخطبة.
قال ابن الأنباري: اللغو عند العرب: ما يُطْرح من الكلام (١) استغناءً عنه ولا يفتقر إليه، قال الكميت:
وبعد ذلك (٢) أيَّامٌ (٣) سَنَذْكُرها | لم تنس لغوًا ولم تقدم على عمد (٤) |
باكرتُهُم بِسَبَا جَوْنٍ ذَارعٍ (٥) | قبل الصَّبَاحِ، وقَبْلَ لَغْوِ الطَّائرِ (٦) |
(٢) في (م): (ذاك).
(٣) في (ي): (أيامَا).
(٤) في (م): (أمر) والبيت لم أهتد إلى من ذكره.
(٥) في (ش) (دارع)، وفي (ي) (دراع).
(٦) البيت لثعلبة بن صعير المازني في "لسان العرب" ٣/ ١٤٩٨ مادة: ذرع، و ٧/ ٤٠٥١ مادة: لغا. وروايته: بساء.
(٧) في (م) و (ش) (الذراع)، وفي (ي) (الدراع).
(٨) (الكثير) ساقطة من (ي).
(٩) في (ش) (أو).
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٩.
(١١) ينظر لغا: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٩، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٢٧٥ - ٣٢٧٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠١٦، "المفردات" ص ٤٥٥، "عمدة الحفاظ" ٤/ ٣٣ =
(١) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٠٦ بمعناه، وذكره النحاس في "معاني القرآن" ١/ ١٨٨، والثعلبي ٢/ ١٠٢١.
(٢) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٠٤، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٠٨
(٣) رواه عنه سعيد بن منصور ٤/ ١٥٢٨، والطبري ٢/ ٤٠٥، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٠٨.
(٤) حديث عائشة بهذا اللفظ موقوفًا عليها، رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤١١ - ٤١٢، وبنحوه عند عبد الرزاق في "المصنف" ٨/ ٤٧٤، وأصله رواه البخاري (٦٦٦٣) كتاب: الأيمان، باب: لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، ومالك في "الموطأ" ٢/ ٤٧٧، والشافعي في "الأم" ٧/ ٢٥٧، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٤٤٤ رقم ١٦٩، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٦، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤٠٨ وغيرهم موقوفا عليها. ورواه أبو داود مرفوعا (٣٢٥٤) كتاب: الأيمان، باب: لغو اليمين، والطبري ٢/ ٤٠٥، وابن حبان في "صحيحه" ١٠/ ١٧٦ وغيرهم، قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير ٤/ ١٦٧: وصحح الدارقطني الوقف.
(٥) هو حماد بن أبي سليمان بن مسلم أبو إسماعيل الكوفي الأصبهاني، كان علامة إماما فقيه العراق، تفقه على إبراهيم النخعي فكان أنبل أصحابه وأفقههم، روى عنه تلميذه أبو حنيفة والأعمى وخلق كثير، توفي سنة ١٢٠هـ. ينظر "السير" ٥/ ٢٣١ - ٢٣٨، "الجرح والتعديل" ٣/ ١٤٦.
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٤/ ٤٤٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٣٠.
ولسْتَ بمأخُوذٍ بلَغْوٍ تَقُولُه | إذا لم تَعَمَّد عاقِداتِ العَزَائمِ (٤) |
(٢) في (ي) و (ش). (كلا).
(٣) أخرجه الطبراني في: "المعجم الصغير" عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ٢/ ٢٧١ حديث رقم ١١٥١. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ١٨٨: ورجاله ثقات إلا أن شيخ الطبراني يوسف بن يعقوب لم أجد من وثقهُ ولا جرحه، ورواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤١٢ عن الحسن قال ابن كثير: وهذا مرسل حسن عن الحسن، وقال الحافظ في "الفتح" ١١/ ٥٤٧: وهذا لا يثبت؛ لأنهم كانوا لا يعتمدون مراسيل الحسن، لأنه كان يأخذ عن كل أحد.
(٤) البيت للفرزدق في "ديوانه" ٢/ ٣٠٧، وانظره في "طبقات فحول الشعراء" ٢/ ٣٣٦، "الدر المصون" ٢/ ٤٣٠، "والأغاني" ١٩/ ١٤، "المفردات" ص ٥٢، "وضح البرهان" للغزنوي ١/ ٢٠٧.
(٥) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٠٦، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٠٨.
(٦) رواه في "تفسير مجاهد" ١/ ١٠٧، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٧.
وقال ابن عباس (١٢) في رواية عكرمة ومسروق (١٣): اليمين الملغاة هي التي يحلف بها الحالف على أمر متى أمضاه وفعله كان معصية لله عز وجل، فهي ملغاة، إذ كان الواجب أن لا يستعمل ما حلف عليه.
(٢) رواه عنه سعيد بن منصور في "سننه" ٤/ ١٥٢٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٧.
(٣) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٢٢، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٨، ضمن أهل القول الأول.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٨، وعزاه في الدر ١/ ٤٨١ بمعناه إلى عبد بن حميد وأبي الشيخ.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٩.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٠٩.
(٧) رواه سعيد بن منصور ٤/ ١٥٣٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٩، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤١٠.
(٨) في (م) (رستم) وفي (ي) (وسم).
(٩) وسيم أو الوسيم، قال البخاري وابن أبي حاتم وابن حبان في "الثقات": يروي عن طاوس عن ابن عباس، روى عه عطاء بن السائب، ولم يذكروا غيره. ينظر "التاريخ الكبير" ٨/ ١٨١، "الجرح والتعديل" ٩/ ٤٦.
(١٠) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٢٤، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ١٧٩.
(١١) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٠٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٢٤.
(١٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤١١، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٢٦.
(١٣) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٨/ ٤٦٢، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤١١.
وروت عمرة (٤) عن عائشة قالت: قال رسول الله - ﷺ -: "من حلف على قطيعة رحم أو معصية، فبره أن يحنث فيها ويرجع عن يمينه" (٥).
وبه قال سعيد بن جُبير إلا أنه قال: يحنث ويكفِّر، ولا يؤاخذه الله بالحِنث (٦).
وقال الضحاك: هو اليمين المُكفَّرة (٧)، سُميت لغوًا لأن الكفارة تُسقط منه الإثم، تقدير الآية: لا يؤاخذكم الله بالإثم في اليمين إذا كفرتم، وهذا اختيار الزجاج، قال: المعنى: لا يؤاخذكم الله بالإثم في (٨) الحلف
(٢) هو عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص، من رجال الحديث، قال ابن حجر: صدوق، سكن مكة وتوفي بالطائف سنة ١١٨ هـ. انظر "تقريب التهذيب" ص ٤٢٣ (٥٠٥٠)، "الأعلام" ٥/ ٧٩.
(٣) أخرجه أبو داود رقم (٢١٩٠) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق قبل النكاح.
(٤) هي: عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية، تابعية روت عن عائشة توفيت سنة ١٠٣ هـ. انظر "التقريب" ٧٥٠ (٨٦٤٣) "البداية والنهاية" ١١/ ٣٣٩، ٥٠٣.
(٥) أخرجه ابن ماجه (٢١١٠) كتاب: الكفارات، باب: من قال كفارتها تركها.
(٦) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٨/ ٣٧٥، والطبري ٢/ ٤١١.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤١٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٣٢.
(٨) من قوله: في اليمين. ساقطة من (أ) و (م).
أعلم الله عز وجل أن الإثم إنما هو في الإقامة على ترك البر والتقى، وأن اليمين إذا كفرت فالذنب فيها مغفور.
وجملة اليمين على مذهب الشافعي، رحمه الله: قِسْمٌ على الماضي (٣) نفيًا أو إثباتًا مثل أن تقول: والله لقد كان كذا، أو لم يكن كذا. فإن كذب في يمينه متعمدًا فهذه الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم، وفيها (٤) الكفارة، وإذا (٥) لم يتعمد واستبان الكذب فلا كفارة.
القسم الثاني: اليمين (٦) على المستقبل نفيًا أو إثباتًا، مثل: والله لأفعلن، أو والله لا أفعل، فإن حَنِثَ لزمته الكفارة، وحالة الرضا والغضب سواء (٧).
وقوله تعالى: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ أي: عزمتم وقصدتم، لأن كسب القلب العقد والنية (٨).
وقال الزجاج: أي: بعزمكم على أن لا تبروا وأن لا تتقوا، وأن
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٩٩.
(٣) في (ي): (المعاصي).
(٤) في (م) و (أ): (فيها).
(٥) في (ي) و (ش): (فإن).
(٦) ساقطة من (ي).
(٧) ينظر: "الأم" ٧/ ٦٤، "والسنن الكبرى للبيهقي" ١٠/ ٣٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٣٣، "الإشراف على مذاهب أهل العلم" لابن المنذر ١/ ٤٢٢، "اختلاف العلماء" للمروزي ٢١٢.
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٣٢.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ معنى الحِلْم في كلام العرب: الأَنَاةُ والسُكُون، والعَرب تقول: ضَعِ الهَوْدَجَ على أحْلَمِ الجِمال، أي: على أَشَدِّها تَؤُدَةً في السير. ومنه الحُلُم؛ لأنه يُرَى في حال السكون، وحَلَمَةُ الثدي لأنها تُحَلِّم المرتَضِعَ، أي: تُسَكِّنُه، والحَلَمَةُ: القُراد، مُشَبَّهَةً بِحَلَمَةِ الثَّدْي (٢)، ومعنى الحليم في صفة الله: الذي لا يَعْجَل بالعقوبة، بل يؤخر عقوبة الكافرين والعُصَاة (٣).
٢٢٦ - قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ قال سعيد بن المسيب: كان الرجل لا يريد المرأة، ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبدًا، فكان يتركها بذلك لا أَيَّمًا ولا ذاتَ بعلٍ، يُضَارُّها، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية وفي الإسلام، فجعل الله تعالى الأجل الذي يُعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر (٤).
(٢) "تهذيب اللغة" ١/ ٩٠٨، "المفردات" ص ١٣٦، "عمدة الحفاظ" ١/ ٥١٦ - ٥١٨، "اللسان" ٢/ ٩٧٩ - ٩٨٢. قال الراغب: الحلم: ضبط النفس والطبع عن هيجان الغضب، وجمعه أحلام، قال الله تعالى: ﴿أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُمْ﴾ [الطور: ٣٢] قبل معناه: عقولهم، وليس الحلم في الحقيقة هو العقل، لكن فسروه بذلك لكونه من مسببات العقل.
(٣) قال السمين الحلبي في عمدة الحفاظ ١/ ٥١٦: الحلم: أصله ضبط عن هيجان الغضب، وإذا ورد في صفات الله فمعناه: الذي لا يستفزه عصيان العصاة، ولا يستخفه الغضب عليهم.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٣٨، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٨٠، ٨١، وابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٧٩. وذكره بنصه بلا نسبة الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٠٠ - ٣٠١، وروى سعيد بن منصور ٢/ ٥١ [ط. حبيب الرحمن] والطبراني =
فآليْتُ آسَى عَلَى هَالِكِ | وأسْألُ نَائِحَةً مَالَهَا (١) |
تالى ابنُ أوسٍ حَلْفةً ليَرُدَّني | إلى نِسوَةٍ كأنَّهُنَّ مقائد (٣) |
(١) البيت للخنساء في رثاء أخيها صخر، ينظر ديوانها ص١٢٠. تقول: لا أبكي على هالك بعده فقد شغلني عن غيره.
(٢) هو زيد بن حصين بن ضرار الضبي، فارس شاعر جاهلي، أورد البغدادي قليلًا من أخباره وأبياتاً له، واختار أبو تمام في "الحماسة" أبياتاً أخرى من شعره. ينظر "خزانة الأدب" للبغدادي ١/ ٥١٦، ٥١٧، "الأعلام" ٣/ ٥٨.
(٣) البيت ذكره في "الدر المصون" ٨/ ٣٩٤.
(٤) قرأ أبو جعفر: (يتأل) بهمزة مفتوحة بين التاء واللام مع تشديد اللام مفتوحة، وهي قراءة عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة مولاه، وزيد بن أسلم، وقرأ الباقون بهمزة ساكنة بين الياء والتاء وكسر اللام خفيفة، قال في النشر ٢/ ٣٣١: وذكر الإمام المحقق أبو محمد إسماعيل بن إبراهيم القراب، في كتابه: "علل القراءات": أنه كتب في المصاحف (يتل) قال: فلذلك ساغ الاختلاف فيه على الوجهين. ينظر النشر٢/ ٣٣١، و"البدور الزاهرة" ص٢٧١.
(٥) ساقطة من (ش) و (ي).
(٦) ساقطة من (ي).
قال كثيّر:
قَلِيلُ الأَلايَا حَافِظٌ ليمينه | فإن سَبَقَتْ منه الأَلِيَّةُ بَرَّتِ (٢) |
و (مِنْ) في (٥) قوله: ﴿مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ عند بعضهم من صلة التربص، كأنه قيل: للذين يؤلون تربص أربعة أشهر من نسائهم، أي: يتربصون عنهن هذه المدة.
وحكى ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة أن (من) هاهنا بمعنى على، وحروف الصفات متعاقبة، والتقدير عنده: للذين يحلفون على وطء أو في
(٢) البيت لكثير عزة في "ديوانه" ٢/ ٢٢٠. وفي "البحر المحيط" ٢/ ١٧٦، "التفسير الكبير" ٦/ ٨٦، وذكره في "اللسان" ١/ ١١٧ بغير نسبة قال: ورواه ابن خالويه: قليل الإلاء. وفيه: وإن سبقت.
(٣) في (ي) و (ش) (تحقق).
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٤٠.
(٥) ساقطة من (ي).
والتربص: التَّلَبُّثُ والانتظار، تَرَبَّصْتُ بالشيء تَرَبُّصًا، ويقال: ما لي على هذا الأمر رُبْصَةٌ، أي: تلبث (٢).
وإضافة التربص إلى الأربعة أشهر أضافة المصدر، كقولك: بينهما مسيرة يوم، أو مسيرة في يوم، ومثله كثير.
وأما تفسير الإيلاء الشرعي وحكمه، فكل (٣) يمين يحلفها الرجل ويصير بها ممتنعًا من جماع امرأته أكثر من أربعة أشهرٍ فهو إيلاء، وما كان دون أربعة أشهر فليس بإيلاء. وإن حلف على أربعة أشهر، فقد اختلف الصحابة فيه، فذهب الأكثرون إلى أنه غير مُوْلي، وذهب ابن عباس إلى أنه مُولٍ. (٤)
(٢) ينظر في تربص: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٤٤ مادة "ربص"، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٤١، "المفردات" ١٩٢، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٦٨.
(٣) في (ي) و (ش) (وكل).
(٤) ينظر: "مختصر الطحاوي" ص ٢٠٨، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٦٠.
ثم إن جامع قبل مضي أربعة أشهر لزمته (٢) الكفارة عند عامّة الفقهاء والنكاح ثابت، وذهب الحسن (٣) (٤) وقتادة (٥) إلى أنه لا كفارة عليه، لقوله: ﴿فَإِن فَاَءُو فَإِنَّ اَللهَ غَفُوُرٌ﴾ رَحِيمٌ، وإن لم يجامع حتى انقضت أربعة أشهر بانت منه بتطليقة عند أبي حنيفة (٦)، ولا رجعة له، وهو قول ابن مسعود (٧) وزيد بن ثابت (٨) وقتادة (٩) والكلبي (١٠).
وعند الشافعي (١١): أنه إذا مضت أربعة أشهر والرجل ممتنع، فإن عفت المرأة ولم تطلب حقها من الجماع فلا شيء على الرجل، ولا يقع طلاق، وهما على النكاح ما أقامت على ذلك، وإن طلبت حقها وقف
(٢) في (م): (لزمه).
(٣) في (ي): (أبو الحسن).
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٢٦.
(٥) المصدر السابق.
(٦) ينظر: "مختصر الطحاوي" ص ٢٠٨، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٦٠.
(٧) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٤٥٤، وسعيد بن منصور ٢/ ٥١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٢٨.
(٨) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٤٥٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٢٨.
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٢٨.
(١٠) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٤٣.
(١١) ينظر: "الأم" ٥/ ٢٨٧، و"الرسالة" ص ٥٧٦.
وهذا قول عُمَر (١)، وعثمان (٢)، وعلي (٣)، وأبي الدرداء (٤) وابن عُمر (٥) وعائشة (٦)، ومذهب مالك (٧).
وأبي ثور (٨) (٩) وأبي عبيد (١٠) وأحمد (١١) وإسحاق (١٢) وعامة أهل الحديث.
(٢) رواه البخاري (٥٢٩١) كتاب: الطلاق، باب: قول الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ﴾ معلقا على قول عثمان، ورواه الشافعي في "الأم" ٥/ ٢٨٢ موصولا، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٣.
(٣) رواه البخاري في الموضع السابق معلقا؛ ورواه موصولا: الشافعي في الأم ٥/ ٢٨٢، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٤.
(٤) رواه البخاري في الموضع السابق معلقا، ورواه موصولا عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٤٥٧، والطبري ٢/ ٤٣٤.
(٥) رواه البخاري في الموضع السابق، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٤.
(٦) رواه البخاري في الموضع السابق معلقا، ورواه موصولا الشافعي في الأم ٥/ ٢٨٢، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٣٤٣.
(٧) ينظر "الموطأ" ٢/ ٥٥٦، "والكافي" لابن عبد البر ٢/ ٥٩٩.
(٨) هو: إبراهيم بن خالد أبو ثور الكلبي البغدادي، الفقيه مفتي العراق، أحد الحفاظ المجتهدين، حجة رغم جرح أبي حاتم الخفيف بسبب أخذه بالرأي، توفي سنة ٢٤٠ هـ. ينظر "الجرح والتعديل" ٢/ ٣٧٢، "تاريخ بغداد" ٦/ ٦٥، و"السير" ١٢/ ٧٢.
(٩) ينظر: "اختلاف العلماء" للمروزي ص ١٨٣، و"الإشراف" لابن المنذر ١/ ٢٢٨.
(١٠) ينظر المرجعين السابقين.
(١١) ينظر: مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله ٣/ ١١١٩.
(١٢) "سنن الترمذي" (١٢٠١) كتاب: الطلاق واللعان، باب: ما جاء في الايلاء، والإشراف ١/ ٢٢٨.
وقال قوم: الفيء باللسان، وهو مذهب النخعي (٨)، وإن كان عاجزًا عن الجماع بمرض أو غيبة فاء بلسانه، وأشهد عليه.
وقد ذكرنا أنه إذا فاء لزمته الكفّارة إلا عندَ الحسن وقتادة (٩)، لقوله: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ والذين يوجبون الكفارة يقولون: هذا في إسقاط العقوبة لا في الكفارة (١٠).
(٢) في (ش): (فُؤَرًا).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٥ بمعناه
(٤) في (أ) و (م): (المرأة).
(٥) ينظر في معنى الفيء: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧١١، "المفردات" ص ٣٩٠، وقال: الفيء والفيئة: الرجوع إلى حالة محمودة، "اللسان" ٦/ ٣٤٩٥، وذكر الأزهري: أن الفيء في القرآن على ثلاثة معان، مرجعها إلى أصل واحد هو الرجوع، ثم ذكر أولها وهي الفيء في هذه الآية، والثاني: قوله تعالى: ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ﴾ [النحل: ٤٨]، فالفيء الظل بعد العشي، والثالث: قوله: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ [الحشر: ٧]، فالفي: ما رد الله تعالى على أهل دينه من أموال من خالف أهل دينه بلا قتال.
(٦) في (م): (تغيب).
(٧) ينظر: "الإشراف" ١/ ٢٨٨، "والأم" ٥/ ٢٨٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٤٧.
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٢٣، وعبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٤٦٢.
(٩) سبق تخريجه عنهما.
(١٠) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٠٤٧.
والطلاقُ: مصدرُ طَلُقتِ المرأةُ تطلُق طَلاقًا (٤)، وقال الليث: طَلُقَتِ المرأة، بضم اللام، تَطْلُق طلاقًا، وقال ابن الأعرابي: طَلُقَتْ من الطلاق أجود، وطَلَقَتْ بفتح اللام جائز (٥) (٦).
ومعنى الطلاق: هو حل عقد النكاح بما يكون حلًّا في الشرع، وأصله من الانطلاق وهو الذهاب، والطَّلاق: انطلاق المرأة، والأولى (٧) أن يكون الطلاق هاهنا اسمًا من التطليق، كالسراح اسم من التسريح يوضع موضع المصدر، لأن المراد هاهنا التطليق (٨).
وهذه الآية دليل على أنها لا (٩) تَطْلقُ بعد مضي الأربعة أشهر ما لم
(٢) ينظر في عزم: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٢٥، "المفردات" ٣٣٧، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٨٦، "اللسان" ٥/ ٢٩٣٢ - ٢٩٣٣.
(٣) ينظر عزم "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٢، "والمفرادت" ٣٣٧، "وعمدة الحفاظ" ٣/ ٨٦ واللسان ١٢/ ٣٩٨ - ٤٠١.
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٠٩ مادة "طلق".
(٥) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٠٩، وتتمة كلامه: ومن الطلق طُلقت، وكلهم يقول: امرأة طالق بغير هاء.
(٦) ينظر في طلق: "تهذيب اللغة" ٢٢٠٩ - ٢٢١٢، "المفردات" ص ٣٠٩، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٤٧٦ - ٤٧٧، "اللسان" ٤/ ٢٦٩٢ - ٢٦٩٦.
(٧) ساقطة من (ي).
(٨) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٩٢.
(٩) ساقطة من (ي).
فإن قيل: العزم عزم القلب لا لفظ اللسان، فإلى أي شيء يرجع السماع؟ قلنا: الرجل يعزم بقلبه ثم يطلق بلسانه، وقد ذكر الله العزم والمراد منه إنشاء اللفظ وهو قوله: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥]. وما نهى عن النية؛ لأن التعريض بالخطبة مباح في عدة الوفاة والتعريض بالخطبة يتضمن القصد بالقلب وزيادة، وإنما حرم إنشاء عقد النكاح قبل أن يبلغ الكتاب أجله (٤).
٢٢٨ - قوله تعالى: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ﴾ الآية. المطلقات: المُخَلَّيات من حبال الأزواج (٥) (٦)، أراد المطلقات المدخول بهن البالغات غير الحوامل؛ لأن في الآية بيان عدتهن.
وذكرنا معنى التربص. ومعنى الآية: أنهن ينتظرن بِأَنفُسِهِنَّ (٧) انقضاء ثلاثة قروء أو مضي ثلاثة قروء (٨) ولا يتزوَّجن، لفظه خبر ومعناه الأمر، كقوله: ﴿يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٣]، ومثله كثير (٩).
(٢) الواو: ساقطة من (ي).
(٣) في (ي) (الذي هو).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٤٨، "تفسير الرازي" ٦/ ٨٩ - ٩٠.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٥٠.
(٦) ساقطة من (ي).
(٧) ساقطة من (ي).
(٨) زيادة من (ي).
(٩) ينظر: "الكشاف" "التبيان" ص ١٣٦، "البحر المحيط" ١/ ١٨٥.
وقال غيره: معناه (١): يتربصن في حكم الله الذي أوجبه، فحذف للدلالة عليه (٢).
وقيل: أراد: ليتربصن، فحذف اللام (٣).
والقُرُوْءُ: جمع قُرْءٍ (٤)، وجمعه القليل أَقرء، والكثير: أَقْراء وقروء (٥). وهذا الحرف من الأضداد يقال للحِيَض: قُرُوءٌ، وللأَطهارِ: قُروء، والعَربُ تقول: أَقْرَأتِ المرأةُ. في الأمرين جميعًا. وعلى هذا يونس (٦) وأبو عمرو بن العلاء (٧) (٨) وأبو عبيد أنها من الأضداد (٩) (١٠)، وهي في لغة
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٨٥.
(٣) ينظر: "التبيان" ص ١٣٦، "البحر المحيط" ٢/ ١٨٥، واستبعد هذا القول جدا.
(٤) في (ش) (قرؤ).
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٥١، قال في "اللسان" ٦/ ٣٥٦٤ مادة "قرأ": والجمع أقراء، وقروء على فُعول، وأقرؤ، الأخيرة عن اللحياني في أدنى العدد، ولم يعرف سيبويه أقراءً ولا أقرؤًا، قال: استغنوا عنه بفعول.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤.
(٧) هو: زبان بن العلاء بن عمار التميمي البصري، أحد القراء السبعة المشهورين، كان إماما في التفسير والعربية، توفي سنة ١٥٤هـ. ينظر معرفة القراء الكبار ١/ ١٠٠، "الأعلام" ٣/ ٤١.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤.
(٩) من قوله: يقال للحيض.. ساقط من (ي).
(١٠) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٣ مادة: (قرأ).
أما في استعمال العرب فقد أنشد الأئمة حجة للحيض قول الراجز:
له قُرُوءٌ كَقُروء الحائضِ (٤).
وأنشدوا حجةً للطُّهْر قول الأعشى:
ما ضَاعَ فيها من قُرُوءِ نِسَائِكَا (٥)
والذي ضاع الأطهار لا الحيض؛ لأنه خرج إلى الغزو فلم يغش نساءه.
وأما في الشرع فقال (٦) النبي - ﷺ - في المستحاضة "تنتظر (٧) أيام أقرائها
(٢) قال الراغب ص ٣٩٩ - ٤٠٠: والقرء في الحقيقة اسم للدخول في الحيض عن طهر، ولما كان اسما جامعا للأمرين الطهر والحيض المتعقب له أطلق على كل واحد منهما؛ لأن كل اسم موضوع لمعنيين معا يطلق على كل واحد منهما إذا انفرد كالمائدة للخوان وللطعام، ثم قد يسمى كل واحد بانفراده به، وليس القرء اسما للطهر مجردا ولا للحيض مجردا بدلالة أن الطاهر التي لم تر أثر الدم لا يقال لها ذات قرء، وكذا الحائض التي استمِر بها الدم والنفساء لا يقال لها ذلك.
(٣) ينظر في القرء: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٤ - ١٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٢ - ٣٠٤، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٤ مادة (قرأ)، "المفردات" ص ٣٩٩ - ٤٠٠، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠، "اللسان" ٦/ ٣٥٦٤ - ٣٥٦٥ مادة (قرأ).
(٤) ذكره الزجاج بقوله: وأنشدوا في القرء والحيض، ينظر "معاني القرآن" ١/ ٣٠٣.
(٥) مطلع البيت: مورِّثةً مالا وفي الأصل رفعة
البيت في "ديوان الأعشى" ص ٦٧، "مجاز القرآن" ١/ ٧٤، ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤.
(٦) في (ي): (فقد قال).
(٧) في (م): (ينتظر).
فعند علي (٣) وابن مسعود (٤) وأبي موسى الأشعري (٥) ومجاهد (٦) ومقاتل (٧) وفقهاء الكوفة (٨): أنها الحيض.
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥٢٥٨) كتاب: الطلاق، باب: من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق، ومسلم (١٤٧١) كتاب: الطلاق، باب: تحريم طلاق الحائض بغير رضاها.
(٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣١٥، وسعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٣٣٢ [ط. حبيب الرحمن]، والطبري ٢/ ٤٤١، وعزاه في "الدر" ٦/ ٣٤٩ إلى الشافعي وعبد بن حميد.
(٤) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣١٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٩.
(٥) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣١٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٠.
(٦) "تفسير مجاهد" ١/ ١٠٨، ورواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٣٩، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤١٥.
(٧) هو ابن حيان. ينظر "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤١٥، والحيري في "الكفاية في التفسير" ١/ ١٧٩.
(٨) ينظر "مختصر الطحاوي" ص ٢١٧، و"شرح معاني الآثار" ٣/ ٦٤، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٣٦٤.
وأصل هذا اللفظ واشتقاقه مختلف فيه أيضًا (٩)، قال أبو عبيد: أصله من دُنُو وِقت الشيء (١٠)، وروى الأزهري عن الشافعي: أن القرء اسم للوقت، فلما كان الحيض يجيء لوقتٍ والطهر يجيء لوقت (١١)، جاز أن يكون الأقراء حيضًا وأطهارًا (١٢). وذكر أبو عمرو بن العلاء أن القرء:
(٢) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٥٧٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٣.
(٣) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٥٧٦، والشافعي في "الأم" ٥/ ٢٢٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٢.
(٤) "الموطأ" ٢/ ٥٧٨، و"التمهيد" ١٥/ ٨٥.
(٥) "الرسالة" ص ٥٦٩، و"الأم" ٥/ ٢٢٤.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٠٥٦.
(٧) في (ي) (فإن).
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦١.
(٩) ينظر في القرء: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٧٤، "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٤ - ١٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٢ - ٣٠٤، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢، "المفردات" ص ٣٩٩ - ٤٠٠، "عمدة الحفاظ" ٣/ ٣٣٨ - ٣٤٠، "اللسان" ٣/ ٢٩١٢ - ٢٩١٣.
(١٠) في "تفسير الثعلبي" ذكر أبا عبيدة وهو عنده في "مجاز القرآن" ١/ ٧٤.
(١١) قوله: والطهر يجيء الوقت. ساقط من (ش).
(١٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢.
إذا هَبَّتْ لِقَارِئِها الرِّيَاحُ (٢)
أي: لوقت هبوبها، (٣) (٤) ومن هذا يقال: أَقْرَأَتِ النُّجُوم، إذا طَلَعَتْ، وأَقْرَأَتْ، إذا أَفَلَتْ (٥)، قال كُثَيِّر:
إذا ما الثُّرَيّا وقد أقْرَأَتْ | أحسَّ السَّمَاكَانِ منها أُفُولاَ (٦) |
مواعيد لا يأتي لقَرْءٍ حويرها (٧) | تكون هبا يوم نكباء صرصرا (٨) |
(٢) مطلع البيت: شَنِئْتُ العَقْر عَقْر بني شَلَيْلٍ
والبيت لمالك بن الحارث الهذلي، ينظر "ديوان الهذليين" ٣/ ٨٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٤، "لسان العرب" مادة: قرأ ٦/ ٣٥٦٥ ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤، ورواية الثعلبي ٢/ ١٠٦٢: كرهت، ورواية "اللسان": لقارئها. وقوله: شنئت: أي: (كرهت)، والعقر: مكان، وهبت لقاريها: لوقت هبوبها. وشليل: جد جرير بن عبد الله البجلي ينظر "شرح أشعار الهذليين" للسكري ١/ ٢٣٩.
(٣) من قوله: (وأنشد).. زيادة من (ي) و (ش). وهنا ينتهي كلام أبي عمرو كما في "تهذيب اللغة".
(٤) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٤ - ٣٠٥.
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٠٦٢.
(٦) البيت ليس في "ديوانه" الذي بتحقيق إحسان عباس، وهو في "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٢، "النكت والعيون" ١/ ٢٩١ بلا نسبة، والسماكان: نجمان نيران. ينظر "لسان العرب" ٤/ ٢٠٩٩ مادة "سمك".
(٧) في (ش): (حويزها).
(٨) البيت لم أهتد لقائله ولا من ذكره.
وقال قوم: أصل القرء: الجمع، يقال: ما قَرَأَتِ الناقةُ سَلًا قَطّ، أي: ما جَمَعَتْ في رحمها ولدًا قَطُّ، ومنه قولُ عمرو بن كلثوم:
هِجَانِ اللونِ لم تَقْرأْ جَنِيْنَا (٤)
وقال الأخفش: يقال: ما قَرَأَتْ حَيْضَةً، أي: ما ضمت (٥) رحمها على حيضة (٦)، والقرآن من القرء الذي هو الجمع، وقرأ القارئ: أي جمع الحروف بعضها إلى بعض في لفظِهِ. وهذا الأصل يقوي أن الأقراء هي الأطهار (٧).
قال أبو إسحاق: والذي عندي في حقيقة هذا أن القرء الجمع (٨) في اللغة، وأن قولهم: قريت الماء في الحوض وإن كان قد لزم (٩) الياء فهو
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) ينظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٧٧ - ٧٨، "تفسير الطبري" ٢/ ٤٤٤، "والأضداد" لابن الأنباري ٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٢.
(٤) سبق تخريجه.
(٥) في (ش): (صمت).
(٦) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٤، ولفظه: ما قرأت حيضة قط.
(٧) ينظر: "الأضداد" لقطرب ص ١٠٨، و"الأضداد" لابن الأنباري ص ٢٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٣.
(٨) في (ش): (تجمع).
(٩) في (ش): (ألزم).
وذكر أبو حاتم عن الأصمعي أنه قال في قوله: ﴿ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾: جاء هذا على غير قياس، والقياس: ثلاثة أَقْرؤ؛ لأن القروء للجمع الكثير (٤)، ولا يجوز أن تقول: ثلاثة فلوس، إنما يقال: ثلاثة أفلس (٥)، فإذا كثرت فهي الفلوس (٦).
قال أبو حاتم: وقال النحويون في هذا: أراد ثلاثة من القروء (٧).
وقال أهل المعاني: لما كانت كلُّ مطلقة يلزمها (٨) هذا، دخله معنى الكثرة، فأتي بناء الكثير (٩) للإشعار بذلك، فالقروء (١٠) كثيرة إلا أنها في القسمة ثلاثة ثلاثة.
فمن قال: القرء: الحيض، قال: لا تخرج المرأة من عدتها ما لم
(٢) ساقطة من (ي).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥، وينظر في بسط أدلة القولين والترجيح بينهما: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٥١ - ١٠٦٤، " التفسير الكبير" ٦/ ٩٤ - ٩٨، "زاد المعاد" ٥/ ٦٢٩.
(٤) في (ي): (الكبير).
(٥) ساقطة من (ي).
(٦) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩١٢.
(٧) انظر المصدر السابق مادة "قرأ".
(٨) في (ش) و (ي): (يلزمه).
(٩) في (ي): (الكثيرة).
(١٠) في (أ) و (م): (قال: فالقروء).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ الرحم: منبت الولد ووعاؤه في البطن، قال عكرمة (٣) وإبراهيم (٤): يعنى: الحيض، وهو أن تكون المرأة في العدة، فأراد الرجل أن يراجعها فقالت: إني قد حضت الثالثة.
وقال ابن عباس (٥) وقتادة (٦) ومقاتل (٧): يعنى: الحبل والولد. وهذا القول أولى؛ لأن قوله: ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ﴾ أدل على الولد منه على الحيض، كقوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ﴾ [آل عمران: ٦]، ومعنى الآية: لا يحل لهن أن يكتمن الحمل ليبطلن حق الزّوج من الرجعة والولد (٨).
(٢) ينظر في الأحكام: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٧٢، "التفسير الكبير" ٦/ ٩٤ - ٩٥.
(٣) رواه عنه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ٢٣٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٧، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤١٦.
(٤) رواه عنه ابن أبي شيبة ٥/ ٢٣٤، والطبري ٢/ ٤٤٦، والبيهقي ٧/ ٤٢٠.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩، وذكره النحاس في "الناسخ والمنسوخ" ٢/ ٤٤، وروى ابن أبي شيبة عنه في "المصنف" ٥/ ٢٣٤ الجمع بين القولين.
(٦) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٣٣٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤١٥.
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ١٩٤.
(٨) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٥ - ٣٠٦.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ معناه: من كان مؤمنًا (٣) بالله واليوم الآخر (٤) فهذه صفته فيما يلزمه، لا أنه على المؤمن دون غيره.
قال (٥) أبو إسحاق: وهذا كما تقول للرجل يظلم (٦): إن كنت مؤمنًا فلا تظلم، لا تقول له هذا مُطْلِقًا الظلمَ لغيرِ المؤمن، ولكن المعنى: إن كنت مؤمنًا فينبغي أن يحجزك إيمانك عن ظلمي (٧).
وفي هذه الآية أمر متوجه على النساء في إظهار ما يخلق (٨) الله في أرحامهن من الحيض والولد، وهن مُؤَمناتٌ على ذلك، إذ لا مرجع إلى غيرهن فيه، فإن كتمن أثمن وفسقن بالخيانة في الأمانة، وإذا أخبرن واحتمل ما قلن وجب الرجوع إلى قولهن، وإن كن متهمات فعليهن اليمين، وقد أغلظ الله القول عليهن حيث قال: ﴿إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾.
(٢) تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي ص ٩٢.
(٣) في (م): (يؤمن).
(٤) من قوله: (معناه). ساقط من (ي).
(٥) في (ي) و (ش): (وقال).
(٦) في (ش): (تظلم).
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٦.
(٨) في (ي): (خلق).
والبعولة أيضًا: مصدر البَعْل، يقال: بَعَل الرجل يَبْعَلُ بُعُولةً، إذا صار بَعْلًا، أنشد يعقوب (٣):
يارُبَّ بَعْلٍ سَاء ما كان بَعَلْ (٤)
ومن هذا يقال (٥) للجماع ومُلاعَبَةِ الرَّجُلِ أهلَه: بِعَال، يقال للمرأة: هي تُباعِل زوجَها بِعالًا، إذا فَعَلتْ ذلك معه.
ومنه قول الحُطَيْئَة:
وكَمْ من حَصَانٍ ذاتِ بعْلٍ تَرَكْتها | إذا الليلُ أَدْجَى لم تَجِدْ مَنْ تباعِلُه (٦) |
(٢) من كلام الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٠٦ بتصرف، وفيه زيادة: لأن القياس في هذه الأشياء معلوم.
(٣) هو: أبو يوسف يعقوب بن أسحاق السكيت النحوي اللغوي، تقدمت ترجمته ٢/ ٥١، [البقرة: ٢].
(٤) البيت ورد بغير نسبة في "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٣ (بعل).
(٥) ساقطة من (م).
(٦) البيت من الطويل، وهو للحطيئة في "ديوانه" ص٨٠، "تهذيب اللغة" ١/ ٣٦٣ "لسان العرب" ١/ ٣١٦ مادة: بعل. وأراد: أنك قتلت زوجها أو أسرته.
ومعنى ﴿أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ﴾، أي: إلى النكاح والزوجية، يعنى: أحق بمراجعتهن (٣) ﴿فِي ذَلِكَ﴾ أي: في الأجل الذي (٤) أمرن أن يتربصن فيه.
﴿إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا﴾ لا إضرارًا، وذلك أن الرجل في الجاهلية إذا أراد الإضرار بامرأته، طلقها واحدةً وتركها حتى (٥) إذا قرب انقضاء عدتها راجعها، ثم طلقها، ثم راجعها، يضارها بذلك، فالله تعالى جعل الزوج أحق بالرجعة على وجه الإصلاح، لا على الإضرار (٦).
ويستغني الزوج في المراجعة عن الولي وعن رضاها وعن تسمية مهر، وإذا راجعها سقطت بقية العدة وحل جماعها في الحال. والاحتياط الإشهاد على الرجعة. ولفظ الرجعة أن تقول: راجعتك أو رددتك إلى النكاح.
(٢) ينظر في مادة: بعل "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٦، "تهذيب اللغة" ١/ ٣١٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٦، "المفردات" ٦٤ - ٦٥، "اللسان" ١/ ٣٦٢ - ٣٦٣. قال الراغب: ولما تُصور من الرجل الاستعلاء على المرأة فجعل سائسها والقائم عليها كما قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾، سمي باسمه كلُّ مستعل على غيره، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله بعلا؛ لاعتقادهم ذلك فيه، نحو قوله تعالى: ﴿أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ﴾، ويقال: أتانا بعل هذه الدابة، أي المستعلي عليها، وقيل للأرض المستعلية على غيرها بعل.
(٣) في (ي) زيادة أي في ذلك أي.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) ساقط من (أ) و (م).
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٦٧.
وقوله تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ يقال: رَجَلٌ بَين الرُّجْلَة (٣)، أي: القُوة، وهو أَرْجَلُ الرَّجُلَين، أي: أقواهما، وفَرَسٌ رَجِيلٌ، قويٌّ على المشي، والرِّجْل: معروفة لقوتها على المشي، وارتَجَل الكَلامَ، أي: قَوِيَ (٤) عليه من ركوبِ فِكرةٍ ورويّة، وتَرَجَّلَ النهار: قويَ ضياؤه (٥).
والدَّرَجَة: المنزلة، وأصلها من دَرَجْتُ الشيء أَدْرُجُه دَرْجًا، وأَدْرَجْتُه إدراجًا: إذا طويتُه. ودَرَجَ القومُ قرنًا بعد قرن، أي: فَنُوا. وأدرجهم الله إدراجًا؛ لأنه (٦) كطي الشيء منزلة بعد منزلة. ومعنى دَرَج القوم: طووا عمْرَهم شيئًا فشيئا، وأدرجهم الله: طواهم الله، ومَدْرَجَةُ الطريق: قَارِعَتُهُ؛ لأنه يُطْوى منزلةً بعدَ مَنْزِلَة، والدَّرَجَةُ: المنزلة من منازل الطَّيّ، ومنه:
(٢) رواه الطبري عنه ٢/ ٤٥٣، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤١٧، وعزاه في "الدر" ١/ ٤٩٣ - ٤٩٤ إلى وكيع وسفيان بن عيينة وعبد بن حميد وابن المنذر.
(٣) يقال: رجل جيد الرُّجلة، ورجل بين الرجولة والرُّجلة والرُّجْلِيَّة والرجولية، وهي من المصادر التي لا أفعال لها. ينظر "اللسان" ٣/ ١٥٩٧ مادة "رجل".
(٤) في (ي) (أقوى).
(٥) ينظر في رجل: "تهذيب اللغة" ٣/ ١٥٩٦ - ١٦٠١، "المفردات" ١٩٦، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٨١ - ٨٣، "اللسان" ٣/ ١٥٩٦ - ١٦٠١.
(٦) ساقطة من (ي).
وأما المعنى (٣) فقال ابن عباس: بما ساق إليها من المهر، وأنفق عليها من المال (٤). وقيل: بالعقل. وقيل: بالدية. وقيل: بالميراث (٥). وقال قتادة: بالجهاد (٦).
قال أبو إسحاق: المعنى: أن المرأة تنال من اللذة من الرجل، كما ينال الرجل، وله الفضل بنفقته وقيامه عليها (٧).
﴿وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ أي: مالك يأمر كما أراد، ويمتحن كما أحب، ولا يكون ذلك إلا عن حكمة بالغة.
٢٢٩ - قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ قال أهل التفسير: أتت امرأةٌ عائشة، فشكت أن زوجها يطلقها ويسترجعها، يضارُّها بذلك، وكان الرجل في الجاهلية إذا طلق امرأته ثم راجعها قبل أن تنقضي عدتها كان له ذلك،
(٢) ينظر في درج: "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٦٧، "المفردات" ص ١٧٤، "اللسان" ٣/ ١٣٥١. قال الراغب: الدَّرَجة نحو المنزلة، لكن يقال للمنزلة: درجة، إذا اعتبرت بالصعود دون الامتداد على البسيط كدرجة السطح والسلم، ويعبر بها عن المنزلة الرفيعة، قال تعالى: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾.
(٣) في (ي) (فقد قال).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٠٧٤، والماوردي في "النكت والعيون" ١/ ٢٩٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٦٩، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٦١.
(٥) ينظر في هذه الأقوال: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٧٤ - ١٠٧٥، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٦٩، "زاد المسير" ١/ ٢٦١.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٥٤، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤١٨.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٧.
فحُصِرَ الطلاق، وجعل حدّه ثلاثة، فذكر في هذه الآية طلقتين، وذكر الثالثة في الآية الأخرى، وهو قوله: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ﴾ الآية (٣).
والمرة من المرور والمرِّ أيضًا، يقال: المَرّةُ الأُولى، والمَرُّ (٤) الأوَّلُ. وقال أهل المعاني: الآية مختصرة معناها: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة مرتان (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَإِمْسَاكُ﴾ الإِمْسَاكُ: خلاف الطلاق، والَمِسَاك والمَسَكَة اسمان منه، يقال: أنه لذو مَسَكَةٍ ومَسَاكَةٍ إذا كان بخيلا.
قال الفراء: يقال: إنه ليسيء (٦) مَسَاكَ غلمانِه، وفيه مُسْكَةُ من خيرٍ، أي: قوة وتَمَاسُك، ومَسَكٌ من قوة ومَسَاكَة، وإنه لَمسِيْكٌ (٧) بين
(٢) رواه الترمذي (١١٩٢) كتاب: الطلاق، باب: ١٦، والحاكم ٢/ ٣٠٧، وصححه البيهقي ٧/ ٣٣٣، والواحدي في "أسباب النزول" ٨١ عن عائشة بنحوه، ورواه مالك في "الموطأ" في الطلاق، باب جامع الطلاق ٢/ ٥٨٨، وعنه الشافعي في "الأم" ٥/ ٢٥٨، والطبري ٢/ ٤٥٦، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤١٨ عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا، والمرسل أصح كما قال الترمذي ٣/ ٤٩٧، والبيهقي ٧/ ٣٣٣، وله شاهد من حديث ابن عباس عند أبي داود برقم ٢١٩٥، والنسائي ٦/ ٢١٢.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٨٣.
(٤) في (م) و (ش): (المرة).
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٠٨٤.
(٦) في (ش): (لشيء).
(٧) في (ي) و (ش): (لمسك).
وهو مرتفع بمحذوف يتقدمه، أي: فالواجب إذا راجعها بعد الطلقتين إمساك بمعروف، أو فعليه إمساك بمعروف (٣).
ومعنى (بمعروف) أي: ما يعرف من إقامة الحق (٤) في إمساك المرأة (٥).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ معنى التسريح في اللغة: الإِرسَال، وتَسْريحُ الشَّعْر، تخليصُك بعضَه من بعض، وسَرَحَ الماشيةَ سَرْحًا: إذا أرسلها ترعى، وناقة سُرُحٌ: سهلة السير لانطلاقها فيه (٦). واختلفوا في معنى قوله: ﴿أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ فقال عطاء والسُدّي (٧) والضحاك (٨): هو ترك المعتدة حتى تبين بانقضاء العدة، يريد: إن كان من شأنه (٩) رجعتها وإمساكها، وإلّا فلا يرتجعها ويسرحها بإحسان كي يسلم من الإثم.
(٢) ينظر في مسك: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٩٧، "المفردات" ص ٤٧١، "اللسان" ٤٢٠٢ - ٤٢٠٥.
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٧، و"المحرر الوجيز" ٢/ ٢٧٧.
(٤) في (ي) (الحد).
(٥) ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٢٧٧.
(٦) ينظر في سرح: "تهذيب اللغة" ١٦٦٥ - ١٦٦٨. وذكر الراغب أن التسريح في الطلاق مستعار من تسريح الإبل، كالطلاق في كونه مستعارًا من إطلاق الإبل.
(٧) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٦٠ بمعناه، وذكره في "الدر المنثور" ١/ ٤٩٥ - ٤٩٦.
(٨) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٦٠.
(٩) في (ي) و (ش) (شأنها).
وقال صاحب النظم: قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ إلى قوله: ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ ظاهره يقتضي أنه خبر، وتأويله في الباطن شرط وجزاء، على نظم: من طلق امرأته مرتين فليمسك بعدهما بمعروف، أو ليسرحها بإحسان، ومثله مما جاء على لفظ الخبر ومعناه الشرط: قوله: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢)﴾ [الدخان: ١٢] معناه: إن كشفت آمنَّا، وقال في الجواب: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ [الدخان: ١٥] ظاهره خبر وتأويله: إن كشفنا تعودوا (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا﴾ لا يجوز للزوج أن يأخذ من امرأته شيئًا مما أعطاها من المهر وما نحلها وتفضل عليها ليطلقها؛ لأنه ملك بضعها واستمتع بها في مقابلة ما أعطاها، فلا
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ١٩٥.
وهو قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ نزلت في جميلة بنت عبد الله بن أبيّ (٢)، وفي زوجها ثابت بن قيس بن شماس (٣) (٤)، كانت تبغضه أشد البغض كان يحبها أشد حُبٍّ، فأتت رسول الله - ﷺ - وقالت: فرق بيني وبينه، فإني أبغضه، فقال ثابت: يا رسول الله مرها فلترد عليَّ الحديقة التي أعطيتها، فقال لها: "ما تقولين"؟ قالت: نعم وأزيده، قال: "لا، حديقته فقط". وقال لثابت: "خذ منها ما أعطَيتَها، وخَلِّ سَبِيلَها"، ففعل، فكان أول خلع في الإسلام (٥).
(٢) جميلة بنت عبد الله بن أبي ابن سلول الخزرجية، وقد وقع الخلاف هل المختلعة بنت عبد الله المنافق أو أخته؟ واسمها جميلة أيضا، فذهب ابن سعد وابن منده إلى أن المختلعة هي جميلة بنت عبد الله، وذهب أبو نعيم وابن عبد البر إلى أنهما واحدة، وأن المختلعة هي جميلة بنت أبي، وصوب الحافظ ابن حجر أنهما اثنتان، وأن ثابتا تزوج أخت عبد الله فاختلعت منه، ثم تزوج الثانية ففارقها. ينظر "الطبقات الكبرى" ٨/ ٣٨٢، "فتح الباري" ٦/ ٣٩٨.
(٣) في (ش) (سماس).
(٤) ثابت بن قيس بن شماس بن زهير الخزرجي الأنصاري، خطيب الأنصار، شهد أحدا وما بعدها، وبشره النبي - ﷺ - بالجنة في قصة معروفة، رواها البخاري (٣٦١٣) كتاب: المناقب، باب: علامات النبوة، قتل يوم اليمامة شهيدا بعد أن أبلى بلاء حسنا. ينظر "سنن الترمذي" ٥/ ٦٦٧، و"الاستيعاب" ١/ ٢٧٦.
(٥) القصة رواها البخاري (٥٢٧٣) كتاب: الطلاق، باب: الخلع وكيف الطلاق فيه، والنسائي ٦/ ١٦٩ كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في الخلع، وأبو داود (٢٢٢٩) كتاب: الطلاق، باب: في الخلع، والترمذي (١١٨٥) كتاب: الطلاق، باب: ما جاء في الخلع، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٦١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٨٦، ولفظ الواحدي مختصر منه، وقد روى أبو داود والنسائي في الموضعين السابقين =
أتاني (٣) كلامٌ عن نُصَيبٍ يقولُه | وما خِفْتُ يا سَلّام أنكَ عَائِبي (٤) (٥) |
وحكى الزجاج عن أبي عبيدة، قال: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ إلا أن يوقنا (٦)، وذلك أن في الخوف طرفًا من العلم، لأنك تخاف ما تعلم، وما لا تعلم لا تخافه، فجاز أن يكون بمعنى العلم، كما أن الظن لما كان فيه طرفٌ من العِلْم جاز أن يكون علمًا (٧).
(١) في (م) (ساقطة).
(٢) ساقطة من (ي).
(٣) في (ي) (وأتاني).
(٤) البيت لأبي الغول علياء بن جوشن من بني قطن، ينظر "الشعر والشعراء" ص ٢٧٨،
"والنوادر في اللغة" لأبي زيد ص ٤٦، وذكره الفراء والطبري دون نسبة ٥/ ٦١.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٦.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٧٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٧ - ٣٠٨، وقال النحاس ١/ ٣١٥: وقول من قال: يخافا، بمعنى يوقنا، لا يعرف. ولكن يقع النشوز فيقع الخوف من الزيادة.
(٧) ينظر في بيان أن الخوف يكون بمعنى الظن والعلم: "مشكل القرآن" لابن قتببة ص١٩١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٨، "الحجة" ٢/ ٣٢٨، "تفسير الثعلبي" =
ويكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، فإن أخذ أكثر من ذلك صح الخلع ولم ينقض (٤) (٥)، وهو مذهب ابن عباس (٦) وابن عُمر (٧) ورجاء بن حيوة (٨) (٩): أنه يجوز أن يأخذ زيادة من المهر.
(١) في (ش): (يتعدى).
(٢) ساقطة من (أ) و (م).
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٩٢.
(٤) في (ي): (ينقص).
(٥) ينظر: "الموطأ" ٢/ ٥٦٥، و"الأم" ٥/ ٢١١، و"الإشراف" ٣/ ٢١٣، و"الكافي" لابن عبد البر ٢/ ٥٩٣، "فتح الباري" ٩/ ٣٩٧.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٧١.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٧١، وعزاه في "الدر" ١/ ٦٧٤ إلى مالك والشافعي وعبد بن حميد والبيهقي عن نافع.
(٨) هو: رجاء بن حيوة الكندي، أبو المقدام، ويقال: أبو نصر الفلسطيني، ثقة فقيه، شيخ أهل الشام في عصره، من الوعاظ الفصحاء العلماء، لازم عمر بن عبد العزيز، توفي سنة ١١٢هـ. ينظر: "تقريب التهذيب" ص٢٠٨ (١٩٢٠)، "الأعلام" ٣/ ١٧.
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٧١، وعزاه في "الدر" بمعناه ١/ ٦٧٤ إلى عبد ابن حميد عن حميد الطويل.
(٢) في (ش): (الحسين).
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٧٠.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٦٩، وعزاه في " الدر" ١/ ٦٧٣ إلى عبد بن حميد والبيهقي.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٧٠.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٦٩.
(٧) ساقطة من (ش).
(٨) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٤٨٥ - ٤٨٧، وسعيد بن منصور ١/ ٣٨٤، وقال الإمام أحمد كما في "الإشراف" ٣/ ٢١٤: ليس في الباب أصح من حديث ابن عباس.
(٩) ينظر: "مختصر المزني" ٨/ ٢٩٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٩٥، و"تكملة المجموع شرح المهذب" ١٧/ ١٤.
(١٠) من قوله: بلا طلاق.. ساقطة من (ي).
(١١) في (ش): (يقوي).
(١٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٤٨٣، وسعيد بن منصور ١/ ٤٨٢، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٠٩ من طريق جهمان عن عثمان. وروى النسائي ٦/ ١٨٦، كتاب: الطلاق، باب: عدة المختلعة، وابن ماجه (٢٠٥٨) كتاب: =
لو خَافَكَ اللهُ عَليه حَرَّمَهُ (٣)
فحرف الجر في موضع المفعول الثاني. وحمزة بنى الفعل للمفعول به وهو الزوجان، وقدر الجار ليتعدى إلى (٤) المفعول الآخر، الذي هو ﴿أَن يُقِيمَا﴾، فلابد من تقدير الجار في قراءة من (٥) ضم الياء، لأن الفعل قد أسند إلى المفعول، فلا يتعدى إلى المفعول الآخر إلا بالجار، ولا يحتاج في قراءة العامة إلى تقدير الجار، ثم يكون قوله: ﴿أن يقيما﴾ على هذه القراءة في محل الجر بالجار المقدر، على مذهب الخليل والكسائي، وفي محل النصب، على قول غيرهما، لأنه لما حذف الجار وصل الفعل إلى المفعول الثاني، مثل:
(١) وقرأ الباقون (يُخافا) بفتح الياء. ينظر "السبعة" ١٨٣، "الحجة" ٢/ ٣٢٨.
(٢) في (ي) و (ش) (و).
(٣) من رجز نسبه في "اللسان"، مادة: روح، لسالم بن دارة، وقبله: يا أسدي لم أكلته لِمَه. وذكره في "الحجة" ٢/ ٢٢٩، وفي "الإنصاف" ٢٥٧، والعيني ٤/ ٥٥٥، والأشموني ٤/ ١١٧.
(٤) ساقطة من (ي).
(٥) ساقطة من (ي).
وأمرتك الخيرَ (٢).........
وهذا كما ذكرنا في قوله: ﴿أَنْ تَبَرُّوا﴾ [البقرة: ٢٢٤]، وعلى قراءة العامة يكون في محل النصب لا غير؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى تقدير الجار، وعاب الفراء قراءةَ حمزة، فقال: أراد أن يعتبر قراءة عبد الله (إلا أن يخافوا) فلم يصبه؛ لأن الخوف في قراءة عبد الله واقع على أن، وفي قراءة حمزة على الرجل والمرأة (٣)، فقال من نصر حمزة: إن بلغ الفراء ما يقوله بروايةٍ عن حمزة: أنه أراد اعتبار قراءة عبد الله، فهو كما قال، وإلا فإذا اتجه قراءَتُهُ على وجه صحيحٍ لم يَجُزْ أن ينسب إليه الخطأ، وقد قال عمر - رضي الله عنه -: لا تَحمِلْ فِعْلَ أخيك على القبيح ما وجدت له في الحَسَن مذهبًا (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ﴾ كان من حق النظم أن يكون فإن خافا (يعنى الزوجين، ليشاكل قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾، وفي قراءة حمزة (فإن خِيْفَا) ليشاكلَ قراءته (يُخَافا)، إلا أنه لا يلزم هذا، لأمرين:
أحدهما: أن يكون انصرف من الغيبة إلى الخطاب كما قال: ﴿وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ ثم قال: ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (٣٩)﴾ [الروم: ٣٩] ونظائره كثيرة.
وخاطب في هذه الآية الجماعة بعد ما أخبر عن اثنين؛ لأنّ ضمير الاثنين في ﴿يَخَافَاَ﴾ ليس يراد به اثنان مخصوصان، إنما يراد به أن كل من
(٢) تقدم تخريج البيت [البقرة: ٨٣].
(٣) ينظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٦.
(٤) ما تقدم كله ملخص من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٣٢٨ - ٣٣٣.
والآخرُ: أن قولَه: (فإن خفتم) خطابٌ (١) لولاة الأمر والفقهاء الذين يقومون بأمور الكافة، وقد خاطب الله تعالى في هذه الآية الجميعَ بقوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ﴾ ثم رجع إلى الزوجين فقال: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾، ثم رجع إلى المخاطبين بالجمع بينهم وبين الزوجين (٢) في لفظ واحد فقال: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا﴾ (٣).
ومثل هذا النظم قد جاء في الشعر، قال:
أبا واصلٍ (٤) فاكْسُوهُما حُلَّتَيْهِما | فإنكما إن تَفْعَلا فَتَيَانِ (٥) |
ومعنى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا﴾ أي: عَلِمْتُم وغَلَب على ظنكم، (أن لا يقيما حدود الله) في حسن العشرة وجميل الصحبة ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ المرأةُ نفسَها من الزوج.
وإنما قال: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ والمقصودُ رفعُ الحرجِ عن الزوجِ في استرجاع المَهْرِ عند الخُلْع، لأنه لو خصَّ الرجلَ بالذكر لأوهم ذلك أنها عاصية بالنشوز والافتداء بالمال، لأنها ممنوعة من إتلاف المال بغير حق، فأدخلت في الذِّكْر ليزول هذا الوهم، وفيه وجوه سوى هذا ذكرناها في
(٢) من قوله: فقال.. ساقطة من (ش).
(٣) من "الحجة" ٢/ ٣٣١ - ٣٣٢ بتصرف.
(٤) في (أ): (واصلى).
(٥) البيت لم أهتد لقائله ولا من ذكره.
(٦) في (أ) و (م): (كنى).
وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ﴾ الآية. يريد: ما حده الله من شرائع الدين (٢). وذكرنا معنى الحد فيما تقدم.
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ﴾ إلى آخر الآية، قال عطاء: يريد: من يأخذ من أمرأته شيئًا وليست تريد أن تختلع منه، ويضارها ليأخذ منها شيئًا.
٢٣٠ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ قال صاحب النظم: قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ فصل مضمن فصلًا آخر، قد اعترض بينهما فصل سواهما، وهو قوله: ﴿وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا﴾ إلى آخرها. فلما فرغ من الفصل المعترض عاد إلى الفصل الأول الذي ضمنه الفصل الثالث، فقال: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا﴾ يعنى: الزوج المطلق اثنتين المضمر في اللفظ الذي أخرجه مخرج الخبر بقوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ ففي هذا دليل على أن تأويل قوله: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ﴾ (٣) من طلق امرأته تطليقتين فليمسكها بمعروف أو ليسرحها ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ (٤)؛ لأن هذا الثاني منسوق على الأول مثل معناه، فكأنَّ الثاني مفسِّرٌ للأول.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ﴾ أي: من بعد التطليقة الثالثة. وهو رفع على الغاية؛ لأنه لما حذف من الكلام ما أضيف إليه (بعدُ) رفع على الغاية (٥).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٩٦.
(٣) من قوله: ففي هذا. ساقط من (ي).
(٤) ساقطة من (ي).
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٠٩٦، "البحر المحيط" ٢/ ٢٠٠.
(٢) هي عائشة بنت عبد الرحمن بن عتيك النضيري القرظي، زوج رفاعة بن وهب، نزلت في طلاقها هذه آيات، صحابية. ينظر "أسد الغابة" ٢/ ٢٣٣، ٧/ ١٩٣. وقد وقع في اسم المطلقة اختلاف ينظر "فتح الباري" ٩/ ٤٦٤ - ٤٦٥.
(٣) هو: رفاعة بن وهب بن عتيك، صحابي طلق زوجه طلاقا بائناً فنزل بشأنه قرآن. ينظر "أسد الغابة" ٢/ ٢٣٣. وينظر الاختلاف فيه في "فتح الباري" ٩/ ٤٦٤.
(٤) عبد الرحمن بن الزبير بن باطيا القرظي المدني، وقال ابن منده: هو ابن الزبير بن زيد الأوسي، قال ابن الأثير: واتفقوا على أنه هو الذي تزوج المرأة التي طلقها رفاعة. ينظر "المؤتلف والمختلف" ٣/ ١١٣٩، و"الإصابة" ٤/ ١٥٩.
(٥) أرادت أن متاعه في عدم الانتشار والاسترخاء كطرف الثوب الذي لم ينسج. ينظر "فتح الباري" ٩/ ٤٦٥.
(٦) رواه البخاري (٢٦٣٩) كتاب: الشهادات، باب: شهادة المختبئ، ومسلم (١٤٣٣) كتاب: النكاح، باب: لا تحل المطلقة ثلاثا حتى تنكح زوجا ويطأها عن عائشة.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٨ - ٣٠٩.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ يعنى: على المرأة المطلقة وعلى الزوج الأول، ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ بنكاح جديد، فذكر لفظ النكاح بلفظ التراجع، لما كان بينهما قبل هذا من الزوجية، فإذا تناكحا فقد تراجعا إلى ما كانا عليه من النكاح، فهذا تراجع لغوي (٢).
ومحل (أن) في قوله: ﴿أَنْ يَتَرَاجَعَا﴾ نصب؛ لأن المعنى: لا جناح عليهما في أن يتراجعا (٣)، فلما سقطت (في) وصل معنى الفعل. وعند الخليل والكسائي: يجوز أن يكون محله خفضًا بالجار المقدر، وإن حذف من اللفظ؛ لأن المعنى إرادته.
قال (٤) الزجاج: والذي قالاه صواب؛ لأن أن يقع معها الحذف، لكونها موصولة، ويكون جعلها موصولة عوضًا مما حذف، ولو قلت، لا جناح عليهما الرجوع، لم يصلح حذف في (٥)، وصلح مع (أن) لأن الكلام طال بالصلة فحسن الحذف، كما تقول: الذي ضربت زيد، تريد (٦): ضربته، فلهذا أجاز الخليل وغيره أن يكون موضعها جرًا على إرادة في، وأبى الفراء هذا، وقال: لا أعرفه (٧). وقد استقصينا هذه المسألة عند قوله:
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٠٢.
(٣) من قوله: (نصب..) ساقطة من (ش).
(٤) في (م): (وقال).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٩.
(٦) في (ي): (يريد).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٨.
وقوله تعالى: ﴿إِنْ ظَنَّا﴾ أي: إن علما وأيقنا أنهما يقيمان حدودَ الله (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ خص العالمين بالذكر، وهو في المعنى عام لهم ولغيرهم؛ لأنهم الذين ينتفعون ببيان (٣) الآيات، فصار غيرهم بمنزلة من لا يعتد بهم، ويجوز أن يُخَصّوا بالذكر لنباهتهم (٤) وتشريفهم، كقوله: ﴿وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ﴾ [البقرة: ٩٨].
٢٣١ - وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ﴾ أي: قاربن انقضاء العدة، ولم يرد إذا انقضت عدتهن. فالبلوغ هاهنا بلوغ مقاربة، كما نقول: قد بلغت المدينة، إذا أشرفتَ عليها (٥).
والأَجَلُ: آخرُ المدةِ، وعاقبةُ الأمرِ، قال لبيد:
واخْزُها (٦) بالبِرِّ لله الأَجَلْ (٧).
(٢) ينظر: "مجاز القرآن" ١/ ٧٤، "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ٧٨، وتأويل مشكل القرآن ص ١٨٧، وقيل: (إن ظنا) أي: رجوا، ولا يجوز أن يكون بمعنى العلم؛ لأن أحدا لا يعلم ما هو كائن إلا الله. ينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٤٧٨ - ٤٧٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٠٢.
(٣) ساقطة من (ي).
(٤) في (ش) (لنباهيهم).
(٥) حكى القرطبي في "تفسيره" ٣/ ١٥٥ الإجماع على أن معنى البلوغ هاهنا: المقاربة، ونقل الإجماع الشوكاني ١/ ٢٤٢، وينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٤٧٩ - ٤٨٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢١٠، "زاد المسير" ١/ ٢٦٧، و"الإجماع في التفسير" ص٢٣٠.
(٦) في (ي) و (أ): (وأحرها).
(٧) صدر البيت: =
﴿فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي: راجعوهن. والمعروف: ما يتعارف الناس بينهم، مما تقبله النفوس ولا تنكره العقول. قال ابن جرير: أي: بإشهاد على الرجعة، وعقد لها، لا بالوطء، كما يجوز عند أبي حنيفة (٣). ﴿أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ أي: اتركوهن حتى تنقضي عدتهن، ويكن أملك بأنفسهن (٤). ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا﴾ يريد: لا تراجعوهن مضارة وأنتم لا حاجة بكم إليهن. وكانوا يفعلون ذلك إضرارًا بالمرأة ﴿لِتَعْتَدُوا﴾ أي: عليهن بتطويل العدة ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ﴾: الاعتداء ﴿فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ﴾ ضرها، وإثم فيما بينه وبين الله (٥).
﴿وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ قال أبو الدرداء: كان الرجل يطلق في
والبيت في: ديوانه ص ١٣٩. وفي "الشعر والشعراء" لابن قتيبة ص ١٧١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٢٦، وقوله: واخزها أَمْرٌ من خزاه يخزو خزوًا: إذا ساسه وقهره، ورواية "اللسان" واجْزِها، والأجلّ من الجلالة كما قال ابن السكيت في "إصلاح المنطق" ٣٧٤ ص وقال ابن منظور: الأجل: الأعظم، كما في "لسان العرب" ٢/ ١١٥٥ مادة (خزا) وهذا لايوافق ما استشهد عليه الواحدي به متابعًا الثعلبي.
(١) ساقطة من (ي).
(٢) ينظر في الأجل: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٢٥، "تهذيب اللغة" ١/ ١٢٤، "المفردات" ص٢٠ - ٢١، "عمدة الحفاظ" ١/ ٧١، "اللسان" ١/ ٣٢ مادة (اجل).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٧٩ - ٤٨٠، وينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١١٢.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٩.
(٥) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١١٢ - ١١١٣.
وقيل: معناه: لا تتركوا العمل بما حد الله عز وجل فتكونوا مقصرين لاعبين، كما تقول للرجل (٣) الذي لا يقوم بما تكلفه ويتوانى فيه، إنما أنت لاعب، وهذا معنى (٤) قول الكلبي (٥).
وقال عطاء (٦): يريد أن المستغفر من الذنب المصِرَّ عليه كالمستهزئ بآيات ربّه.
﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ قال عطاء: بالإسلام (٧).
(٢) رواه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١١٦، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٤/ ٢٩١: رواه الطبراني، وفيه عمرو بن عبيد وهو من أعداء الله، وراه ابن عدي في "الكامل" ٥/ ١٠٩ مختصرا، وابن أبي عمر عن الحسن عن رجل عن أبي الدرداء كما ذكر البوصيري في " إتحاف المهرة" ٨/ ٤٣ وضعفه لجهالة التابعي، وله شاهد من حديث عبادة بن الصامت، وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٠٦، والطبراني في "تفسيره" ٥/ ١٣عن الحسن مرسلا، وإسناده صححه ابن حجر في "العجاب" ١/ ٥٨٩، وصحح الألباني في الإرواء ٦/ ٢٢٧ إسناد ابن أبي شيبة، وينظر "تحقيق الثعلبي للمنيع" ٢/ ١١١٨.
(٣) في (ش) (يقول الرجل).
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٢٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٧٥.
(٦) لعله الرواية التي تقدم الحديث عنها في القسم الدراسي من المقدمة.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٨٣، وذكره الواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٣٨، وعزاه في "الدر المنثور" ١/ ٥٠٨ - ٥١٠ إلى وكيع والبخاري وعبد بن حميد وأبي داود=
وفي قوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ تنبيهٌ على أنه لا يسقط الجزاء على شيء من أعمالهم لخفائه عنده، لأنه بكل شيء عليم.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ الآية: نزلت في أخت معقل بن يسار (٢)، طلقها زوجها، فلما انقضت عدتها جاء يخطبها، فأبى معقل أن يزوجها إياه، ومنعها بحق الولاية من ذلك، فلما نزلت هذه الآية تلاها عليه رسول الله - ﷺ -، فقال معقل: رَغِمَ أنفي لأمر الله، وقال: فإني أومن بالله واليوم الآخر، وأنكحها إياه (٣).
وأراد ببلوغ الأجل هاهنا: انقضاءَ العِدَّةِ، لا بُلوغَ المُقَاربَة (٤).
(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٢٢.
(٢) هو: معقل بن يسار بن عبد الله بن معبر بن حراق المزني، أبو عبد الله، وقيل: أبو اليسار، صحب الرسول - ﷺ - وشهد بيعة الرضوان، روي عنه قوله: بايعناه على أن لا نفر. سكن البصرة، وتوفي في آخر خلافة معاوية، وقيل: أيام يزيد بن معاوية، وفي الأعلام نحو ٦٥ هـ. ينظر أسد الغابة ٥/ ٢٣٢ - ٢٣٣، و"الاستيعاب" ٣/ ٤٨٥، "الأعلام" ٧/ ٢٧١.
(٣) الحديث رواه البخاري ٤٥٢٩ كتاب: التفسير، باب: قوله: وإذا طلقتم النساء، وأبو داود (٢٠٨٧) كتاب: النكاح، باب: في العضل، والترمذي (٣٩٨١) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة البقرة وغيرهم.
(٤) ينظر: "تفسير البغوي" ١/ ٢١٠، و"المحرر الوجيز" ٢/ ٢٨٨ - ٢٩٠، "تفسير القرطبي" ٣/ ١٥٥، و"الإجماع في التفسير" ٢٣٠ - ٢٣١.
وإن قصائدي (١) يدي لَكَ فاصطنعني | كَرَائمُ قد عُضِلنَ عن (٢) النكاح (٣) |
قال أوس بن حجر (٥):
تَرَى الأرْضَ مِنَّا بالفَضاءِ مَرِيضَةً | مُعَضِّلةً منا بجَيْشٍ عَرَمْرَمِ (٦) |
(٢) في (ي): (من).
(٣) البيت نسب إلى إبراهيم بن هرمة في "ديوانه" ص ٨٦ وفيه: كان قصائدي، ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٢، "الأغاني" ٦/ ١٠١، "الكشاف" ١/ ٣٣٨، "البحر المحيط" ٢/ ٢٠٦، "تفسير الرازي" ٦/ ١١١.
(٤) في حاشية (أ) زيادة في الحاشية قال: وعَضَّلت الدجاجةُ فهي مُعَضِّل إذا احْتَبَس بيضُها ونَشِبَ فلم يخرج. وعَضَّلت الناقة فهي مُعَضِّلٌ إذا احتبس ولدها في بطنها.
(٥) هو أبو شريح بن حجر بن مالك التميمي، وقيل أبن عتاب من شعراء بني تميم في الجاهلية، في شعره حكمة ورقة، عمّر طويلا ولم يدرك الإسلام، له ديوان شعر. ينظر: "الشعر والشعراء" ١١٤، "الأعلام" ٢/ ٣١.
(٦) البيت من الطويل، وهو لأوس بن حجر في "ديوانه" ص ١٢، "تهذيب اللغة" للأزهري ٣/ ٢٤٧٥ "لسان العرب" ٥/ ٢٩٨٩، مادة: عضل، وروايتهما: بجمعٍ عَرَمْرَمِ.
وأَعْضَلَ الأمرُ: إذا اشتد. ومنه قول أوس (١):
وليس أخوك الدائمُ العَهْد بالذي | يذمُّكَ إنْ ولَّى وُيرْضِيكَ مُقْبِلا |
ولكنّه النَّائي إذا (٢) كُنْتَ آمِنًا | وصَاحِبك الأدْنَى إذا الأمْرُ أَعْضَلا (٣) |
وأراد (٧): ينكحن نكاحًا جديدًا: ﴿إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بعقد حلال، ومهر جائز، ونظم الآية: أن ينكحن أزواجهن بالمعروف إذا ترضوا بينهم بالمعروف (٨)، وفي هذا ما يقطع به على صحة قول من قال: لا نكاح
(٢) في (ش): (إذ).
(٣) ينظر في عضل: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١١، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٧٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٢٦ - ١١٢٧، "المفردات" ٣٤١، "عمدة الحفاظ" ٣/ ١٠٩ - ١١٠، "اللسان" ٥/ ٢٩٨٩.
(٤) في (ي): (يكون).
(٥) في (ي): (ما قال).
(٦) تقدم في قوله تعالى: ﴿أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا﴾ [البقرة: ٢٢٤].
(٧) في (ي): (أراد).
(٨) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٢٨.
وزعم (٢) قوم أن (٣) المعني بالنهي عن العضل: الزوج، وأن البلوغ هاهنا: مقاربة انقضاء العدة، ومعنى عضلها: أن يطلقها واحدة ثم يمهلها حتى تقارِبَ انقضاء العدة، ثم يراجعها، ثم يطلقها، ويطول عليها بالعدة بعد العدة، فذلك العضل، وهذا خلاف ما أجمع عليه المفسرون، ثم ما ذكروا مستفاد من الآية الأولى فلا تحمل هذه على ما وردت فيه الأولى، ثم في نفس هذه الآية ما يقطع بفساد ما قالوه، وهو أنه قال: ﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ﴾ فقرن النهي عن العضل بشرط التراضي بالنكاح ولا يكون التراضي بالنكاح (٤) إلا بعد التصريح بالخطبة والنكاح، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك بقوله: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ [البقرة: ٢٣٥] وعلى ما ذكروا لا يكون هذا التراضي إلا قبل انقضاء العدة، وقبل بلوغ الكتاب أجله، إذ لا يكون العضل من الزوج إلا في ذلك الوقت، ولا يكون العضل من الولي إلا بعد بلوغ الكتاب أجله وانقضاء العدة، فوقوع التراضي بالنكاح في هذا الوقت أولى (٥).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ﴾ ﴿ذَلِكَ﴾ إشارة إلى ما سبق، أي: أمر
(٢) في (ي): (زعم).
(٣) في (م): (إلى أن).
(٤) سقط من (ش).
(٥) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ١٢٠ - ١٢١، وقد نصر القول الذي رد عليه الواحدي.
وقال الفراء: ﴿ذَلِكَ﴾ حرف، كثر في الكلام حتى تُوُهِّمَ بالكاف أنها من الحروف، وليست بخطاب، فعلى هذا يجوز أن يخاطب المرأة والرجل والواحد والاثنان والجماعة بالكاف المنصوبة، ومن جعل الكاف للخطاب ثنى وجمع وأنث (٢)، وقد نزل القرآن باللغتين جميعًا قال الله تعالى: ﴿ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي﴾ [يوسف: ٣٧]. ﴿فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ﴾ [يوسف: ٣٢]. وقال: ﴿ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ﴾ [الطلاق: ٢]. وقال: ﴿أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ﴾ [الأعراف: ٢٢].
وأنكر الزجاج هذا وقال: اللهُ خاطب العرب بأفصح اللغات، وليس في القرآن تَوَهُّم، تعالى الله عن هذا (٣)، وقول الفراء صحيح، وإن أنكره الزجاج؛ لأن التوهم تعود إلى العرب هم توهموا ذلك، والله تعالى يخاطبهم بلغتهم، وهذا كقولهم: تمكن فلان من الشيء، توهموا أن ميم المكان أصلي فبنوا منه الفعل، ولهذا نظائر في كلامهم، يجعلونَ الحرفين بمنزلة حرف واحد، كما قلنا (٤) في (ماذا)، وهو كثير.
وقال صاحب النظم: الكاف في (ذلك) مَنْ جَعَلَه للخطاب أظهَرَ
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٤٩ بمعناه، وينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٤٨٨ - ٤٨٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٣٣.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١١.
(٤) في (ي): (قال).
وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ خص المؤمنين، أنهم أهل الانتفاع به.
﴿ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ﴾ (٢) خير لكم وأفضل، ﴿وَأَطْهَرُ﴾ لقلوبكم من الريبة، وذلك أنهما إذا كان في نفس كل واحد منهما علاقة حب لم يؤمن أن يتجاوز ذلك إلى ما غير أحل (٣) الله، ولم يؤمن من أوليائهما أن يسبق إلى قلوبهم منهما ما لعلهما أن يكونا بريئين من ذلك فيأثمون (٤).
﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ ما لكم فيه الصلاح في العاجل والآجل وأنتم غير عالمين إلا (٥) بما أعلمكم.
٢٣٣ - قوله تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ﴾ الآية. قال المفسرون: أراد المطلقات اللاتي لهن أولاد من أزواجهن.
وقال بعضهم: بل هي على العموم، لأنه قال: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنّ﴾ والمطلقة (٦) لا تستحق الكسوة إلا أن يحمل على الرجعية، فإنها تستحق الكسوة والرزق في زمان العدة، والمطلقة ثلاثًا لا تستحق بالإرضاع الكسوة، وإنما تستحقُّ الأجرةَ، فإذا لا يمكن إجراؤها على العموم ولا
(٢) ساقطة من (ي) و (ش) و (أ).
(٣) في (أ) و (م): (إلى ما أخل الله).
(٤) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٣٤، وينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٤٨٩.
(٥) ساقطة من (ش).
(٦) في (ش): (فالمطلقة).
فإنْ قيل: إذا كانت الزوجية باقية فهي تستحق الرزق والكسوة بسبب النكاح، سواء أرضعت له ولده أو امتنعت، فما وجه تعليق هذا الاستحقاق بالإرضاع؟ قلنا: النفقة والكسوة في مقابلة التمكين، وإذا اشتغلت بالإرضاع والحضانة ربما لا تمكن من كمال التمكين، فيتوهم متوهم أن نفقتهما وكسوتها تسقط بالخلل الواقع في التمكين، فقطع الله ذلك التوهم بإيجاب الرزق والكسوة، وإن اشتغلت المرأة بالإرضاع، ولهذا قلنا: إذا أشخصها زوجها إلى سفر لحاجته وتجارته فنفقة سفرها عليه؛ لأنها مشغولة بشغله، وإذا كان كذلك فالرزق والكسوة هاهنا لا يكون أجرة الرضاع، وأجرة الرضاع تجب على الزوج بقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ [الطلاق: ٦] وفائدة ذكر الرزق والكسوة في هذه الآية ما بينا (٢).
وقوله تعالى: ﴿يُرْضِعْنَ﴾ لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر، كما تقول: حسبك درهم، معناه اكتف به، وهو أمر استحباب لا أمر إيجاب، يريد: أنهن أحقُّ بالإرضاع من غيرهن إذا أردن ذلك، ولو وجب عليها الإرضاع لما استحقَّت الأجرةُ، وقد أوجب الله الأجرة لهن في سورة الطلاق (٣).
وقوله تعالى: ﴿حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ أي: سنتين.
أصل الحول من حال الشيء إذا انقلب، فالحول منقلب من الوقت
(٢) "التفسير الكبير" ٦/ ١١٦ - ١١٧.
(٣) كذا قال الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣١٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٣٤ - ١١٣٥.
وليس التحديد بالحولين تحديد إيجاب؛ لأنه قد قال بعد هذا: ﴿فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا﴾ ولكنه تحديدٌ لقطع التنازع بين الزوجين إذا اشتجرا في مدة الرضاع، فجُعِل الحولان ميقاتًا لهما يرجعان إليه عند الاختلاف، فإن أراد الأَبُ أن يَفْطِمَه قبل الحولين ولم ترض الأم، لم يكن له ذلك، وكذلك لو كان على عكس هذا. فإن اجتمعا قبل الحولين فطماه (٤).
هذا هو الصحيح، وهو قول ابن عباس (٥)، في رواية علي بن أبي طلحة، والثوري (٦) وابن جريج (٧).
(٢) في (ي): (حولان) وهو خطأ.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٣٥، "تفسير الطبري" ٢/ ٤٩٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٢، و"تفسير البغوي" ١/ ١٧٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢١٢.
(٤) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٣٦ - ١١٣٧.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٩١، وعزاه في "الدر" ١/ ٥١٥ إلى ابن أبي حاتم وابن المنذر، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٣٧.
(٦) رواه عنه الطبري ٢/ ٤٩٢.
(٧) ذكره الثعلبي ٢/ ١١٣٧، وعنه البغوي ١/ ٢٧٧، وروى ابن جريج عن عطاء نحوه =
وعند أبي حنيفة: تتقدَّر (٩) مدة حصول التحريم بالإرضاع بثلاثين شهرًا (١٠).
والآية حجة للشافعي على قول هؤلاء، لأن الله تعالى علق (١١) حكم
(١) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٤٦٤، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٩٠.
(٢) رواه أبو داود ٢٠٥٩ كتاب: النكاح باب في رضاعة الكبير، وعبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٤٦٣، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٩٢.
(٣) رواه مالك في "الموطأ" ٢/ ٦٠٢، وعبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٤٦٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٩٢.
(٤) رواه مالك في الموطأ ٢/ ٦٠٢، وعبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٤٦٥، والطبري ٢/ ٤٩٢.
(٥) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٩١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٩٢.
(٦) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٤٦٣، وسعيد بن منصور ١/ ٢٧٨، والطبري ٢/ ٤٩٢.
(٧) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٤٦٥.
(٨) ينظر: "السنن الكبرى" للبيهقي ٧/ ٤٦٢، وقال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٣٠٣: وهو مذهب الشافعي وأحمد واسحاق والثوري وأبي يوسف ومحمد ومالك في رواية.
(٩) في (ي) و (ش) (يتقدر).
(١٠) تنظر المراجع السابقة.
(١١) ساقطة من (م).
وقال عكرمة عن ابن عباس: إذا وضعت لسبعة أشهر أرضعت ثلاثة وعشرين شهرًا، وإذا وضعته لتسعة أشهر أرضعته أحدًا وعشرين شهرًا، كل ذلك تمام ثلاثين شهرًا اعتبارا بقوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف: ١٥] (١).
فجعل مدتيهما (٢) ثلاثين شهرًا، والذي عليه عامة الفقهاء أن مدة الرضاع حولان في جميع هذه الأحوال، لا يفصلون بين أن تزيد مدة الحمل أو تنقص، للتصريح بذكر الحولين في هذه الآية.
وأما قوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ﴾ الآية [الأحقاف: ١٥] فإنها في تعظيم شأن الوالدة، وتعريف الأولاد ما لزم الوالدة من التعب والمشقة في أول هذه المدة من حملها وإرضاعها وفي آخرها، لقوله: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا﴾ [الأحقاف: ١٥]، فلا تعتبر هذه الآية بتلك إذ الأصلان مختلفان في المعنى الذي نزلت الآيتان فيه (٣).
وقوله تعالى: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾ يقال: رَضِعَ المولودُ يرضَعُ رِضاعةً ورَضاعًا، هذا هو الأفصح، ويقال أيضًا: رَضَعَ يرضِعُ رضَاعَةً ورِضاعًا بالكسر في المصدر (٤) (٥) والمعنى: أنَّ هذا التقديرَ والبيان لمن
(٢) في (ي) (مدتهما).
(٣) تنظر المراجع في القول السابق.
(٤) في (ش) (أجرها).
(٥) كذا بنحوه في: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٠٢، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤١٩ مادة (رضع)، "المفردات" ص ٢٠٢، "اللسان" ٣/ ١٦٦٠ مادة: رضع، وفيهما رضُع =
وقال قتادة (٢) والربيع (٣): فرض الله عز وجل على الوالدات أن يرضعن أولادهن حولين كاملين، ثم أنزل الرخصةَ والتخفيفَ بعد ذلك، فقال: ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ﴾ يعنى: الأب.
﴿رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ﴾ الكِسوة والكُسوة: اللباس، يقال: كسوت فلانًا أكسوه كسوة، إذا ألبسته (٤) ثوبًا (٥).
والأكثرون من المفسرين قالوا في هذا: معناه (٦) وعلى (٧) الزوج رزق المرأة المطلقة وكسوتها إذا أرضعت الولد (٨)، وقد ذكرنا هذا في أول الآية.
(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٤٠.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٩٣، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٢٩.
(٣) انظر المصدر السابق.
(٤) في (ي) و (ش): (ومن).
(٥) ينظر في كسا: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٣٩، "المفردات" ص ٤٣٢ - ٤٣٣، "اللسان" مادة: كسا ٧/ ٣٨٧٩.
(٦) في (م): (قالوا لي معنى هذا).
(٧) في (ي): (على).
(٨) يرويه بنحوه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٤٩٥ - ٤٩٦ عن الضحاك بن مزاحم، والنص المذكور من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٣.
وقوله تعالى: ﴿لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا﴾ التكليفُ: الإلزام، يقال: كلفته الأمر فَتَكَلَّفْ وكَلِفَ (٢).
قيل (٣): إن أصله من الكَلَف، وهو الأثر على الوجْه من السَّوَاد، فمعنى تَكَلَّفَ الأمرَ، أي: اجتهد يبين (٤) فيه أثره، وكلّفه: أَلزمه ما يَظْهَرُ (٥) فيه أثره (٦).
والوُسْع، ما يَسَعُ الإنسانَ فيطيقه، أُخِذَ مِن سَعَةِ المَسْلَك إلى الغَرَضِ، ولو ضاق لعجز عنه، فالسَّعَةُ فيه بمنزلة القُدْرَة، فلذلك قيل: الوُسْعُ بمعنى (٧) الطاقة (٨).
(٢) ساقطة من (م).
(٣) في (م): (وقيل).
(٤) في (ي) (أن بين).
(٥) في (م) (فلا يظهر)، وفي (أ) لعلها (فما يظهر).
(٦) ينظر في كلف: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٧٥، "المفردات" ص ٤٤١، "اللسان" مادة: (كلف) ٧/ ٣٩١٧. قال الراغب: وتكلُّف الشيء ما يفعله الإنسان بإظهار كلَفٍ مع مشقة تناوله في تعاطيه، وصارت الكُلْفة في التعارف اسما للمشقة، والتكلُّف: اسم لما يفعل بمشقة أو تصنع أو تشبع.
(٧) في (ي) (بمنزلة).
(٨) ينظر في وسع: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٤٢، "المفردات" ص ٥٣٨، "اللسان" ٨/ ٤٨٣٥ مادة: وسع، "البحر المحيط" ٢/ ٢١٤، وذكر الراغب أن السعة تقال في الأمكنة وفي الحال كقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ﴾ [الطلاق: ٧] =
والمعنى: لا ينزع الولد منها إلى غيرها بعد أن رضيت بإرضاعه (٤) وألفها الصبي، ولا تلقيه هي إلى أبيه (٥) بعد ما عرفها، تضاره بذلك (٦).
وقيل معناه: لا تضارَّ والدة فتكره على إرضاع الصبي إذا قبل من غيرها وكرهت هي رضاعه؛ لأن ذلك ليس بواجب عليها، ﴿وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ﴾ يكلف (٧) أن يُعْطِي الأم إذا (٨) لم يرتضع الولد إلا منها أكثر مما يجب لها
(١) كذا قرأ نافع وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر: (لا تضارَّ)، وقرأ الباقون من السبعة: (تضارُّ). ينظر: "السبعة لابن مجاهد" ص ١٨٣، و"النشر" ١/ ٢٢٧.
(٢) في (ي): (زيد).
(٣) كذا نقله من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٣.
(٤) في (م): (وأصابك وألفها).
(٥) في (ش) (أمه).
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٤٦، "البحر المحيط" ٢/ ٢١٥.
(٧) في (ي): (فكلف)، في (ش): (فيكلف).
(٨) في (ش): (إذ).
ويحتمل أن يكون الفعل لهما، ولكون تضارّ على مذهب ما قد سُمي فاعله، وكان في الأصل: لا تضارر، فأدغمت (٢).
والمعنى: (لا تُضارَّ والدة) فتأبى أن ترضع ولدها لتشق على أبيه، (ولا مولود له) أي: ولا يضارَّ الأب أمّ الصبي فيمنعها من إرضاعه وينزعه منها، والضرار يرجع إلى الوالدين، يضار كل واحد منهما صاحبه بسبب الولد (٣)، ويجوز أن يكون الضرار راجعًا إلى الصبي، أي: لا يضار كل واحد منهما الصبي (٤)، فلا ترضعه الأم حتى يموت، ولا ينفق الأب أو ينزعه من أمه حتى يضر بالصبي، وتكون الباء زائدة على تقدير: لا تضار والدة ولدَها، ولا أبٌ ولدَه، وكل هذه الأقاويل مروية عن المفسرين (٥).
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (لا تضارُّ) برفع الراء على الخبر منسوقًا على قوله: (لا تكلف) وأتبع ما قَبْلَه ليكونَ أحسنَ في تشابه اللفظ.
فإن قلت: إن ذلك خبر، وهذا أمر؟ قيل: والأمر يجيء على لفظ الخبر، كقوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٨]، وقد سبق نظائره (٦).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٤٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢١٥.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٤٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٣، "تفسير القرطبي" ٣/ ١٦٧.
(٤) من قوله: أي لا يضار.. ساقط من (ي).
(٥) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٤٨، وأورده أيضًا البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٧٨، وينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٤٩٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٣٠ - ٤٣٢.
(٦) نقله من "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٣٣ بمعناه.
وقال بعضهم: هو وارث الصبي كائنًا من كان من الرجال والنساء، وهو قول قتادة (٨) والحسن بن صالح (٩) وابن أبي ليلى (١٠)، ومذهب أحمد (١١)
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٥٩، وسعيد بن منصور ٢/ ١٤٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٢.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٣.
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ٢٤٧، وأبو عبيد في "الأموال" ص ٣٠٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠٠.
(٥) تفسير مجاهد ١/ ١٠٩، وأخرجه الطبري ٢/ ٥٠١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٣.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٣.
(٧) روى عنه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٦١ ما يوافق القول الثاني، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٣٣.
(٨) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٦١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠١.
(٩) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٥٠، والمروزي في "اختلاف العلماء" ص ١٥٦، والحسن بن صالح اسمه: حيان الثوري الهمداني، ثقة فقيه عابد، رمي بالتشيع توفي سنة ١٦٩. ينظر "حلية الأولياء" ٧/ ٣٢٧، و"سير أعلام النبلاء" ٧/ ٣٦١.
(١٠) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٥٠، والمروزي في " اختلاف العلماء" ١٥٦.
(١١) "المغني" ١١/ ٣٨١، و"زاد المعاد" ٥/ ٥٤٨.
وعند أبي حنيفة: يجبر على نفقة الصبي مِن ورثته مَن كان محرمًا، ومن لم يكن محرما مثل ابن العم والمولى فليسوا ممن عناهم الله بقوله: ﴿وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ﴾ عند أبي حنفية وأصحابه (٣).
وقال آخرون: أراد بالوارث، الصبي نفسه الذي هو وارث أبيه المتوفى، عليه أجر (٤) رضاعه (٥) في ماله، إن كان له مال، وإن (٦) لم يكن له مال أجبرت (٧) أمه على رضاعه، ولا يجبر على نفقة الصبي إلا الوالدان، وهو قول مالك (٨) والشافعي (٩).
وقال كثير من أهل العلم: أراد بالوارث الباقي من الوالدين بعد الآخر، عليه مثل ما كان على الأب من أجر (١٠) الرضاع والنفقة والكسوة (١١).
(٢) قوله كائناً من كان.. ساقط من (ش).
(٣) ينظر "مختصر الطحاوي" ص ٢٢٤، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٤٠٧.
(٤) في (ي): (المتوفى آخر).
(٥) في (ش): (رضاعة).
(٦) في (ي) و (ش): (فإن لم).
(٧) في (م) و (ي): (أجبر).
(٨) ينظر "اختلاف العلماء" للمروزي ص ١٥٦، و"الإيضاح" لمكي ص ١٨٠.
(٩) ينظر: "الأم" ٥/ ٩٧، و"أحكام القرآن" للكيا الهراسي ١/ ٢٧١.
(١٠) في (ي): (آخر).
(١١) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٠٢، "تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٤٣٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٥٢، "والنكت والعيون" ١/ ٣٠٠، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٧٨.
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ أَرَادَا﴾ يعنى: الوالدين ﴿فِصَالًا﴾ فطامًا، لانفصال المولود عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات.
قال المبرد: يقال: فَصَلَ الولدُ عن أمِّه فِصَالًا وفَصْلًا، وقد قُرئ بهما (٥) (٦) في قوله: ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ﴾ [الأحقاف: ١٥]، والفِصالُ أحسن؛ لأنه إذا انفصل من أمِّهِ فقد انْفَصَلَتْ منه أُمُّهُ، فبينهما فِصَالٌ، نحو: القِتال والضِّرَاب. ويقال: فَصَلْتُه فَصْلًا وفِصَالًا كالكِتَاِب والضِّرَاب (٧) والحِسَابِ واللِّقَاء، ومنه سُمِّيَ الفَصِيل فَصِيلًا؛ لأنه مَفْصُول عن أمِّه (٨).
﴿عَنْ تَرَاضٍ﴾ منهما، يعني: قبلَ الحولين، لأن بعد الحولين لا يجب
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠٤.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣١٣.
(٤) ذكره إيضًا البغوي ١/ ٢٧٨.
(٥) في (ش): (بها)، وفي (ي): (منها).
(٦) قرأ يعقوب من العشرة بفتح الفاء وإسكان الصاد (وفصْله) وكذا روي عن الحسن، وقرأ الباقون بكسر الفاء وفتح الصاد وألف بعدها (وفِصاله). ينظر "النشر" ٢/ ٣٧٣، و"البدور الزاهرة" ص ٦٣، و"القراءات الشاذة وتوجيهها من لغة العرب" للقاضي ص ٨١.
(٧) زيادة من (م).
(٨) ما ينظر في فصل: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٩٥، "المفردات" ص ٣٨٢ - ٣٨٣،"لسان العرب" ٦/ ٢٤٢٣.
وقوله تعالى: ﴿وَتَشَاوُرٍ﴾ معنى التَّشَاوُر في اللغة: استخراج (١)، وكذلك المَشْوَرَة، والَمُشْوَرَة مَفْعَلَةٌ منه (٢) كالمَعُونَةِ، ونظيرها: المَيْسَرَة.
وشُرتُ العسلَ: استخرجته، وأنشد أبو زيد لحاتم:
وليس على ناري حِجَابٌ أكفُّها | لمُسْتَقْبِسٍ لَيلًا ولكِنْ أَشيْرُها (٣) |
وقال أبوزيد: شِرتُ الدابةَ، وشَوَّرْتُها أَجْرَيْتُها لاستخراج جَرْيها.
والشَّوَار: متاعُ البيت؛ لأنه يَظْهَر للناظِر، وقولهم: تَشَوَّرَ وشَوَّرْتُه، قيل: إن أصله أَنّ رجلًا بَدَتْ عورته وظهرت (٥)، وكان معنى تَشَوَّرَ (٦) ظهر ذلك، وشوَّرْتُه: فعلتُ به ذلك الفعلَ، أو مثله فيما فيه حِشمة ومنه خَجَلٌ. وتسميتهم للذكرِ شَوَارًا يُشبهُ أن يكونَ من ذلك. قال أبوزيد: يقالُ للرجالِ إذا دعوت عليه: أبدى الله شَوارَك. وشَوَارُهُ: مذاكيره (٧).
(٢) ساقطة من (ش).
(٣) البيت في ديوانه ص ٢٣٢.
(٤) ساقطة من (ي).
(٥) في (م): (فظهرت)، وفي (ش) ساقطة.
(٦) في (ي): (شور).
(٧) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١١/ ٤٠٥.
والإشارة: إخراجُ ما في نفسك وإظهاره للمخاطب بالنطق وبغيره (٢).
والمعنى: أنهما إن تشاورا وتراضيا على الفطام قبل الحولين فلا بأس إذا كان الولد قويًا، وليس لهما ذلك مع ضعفه (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ﴾ أي: لأولادكم، وحذفت اللام اجتزاء بدلالة الاسترضاع؛ لأنه لا يكون إلا للأولاد، ولا يجوز: دعوت زيدًا، وأنت تريد لزيد؛ لأنه يلتبس هاهنا، بخلاف ما قلنا في الاسترضاع (٤).
والمعنى: إن أردتم أن تسترضعوا لأولادكم مراضع غير الوالدة فلا إثم عليكم (٥).
وقوله تعالى: ﴿إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾.
قال مجاهد (٦) والسدي (٧): إذا سلمتم إلى الأم أجرتها بمقدار ما أرضعت.
(٢) ينظر في شور: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٨٠٣، "المفردات" ص ٢٧٣، "اللسان" ٤/ ٢٣٥٦. قال الراغب: والمشورة استخراج الرأي بمراجعة البعض إلى البعض، في قولهم: شِرت العسل، إذا اتخذته من موضعه واستخرجته منه.
(٣) بنحو معناه ذكر البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٧٩، والزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣١٣.
(٤) ينظر: "التبيان" ص ١٣٩، "البحر المحيط" ٢/ ٢١٨، في تفصيل الاسترضاع وتعديه بحرف أو دون حرف.
(٥) كذا في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٤، وينظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٥٣.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠٩، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٢٣٧.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٠٩، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٣٥.
وقرأ ابن كثير: (ما أتيتم) بقصر الألف (٢).
وحجته: ما روي عن الزهري في هذه الآية، أنه قال: التسليم هاهنا بمعنى: الطاعة والانقياد (٣). يعني: إذا سلمتم للاسترضاع عن تراض واتفاق دون الضرار (٤).
وكذلك قال ابن عباس في رواية عطاء، قال (٥): إذا سلمت أمُّه ورَضِيَ أبوه، لعلَّ له غِنًى يشتري له مرضعًا (٦).
ومعنى: أتيتم هاهنا فعلتم، يعني: إذا سلمتم ما أتيتموه من الإنفاق، كما تقول: أتيت جميلًا، أي: فعلته. قال زهير:
وما يَكُ من خَيْرٍ أتَوْه فإنمَّا... تَوَارَثَه آباءُ آبائِهِم قَبْلُ (٧)
يعني: فعلوه وقصدوه. والباء في (بالمعروف) يجوز أن تتعلق بـ سلمتم، كأنه: إذا سلمتم بالمعروف، ويجوز أن تتعلق (٨) بالإيتاء على قراءة العامة (٩).
(٢) ينظر: "السبعة لابن مجاهد" ١٨٣.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٥، وينظر "تفسير البغوي" ١/ ٢٧٩.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٥٤، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٧٩ على أنه قول آخر غير التسليم الذي بمعنى الطاعة والانقياد.
(٥) ساقطة من (ي).
(٦) فقد تقدم الحديث عن هذه الرواية في قسم الدراسة من المقدمة.
(٧) ورد البيت هكذا:
وما يك من خير أتوه فإنما... توارثهم آباء آبائهم قبل
والبيت في ديوانه ص ٥٨. "البحر المحيط" ٢/ ٢١٨.
(٨) في (ش): (يتعلق).
(٩) من قوله: ومعنى أتيتم،... من كلام أبي علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٣٣٦ =
٢٣٤ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ الآية، ﴿يُتَوَفَّوْنَ﴾ معناه: يموتون ويُقْبَضُون.
وأصلُ التَّوَفِّي: أخذُ الشيء وافيًا، يقال: تَوَفَّى الشيءَ واسْتَوفَاه، وتُوُفِّي فلانٌ وتَوَفَّى إذا مات، فمن قال تُوفي كان (٢) معناه قُبض وأُخِذَ، ومن قال: تَوَفَّى، معناه: تَوَفَّى أَجَلَه، واسْتَوْفَى أُكُلَه وعُمُرَه (٣).
وعلى هذا قراءة علي رضى الله عنه (يَتَوفون) بفتح الياء (٤).
﴿وَيَذَرُونَ﴾ معناه: يتركون، ولا يستعمل منه الماضي ولا المصدر، استغناء عنهما بترك تركًا، ومثله أيضًا: يدع في رفض مصدره وماضيه (٥).
قال ابن المظفر: العربُ قد أماتت المصدر من يذر والفعل الماضي، واستعملته في الغابر (٦) والأمر، فإذا أرادوا المصدر قالوا: ذَرْه تَرْكًا (٧).
(١) في (ش) (جمع).
(٢) ساقطة من (ي).
(٣) ينظر في توفي: "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥٨٤ - ٥٨٧، "المفردات" ٥٤٣، "لسان العرب" ١٥/ ٤٠٠ - ٤٠١ (مادة: وفي).
(٤) عزاها إليه ابن جني في "المحتسب" ١/ ١٢٥، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٣.
(٥) تنظر مادة وذر، في: "اللسان" ٨/ ٤٨٠٥، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٠.
(٦) هكذا في الأصل، وفي "اللسان" ٨/ ٤٨٠٥، ووردت (الحاضر) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٦٦.
(٧) نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٦٦.
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ﴾ ابتداء، ولابد للابتداء من خبر يكون هو أو يكون له فيه ذكر. واختلف النحويون في خبر (الذين) هاهنا:
فقال الأخفش: المعنى: يتربصن بعدهم (٣). وقال المبرد: التقدير والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا أزواجهم يتربصن (٤).
وقال الكسائي: المعنى: يتربصْنَ أزواجهم، فكنى الله عن الأزواج، فجاءت النون دالة على تأنيث المضمر (٥).
وقال الفراء (٦): ترك الخبر عن (الذين) وأخبر عن الأزواج؛ لأن المعنى على ذلك، قال: والعرب تذكر اسمين ثم تترك الأول بلا خبر، وتخبر عن الثاني، وأغنى الإخبار عن الثاني الإخبار عن الأول، كذلك
(٢) نقله عنه الأزهري في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٦٦. وينظر في المادة "المفردات" ص ٥٣٣، "اللسان" ٨/ ٤٨٠٥، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٠.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ١٧٦، ونصه: فخبر (والذين يتوفون) يتربصن بعد موتهم، ولم يذكر بعد موتهم، كما يحذف بعض الكلام، تقول: ينبغي لهن أن يتربصن، فلما حذف ينبغي وقع يتربصن موقعها.
(٤) نقله عنه في "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٢.
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٤ - ٣١٥، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٢.
(٦) ساقط من (ي).
لَعلِّي إن مَالَتْ بي الرِّيحُ مَيْلةً | على ابن أبي ذِبَّانَ أن يَتَنَدَّما (١) |
قال أبو إسحاق: وهذا القول غير جائز، لا يجوز أن يبتدأ بالاسم ولا يحدث عنه؛ لأن الكلام إنما وضع للفائدة، فما لا يفيد فليس بصحيح، والذي هو الحق في هذه المسألة: أن ذكر الذين قد جرى ابتداء، وذكر الأزواج قد جرى متصلا بصلة الذين، فصار الضمير الذي في (يتربصن) يعود على الأزواج مضافات إلى الذين، كأنك قلت: يتربصن أزواجهم. قال: ومثل هذا من الكلام: الذي يموت ولخلف ابنتين ترثان الثلثين، المعنى: ترث ابنتاه الثلثين (٤).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٠ - ١٥١، وذكر أبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٢ ردا عليه.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٠ - ١٥١ "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥١.
(٤) "معاني القرآن" لأبي إسحاق الزجاج ١/ ٣١٥ - ٣١٦.
ثم قال: المعنى: يرث (٣) ابنتاه الثلثين، والمعنى: كذا من حيث (٤) كان معنى الفعل والفاعل والمبتدأ والخبر هاهنا واحدًا، إلا أن الأشبه بغرضه، والأولى أن يقول: ابنتاه يرثان الثلثين (٥)، وهذا نقد عليه في اللفظ لا في المعنى.
قال أبو علي الفارسي في تأويل هذه الآية: وتقدير المحذوف منها خلاف، فالواضح منها: أن الذين يرتفع بالابتداء، وإذا ارتفع بالابتداء فلا يخلو خبره من حكم خبر الابتداء، وهو أن يكون هو هو، أو يكون له فيه ذكر. ولا يجوز (٦) أن يكون على هذا الظاهر الذي هو عليه، لخلوه من ضربي
(٢) في (ش): (الثلث).
(٣) في (ش): (ترث).
(٤) في "الإغفال": والمعنى -لعمري- يقرض كذا.
(٥) من الإغفال ص ٥١٨ - ٥١٩ بتصرف.
(٦) في "الإغفال" ص ٥٢٠: ولا يجوز عندنا.
وإذا كان كذلك فلابد (٤) من راجع يرجع إليه، وجاز الحذف هاهنا في الجار والمجرور للعلم به والدلالة عليه واقتضاء الكلام (٥) (٦).
(٢) اختصر الواحدي الكلام، وتمامه في "الإغفال" ص ٥٢٠: وهذا قول أبي الحسن، أو أن يكون: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾. أخبرنا بهذا القول أبو بكر عن أبي العباس، وهذا هو الذي ذهب إليه أبو إسحاق أيضا، أو يكون ما ذهب إليه الكسائي من أن المعنى: يتربصن أزواجهم، ثم كنى عن الأزواج.
(٣) اختصر الكلام، وتمامه في "الإغفال" ص ٥٢١: إذ الخبر إذا عرف جاز حذفه بأسره، فإذا جاز حذف جميعه جاز حذف بعضه.
(٤) في (ش) (ولابد).
(٥) ساقطة من (م) و (أ).
(٦) في "الإغفال" ص ٥٢١ ورد الكلام هكذا: فإذا كان ذلك كذلك، فلابد من راجعين يرجع كل واحد منهما إلى كل واحد من المبتدأين، فالذي يرجع إلى الأول هو هذا الضمير المتصل بالجار المحذوف مع الجار، والذي يرجع إلى الثاني ما في الظرف، وجاز الحذف هنا في الجار والمجرور للعلم به، والدلالة عليه، واقتضاء الكلام له.
ولأبي العباس أن يقول: حذف المبتدأ المضاف يسوغ من حيث ساغ حذف المفرد، لأن المفرد إنما ساغ حذفه للدلالة عليه، والدلالة (٢) إذا قامت على حذف المضاف قيامها على حذف المفرد، وجب أن يكون جوازه كجوازه؛ لمشاركته المفرد فيما له جاز الحذف، وقيام الدلالة على حذف المضاف: أن الأزواج قد تقدم ذكرهن في الصلة، فإذا تقدم ذكرهن ساغ إضمارهن وحسن، ألا ترى أنه لو قيل له: أين زيد؟ ساغ أن يقول (٣): في السوق، ويضمر الاسم لجَرْي ذكره، وأما حذف المضاف إليه وهو
(٢) في (ش) و (ي) (فالدلالة).
(٣) في (م) (يقول).
وأما قول الكسائي فليس بالمتجه؛ لأن المبتدأ على قوله ليس يعود إليه ذكر، لا مثبت ولا محذوف، وليس تقديره كواحد من هذين التقديرين في المساغ، ألا ترى أن المثبت في الكلام لا يرجع منه إلى المبتدأ شيء، وقد استقل الفعل بفاعله في ﴿يَتَرَبَّصْنَ﴾ وليس بهذه الجملة افتقار إلى ذلك الضمير الذي تقدره، لأن (يتربصن) مستقلة بالأزواج الظاهرة فلم يضمر عائدًا على المبتدأ، كما أضمر أبو الحسن وأبو العباس (٤).
وأما قول الفراء: إنه (٥) اعتمد على الثاني ورفض الأول، فبعيد من الصواب جدًا، ومن فساده أنه ينكسر عليه قوله، وذلك أنه يقول؛ إن الأول مرتفع بالثاني، فإذا اعتمد على الثاني ورفض الأول لم يكن له برافع، وإذا لم يكن له برافع (٦) وجب أن لا يرتفع، فارتفاعه وظهور الرفع فيه يدفع ذلك
(٢) في (أ) و (م) (فما).
(٣) من كلام أبي علي في الإغفال ص ٥٢٦، بتصرف واختصار.
(٤) من كلام أبي علي في الإغفال ص ٥٢٦ - ٢٢٧، بتصرف كثير واختصار.
(٥) في (ي) (فإنه).
(٦) قوله: وإذا لم يكن له برافع ساقطة من (ي).
والمبتدأ (١) إنما يذكر ويلقى إلى المخاطب ليسند إليه حديث (٢) يُفَاده (٣) المخاطب، وإذا كان كذلك، علمت أن رفضه خلاف الغرض الذي يقصد به، وهذا في المعنى فاسد مرذول، وليس في كلامهم (له) نظير (٤)، وما احتج به من البيت يجوز على حذف: أن يتندم لأجلي، لا على أنه ترك الأول (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَعَشْراً﴾ بلفظ التأنيث، وأراد الأيام، وإنما كان كذلك تغليب الليالي على الأيام إذا (٦) اجتمعن في التاريخ وغيره، وذلك أن ابتداء الشهر يكون بالليل، فلما كانت الليالي الأوائل غلبت، لأن الأوائل أقوى من الثواني (٧).
قال ابنُ السِّكِّيت: يقولون (٨): صمنا خمسًا من الشهر، فيغلبون
(٢) في (ش): (حديثًا).
(٣) في الإغفال: (بإفادة).
(٤) من كلام أبي علي في "الإغفال" ص ٥٢٨.
(٥) ينظر: في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٧ - ٣١٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٥٤، "التبيان" ص ١٤٠، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٢. وذكر قول سيبويه، وحاصله: أن (الذين) مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: وفيما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم، ومثله: ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ﴾ [المائدة: ٣٨].
(٦) في (ي): (فإذا).
(٧) ينظر: "الكتاب" لسيبويه، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٥٩، "شرح الكافية الشافية" ٣/ ١٦٩٠ - ١٦٩٢، "الأصول" لابن السراج ٢/ ٤٢٨ - ٤٢٩، "همع الهوامع" ٢/ ١٤٨.
(٨) في (ي): (يقول).
قال الزجاج: وإجماع أهل اللغة: سرنا خمسًا بين يوم وليلة (٢)، وأنشدوا للجعدي:
فَطَافَتْ ثَلاثًا بَيْن يَوْمٍ ولَيْلَةٍ | وكان النَّكِيُر أن تُضيفَ وتَجْأَرا (٣) |
وإنما يُراد الأيام بلياليها، وهذا قريب من الأول (٤).
وكان المبرد يقول: إنما أنث العشر لأن المراد به المدة، معناه: وعشر مدد، وتلك المدد كل مدة منها يوم وليلة، والليلة مع اليوم مدة معلومة من الدهر (٥).
وذهب بعض الفقهاء إلى ظاهر الآية فقال: إذا انقضى لها أربعة أشهر
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٦.
(٣) البيت في ديوانه ص ٤١، و"الكتاب: لسيبويه" ٣/ ٥٦٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٠و"الكتاب: لسيبويه" ٣/ ٥٦٣، "لسان العرب" ٢/ ١٢٦٢ (مادة: خمس) والشاعر يصف بقرة فقدت ولدها.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٣ - ٢٢٥.
(٥) نقله في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٠، "المحرر الوجيز" ٢/ ٣٠٠، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٣.
ومعنى الآية: بيان عدة المتوفى عنها زوجها، وأنها تعتد من حين وفاة الزوج أربعة أشهر وعشرًا (٢)، إلا أن تكون حاملًا، فإن عدتها تنقضي بوضع الحمل، أو تكون أمة فإنها تعتد نصف عدة الحرة (٣)، وسنذكر في سورة الحج (٤) عند قوله:
﴿فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ﴾ [الحج: ٥] الآية: لم اختصت عدة المتوفى عنها زوجها (٥) بهذا العدد، إن شاء الله.
وهذه الآية ناسخة (٦) لقوله: ﴿مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ [البقرة:
(٢) من: (ليال حلت). ساقط من (ش).
(٣) قال ابن العربي في "أحكام القرآن" ١/ ٢١٠: فإن كانت أمة فتعتد نصف عدة الحرة إجماعاً، إلا ما يحكى عن الأصم، وهذا الإجماع فيه نظر، فهذا ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٥/ ١٦٢ - ١٦٤ ينقل أن عدتها أربعة أشهر وعشرٌ عن علي وعمرو بن العاص وأبي عياض، وسعيد بن المسيب، والحسن وسعيد بن جبير والزهري وعمر بن عبد العزيز. وقد تعقب القرطبي في "تفسيره" ٣/ ١٨٣ قول ابن العربي فقال: قول الأصم صحيح من حيث النظر، فإن الآيات الواردة في عدة الوفاة والطلاق بالأشهر والأقراء عامة في حق الأمة والحرة، فعدة الحرة والأمة سواء على هذا النظر، فإن العمومات لا فصل فيها بين الحرة والأمة، وكما استوت الأمة والحرة في النكاح فكذلك تستوي معها في العدة والله أعلم.
(٤) في (ي) (سورة الحجر).
(٥) في (ي) (الزوج).
(٦) سيأتي الحديث عن النسخ عند الآية الأخرى ٢٤٠ من سورة البقرة.
وقوله تعالى: ﴿فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ﴾ يخاطب الأولياء (٢)، لأن الرجال قوامون على النساء، مأمورون بزجرهن عن مجاوزة حدود الله، فبين أنهن إذا انقضت عدتهن لا جناح على الأولياء في تخلية سبيلهن، ليفعلن في أنفسهن بالمعروف ما يردن من تزوج الأكفاء بإذن الأولياء، وهذا تفسير المعروف (٣)، لأن التي تزوج نفسها سماها النبي - ﷺ - زانيةً (٤).
٢٣٥ - قوله تعالى: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ الآية، التعريض في اللغة: ضدّ التصريح، ومعناه: تضمين الكلام دلالة على شيء ليس فيه ذكر له، وأصله: من عَرْضِ الشيء، وهو جانبه، كأنه يحوم به ولا يظهره (٥)، وينشد على هذا قول الشماخ:
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٨١.
(٣) ينظر: "تفسير ابن كثير".
(٤) روى ابن ماجه برقم (١٨٨٢) كتاب: النكاح باب: لا نكاح إلا بولي والدارقطني ٣/ ٢٢٧ والبيهقي ٧/ ١١٠ عن أبي هريرة مرفوعًا: لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها، فإنه الزانية هي التي تزوج نفسها وقد صحح الألباني الحديث دون الجملة الأخيرة منه؛ فإنها موقوفة على أبي هريرة كما في البيهقي. ينظر "إرواء الغليل" ٦/ ٢٤٨. وروى الترمذي (١١٠٣) كتاب: النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا ببينة عن ابن عباس مرفوعا: البغايا اللاتي يُنكحن أنفسهن بغير بينة. ثم أورده موقوفًا وقال: هذا أصح. وأخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" ٧/ ١٢٥ وقال: والصواب موقوف والله أعلم.
(٥) "تهذيب اللغة" (عرض) ٢٣٩٨.
كما خَطّ عِبْرَانِيَّةً بيَمِينِه | بتَيْمَاءَ حَبْرٌ ثم عَرَّضَ أسْطُرا (١) |
قال ابن الأنباري حاكيًا عن بعضهم معنى التعريض في اللغة: اتصال الشيء من الكلام إلى المخاطب (٤)، فإذا قيل: عرَّضَ به، معناه (٥): أوصل إليه كلامًا فهم معناه ودَلَّ بالذي أسمعه عليه، من قول العرب: قد عرضت الرجل. إذا أهديت إليه أوصلت إليه التحفة (٦).
ومن ذلك حديثُ عائشة: أن رسول الله - ﷺ - وأبا بكرٍ لقيا الزُّبير في رَكْبٍ قد أقبلوا من الشام يريدون مكة، فَعَرَّضُوا رسول الله - ﷺ - وأبا بكر ثيابًا بيضًا، أي (٧): أهدوها إليهما (٨).
والتعريض أخفى من الكناية؛ لأن الكناية عدول عن الذكر الأخصِّ إلى ذكر يدل عليه، والتعريض دلالة على شيء ليس له فيه ذكر، كقولك: ما أقبح
(٢) نص الأزهري "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٠٠: إذا لم يبين الحروف، ولم يقوّم الخطأ.
(٣) في (ي): (وذهب).
(٤) في (ي): (المخاطبين).
(٥) في (ي): (معنى).
(٦) ابن الأنباري
(٧) ساقطة من (ي).
(٨) الحديث ذكره في "النهاية" ص ٦٠٦، وعنه ابن منظور في "اللسان" ٥/ ٢٨٩١.
وأما الخِطْبة فقال الفراء: الخِطْبة (٣): مصدر، بمنزلة الخَطْب، وهو مثل قولك: إنه (٤) لحَسَنُ القِعْدَةِ والجِلْسَة، تريد (٥): القُعُودَ والجلوسَ (٦).
ومعى الخِطبة (٧): التماس النكاح، يقال: خَطَب فلانٌ فلانة، أي: سألها خِطبةً إليها في نفسها، أي حاجَته وأمَره، من قولهم: ما خَطْبُك، أي: ما حاجتُك وأمرك (٨).
وقال بعضهم: أصلُ الخِطْبة: من الخطاب الذي هو الكلام، يقال: خَطَبَ المرأة خِطْبَةً؛ لأنه خاطِبٌ في عقد النكاح، وخَطَب خُطْبَة: خَاطب بالزجر والوعظ.
والخَطْب: الأمر العظيم، لأنه محتاج فيه إلى خطاب كثير.
قال الليث: يقال: هو يخطبُ المرأة ويختطبها خِطبَةً وخِطِّبَى (٩)،
(٢) ينظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩٥ - ٢٤٠٣ (عرض)، "والنهاية" ص٦٠٤ - ٦٠٧، "المفردات" ص ٣٣٣، "اللسان" ٥/ ٢٨٩٥ (عرض).
(٣) قوله: فقال الفراء: الخطبة. ساقطة من (أ) و (م).
(٤) في (ش) (وأنه).
(٥) في (أ) (يريد).
(٦) "معاني القرآن" ١/ ١٥٢.
(٧) ساقطة من (م).
(٨) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٥.
(٩) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٢ - ١٠٥٣ مادة "خطب".
لخطِّيبى التي غَدَرَت وخَانَت | وهُنّ ذَوَاتُ غائِلِةٍ (١) لُحِينَا (٢) |
قال المفسرون: ومعنى التعريض بالخطبة: أن يقول لها وهي في العدة: إنك لجميلة، وإنك لصالحة، وإنك لنَافِقة، وإن من عَزْمي أن أتزوج، وإني فيك لراغب، وما أشبه هذا من الكلام (٤). هذا في عدة المتوفى عنها، فأما الرجعية فلا يحل التعريض بخطبتها (٥) في العدة؛ لأنها في معاني الأزواج، وأما المختلعة والمطلقة ثلاثًا فالصحيح أن التعريض بخطبتها جائز، كجوازه في عدة الوفاة (٦).
(٢) البيت لعدي بن زيد في ديوانه ص ١٨٢، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٣، "لسان العرب" ٢/ ١١٩٤ خطب. قال الأزهري: والمعنى: لِخْطَبة زباء وهي امرأة كانت مَلِكَةً خَطَبَها جذيمةَ الأبرش، فَغَرّرت به وأجابته، فلما دخل بلادها قَتَلَتْهُ. وقد خطأ الأزهري قول الليث: إن خطيبى في البيت اسم امرأة بل هو مصدر كالخِطبة.
(٣) ينظر في خطب "معاني القرآن" للأخفش ١/ ٣٧٣، "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٥٣ (خطب)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٦٥، "المفردات" ص ١٥٧، "اللسان" ٢/ ١١٩٤ - ١١٩٥ (خطب)، قال في المفردات: وأصل الخِطبة. الحالة التي عليها الإنسان إذا خطب، نحو الجلسة والقِعدة، ويقال من الخُطبة: خاطب وخطيب، ومن الخِطبة: خاطب لا غير، والفعل منهما خطب.
(٤) كذا يروى عن القاسم ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن القاسم وآخرين، فيما ذكر عنهم الطبري في "تفسيره" بإسناده ٢/ ٥١٧ - ٥٢٠، وينظر صحيح البخاري (٥١٢٤) كتاب: النكاح، باب: قول الله عز وجل ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ﴾، "مصنف عبد الرزاق" ٧/ ٥٣، "مصنف ابن أبي شيبة" ٤/ ٢٥٧.
(٥) في (ش): (بخطبها).
(٦) ينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ١٨٨، "التفسير الكبير" ٦/ ١٤٠ - ١٤١.
وقال السدي: هو أن يَدْخُل فَيُسَلِّم ويُهْدِي إن شاءَ ولا يتكلم بشيء (٤).
ومعنى الإكنان في اللغة: الإخفاء والستر. قال الفراء: للعرب في أكننت الشيء إذا سترته لغتان، كَنَنْتُهُ، وأَكْنَنْتُهُ وأنشدوني (٥):
ثَلاثٌ من ثَلاثٍ قُدَامِيَاتٍ | مِنَ اللاتِي يَكُنُّ مِنَ الصَّقيعِ (٦) |
ونحو هذا قال ابن الأعرابي وأبو زيد: قالوا: كننت الشيء وأكننته في الكِنِّ وفي النفس بمعنى. وفَرَّقَ قومٌ بينهما، فقالوا: كننتُ الشيء: إذا صُنته حتى لا تصيبَه آفةٌ، وإن لم يكن مستورًا، يقال: دُرٌّ مكنون، وجاريةٌ مكنونة، وبيضٌ مكنون: مَصُونٌ عن التَّدَحْرُج (٩).
(٢) المصدر السابق.
(٣) ساقط من (م) و (أ).
(٤) أخرجه الطبري ٢/ ٥٢١، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٣٩ (٢٣٢٩).
(٥) في (م) (أنشدني).
(٦) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٧/ ٣٩٤٢ [مادة: كنن]، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٩٦، "تاج العروس" (مادة: كنن). وينظر "المعجم المفصل" ٤/ ٤١٥.
(٧) في الأصل: طمس عليها، والكلام يقتفيها، وهي مذكورة في "معاني القرآن" الفراء.
(٨) "معاني القرآن" ١/ ١٥٢ - ١٥٣.
(٩) "اللسان" ٧/ ٣٩٤٢ - ٣٩٤٣، وينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧.
وقوله تعالى: ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾ يعني: الخطبة (٦)، ﴿وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا﴾.
روى الكلبيُّ، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال: السرُّ في هذا الموضع النكاح، وأنشد عنه بيت امرئ القيس:
وأن لا يشْهَدَ السِّرَّ أمْثَالي (٧) (٨).
وقال الشعبي (٩) والسدي (١٠): لا يأخذ ميثاقها أن لا تنكح غيره،
(٢) (الذي) ساقط من (ي،. وفي (ش) (إذا).
(٣) ساقطة من (ي).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧.
(٥) ينظر في (كنن) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٢ - ١٥٣، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧، "تهذيب اللغة" "المفردات" ص ٤٤٤، "اللسان" ٧/ ٣٩٤٢ - ٣٩٤٣.
(٦) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٣٦٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢١، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٣٩ عن الحسن.
(٧) ورد البيت هكذا:
ألا زعمت بسباسة اليوم أنني | كَبِرْتُ وألا يُحْسِنَ السِّرَّ أمثالي |
(٨) كذا نقَل رواية الكلبي وبيت الشعر من "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٣.
(٩) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٣، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٤٣٩.
(١٠) أخرجه الطبري في الموضع السابق.
ويَحْرُمُ سِرُّ جَارَتهِمِ عَلَيْهِم | ويَأكلُ جَارُهُم أَنْفَ القِصَاعِ (٧) |
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٢، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٠.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٨٧٦، انظر المصدرين السابقين.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٣.
(٥) المصدر السابق.
(٦) ينظر ما تقدم عند الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٦٦ - ١١٦٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٣.
(٧) البيت من الوافر، وهو للحطيئة في "ديوانه" ص ٣٢٨، و"أمالي المرتضى" ١/ ١٧٥، ومعناه: يصفهم بالعفة والكرم، فهم يعفون عن سر الجارة، ويؤثرون ضيفهم بخير الطعام. وينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٧.
(٨) تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي من المقدمة.
(٩) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٧٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٧٣.
(١٠) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧١.
مَوَانِع للأسْرَارِ (١) إلا من أَهْلِهَا | ويخْلِفْنَ ما ظَنَّ الغَيْورُ المُشَفْشَفُ (٢) |
فحصل في السرِّ أربعة أقوال: النكاح، والجماع، والزنا، والسِرّ الذي تخفيه وتكتمه غيرك.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ يعنى: التعريض بالخطبة كما ذكرنا (٣)، ويكون التقدير: قولًا معروفًا في هذا الموضع، وهو التعريض (٤) غير التصريح؛ لأن التصريح مزجور عنه، فهو منكر (٥) غير معروف.
ويجوز أن يكون المعنى: قولًا معروفًا (٦) منه الفحوى والمعنى دون التصريح.
قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ قد ذكرنا معنى العزم عند قوله: ﴿وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ﴾. ولم يقل: على عقدة النكاح
(٢) البيت في "ديوانه" ٢/ ٢٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧١، "لسان العرب" ٤/ ٢٢٩٢ مادة شفف. والمشفف: السخيف السيء الخلق، وقيل: الغيور، ويروي: المُشَفْشِف بالكسر عن ابن الأعرابي، وأراد: الذي شَفّت الغيرة فؤاده فأضمرته.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٢ عن مجاهد، ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٢، "تفسير البغوي" ١/ ٢٨٣، "تفسير القرطبي" ٣/ ١٩٢.
(٤) من قوله: (بالخطبة) ساقط من (ش) و (ي).
(٥) في (ي): (منكور).
(٦) في (ش): (معروفًا يعني منه).
والمفسرون قالوا: معناه: لا تصححوا عقدة النكاح (٢).
وأصل العقد: الشدّ. والعهود (٣) والأنكحة تسمى عقودًا؛ لأنها كَعَقْد الحبل في التوثيق.
وقال عبد الرحمن بن زيد: هذه الآية نسخت ما قبلها، والخطبةُ (٤) ومواعدهُ النكاح، وكلُّ شيء جائز إلا النكاح فقط (٥).
وقوله تعالى: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾ قيل: الكتاب: القرآن. والمعنى: حتى يبلغ فرض الكتاب أجله، يعنى: العدة المفروضة تنقضي.
ويجوز أن يكون الكتاب نفسه في معنى الفرض، فيكون المعنى: حتى يبلغ الفرض كمال أجله، قال: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ [البقرة: ١٨٣] أي: فرض، وإنما جاز أن يقع (كتب) بمعنى فرض؛ لأن ما يكتب يقع في
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٢٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٣، "البحر المحيط" ٢/ ٢٢٩.
(٣) في (م): (والعقود).
(٤) في (ي): (فالخكطبة).
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٢٧، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٧٢، ومكي في "الإيضاح" ١٨٥.
٢٣٦ - قوله تعالى: ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ الآية. نزلت في رجل من الأنصار، تزوَّجَ امرأةً من بني حنيفة، ولم يسمِّ لها مهرًا، ثم طلقها قبل أن يَمَسَّها، فأنزل اللهُ هذه الآيةَ، فلما نزلت قال له رسول الله - ﷺ -: "مَتَّعْها ولو بقلنسوتك" (٢).
فإن قيل: ما معنى نفيِ الجناح عن المطلَّق قبل المسيس، ولا جناح على المُطَلِّقِ بعده؟ قيل: ظاهر الآية رفع الحرج عن المطلق قبل المسيس وقبل الفرض، فيحتمل أن يكون معناه: لا سبيل للنساء عليكم إذا طلقتموهن قبل المسيس والفرض بصداق ولا نفقة.
ويحتمل أن يكون معناه: إباحة الطلاق له أي وقت شاء، بخلاف ما لو طلق بعد المسيس فإنه يجب أن يطلق للعدة (٣).
(٢) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ٢٠٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٧٤، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٧٩، والقرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٢، وأبو حيان في "البحر" ٢/ ٢٣٠، وقد ذكره الزيلعي في تخريج أحاديث "الكشاف" ١/ ١٥١، وبيض له، وقال الحافظ كما في "الكشاف" ١/ ٢٨٥: لم أجده، وقال الولي العراقي كما في "الفتح السماوي" ١/ ٢٩٣: لم أقف عليه، وعزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٥٩٦ إلى مجاهد ولم يذكر من خرجه. وقد روى البيهقي ٧/ ٢٥٧، والخطيب في "تاريخ بغداد" ٣/ ٧٢ من حديث جابر - رضي الله عنه - قال: لما طلق حفص بن المغيرة امرأته، قال له رسول الله - ﷺ -: "متعها ولو بصاع"، وليس فيه ذكر لسبب نزول الآية. وينظر تحقيق "تفسير الثعلبي" للمنيع ٢/ ١١٧٤.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٥ - ١١٧٩، وينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣٨ - ٥٣٩، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٨٤، و"البحر المحيط" ٢/ ٢٣٢.
وقال صاحب النظم: ما في قوله: ﴿لَمْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ بمعنى الذي على النعت للنساء والترجمة والبيان عنهن، على نظم: إن طلقتم النساء اللاتي لم تمسوهن. و (ما) اسم جامد لا يتصرف، ولا يتبين فيه الإعراب ولا العدد (٤).
واختلف القراء في قوله: ﴿تَمَسُّوهُنَّ﴾ فقرأ حمزة والكسائي من المفاعلة، والباقون من الثلاثي (٥)، لإجماعهم على قوله: ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ﴾ [آل عمران: ٤٧] ولأن أكثر الألفاظ في هذا المعنى جاء على فَعَلَ دون فاعل، كقوله ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ﴾ [الرحمن: ٥٦] كقوله: ﴿فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٥] (٦).
والنكاح عبارة عن الوطء وإن كان قد وقع على العقد (٧).
فأما ما جاء في الظهار من قوله: ﴿مِّنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ [المجادلة: ٣]، فإنه أراد المماسة التي هي عين (٨) الجماع، وهي حرام في الظهار (٩).
(٢) من قوله: (كما أن) ساقطة من (ش).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٨.
(٤) ينظر: "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ٢٩٦ وما بعدها.
(٥) ينظر: "السبعة" ص ١٨٣ - ١٨٤، "الحجة" ٢/ ٣٣٦، "النشر" ٢/ ٢٢٨.
(٦) نقله عن أبي علي الفارسي في "الحجة" ٢/ ٣٣٦.
(٧) "الحجة" ٢/ ٣٣٧.
(٨) في (ش) و (م) (غير).
(٩) "الحجة" ٢/ ٣٣٧ - ٣٣٨.
وقوله تعالى: ﴿أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً﴾. أي. توجبوا لهن صداقًا (٢). ومضى الكلام في معنى الفرض عند قوله: ﴿فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ﴾ [البقرة: ١٩٧].
واختلفوا في تقديره، فقال قوم: (أو) هاهنا عطف على محذوف قبله، والتقدير: ما لم تمسوهن ممن فرضتم لهن أو لم تفرضوا لهن، لأن كل منكوحة إنما هي إحدى ثنتين: مفروض لها الصداق، وغير مفروض لها.
وقال قوم: أو هاهنا بمعنى الواو، يريد: ما لم تمسوهن و (٣) لم تفرضوا لهن فريضة، كقوله: ﴿يَزِيدُونَ﴾ [الصافات: ١٤٧] (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَمَتِّعُوهُنَّ﴾ أي: زودوهن وأعطوهن من مالكم (٥) ما يتمتعن به (٦) ومضى الكلام في معنى المتعة والتمتع.
فأما من يستحق المتعة: فالمرأة إذا طلقت قبل تسمية المهر وقبل المسيس، فإنها تستحق المتعة بالإجماع من العلماء، ولا مهر، وإنما تستحق المتعة في مقابلة ما حصل (٧) من العقد عليها (٨). وإن طلقها بعد
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٥، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٨٤.
(٣) في (ي) (أوتفرضوا).
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٣١.
(٥) في (ي) (وأعطوهن ما لكم).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٧٩، و"تفسير البغوي" ١/ ٢٨٤.
(٧) في (ي) (حصلت).
(٨) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨٢، "تفسير القرطبي" ٣/ ٢٠٠.
وإن لم يدخلْ بها ولم يَفْرِضْ لها حتى مات ففيها قولان:
أحدهما: لها مهر مثلها والميراث، وهو مذهب أهل العراق (٣)، لحديث بِرْوع بنت واشَقْ الأشْجَعِية (٤) حين توفي عنها زوجها، ولم يفرض لها، ولا دخل بها، فقضى رسول الله - ﷺ - بمهر نسائها، لا وَكْسَ ولا شطط، وعليها العِدّة، ولها الميراث (٥).
والقول الثاني: وهو الصحيح: أن لها الميراث، وعليها العدة، ولا مهر لها، ولها المتعة، كما لو طَلَّقها قبل الدخول والتسمية، وهو قول علي (٦) -رضى الله عنه- وكان علي يقول في حديث بِرْوع: لا يقبلُ قولُ
(٢) وقع الخلاف في حكم المتعة، وقد ذكره المؤلف عند الآية رقم (٢٤١) فلينظر.
(٣) ينظر "اختلاف العلماء" للمروزي ص ١٤٢، "مختصر الطحاوي" ص ١٨٤، "المبسوط" ٥/ ٦٢، " المغني" ١٠/ ٤٩.
(٤) بروع بنت واشق الرؤاسية الكلابية، وقيل: الأشجعية، زوج هلال بن مرة، صحابية اشتهرت بقصتها هذه. ينظر "الاستيعاب" ٤/ ٣٥٧، "أسد الغابة" ٥/ ٤٠٨.
(٥) الحديث رواه أبو داود (٢١١٥) كتاب: النكاح، باب: فيمن تزوج ولم يسم صداقا، والنسائي ٦/ ١٢١ كتاب: النكاح، باب: إباحة التزوج بغير طلاق، والترمذي (١١٤٥) كتاب: النكاح، باب: ما جاء في الرجل يتزوج المرأة فيموت عنها قبل أن يفرض لها، وصححه، وابن ماجه (١٨٩١) كتاب: النكاح، باب: الرجل يتزوج ولا يفرض لها فيموت على ذلك، وأحمد ٣/ ٤٨٠، والحاكم ٢/ ١٩٦، وقال: صحيح على شرط مسلم، عن معقل بن سنان الأشجعي، وقال الحافظ في "تلخيص الحبير" ٣/ ١٩١: وصححه ابن مهدي والترمذي وقال ابن حزم: لا مغمز فيه لصحة إسناده.
(٦) رواه عبد الرزاق في "مصنفه" ٦/ ٢٩٣، وسعيد بن منصور في "سنه" ١/ ٢٦٥، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٣٠١، والبيهقي ٧/ ٢٤٧.
وقوله تعالى: ﴿عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ﴾ المُوْسِع: الغني الذي يكون في سَعَة من غناه، يقال: أوسعَ الرجل: إذا كَثُرَ مالُه واتَّسَعت حالُه، ويقال: أوسعه كذا، أي: وسعه عليه، ومنه قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات: ٤٧] (٢).
وقوله تعالى: ﴿قَدَرُهُ﴾ أي: قَدْرَ إمكانه وطاقته، فحذف المضاف.
والمقتر: الذي في ضيق من فقره وهو المقل الفقير. وأقتر الرجل إذا افتقر.
وقرئ (قدْرُه) بالإسكان والتحريك (٣)، وهما لغتان في جميع معاني القدر.
يقال: قدر القوم أمرَهم يَقْدِرونه قَدْرًا، وهذا قَدْرُ هذا، واحمل على رأسك قَدْرَ ما تطيق، وقَدْرَ الله الرزق يَقْدِره ويَقْدُره قَدْرًا، وقَدَرْتُ الشيء بالشيء أقدِرُه قَدْرًا، وقَدَرْتُ على الأمر أقدِرُ عليه قُدْرَةً وقُدُورًا وقَدَارةً. كل هذا يجوز فيه التسكين والتحريك، يقال: هذا قدَرُ هذا، واحمل قَدَرَ ما تطيق، وهم يختصمون في القدْرِ والقَدَر، وقدرتُ عليه الثوب قدرًا، وخذ منه بقدرِ كذا وَبِقَدَر كذا، قال الله تعالى: ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ [الرعد: ١٧] وقال: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنعام: ٩١] ولو حُرِّك كان جائزًا. وكذلك: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]، ولو خُفِّفَ جَاز، إلا أَنَّه
(٢) ينظر في وسع: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٩، "المفردات" ص ٥٣٨، "اللسان" ٨/ ٤٨٣٥.
(٣) قدْرُه: بإسكان الدال، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم: قدَرُه، بتحريكين. ينظر "السبعة" لابن مجاهد ص ١٨٤.
وما صَبَّ رِجْلي (٢) في حديدِ (٣) مُجَاشِعٍ | مع القَدْرِ إلا حاجةً لي أُرِيدُها (٤) |
وهذا مذهب الشافعي رحمه الله، قال: أعلاها على الموسع (١١)
(٢) في (ش): (رحلي).
(٣) في (ي): (حديث).
(٤) البيت للفرزدق في "ديوانه" ١/ ٢١٥ وفي "إصلاح المنطق" لابن السكيت ص ٩٩، "تفسير الطبري" ٢/ ٥٣٨ "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨١، "لسان العرب" ٤/ ٢٣٨٧ (مادة: صبب).
(٥) قال الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٨٩: والصحيح أن الواجب من ذلك على قدر عسر الرجل ويسره.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٥٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٢ - ٤٤٣.
(٧) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٢/ ٢٧، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٣.
(٨) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٢٧، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٥٧، والطبري ٢/ ٥٣١.
(٩) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٠.
(١٠) الوقاية: مثلثة الواو: كل ما وقيت به شيئًا، والوِقاية التي للنساء. ينظر "لسان العرب" ٨/ ٤٩٠١ - ٤٩٠٤ (مادة: وقى).
(١١) في (ي) (الموضع).
وعند أبي حنيفة رحمه الله: مبلغها إذا اختلف الزوج والمرأة فيها قدر نصف مهر مثلها (٢).
وقوله تعالى: ﴿مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ﴾ انتصب على: متعوهن متاعًا، وإن شئت على الخروج من القدر، لأنه معرفة وهذا نكرة (٣).
وقوله تعالى: ﴿بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي: بما يعرفون القصد وقدر الإمكان (٤).
وقوله تعالى: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ منصوب على: حقَّ ذلك عليهم حقًا، يقال: حققت عليه القضاء وأحققت: أي أوجبت (٥).
٢٣٧ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ الآية. هذا في المطلقة بعد التسمية وقبل الدخول، حكم الله تعالى لها بنصف المهر ولا عِدَّة عليها (٦)، وإن مات عنها قبل الدخول فلها المهر كاملًا والميراث،
(٢) "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٤٣٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨٩.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٩، وعبارته: يجوز أن يكون منصوبا على الخروج من قوله: (ومتعوهن... متاعًا) أي: ممتعًا متاعًا. وينظر "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣١٩. وقال الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٨١: ويجوز أن يكون نصبًا على القطع، لأن المتاع نكرة والقدر معرفة.
(٤) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٩.
(٥) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٩، وينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٤ - ١٥٥، و"التبيان" ص ١٤٢.
(٦) تنظر الآثار في ذلك في "تفسير الطبري" ٢/ ٥٤٠، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤.
والآية دلالة ظاهرة على أبي حنيفة حيث أوجب كمال الصداق (٢) بالخلوة (٣).
قال شريح: لم أسمع الله تعالى ذكر في كتابه بابًا ولا سترًا، إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق (٤). وهو مذهب ابن عباس، قال: إذا خلا بها (٥) ولم يَمَسَّها فلها نصف المهر، لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ﴾ الآية (٦).
وقال ابن مسعود: لها نصف المهر وإن قعد بين رجليها (٧).
فأما ما ذكر عن زرارة ابن أبي أوفى (٨) أنه قال: قضى الخلفاء الراشدون أن الرجل إذا أغلق بابًا وأرخى سترًا وجب المهر (٩). فإنهم أرادوا
(٢) في (ي) (الطلاق).
(٣) ينظر: "اختلاف العلماء" للمروزي ص ١٥٧، "الإشراف" ٣/ ٤٨، "تحفة الفقهاء" للسمرقندي ٢/ ١٩٣.
(٤) رواه سعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٢٣٤، ووكيع في "أخبار القضاة" ٢/ ٢٥٤، وذكره الثعلبي في "سننه" ٢/ ١١٩٤، والقرطبي ٣/ ٢٠٥.
(٥) في (أ) و (م) (خلاها).
(٦) رواه الشافعي في "الأم" ٥/ ٢٣٠، وعبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٢٩٠، وسعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٢٣٦، قال ابن المنذر في "الإشراف" ٣/ ٤٩: فأما حديث ابن عباس فإنما رواه ليث بن أبي سليم، وليث يضعف.
(٧) ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٦، وذكر القرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٥ عن ابن مسعود قال: قضى الخلفاء الراشدون فيمن أغلق بابًا أو أرخى سترًا أن لها الميراث وعلها العدة، وروي مرفوعا خرجه الدارقطني.
(٨) في (أ) و (ي) و (م): (ابن أوفى).
(٩) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٢٨٨، وسعيد بن منصور في "سننه" ١/ ٢٣٤،=
وقوله تعالى: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ أي: فَعَلَيكم نصفُ ما فَرَضْتُم، أو فالواجب ذاك (١). والنصف: الجزء من اثنين على المساواة، وكل شيء بَلَغَ نِصْفَ غيره فقد نَصَفَه، يقال: نصفَ النهارُ ينصُفُ، ونَصَفَ الماءُ القَدَحَ، ونصفَ الساقَ إزاري، ونصفَ الغلامُ القرآنَ، ويجوز في جميع ذلك: أنصف النهار، وأنصف الغلام القرآن (٢)، ويجوز في جميع ذلك: أنصف، حكاه الفراء، يقال: أنصف النهار، وأنصف الغلام القرآن (٣) وَنَصَّفَ (٤). قال ابن ميادة:
تَرَى سَيْفَه لا ينصُفُ الساقَ نعلُه | أجَلْ لا وإن كانت طِوالا حَمَائِلُه (٥) |
(١) "تفسير القرطبي" ٣/ ٢٠٤.
(٢) من قوله: (ويجوز في جميع ذلك). ساقط من (ي).
(٣) من قوله: (ويجوز في جميع ذلك): أنصف النهار. ساقط من (ش).
(٤) ينظر في (نصف) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٨٦ - ٣٥٨٧، "المفردات" ص٤٩٧، "لسان العرب" ٩/ ٣٣٠ - ٣٣٢.
(٥) وفي رواية:
إلى ملك لا تنصف الساق نعلُه | أجل لا وإن كانت طوالا محامله |
وقال الفراء: (لو) (٤) أسقطوها لأشبه فعل الواحد المذكر، ألا ترى أنك لو أسقطت النون من يقمن لالتبس بفعل الواحد المذكر (٥).
ومعنى ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ إلا أن يترك النساء ذلك النصف فلا يطالبن الأزواج به، إذا كُنَّ بالغاتٍ رشيداتٍ، فيسقطُ عن الرجل أو بعضه، فيسقط ذلك القدر (٦).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ اختلفوا في الذي بيده عقدة النكاح.
فقال ابن عباس (٧)، في رواية العوفى: هو ولي المرأة. وهذا قول
(١) في (أ) و (م): (يسقط).
(٢) في (م): (مما).
(٣) ينظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٥ بنحوه، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣١٩، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٩٧، "التبيان" ص ١٤٢.
(٤) ساقطة من (ي).
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٥٥ بنحوه.
(٦) ذكره القرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٠٥ - ٢٠٦.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤.
وهذا مذهب أهل الحجاز، إلا أنهم قالوا: يجوز عفو ولي البكر، فإذا كانت ثيبا فلا يجوز عفوه عليها (١٠). وقال ابن عباس، في رواية عمار ابن أبي عمار (١١):
(٢) "تفسير الطبري" ٢/ ٥٤٣.
(٣) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٨٨٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤، ٥٤٥، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ٦/ ٢٨٣، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٨٢، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٦) انظر المصادر السابقة.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١١٩٩.
(٨) في (ش) و (ي) (فأي).
(٩) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٨٨٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٥،
وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٤.
(١٠) ينظر: "الموطأ" ٢/ ٥٢٨، و"الكافي" لابن عبد البر ٢/ ٥٥٩، "الإشراف" ٣/ ٤٨.
(١١) هو: عمار بن أبي عمار مولى بني هاشم أبو عمر، ويقال: أبو عبد الله، قال ابن حجر: صدوق ربما أخطأ، توفي بعد سنة ١٢٠هـ. ينظر "الجرح والتعديل" ٦/ ٣٨٩، "التقريب" ص٤٠٨ (٤٨٢٩).
وهو الصحيح الذي عليه عامة الفقهاء اليوم (١١). ومعنى عفو الزوج: أن يعطيها الصداق كاملًا، ولما ذكر الله تعالى عفو المرأة عن النصف الواجب ذكر عفو الزوج عن النصف الساقط، فيحسن لها أن تعفو ولا تطالب بشيء، وللرجل أن يعفو ويوفي المهر كاملاً.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٨١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٥، ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٣) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩٦، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٧، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٤) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٧، ٥٤٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٥) أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩٦، والطبري ٢/ ٥٤٧ - ٥٤٨، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٤٥.
(٦) أخرجه ابن أبى شيبة ٤/ ٢٨٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٨، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥.
(٨) ذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥، والجصاص في "أحكام القرآن" ١/ ٤٣٩.
(٩) هو مقاتل بن حيان، ذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٥، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٠٢.
(١٠) أخرجه ابن أبى شيبة في "المصنف" ٤/ ٢٨١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٨ - ٥٤٩، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٩.
(١١) كذا ذكره الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٤٩.
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ هذا خطاب للرجال والنساء جميعًا، إلا أن الغلبة (٣) للذكور إذا اجتمعوا مع الإناث، فلذلك غلب التذكير لسبق الأسماء المذكرة (٤) وزيادة التأنيث على ما بينَّا، تقول: قائم، ثم تريد (٥) التأنيث فتقول: قائمة، والمزيد (٦) عليه هو الأصل المغلب (٧). وموضع (أنْ) رفع بالابتداء، تقديره: والعفوُ أقربُ للتقوى (٨)، واللام بمعنى إلى (٩). والمعنى: وعفوُ بعضِكم عن بعضٍ أقربُ (١٠) إلى اتِّقاءِ
(٢) ينظر في الاستدلال لهذا القول: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٤٩، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٤٤٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٠٣ - ١٢٠٧، "تفسير البغوي" ١/ ٢٨٧.
(٣) في (أ) (الغلبة).
(٤) في (ي) و (ش) (المذكورة).
(٥) في (ش) (يريد).
(٦) في (ي) و (ش) (فالمزيد).
(٧) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣١٩ - ٣٢٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢١٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٧.
(٨) "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢١١، "التبيان" ص١٤٣، "تفسير القرطبي" ٣/ ٢٠٨، "المسير الكبير" ٦/ ١٤٤.
(٩) قال السمين في "الدر المصون" ٢/ ٤٩٦: وهذا مذهب الكوفيين، أعني: التجوز في الحروف، ومعنى اللام وإلى في هذا الموضع يتقارب. وينظر "التبيان" ص ١٤٣.
(١٠) في (ي) (أقرب للتقوى).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ﴾ قال ابن عباس: لا تتركوا أن يتفضل بعضكم على بعض، وهذا حث من الله للزوج والمرأة على الفضل والإحسان، وأمر لهما جميعًا أن يستبقا إلى العفو (٣).
٢٣٨ - قوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى﴾ الآية. الوسطى: تأنيثُ الأوسط، يقال: وَسَطَ فلانٌ الجماعة يَسِطُهم: إذا صار في وَسْطِهم، وهذا أوسطُ من ذاك على المبالغة، والأوسطُ: اسمٌ للوسط، قال الله تعالى: ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ﴾ [القلم: ٢٨] (٤).
واختلفوا في الصلاة الوسطى، فقال معاذ (٥) وعمر (٦) وابن عباس (٧)
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢١٢، "التفسير الكبير" ٦/ ١٤٥.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢١٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٨٧.
(٤) ينظر: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٨ - ٣٨٨٩، "المفردات" ص ٥٣٧ - ٥٣٨. "اللسان" ٨/ ٤٨٣١ - ٤٨٣٤ (مادة: وسط).
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢١٦، والدمياطي في "كشف المغطى في تبين الصلاة الوسطى" ص١٢٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٧.
(٦) انظر المصادر السابقة.
(٧) أخرجه مالك في "الموطأ" ١/ ١٣٩ بلاغا، وسعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٩١٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٤ - ٥٦٥، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٤٨، وقد روى سعيد بن منصور في السنن ٣/ ٩١٧، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٢/ ٥٠٤، والطبري ٢/ ٥٧٧ عن ابن عباس: أنها العصر.
روى عكرمة عن ابن عباس قال: هي صلاة الصبح، وسطت فكانت بين الليل والنهار، تُصَلى في سواد من الليل وبياض من النهار، وهي أكثر الصلاة تفوت الناس (٩)؛ ولأنها بين صلاتي ليل وصلاتي نهار (١٠).
وقال زيد بن ثابت (١١)، وأبو سعيد الخدري (١٢)، وأسامة بن
(٢) رواه سعيد بن منصور في "سننه" ٣/ ٩١٠، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢١٧، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٧، وروى الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ١/ ١٧٠ عن ابن عمر: أنها العصر.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٥، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٨، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٧.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" ١/ ١٧٩، والطبري ٢/ ٥٦٦، وذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٤٨.
(٥) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٩١٢، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٨.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٨.
(٧) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٢/ ٥٠٥، وانظر المصدرين السابقين.
(٨) "أحكام القرآن" للشافعي ص ٧١، "السنن الكبرى" للبيهقي ١/ ٤٦١.
(٩) رواه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" ١/ ١٧١، وعزاه ابن عبد البر في "التمهيد" ٤/ ٢٨٤ إلى إسماعيل القاضي، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٢١.
(١٠) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٢١.
(١١) أخرجه مالك في "الموطأ" ١/ ١٣٩، وعبد الرزاق في "المصنف" ١/ ٥٧٧، والطبري ٢/ ٥٦١.
(١٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦١، والبيهقي ١/ ٤٥٨.
وقال علي (٤) وعبد الله (٥) وأبو هريرة (٦) والنَّخَعي (٧) وقتادة (٨) والحسن (٩) والضحاك (١٠) والكلبي (١١) ومقاتل (١٢): أنها العصر، وهو اختيار أبي حنيفة (١٣) رحمه الله.
أبي حاتم ٢/ ٤٤٨.
(٢) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ١/ ٥٧٧، وذكره الترمذي ١/ ٣٤٢ كتاب: الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الوسطى... ، وروى ابن أبي شيبة في "المصنف" ٢/ ٥٠٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٥ عنها أنها قالت: هي صلاة العصر.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٣٤.
(٤) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ١/ ٥٧٧، وسعيد بن منصور في "سننه" ٣/ ٩٠١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٧ - ٥٥٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٨.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٢/ ٥٠٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٧ - ٥٥٩.
(٦) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" ١/ ٥٧٧، وسعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ٩٠٣ - ٩٠٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٩.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٦، وذكره الثعلبي ٢/ ١٢٣٥، والدمياطي في كشف المغطى ص ١١٩.
(٨) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٦، ٥٥٧.
(٩) أخرجه الطبري ٢/ ٥٥٨.
(١٠) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٢/ ٥٠٥، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٥٦.
(١١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٣٦، والنووي في "المجموع" ٣/ ٦١.
(١٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٣٦.
(١٣) "شرح معاني الآثار" ١/ ١٧٦، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٤٤٣.
وقال قبيصة بن ذؤيب (٤): إنها المغرب (٥)، لأنها وسط في الطول والقصر من بين الصلوات.
ومن خصائصها: أنها لا تقصر (٦). وحكى (٧) الشيخ الإمام أبو الطيب سهل بن محمد، رحمه الله (٨)، عن بعضهم: أنها صلاة العشاء الآخرة؛
(٢) في (ي) (وبين صلاتي).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٤٩.
(٤) هو: قبيصة بن ذؤيب الخزاعي، أبو سعيد أو أبو إسحاق المدني من أولاد الصحابة وله رؤية، من الفقهاء الوجوه، توفي سنة ٨٦ هـ. ينظر "الاستيعاب" ٣/ ٣٣٦، "التقريب" ص ٤٥٣.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٥٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٩.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٥٣ - ١٢٥٤، وهو معنى كلام قبيصة المتقدم تخريجه.
(٧) الواو ساقطة من (ي).
(٨) هو سهل بن محمد بن سليمان الصعلوكي، أبو الطيب النيسابوري، شيخ الشافعية
بخراسان ومفتيها، توفي سنة ٤٠٤. ينظر "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٢٠٧، "طبقات الشافعية الكبرى" ٤/ ٣٩٣.
وقال بعضهم: هي إحدى الصلوات الخمس ولا نعرفها (٣) بعينها (٤). سئل الربيع بن خثيم (٥) عنها فقال للسائل (٦): أرأيت إن علمتها أكنت (٧) محافظًا عليها ومضيعًا سائرهن؟ قال: لا، قال: فإنك إن حافظت عليها كلها فقد حافظت عليها (٨).
وبه يقول أبو بكر الوراق (٩).
وقال: لو (١٠) شاء الله عز وجل لعينها، ولكنه أراد تنبيه الخلق على أداء الصلوات (١١).
وقوله تعالى: ﴿وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ﴾ قال أبو عبيد: أصلُ القنوت في
(٢) ذكره الثعلبي ٢/ ١٢٥٧، وينظر كشف المغطى ص ١٣٥، "فتح الباري" ٨/ ١٩٧
(٣) في (م) (ولا يعرفها) في "تفسيره".
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٦٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٦٠.
(٥) هو: الربيع بن خثيم بن عائذ بن عبد الله التوزي أبو يزيد الكوفي، ثقة عابد مخضرم، قال له ابن مسعود: لو رآك رسول الله - ﷺ - لأحبك، توفي سنة ٦١هـ، وقيل: ٦٣ هـ. ينظر "تقريب التهذيب" ص٢٠٦ (١٨٨٨).
(٦) ساقطة من (ي).
(٧) في (ي): (كنت).
(٨) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٦.
(٩) هو محمد بن عمر الوراق الحكيم، أبو بكر البلخي، أصله من ترمذ، وأقام ببلخ، وأسند الحديث، توفي سنة ٢٤٠. ينظر "حلية الأولياء" ١٠/ ٢٣٥، "صفة الصفوة" ٤/ ١٦٥.
(١٠) في (ي): (وقالوا).
(١١) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٦٠، وأبو حيان في "تفسيره" ٢/ ٢٤١.
والقانت: الذاكر لله المصلي، كما قال: ﴿أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا﴾ [الزمر: ٩] (٢). قال أبو إسحاق: والمشهور في اللغة والاستعمال أن القنوت: العبادة والدعاء لله في حال القيام، ويجوز أن يقع في سائر الطاعة؛ لأنه إن (٣) لم يكن قيام بالرِّجلين فهو قيام بالشيء بالنية (٤). وعلى هذا صارت الآية دلالة للشافعي أن الوسطى صلاة الفجر (٥)، لأنه لا فرض يُدْعى فيه قائمًا إلا الفجر عنده (٦).
فأما المفسرون: فقال ابن عباس في رواية عكرمة (٧) والعوفي (٨)
(٢) "غريب الحديث" لأبي عبيد ١/ ٤٣٧ بمعناه، ونقله في "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠٥٤.
(٣) في (ش) (لأنه لم يكن).
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٠ - ٣٢١، وينظر في القنوت: "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٠٥٤، "المفردات" ص٤١٣، "اللسان" ٦/ ٣٧٤٧ - ٣٧٤٨.
(٥) في (ش) (أن الوسطى الفجر)، وفي (ي) (أن الصلاة الوسطى: الفجر).
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٧٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٢٢، وقد قال ابن القيم في "زاد المعاد" ١/ ٢٧٣: وكان هديه - ﷺ - القنوت في النوازل خاصة، وتركه عند عدمها، ولم يكن يخصه بالفجر، بل كان أكثر قنوته فيها؛ لأجل ما شرع فيها من التطويل، ولاتصالها بصلاة الليل.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٧٧.
(٨) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٩، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩، من طريق العوفي عن ابن عباس: مصلين.
وقال الضحاك (٦) ومقاتل (٧) والكلبي (٨): لكل أهل دين صلاة يقومون فيها عاصين، فقوموا أنتم لله في صلاتكم مطيعين.
وروي عن النبي - ﷺ - أنه قال: "كل قنوت في القرآن فهو الطاعة" (٩)
وقال ابن عباس، في رواية أبي رجاء (١٠): داعين في صلاتكم (١١).
فأما ما روي عن زيد بن أرقم (١٢) أنه قال: كنا نتكلم على عهد رسول
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٦٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩.
(٣) انظر المصدرين السابقين.
(٤) انظر المصدرين السابقين.
(٥) انظر المصدرين السابقين.
(٦) انظر المصدرين السابقين.
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠١.
(٨) انظر المصدر السابق.
(٩) رواه أحمد ٣/ ٧٥، وأبو يعلى ٣/ ٥٢٢، والطبري ٢/ ٥٦٩، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٢١٣، وابن حبان في صحيحه ٢/ ٧ قال ابن كثير في "تفسيره": ولكن في هذا الإسناد ضعف لا يعتمد عليه ورفع هذا الحديث منكر، وقد يكون من كلام الصحابي أو من دونه، والله أعلم. وكثيراً ما يأتي بهذا الإسناد تفاسير فيها نكارة فلا يغتر بها فإن السند ضعيف.
(١٠) في (م): (رخا).
(١١) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠.
(١٢) زيد بن أرقم بن زيد الخزرجي الأنصاري، أبو عمر، أول مشاهده الخندق، وقيل: المريسيع، وغزا مع النبي - ﷺ - سبع عشرة غزوة، وهو الذي أنزل الله تصديقه في =
وقال بعض (٤) أهل المعاني: ليس القنوت في اللغة بمعنى السكوت، والمراد: أنه لما نزلت الآية فهم النبي - ﷺ - من أمر الله بالقنوت وهو الطاعة تحريم الكلام في الصلاة فنهى عن الكلام في الصلاة (٥).
٢٣٩ - قوله تعالى: ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ الآية، أراد خفتم عدوًّا فحذف المفعول لإحاطه العلم به.
والرِّجَالُ: جمع رَاجِل، مثل: تَاجِر وتِجَارُ، وصَاحِب وصِحَاب (٦). والراجل: هو الكائن على رجله ماشيًا كان أو واقفًا. ويقال في جمع راجِل: رَجل ورَجَّالة ورُجّالَه ورِجَال ورُجَّال (٧).
(١) أخرجه البخاري (١٢٠٠) كتاب: الجمعة، باب: ما ينهى من الكلام في الصلاة، ومسلم (٥٣٩) كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: تحريم الكلام في الصلاة، والترمذي بلفظه (٢٩٨٦) كتاب: تفسير القرآن، باب: ٣.
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠، ٢٣٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٤٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٨٩.
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٧٨.
(٤) (بعض) ساقطة من (ي).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٧٠ - ٥٧١.
(٦) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢١، "تفسير الطبري" ٢/ ٥٧٢ - ٥٧٣، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨١.
(٧) ينظر في رجل: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٧١ - ١٣٧٥، "المفردات" ص١٩٦، =
قال المفسرون: هذا في المُسَايَفَة والمطاردة، يكبر الرجل مستقبلَ القبلة إن أمكنه، وإن (٤) لم يمكنه يكبر غير مستقبل القبلة، ثم يقرأ ويومئ للركوع والسجود، ولا ينقص بسبب الخوف من عدد الركعات، ولكن إن كان مسافرًا يقصر الصلاةَ كما يقصر المسافر (٥).
وما روي عن ابن عباس أنه قال: فرض الله على لسان نبيكم الصلاةَ في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة (٦) فذاك مذهب لا يُعْمَل به (٧). وهذه صلاة شدة الخوف، وهي التي يجوز للمصلي أن يصلي
(١) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٥٦ - ١٤٥٨، و"القاموس" ص ٩١، ونقل الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٢٨٢ عن المفضل قال: لا يقال راكب إلا لصاحب الجمل، وأما صاحب الفرس فيقال له: فارس، ولراكب الحمار: حمَّار، ولراكب البغل: بغّال.
(٢) في (ي) (ذلكم).
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٠.
(٤) في (ي) ولم يمكنه.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٠.
(٦) أخرجه مسلم (٦٨٧) كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة المسافرين.
(٧) قال النووي في "المجموع" ٤/ ٤٠٤: إن صلاة الخوف لا يتغير عدد ركعاتها، وهو مذهبنا ومذهب العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، إلا ابن عباس والحسن البصري والضحاك وإسحاق بن راهويه، وحكاه الشيخ أبو حامد عن جابر وطاوس، فإنهم قالوا: الواجب في الخوف عند شدة القتال ركعة واحدة وقال =
والصلاة بالإيماء في شدة الخوف لا يختص (٣) بخوف المشركين، بل إذا خاف سبعًا، أو سيلًا، أو جملًا صائلًا، وما الأغلب (٤) من شأنه الهلاك، له أن يومئ بالصلاة إيماءً، ويعدو عدوًا، أو يركض ركضًا إذا خاف فوت الصلاة (٥).
وقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ﴾ فصلوا الصلوات الخمس تامةً بحقوقها ﴿كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ يريد: كما افترض عليكم في مواقيتها (٦).
٢٤٠ - قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ﴾ الآية. قال ابن عباس وغيره من المفسرين: نزلت الآية في رجل من أهل الطائف يقال (٧) له: حكيم بن الحارث، هاجر إلى المدينة وله
(١) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٣. وصلاة الخوف ذكرت في سورة النساء [آية: ١٠٢].
(٢) في (أ) و (م) قال.
(٣) في (م): (لا تختص).
(٤) في (م): (وما إلا وغلب)، وفي (ي): (وأما الأغلب).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٣، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٧٦، "البحر المحيط" ٢/ ٢٤٤.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٥، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٠.
(٧) في (م): فقال.
فكان الأمر في ابتداء الإسلام على هذا، إذا مات الرجل لم يكن لامرأته من الميراث شيء إلا السُّكْنى والنفقة سنة، ما لم تخرج من بيت زوجها، وكان المتوفى يوصي بذلك لها، فإن خرجت من بيت زوجها لم يكن لها نفقة، وكان الحول عزيمةً عليها في الصبر عن (٢) التزوُّجِ، ولكن كانت مخيرةً في أن تعتدَّ إنْ شاءت في بيتِ الزوجِ، وإن شاءت خَرَجَتْ قبلَ الحَوْلِ، على أنها إنْ خرجت سقطتْ نفقتُها.
هذا جملةُ حكم هذه الآية. ثم وَرَدَ النَّسْخُ على هذه الآية من وجهين: أحدهما (٣): أن العدة صارت مُقَدَّرةً بأربعة أشهرٍ وعشر، وقد تقدمت الآية الناسخة.
والوجه الثاني: أن الميراث ثبت (٤) لها، وسقطت نفقة العدة (٥).
(٢) في (ي): (في).
(٣) ساقطة من (ي).
(٤) في (ي): يثبت.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩٠، وينظر "صحيح البخاري" (٤٥٣٦) كتاب: التفسير،=
فمن رفع فله وجهان:
أحدهما: أن يجعل الوصية مبتدأ، والظرف خبره، وهو قوله: ﴿لَأَزْوَاجِهِم﴾، وحَسُنَ الابتداء بالنكرة، لأنَّه موضعُ تخصيصٍ (٢)، كما حسن أن يرتفع: سلام عليكم، وخير بين يديك.
والوجه الآخر: أن يُضمر (٣) له خبرًا، فيكون قوله: ﴿لَأَزْوَاجِهِم﴾
(١) قرأ بالرفع: ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي، وقرأ الباقون بالنصب. ينظر السبعة لابن مجاهد ص ١٨٤.
(٢) في "الحجة" لأبي علي: تحضيض.
(٣) في (ش): (يضمر).
قال أبو عبيد: ومع هذا رأينا (٢) المعنى كله في القرآن رفعًا، مثل قوله: ﴿فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [البقرة: ٢٣٧] ﴿فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ﴾ [النساء: ٩٢] ﴿فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ﴾ [البقرة: ١٩٦]. ونحوهما (٣).
ومن نصب حمله على الفعل، أىِ: فليوصوا وصيةً، فتُنْصَب الوصيةُ على المصدر، ويكون قوله: ﴿لَأَزْوَاجِهِم﴾ وصفًا كما كان في قول من أضمر الخبر كذلك. ومن حجتهم: أن الظرف إذا تأخر عن (٤) النكرة كان استعماله صفةً أكثر، وإذا كان خبرًا تقدم على النكرة، كقوله: ﴿وَلَهُمْ أَعْمَالٌ﴾ [المؤمنون: ٦٣] ﴿وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ (٣٥)﴾ [ق: ٣٥] فإذا تأخرت فالأكثر (٥) فيها أن تكون صفات، وهاهنا تأخر الظرف، وهو قوله: ﴿لَأَزْوَاجِهِم﴾، فالأحسن أن تكون صفة للنكرة لا خبرًا (٦).
فإن قيل: كيف يوصي المتوفّى، والله تعالى ذكر الوفاة ثم أمر بالوصية؟.
قلنا: المعنى: والذين يقاربون الوفاة ينبغي أن يفعلوا هذا، فالوفاة عبارة عن الإشراف عليها (٧).
(٢) عند الثعلبي: رأينا هذا.
(٣) نقله عنه الثعلبي٢/ ١٢٨٧.
(٤) في (ش) و (ي): (على).
(٥) في (ي): فأكثر.
(٦) من "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٤٣.
(٧) من "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٤٣.
وقوله تعالى: ﴿مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ﴾ انتصب على معنى: متعوهن متاعًا، فيكون كقوله: ﴿وَصِيَّةً﴾ عند من قرأها بالنصب، ويجوز أن يكون على تأويل: جعل الله لهن ذلك متاعًا؛ لأن ما قبله من الكلام قد دل على هذا.
وقيل: إنه عبارة عن الحال، وقيل: نصب بالمصدر الذي هو الوصية، كقوله (٢): ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيمًا﴾ [البلد: ١٤ - ١٥] (٣).
وعنى بالمتاع: نفقة سنتها لطعامها (٤) (٥).
وقوله تعالى: ﴿غَيْرَ إِخْرَاجٍ﴾ نصب على أنه (٦) صفةٌ لمتاع، وقيل: نصب بوقوعه موقع الحال، كأنه قال: مَتِّعوهن مقيمات غير مخرجات.
وقيل: انتصب بنزع (٧) الخافض، أراد: من غير إخراج (٨).
(٢) ليست في (ي).
(٣) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٧، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٢، "التبيان" ص١٤٣.
(٤) في (ش): إطعامها.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٨، وزاد: وكسوتها وسكناها وما تحتاج إليه.
(٦) ساقط من (ي).
(٧) في (ي): انتزع بنصب.
(٨) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٨٨،"مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٢، "التبيان" ص١٤٣.
قال عطاء: يريد التزوج بعد العِدة، يعنى: إذا مضت لها ثلاثة قروء كان لها أن تتزوج، وهذا منسوخ كما بينا (٣). وفي (٤) رفع الجناح عن الرجال بخروج النساء وجهان:
أحدهما: لا جناح في قَطْعِ النفقة عنهن إذا خرجن قبل انقضاء الحول.
والثاني: لا جُناحَ عليكم في ترك منعهن من الخروج؛ لأن مُقامَها حولًا في بيت زوجها غيرُ واجب عليها (٥).
٢٤١ - قوله تعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ قال ابن زيد: إنما نزلت هذه الآية؛ لأن الله سبحانه لما أنزل قوله: ﴿وَمَتِعُوهُنَ﴾ إلى قوله: ﴿حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٣٦]، قال رجل من المسلمين: إن أحسنت فعلت، وإن لم أرد ذاك لم أفعل، فقال الله تعالى: ﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ (٦) يعنى: المتقين الشرك، فبين أن لكل مطلقة متاعًا (٧).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩١، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩١.
(٣) ينظر كلامه عند تفسيره لآية ١٠٦ في: بيان الصحيح في النسخ.
(٤) في (ي): (في).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩١، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩١.
(٦) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨٤ - ٥٨٥، وذكره في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩٢.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩٢.
فطائفة تقول: لكل مطلقة متعة كائنة من كانت، وعلى أي وجه وقع الطلاق، وهو قول الحسن (١) وسعيد بن جبير (٢) وأبي العالية (٣).
وطائفة تقول: المتعة واجبة لكل مطلقة إلا المطلقة المفروض لها إذا طلقت قبل الدخول، إنما لها نصف المسمى فقط (٤).
وقال بعضهم: ليس شيء من ذلك بواجب، وإنما المتعة إحسان، والأمر بها أمر (٥) ندب واستحباب، وهو مذهب أبي حنيفة (٦).
روي أن امرأة خاصمت إلى شريح في المتعة فقال شريح للزوج: (لا تأب أن تكون من المحسنين (٧)) ولا تأب أن تكون من المتقين، ولم يجبره على ذلك (٨).
(٢) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" ٢/ ٢٩، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨٤.
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٥٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٢، وابن أبي حاتم ٢/ ٤٥٤.
(٤) وهذا قول ابن عمر ونافع وعطاء ومجاهد ومذهب الشافعي. ينظر "الموطأ" ٢/ ٥٧٣، وعبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٦٨، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ١٥٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٣٢، والأم ٥/ ٦٣، و"أحكام القرآن" للشافعي ص٢١٦، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨٤ - ١١٨٥.
(٥) ليست في (ش).
(٦) ينظر: "مختصر الطحاوي" ص ١٩٤، "أحكام القرآن" للجصاص ١/ ٤٢٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١١٨٦.
(٧) سقطت من (ش).
(٨) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٧/ ٧١، وسعيد بن منصور ٢/ ٢٨، ووكيع في "أخبار القضاة" ٢/ ٣٢٧، والطبري ٢/ ٥٣٤، ابن أبي حاتم ٢/ ٤٤٣.
٢٤٢ - قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ﴾ أي: مثل البيان الذي تقدم فيما ذكر من الأحكام يبين آياته، فشبه البيان الذي يأتي بالبيان الذي مضى (٢).
وقوله تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ قال عطاء: يريد: يفسر لكم فرائضه لتعملوا (٣) بها حتى تفقهوا. قال أبو إسحاق: حقيقة هذا أن العاقل هاهنا الذي يعمل بما افترض الله عليه، لأنه إن فهم الفرض (٤) ولم يعمل به فهو جاهل ليس بعاقل. وحقيقة العقل: استعمالُ الأشياء المستقيمة، ألا ترى أن الله تعالى وصَفَ بالجهلِ أقوامًا آثروا هواهم على ما علموا أنه الحق، وإن كانوا ذوي عقل، من حيث يلزمهم التكليف، فقال: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ﴾ [النساء: ١٧] فلو كان هؤلاء جهالًا غير مميزين لسقط عنهم التكليف (٥) (٦).
وقال غيره: معنى ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أي: ثبت لكم صفةُ العقلاء، باستعمالِ ما بَيَّنَّا لكم، وهذا قريب مما ذكر.
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٢.
(٣) في (ش): لتعلموا.
(٤) في (م) لعلها (الغرض).
(٥) ساقط من (أ) و (م).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٢.
قال أهل المعاني: وفي هذا تعجيب (٢) وتعظيم، كما تقول: ألم تر إلى ما يصنع فلان. وكل ما في القرآن من نحو هذا فهذا سبيله (٣).
وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ﴾ قال المفسرون: أراد به قومًا من بني إسرائيل، كانوا أهل قرية يقال لها: داوَرْدَان (٤)، وقع بها الطاعون فخرجوا هاربين منها (٥)، حتى نزلوا واديًا فأماتهم الله جميعًا (٦).
(٢) في (ش) و (ي): (هذا تبين تعجيب).
(٣) "تفسير غريب القرآن" ص ٨٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٠٧، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٤.
(٤) قرية في نواحى شرقي واسط، بينهما فرسخ. ينظر: "معجم البلدان" ٢/ ٤٣٤، والمذكور في "تفسير مقاتل" (دامرودان).
(٥) في (ش) و (ي): (منه).
(٦) وهذا قول ابن عباس والسدي وأبي مالك وابن زيد والحسن وعمرو بن دينار. ينظر "تفسير الطبري" ٢/ ٥٨٩، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٥٨، "الدر المنثور" للسيوطي ١/ ٥٥١، و"بذل الماعون في فضل الطاعون" ص ٢٣٦، قال الحافظ ابن حجر في "بذل الماعون" ص ٢٣٥: والطرق الماضية من أن فرارهم كان بسبب الطاعون أقوى مخرجًا وأحسن طرقًا.
واختلفوا في مبلغ (٤) عددهم، فلم يقولوا دون ثلاثة آلاف، ولا فوق سبعين ألفًا (٥).
والوجه من حيث اللفظ أن يكون عددهم يزيد على عشرة آلاف؛ لقوله: ألوف وهو جمع الكثير (٦)، ولا يقال في عشرة فما دونها: ألوف (٧).
وقوله تعالى: ﴿حَذَرَ الْمَوْتِ﴾ ينتصب على أنه مفعول له، أي: لحذر
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩٨.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩٨.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٩٠، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٥٦ - ٤٥٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٢٩٩.
(٦) في (ي): (الكثير).
(٧) هذا ترجيح الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٠١، وتنظر الأقوال: عند الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٥٥، والسيوطي في "الدر المنثور" ١/ ٥٥١، والحافظ في "بذل الماعون" ص ٢٣٢.
وقوله تعالى: ﴿فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا﴾ يجوز أن يكون الله تعالى أماتهم عند قوله لهم (٢): موتوا، ويكون ذلك أمر تحويل (٣)، كقوله: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ [البقرة: ٦٥] ويجوز أن يكون هذا أمرًا والمراد منه (٤) الخبر. وقد ذكرنا وجوه الأمر عند قوله: ﴿كُونُوا قِرَدَةً﴾ [البقرة: ٦٥] (٥).
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ أَحْيَاهُمْ﴾ قال ابن عباس: وذلك أن نبيهم حزقيل خرج في (٦) طلبهم فوجدهم بعد ثمانية أيام موتى، وقد نتنوا، فتضرع إلى الله وبكى، وقال: يا رب كنت في قوم يحمدونك ويمجدونك فبقيت وحيدًا لا قوم لي، فأوحى الله إليه رحمة منه له: إني قد جعلت حياتهم إليك، فقال حزقيل: احيوا، فقاموا كأنهم نيام انتبهوا من نومهم، فذلك السبط الذين أُحيوا في الدنيا تشم منهم رائحة منتنة تخالف روائح الناس (٧).
وقال قتادة: مقتهم الله على فرارهم من الموت، فأماتهم عقوبة لهم، ثم بعثهم إلى بقية آجالهم ليتوفوها، ولو كانت آجال القوم جاءت ما بعثوا بعد موتهم (٨).
(٢) في (ي) (قوله موتوا).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٠٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٩٤.
(٤) في (ي) و (ش) (فيه).
(٥) ينظر: "تفسير البسيط للواحدي" الدكتور/ محمد الفوزان ص ١٠١٩.
(٦) ساقطة من (ش).
(٧) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٣، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٠٥، والثعلبي في "عرائس المجالس" ص ٢٥٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٩٣.
(٨) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨٩.
٢٤٤ - قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يذهب كثير من أهل التفسير إلى أن هذا خطاب للذين أحيوا (٢).
قال الضحاك: أحياهم ثم أمرهم بأن يعاودوا (٣) إلى الجهاد (٤).
وقال ابن عباس في رواية عطاء: يحرض المؤمنين على القتال (٥).
فهذا يدلُّ على أنَّ الخطاب لأمة محمد - ﷺ - وهذا أظهر (٦)، لأن الكلام على وجهه لا محذوف فيه، وعلى الأول يحتاج إلى إضمار، أي: وقيل لهم: قاتلوا (٧).
قال الزجاج: يقول لا تهربوا من الموت، كما هرب هؤلاء الذين
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٩١ - ٥٩٢، "تفسير أبي المظفر السمعاني" ١/ ٢٦٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٠٩، "تفسير البغوي" ١/ ١٩٤.
(٣) في (ي) و (ش) (يعادوا).
(٤) أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٥٩، وتنظر روايات أخرى عن ابن عباس وغيره، فيها الأمر بالجهاد، عند الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٨٦، ٥٨٧، ورد الطبري هذا الوجه من التفسير في "تفسيره" ٢/ ٥٩١ - ٥٩٢ قائلًا: ولا وجه لقول من زعم أن قوله: (وقاتلوا في سبيل الله)، أمر من الله للذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف بالقتال بعدما أحياهم، ثم ذكر تفصيلًا مطولًا في المسألة.
(٥) ينظر: "التفسير الكبير" ٦/ ١٦٥، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٤. وتقدم الحديث عن هذه الرواية في قسم الدراسة ص ٩٢.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٣.
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٥٩١، "بحر العلوم" ١/ ٢١٦، "تفسير القرطبي" ٣/ ١٥٤، وذكر أنه قول الجمهور.
وقوله تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ أي: سميع لما يقوله المُتَعَلل (٢) ﴿عَلِيمٌ﴾ بما يضمره، فإياكم والتعلل بالباطل، وقيل: ﴿سَمِيعُ﴾ لقولكم إن قلتم، كقول الذين تقدم ذكرهم، ﴿عَلِيمٌ﴾ بضمائركم (٣).
٢٤٥ - قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ الآية. القرض: اسم لكل ما يلتمس عليه الجزاء، يقال: أقرض فلان فلانًا، إذا أعطاه (٤) ما يتجازاه منه، والاسم منه: القرض، وهو ما أعطيتَه لتكافأ عليه، هذا إجماع من أهل اللغة (٥).
قال الكسائي: القرض: ما أسلفت من عمل صالح (٦) أو سيئ (٧). وقال الأخفش: تقول العرب: لك عندي قَرْضُ صِدْق، وقرض سوء (٨)، لأمر يأتي فيه مسرته أو مساءته (٩).
وقال الزجاج: القرض: البلاء الحسن، والبلاء السيئ (١٠).
(٢) في (ي)، (م): (المعلل).
(٣) "زاد المسير" ١/ ٢٨٩، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٤.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣١٢، "لسان العرب" ٦/ ٣٥٨٨ - ٣٥٨٩ مادة "قرض".
(٦) ساقط من (م).
(٧) نقله عنه في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣١٢، "لسان العرب" ٦/ ٣٥٨٩.
(٨) في (م): (سبق).
(٩) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٧٩.
(١٠) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٤.
كلُّ امْرئٍ سَوْف يُجْزَى قرضَه حَسَنًا | أو سَيِّئًا ومَدِينًا كالذي دانا (١) |
يقال: تقارضا الثناءَ: إذا أثني كلُّ واحد منهما على صاحبه. ويقال: قارضه الودُّ (٤) والثناء.
وأصله في اللغة: القطع، ومنه المقراض (٥) ومعنى أقرضته: قطعت له قطعة يجازى عليها. وانقرض القوم: إذا هلكوا، لانقطاع أثرهم (٦).
شبه الله عز وجل عمل المؤمنين لله عز وجل على ما يرجون من ثوابه بالقرض؛ لأنهم إنما يعطون ما ينفقون ابتغاء ما وعدهم الله عز وجل من جزيل الثواب (٧).
والقرض في هذه الآية اسم لا مصدر، ولو كان مصدرًا لكان إقراضًا (٨). قال أهل المعاني: هذا تلطف من الله في الاستدعاء إلى أعمال البر؛
القرآن" للزجاج ١/ ١٣١١ "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٣١ ويروى: ومدينًا مثل مادانا.
(٢) في (ي): (تقضي).
(٣) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣١٢.
(٤) في (ش): (للود)، وفي (ي): (بالود).
(٥) في (م): (القراض).
(٦) ينظر في قرض: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٣١ - ٢٩٣٣، "المفردات" ص٤٠٢، "لسان العرب" ٦/ ٣٥٩٠، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٤، "تفسير القرطبي" ٣/ ٢٣٩.
(٧) "تفسير الطبري" ٢/ ٥٩٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣١٢.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٥.
يقول لعبده: استطعمتك (١) فلم تطعمني (٢). كأنه قيل: مَنِ الذي يعمل عمل المقرض بأن يقدم فيأخذ أضعاف ما قدم في وقت فقره وحاجته. وتأويله: في الذي يقدم لنفسه إلى الله تعالى ما يجد ثوابه عنده (٣). قال ابن زيد: هذا القرض (٤) الذي دعا الله إليه هو في الجهاد. وقال الحسن: هو في أبواب البر كله.
وقوله تعالى: ﴿قَرْضًا حَسَنًا﴾ قال عطاء: يعنى حلالًا.
الواقدي: طيبة به نفسه (٥). ونذكر أوصاف القرض الحسن في سورة الحديد إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً﴾ قرئ بالتشديد والتخفيف، والرفع والنصب (٦). أما التشديد والتخفيف فهما لغتان. والرفع: بالنسق على ما في الصلة، أو الاستئناف، وهو الاختيار؛ لأن الاستفهام في هذه الآية عن فاعل الإقراض، ليس عن الإقراض، وإذا كان كذلك لم يحسن النصب؛ لأنه في هذه الآية (٧) ليس مثل قولك: أتقرضني
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٦٩) كتاب: البر والصلة، باب: فضل عيادة المريض.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣١٣، "البحر المحيط" ٢/ ٢٥٢.
(٤) في (ي): (هذا هو القرض).
(٥) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣١٩، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٤، والواقدي هو علي بن الحسين.
(٦) قرأ ابن كثير (فيضَعِّفه) بالرفع والتشديد، وقرأ ابن عامر (فيضعِّفَه) بالنصب والتشديد، وقرأ عاصم (فيضاعفَه) بالنصب والتخفيف، وقرأ الباقون (فيضاعفُه). ينظر السبعة لابن مجاهد ص ١٨٤ - ١٨٥.
(٧) زيادة من (ي).
فأما وجه النصب: فهو أن يحمل الكلام على المعنى لا على اللفظ؛ لأن المعنى: أيكون قرض فيضاعفه، كقراءة من قرأ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ﴾ (١) (٢) [الأعراف: ١٨٦] جزم قوله: ﴿وَيَذَرُهُم﴾ لأن معنى قوله: ﴿فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ لا يهده (٣). ونحو هذا كثير مما حُمِل الكلام فيه على المعنى دون اللفظ، قال الحسن والسدي: هذا التضعيف لا يعلمه إلا الله تعالى، و (هو) (٤) مثل قوله: ﴿وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [النساء: ٤٠]، ومعنى التضعيف والإضعاف والمضاعفة واحد، وهو الزيادة على أصل الشيء حتى يصير مثلين أو أكثر (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾ يعنى: يمسك الرزق عمن يشاء، ويضيق عليه، ويوسع على من يشاء، في قول عطاء عن ابن عباس والحسن وابن زيد والأكثرين (٦).
وحكى الزجاج: يقبض الصدقات ويبسط الجزاء عليها عاجلًا وآجلًا (٧).
(٢) في (ش): (ونذرهم).
(٣) في (ش): (يهده).
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) نقله عن "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٤٤ - ٣٤٥.
(٦) ذكره عنهم أيضًا: ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٩١.
(٧) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٥، وينظر: "معاني القرآن" للنحاس ١/ ٢٤٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٢٣.
٢٤٦ - وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾ الآية. الملأ: الأشراف من الناس، وهو اسمٌ للجماعة، كالقومِ والرَّهْطِ والجيش، وجمعه: أملاء، قال الشاعر:
وقال لها الأَمْلاَء من كلِّ مَعْشَر | وخَيْرُ أقَاوِيلِ الرِّجَالِ سَدِيدُها (٤) |
وقال أبو إسحاق: الملأ: الرؤساء سموا بذلك لأنهم مِلآءٌ ومُلآءُ (٧) بما يحتاج إليه (٨) من قولهم: مَلُؤَ الرجل يَمْلُؤُ ملاءَةً فهو مليء (٩).
(٢) في (ي) ينبسط وفي (ش) فيزويه ينشط.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٢٣، "عجائب التأويل للكرماني" ١/ ٢٢١، "البحر المحيط" ٢/ ٢٥٣.
(٤) البيت من الطويل، وهو بلا نسبة في "أساس البلاغة" ٢/ ٣٩٧ مادة: ملأ.
(٥) في (ش) ورؤًا.
(٦) ينظر في الملأَ: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٧ - ٣٤٣٨، "المفردات" ص ٤٧٤ - ٤٧٥، "لسان العرب" ٧/ ٤٢٥٢ - ٤٢٥٣.
(٧) في (ش) (مُلآة)، وقد كتبت الأولى والثانية في النسخ مِلآء ومُلآء.
(٨) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٥ - ٣٢٦، ولفظه: لأنهم مُلء بما يحتاج إليه منهم، وفي "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٣٨: س ملاء بما يحتاج إليه منهم.
(٩) ساقط من (ش).
وقال السدي: هو شمعون (٢).
وقال سائر المفسرين: هو أشمويل (٣).
وكان سبب قولهم ذلك لنبيهم، فيما قال الكلبي (٤) ووهب (٥): أن الأحداث كثرت في بني إسرائيل، وعظمت فيهم الخطايا، وغلب عليهم عدُوُلهم (٦) فَسَبوا كثيرًا من ذراريهم، فسألوا نبيهم ملكًا تنتظمُ به كلمتهم، ويجتمع أمرهم، ويستقيم حالهم في جهاد عدوهم، فقال لهم ذلك النبي: ﴿هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا﴾ وهذا استفهام شك، يقول: لعلكم أن تَجْبُنُوا عن القتال (٧).
وقرأ نافع وحده (عسِيتم) بكسر السين، واللغة المشهورة فتحها (٨).
ووجه قراءة نافع: ما حكاه ابن الأعرابي: أنهم يقولون: هو عسٍ
(٢) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٩٦، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٦٣.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٣٤، وكذا يروى عن ابن إسحاق ووهب بن منبه فيما أخرج الطبري ٢/ ٥٩٥.
(٤) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٣٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٢٩٦.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٥٩٦ - ٥٩٧، وذكر الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٣٥.
(٦) في (ي): عدوهم.
(٧) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٣٣٩.
(٨) ينظر: "السبعة" ص ١٨٦، "والنشر" ١/ ٢٣٠.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ اختلف النحويون في وجه دخول (أن) هاهنا، والقائل يقول: ما لَكَ تفعل كذا كقوله: ﴿مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا﴾ [نوح: ١٣] و ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ [الحديد: ٨].
فقال الأخفش: (أن) هاهنا زائدة. المعنى: وما لنا لا نقاتل في سبيل الله (٣).
وقال الفرَّاءُ: ذهب الى المعنى؛ لأن قول: مَا لَكَ لا تصلي، معناه:
(٢) "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٥٠.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٠، وتمام كلامه: (أن) هاهنا زائدة، كما زيدت بعد (فلما) و (ولما) و (ولو) فهي تزاد في هذا المعنى كثيرا، ومعناه: ما لنا لا نقاتل، فأعمل (أن) وهي زائدة كما قال: ما أتاني من أحد، فأعمل (من) وهي زائدة. انتهى كلامه. وفي "البحر المحيط" ٢/ ٢٥٦ رد مذهب الأخفش، ومذهب من قال: إن المعنى (ما لنا وأن نقاتل) فحذف الواو كما حكاه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٠٠، فقال أبو حيان: وهذا ومذهب أبي الحسن ليس بشيء؛ لأن الزيادة والحذف على خلاف الأصل، ولا نذهب إليهما إلا لضرورة، ولا ضرورة تدعو هنا إلى ذلك مع صحة المعنى في عدم الزيادة والحذف. وقال الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٠٠: وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه آخرون، غير جائز أن تجعل (أن) زائدة في الكلام وهو صحيح في المعنى وبالكلام إليه الحاجة، قالوا: والمعنى: ما يمنعنا ألا نقاتل، فلا وجه لدعوى مدّع أن (أن) زائدة معنى مفهوم صحيح.
وقال الكسائيُّ: المعنى: وما لنا في أن نقاتل، فأسقط (في) (٣) وارتضى الزجاج هذا القولَ وصحَّحه.
وقال: المعنى: أي شيء لنا في أن لا نقاتل. أي: أيُّ غرضٍ (٤) لنا في ترك القتال وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا، ولكن (في) سقطت مع (أن)، وكثيرًا ما يحذف حرف الجر مع أن، وقد مضت لهذا نظائر (٥).
ورجح أبو علي الفارسي قول الكسائي على قول الفراء، فقال: إذا اتجه للكلام وجه صحيح وكان مستمرًّا على الأصول، فلا معنى للعدول عنه إلى غيره، وكما جاز وقوع الفعل موقع الحال في قولك: ما لك تفعل كذا، والمعنى: ما لك فاعلًا، كذلك يجوز وقوع حرف الجر موقعها، كما ذكر الكسائي، وسد مَسَدَّها، ألا ترى أنك تقول: خرجت في الثياب، كما تقول: خرجت لابسًا، فالظرف هاهنا يقع موقع الحال، فكذلك في الآية، فإذا كان ما ذكرناه من تقدير حرف الجر متجها (٦) متخرجًا (٧) على معنى
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٦٣ - ١٦٤.
(٣) نقله عنه الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٦٥، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٤١.
(٤) في (ي): (أي: أي شيء) وفي (ش): (أي أي لنا).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٧.
(٦) من قوله: (موقعها..) ساقط من (ش).
(٧) في (ش): (متحركًا).
وعلى الأقوال كلها (أن لا نقاتل (٥)) في محل النصب، لوقوعه موقع الحال، كقوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ فِي الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ﴾ [النساء: ٨٨] وقوله: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ [المدثر: ٤٩]، كأنه (٦) قيل: ما لنا غير مقاتلين. وكما جاز وقوع الفعل الموجب موقع الحال في هذا النحو مثل: ما لك نفعل كذا، جاز أيضًا وقوع المنفي موقعه نحو: ما لك لا تفعل، كقوله تعالى: ﴿مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا﴾ [يوسف: ١١] ﴿مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ﴾ [الصافات: ٩٢] (٧) وأنشد أبو زيد:
(٢) في "الإغفال": (لا نستحسن).
(٣) من قوله: (كما أن..) ساقط من (ي).
(٤) من "الإغفال" ص ٥٣٧ - ٥٤٠ بتصرف واختصار.
(٥) في (ي) (لا تقاتلوا).
(٦) في (ش): (له).
(٧) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٠، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٤، "التبيان" ١٤٧،"البحر المحيط" ٢/ ٢٥٦.
ما لَكَ لا تَذْكُرُ أُمَّ عَمْرِو | إلّا لعَيْنَيْكَ غُرُوبٌ تَجْرِي (١) |
وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا﴾ ظاهرُ الكلام العموم وباطنه الخصوص؛ لأن الذين قالوا هذا لم يُخْرَجُوا من دِيَارِهم، ولكن إذا أُخْرِج بعضُهم جاز لكلهم أن يقولوا هذا، كما يقال: قتلناكم يوم ذي قار، وكما قال موسى بن جابر الحنفي (٣):
ذهبتُم فلُذْتمُ بالأميرِ وقُلْتُم | تَرَكْنا أحَادِيثًا ولَحْمًا مُوضّعَا (٤) |
وقوله تعالى: ﴿وَأَبْنَائِنَا﴾ أرادوا: أُفْرِدنا من أبنائنا بالتفريق بيننا
(٢) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٥٦.
(٣) هو: موسى بن جابر بن أرقم بن مسلمة أو سلمة بن عبيد الحنفي، شاعر مكثر من مخضرمي الجاهلية والإسلام، من أهل اليمامة، كان نصرانيًّا يقال له: أزيرق اليمامة، ويعرف بابن الفريعة. ينظر: "النجوم الزاهرة" ٢/ ٢٣١، "الأعلام" ٧/ ٣٢٠.
(٤) البيت ذكر في "ديوان الحماسة" ١/ ١٤٠.
(٥) في (ي): (القهر والسبي).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٢، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٧.
قال الله تعالى: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ وهم الذين عبروا النهر، ويأتي (٥) ذكرهم بعد هذا (٦).
قال عطاء: وفي هذا تحريض للمهاجرين والأنصار، ووعيدٌ لمن تَخلَّفَ عن النبي - ﷺ - في القتال (٧)، فقال: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ يريد: المشركين والمنافقين (٨).
٢٤٧ - قوله تعالى: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ أي: قد أجابكم إلى ما سألتم، من بَعْثِ الملكِ يُقَاتِل وتُقَاتلون معه، وكان طالوتُ رجلًا دبَّاغًا، يعمل الأدم، وكان من أدنى بيوت بني إسرائيل، وكان من سبط بنيامن، ولم يكن من سبط النبوة، ولا من سبط المملكة، ولذلك أنكروا مُلكه (٩)، و {قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ
(٢) في (م): (فلما).
(٣) في (ي) و (ش): (إذا).
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٢ - ١٣٤٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٧.
(٥) في (ي) (وسيأتي).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٣، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٧.
(٧) لعله من الرواية التي تقدم ذكرها في قسم الدراسة.
(٨) في (ي): (بالمشركين والمنافقين).
(٩) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٧، وينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٠٢ - ٦٠٤، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٦٥، "تفسير عبد الرزاق" ١/ ٩٧.
قال ابن عباس: كان طالوتُ يومئذ أعلمَ رجلٍ في بنى إسرائيل وأجمله وأتمه (٢).
والبسطة: الزيادة في كل شيء، ويسمى طول القامة: بَسْطَةً. والزيادة في المال والعلم وفي كل شيء: بسطة (٣).
وقال الكلبي: ﴿وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾ بالحرب (٤) ﴿وَالْجِسْمِ﴾ يعني: بالطول.
وكان يفوقُ الناسَ برأسه ومنكبه (٥)، وإنما سمي طالوت لطوله (٦). قال الزجاج: أعلمَ اللهُ عز وجل أن الذي يجب أن يقع به الاختيارُ العلمُ، ليس أن الله عز وجل لا يُملِّكُ إلا ذا مالٍ، وأعلمَهم أنَّ الزيادة في الجسم مما يهيب به العدو ﴿وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ﴾ (٧) يريد: أن الملك ليس
(٢) ينظر: "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٦٦.
(٣) ينظر في بسطة: "تهذيب اللغة" ١/ ٣٣٤، "المفردات" ص٥٦ - ٥٧، "اللسان" ١/ ٢٨٣.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٨، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٨، وقال القرطبي: وهذا تخصيص للعموم بغير دليل.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره ٢/ ٤٦٦ عن ابن عباس، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٤٨.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٣٤٨.
(٧) كذا في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٢٨ - ٣٢٩.
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ قيل في الواسع ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه واسع الفضل والرزق والرحمة، وسعت رحمته كل شيء، وهذا كما يقال: فلان كبير وعظيم (٢)، يراد: أنه كبيرُ القدر، كذلك هو واسع بمعنى: أنه واسع الفضل، وهذا القول اختيار الأزهري (٣) (٤).
والثاني: أنه واسع بمعنى: مُوَسِّع، أي: يوسع على من يشاء (من عباده) (٥) من نعمه، وهذا قول الزجاج (٦)، لأنه قال في قوله: ﴿وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ معناه: يوسع على من يشاء، ويعلم أين ينبغي أن تكون السعة.
الثالث: أنه واسع بمعنى ذو سعة (٧)، ويجيء فاعل (٨) كثيرًا ومعناه ذو كذا، نحو: ﴿عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] أي ذات رضى، وهمّ ناصب: ذو نصب، فلما قال لهم النبي ذلك، قالوا له: لا نصدقك أن الله بعثه علينا، ولكنك تريد أن تحمله علينا مضارة لنا إذ سألناك ملكًا، فأراهم النبي على صحة مُلْك طالوت وتمليك الله إياه آيةً (٩) وهي قوله:
٢٤٨ - ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ﴾
(٢) في (ي): (كبير عظيم).
(٣) في (ي): (الزهري).
(٤) في: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٨٩ (مادة: وسع).
(٥) زيادة من (م).
(٦) في: "معاني القرآن" ١/ ٣٢٩.
(٧) "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٨.
(٨) في (ش): (وعلى فاعل).
(٩) "زاد المسير" ١/ ٢٩٤.
والإتيان على هذا مجاز لأنه أُتِيَ به ولم يأت هو، فنسبَ الإتيان إليه توسعًا، كما يقال: ربحت الدراهم، وخسرت التجارة، وعزم الأمر.
وقال آخرون: إن التابوت لم تحمله الملائكة ولا الثوران، بل كان
(٢) في (ي) (فوضعوه) وفي (م) (قضعوه)
(٣) في (ي) (يسوقونها).
(٤) تنظر القصة بطولها في: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٠٧ - ٦٠٨، "تاريخ الأمم والملوك" ١/ ٤٦٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٥٨ - ١٣٦٢، "تفسير البغوي" ١/ ٢٩٨ - ٢٩٩، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦١.
وأضيف الحمل إلى الملائكة في القولين جميعًا؛ لأن من حفظ شيئًا في الطريق ورعاه جاز أن يوصف بحمل ذلك الشيء وإن لم يحمله، كما يقول القائل: حملت الأمتعة إلى زيد، إذا رعاها وحفظها في الطريق، وإن كان الحامل غيره، وتقول: حملت متاعي إلى مكة، ومعناه: كنت سببًا لحمله (١).
وقوله تعالى: ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ قال وَهْبٌ: السكينة: روح من الله يتكلم، وكانوا إذا اختلفوا في أمر نطق ببيان ما يريدون (٢).
وقال قتادة (٣) والكلبي (٤): هي فعيله من السكون، أي: طمأنينة من ربكم. وفي أي مكان كان التابوت اطمأنوا إليه وسكنوا.
وهذا اختيار الزجاج. قال: أي: فيه ما تسكنون به إذا أتاكم (٥).
والسكينة: مصدر وقع موقع الاسم، نحو القضية والعزيمة، وهذا معنى قول الحسن، قال: جعل الله لهم في التابوت سكينةً لا يفرُّون عنه
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٠٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٦٩.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٧٠.
(٤) ذكره السمرقندي في "بحر العلوم" ١٢١٩، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٥٦.
(٥) في "معاني القرآن" ١/ ٣٢٩.
وجاء في التفسير: أن السكينة لها رأس كرأس الهرة من زبرجد وياقوت، ولها جناحان (٢).
وقال مقاتل: كان فيه رأس كرأس الهرة إذا صاح كان الظفرُ لبني إسرائيل (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ﴾ والبقية: مصدَرٌ وَقَعَ مَوْقِعَ الاسم، مثل: السكينة ونحوها، فيقال للباقي: بقية، وجمعها: بقايا (٤).
قال المفسرون: البقية التي كانت في التابوت: لوحان من التوراة، ورضُاض الألواح التي تكسَّرت لما ألقى موسى الألواحَ، وقفيزٌ من المن الذي كان ينزل عليهم، ونعلا موسى، وعمامة هارون، وعصاه، وعصى موسى، وطست من ذهب، قيل: كان يغسل فيه (٥) قلوب الأنبياء (٦). وإنما جعل هذه الأشياء بقية لأنها بقيت مما تركه موسى وهارون.
(٢) بنحوه عن مجاهد في "تفسيره" ١/ ١١٤، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٠١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١١ - ٦١٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٦٩.
(٣) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٠٦، وأخرج نحوه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١٢، عن وهب بن منبه عن بعض أهل العلم من بني إسرائيل.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٥٦، "المفردات" ص ٦٧، "لسان العرب" ١/ ٣٣٠ - ٣٣١ (مادة: بقي).
(٥) في (ي): (فيها).
(٦) تنظر الآثار في ذلك: عند سعيد بن منصور في "سننه" ٣/ ٩٤٨، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١٣ - ٦١٥، وابن أبي حاتم ٢/ ٤٧٠ - ٤٧١، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٥٧.
بثينة (٢) مِنْ آل النّساء وإنما | يَكُنَّ لأدْنَى لا وِصَالَ لِغَائِبِ (٣) |
أخبرنا أبو الحسين بن أبي عبد الله الفسوي، أخبرنا أحمد بن محمد الفقيه، أخبرني أبو رجاء الغنوي، قال: حدثنا أبي، قال حدثنا ابن عمر بن شبه، قال: سمعت أبا عبيدة وسأله رجلٌ عن رجل أوصى لآل فلان: ألفلان نفسه المسمى من هذا شيء؟ قال: نعم، قال الله تعالى: {أَدْخِلُوا آلَ
(٢) هو جميل بن عبد الله بن معمر الحذري، أبو عمر، شاعر أموي من أشهر شعراء الغزل، صاحب بثينة، وكان قد خطبها فمنعت منه، فتغزل بها، واشتهر. وكان عفيفًا حييًا دينًا، توفي سنة ٨٢، وقيل: بعد ذلك. ينظر "الشعر والشعراء" ٢٨٢، و"سير أعلام النبلاء" ٤/ ١٨١
(٣) البيت عزاه إلى جميل، الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٥٦، وأبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٢، وليس في "ديوان جميل"، وعزاه ابن جني في "الخصائص" ٣/ ٢٧ إلى كثيِّر، ولذا ألحقه د/ إحسان عباس بـ"ديوان كثير" ص ٣٤٣، والبيت ذكره الطبري في "تفسيره" ١/ ٢٧٠، وابن فارس في "الصاحبي" ص ٢٥٨. ينظر تحقيق "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٥٧.
(٤) أخرجه البخاري (٥٠٤٨) كتاب: فضائل القرآن، باب: حُسْن الصوت بالقراءة بالقرآن، ومسلم (٧٩٣) كتاب: صلاة المسافرين، باب: استحباب تحسين الصوت بالقرآن، من حديث أبي موسى الأشعري.
ولا تبكِ مَيْتًا بعد ميت أجنة | علي وعباس وآل أبي بكْرِ (١) |
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ﴾ أي: في رجوع التابوت إليكم علامة أنَّ الله قد ملَّكَ طالوت عليكم ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أي: مصدقين (٣).
قيل: إنهم كفروا بتكذيبهم نبيَّهُم في تمليك طالوت، ولذلك لم يَصْبر عن الماء - لَمَّا ابتلاهم اللهُ بالنهر إلا القليل منهم، وهم الذين أطاعوا ولم يكذبوا، فعلى هذا قوله: (إن كنتم مؤمنين) أي: مصدقين بتمليك طالوت إذ عاد إليكم التابوت (٤).
وقيل: أراد ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ كما تزعمون (٥)، ويجوز أن يكون المعنى: إن في ذلك لآية لمن كان مؤمنًا منكم، فدخل الشرط للتوكيد، كقوله: ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [المائدة: ٢٣]، أي: من كان مؤمنًا توكل، وكما تقول: إن كنت أخي فأكرمني، لم يدخل الشرط للشك في الأخوة، ولكن توكيدًا للإكرام، ومثله في القرآن كثير.
(٢) ينظر "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٢.
(٣) "تفسير الطبري" ٢/ ٦١٧، وبنحوه في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٠.
(٤) "تفسير الطبري" ٢/ ٦١٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٣.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٣.
ومعنى الفصل: القطع (٥). يقال: قولٌ فَصْلٌ، إذا كان يقطع بين الحق والباطل، وفَصَلَ عن المكان، قطعه بالمجاوزة عنه، يقال: فَصَل يَفْصِل فُصُولًا، ومنه قوله: ﴿وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ﴾ [يوسف: ٩٤]. وفَصَلْتُ اللحم عن العظم فَصْلًا، وفَاصَل الرجل شَريكَه وامْرَأَتَه فِصَالًا (٦). والجنود جمع جند: وكل صنف من الخلق جُنْدٌ على حِدَة، يقال: الجَرَاد أكْثَرُ جنودِ الله (٧)، ومنه: "الأرواح جنودٌ مجندة" (٨).
(٢) في (ي) فإنه.
(٣) في (ي) و (ش) (ذلك).
(٤) "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٣.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٦٣، "تفسير البغوي" ١/ ٣٠١
(٦) ينظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٩٥، "المفردات" ص ٣٨٢ - ٣٨٣، "لسان العرب" ٦/ ٣٤٢٣ مادة (فصل).
(٧) ينظر: "المفردات" ص ١٠٧ - ١٠٨، "لسان العرب" ٢/ ٦٩٨. (مادة: جند).
(٨) الحديث رواه البخاري تعليقًا من رواية عائشة، (٣٣٣٦) كتاب: الأنبياء، باب: الأرواح جنود مجندة، وقال الحافظ في "الفتح" ٦/ ٣٦٩: وصله المصنف في "الأدب المفرد" عن عبد الله بن صالح عن الليث وأخرجه من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - ومسلم (٢٦٣٨) كتاب: البر، باب: الأرواح جنود مجندة.
وقوله تعالى: ﴿قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ﴾ يعنى: قال طالوت. قال وهب (٢): إنهم شكوا قلة المياه بينهم وبين عدوهم، وقالوا: إن المياه لا تحملنا، فادع الله سبحانه أن يجري لنا نهرًا، فقال لهم طالوت: ﴿إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ﴾ (٣).
وهذا لا يجوز أن يقوله إلّا نبي؛ لأن الله عز وجل عالم الغيب، فلا يظهر على غيبه أحدًا، إلا من ارتضى من رسول. فيجوز أن طالوت قال ذلك بوحى من الله إليه، فقد قيل: إنه لما مُلِّك عليهم صار نبيًّا، ويجوز أن يكون قال ذلك بإخبار نبيٍّ إياه (٤).
وإنما وقع الابتلاء ليتميز الصادق من الكاذب، فإن طالوت كان لا يعلم بمن له نيةٌ في القتال معه، ومن ليست له نية، فابْتُلُوا بالنهر ليتميَّزَ المحقق من المعذِّر، وذلك النهر: هو نَهْر فِلَسْطين في قول ابن عباس (٥) والسدي.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي﴾، الكناية تعود على النهر في الظاهر، وهو في المعنى للماء.
(٢) وهب بن مُنبه اليماني: أبو عبد الله، صاحب القصص والأخبار، كانت له معرفة بأخبار الأوائل والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وثَّقه أكثرهم، وضعفه عمرو الفلاس، اختُلف في تاريخ وفاته فقيل سنة ١١٠هـ، وقيل ١١٦هـ، وقيل بينهما، ينظر "وفيات الأعيان" ٦/ ٣٥، "طبقات ابن سعد" ٥/ ٥٤٣.
(٣) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١٨.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٤.
(٥) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦١٩، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٧٣.
وقيل: تأويله: ليس معي على عدوي، كقوله عليه السلام: "من غشنا فليس منّا (٢) " أي: ليس من أهل ديننا، وليس (٣) هو معنا في حقيقة ديننا (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ طَعْمُ كُلِّ شيء ذوقُه، ومثله التطعُّمُ، يقال: تطعَّمت منه، أي: ذُقْتُه، قال ابن الأنباري: العرب تقول: قد أَطْعَمْتُكَ الماءَ، يراد به: أَذَقْتُكَ، وطعمت الماء أَطْعَمُه، بمعنى: ذقُته أذوقه (٥) (٦).
أنشدنا أبو العباس العَرْجِي (٧):
(٢) أخرجه ابن ماجه (٢٢٢٥) كتاب: التجارات، باب: النهي عن الغش، وأحمد في "المسند" ٢/ ٥٠، وأصله في مسلم.
(٣) في (ي) و (ش): (أو ليس).
(٤) ينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ٢٥٢.
(٥) نقله عن ابن الأنباري أبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٤.
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٣، "المفردات" ص ٣٠٧، "لسان العرب" ٥/ ٢٦٧٥ (مادة: طعم)، وذكر الراغب أن الطعم: تناول الغذاء، قيل: وقد يستعمل في الشراب، كقوله: ومن لم يطعمه فإنه مني. وقال بعضهم: إنما قال: (ومن لم يطعمه) تنبيهًا على أنه محظور عليه أن يشربه إلا غرفة، فإن الماء قد يطعم إذا كان مع شيء يمضع.
(٧) عبد الله بن عمر بن عبد الله العرجي، وقال في "اللسان" ٨/ ٤٥١٧ (مادة: نقخ): اسمه عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان ونسب إلى العَرْج وهو موضع ولد به، كان ينزل بموضع قبل الطائف يقال له: العرج، فنُسب إليه، وكان من الشعراء. ينظر "الشعر والشعراء" ٣٨١.
فإن شِئْتُ حَرّمْتُ النِّساءَ سِوَاكُمُ | وإن شِئْت لم أَطْعَم نُقَاخًا ولا بَرْدًا (١) |
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ﴾ الاغتراف: الأَخْذُ من الشيء باليدِ أو بآلة كما يُغْتَرَفُ من الماء. والمِغْرَفَةُ: الآلة التي يُغْرَفُ بها، وكذلك الغَرْفُ مثل الاغْتِرَاف (٣).
واختلف القراء في فتح الغين من (غرفة) وضمها (٤).
فمن فتح الغين عدَّى الفعل إلى المصدر، والمفعول محذوف في قوله، والمعنى: إلا من اغترف ماءً غَرْفةً. ومن ضم الغين عدَّى الفعل إلى المفعول به، ولم (٥) يعده إلى المصدر؛ لأن الغُرفَة بالضم: الشيء المُغْتَرف، والماء المغروف، فهذا بمنزلة إلا من اغترف ماء (٦). إلا أن كثيرًا من البغداديين يجعلون هذه الأسماء المشتقة من المصادر بمنزلة المصادر،
(٢) قال في "اللسان" ٨/ ٤٥١٦ (مادة: نقخ): والنقاخ: الماء البارد العذب الصافي الخالص الذي يكاد ينقخ الفؤاد ببرده، وقال ثعلب: هو الماء الطيب فقط.
(٣) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٥٦، "المفردات" ص ٣٦٢، "لسان العرب" ٦/ ٣٢٤٢ (مادة: غرف).
(٤) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (غَرفة) بالفتح، والباقون بالضم. ينظر "السبعة" لابن مجاهد ص ١٩٨.
(٥) في (ي): (ومن).
(٦) في "حجة القراءات" لابن زنجلة ص ١٤٠، عن أبي عمرو: ما كان باليد فهو غَرفة -بالفتح- وما كان بإناء فهو غُرفة -بالضم-، وقال الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٣٠ - ٣٣١: من قال: غرفة كان معناه: غَرفة واحدة باليد، ومن قال: غُرفة كان معناه: مقدار ملء اليد.
وبعد عَطَائِكَ المِائةَ الرَّتَاَعا (١) (٢)
فعلى هذا يجوز أن ينتصب الغُرْفة، انتصاب الغَرْفَة. وزعم بعضهم (٣) أن الاختيار الضم، لأنه لو جاء على معنى المصدر لمرة واحدة لكان (اغترافة) (٤).
وليس فيما قال حجة؛ لأنه إذا كان معنى الغرف والاغتراف واحدًا جاز: اغْتِرَافةً (٥)؛ لأنه الأصل، وجاز غَرْفَة لأنه أخف (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ﴾ قال المفسرون: قال لهم طالوت: من شرب من النهر وأكثر فقد عصى الله عز وجل وخالف أمره وتعرَّض لعقابه، ومَنِ اغترف غرفة بيده أقنعته، فهجموا على النهر بعد عطش شديد
(٢) صدر البيت: أكفرا بعد رد الموت عني
ينظر: "ديوان القطامي" ص ٤١، وفي "الخصائص" ٢/ ٢٢١، "أمالي ابن الشجري" ٢/ ٤٢، "شرح المفصل" ١/ ٢٠، "شرح الشواهد" للعيني ٣/ ٥٠٥، "همع الهوامع" ١/ ١٨٨، "مجاز القرآن" لأبي عبيد ٢/ ٩، "البحر المحيط" ١/ ٢٧٢.
(٣) في (م): (بعضهم إلى).
(٤) شرح القراءة وتوجيهها منقول من "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٣٥١ بتصرف، وكذا رجح هذه القراءة الطبري في "تفسيره". قال أبو حيان في "البحر" ٢/ ٢٦٥ معلقًا: وهذا الترجيح الذي يذكره المفسرون والنحويون بين القراءتين لا ينبغي، لأن هذه القراءات كلها صحيحة ومروية ثابتة عن رسول الله - ﷺ -، ولكل منها وجه ظاهر حسن في العربية، فلا يمكن فيها ترجيح قراءة على قراءة.
(٥) من قوله: (إذا كان). ساقط من (ش).
(٦) ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٥١ - ٣٥٢، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٥.
قالوا: وتلك الغرفة المباحة لم تكن ملء الكف، ولكن المراد بالغرفة أن يغترف مرةً واحدةً بقربةٍ أو جرةٍ وما أشبه ذلك، تكفيه وتكفي دابته، غير أن العصاة انغمسوا في النهر ولم يغترفوا، بل شربوا منه وسقوا دوابهم. وأولئك القليل، الذين لزموا الاغتراف، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، في أصح الأقاويل (٣)؛ لأن النبي - ﷺ - قال لأصحابه يوم بدر: "أنتم اليوم على عدة أصحاب طالوت حين عبروا النهر، وما جاز معه إلا مؤمن"، قال البراء بن عازب: وكنا يومئذ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا (٤).
وقوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ يقال: جاوزتُ المكان والطريق مجاوزةً وجوازًا، وكذلك جُزْتُ الطريق، فأنا (٥) أجوزه جَوازًا ومجَازًا وجُؤُوزًا، وأَجَزْتُ أيضًا مثل جُزْتُ، قال امرؤ القيس:
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٦٩، الفخر الرازي في "تفسيره" ٦/ ١٨٢
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٢/ ٦٢١، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٤٧٥، والثعلبي ٢/ ١٣٦٨.
(٤) رواه البخاري ٣٩٥٦ - ٣٩٥٩ كتاب: المغازي، باب: عدة أصحاب بدر عن البراء ابن عازب.
(٥) في (ي): (وأنا).
البيت، والمَجَازُ في الكلام هو ما جاز في الاستعمال، أي: نَفَدَ واستمرَّ على وَجْهِهِ، ومنه يقال: هذا يَجُوزُ. أي: يمرُّ على وجهِه (٢) لا يَمْنَعُه مَانعٌ (٣).
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ الطاقة: [مصدرٌ بمنزلة] (٤) الإطاقة، يقال: أطقتُ الشيء إطاقةً وطاقةً وطَوْقًا، مثل: أطَعْتُ إطاعةً وطاعةً وطَوْعًا (٥).
قال ابن عباس والسدي: يعنى هؤلاء الذين شربوا، وخالفوا أمرَ الله عز وجل، وكانوا أهل شك ونفاق، قالوا: ﴿قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ﴾ وانصرفوا عن طالوت، ولم يشهدوا قتال جالوت (٦).
وقال الحسن وقتادة وابن زيد: هم المؤمنون الذين عبروا مع طالوت
فلما أجزنا ساحة الحي وانْتَحَى | بنا بَطْنُ خَبْت ذي حِقَافٍ عَقَنْقَل |
(٢) في (ش): (على وجهه ومنه يقال: لا يمنعه مانع).
(٣) ينظر في (جاز): "تهذيب اللغة" ١/ ٥١٩، ٥٢٠، "المفردات" ١١٠، "لسان العرب" ٢/ ٧٢٤ (مادة: جوز).
(٤) ساقط من (م).
(٥) كذا في"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٣١، وقوله: (طوقًا وطوعًا) إنما هما مصدران للثلاثي منه، قال الأزهري في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٣٠: يقال: طاق يطوق طوقًا، وأطاق يطيق إطاقة وطاقة، كما يقال: طاع يطوع طوعًا، فأطاع يطيع إطاعة وطاعة.
(٦) أخرجه عنهما بنحوه دون ألفاظه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٢٢، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٣٠٢.
وهذا اختيار الزجاج، لأنه قال: لما رأوا قلتهم قال بعضهم لبعض: ﴿لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ يعنى: القليل الذين اغترفوا (٢).
وعلى قول الحسن: هم صلحاء المؤمنين والأماثل منهم.
ومعنى يَظُنّون: يَعْلمون وُيوقِنون (٣). وذكرنا هذا عند قوله: ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ﴾ (٤) [البقرة: ٤٦].
ويجوز أن يكون الظن هاهنا (٥) شكًّا لا علمًا، وله تأويلان:
أحدهما: قال الذين يتوهمون أنهم يُقْتلون مع طالوت فيلْقَون الله تعالى شهداء (٦)، فوقوع الشك في القتل لأنهم لم يَيْقَنُوهُ، ولم يدرُوا أيكونُ أم لا؟
والثاني: الذين يظنون أنهم ملاقو ثواب الله فحذف المضاف، وهو كثير.
وقوله تعالى: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ﴾ قال الفراء: لو ألقيت (٧)
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣١.
(٣) نقله الزجاج عن أهل اللغة في "معاني القرآن" ١/ ٣٣١، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٧٠.
(٤) ينظر: "تفسير البسيط" للواحدي ت/ د: الفوزان.
(٥) ساقط من (ي).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣١.
(٧) في (م) لعلها: (ألغيت).
ومن خفض قال: طالت صحبة (من) للنكرة في كم (٣)، فلما حذفناها أعملنا إرادتها فخفضنا، كقول العرب إذا قيل لأحدهم: كيف أصبحت؟ قال: خيرٍ، يريد بخير.
ومن رفع نوى تقديمَ الفعل، كأنه قيل: كم غلبت فئة، وأنشد:
كم عَمَّةٍ لك يا جَرِيرُ وخَالةٍ | فَدْعَاءَ قد حَلَبَتْ عليَّ عِشَاري (٤) |
تَنُوصُ وكم من دُويها من مَفَازَةٍ | وكم أرضِ جَدْبٍ (٥) دونهَا ولصُوصُ (٦) (٧) |
(٢) في (ي) (استفهام).
(٣) في (ي) و (ش) (كما).
(٤) البيت للفرزدق يهجو جريرًا، في "ديوانه" ١/ ٣٦١، و"معاني القرآن" للفراء ١/ ١٦٩، و"الأشباه والنظائر" ٨/ ١٢٣، و"أوضح المسالك" ٤/ ٢٧١. والفَدَع: اعوجاجٌ وعيبٌ في القدم، والعشار: جمع العشراء، وهي الناقة التي أتى عليها من يوم أرسل عليها الفحل عشرة أشهر.
(٥) في (ش): (جذب).
(٦) كذا إلى هنا نقل من "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٦٨ - ١٦٩. وينظر في الإعراب: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٧، "التبيان" ١٤٩، "البحر المحيط" ٢/ ٢٦٨.
(٧) ورد البيت هكذا:
وكم دونها من مهمة ومفازة | وكم أرضُ جَدْبٍ دونها ولصوصُ |
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ أصل (مع): للمصاحبة (٣)، كأنه قال: الله يصحبهم النصر والمعونة (٤).
﴿الصَّابِرِينَ﴾ قال عطاء: على طاعة الله، وعن محارمه.
٢٥٠ - وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ الإفراغ: الصَّبُّ، يقال: أَفْرَغْتُ الإناء إذا صَبَبْت ما فيه، أصله من الفَرَاغ: وهو الخُلُوّ، وفلان فَارغٌ، معناه: أنه خَالٍ مما يَشْغَلُه، والإِفراغ: إِخْلاَءُ الإِنَاءِ مما فيه، وإنما يخلو بصَبِّ كُلِّ ما فيه، فمعنى ﴿رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا﴾ أي: اصبب (٥) علينا أتمَّ صبٍّ وأبلغَه (٦).
تبوص وكم من دونها من مفازة | وكم أرض جَدْب دونها ولصُوصُ |
أمن ذكر سلمى أن نأتك تنوص | فتقصر عنها خطوة أو تبوص |
(١) في (ي): (كأنه)
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٢، وينظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٣٠ مادة (فأى)، قال الأزهري: والفئة، بوزن فعة: الفرقة من الناس، مأخوذ من فأيت رأسه، أي شققته، وكانت في الأصل فئوة بوزن (فعلة) فنقص، وجمع الفئة فئون وفئات. وذكر العكبري في التبيان ١٤٩ قولا آخر فقال: وأصل فئة (فيئة)، لأنه من فاء يفيء إذا رجع، فالمحذوف عينها.
(٣) ينظر: "لسان العرب" ٧/ ٤٢٣٤ (مادة: معع).
(٤) "تفسير الطبري" ٢/ ٦٢٤.
(٥) في (ي): (صب).
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٧٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٧١، "لسان العرب" ٦/ ٣٣٩٦ (مادة: فرغ) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٢.
٢٥١ - قوله تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ هذه الآية تتصلُ بما قبلَها بتقدير محذوف (٢) يتقدمها ويتصل بها، كأنه قيل: فأنزل الله عليهم صبرًا ونصرًا (٣)، فهزموهم بإذن الله.
وأصل الهزمِ في اللغة: الكسر، يقالُ: سقاءٌ مُنْهَزِمٌ: إذا تشقَّقَ مع جَفافٍ، وهَزَمْتُ العظم والقَصَبة هَزْمًا، وهزمت الجيشَ هزمًا وهَزِيمةً وهِزِّيمى مقصور، والهَزْمَةُ: نقرةٌ في الجبل أو في الصخرة.
قال سفيان بن عينية في ذكر زمزم: هي هَزْمَةُ جبريل، يريد: هَزَمَها جبريلُ (٤) برجله، فخرَجَ الماء، ويقالُ: سمعتُ هَزْمَةَ الرعد.
قال الأصمعي: كأنَّهُ صوتٌ فيه تشقق، ويقالُ للسحابِ: هَزِيمٌ؛ لأنه يتشقَّقُ بالمطرِ، وهَزْمُ الضريع، وهَزْمه: ما تكسر منه (٥)، قال قيسُ بن خويلد (٦).
(٢) في (ش): (محذوف في اللغة بتقدمها) وهي زيادة.
(٣) ساقط من (ي).
(٤) زيادة من (ي).
(٥) ينظر في (هزم): "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٧٥٩، "المفردات" ص٥٢١، "لسان العرب" ٨/ ٤٦٦٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٢.
(٦) هو قيس بن عيزارة الهذلي، خويلد أبوه، وعيزارة أمه، وهو شاعر جاهلي، مات من داء من البطن في مكة. ينظر ترجمته في "معجم الشعراء" للمرزباني ص: ٣٢٦، و"ديوان الهذليين" ٣/ ٨٢ - ٨٣.
وحُبِسْن في هَزْمِ الضَّريعِ فكلُّها | حَدْباءُ (١) دَامِيَةُ اليَدَيْنِ حَرُودُ (٢) |
قوله تعالى: ﴿وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ﴾ قال المفسرون وأصحاب الأخبار: إن جالوت طلبَ البِرازَ فخرج إليه داود، وكان ممن عبر النهر مع طالوت، فرماه بحجر من مقلاعه، فوقَعَ بين عينيه، فخرجَ من قَفاهُ، وقَتَلَ من ورائه ثلاثين رجلًا، وانهزمَ القومُ عن آخرهم، وخَرَّ جالوتُ قَتيلًا (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ﴾ أي: جمع له المُلْك والنبوة (٥)، قال ابن عباس: يريد بعد طالوت (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ﴾ قال الكلبيُّ: يعنى: صنعةَ الدروع، والتقدير: في السرد (٧). وقيل: منطق الطير وكلام الحُكْل (٨).
(٢) البيت في "شرح أشعار الهذليين" ص ٥٩٨، "لسان العرب" ٥/ ٢٥٨١ (مادة: ضرع).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٢.
(٤) ينظر هذه القصة في: "تفسير مجاهد" ١/ ١١٣، "تفسير الطبري" ٢/ ٦٢٥ - ٦٣٢ على اختلاف بين الروايات، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٧٨وما بعدها، "تفسير البغدادي" ١/ ٣٠٣ - ٣٠٧.
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٣٨٩.
(٦) ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٠٠، ويذكر عن السدي فيما أخرج الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٣٢، و"ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٣/ ٤٨٠، وقال الضحاك والكلبي: ملك داود بعد قتل جالوت بسبع سنين، فلم يجتمع بنو إسرائيل على ملك واحد إلا على داود. ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٨٨.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٨٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٠٧، وذكره الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٣٢ دون عزو لأحد.
(٨) ذكره الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٣٢، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٩٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٠٧. والحكل: ما لا يسمع له صوت كالذر والنمل.
وقال سائر المفسرين: لولا دفع الله بالمؤمنين والأبرار عن الكفار والفجار، لفسدت الأرض ولهلكتْ بِمَنْ فيها (٤).
وتصديقُ هذا: ما روي أن النبي - ﷺ - قال: "يدفع الله بمن يصلي من أمتي عمَّنْ لا يصلُي، وبمن يزكي، عمَّن لا يزكِّي، وبمن يصومُ عمَّن لا يصوم، وبمن يَحُجُّ عمن لا يَحُجُّ، وبمن يُجاهدُ عمن لا يجاهد، ولو اجتمعوا على تركِ هذه الأشياء ما ناظَرَهُم (٥) الله طرفةَ عين"، ثم تلا رسولُ الله - ﷺ - هذه الآية (٦).
واختلف القراء في قوله ﴿دَفْعُ اللَّهِ﴾ فقرأ بعضهم: (دفاعُ الله)، وقرأ بعضهم: (دفعُ الله) (٧).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٣٣، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٨٠، والثعلبي ٢/ ١٣٩٤.
(٣) في (م): (لغلب المشركون فيقتلوا المؤمنين ويخربوا).
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٣٩٤، و"تفسير البغوي" ١/ ٣٠٧.
(٥) أي: ينظرهم، وهي كذلك عند الثعلبي.
(٦) ذكره الديلمي في "فردوس الأخبار" ٥/ ٣٦٤، من حديث ابن عباس، وروى ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٨٠ دون طرفه الأخير، ومن طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" ٦/ ٩٧ عن ابن عباس موقوفًا. وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٣٩٤.
(٧) قرأ نافع (دفاع)، وقرأ الباقون (دفع). ينظر "السبعة" لابن مجاهد، ص ١٨٧.
والدفاع يحتمل أن يكون مصدرًا لِفَعَلَ، كالكتاب واللقاء والنكاح، ونحوها من المصادر التي جاءت على فِعالٍ، ويجوزُ أن يكون مصدرًا لفاعَلَ (٢)، يُدلُّ على ذلك قراءةُ من قرأ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨]، ونظيرُ الدفاع في كونه مصدرًا لِفَعَلَ وفاعَلَ: الكتاب، فقوله: ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النور: ٣٣]، الكتاب فيه مصدر: كاتَبَ. وقال: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ [النساء: ٢٤] فالكتاب هاهنا: مصدرٌ لِكَتَبَ؛ لأن المعنى: كَتَبَ (٣) هذا التحريمَ عليكم، ومعنى (دَفَعَ) و (دافَعَ) سواء، قال أبو ذؤيب:
ولَقَدْ حَرِصْتُ بأن أُدَافِعَ عَنْهُم | فإِذا المَنِيَّةُ أقْبَلَتْ لا تُدْفَعُ (٤) |
ونصب (بعضهم) على البدل من الناس (٦)، المعنى: ولولا دفع الله بعض الناس ببعض.
(٢) ساقط من (م).
(٣) ساقط من (أ) و (م).
(٤) البيت لأبي ذؤيب الهذلي، في "شرح أشعار الهذليين" ص ٨، "لسان العرب" ٢/ ٨٣٥ (مادة: حرص).
(٥) توجيه القراءة كله منقول من "الحجة" لأبي علي الفارسي ٢/ ٣٥٢ - ٣٥٣.
(٦) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٢٨٠، "التبيان" ١/ ١٥٠.
٢٥٣ - قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ الآية. ﴿تِلْكَ﴾ ابتداء، وإنما قال: ﴿تِلْكَ﴾ ولم يقل: أولئك الرسل؛ لأنه ذهب إلى الجماعة، كأنه قيل: تلك الجماعة. والرسلُ رفع، لأنها صفة لتلك، وخبر الابتداء: ﴿فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ﴾ (٣).
والمعنى في ذكر تفضيل بعضهم على بعض زوال الشبهة لمن أوجب التسوية بينهم في الفضيلة، لاستوائهم في القيام بالرسالة.
وقوله تعالى: ﴿مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ أي أراد: كلّمه الله، فحذف الهاء، والهاء تحذف كثيرًا من الصلة (٤)، وقد ذكرنا هذا في مواضع.
وعنى بقوله: ﴿مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ﴾ موسى عليه السلام (٥).
(٢) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٣
(٣) ينظر في إعراب الآية: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٣، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٨، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٦، لكنه قال: الرسل: عطف بيان، "التبيان" ١٥٠، وذكر وجها آخر وهو: أن (الرسل) خبر، و (فضلنا) حال من الرسل.
(٤) ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٣ - ٣٣٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٢٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٠١.
(٥) ينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٤
وقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ قد مضى تفسير هذا فيما تقدم. والله تعالى أخبر في هذه الآية بتفضيل بعض الأنبياء على بعض ليعرف الناس أنهم ليسوا سواءً في الفضيلة، غير أن النبي - ﷺ - نهانا عن الخوض في تفضيل بعض الأنبياء على بعض، ولا نخالف أمره، فقال في خبر أبي هريرة: "لا تفضلوا بين الأنبياء (٤) " فيستفاد (٥) من الآية معرفة تفاضلهم، وننتهي (٦) عن (٧) الكلام في ذلك؛ لنهيه - ﷺ -.
وقوله تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ يعني: من بعد الرسل ﴿مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ أي: من بعد ما وضحت لهم البراهين ﴿وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ﴾ (ثبت على إيمانه) (٨) ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ
(٢) (أكبر) ساقطة من (ش).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٤.
(٤) أخرجه البخاري (٣٤١٤) كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: [قول الله: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾]، ولفظه: بين أولياء الله، ومسلم (٢٣٧٣) كتاب: الفضائل، باب: من فضائل موسى، واللفظ له.
(٥) في (ي): (يستفاد).
(٦) في (ي): (ويبتنى الكلام).
(٧) في (م) و (ش): (من).
(٨) ساقط من (ي).
وكرر (٢) المشيئة باقتتالهم تأكيدًا للأمر، وتكذيبًا لمن زعم أنهم فعلوا ذلك من عند أنفسهم، لم يجر به قضاء ولا قدر من الله تعالى، ثم قال: ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد﴾ فيوفق من يشاء فضلًا، ويخذل من يشاء عدلًا (٣).
٢٥٤ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ﴾ قال الحسن: أراد الزكاة المفروضة، قال: لأنه مقرون بوعيد، وقال الآخرون (٤): أراد صدقة التطوع، والنفقة في الخير. قال ابن عباس في هذه الآية: نَفَقَةُ الرجل على أهله وولده وخادمه وجاره صدقة، إذا كان من حلال، وفي غير سرف.
وقال أبو إسحاق: أي: أنفقوا في الجهاد، ولْيُعِنْ بعضكم بعضًا عليه (٥).
﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ﴾ يعنى: يوم القيامة، يريد: لا يؤخذ في ذلك اليوم بدلٌ ولا فداء، كقوله: ﴿وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ [الأنعام: ٧٠]، وقوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ﴾ وقوله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ [المائدة: ٣٦]، فذكر لفظ البيع لما فيه من المعاوضة وأخذ البدل.
(٢) في (ي): (فكرر).
(٣) "تفسير الثعلبي" ١/ ١٤٠٣.
(٤) في (ي) و (م): (آخرون).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٥.
ألا أبْلِغا خُلَّتِي رَاشِدًا | وصِنْوِي قِديمًا إذا ما اتَّصَل (١) |
وقوله تعالى: ﴿شَفَاعَةٌ﴾ إنما عم نفيَ الشفاعة؛ لأنه عنى الكافرين بأن هذه الأشياء لا تنفعهم، ألا ترى أنه قال عقيب هذا: ﴿وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أي: هم الذين وضعوا الأمرَ غيرَ موضِعِه (٣)، ونظير هذه الآية ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية [إبراهيم: ٣١].
٢٥٥ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ (٤) رفع بالابتداء، وما بعده خَبَرُه (٥)، ونَفْيُ إلهٍ سواهُ توكيدٌ وتحقيقٌ لإلاهِيَّتِه؛ لأن قولك: لا كريم إلا زيد، أبلغُ من قولِك: زيدٌ كريم.
وقوله تعالى: ﴿الْحَيُّ﴾ الحي من له حياة، وهي صفة تخالف الموت والجمادية (٦)، وأصله: حَيِيَ، مثل: حَذِرَ وطَمِع، فأدغمت الياء في الياء عند
(٢) ينظر في (خلل): "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٩٥ - ١٠٩٨، "المفردات" ص ١٥٩ وقال: الخلة: المودة، إما لأنها تتخلل النفس، أي: تتوسطها، وإما لأنها تخل النفس فتؤثر فيه تأثير السهم في الرمية، وإما لفرط الحاجة إليها. وينظر أيضًا "اللسان" ٢/ ١٢٤٨ - ١٢٥٤.
(٣) ينظر "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٤٠٩.
(٤) ساقطة من (ش).
(٥) ينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٣٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٣٥، "إعراب مشكل القرآن" ١/ ١٣٦، "التبيان" ص ١٥١.
(٦) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٤٣٦
وقوله تعالى ﴿الْقَيُّومُ﴾ القَيُّومُ في اللغة: مبالغةٌ من القَائم، وزنه فَيْعُول، وأصله: قَيْوُوُم، فلما اجتمعت الياء والواو، والسابق ساكن جُعِلَتا ياءً مشددة (٤)، ولا يجوز أن يكون على (فَعُّول)، لأنه لو كان كذلك لكان قوومًا (٥). وفيه ثلاث لغات: قَيوم وقَيّام وقَيِّم (٦)، ولا يجوز أن يطلق في وصفه إلا ﴿الْقَيُّومُ﴾ لعدم التوقيف بغيره من اللغات، إلا ما روي عن بعض الصحابة والتابعين، أنهم قرأوا: القَيَّام والقَيّم (٧). وقد تكلمت العرب بالقَيُّوم. قال أمية:
قَدَّرَها (٨) المُهَيْمِن القَيُّوم (٩)
(٢) ابن الأنباري، وفي "تهذيب اللغة" ١/ ٩٤٧ (مادة: حوى) عن الفراء.
(٣) ينظر في (حيي): "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٣٦.
(٤) في "تهذيب اللغة" ١/ ٩٤٧ عن سيبويه. وكذلك قال في سيد وجيد وميت وهيِّن وليِّن.
(٥) في (ي): (قؤومًا)، وفي (م): (قيووم).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٣٧.
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٩٠، وقال: وقرأها عمر بن الخطاب وابن مسعود (القيّام)، وصورة القيوم: فيعول، والقيام: الفيعال، وهما جميعًا مدح، وأهل الحجاز أكثر شيء قولًا: (الفيعال) من ذوات الثلاَثة، فيقولون للصوّاغ: الصيّاغ. اهـ. والقيم: قرأه علقمة، كما ذكر الثعلبي ٢/ ١٤٣٦.
(٨) في (ي) (قدزها)
(٩) صدر بيت من مشطور الرجز، لأمية بن أبي الصلت، وهو في "ديوانه" ص ٧٣ ضمن أبيات له يقول فيها: =
إنَّ ذا العَرْش الذي يَرْزُق | النَّاس وحَيّ عَلَيْهمُ قَيّوم (١) |
فأما معناه: فقال (٣) مجاهد: القيوم: القائم على كل شيء (٤)، وتأويله: أنه قائم بتدبير أمر الخلق، في إنشائهم وأرزاقهم، وقال الضحاك: القيوم: الدائم الوجود (٥). أبو عبيدة: هو الذي لا يزول (٦)، لاستقامة وصْفِهِ بالوجود، حيث لا يجوز عليه التغيير بوجه من الوجوه. وقيل: هو بمعنى العالم بالأمور، من قولهم: فلان يقوم بهذا الكتاب، أي: هو (٧) عالم به.
وقوله تعالى: ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ السِّنة: ثِقَلُ النُّعاس، وهو مصدر وَسَن، يَوْسَنُ، سِنَةً، وهو وسنان ووسِن، وامرأة وَسْنَانَةٌ ووَسْنَى.
والشمس معها قمر يَعُوم
درها المهيمن القيوم
والحشر والجنة والجحيم
إلا لأمر شأنه عظيم
(١) البيت لم أهتد إلى قائله، ولا من ذكره
(٢) ينظر في (القيوم): "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٩٠، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٦، "تهذيب اللغة" ٩/ ٣٥٦.
(٣) في (ي): (قال).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" عنه ٣/ ٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٣/ ٤٨٦، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ١/ ١٣١.
(٥) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٣/ ٦.
(٦) "مجاز القرآن" ١/ ٧٨.
(٧) ليست في (ي).
وحقيقة النوم: هو الغشية الثقيلة، التي تهجم على القلب، فتقطعه عن معرفة الأمور الظَّاهرة.
وقال المفضل: السِّنة في الرأس، والنوم في القلب (٢).
وقد فصل بينهما عدي ابن الرِّقَاع (٣) في قوله (٤):
وَسْنَانُ أَقْصدَه النُّعاسُ فَرَنَّقَتْ | في عَينِه سِنَةٌ ولَيْسَ بِنَائِمِ (٥) (٦) |
وقوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ﴾ استفهام معناه الإنكار والنفي، أي: لا يشفع عنده أحد إلا بأمره (٨)، وذلك أن المشركين كانوا يزعمون أنّ الأصنام تشفع لهم، وقد أخبر الله عنهم بقوله: {مَا
(٢) ينظر في (السنة): "غريب القرآن" لابن قتيبة ٨٤، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٩٣ مادة "وسن"، "المفردات" ٥٣٩.
(٣) عدي بن زيد بن مالك بن الرقاع العاملي القضاعي، يكنى أبا داود، تقدمت ترجمته [البقرة: ٦٠].
(٤) (في قوله) ساقط من (ي).
(٥) في (ش): (ينام).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ١٢٢، وذكره في "مجاز القرآن" ١/ ٧٨، "غريب القرآن" ص ٨٤، والأغاني ٨/ ١٨١، وفي "اللسان" ٨/ ٤٨٣٩ مادة "وسن". والإقصاد: أن يصيبه السهم فيقتله من فوره، وهو هنا استعارة، أي: أقصد النعاس فأنامه، رنقت: دارت وماجت، "سمط اللآلئ" ١/ ٥٢١.
(٧) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٧.
(٨) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٧٨.
وقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ قال مجاهد (٣) وعطاء (٤) والسدّي (٥): ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ من أمر الدنيا ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ من أمر الآخرة.
الضحاك (٦) (٧) والكلبي (٨):
﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني (٩): الآخرة، لأنهم يُقْدمون عليها ﴿وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ الدنيا، لأنهم يُخِّلفونها وراء ظهورهم (١٠).
وقال عطاء عن ابن عباس: ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ يريد: من السماء
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٧ بمعناه.
(٣) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٣/ ٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٨٩.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥٢، وفي "تفسير البغوي" ١/ ٣١٢.
(٥) رواه الطبري عنه في "تفسيره" ٣/ ٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٨٩.
(٦) في (ي) و (أ) و (ش): (ضحاك).
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٥٣.
(٨) ذكره أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٢٢٣، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٥٣.
(٩) ساقط من (ي).
(١٠) في نسختي (أ) و (م) كرر قول الضحاك والكلبي بنصه، ونسبه إلى عطاء عن ابن عباس، وقد أتى بعده ما رواه عطاء عن ابن عباس.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ يقال: أَحَاط بالشئ: إذا عَلِمَه، كأنه ما لم يَعْلَمْه عازِبٌ عنه، فإذا عَلِمَه ووَقَفَ عليه وجَمَعَه في قَلْبه قيل: أحاط به (٢)، من حيث إن المحيط بالشيء مشتمل عليه، قال الليث: يقال لكل من أحرز شيئًا أو بلغَ علمُه أقصاه: قد أحاط به (٣) (٤).
وقوله تعالى: ﴿مِنْ عِلْمِهِ﴾ أي: من معلومه، كما يقال: اللهم اغفر لنا علمك فينا، وإذا ظهرت آية عظيمة قيل: هذه قدرة، أي: مقدورة.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا بِمَا شَاءَ﴾ أي: إلا (٥) بما أنبأ به الأنبياء، ليكون دليلًا على تثبيت نبوتهم، وقال (٦) ابن عباس: يريد مما أطلعهم على علمه.
وقوله تعالى: ﴿وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾ يقال: وَسِع الشيءَ يَسَعُه سَعَةً: إذا احتمله وأطاقه (٧) وأمكنه القيام به، يقال: لا يَسَعُك هذا، أي: لا تُطِيقُه ولا تَحْتَمِلُه (٨)، قال أبو زبيد (٩) (١٠):
(٢) ساقط من (ي).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٧ (مادة: حاط).
(٤) ينظر في (أحاط): "تهذيب اللغة" ١/ ٧٠٧ مادة "حاط"، "المفردات" ص ١١١ - ١١٢، "اللسان" ٢/ ١٠٥٢ (مادة: حوط).
(٥) ساقط من (ي).
(٦) في (ي): (قال).
(٧) ساقط من (ش).
(٨) في (ي): (لا تحمله).
(٩) في (ي): (أبو زيد).
(١٠) حرملة بن المنذر الطائي، شاعر مشهور أدرك الإسلام واختُلف في إسلامه. تقدمت ترجمته، [البقرة: ٧٢].
أي: ما أطيق، ومنه قوله - ﷺ -: "لو كان موسى حيًّا ما وسعه إلا اتباعي (٢) " أي: ما جَازَ له، ولم يحتمل غير ذلك (٣).
وأما الكرسي، فأصله في اللغة: من تركب الشيء بعضه على بعض، قال الأصمعي: الكِرْسُ: أبوالُ الدواب وأَبْعَارُها، تَتَلَبَّدُ بعضها فوق بعض (٤)، وأكرست الدار إذا كثر فيها الأبعار والأبوال (٥)، وتلبد بعضها على بعض.
قال العجّاج (٦):
يا صاحِ هل تَعْرِفُ رَسْمًا مُكرِسَا (٧)
حّمالُ أثقالِ أهلِ الودِّ آونةً
والبيت في "اللسان" ٨/ ٤٨٣٤ (مادة: وسع)، وفي "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٩٠ (ماده: وسع)، قال الأزهري: فدع ما أحيط به وأقدر عليه، والمعنى: أعطيهم ما لا أجِدُه إلا بجهد، فدع ما أحيط به.
(٢) أخرجه الإمام أحمد ٣/ ٣٣٨ بلفظ: "فإنه لو كان موسى حيًا بين أظهركم ما حل له إلا أن يتبعني".
(٣) ينظر في (مادة: وسع): "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٩٠، "المفردات" ص ٥٣٨، "اللسان" ٨/ ٤٨٣٥.
(٤) نقله في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٢٦ مادة "كرس".
(٥) في (ي): (الأبوال والأبعار).
(٦) ساقطة من (ي).
(٧) البيت، من أرجوزة للعجاج، في "ديوانه" ١/ ١٨٥، وبعده قوله:
قال: نعم أعرفه وأبلسا
ضمن مجموع أشعار العرب ٢/ ٣١، وذكره في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٢٧، و"المفردات" ص٤٣٠، و"لسان العرب" ٧/ ٣٨٥٤ مادة "كرس".
واختلف المفسرون في معنى الكرسي في هذه الآية، فأولى الأقاويل وأصحُّها: ما قال ابن عباس، في رواية عطاء (٣)، وأبو موسى (٤) والسدي (٥): أنه الكرسي بعينه، وهو لؤلؤ، وما السموات السبع في الكرسيِّ ألا كَدَراهم سبعة أُلْقِيَتْ في تُرْس، ومعناه: أن كرسيَّهُ مشتمل بعظمه على السموات والأرض.
قال عطاء: هو أعظم من السموات السبع والأرضين السبع (٦).
وروى عمَّار الدُّهني (٧) (٨) عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن
(٢) ينظر في (كرس): "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٧ - ٣٣٨، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٢٦ - ٣١٢٧، "المفردات" ٤٣٠، "اللسان" ٧/ ٣٨٥٤ - ٣٨٥٥.
(٣) ذكره البغوي بمعناه ١/ ٣١٣، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٥١ وقد تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي.
(٤) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "السنة" ١/ ٣٠٢، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠، ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة في العرش ص ٧٨، وأبو الشيخ في "العظمة" ٢/ ٦٢٧، وابن منده في "الرد على الجهمية" ٤٦، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٢٧٢، وصححه الحافظ في الفتح ٨/ ١٩٩.
(٥) رواه الطبري عنه بمعناه في "تفسيره" ٣/ ١٠، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٥/ ٤٩١.
(٦) ذكره البغوي بمعناه ١/ ٣١٣، وفي "زاد المسير" ١/ ٢٥١.
(٧) في (ي) الذهبي.
(٨) هو: عمار بن معاوية الدُّهْني، أبو معاوية البَجَلي الكوفي، قال ابن حجر: صدوق يتشيع، توفي سنة ١٣٣ هـ ينظر "تقريب التهذيب" ص ٤٠٨ (٤٨٣٣).
قال الزجاج: وهذا القول بَيِّن؛ لأن الذي نعرفه من الكرسي في اللغة: الشيء الذي يعتمد عليه، ويجلس عليه، فهذا يدل (٤) أن الكرسي عظيم، عليه السموات والأرضون (٥).
وقال بعضهم: كرسيه: سلطانه ومُلْكه، يقال: كرسي الملك من مكان كذا إلى مكان كذا، أي: مُلْكه، مشبه (٦) بالكرسي المعروف؛ لأن تركيب بعض (٧) تدبيره على بعض، كتركيب بعض الكرسي على بعض، ويجوز أن يكون لاحتوائه عليه كاحتوائه على كرسيه، فلا يبعد أن تُكنّي عن
(٢) في (ي) و (ش) (قال).
(٣) في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٢٧ مادة "كرسى".
(٤) في (م) (يدل على).
(٥) "معاني القرآن" ١/ ٣٣٨.
(٦) في (م) (فشبه).
(٧) ساقطة من (ش).
وقال قوم: كرسيه: قدرته التي بها يمسك السموات والأرض، قالوا: وهذا كقولك: اجعل لهذا الحائط كرسيًا، أي: اجعل له ما يَعْمِدُه ويُمْسِكُه، حكاه أبو إسحاق (٣).
وقال ابن عباس (٤) ومجاهد (٥) وسعيد بن جبير (٦): كرسيه: علمه.
قال أهل المعاني: يجوز أن يُسَمَّى العلمُ كرسيًّا، من حيث إن الاعتماد في الأشياء على العلم، كالكرسي الذي يعتمد عليه، ويقال للعلماء: الكراسي؛ لأنهم المُعتمدُ عليهم، كما يقال: هم أوتاد الأرض (٧)، وأنشدوا:
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥٥، "النكت والعيون" ١/ ٣٢٥، "البحر المحيط" ٢/ ٢٧٩.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣٣٨.
(٤) رواه عبد الله بن الإمام أحمد في "السنة" ٢/ ٥٠٠، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٩، و"ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤٩٠، وابن مندة في الرد على الجهمية ٤٥، واللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" ٣/ ٤٤٩، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٢٧٢، كلهم من طريق جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. قال الدارمي في نقضه على المريسي ١/ ٤١١: وأما ما رَوَيْتَ عن ابن عباس فإنه من رواية جعفر، وليس جعفر ممن يعتمد على روايته إذا خالفه الرواة المتقنون. وقال ابن منده في "الرد على الجهمية" ص ٤٥: ولم يتابع عليه جعفر، وليس هو بالقوى في سعيد بن جبير.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٥٤، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣١٣.
(٦) رواه البخاري عنه ٨/ ١٩٩ معلقا مجزومًا، ورواه موصولًا سفيان الثوري ١٢٧.
(٧) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ١١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٥٤، "النكت والعيون" ١/ ٣٢٥، "البحر المحيط" ٢/ ٢٨٠.
تَحُفُّ بهم بِيضُ الوُجُوه وعُصْبة | كَرَاسي بالأحْدَاثِ حِينَ تَنُوبُ (١) |
وأنشدوا أيضًا:
نَحْنُ الكرَاسِي لا (٢) تعد هوازن | أمثالنا في النَّائِبَاتِ ولا أَسُد (٣) |
وقال الأزهري: من روى عن ابن عباس في الكرسي (٦): أنه العلم، فقد أبطل (٧). وقال أبو إسحاق: الله عز وجل أعلم بحقيقة الكرسي، إلا أن جملته
(٢) في (ي) (فلا).
(٣) البيت لم أهتد إلى قائله، ولا من ذكره.
(٤) في (أ) و (م) بمثلها.
(٥) سقطت من (ي).
(٦) سقطت من (ي).
(٧) "تهذيب اللغة" ٤/ ٣١٢٦، وهذا لفظه في نسخة خطية أشار إليها محققو التهذيب، ونقلها صاحب "اللسان" ٧/ ٣٨٥٥ مادة (كرس)، ولفظه في النسخة المطبوعة: والذي روي عن ابن عباس في الكرسي، فليس مما يثبته أهل المعرفة بالأخبار. وفي "مجموع الفتاوى" ٦/ ٥٨٤ سئل شيخ الإسلام ابن تيمية: هل العرش والكرسي موجودان، أو أن ذلك مجاز؟ فأجاب: الحمد لله، بل العرش موجود =
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا﴾ يقال: آده يَؤُوده أَوْدًا: إذا أَثْقَلَه وأَجْهَدَه، وأُدْتُ العُودَ أودًا، وذلك إذا اعتَمدت (٢) عليه بالثِّقْلِ حتى أملته (٣)، قالت الخنساء:
وحَامِلُ الثِّقلِ والأعْبَاءِ قَدْ عَلِمُوا | إذا يَؤُودُ رِجَالًا (٤) بعضُ ما حَمَلُوا (٥) |
وقَامَتْ تُرَائِيكَ مُغْدوْدِنًا (٦) | إذا ما تَنُوءُ بهِ آدَها (٧) |
(١) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٨.
(٢) في (أ) و (م) و (ش): (اعتمد).
(٣) في (أ) و (م) و (ش) (أماله).
(٤) في (ي): (رجال).
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٦٣، وليس في "ديوانه".
(٦) في (م) مغدودوننا.
(٧) البيت من المتقارب، وهو لحسان بن ثابت في "ديوانه" ص ٧٦، وفي "الحجة" ٢/ ٣٩٢، "المحتسب" ١/ ٣١٩، "لسان العرب" ٦/ ٣٢٢٠ مادة: غدن. والمُغْدَودِن: الشعر الطويل.
وقوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ يقال: علا يَعْلُو عُلُوًّا فهو عالٍ وعليّ، مثل: عَالم وعَليم، وسامع وسميع، فالله تعالى عليٌّ بالاقتدار ونفوذِ السلطان، وقيل: عليٌّ على الأشباه والأمثال. يقال: علا على قِرنه، إذا اقتدر عليه وغَلبه، وليس ثَمَّ عُلُوٌ من جهة المكان، ويقال أيضًا: علا فلان عن هذا الأمر: إذا كان أرْفَعَ مَحَلًّا عن الوصف به (٢)، فمعنى العُلُوِّ في صفة الله تعالى منقولٌ إلى اقتداره، وقهره، واستحقاقه صفات المَدْح، على وجه لا يُسَاوى ولا يُوَازَى (٣) (٤).
والعظيم: معناه: أنه عظيم الشأن، لا يُعْجِزه شَيء، ولا نهايةَ لمَقْدُوره (٥) ومَعْلُومه.
٢٥٦ - قوله تعالى: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ الآية. اللام في الدين، قيل: إنه لام العهد، وقيل: بدل من الإضافة، كقوله: ﴿فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات: ٤١] أي: مأواه، وأراد: في دين الله (٦). وأكثرُ المفسرين: ابن
(٢) ساقط من (ي).
(٣) في (ي): (ولا يوازى ولا يوارى).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٦٣، وقد أنكر المؤلف -رحمه الله- علو الله على خلقه علو الذات وهو خلاف مذهب السلف. فالعلو ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، ينظر كتاب: "العلو للعلي الغفار" للإمام الذهبي.
(٥) في (م): (لقدورة).
(٦) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٨٢.
وذلك أن العرب كانت أمة أمية، لم يكن لهم دين ولا كتاب، فلم يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف (٥)، فأُكْرِهوا (٦) على الإسلام، ولم يقبل منهم الجزية، فلما أسلموا، ولم يبق أحد من العرب، إلا دخل في الإسلام، طوعًا أو كرهًا، أنزل الله سبحانه: ﴿لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ فأمر أن يقاتل أهل الكتاب، والمجوس، والصابئون، على أن يسلموا أو يقروا بالجزية، فمن أقر منهم بالجزية، قبلت منه وخُلّي سبيلُه، ولم يُكره على الإسلام (٧).
والحكم في هذا: أن الحربي إذا أُكْره على الإسلام فتلفظ بالشهادتين خوف السيف صحّ إسلامه، ولا خلاف في ذلك؛ لأن الإكراه إكراه بالحق هذا (٨)، فأما الذمي إذا أكره على الإسلام، فهو مختلف فيه، والصحيح: أن إسلامه مع الإكراه غير صحيح؛ لأنه إكراه بباطل وظلم (٩). قال أبو
(٢) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٠٢، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٦، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤٩٣.
(٣) "الوسيط" ١/ ٣٦٩.
(٤) عزاه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٧٢ إلى قتادة والضحاك وعطاء وأبي روق والواقدي.
(٥) في (ي) (والسيف).
(٦) في (ي) و (ش) (وأكرهوا).
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧٢.
(٨) ساقط من (ي).
(٩) ينظر: المغني ١٢/ ٢٩١، وخالف محمد بن الحسن، حيث يرى أن الذمي المكره على الإسلام يصير مسلمًا في الظاهر، وإن رجع عنه قتل إذا امتنع عن الإسلام.
وقال ابن مسعود، (١) والسدي، (٢) وابن زيد، (٣): كان هذا قبل أن يؤمر رسول الله - ﷺ - بقتال أهل الكتاب في سورة براءة.
وقال سليمان بن موسى (٤) في هذه الآية: نَسَخَتْها ﴿جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [التوبة: ٧٣] (٥).
وقال الزجاج: الإكراه في هذه الآية معناه: النسبة إلى الكره، كما يقال: أكفره وأفسقه وأكذبه. ومعنى الآية: لا تقولوا لمن دخل بعد الحرب في الإسلام: إنه (٦) دخل مكرهًا، ولا تنسبوا من دخل في الإسلام إلى الكره؛ لأنه إذا رضي بعد الحرب، وصح إسلامه فليس بِمُكرَه (٧) (٨)، يدل عليه قوله: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا﴾ [النساء: ٩٤] (٩).
(٢) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٤٩٤، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٠٦.
(٣) ذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٢٧، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٠٦.
(٤) لعله سليمان بن موسى بن الأشدق أبو أيوب الدمشقي، روى عن عطاء وعمرو بن شعيب، وروى عنه الأوزاعي وابن جابر، كان أوثق أصحاب مكحول، وكان فقيها ثبتا. ينظر "الجرح والتعديل" ٤/ ١٤١ - ١٤٢، "التقريب" ص ٢٥٥ (٢٦١٦).
(٥) ذكره القرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٨٠.
(٦) في (ي): (لا تقولوا من دخل في الإسلام بعد الحرب دخل مكرها).
(٧) في (ش) (بمكروه).
(٨) "معاني القرآن" ١/ ٣٣٨.
(٩) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٤٧٥.
والرُّشْدُ معناه في اللغة: إصابةُ الخير، وفيه لغتان: رَشَد يَرْشُد رُشْدُا، ورشِد يرشَد رشَدًا (٢). والرشاد أيضًا مصدر كالرُّشْد (٣).
والغيُّ: نقيض الرُّشد، يقال: غوى يغوي غيًا وغوايةً، إذا سلك خلافَ طريقِ الرشد (٤)، قال:
فمَنْ يَلْقَ خَيْرًا يَحْمَدِ النَّاسُ أَمْرَه | ومَنْ يَغْوِ لا يَعْدَمْ على الغَيِّ لائِما (٥) |
(٢) ينظر في (رشد): "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤١١، "المفردات" ص ٢٠٢، "اللسان" ٣/ ٦٤٩. وذكر الراكب عن بعضهم الفرق بين الرشَد والرُّشْد، بأن الرَّشَد أخص من الرُّشد، فإن الرُّشد يقال في الأمور الدنيوية والأخروية، والرَّشَد يقال في الأمور الأخروية لا غير. والراشد والرشيد يقال فيهما جميعا.
(٣) ذكر في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤١١ مادة "رشد" أن الليث فرق بين رَشَد يرشُد رُشْدا ورَشَادا، ورَشِد يرشَد رَشَدا، بأن الأول نقيض الغي، والثاني نقيض الضلال، ثم ذكر الأزهري أن غير الليث جعلوهما بمعنى واحد.
(٤) ينظر في (غوى): "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٠٦، و"القاموس المحيط" ص ١٢٢٠، "اللسان" ٦/ ٣٣٢٠، قال الراغب: الغيُّ: جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أن الجهل قد يكون من كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا صالحًا ولا فاسدًا، وقد يكون من اعتقاد شيء فاسد، وهذا النحو الثاني يقال له غيٌّ.
(٥) البيت للمُرَقِّش، كما في "اللسان" ٦/ ٣٣٢٠ مادة "غوص"، وضُبطت: يغْوَ، بفتح الواو، بينما في نسخة (أ) من البسيط ضُبطت بكسر الواو.
ومعنى ﴿قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ﴾ مِنْ الغَبِّ ظهر الإيمان من الكفر، والهدى من الضلالة بكثرة الحجج والآيات الدالة.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ قال أهل اللغة: الليث، (٢) وأبو عبيدة، (٣) والكسائي (٤): الطاغوت: كُلُّ ما عُبِدَ من دون الله، واحدٌ وجِماع (٥)، ويُذَكَّر ويؤنث، قال الله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ﴾ [النساء: ٦٠] فهذا في الواحد، قيل: هو كعب بن الأشرف (٦)، وقال في الجمع (٧): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ﴾ [البقرة: ٢٥٧] وقال في المؤنث: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا﴾ [الزمر: ١٧].
ومثله من الأسماء: الفُلْك، يكون (٨) واحدًا وجمعًا ومذكرًا ومؤنثًا (٩).
وغويت أغْوَى، تقال في الفصيل إذا بشم وأتخم، وإذا لم يصب ريًّا من اللبن.
(٢) نقله عنه في: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٦ مادة (طغى).
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٧٩، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٦ مادة (طغى).
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٦ مادة (طغى).
(٥) في (م): (وجمع).
(٦) كعب بن الأشرف الطائي: من بني نبهان، شاعر جاهلي، أمه يهودية من بني النضير، وكان سيداً فيهم، هجا النَّبي - ﷺ - وأصحابه، وآذى كثيرًا من المسلمين، أمر النبي بقتله، فقتله خمسة من الأنصار ظاهر حصنه سنة ٣ هـ. ينظر "الروض الأنف" ٣/ ١٣٩، "الأعلام" ٥/ ٢٢٥.
(٧) ساقط من (ي).
(٨) في (ش): (تكون).
(٩) ينظر في الطاغوت: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٩٦، "التبيان" ١٥٣، "اللسان" ٥/ ٢٦٧٨، مادة (طغى) وفى "المفردات" ٣٠٧ - ٣٠٨ قال الراغب: والطاغوت: عبارة عن =
(١) في (ي) (إنها طغووت).
(٢) ليست في (م).
(٣) ينظر: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٧، "المفردات" ص٣٠٨، "التبيان" ص١٥٣، "اللسان" ٥/ ٢٦٧٨ مادة (طغى). قال العكبري: وأصله طغَيُوت؛ لأنه من طغيت تطغى، ويجوز أن يكون من الواو؛ لأنه يقال فيه: يطغو أيضا، والياء أكثر، وعليه جاء الطغيان، ثم قدمت اللام فجعلت قبل العين، فصار طيْغوتًا أو طوْغوتًا، فلما تحرك الحرف وانفتح ما قبله قلب ألفا، فوزنه الآن فلَعوت، وهو مصدر في الأصل مثل الملكوت والرهبوت. اهـ. وبنحو هذا في "مشكل إعراب القرآن".
(٤) المبرد، نقله عنه في "البحر المحيط" ٢/ ٢٧٢.
(٥) أبو علي، نقله عنه في "البحر المحيط" ٢/ ٢٧٢.
وقوله تعالى: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ اسْتَمْسَكَ بالشيء: إذا تمسك به (٥).
والعُرْوة: جمعها عُرًى، وهي نحو عُروة الدَّلو والكُوز، وإنما سُميت لأنها يتعلق بها، من قولهم: عَرَوْتُ الرجلَ أَعْرُوهُ عَرْوًا: إذا ألمَمْتَ به مُتَعلِّقا بسبب منه، والعُرْوَةُ: شَجَر يبقى على الجَدْب؛ لأن الإبل تتعلق (٦) به إلى وقت الخِصْب (٧)،
ومنه قول مهلهل (٨):
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٥.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٧٧.
(٤) تفسير ابن أبي حاتم ٢/ ٤٩٥، "بحر العلوم" للسمرقندي ١/ ٢٢٤، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٧٧.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧٨، "المفردات" ص ٤٧١، قال: واستمسكت بالشيء إذا تحريت الإمساك.
(٦) في (م) (ش): (يتعلق).
(٧) ينظر في (العروة): "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٧٦، "اللسان" ٥/ ٢٩١٩، قال الراغب في "المفردات" ص ٣٣٥: والعروة: ما يتعلق به من عراه، أي ناحيته، قال تعالى: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾ وذلك على سبيل التمثيل، والعروة أيضا شجرة يتعلق بها الإبل، ويقال لها: عروة وعَلْقةً.
(٨) مهلهل بن ربيعة التغلبي؛ قيل: اسمه امرؤ القيس، وقيل: عدي، ورجح المرزُباني أن عديًّا أخوه، سمي مهلهلًّا؛ لأنه هلهَل الشعر، أي: أَرقّه، ويقال إنه أول من قصد القصائد، وفي الأعلام رجح عديًّا، وقال توفي نحو ١٠٠ ق هـ. ينظر: "طبقات فحول الشعراء" ١/ ٣٩، "معجم الشعر" للمرزباني ص ٢٤٨، "الأعلام" ٤/ ٢٢٠.
(والوُثْقَى) تأنيث الأوثق (٧). قال عطاء عن ابن عباس: العروة الوثقى، هي: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن ما جاء به محمد حق وصدق (٨). وقال مجاهد (٩): هي الإيمان، وقال الزجاج (١٠): معناه: فقد عقد لنفسه عقدًا وثيقًا (١١).
(٢) حاشية على نسخة (أ) نصها: والنصِي من نبات الرمل، يقال له: الغضا والأرَطى والألا، مثال: العُلا، وهو شجر حسن المنظر، مر الطعم، والسبط والنَّصِي ما دام رطبًا، فإذا يبس فهو الحَلِي.
(٣) ساقط من (ي).
(٤) في (م): (كأنها أهل).
(٥) في (م): (تعلقت).
(٦) "تهذيب اللغة" مادة (عرا) ٣/ ٢٣٧٦.
(٧) "المفردات" ٥٢٧.
(٨) ذكره القرطبي في "تفسيره" ٣/ ٢٨٢، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤٩٦.
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٠، "ابن أبي حاتم" في "تفسيره" ٢/ ٤٩٦.
(١٠) "معاني القرآن" ١/ ٣٣٩.
(١١) من قوله: (وقال الزجاج). ساقط من (ي).
وقوله تعالى: ﴿لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ الفَصْم: كَسْرُ الشيء من غير إبانة، يدل عليه قولُ ذىِ الرمة يَصِفُ ظَبْيًا حاقِفًا:
كأنه دُمْلجٌ من فِضَّةٍ نَبَهٌ | في مَلْعَبٍ من جَوَارِي الحَيِّ مَفْصومُ (٢) |
قال ابن عباس: لا انقطاع لها دون رضى الله ودخول الجنة (٤).
قال النحويون: نَظْمُ الآيةِ: بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها،
(٢) البيت في ديوان ذي الرمة ص ٥٧٢، وفي "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٩٥، وجاء في "اللسان" مادة (فصم) ٦/ ٣٤٢٤،: شبه الغزال وهو نائم بدملج فضة قد طرح ونُسي، وكل شيء سقط من إنسان فنسيه ولم يهتد له فهو نَبَهٌ، قال ابن بري: قبل في نبه: إنه المشهور، وقيل: النفيس الضال الموجود عن غفلة لا عن طلبَ، وقيل هو المنسي.
(٣) ينظر في فصم: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٩٥، "اللسان" ٦/ ٣٤٢٤، وفي "البحر المحيط" ٢/ ٢٧٢، ذكر أبو حيان أن الفصم: الانكسار من غير بينونة، والقصم: الكسر ببيونة، وقد يجيء الفصم -بالفاء- في معنى البينونة.
(٤) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣٧٠.
والعادِياتُ أَسَابِيُّ الدِّماءِ بها | كأنَّ أَعْناقَها أَنْصابُ تَرْجِيبِ (٣) |
كَذَبْتُم وبَيْتِ الله لا تَنْكِحُونَها | بَني شَابَ قَرْنَاهَا تُصَرُّ وتُحْلَبُ (٦) |
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قال عطاء عن ابن عباس: كان رسول الله - ﷺ - يحب إسلام أهل الكتاب من اليهود الذين حول المدينة، وكان يسأل الله ذلك سرًّا وعلانية (٧).
فمعنى قوله: والله سميع، يريد: لدعائك يا محمد، عليم بحرصك
(٢) سلامة بن جندل بن عبد عمرو، من بني كعب بن سعد التميمي، أبو مالك: شاعر جاهلي، من الفرسان، من أهل الحجاز، في شعره حكمة وجودة، توفي في حدود ٢٣ ق. هـ. ينظر الأعلام ٣/ ١٠٦.
(٣) البيت في ديوان سلامة ص ٩٦، وجاء في "لسان العرب" ٣/ ١٠٨٤ مادة (رجب) شَبّه الشاعر أعْناق الخيل بالنخلِ المُرَجَّب، والترجيب: التعظيم أو إرفاد النخلة من جانب ليمنعها من السقوط، وقيل: شبه أعناقها بالحجارة التي تذبح عليها النسائك.
(٤) في (ي): (العادة).
(٥) ساقط من (ش).
(٦) البيت من الطويل للأسدي في "لسان العرب" ٦/ ٣٦٠٩ (مادة: قرن).
(٧) هذه الرواية التي تقدم عنها الحديث في قسم الدراسة.
٢٥٧ - قوله تعالى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ الآية، الوَلِيُّ: فعيل بمعنى فاعل، من قولهم: وَلِيَ فلانٌ الشيءَ يَلِيهِ ولايةً فهو والٍ وَوَليِّ (٣)، وأصله من الوَلْيِ الذي هو القُرْب، قال الهذلي (٤):
عدَتْ عَوَادٍ دَون وَليك تَشْعَبُ (٥).
ومِنْ هذا يقال: داري تَلِي دارَه، أي، تَقْرُبُ منه، ومن هذا المعنى يقال للنصير المعاون المحب: وَلِيّ، لأنه يقرب منك (٦) بالمحبة والنصرة، ولا يفارقك (٧)، ومن ثَم قالوا في خلاف الولاية: العَدَاوة، ألا ترى أن العداوة من: عَدَا الشيءَ، إذا جَاوَزَه، فمن ثَمَّ كانت خِلافَ الوِلاية، فالوَلِيّ في اللغة هو: القريب من غير فصل (٨)، والله تعالى ولي المؤمنين على معنى أنه يلي أمورهم، أي: يتولاها، وإن كانت أمور الكفار تجري بمشيئته، ففي هذا تخصيص للمؤمنين وتفضيل، كقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٣٩.
(٣) ليست في (ي).
(٤) خويلد بن خالد بن محرث الهذلي: شاعر مخضرم أدرك الجاهلية والإسلام، وأسلم، وحسن إسلامه، تقدمت ترجمته.
(٥) عجز بيت وصدره:
هجرتْ غضوبُ وحبَّ من يتجنبُ.
ورد في "لسان العرب" ٨/ ٤٩٢٢؛ ونُسب لساعدة (مادة: ولى).
(٦) في (ش): (منه ومنك).
(٧) ساقط من (ي).
(٨) ينظر في الولي: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٥٦، "المفردات" ص ٥٤٧ - ٥٤٩، "اللسان" ٨/ ٤٩٢١.
وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ أىِ: من الكفر والضلالة إلى الإيمان والهداية (٢).
قال الواقدي: كل ما في القرآن من الظلمات والنور فإنه أراد به الكفر والإيمان، غير التي في الأنعام ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ [الأنعام: ١]، فإنه يعني الليل والنهار. وجعل الكفر ظلمات؛ لأنه كالظلمة في المنع من إدراك الحق (٣).
وقال الزجاج: لأن أمر الضلالة مظلمٌ غيُر بَيِّن، وأمر الهدى بَيِّنٌ واضح كبيان النور (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ﴾ أي: الذين يتولون أمرهم الطاغوت، والطاغوت هاهنا جمع، وقد ذكرناه (٥).
وقرأ الحسن: (أوليائهم الطواغيت) على الجمع (٦).
وقال مقاتل: يعنى بالطاغوت هاهنا: كعب بن الأشرف وحيي بن
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧٩.
(٣) نقله في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٧٩، "تفسير البغوي" ١/ ٣١٥.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٣٩.
(٥) في (ش): (وقد ذكرنا).
(٦) ينظر: "المحتسب" لابن جني ١/ ١٣١، وابن خالويه في "مختصر شواذ القرآن" ص ٢٣، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٨١.
وقوله تعالى: ﴿يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ﴾ قال قتادة (٣) والمقاتلان (٤): يعنى: اليهود كانوا مؤمنين بمحمد - ﷺ - قبل أن يبعث لِما يجدونه في كتبهم من نعته وصفته، فلما بعث جحدوه وأنكروه (٥) وكفروا به. بيانه (٦) قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾ [البقرة: ٨٩] وعلى هذا، الطاغوتُ: علماؤهم، يخرجون أتباعهم عما كانوا عليه من الإيمان بمحمد قبل مبعثه، بقولهم: إنه ليس ذلك الذي نُعت (٧) في كتابنا. وسائر المفسرين على أن هذا على العموم في جميع الكفار (٨).
ووجه إخراجهم من النور ولم يكونوا فيه، أنّ منع الطاغوت إياهم عن الدخول فيه إخراجٌ لهم منه، كما تقول: أخرجني والدي من ميراثه، تأويله: أنه (٩) منعني الدخول فيه؛ لأنه لو لم يعمل ما عَمِلَ لدخلتُ فيه ومثل هذا:
(٢) "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٥، وذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٣١٥، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٢٥٣.
(٣) ذكره ابن أبي حاتم ٢/ ٤٩٨، والثعلبي ٢/ ١٤٨٢.
(٤) ذكره عن مقاتل بن حيان: ابن أبي حاتم ٢/ ٤٩٧، والثعلبي ٢/ ١٤٨٢، وقول مقاتل في "تفسيره" ١/ ٢١٥.
(٥) زيادة من (ي).
(٦) في (ش): (ببيانه).
(٧) في (ش): (بعث).
(٨) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٨٢.
(٩) في (ي): (أن).
وروي عن مجاهد: أن هذا في قوم ارتدوا عن الإسلام (٢).
وأضاف الإضلال والإخراج من النور إلى الطاغوت؛ لأن سبب ذلك من الطاغوت، وهو التزيين والوسوسة والدعاء إليه، فالإضافة إليه لأجل السبب. وحقيقة الهداية والإضلال لله تعالى: ﴿يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [النحل: ٩٣] والشيطان يزين ويسول، كما قال النبي - ﷺ -: "بعثت داعيًا وليس إليَّ من الهداية شيء، وخُلِقَ إبليسُ مُزِيِّنًا (٣) وليس إليه من الضَّلالَةِ شيء" (٤).
٢٥٨ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ الآية ﴿أَلَمْ﴾ كلمة يُوْقَفُ (٥) بها المخاطَبُ على أمر تعجب منه. ولفظه لفظ الاستفهام (٦).
(٢) ذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٢٩.
(٣) في (أ) و (م): (من نار).
(٤) رواه العقيلي في "الضعفاء" من حديث عمر بن الخطاب، وفيه خالد أبو الهيثم، وابن عدي في "الكامل" في الضعفاء ٣/ ٤٧١، وقال: في قلبي منه شيء، ولا أدري سمع خالد من سماك أم لا، قال الدارقطني وابن حجر: مجهول، ينظر تنزيه الشريعة١/ ٣١٥، "كنز العمال" ١/ ١١٦حديث رقم ٥٤٦.
(٥) في (ي): (وقف).
(٦) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٠.
وإنما دخلت (إلى) لهذا المعنى من بين حروف الإضافة؛ لأن (إلى) لما كانت نهاية صارت بمنزلة: هل انتهت رؤيتك إلى من هذه صفته؟ لتدل على بعد وقوع مثله على التعجب منه، لأن التعجب إنما هو (٤) مما استبهم سببه مما (٥) لم تجر به عادة (٦).
و ﴿حَاجَّ﴾ بمعنى: جادل وخاصم (٧)، وهو نمروذ (٨) بن كنعان. قال ابن عباس، في رواية عطاء: إن إبراهيم دخل بلدة نمرود ليمتار (٩)، وأرسل إليه (١٠) نمرود، وقال له: من ربك؟ قال: ربي الذي يحيي ويميت، قال نمرود: أنا أحيي وأميت (١١).
(٢) في (ش): (كهذا).
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٠ وينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٨، "التبيان" ص ١٥٥
(٤) ساقط من (ي).
(٥) في (ش): (ما)
(٦) ينظر في معنى (إلى): "مغني اللبيب" ص ١٠٤.
(٧) "المفردات" ص ١١٥.
(٨) في (أ) و (م) و (ي): (نمرود).
(٩) ساقط من (م).
(١٠) في (ي) و (ش): (فأرسل).
(١١) ذكر في "تفسير مقاتل" ١/ ٢١٥، "تفسير الطبري" ٢/ ٢٤، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٨٤، وذكره في "الوسيط" ١/ ٣٧١.
وقوله تعالى: ﴿إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ هذا جواب سؤال سابق غير مذكور، وتقديره (٣): إذ قال له: من ربك؟ فقال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ﴾ (٤) الذي يحيي ويميت، فحذف (٥)؛ لأن الجواب يدل على السؤال في مثل هذا الموضع (٦).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾ اعتمد عدو الله على المعارضة على الإشراك (٧) في العبادة (٨) في العبارة، عادلًا عن وجه الحجة بفعل حياةٍ للميت أو مَوْتٍ (٩) لحي على سبيل الاختراع الذي يفعله الله عز وجل؛ لأنه رُويَ أنه دعا برجلين؛ فقتل أحدهما واستحيا الآخر، فسَمَّى ترك القتل إحياءً (١٠).
والقراء على إسقاط ألف أنا (١١) عند الوصل في جميع القرآن، إلا ما
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبى" ٢/ ١٤٨٤.
(٣) في (م) (وتأويله).
(٤) زيادة من (ي).
(٥) في (م) حذف.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٠.
(٧) في (ي) و (ش) الاشتراك.
(٨) في (ي) و (ش) العبارة.
(٩) فى (ش) ميت.
(١٠) ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٨٥، "تفسير الطبري" ٣/ ٢٤ - ٢٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٢.
(١١) (أنا) ساقط من (ي).
(٢) ينظر التعليق لأبي حيان عند قوله تعالى: "إلا من اغترف غرفة بيده" [البقرة: ٢٤٩].
(٣) في (ي) و (ش): (شيء).
(٤) ساقط من (ي).
(٥) ساقط من (ى).
(٦) في (م): (في أنا والتي للوقف)، وفي (ش): (في أنا والهاء التى في الوقف).
(٧) في (ش): (الظرف) في الموضعين.
(٨) هذه العبارة، وأما قراءة نافع فهي ضعيفة جدًّا ليست من كلام أبي علي.
(٩) هذا قول في توجيه قراءة نافع، والقول الآخر: أنها لغة، قال أبو حيان في "البحر المحيط" ٢/ ٢٨٨: والأحسن أن تجعل قراءة نافع على لغة بني تميم، لا أنه من=
هم القائلونَ الخيرَ والآمِرُونَهُ (٣)
الهاء فيه هاء الوقف التي تلحق في: مسلمونه وصالحونه، فألحق الهاء حرف اللين، وهذا كما أجروا غير القافية مجري القافية، كما أجروا قوله:
لما رَأَتَ ماءَ السّلى مَشْرَوبا (٤)
وإن لم يكن مُصَرَّعًا مجرى المُصَرّع، ولا يجوز شيء من ذلك في غير
(١) ساقط من (ش).
(٢) في (ي): (وهذا).
(٣) عجزالبيت:
إذا ما خشوا من محدَث الأمر معظما.
هو بلا نسبة في "لسان العرب" ٥/ ٢٦٩٠ مادة: طلع، مادة (جين).
(٤) هذا صدر بيت عجزه:
والغرْثَ يُعْصر في الإناء أرنَّت.
وقد اختلف في نسبته إلى شبيب بن جعيل، أو حجل بن نضلة. ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٦٤، وشرح أبيات المغني للبغدادي ٧/ ٢٤٧ - ٢٤٨.
فكَيْفَ أنا وانْتِحَالِي القَوافي | بعيد المَشِيبِ كَفَى ذاكَ (٢) عارَا (٣) |
أنا شَيْخُ العَشِيرةِ فاعرِفُوني | حَمِيدٌ قد تَذَرَّيْتُ السَّنَاما (٤) |
أنا عبيد الله يَنْمينِي عُمَر
خَيْرُ قُرَيْشٍ مِنْ مَضَى ومَنْ غَبَر (٥) (٦)
(٢) في (ي): بذاك.
(٣) البيت في "ديوانه" ٨٤، وروايته فيه:
فما أنا أم ما انتحالي القوافِ | بعد المشيب كفى ذاك عارا |
(٤) ورد البيت هكذا:
أنا سيف العشيرة فاعرفوني | حميدًا قد تذريت السناما. |
(٥) تكملة الرجز:
بعد رسول الله والشيخ الأغر
والرجز لعبيد الله بن عمر، ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩١، و"أساس البلاغة" (مادة: غبر)، "تاج العروس" ٧/ ٢٨٧ (مادة: غبر).
(٦) من "الحجة" ٢/ ٣٥٩ - ٣٦٥ بتصرف واختصار.
فإن قيل: كان للنمرود أن يقول لإبراهيم: فليأت بها ربك من المغرب، قيل: علم بما رأى من الآيات أنه يفعل فيزداد (٤) فضيحةً؛ لأن هذه المحاجة (٥) كانت مع إبراهيم بعد إلقائه في النار، وخروجه منها سالمًا، فعلمَ أنَّ من قَدَرَ على حفظ إبراهيم في تلك النار العظيمة من الاحتراقِ، يَقْدِرُ على أن يأتي بالشمس من المغرب، وقيل: إن الله تعالى خذله عن التلبيس (٦) بالشبهة نصرة لنبيه.
(٢) في (ي): (للخصم).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٢.
(٤) في (م): (ليزداد).
(٥) في (ي): (المحاججة).
(٦) في (م): (التلبيس).
فما هو إلا أن أرَاهَا فُجاءةً | فَأُبْهَتُ حَتّى ما أكادُ أُجِيْبُ (٢) |
وتأويل قوله (٤): فبهت أي: انقطع وسكت (٥).
٢٥٩ - قوله تعالى: ﴿أَوْ كَالَّذِي مَرَّ﴾ الآية. قد ذكرنا أن هذه الآية معطوفة على ما قبلها في المعنى، كأنه قيل: أرأيت (٦) كالذي حاج، أو كالذي مر (٧)، والعرب تحمل على المعاني كثيرًا (٨)، قال الفرزدق:
(٢) البيت في "ديوانه" ص ٢٨، وفي "خزانة الأدب" ٨/ ٥٦٠ وُيعْزى لكُثَيِّر عزة في "ديوانه" ص ٥٢٢، وُيعْزى أيضًا للمجنون في "ديوانه" ص ٤٩، ولم ينسبه في "معاني القرآن" للأخفش، ولا الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٩٣ وعزاه في الكتاب ٣/ ٥٤ لبعض الحجازيين، وللأحوص في ملحق، "ديوانه" ص ٢١٣.
(٣) ينظر في بهت: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤١، "تهذيب اللغة" ١/ ٤٠٠، "المفردات" ٧٣، "اللسان" ١/ ٣٦٨.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤١، ولفظه: انقطع وسكت متحيرًا.
(٦) ساقط من (م).
(٧) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٢.
(٨) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٠، وقال: والعطف على المعنى نصوا على أنه لا ينقاس.
فكيْفَ بلَيْلَةٍ لا نَجْمٍ فيها | ولا قَمَرٍ لسَاريهَا مُنِيرِ (١) |
وَجَدْنَا الصَّالِحِينَ لَهُم جَزَاءً | وجَنَّاتٍ وعَيْنًا سَلْسَبِيلًا (٢) |
مُعَاوِيَ إنَّنا بَشَرٌ فاسْجَحْ | فلَسْنَا بالجِبَالِ ولا الحَدِيدَا (٤) |
(٢) البيت لعبد العزيز بن زرارة الكلابي، كما في "أدب الكاتب" ١/ ٢٨٨، وهو من شواهد "المقتضب" ٣/ ٢٨٤، ومعنى سلسبيلًا: أي سهلًا لذيذًا سلسًا، ينظر: "المفردات" ص ٢٣٧.
(٣) البيت وما بعده ساقط من (أ) و (م).
(٤) البيت لعقبة أو لعقيبة الأسدي في: "الإنصاف" ٣٨٤، "لسان العرب" ٦/ ٣٤٩٦ (مادة: غمز).
(٥) في (ي): (ولا الحديدا)، وفي (ش): (ولا الحديد).
(٦) ساقط من (ي).
(٧) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٢، ورده الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٨، وذكر أبو حيان في "البحر" ٢/ ٢٩٠: أن الكاف قد تكون اسمًا على مذهب الأخفش، فتكون في موضع جر معطوفة على (الذي)، والتقدير: ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم، أو إلى مثل الذي مر على قرية، ومجيء الكاف اسمًا فاعلة ومبتدأة ومجرورة بحرف الجر ثابت في "لسان العرب"، وتأويلها بعيد، فالأولى هذا الوجه، وإنما عرض لهم الإشكال من حيث اعتقاد حرفية الكاف حملًا على مشهور مذهب البصريين.
واختلفوا في الذي مَرَّ. فقال قتادة (٢) والربيع (٣) وعكرمة (٤) والضحاك (٥) والسدي (٦): هو عزير (٧).
وقال وهب (٨) وعطاء عن ابن عباس (٩): هو أرميا؟ وهو الخضر. وقال مجاهد: هو رجل كافر (١٠) شك في البعث (١١).
وقوله تعالى: ﴿عَلَى قَرْيَةٍ﴾ قال وهب (١٢) وعكرمة (١٣) وقتادة (١٤)
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٨، " ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٠.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٨، وذكره الثعلبي ٢/ ١٤٩٤، والقرطبي ٣/ ٢٨٩.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٨، وذكره الثعلبي ٢/ ١٤٩٤، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣١٧.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٨، وذكره الثعلبي ٢/ ١٤٩٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣١٧.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٠.
(٧) وهذا الذي صححه أبو المظفر السمعاني في "تفسيره" ٢/ ٤٠٩، وقال ابن كثير ١/ ٣٣٧: وهذا القول هو المشهور.
(٨) رواه عنه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ٩٩، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٢٩، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٢.
(٩) ذكره البغوي في "تفسيره" ١/ ٣١٧، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٢٥٥.
(١٠) ليست في (ي).
(١١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٤٩٦، وروى الطبري في "تفسيره" ٣/ ٤٠، وذكر ابن أبي حاتم ٢/ ٥٠٠ عن مجاهد: أنه رجل من بني إسرائيل.
(١٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٣٠، وذكره الثعلبي ٢/ ١٤٩٦.
(١٣) انظر المصدرين السابقين.
(١٤) انظر المصدرين السابقين.
وقال (٢) ابن زيد: هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ قال أبو عبيد عن أبي زيد والكسائي: خَوَت الدار (٤) تَخْوِي خُوُيًّا، إذا خلت، قال الكسائي: ويجوز: خويت الدار (٥). الأصمعي: خَوَى البيتُ فهو يَخْوِي خَوَاءً، ممدود، إذا ما خلا من أهله (٦).
والخَوَى: خُلُوّ البطن من الطعام، وأصل معنى هذا الحرف: الخُلوّ. ومن هذا ما ورد في الحديث أن النبي - ﷺ - كان إذا سجد خَوَّى (٧) أي: أخلى ما بين عَضُدَيْهِ وجَنْبَيْهِ وبَطْنِهِ وفَخِذَيْه، وخَوَاءُ الفرس: ما بين قوائمه، وخَوَاءُ الأرض: بَرَاحُها (٨) قال أبو النَّجْم يصف فرسًا طويلًا:
يَبْدُو خَوَاءُ الأرْضِ من خَوَائِه (٩)
(٢) في (أ) (قال).
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٣٠، وذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٠٩.
(٤) في (ي) (الديار).
(٥) نقله عنهما في "تهذيب اللغة" ١/ ١١٢٣ (مادة: خوى).
(٦) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ١١٢٣ (مادة: خوى)، وضبطت يخوي في نسخة (أ) بكسر الواو، وفي التهذيب بفتح الواو.
(٧) رواه مسلم (٤٩٧) كتاب: الصلاة، باب: ما يجمع صفة الصلاة.
(٨) من قوله: (وخواء). ساقط من (ي).
(٩) ورد هذا الشطر منسوبا لأبي النجم في "تهذيب اللغة" ١/ ١١٢٢، "اللسان" ٣/ ١٢٩٦ (مادة: خوى).
والعَرْشُ: سَقْفُ البيت، والعُرُوش: الأَبْنِيَة، والسُّقُوفُ من الخَشَب، يقال: عَرَشَ الرجلُ يَعْرِشُ ويَعْرُشُ، إذا بنى بناءً من خَشَبٍ (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ أي: متهدِّمة ساقطة خراب، قاله ابن عباس (٣) والربيع (٤) والضحاك (٥). ومعنى: ﴿عَلَى عُرُوشِهَا﴾ أي: حيطانها كانت قائمة، وقد تهدمت سقوفها ثم انقعرت (٦) الحيطان من قواعدها، فتساقطت على السقوف المتهدمة (٧). ومعنى الخاوية: بمعنى المنقعرة وهي المنقلعة من أصولها، يدلك على ذلك قوله تعالى: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٧]. وقوله تعالى في موضع آخر: ﴿أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [القمر: ٢٠] وهذه الصِّفَةُ في خراب المنازل من أبلغ ما يوصف به.
قال الأزهري: وإنما قيل للمنقعر: خاو؛ لأن الحائط إذا انقلع خَوِي
(٢) ينظر في عرش: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٣٩١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٧، "المفردات" ٣٣٢، "لسان العرب" ٥/ ٢٨٨١.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٣١، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣١.
(٤) انظر المصدرين السابقين.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٣١، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٠، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣١.
(٦) في (ش) (انقرعت).
(٧) ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص ٨٥، "تفسير الطبري" ٣/ ٣١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٤٩٨.
وقال بعضهم ﴿وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا﴾ أي: خالية عن عروشها لتهدمها، جعل (على) بمعنى عن كقوله: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢)﴾ [المطففين: ٢] أي: عنهم.
وقوله تعالى: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ قال وهب: إن بُخْتَنَصّر دخل هو وجنوده بيت المقدس، وقتل بنى إسرائيل حتى أفناهم وسبى ذرارِيَهم، وخرب بيت المقدس، فلما رجع إلى بابل ومعه سبايا بني إسرائيل أقبل أَرْمِيا على حمار له، معه عصير عنب في زُكرة (٢) وسلة تين، حتى غشي إيليا، فلما وقف عليها ورأى خرابها قال: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ (٣).
ومن قال: المار عزير، قال: هذا من قوله (٤).
وفي قول مجاهد قوله: ﴿أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يكون إنكارًا للبعث؛ لأنه جَعَل المارَّ كافرًا، وعلى قول غيره: لا يكون إنكارًا للبعث، ولكن تأويله: أنه أحب أن يزداد بصيرة في إيمانه، فقال: ليت شِعْرِي كيف يحيي الله الأموات (٥)؟ كما قال إبراهيم: ﴿أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾
(٢) في (ش) (ركوة). والزُّكرة: وعاءٌ أو زِقٌ من أدم يجعل فيه شراب أو خلّ.
(٣) حديث وهب ستأتي تتمته بعد قليل، فينظر تخريجه هناك.
(٤) ينظر "تفسير الطبري" ٣٥/ ٣٥، "تفسير ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠١، "بحر العلوم" ١/ ٢٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٠٥.
(٥) في (ي): (الموتى).
وقال آخرون: إنه لما رأى خلاءها (٢) من السكان وتهدم أبنيتها استبعد أن يعمرها الله، لا منكرًا للقدرة، ولكن متعجبًا منها لو كانت (٣).
ومعنى أنى: من أين، كقوله: ﴿أَنَّى لَكِ هَذَا﴾ [آل عمران: ٣٧] يعني: من أين يفعل الله ذلك، على معنى: أنه لا يفعله. فأحب الله تعالى أن يُرِيَه آيةً في نفسه، وفي إحياء القرية، فأماته الله مائةَ عَامٍ. قال وهبٌ: ربط أرميا حمارَه بحبل جديد، فألقى الله عليه النوم، فلما نام نزع الله منه الروحَ مائة عام، وأماتَ حماره، وعصيرُه وتِيْنُه عنده، وأعمى الله سبحانه عنه العيون، فلم يَرَهُ أحدٌ، وذلك ضُحَى، ومنع اللهُ السباعَ والطيرَ لحمَه، فلما مضى من موته سبعون سنة أرسل الله عز وجل مَلَكًا إلى ملك (٤) من ملوك فارس عظيم، يقال له: نوشك، فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تنفر بقومك فَتَعْمُر بيتَ المقدس وإيليا وأرضَها حتى تعودَ أَعْمَر ما كان، فانتدب الملك لعمارتها، وأهلك الله بُخْتَنَصّر، ورَدّ من بقي من بني إسرائيل إلى بيت المقدس، فعمروها ثلاثين سنة، وكثروا حتى كانوا على أحسن ما كانوا عليه، فلما مضت المائة أحيا الله منه عينيه، وسائرُ جسدِه ميت، ثم أحيا جسدَه وهو ينْظُر، ثم نظر إلى حماره فإذا عظامه بيض متفرقة (٥) تلوح، فسمع صوتًا من السماء: أيتها العظام البالية، إن الله يأمرك أن تكتسي
(٢) كتبت في (ي) و (ش) (خلاها)، وفي (أ) و (م): (حلآها).
(٣) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٢، "تفسير الثعلبي" ١/ ١٥٠٥، "التبيان" ص ١٥٥، "البحر المحيط" ٢/ ٢٩١.
(٤) ساقط من (ي).
(٥) في (ي): (متفرقة بيض).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتَ﴾ فيه وجهان من القراءة: الإدغام، والإظهار (٢).
فمن أظهر فلتباين المخرجين، وذلك أن الظاءَ والذالَ والثاءَ من حَيِّز، والطاءَ والدالَ والتاءَ من حَيِّز، فلما تباين المخرجان واختلف الحَيِّزَان لم يُدْغِم.
ومن أدغم: أجراهما مجرى المثلين، من حيث اتفق الحرفان في أنهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتفقا في الهمس، ورأى الذي بينهما من الاختلاف في المخرج خلافًا يسيرًا. فأدغم، أَجْراهما مجرى المِثْلين، ويقوي ذلك اتفاقُهم في الإدغام في سِتٍّ، ألا ترى أن الدالَ أُلْزِمَتْ الإدغامَ في مقَارِبِهِ وإن اخْتَلَفَا في الجَهْرِ والهَمْس (٣).
(٢) قرأ ابن كثير ونافع وعاصم في كل القرآن بإظهار الثاء هنا، وفي مثله، كقوله: "لبثتم" [الكهف ١٩] [المؤمنون ١١٢] وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بالإدغام. ينظر "السبعة" ص ١٨٨، "الحجة" ٢/ ٣٦٧.
(٣) من "الحجة" ٢/ ٣٦٧ - ٣٦٨ بتصرف. والجهر في اصطلاح المجودين: قوة التصويت بالحرف لقوة الاعتماد عليه في المخرج حتى منع جريان النفس معه، والهمس هو: ضعيف التصويت بالحرف لضعف الاعتماد عليه في المخرج حتى النفس معه، وحروفه مجموعة في قولك (فحثه شخص سكت) والباقي حروف الجهر. ينظر "هداية القاري" ١/ ٧٩.
قال: ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾، وذلك أن الله عز وجل أماته ضحى في أول النهار؟ وأحياه بعد مائة عام في آخر النهار قبل غيبوبة الشمس، فقال: ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا﴾ وهو يرى أن الشمس قد غربت، ثم التفت فرأى بقيةً من الشمس، فقال: أو بعض يوم، جاء (٢) بمعنى: بل بعض يوم؛ لأنه رجعَ عن قوله: ﴿لَبِثْتُ يَوْمًا﴾ (٣).
﴿قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾. العام (٤) -وجمعه أعوام-: حولٌ يأتي على شتوة وصيفة، قيل: إن أصله من العوم، الذي هو السِّباحة؛ لأن فيه سَبْحًا طويلًا لما يمكن من التصرف فيه (٥).
﴿فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ﴾ يعني: التين ﴿وَشَرَابِكَ﴾ يعني: العصير (٦).
﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ قال ابن عباس في رواية عطاء: لم يتغير ولم ينتن بعد
(٢) ليست في (ي).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٠٩، وينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٣٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٣.
(٤) في (ي) (والعام).
(٥) ينظر في العام: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٢٩٠، "المفردات" ٣٥٦، وقال: العام كالسنة، لكن كثيراً ما تستعمل السنة في الحول الذي يكون فيه الشدة أو الجدب، ولهذا يعمر عن الجدب بالسنة، والعام بما فيه الرخاء والخِصب، قال: "عام فيه يغاث الناس وفيه يحصرون" [يوسف: ٤٩] ثم قال: وقيل سمي السنة عاما لعوم الشمس في جميع بروجها.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٠٩.
وقال أبو عبيدة: لم يأت عليها السنون فيتغير، يريد: أن مر السنين عليه لم يغيره.
وفيه قراءتان: إحداهما: إثبات الهاء في الوصل، والأخرى: حذفها، ولا اختلاف في إثباتها في الوقف (٢). وأصل هذا الحرف، من السنه، والسَّنه مترددة (٣) بين أصلين: أحدهما: سَنَوَة، والآخر: سَنَهَة (٤)، فالذي يدل على أن أصلها سنوة، قولهم في الاشتقاق منها: أَسْنَتَ القومُ، إذا أصابتهم السَّنَةُ، وينشد قوله:
ورِجَالَ مَكَّةَ مُسْنِتُون عِجَافُ (٥)
(٢) قال ابن مجاهد: واختلفوا في إثبات الهاء في الوصل من قوله ﴿لَمْ يَتَسَنَّهْ﴾ و ﴿اقْتَدِهْ﴾ [الأنعام: ٩٠]، و ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (٢٨) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٨ - ٢٩] و ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ﴾ [القارعة: ١٠] وإسكانها في الوصل، ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف. فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر هذه الحروف كلها بإثبات الهاء في الوصل، وكان حمزة يحذفهن في الوصل، وكان الكسائي يحذف الهاء في الوصل من قوله (لم يتسنه) و (اقتده) ويثبت الهاء في الوصل والوقف في الباقي، وكلهم يقف على الهاء، ولم يختلفوا في ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة: ٢٥] أنهما بالهاء في الوصل والوقف. "السبعة" ص ١٨٨ - ١٨٩.
(٣) في (ي): (مرددة).
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٠، "الحجة" ٢/ ٣٧٤.
(٥) شطره الأول:
عمرو العلا هشم الثريد لقومه.
البيت لابن الزبعرى، كما قال ابن بري. ذكره: في "تاريخ الطبري" في "تفسيره" ١/ ٥٠٤، "صبح الأعشى" ١/ ٤١٢، "المنتظم" ٢/ ٢١٠، "الاشتقاق" ص ١٣ وفيه نسبته إلى مطرود بن كعب الخزاعي.
وسَانَيْتُ مِن ذِي بَهْجَةٍ وَرَقْيتُه | عليه السُّموط عابِسٍ مُتَعصِّب (١) |
وعند الفراء: يجوز أن تكون أصل سنة: سننه (٤)، قال: لأنهم قد قالوا في تصغيرها: سُنَيْنَة، وإن كان ذلك قليلًا، فعلى هذا يجوز أن يكون: لم يَتَسَنَّ، لم يَتَسَنَّنْ، فَبُدِّلَتِ النونُ ياءً لما كثرت النونات، كما قالوا: تَظَنَّيْت (٥)، وكقول العجاج:
تَقَضِّيَ البَازِي إذا البَازِي كَسَرْ (٦)
(٢) في (ش): (تحسن)، وفي (م): (يحسن).
(٣) ينظر: "الإغفال" لأبي علي ص ٥٤٣، "الحجة" ٢/ ٤٧٤ - ٤٧٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٤٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٠.
(٤) في (أ) كأنها (سنينه).
(٥) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٢، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٨١ (مادة: سنن) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١١. وتظنيت من ظننت.
(٦) هذه قطعة من مشطور الرجز، للعجاج، وقبله: =
واعترض الزجاج على هذا، وقال: هذا ليس من ذاك (٥)؛ لأن مسنون إنما هو مصبوب على سُنَّةِ الطريق (٦).
قال أبو علي الفارسي: قد حكي عن أبي عمرو الشيباني أنه قال (٧): لم يتسن: لم يتغير من قوله: ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ [الحجر: ٢٦] وأبدل من النون ياءً فإن كان هذا ثابتًا (٨) عن أبي عمرو وقاله على (٩) جهة الاستنباط من قوله: ﴿مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ﴾ فهو خلاف ما فسره أبو عبيدة، لأنه يقول:
"ديوانه" ص ١٧، "تفسير الطبري" ١/ ٣٢٤، "الإغفال" ٥٤١، "المحتسب" ١/ ١٥٧، "سمط اللآلي" ٢/ ٧١٠، "شرح ابن يعيش" ١٠/ ٢٥، "اللسان" (قضض، ضبر) وتقضي: بمعنى: انقض وتقضض على التحويل، وكسر الطائر يكسر كسرًا وكسورًا، إذا ضم جناحيه حتى ينقض.
(١) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٢) ينظر. "غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٨٥، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ٢٨٠.
(٣) سبق ترجمته.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٢، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٣، "تهذيب اللغة" ١/ ٩١٢ مادة "حمأ"، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٠.
(٥) في (ش): (ذلك.)
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٤.
(٧) سقطت من (ي).
(٨) كتبت في النسخ (ثبتًا).
(٩) في (ي): (عن).
تُضَمَّرُ بالأصائلِ كلَّ يَوْمٍ | تُسَنُّ عَلَى سَنَابِكِها قُرُون (٣) |
فعلى ما ذكرنا من هذه الأوجه الهاء تكون للوقف، فينبغي أن تُلْحَقَ في الوقف، وتسقط في الدَّرْج. وأما من أثبت الهاء في الوصل فإنه يجعل اللام في السنة الهاء (٥)، فيقول: إنها في الأصل سَنَهَة، وتصغيرها سُنَيْهَة، ويحتج بقولهم: سَانَهَتِ النخلةُ، بمعنى: عَاوَمَتْ، وآجَرْتُ الدارَ مُسَانهة، وأنشد الفراء:
(٢) في (أ): (ذاك).
(٣) البيت من الوافر، وهو لزهير بن أبي سلمى، في "ديوانه" ص ١٨٧، "لسان العرب" ٤/ ٢١٢٥ مادة: (سنن). (وقرن) ٦/ ٣٦٠٩، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٨٠ (سنن) وروايته:
نعوِدها الطِّراد فكلَّ يومٍ | يُسَنُّ على سنابِكها القُرونُ |
(٥) ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٧٤ - ٣٧٦.
ليْسَتْ بِسَنْهَاءَ ولا رُجْبِيَّةٍ | ولكن عَرَايَا في السِّنين الجَوَائِحِ (١) |
قال الأزهري: وأحسن الأقاويل في السنة: أن أصلها سَنَهَة، نَقَصُوا الهاء منها كما نقصوها من الشَّفَة، ولأن الهاء ضاهت حروف اللين التي تنقص. والوجه: أن يُقْرَأ بالهاء في الوقف والإِدراج (٣)، وهو اختيار أكثر القراء.
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١١، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٨١ (مادة: سنن).
(٣) من "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٨١ - ١٧٨٢ (سنه) بمعناه، ولفظه. وأجود ما قيل في تصغير السنة: سُنيهة، على أن الأصل سنْهَة، كما قالوا: الشفة، أصلها: شفهة، فحذفت الهاء منهما في الوصل ونقصوا الهاء من السنة والشفة؛ لأن الهاء مضاهية حروف اللين التي تنقص في الأسماء الناقصة، مثل زنة وثبة وعِزة وعِضة، وما شاكلها، والوجه في القراءة (لم يتسنه) بإثبات الهاء في الإدراج والوقف، وهو اختيار أبي عمرو. والله أعلم.
عِقَابٌ عَقَنْبَاة (٢) كأنَّ وَظِيفَها | وخُرطُومَها الأعْلَى بنانٌ مُلوّح (٣) |
وقوله تعالى: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ وذلك أنه لما أحياه الله وقال له: ﴿بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ﴾ وأراه طعامه غير متغير، وكذلك شرابه، وأراه علامة مكثه مائة سنة ببلى عظام حماره، فقال: ﴿وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ﴾ (٦) فرأى حماره ميتًا عظامُهُ بيضٌ تلوح، فأذن الله عز وجل له في الحياة، فاجتمعت أعضاؤه وانتظمت، حتى عاد إلى حالة الحياة، وجاءه فوقف عند رأسه ينهق.
(٢) في (أ) و (م) و (ي): (عقبناه)، وما أتبت موافق لما في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٣، "لسان العرب" ٧/ ٤٠٩٥ (مادة: لوح).
(٣) البيت من الطويل، وهو لجران العود في "ديوانه" ص ٤: "لسان العرب" ٧/ ٤٠٩٥ مادة: (لوح)، وللطرماح في ملحق "ديوانه" ص ٥٦٥، "لسان العرب" ٥/ ٣٠٥٢ مادة: (عقنب). وقوله (عقاب عقبناه) على سبيل المبالغة: حديدة المخالب السريعة الخطبة، وظيفتها: عظم ساقها، والخرطوم: منقار الطائر.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٣، "تفسير القرطبي" ٣/ "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٢.
(٥) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٢.
(٦) من قوله: (وذلك أنه لما). ساقط من (ي).
وقال الفراء: دخلت الواو لنية فعل بعدها مضمر (٢)، لأنه لو قال: لنجعلك، كان شرطًا للفعل الذي قبله، كأنه قيل: ولنجعلك آية للناس فعلنا ذلك، يعني: ما فعله من الإماتة والإحياء، ومثله قوله: ﴿وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ﴾ [الأنعام: ١٠٥] معناه: وليقولوا دارست صرّفْناها، ومثله ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥] أراد: وليكون من الموقنين نريه الملكوت (٣).
ومعنى كونه آية للناس: أنه لما أحيي بعد الإماتة كان ذلك دلالة على البعث بعد الموت في قول أكثر المفسرين (٤). وقال الضحاك وغيره: جعله الله آية للناس بأن بعثه شابًا أسودَ الرأس واللحيةِ وبنو بنيه شيب (٥).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٣.
(٣) ينظر في إعراب الآية: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢٠، "التبيان" ١/ ١٥٥ - ١٥٦، "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٣.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢١.
(٥) نقله عن الضحاك: الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٢١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٠، وروى سفيان الثوري في "تفسيره" ص ٧٢ نحوه عن المنهال بن عمرو، وروى=
وقال آخرون: أراد به عظام هذا الرجل نفسه، وذلك أن الله تعالى لم يمت حماره وأحيا الله عينيه ورأسَه، وسائرُ جسده ميت، ثم قال له: انظر إلى حمارك، فنظر فرأى حماره واقفًا كهيئة يوم ربطه حيًّا، لم يطعم ولم يشرب مائة عام، وتقدير الآية على هذا: وانظر إلى عظامك كيف ننشرها، واللام في هذا القول بدل عن كاف الخطاب، وهذا قولُ قتادة (٢) والربيع (٣) وابن زيد (٤). وقال عطاء عن ابن عباس: يريد عظام نفسه وعظام حماره (٥).
وقوله تعالى: ﴿كَيْفَ نُنْشِزُهَا﴾ (٦) أي: نحييها، يقال: أنشر الله الميت فنشر، قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ﴾ [عبس: ٢٢]، وقال الأعشى:
(١) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٤٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٩، "النكت والعيون" ١/ ٣٣٣، "زاد المسير" ١/ ٣١٢.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٤٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٢٠.
(٣) انظر المصدرين السابقين.
(٤) انظر المصدرين السابقين.
(٥) تقدم الحديث عن هذه الرواية في قسم الدراسة.
(٦) قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (نُنْشِرها) بضم النون الأولى وبالراء، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ننشزها) بالزاي، لمحال ابن مجاهد: وروى أبان عن عاصم (كيف نَنْشُرها) بفتح النون الأولى وضم الشين والراء مثل قراءة الحسن. ينظر: "السبعة" ص ١٨٩، "الحجة" ٢/ ٣٧٩.
وقد وصفت العظام بالإحياء في قوله: ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا﴾ [يس: ٧٨ - ٧٩] فكذلك في قوله: ننشرها (٢).
وقرئ (نَنْشُرُها) (٣) بفتح النون وضم الشين، قال الفراء: كأنه ذهب إلى النَّشْر بعد الطي (٤)، وذلك أن بالحياة يكون الانبساط (٥) في التصرف، فهو كأنه مطوي ما دام ميتًا، فإذا عاد حيًا صار كأنه نُشر بعد الطي.
وقال آخرون: يقال: نَشَر الميتُ ونَشَره اللهُ، مثل: حَسَرَتِ الدابةُ، وحَسَرْتُها أنا، وغاض الماء وغِضْتُه، قال العجاج:
كم قد حَسَرْنا من عَلاةٍ عَنْسِ (٦) (٧) (٨)
حتى يقول الناس مما رأوا
والبيت في "ديوانه" ص ٩٣، "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٣، "الخصائص" ٣/ ٢٢٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٨، والناشر: الذي بعث من قبره. "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٧.
(٢) ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٧٩ - ٣٨٠، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٧٢ مادة "نشر"، "غريب القرآن" ص ٨٥.
(٣) قرأ بها الحسن والمفضل. ينظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٣، "غريب القرآن" ص ٨٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٨.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٣.
(٥) في (ش): (الانتشاط).
(٦) في (ش) و (ي): (عبس).
(٧) رجز أورده في "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣٨١، وصاحب "اللسان" ٥/ ٣١٢٩ (مادة: عنس)، ولم ينسباه، والعَنْس: الصخرة والناقة القوية، شبهت بالصخرة لصلابتها، والعلاة: السندان، ويقال للناقة علاة تُشَبَّه بها في صلابتها.
(٨) بتصرف من "الحجة" ٢/ ٣٨١، وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٤، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٧٢ مادة "نشز"، "المفردات" ص ٤٩٥.
ومعنى الآية على هذه القراءة: كيف نرفعها من الأرض فنردها إلى أماكنها من الجسد، ونركب بعضها على بعض (٣).
وقال الأخفش: يقال: نَشَزْتُه وأَنْشَزْتُه، أي: رفعته (٤).
وروي عن النخعي أنه كان يقرأ (نَنَشُزُها) بفتح النون وضم الشين والزاي (٥).
وقوله تعالى: ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ وذلك أنه لما شهد ما شاهد من إحياء الله وبعثه إياه بعد وفاته، أخبر عما تبيّنه وتيقنه مما لم يكن تبيّنه هذا التبيُّنَ الذي لا يجوز أن يعترض فيه إشكال، ﴿قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾. أي: أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته قبل، وتأويله: أني قد علمت مشاهدة ما كنت أعلمه غيبًا (٦) (٧).
(٢) ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٨١ - ٣٨٢، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٧٢ (مادة: نشز)، "المفردات" ص ٤٩٥.
(٣) "غريب القرآن" ص ٩٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٤، "المفردات" ص ٤٩٥.
(٤) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٣.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥١٨، و"تفسير القرطبي" ٣/ ١٨٨، "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٣.
(٦) سقطت من (ي).
وَدِّع هُرَيْرَةَ إنّ الرَّكْبَ مُرْتَحِلُ (٢)
خاطب نفسه كما يخاطب غيره، كذلك (٣) قوله لنفسه: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ نزله منزلة الأجنبي المنفصل منه؛ لينبهه على ما تبين له (٤) (٥).
ويجوز أن يكون الله تعالى قال له: ﴿أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، يدل على صحة هذا التأويل قراءة عبد الله والأعمش: قيل: اعلم (٦).
٢٦٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى﴾ الآية. العامل في (إذ) عند الزجاج اذكر، كأنه قيل: واذكر هذه القصة (٧)، وعند غيره: كأنه قيل: ألم تر إذ قال إبراهيم، عطف على {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي
(٢) عجزالبيت:
وهل تطيق وداعًا أيُها الرَّجُلُ
وهو في "ديوانه" ص١٥٥، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٣٨٤ "لسان العرب" ٢/ ٧١٥ "جهم".
(٣) في (ي): (وكذلك).
(٤) سقطت من (ي).
(٥) من "الحجة" ٢/ ٣٨٣ - ٣٨٤ بتصرف.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٢٧، "التبيان" ص ١٥٧، "البحر المحيط" ٢/ ٢٩٦.
(٧) "معاني القرآن" ١/ ٣٤٥، وينظر "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٨، "التبيان" ص ١٥٧.
واختلفوا في سبب سؤاله إحياء الميت، والأكثرون على أنه رأى جيفة بساحل البحر، يتناوله السباع والطير ودوابّ البحر، ففكر كيف يجتمع ما قد تفرّق من تلك (٢) الجيفة، وتطلعت نفسه إلى مشاهدة ميت يحييه ربه، ولم يكن شاكًّا في إحياء الله تعالى الموتى، ولا دافعًا له، ولكنه أحب أن يرى ذلك كما أن المؤمنين يحبون أن يروا محمدًا - ﷺ - والجنة، ويحبون رؤية الله تعالى، مع الإيمان بذلك وزوال الشك، فكذلك أحب إبراهيم أن يصير الخبر له عيانًا (٣)، وهذا معنى قول الحسن (٤) والضحاك (٥) وقتادة (٦).
وقال ابن عباس (٧) والسدي (٨) وسعيد بن جبير (٩): إن ملك الموت
(٢) سقطت من (م).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٤٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٣١، "المحرر الوجيز" ٢/ ٤١٦.
(٤) قول الحسن، عزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٦١٧ إلى عبد بن حميد، وعزاه السيوطي في الدر ١/ ٥٩٤ إلى البيهقي في "الشعب"، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٣١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٢، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٣١٣.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٤٧، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٧، وينظر "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
(٦) رواه عنه الطبري ٣/ ٤٧، وذكره الثعلبى ٢/ ١٥٣٠، والبغوي ١/ ٣٢٢، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٣١٣.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٤٩، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٠٩، والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٢/ ٤٨٧.
(٨) رواه عنه الطبري ٣/ ٤٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ١/ ٥٠٨، وينظر "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
(٩) رواه سعيد بن منصور ٣/ ٩٧٣، والطبري فى "تفسيره" ٣/ ٤٩ بمعناه، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٥١٠.
ألَسْتُم خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا (١)
يعني: أنتم كذلك (٢).
﴿قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ بأن أنال ما قد تَمَنَّيْتُه، وأحببت رؤيته، واشتهيت مشاهدته. وقال الحسن (٣) وقتادة (٤)، أي: بزيادة اليقين والحجة، وعلى قول ابن عباس بحقيقة الخلة وإجابة الدعوة، ويدل على هذا: ما روى الضحاك عن ابن عباس في قوله: ﴿وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ قال معناه: لكن لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني (٥) (٦).
وروى الوالبي عنه: لكن لأعلم أنك تُجِيبُني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك (٧).
وعن سعيد بن جبير قال معناه: ولكن ليزداد قلبي إيمانًا (٨).
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٤٠.
(٣) ذكره عنه ابن أبي حاتم ٢/ ٥١٠، وابن الجوزي ١/ ٣١٣.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٠، وينظر "المحرر الوجيز" ٢/ ٤٢٠.
(٥) في (ش) و (م): (أحببتني).
(٦) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٠٩.
(٧) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
(٨) أخرجه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٠ - ٥١، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٣١٣.
قال الله تعالى: ﴿فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ﴾ قال ابن عباس: أخذ طاوسًا ونَسْرًا وغرابًا وديكًا (٢)، وفي قول مجاهد (٣) وابن إسحاق (٤) وابن زيد (٥): حمامةً بدل النسر (٦).
وقوله تعالى: ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ قال أكثر أهل اللغة والتفسير (٧): معناه: مِلْهُنَّ إليك، يعني: وَجِّهْهُنَّ إليك وادْعُهُنَّ واضممهن، قاله عطاء (٨) وابن زيد (٩).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٤١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٣، "زاد المسير" ١/ ٣١٤.
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥١٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٤١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٣.
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره في "المحرر الوجيز" ٢/ ٤٢٠.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥١، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٤١.
(٦) ذكر ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٣٣٨ بأنه لا طائل تحت تعيينها؛ إذ لو كان في ذلك مهم لنص عليه القرآن.
(٧) ينظر: "غريب القرآن" ص ٨٦، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦، وعزاه لأكثر أهل اللغة. "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٠٢ - ٢٠٥٤ (مادة: طمن)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٤٤، "المفردات" ٢٩٢ - ٢٩٣.
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٦، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥١٢، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣٥.
(٩) رواه عنه الطبري ٥/ ٥٦، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣٥.
على أنني في كل سَيْرٍ أسِيرُه | وفي نظري من نَحْوِ أرضِكَ أَصْوَر (٢) |
وقول آخر:
الله يَعْلَمُ أَنّا في تَلَفُّتِنا | يومَ الوَدَاعِ إلى أحْبَابِنا صُورُ (٥) |
عفائف إلا ذاك أو أن يَصُورَهَا | هوًى والهَوَى للعَاشِقِينَ صَرُوعُ (٧) |
يَصُور عنُوقَها أحْوَى زَنِيمٌ | له ظَابٌ كما صَحِبَ الغَرِيمُ (٨) |
(٢) البيت لذي الرمة، في "ديوانه" ص ٢٢٠.
(٣) في (ي): (فقال).
(٤) من "الحجة" ٢/ ٣٨٩ بمعناه.
(٥) البيت بلا نسبة في "تهذيب الألفاظ" لابن السكيت ٢/ ٥٥٢، "تفسير الطبري" ٣/ ٥٢، " لسان العرب" ٤/ ٢٥٢٤ (مادة: صور)، و٤/ ٢٢٥٤ (مادة: شرى)، "تاج العروس" ٧/ ١١١ (مادة: صور)، "المخصص" ١٢/ ١٠٣. "المعجم المفصل" ٣/ ٣٣٦.
(٦) هو الطرماح بن حكيم بن الحكم، تقدمت ترجمته ٢/ ١٣٣ [البقرة: ٩].
(٧) البيت في "ديوانه" ص ١٨٠.
(٨) البيت لأوس بن حجر من ملحق "ديوانه" ص ١٤٠، "لسان العرب" ٥/ ٢٧٤١ (مادة: ظأب)، وهو ملفق من بيتين.
وقال أبو عبيدة (٢) وابن الأنباري (٣) وجماعة: صرهن، معناه: قطعهن (٤). وهو قول ابن عباس (٥) وسعيد بن جبير (٦) والحسن (٧) ومجاهد (٨).
يقال: صار الشيء يَصُورُه صَوْرًا: إذا قطعه، قال رؤبة يصف خصمًا ألد:
صُرْنَاه بالحُكم ويعي الحُكَّما (٩)
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٨١.
(٣) "الأضداد" لابن الأنباري ص ٣٦.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٣، "مجاز القرآن" ١/ ٨١، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٥ - ٣٤٦، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٥٩ (مادة: صار)، "المفردات" ص ٢٩٢.
(٥) رواه عنه الطبري ٣/ ٥٥، "ابن أبي حاتم" ٢/ ٥١٢.
(٦) انظر المصدرين السابقين.
(٧) ذكره في "زاد المسير" ١/ ٣١٥.
(٨) انظر التخريج السابق.
(٩) في حاشية (أ) تصحيح للبيت هكذا:
صرنا به الحُكم وأَعْيا الحكَمَا
وقد ورد البيت في "الحجة" ٢/ ٣١٩ معزوًّا لذي الرُّمَّة بلفظ (صُرْنا به الحكم وعيًا الحُكّمَا) وليس في "ديوان ذي الرمة"، ونسبه في "اللسان" ٤/ ٢٥٢٤ (صور) =
ولو يلدغني الذي لاقيته حَضَنٌ | لَظَلَّت الشُّمُّ منه وهي تَنْصَارُ (١) |
فمن فسر صُرْهُن بمعنى قَطِّعْهُن لا يحتاج إلى إضمار، كما ذكرنا في الإمالة، ويكون قوله: ﴿إِلَيْكَ﴾ من صلة الأخذ، كأنه قيل: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهن (٣).
وقرأ حمزة (فصِرهن) بكسر الصاد (وقد فسر هذا الحرف على قراءة حمزة بالإمالة والتقطيع، كما ذكرنا في قراءة من ضم الصاد) (٤) (٥).
فمن الإمالة: ما أنشده الكسائي هذا (٦):
وفَرْعٍ يصيرُ الجِيدَ وَحْفٍ كأنّه | على اللِّيتِ قِنوانُ الكُرومِ الدَّوَالِحِ (٧). |
(١) ورواية صدر البيت
فلو يلاقي الذي لاقيته حضن
ورد في "لسان العرب" ٤/ ٢٥٢٤ مادة: (صور)، بلفظ: لظلت الشهب، ولم يرد في "ديوان الخنساء"، وهو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٨١ وفي الأضداد للأصمعي وابن السكيت ص ٣٣ - ١٨٧، "البحر المحيط" ٢/ ٣٠٠ وقوله: الشم، أي: الجبال، تنصار: تقطع، وحِضنُ الجبل: ما يُطِيف به.
(٢) في (ش): (تتضرع).
(٣) "الحجة" ٢/ ٣٩٣، وينظر "تفسير الطبري" ٣/ ٥٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٢.
(٤) ساقط من (أ) و (م).
(٥) ينظر "الحجة" ٢/ ٣٩٢.
(٦) ليست في (ي) ولا (ش).
(٧) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٧٤، قال: وأنشدني عن بعض سليم، وذكره =
قال الفراء: وهذه لغة هذيل (١).
وسليم (٢)، يقولون: صاره يصيره: إذا ماله (٣).
وقال الأخفش وغيره: صِرهن، بكسر الصاد: قطعهن، يقال: صاره يصيره: إذا قطعه (٤).
قال الفراء: وأرى أن ذلك مقلوبٌ من صَرَى يَصْري إذا قطع (٥)، قال ذو الرمة:
وودَّعْنَ مُشْتَاقًا أصبْنَ فُؤَادَه | هَوَاهُنّ إن لم يَصره اللهُ قَاتِلُه (٦) |
(١) هذيل بن مدركة، بطن من مدركة بن إلياس، من العدنانية، كانت ديارهم بالسروات، وكان لهم أماكن ومياه في أسفلها من جهات نجد. ينظر "معجم قبائل العرب" ٣/ ١٢١٣.
(٢) سليم بن منصور، قبيلة عظيمة من قيس غيلان، من العدنانية، وكانت منازلهم في عالية نجد بالقرب من خيبر. ينظر "معجم قبائل العرب" ٢/ ٥٤٣.
(٣) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤.
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٣ - ١٨٤، وعبارته: أي قطعهن، وتقول منها: صار يصور، وقال بعضهم: فصرهن، فجعلها من صار يصير.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤.
(٦) ورد البيت: فودعن، وهو في "ديوانه" ص ٣٩٦.
(٧) ينظر "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤، وعثى: لغة أهل الحجاز، وعاث: لغة تميم، وهما بمعنى: أفسد.
صَرَتْ نظرهٌ لو صَادَفَتْ جَوْزَ (١) دَارعٍ | عَدَا والعَوَاصِي من دَمٍ الجَوْفِ (٢) تَنْعَرُ (٣) |
يقولون:
إنَّ الشَّأمَ يَقْتُلُ أهلَهُ | فمَنْ لِيَ إن لَم آتِهِ بِخُلُودِ |
تَعَرَّب آبائي فما إن صَرَاهُم | عن الموت إذ لم يَذْهَبُوا وجُدُودِي (٤) |
وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا﴾ قال المفسرون: إن الله تعالى أمره أن يذبح تلك الطيور، وينتف ريشها، ويقطعها، ويفرق أجزاءها، ويخلط ريشها ودماءها ولحومها، بعضها ببعض، ففعل ذلك، ثم
(٢) في (ش): (القوم).
(٣) البيت بلا نسبة في "لسان العرب" ٧/ ٤٤٧٢ (مادة: نعر)، ٥/ ٢٩٨١ (مادة: عصا).
(٤) البيت بلا نسبة في "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٠، وفي "لسان العرب" ٤/ ٢١٧٧ مادة: شأم، وورد البيت الثاني في "معاني القرآن" هكذا:
تَعَرَّب آبائي فَهَلَّا صَرَاهم | من الموت إن لم يذهبوا وجُدوُدي |
(٥) ينظر: "الحجة" ٢/ ٣٩١ - ٣٩٣.
وقال مجاهد (٤) والضحاك (٥): كل جبل بحسب الإمكان، كأنه قيل: فرقه على كل جبل يمكنك التفرقة عليه، قالوا: ففعل ذلك إبراهيم، وأمسك رؤوسهن عنده، ثم دعاهن: تعالين بإذن الله سبحانه، فجعلت أجزاء الطيور يطير بعضها إلى بعض، حتى لقيت كل جثة بعضها بعضًا، وتكاملت أجزاؤها، ثم أقبلن إلى رؤوسهن، فكلما جاء طائر أشار بعنقه إلى رأسه، فكان إبراهيم إذا أشار إلى واحد منها بغير رأسه امتنع الطائر وتباعد، حتى يشير إليه برأسه، فتلقى كل طائر رأسه، فذلك قوله: ﴿ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ (٦).
وهو نصبٌ على المصدر، أي: سَعَيْنَ سعيًا، ويجوز أن يكون في موضع الحال (٧).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٨.
(٣) السابق.
(٤) السابق.
(٥) ينظر: الطبري في "تفسيره" ٣/ ٥٩.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٥٥ - ٥٧، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٥١١ - ٥١٢، و"تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٤ - ١٥٥٥.
(٧) ينظر في الإعراب: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٣٩، "التبيان" ص ١٥٨، "البحر=
٢٦١ - وقوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ الآية. قال أهل المعاني: هذه الآية متصلة بقوله: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٤٥] وما بين الآيتين من الآيات اعتراض بالاستدعاء إلى الحق بالحجج والعبر التي ذكرها.
وقال الزجاج: لما قصَّ الله عز وجل ما فيه الدلالة على توحيده، وما أتاه الرسل من البينات، حث على الجهاد، وأعْلَمَ أن من جاهد من كفر بعد هذا البرهان فله في جهاده ونفقته الثواب العظيم، وقد وعد الله في الحسنات أن فيها عشر أمثالها من الجزاء، ووعد في الجهاد أن الواحد يضاعف سبعمائة مرة، فقال: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾ (٣). ونظمُ الآية: مثلُ صدقاتِ الذين ينفقون (أموالهم في سبيل الله) (٤)، أو مثلُ الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله (٥) كمثل زارعٍ
(١) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٥٥، "البحر المحيط" ٢/ ٣٠٠.
(٢) سقطت من (أ) و (م).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٦.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) زيادة من (م).
فإن قيل: فهل رؤي سنبلة فيها مائة حبة حتى يضرب المثل بها؟ قيل: قد يتصور ذلك وإن لم ير، وليس القصد في المثل تصوير سنبلة فيها مائة حبة، وإنما القصد التشبيه بمثل هذه السنبلة، على تقدير التصوير، لا على تحقيق التصوير، والعادة في الأمثال التي تضرب أن يشبه الشيء بما يجوز أن يتصور، وإن لم ير ذلك الشيء، وقد قيل: إنه رأى ذلك في سنبل الدُّخن، وقد قيل: المراد بقوله: ﴿فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ﴾ (٢) أنها إذا بذرت أنبتت مائة حبة، فقيل: فيها مائة حبة على هذا المعنى، كما يقال: في هذه الحبة حبّ كثير (٣) ﴿وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ من أهل النفقة في طاعته ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ جواد لا ينقصه ما يتفضل به من السعة، (عليم) بمن ينفق (٤).
٢٦٢ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ إلى قوله ﴿مَنًّا وَلَا أَذًى﴾ المنّ في اللغة على وجوه: يكون بمعنى الإنعام، يقال: قد منَّ عليَّ فلان: إذا أَفْضَل وأَنْعَم، ولفلان عليّ منّة، أي: نعمة، أنشد ابن الأنباري:
فمِنّي عَلَيْنَا بالسَّلامِ فَإِنَّما | كلامُكِ ياقُوتٌ ودُرٌّ مُنَظَّمُ (٥) |
(٢) سقطت من (ي).
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٦١، "تفسير السمعاني" ٢/ ٤٢٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٦٠، "تفسير البغوي" ١/ ٣٢٥.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٦٠.
(٥) البيت أورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣١٧ دون نسبة إلى قائل، وقال: ذكر ذلك أبو بكر بن الأنباري.
يريد: أنعم وأسمح بماله، ولم يرد المنة التي تهدم الصنيعة، والله تعالى يُوصَفُ بأنه مَنَّان، أي: منعم. قال أهل اللغة: المن: الإحسانُ إلى من لا يستثيبه، ولهذا يقال: الله تعالى منّان، لأن إحسانه إلى الخلق ليس لطلب ثواب، ومن هذا قوله: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ﴾ [ص: ٣٩] وقوله: ﴿وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ﴾ [المدثر: ٦] أي: لا تعط لتأخذ من المكافأة أكثرَ مما أعطيت (٢).
والمنّ في اللغة أيضًا: النقص من الحق والبخس له، قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ [القلم: ٣] يقال: غير مقطوع، وغير منقوص، ومن هذا يسمى الموت: مَنُونًا؛ لأنه يُنْقِصُ الأَعْدَاد، ويقطع الأعمار (٣).
ومن هذا: المِنَّةُ المذمومة؛ لأنها تُنْقِصُ النعمة وتُكَدِّرُها، قال
(٢) في (ي): (أعطيتك).
(٣) ينظر في معاني المن: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٩ - ٣٤٦٠ (مادة: منن)، "المفردات" ٤٧٧، "لسان العرب" ٧/ ٤٢٧٩، "عمدة الحفاظ" ٤/ ١٣١ - ١٣٢. وذكر الراغب أن المنة يراد بها: النعمة الثقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منَّ فلان على فلان، إذا أثقله بالنعمة ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة، ويقبح ذلك، قيل: المنة تهدم الصنيعة، ولحسن ذكرها عند الكفران قيل: إذا كفرت النعمة حسنت=
أَنَلْتَ قليلًا ثم أسْرعَت مِنَّةً | فَنَيْلُكَ مَمْنُون (١) لِذَاك قليلُ (٢) |
والعَرَبُ تتمدّح بترك المنِّ بالنعمة، قال قائلهم:
زَادَ مَعْروفَكَ عِنْدِي عِظَمًا | أنَّهُ عِنْدَكَ مَسْتُورٌ حقيرْ |
تَتَنَاسَاهُ كأنْ لم تَأتِهِ | وهو في العالم مَشْهورٌ كبيرْ (٤). |
والأذى: هو أن يذكر إحسانه لمن لا يحب الذي أحسن إليه وقوفه عليه، وما أشبه ذلك من القول الذي يؤذيه (٧).
(١) في (ش): (مذموم).
(٢) البيت أورده ابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣١٧ دون نسبة إلى قائل وقال: ذكر ذلك أبو بكر بن الأنباري.
(٣) في (ي): (في الصنعة).
(٤) البيتان من قول الخُرَيمي، نسبهما إليه في "عيون الأخبار" ٣/ ١٦٠، و"دلائل الإعجاز" ١/ ٣٦٠ وروايتهم، وعند الناس بدل في العالم.
(٥) في (م): (تعيشته).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٦٤ - ١٥٦٦.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٦٤.
﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ أي: سَترٌ (٢) لخلة السائل، قاله ابن جرير (٣)، وقال عطاء والحسن (٤): أي: تجاوز عن السائل، إذا استطال عليه عند رده، مثل ما يتجاوز عن أخيه إذا استطال عليه وعن زوجته وعن خادمه (٥)، علم الله تعالى أن الفقير إذا ردّ بغير نوال شق عليه ذلك، فربما يدعوه ذلك إلى بذاءة اللسان، فأمر بالصفح والعفو عنه، وبين أن ذلك خير من صدقة يتبعها أذى، أي: مَنّ وتعيير للسائل بالسؤال (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ غَنِيٌّ﴾ أي: عن صدقة العباد، وإنما دعاكم إليها ليُثِيبَكُم عليها (٧).
يقال: غَنِيَ عن الشيء يَغْنَى عنه غنى مقصور، فهو غانٍ عنه وغَنِيٌّ عنه (٨)، والغِنَى: نقيضُ الحاجة (٩).
(٢) سقطت من (ي).
(٣) "تفسير الطبري" ٣/ ٦٤.
(٤) لم أجده عنهما.
(٥) ذكر ذلك الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٧٠، دون عزو لأحد.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٠، "تفسير السمعاني" ٢/ ٤٢٥.
(٧) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٠ - ١٥٧١.
(٨) ليست في (ي) ولا (ش).
(٩) ينظر في غنى: "تهذيب اللغة" ٣/ ٣٧٠٣، "المفردات" ٣٦٨، "اللسان" ٦/ ٣٣٠٨.
٢٦٤ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ﴾ أراد: ثواب صدقاتكم وأجرها (٢) ﴿بِالْمَنِّ﴾ هو أن تمن بما أعطيت وتعتد به، كأنك إنما تقصد به الاعتداد، وقال ابن عباس: ﴿بِالْمَنِّ﴾ على الله عز وجل (٣). (والأذى) (٤) هو أن يوبخ المعطَى.
وقوله تعالى: ﴿كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ﴾ أخبر الله تعالى أن المن والأذى يبطلان الصدقة، كما تبطل نفقة المنافق الذي إنما أعطى وهو لا يريد بذلك العطاء ما عند الله، إنما يريد (٥) ليوهم أنه مؤمن (٦).
والرياء مصدر المُرَاءاة، يقال: رياء ومراءاة، مثل: راعيته رِعَاءً ومُرَاعَاةً، وهو أن ترائي غيرك بعملك (٧).
قال ابن عباس: يريد كالذي يتصدق لا يرجو لها ثوابًا، ولا يخاف من منعها عقابًا (٨).
وقوله تعالى: ﴿فَمَثَلُهُ﴾ أي: مثل هذا المنافق المرائي {كَمَثَلِ
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٥.
(٣) ذكره عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٧٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٦، والرازي ٧/ ٥٧.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) في (ي) و (ش): (يعطي).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٥.
(٧) ينظر في الرياء: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٢٦ (مادة: رأى)، "المفردات" ١٩٠، "اللسان" ٣/ ١٥٤٤ (مادة: رأى)، "عمدة الحفاظ" ٢/ ٦٢.
(٨) لعله من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
والوابل: المطر الشديد، يقال: وَبَلَتِ السماءُ تَبِلُ وَبْلًا، وأرض مَوْبُولَةٌ: أصابها وابل (٤).
والصَّلْد: الأملسُ اليابس، يقال: حَجَرٌ صلْدُ، وجبين صلْدٌ: إذا كان براقًا أملس، وأرض صلد: لا تنبت شيئًا كالحجر الصلد، قال تأبط شرًا (٥) في الحَجَر:
ولَسْتُ بِجُلْبٍ جُلْبِ ريحٍ وقِرةٍ | ولا بصَفًا صلْدٍ عَن الخَيْرِ مَعْزِل (٦) |
(٢) كتبت في (م): (الصفو والصفوان)، وفي بقية النسخ (الصفوا والصفوان).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٢٢ (مادة: صفا)، وينظر في المادة نفسها: "المفردات" ٢٨٦ - ٢٨٧، "اللسان" ٤/ ٢٤٦٨ - ٢٤٦٩.
(٤) ينظر في وبل: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٨٢٩، "المفردات" ٥٢٦، "اللسان" ٨/ ٤٧٥٥ (مادة: وبل).
(٥) ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي أبو زهير، من شعراء الصعاليك، وأحد لصوص العرب المغيرين، اشتهر بسرعة العدو حتى إن الخيل لا تلحقه، وسمي تأبط شرًّا؛ لأنه تأبط سيفا وخرج، فقيل لأمه: أين هو؟ فقالت: تأبط شرا وخرج، وقيل غير ذلك. ينظر "الشعر والشعراء" ١/ ٩٣، "وسمط اللالي" ١/ ١٥٨.
(٦) البيت في "ديوانه" ١٧٤، وفي "تفسير الطبري" ٣/ ٦٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٧، "لسان العرب" ٥/ ٢٩٣٠ (عزل) والجلب: هو السحاب المعترض، تراه كأنه جبل، والمعنى: لست برجل لا نفع فيه، ومع ذلك فيه أذى كالسحاب الذي فيه ريح وقِرٌّ، ولا مطر فيه. ينظر "لسان العرب" ٢/ ٦٤٩ (جلب).
وقال بعض بني أسد في الأرض الصلدة:
وإنِّي لأرجو الوَصْلَ منكِ كَما رَجَا | صَدَى الجَوْفِ (٢) مُرْتَادًا كداه صُلود (٣) |
وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المنافق وعمل المنّان الموذي، يعنى: أن الناس يرون في الظاهر أن لهؤلاء أعمالًا كما يُرى التُرابُ على هذا الصفوان، فإذا كان يوم القيامة اضمحل كله وبطل؛ لأنه لم يكن لله، كما أذهب الوابل ما كان على الصفوان من التراب، فلا يقدر أحد (من الخلق) (٦) على ذلك التراب الذي أزاله المطر عن الصفا، كذلك هؤلاء في العمل الذي حبط، إذا قدموا على ربهم لم يجدوا شيئًا (٧)، فهو قوله: {لَا
(٢) في (ش): (الخوف).
(٣) ورد البيت غير منسوب في "ديوان الحماسة" ٢/ ١٦٥.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) ينظر في صلد: "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠٤٢، "المفردات" ٢٨٩، "اللسان" ٤/ ٢٤٨١.
(٦) سقطت من (ي).
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٧٨.
٢٦٥ - قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾ الآية. هذا مثل ضربه الله عز وجل لمن ينفق، يريد ما عند الله ولا يمن ولا يؤذي، وقوله (٣): ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ﴾ أي: مثل نفقتهم أو إنفاقهم، فحذف المضاف كقولهم: يا خيل الله اركبي (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ قال الزجاج: أي: وينفقونها مقرين بأنها مما يثيب الله عليها (٥).
فعلى هذا يكون المعنى: وتثبيتًا من أنفسهم لثوابها، يعني: أنهم أيقنوا أن الله يثيب عليها فيثبتوا (٦) ذلك الثواب، بخلاف المنافق فإنه ينفق رياء (٧) ولا يحتسب، ولا يؤمن بالثواب، وعلى هذا المعنى دارت أقوال المفسرين.
فقال السدي (٨) وأبو صالح (٩) وابن زيد (١٠): يقينًا.
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٤٧.
(٣) في (ي): (فقوله).
(٤) ينظر في إعراب الآية: ما تقدم في قوله تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ﴾.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٧.
(٦) في (ش) و (ي): (فثبتوا).
(٧) في (ش): (رياء الناس).
(٨) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٢٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٨٥، وابن الجوزية في "زاد المسير" ١/ ٣١٩.
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٩.
(١٠) ذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٣٩، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٨٥، وفي "الوسيط" ١/ ٣٧٩.
وقوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ﴾ (٧) الرَّبْوة: ما ارتفع من
(٢) ذكره أبو المظفر السمعاني ٢/ ٤٢٨، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٨٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٨، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٧٩.
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٨٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٨، والرازي ٧/ ٦٠.
(٤) رواه ابن زنجويه في "الأموال" ٣/ ١٢٢٠، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٦٩، و"ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٢٠.
(٥) رواه ابن زنجويه في "الأموال" ٣/ ١٢٢١، والطبري في "تفسيره" ٢/ ٧٠، و"ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٢٠ بمعناه.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٨٦.
(٧) قرأ عاصم وابن عامر (برَبوة) بفتح الراء، وقرأ الباقون بضم الراء. ينظر "السبعة" ١٩٠.
قال الأخفش والذي نختاره: رُبْوَةٌ بالضم (٢)، لأنك لا تكاد تسمع في جمعها غير الرُّبَى، وأصلها من قولهم: رَبَا الشيء يَرْبُو: إذا زاد وارتفع، ولهذا يقال لها: الرَّابِيَة؛ لأن أجزاءها ارتفعت عن صفحة المكان الذي هي بها (٣)، ومن هذا يقال: أصابه رَبْوٌ: إذا أصابه نفسٌ في جوفه لزيادة النفس على عادته، ومن هذا أيضًا: الربا في المال؛ لأنه معاملة على أن يأخذ أكثر مما يُعطي، وإنما خصت الجنة بأنها على ربوة؛ لأن الموضع المرتفع من الأرض إذا كان له ما يُرَوِّيْهِ من الماء فهو أكثرُ ريعًا من المستفل، ونَبْتُه يكونُ أحسن، وأنضر ما تكون الجنان والرياض على الرُّبى، قال الأعشى:
ما رَوْضَةٌ (مِنْ رِياضِ) (٤) الحَزْنِ (٥) مُعْشِبَةٌ | خَضْرَاءُ جَادَ عليها مُسْبِلٌ هَطِلُ |
(٢) نقله عنه في "الحجة" ٢/ ٣٨٥، "المفردات" ص١٩٣.
(٣) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٣٨٦.
(٤) سقطت من (ش).
(٥) في (م) و (ي): (الحسن)، وفي (ش): (الحي).
(٦) في (م): (الحسن)، وفي (ش): (الجون).
(٧) البيت في "ديوانه" ص ١٤٥، "لسان العرب" ١/ ٤٢٨ (مادة: ترع)، "تهذيب اللغة" ١/ ٤٣٥، وينظر: "المعجم المفصل" ٦/ ٢٤٠.
(٨) ينظر في ربو: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٨، "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٣٤، "المفردات" ١٩٣، "اللسان" ٣/ ١٥٧٣.
﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ﴾ الأُكُل: ما يؤكل، قال الله تعالى: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾ [إبراهيم: ٢٥] أي: ثمرتها وما يؤكل منها، فالأُكُلُ في المعنى مثل الطُعمة، تقول: جعلته أُكْلًا له، كما تقول جعلته له (١) طُعمة (٢). وأنشد الأخفش:
فما أُكْلَةٌ إن نِلْتُها بغَنِيمَة | ولا جَوْعةٌ إن جُعْتُها بغَرام (٣) |
قال المفسرون: الأُكل: المراد به الثمر.
وقوله تعالى: ﴿ضِعْفَيْنِ﴾ قال ابن عباس، في رواية عطاء: يريد: حملت في سنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين (٩).
(٢) من "الحجة" ٢/ ٣٩٤ - ٣٩٥ بتصرف.
(٣) ورد البيت في "تفسير الطبري" ٥/ ٥٣٨، ونسبه محققه إلى أبي مضرس النهدي، ينظر: "تفسير الطبري" ٥/ ٥٣٨، "الحجة للقراء السبعة" ٢/ ٣٩٥.
(٤) في (ي) (له).
(٥) في (ي) (ذو).
(٦) نقله عنه في "الحجة" ٢/ ٣٩٥.
(٧) وفي الآية قراءتان على اللغتين: فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع بسكون الكاف، وقرأ الباقون بضمها. ينظر: "السبعة" ص ١٩٠، "الحجة" ٢/ ٣٩٤.
(٨) ينظر في أكل: "تهذيب اللغة"١/ ١٧٦ - ١٧٧، "الحجة" ٢/ ٢٩٤ - ٢٩٥، "المفردات" ص ٢٩، "اللسان" ١/ ١٠٠ - ١٠٣.
(٩) ذكره عن عطاء: الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٩٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٨، وفي "الوسيط" ١/ ٣٧٩، وفي بعض نسخ الثعلبي في "تفسيره": سنين بدل سنتين.
فإن قيل: كيف قيل فيما مضى ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ﴾ قيل: فيه إضمار المعنى: فإن يكن لم يصبها وابل فطل، ومثله من الكلام: قد أعتقت عبدين، فإن لم أعتق اثنين فواحدًا بقيمتهما، المعنى: إن أكن لم أعتق، قاله الفراء (٢).
وتم المعنى عند قوله: ﴿فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ﴾ ثم زاد تأكيدًا وزيادة معنى فقال: ﴿فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ﴾ وأصابها طلٌّ فتلك حالها في الثراء وتضاعف الثمرة لا ينقص بالطل عن مقدارها بالوابل، وفي الكلام إضمار لا يتم المعنى إلا به، كأنه قيل: فإن لم يصبها وابل وأصابها طل فتلك حالها، فحذف لأن الباقي يدل عليه، تقول: كما أن هذه الجنة تثمر في كل حال ولا يخيب صاحبها، قلّ المطر أو كثر، كذلك يضعف (٣) الله عز وجل ثواب صدقة المؤمن المخلص، سواء قلت نفقته وصدقته أم (٤) كثرت (٥).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٨، وينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٣١٢.
(٣) في (ش): (يضاعف).
(٤) في (م): (أو).
(٥) الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٥٩٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣١٣.
وقال ابن عباس: هو مثل الذي يختم عمله بفساد، وكان يعمل عملًا صالحًا، فهو مثل للجنة المذكورة في الآية، ثم يبعث الله له الشيطان فيسيء في آخر عمره، ويتمادى في الإساءة حتى يموت على ذلك، فيكون الإعصار مثلصا لإساءته التي مات عليها (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ﴾ عطف بماض على مستقبل، قال الفراء: وذلك يجوز (٥) في يود؛ لأنها تتلقى مرّة بأن ومرة بلو، فجاز أن يقدر أحدهما مكان الآخر لاتفاق المعنى، كأنه قيل: أيود أحدكم لو كانت له جنة، وذلك أن (لو) و (أن) مضارعتان في المعنى، فتجاب أن بجواب لو، ولو بجواب أن، قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ﴾ إلى قوله: ﴿وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢١] المعنى: وإن أعجبتكم، وقال: {وَلَئِنْ
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩٣.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٧٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٢٢.
(٤) رواه البخاري (٤٥٣٨) كتاب: التفسير، باب: قوله: (أيود أحدكم أن تكون له جنة)، والثوري في "تفسيره" ٧٢، وابن المبارك في "الزهد" ٥٤٦، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٧٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٢٣.
(٥) في (ي): (ويجوز ذلك).
والإعصار: ريح ترتفع وتستدير نحو السماء كأنها عمود، وهي التي يسميها الناس الزوْبَعة، وهي ريح شديدة، ومنه: إن كنت ريحًا فقد لاقيت إعصارًا (٢) وقال ابن الأعرابي: يقال: إعصار وعِصَار، وهو أن يهيجَ الريحُ الترابَ (٣).
قال المفسرون: مثلُهم كمثلِ رجلٍ كانت له جَنَّةٌ فيها من كلِّ الثمرات، وأصابه الكِبَرُ فَضعُفَ عن الكسب، وله أطفال لا يجدون عليه، ولا ينفعونه، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت، ففقدها أَحوَج (٤) ما كان إليها، عند كبر السن، وضعف الحيلة، وكثرة العيال، وطفولة الولد، وضعف عن إصلاحها لكبره، وضعف أولاده عن إصلاحها لصغرهم، ولم يجد هو ما يعود به على أولاده، ولا أولاده ما يعودون به على أبيهم، فبقي هو وأولاده فقراء عجزة متحيرين، لا يقدرون على حيلة، كذلك يبطل الله عمل المنافق والمرائي، حين لا مُسْتَعْتب لهما، ولا توبة، ولا إقالة من ذنوبهما (٥).
وقوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ﴾ أي: كمثل بيان هذه الأقاصيص
(٢) مثل عربي في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٥٩ (مادة: عصر). وينظر "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٤٩. ويضرب مثلًا للرجل يلقى قِرْنَه في النجدة والبسالة.
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٥٩ (مادة: عصر)، وعبارته: أن تهيج الريح التراب فترفعه. وينظر في إعصار: "المفردات" ص ٣٣٩ - ٣٤٠، "اللسان" ٥/ ٢٩٧٠ (مادة: عصر).
(٤) في (م): (فأحوج).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩٦.
٢٦٧ - وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ﴾ يعنى: الجيادَ (١) الخِيارَ (٢)، وقيل: يعنى: الحلالاتِ (٣) مما كسبه الإنسان بالتجارة والصناعة من الذهب والفضة.
﴿وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ يعنى: الحبوب مما يجب فيه الزكاة.
﴿وَلَا تَيَمَّمُوا﴾ التَّيَمُّم: القَصْد والتَّعَمُّد، يقال: أمَمْتُه وتَيَمَّمْتُه وَتَأمَّمْتُه ويَمَّمْتُهُ، كله بمعنى: قصدته، قال الأعشى:
تَيَمَّمْتُ قَيْسًا وكَمْ دُونَه | من الأرضِ من مَهْمَهٍ ذي شَزَن (٤) |
رَمَى بصُدُورِ العِيسِ مُنْخَرقَ الصَّبا | فلم يَدْرِ شَخْصٌ بعدها أين يَمَّمَا (٥) |
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩٨.
(٣) روي عن ابن مسعود ومجاهد. ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٥٩٨، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٢٩.
(٤) البيت في "ديوانه" ص٢٠٧، "تفسير الطبري" ٣/ ٨٢، "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦١٩، "اللسان" ١/ ١٣٢ (مادة: أمم) من قصيدة يمدح بها قيس بن معدي كرب، ومعنى: ذي شزن: غليظ، يصفُ وُعُورَةَ الطريق الذي يسلكه ليصل منه إلى ممدوحه، انظر: "زاد المسير" ١/ ٣٢٢. وضبطت (شَزَن) بالفتح على الشين والزاي في "تهذيب اللغة" "اللسان" وبضمها في نسخة (أ).
(٥) أورده صاحب (ديوان الحماسة) ١/ ٤٠٤ دون أن ينسبه.
يَمَّمْتُه الرُّمْحَ شَزْرًا ثم قلتُ له | هَذِي المروة لا لعب الزحاليق (١) (٢) |
قال أبو علي: والإدغام في هذا ينبغي أن لا يجوز؛ لأن المدغم يسكن، وإذا سكن لزم أن تجلب همزة الوصل عند الابتداء به، كما جلبت في أمثلة الماضي، نحو: ادّارأتم، وازينت، واطّيّر، وهمزة الوصل لا تدخل على المضارع، ألا ترى أن من قال في يترّس: اترس، لا يقول في المضارع: اتّرسون، بمعنى: تتترسون، ولا ايفكرون، في تتفكرون (٤)، وهذا يلزم أن يقوله من قال: ولا تيمّموا مشدّدة التاء، وفي ﴿يَمِينِكَ تَلْقَفْ﴾ [طه: ٦٩] ولا تدخل همزة الوصل على المضارع، قال أبو علي: وسألت أحمد بن موسى: كيف يبتدئ من أدغم؟ فقال كلامًا معناه: إنه يصير إذا ابتدأ إلى قول من خَفّف ويدعُ الإدغام.
وأما التاء المحذوفة على قراءة العامة فقال هشام: هي الأولى من التائين، والفراء يقول: أيهما شئت أسقطت لنيابة الباقية عنها، وسيبويه لا يسقط إلا الثانية.
(٢) ينظر في أمم: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٧، "المفردات" ص ٣٢ - ٣٣، "اللسان" ١/ ١٣٢.
(٣) ينظر "المبسوط في القراءات العشر" ص ١٣٥،"حجة القراءات" لابن زنجلة ص١٤٦، "النشر في القراءات العشر" ٢/ ٢٣٢.
(٤) في (م): (يتفكرون).
وقال علي بن أبي طالب (٢).
والحسن (٣) ومجاهد (٤): كانوا يتصدقون بشرار في ثمارهم ورُذَالة أموالهم، فأنزل الله هذه الآية (٥) ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾.
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٤ بمعناه، وذكره في "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٣، "النكت والعيون" ١/ ٣٤٣.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٦١١ إلى سفيان بن عيينة والفريابي، وعزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٦٢٦ إلى عبد بن حميد.
(٥) من قوله: (وقال علي). ساقط من (ي).
وقوله تعالى: ﴿وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾ قال الفراء: (أن) هاهنا في مذهب جزاء، يدلك عليه: أن المعنى: إن أغمضتم بعض الإغماض أخذتموه، وإنما فتحتها لأن إلا وقعت عليها، وهي في موضعِ خفضٍ، وإذا رأيت (أن) في الجزاء قد أصابها معنى خفض أو نصب أو رفع، انفتحت فهذا من ذلك، والمعنى، والله أعلم: ولستم بآخذيه إلا على الإغماض، أو بإغماض، وعن إغماض. قال: ومثله: قوله: ﴿إِلَّا أَنْ يَخَافَا﴾ [البقرة: ٢٢٩] ﴿إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ﴾ [البقرة: ٢٣٧] (٢).
وأنكر المبرد ذلك، وقال: (أن) إذا كانت مع الفعل بمعنى المصدر كانت مفتوحة أبدًا على كل حال، وذلك نحو: أن تأتينى خير لك. والمعنى في الآية: ولستم بآخذيه إلا بإغماضكم فيه (٣).
والإغْمَاضُ في اللغة: غَضُّ البصر (٤)، وإطباق جَفْنٍ على جَفْنٍ، قال رؤْبة:
أَرَّقَ عَيْنِي عن الإِغْمَاضِ | بَرْقٌ سَرَى في عَارِضٍ نهّاض (٥) |
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٧٨ بمعناه.
(٣) نقله عنه في "البحر المحيط" ٢/ ٣١٨.
(٤) في (ي): (الطرف).
(٥) البيت في "ديوانه" ص ٨١، وكذا في "تفسير الثعلبي" ١/ ١٦٢٥، وفي "اللسان" ٦/ ٣٢٩٩ (مادة: غمض)، وروايته: أرَّق عينيك عن الغماض.
(٦) في (ش) و (ي): (والتغميض).
والمراد بالإغماض في الآية: التجويزُ والمساهلة، وذلك أن الإنسان إذا رأى ما يكره أَغْمَضَ عينه لئلا يرى ذلك، ثم كثر ذلك حتى جُعِلَ كلُّ تجاوز ومساهلة في البيع وغيره (٢) إغماضًا (٣).
قال الطِّرِمَّاح في الإغماض بمعنى (٤) المساهلة:
لم يَفُتْنا بالوِتْرِ قومٌ وللضيمِ | رجالٌ يَرْضَونَ بالإِغْمَاضِ (٥) |
(٢) سقطت من (ي).
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٥، "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٩٧، "المفردات" ص ٣٦٧ (مادة: غمض).
(٤) في (م): (يغض).
(٥) البيت في "ديوانه" ص ١٧٠. وفي "تفسير الطبري" ٣/ ٨٤، والوِتْر: الثأر؛ وبالإغماض: أي الإغماض على الضيم، والتساهل فيه.
(٦) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٩٧ (مادة: غمض).
(٧) سقطت من (ي).
(٨) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٦٩٧ (مادة: غمض).
وقال في رواية الوالبي: ولستم بآخذي هذا الرديء بحساب الجيد حتى تحطوا من الثمن (٢)، وبه قال الحسن (٣) وقتادة (٤)، وهذا القول يحمل على الإغماض إذا كان متعديًا إلى آخر، كما تقول: أغمضت بصر الميت وغَمَّضْتُه، كان المعنى: ولستم بآخذيه إلا إذا أغمضتم بصر البائع، يعني: أمرتموه بالإغماضِ والحطِّ من الثمن، فيكون المفعولُ محذوفًا في (٥) هذا (٦)، يدل على هذا المعنى: قراءة أبي مجلز ﴿تُغْمِضُوا﴾ فيه بضم التاء وفتح الميم (٧) يعني: إلا أن يُهضم لكم.
قال صاحب "النظم": اختلف في نظم هذه الآية فريقان:
أحدهما: زعم أن انتهاء الفصل الأول إلى قوله: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ﴾ ثم ابتدأ خبرًا آخر في وصف الخبيث، فقال: (تنفقون منه) أي: من
(٢) المصدرين السابقين.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٢٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٥، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٢٦، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
(٥) في (ي): (على).
(٦) ينظر: "التبيان" ص ١٦٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣١٨.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٥، وعزاها في "المحتسب" ١/ ١٣٩، و"البحر المحيط" ٢/ ٣١٩ إلى قتادة.
الفريق الثاني: أن انتهاء الفصل: ﴿إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ﴾، فيكون (الذي) مضمرًا، كأنه قيل: ولا تيمموا الخبيث منه الذي تنفقونه، ولستم بآخذيه إلا بالإغماض (١)، والعرب قد تضمر (الذي) كما ذكرنا في قوله: ﴿فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا﴾ [البقرة: ٢٥٦].
قال المفسرون: وفي هذه الآية بيان أن الفقراء شركاء رب المال في ماله، فإذا كان ماله جيدًا فهم شركاؤه في الجيد، والشريك لا يأخذ الرديء من الجيد، إلا بالتساهل (٢).
٢٦٨ - قوله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ﴾ الفَقْرُ والفُقْرُ لغتان (٣)، وهو الضعف بقلة الملك، وأصل الفقر في اللغة: كسر الفَقَار، يقال: رجل فَقِرٌ وفَقِير: إذا كان مكسور الفَقَار (٤)، قال طرفة:
إنَّنِي لَسْتُ بِمَوْهُونٍ فَقِرْ (٥)
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٨٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٧.
(٣) قال الليث: والفُقر: لغة رديئة. ينظر "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨١٢ مادة (فقر).
(٤) ينظر في الفقر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨١٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٢٩، "المفردات" ٣٨٥، "اللسان" ٦/ ٣٤٤٤ مادة (فقر).
(٥) صدره: وإذا تلسُنني ألسُنها.
البيت في "ديوانه" ص ٦٠، وفي "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٠، و"اللسان" ٦/ ٣٤٤٥ =
رَفَعَ القَوَادِمَ كالفَقِيرِ الأعْزَلِ (١)
ولم يسمع من الفقر الذي هو ضد الغنى: فِعْل، إنما يُقَال: أَفْقَرَه الله فافتقر (٢).
ومعنى الآية: أن الشيطان يُخَوِّفكم بالفقر، ويقول (٣) للرجل: أمسك مالك، فإنك (٤) أن تصدقت افتقرتَ (٥).
والفحشاء: البخلُ ومنعُ الزكاة في هذه الآية، وروي عن مقاتل (٦) والكلبي (٧): أن كل فحشاء في القرآن فهو الزنى إلا في هذه الآية.
قال الأزهري: والعَرَبُ تسمي البخيلَ فاحشًا، وأنشد لطرفة:
والموهون: الضعيف. الفقر: الفقار، وهو كناية عن ضعف النفس واحتمال الذل. ينظر الديوان.
(١) مطلع البيت:
لما رأى لُبَدُ النُّسورَ تَطَايَرَتْ
والبيت في "ديوانه" ص ١٢٦. "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٨١٣ "اللسان" ٦/ ٣٤٤٥ (مادة: فقر) والأعزل من الخيل: المائل الذَّنَب، والفقير: المكسور الفَقَار، يضرب مثلًا لكل ضعيف لا ينفُذُ في الأمور.
(٢) قال في "اللسان" ٦/ ٣٤٤٤ مادة (فقر) وقال سيبويه: وقالوا افتقر كما قالوا: اشتد، ولم يقولوا: فقُر، كما لم يقولوا: شدد، ولا يستعمل بغير زيادة.
(٣) في (ي): (فإن كان).
(٤) في (ي): (فإن كان).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٠.
(٦) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٠، وليس في "تفسير مقاتل".
(٧) ذكره أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٢٣١، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٣٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٣.
أرَى المَوْتَ يَعْتَامُ الكِرَامَ ويَصْطفي | عَقِيلةَ مَالِ الفَاحِشِ المُتَشَدّدِ (١) (٢) |
٢٦٩ - قوله تعالى: ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ﴾ الآية. ابن عباس (٤) وقتادة (٥)، وأكثر المفسرين (٦) على أن المراد بالحكمة هاهنا: علم القرآن، والفهم فيه، والفقه في الدين.
وقال السدي: هي النبوة (٧)، وقال مجاهد، في رواية ابن أبي نجيح (٨): هي الإصابة في القول والفعل (٩).
(٢) "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٧٤٦، وينظر "المفردات" ٣٧٥ - ٣٧٦.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٠.
(٤) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٥، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٨٩، و"ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٣.
(٥) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٠٩، والطبري ٣/ ٨٩، وذكره البغوي ١/ ٣٣٤.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٨٩، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٥٣١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣١، "الدر المنثور" ٢/ ٦٦.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٩١، وا بن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٣٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٣١، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٤.
(٨) هو: أبو يسار عبد الله بن يسار بن أبي نجيح المكي الثقفي، مفسر، أخذ التفسير عن مجاهد وعطاء، من الرواة الثقات لكنه رمي بالقدر ولم يثبت عنه ذلك، توفي سنة ١٣١هـ. ينظر: "طبقات المفسرين" للداودي ١/ ٢٥٨، "التقريب" ص ٣٣٠ (٣٧١٩).
(٩) في "تفسير مجاهد" ١/ ١١٦، ورواه الدارمي في "السنن" ٢/ ٤٣٦، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٣٢.
في الحكمة، ومعناها وأصلها في اللغة (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: ما يتعظ إلا ذوو العقول، وإنما قيل: للاتعاظ: تَذَكُّر؛ لأنه ما لم يتذكر آيات الله وأوامره ونواهيه لم يتعظ، وإنما يتعظ بذكر ما يزجُره عن الفساد، ويدعوه إلى الصلاح، وذكرنا تفسير الألباب فيما تقدم (٣).
قوله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ﴾ النذر: ما يلتزمه الإنسان لله بإيجابه على نفسه، يقال: نَذَر يَنذرُ وينذِر.
قال جميل (٤):
فلَيْتَ رِجَالًا فِيكِ قَدْ نَذَرُوا دَمِي | وهَمُّوا بَقَتْلي يابُثَيْنُ لَقُونِي (٥) |
(٢) ينظر ما تقدم [البقرة: ٣٢]
(٣) ينظر ما تقدم عند الآية ١٧٩.
(٤) هو جميل بن عبد الله بن معمر العذري، تقدمت ترجمته الآية ٢٤٨.
(٥) البيت في "ديوانه" ص ٧، و"لسان العرب" ٢/ ١٠٠٧ (مادة: حمم)، والأغاني ٨/ ٩٩، و"شرح ديوان الحماسة" للتبريزي ٣/ ١٧٠، و"شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي ١/ ٣٢٤، و"مختار الأغاني" ٢/ ٢٣٧ انظر: "المعجم المفصل" ٨/ ٢٤٤.
وهو في الشريعة على ضربين: مُفَسَّرٌ وغيرُ مُفَسَّرٍ.
فالمفسر، مثل أن تقول: لله عليَّ عتقُ رقبة، ولله عليَّ حَجٌّ، وما أشبه هذا، فيلزمه الوفاء به لا يجزيه غير ذلك. وغيرُ المُفسَّر، أن يقول: نذرت لله أن لا أفعل كذا، ثم يفعله، أو يقول: لله عليّ نذر من غير تسمية، فيلزمه في ذلك كفارة يمين (٢)؛ لقول رسول الله - ﷺ -: "من نذر نذرًا وسَمَّى، فعليه ما سَمَّى، ومن نذر نذرًا ولم يُسَمِّ، فعليه كفارةُ يمين (٣) ".
والمفسرون حملوا الإنفاق في (٤) هذه الآية على فرض الزكاة، والنذر على التطوع بالصدقة؛ لأن كل ما نوى الإنسان أن يتطوع به فهو نذر.
٢٧٠ - وقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ﴾ أي: يجازي عليه (٥)، فدل بذكر العلم على تحقيق الجزاء، كما قال: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ﴾ [الزلزلة: ٧].
وقوله تعالى: ﴿يَعْلَمُهُ﴾ ولم يقل: يعلمهما (٦)؛ لأن الكناية عادت
(٢) ينظر: "تفسير القرطبي" ١٩/ ١٢٥.
(٣) أخرجه أبو داود (٣٣٢٢) كتاب: الأيمان والنذور، باب: من نذر نذرًا لا يطيقه، وابن ماجه (٢١٢٧) كتاب: الكفارات، باب: من نذر نذرًا ولم يسمه.
(٤) في (ي) و (ش): (من).
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٢.
(٦) في (ي) و (ش): (يعلمهما).
وقوله تعالى: ﴿وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ﴾ وعيد لمن أنفق في غير الوجه الذي يجوز له، من ربا، أو معصية، أو من مال مغصوب مأخوذ من غير وجهه (٤).
والأنصار: جمع نصير، مثل: شريف وأشراف، وحبيب وأحباب (٥)، يعني: لا أحد ينصرهم من عذاب الله.
٢٧١ - قوله تعالى: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ﴾ الآية. فنعما نزلت لما سألوا رسول الله - ﷺ -، فقالوا: صدقة السِّر أفضل أم صدقة (٦) العلانيهَ؟ (٧). والصدقة تطلق على الفرض والنفل، والزكاة لا تطلق إلا على الفرض.
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٦، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٩.
(٣) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٣٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٣٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤١، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٢، وذكر أن العطف إذا كان بأو كان الضمير مفردا؛ لأن المحكوم عليه هو أحدهما، وتارة يراعى الأول في الذكر، وتارة يراعى الثاني، وأما أن يأتي مطابقا لما قبله في التثنية والجمع فلا.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٤٠.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٤٠، وينظر في (نصر): "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٥٨٤، "المفردات" ص ٤٩٧.
(٦) سقطت من (ي).
(٧) ذكره الثعلبي ٢/ ١٦٤٠، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٩١، وابن=
وقوله تعالى: ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ فيه ثلاثة أوجه من القراءة (٣):
أحدها: كسر النون وجزم العين، وهو قراعةُ أبي عمروٍ، واختيار أبي عبيد، قال: لأنها لغة النبي - ﷺ -، حين قال لعمرو بن العاص (٤): "نِعْمّا
(١) ليست في (أ) و (م).
(٢) لم أجده فيما بين يدي من كتب الزجاجي، وينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٥٤٢، "المفردات" ٢٨٠ - ٢٨٢.
(٣) قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف بفتح النون وكسر العين، وقرأ ورش وابن كثير وحفص ويعقوب بكسر النون والعين، وقرأ أبو جعفر بكسر النون وإسكان العين، واختلف عن قالون والبصري وشعبة، فروي عنهم وجهان: الأول: كسر النون واختلاس كسرة العين، وهذا هو الذي ذكره الشاطبي. والثاني: كسر النون وإسكان العين كقراءة أبي جعفر، واتفقوا على تشديد الميم. ينظر "السبعة" ١٩٠، "النشر" ٢/ ٣٣٥ - ٣٣٦، "البدور الزاهرة" ٥٥ - ٥٦.
(٤) هو: عمرو بن العاص بن وائل بن هشام بن سُعَيد القرشي السهمي، كان في =
وأما ما ذكر أبو عبيد من أنها لغة النبي - ﷺ -، فقال الزجاج: لا أحسب أصحاب الحديث ضبطوا هذا، ولا هذه القراءة جائز عند النحويين البتة؛ لأن فيها الجمع بين ساكنين مع غير حرف من مد ولين (٤).
ومن احتج لأبي عمرو في هذه القراءة قال: لعله أخفى حركة العين، كأخْذِه بالإخفاء في نحو: بارئكم ويأمركم، فظن السامع الإخفاء إسكانًا،
انظر: "فضائل الصحابة" للإمام أحمد ٢/ ٩١١ "أسد الغابة" ٣/ ٢٤٤ - ٢٤٨، "الأعلام" ٥/ ٧٩.
(١) حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد ٤/ ١٩٧ (١٧٧٦٣)، (١٧٧٦٤)، ٤/ ٢٠٢ (١٧٨٠٢)، وأخرجه أبو عبيد في "غريب الحديث" ١/ ٩٣ - ٩٤، وابن أبي شيبة ٧/ ١٧ - ١٨، وأبو يعلى (٧٣٣٦)، وابن حبان (٣٢١٠)، (٣٢١١)، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" (٦٠٥٦)، (٦٠٥٧).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٤، "علل القراءات" للأزهري ١/ ٩٧، "تفسير
الثعلبي" ٢/ ١٦٤١ - ١٦٤٢، "والنشر" ٢/ ٢٣٦.
(٣) من "الحجة" ٢/ ٣٩٦.
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٤.
وسمعت أبا الحسن القهندري رحمه الله يحتج لقراءة أبي عمرو، يقول: إنه لم يُبال الجمع بين ساكنين؛ لقوة العين، وخفاء سكون الميم عند الإدغام إذ اللسان ينبو (٢) عن الحرف المدغم نبوة واحدة، ولا يظهر سكون المدغم (٣).
الوجه الثاني من القراءة في هذا الحرف: (فنِعِما هي) بكسر النون والعين، قالوا: كسر العين اتباعًا لكسرة الفاء، فرارًا من الجمع بين ساكنين، فأتبع العين الفاء في الكسرة، هذا قول أكثرهم، وقال أبو علي الفارسي: لا يجوز أن تكون هذه القراءة ممن قال: نِعْم، فلما أدغم حرك العين، كما يقول ﴿يَهْدِي﴾ [يونس: ٣٥]، يتحرك الهاء إذا أدغمت التاء في الدال، وأنكر قول من قال: إن العين كسرت اتباعا للفاء (٤)، وقال: هذا لا يجوز في حرفين، وإنما جاز في يهدّي لأنه حرف واحد، ألا ترى أنه لا يجوز في قولك: هذا قرْم (٥) مالك، أن تدغم الميم في الميم ويحرك الراء،
(٢) في (أ): (بنوا).
(٣) قال في "النشر" ٢/ ٢٣٦: وحكى النحويون الكوفيون سماعا من العرب (شهر رمضان) مدغمًا، وحكى ذلك سيبويه في الشعر، وروى الوجهين جميعًا عنه الحافظ أبو عمرو الداني، ثم قال: والإسكان آثر، والإخفاء أقيس، قلت: والوجهان: صحيحان غير أن النص عنهم بالإسكان، ولا يعرف الاختلاس إلا من طريق المغاربة ومن تبعهم اهـ.
(٤) في (ي): النون مراده بالنون نون نعم والمراد فيما أثبتا الفاء أي فاء الفعل.
(٥) هكذا بالأصل مضبوطة، وفي "الحجة": (قدم) ولعله أصوب.
وفي (نعم) أربع لغات:
أحدها: نَعِم بفتح النون وكسر العين، وهو الأصل.
والثاني: نِعِم بكسر النون والعين، أتبعوا الأول الثاني؛ لأن الكسرة أشبه بحروف الحلق.
والثالث: نَعْمَ بفتح الأول وإسكان (٢) الثاني، فعلوا ذلك أيضًا تخفيفًا، وهكذا القول في بئس، وقد مضى الكلام فيهما عند قوله: ﴿بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ﴾ [البقرة: ٩٠] بما فيه مقنع (٣).
قال سيبويه: أما قولُ بعضهم في القراءة ﴿فَنِعِمَّا هِيَ﴾ فَحَرَّك العين، فليس على لغة من يقول: نِعْمَ ما، فأسكن العين، ولكن على لغة من قال: نِعِم فحرك العين.
وحدثنا أبو الخطاب (٤): أنها لغة هُذيل (٥)، ولو كان الذي قال: نعمّا، ممن يقول في الانفصال: نِعْمَ، لم يجز الإدغام على قوله، لما يلزم
(٢) في (م): (سكون).
(٣) لم يذكر في هذا الموضع اللغة الرابعة، وهي نِعْم، بكسر النون وإسكان العين، وينظر في لغاتها: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤١.
(٤) هو الأخفش الأكبر.
(٥) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٤/ ٤٣٩ - ٤٤٠.
الوجه الثالث من القراءة: (نَعِمّا هي) بفتح النون وكسر العين، ومن قرأ بهذه القراءة فقد جاء بالكلمة على أصلها، وهو نَعِمَ كما قال طرفة:
نَعِمَ السَّاعُونَ في الأمْرِ المُبِرْ (٢)
ولا يجوز أن يكون ممن يقول: نَعْم قبل الإدغام، كما أن من قرأ: ﴿نِعِمَّا﴾ لا يكون ممنْ قال قبل الإدغام نِعْمَ، ولكن قارئ الوجه الثالث ممن يقول: نَعِم، فجاء بالكلمة على أصلها (٣).
فأما (ما) في قوله: ﴿فَنِعِمَّا﴾ قال أبو إسحاق: (ما) في تأويل الشيء، أي: نعم الشيء هي (٤)، فعلى هذا (ما) تكون في محل الرفع.
وقال أبو علي: الجيد في تمثيل هذا: أن يقال: (ما) في تأويل شيء؛
(٢) البيت في ديوان طرفة ص ٥٨، وروايته:
خالتي والنفس قُدما إنهم... نعِم الساعون في القوم الشطُر
وذكره أبو علي في "الحجة" ٢/ ٣٩٨، وكذا التبريزي في "شرح الحماسة" ٢/ ٨٥ برواية:
ما أقلت قدماي إنهم... نَعِم الساعون في الأمر المُبِر
وعند سيبويه ٤/ ٤٤٠ برواية:
ما أقلت قدم ناعلها... نعم الساعون في الحي الشطر
وقد استوفى الكلام على الشاهد: البغدادي في "خزانة الأدب" ٤/ ١٠١، والمُبِر: الغالب، من أبره يبره، إذا قهره بفعال أو غيره. ينظر: "اللسان" ١/ ٢٥٢، ٢٥٣ [برر].
(٣) من "الحجة" ٢/ ٣٩٨ - ٣٩٩.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٤.
والمعنى في قوله: ﴿فَنِعِمَّا هِىَ﴾ أن في نعم ضميرُ الفاعل، و (ما) في موضع نصب، وهي تفسير الفاعل المضمر قبل الذكر، والمخصوص بالمدح بقوله: (نعم) هو. (هي) في قوله: ﴿فَنِعِمَّا هِىَ﴾ والمعنى: إن تبدوا الصدقات فيكم (٥) فنعم شيئًا إبداؤُها، وليس المعنى على أنه: إن تبدوا الصدقات فَنِعْمَ شيئًا الصدقات، إنما هو في الإظهار والإخفاء، وترجيح أحدهما على الآخر، وتعليمنا أيهما أصلحُ لنا وأفضلُ، فكما أن قوله:
(٢) في "الإغفال" (لها) والمعنى واحد.
(٣) (هذا) ليست في (أ) و (م) و (ش).
(٤) من "الإغفال" ص ٥٤٧ - ٥٥٠ بتصرف واختصار.
(٥) ليست في (م) ولا (ش) وكأنها تبدو في (أ) مكشوطًا عليها.
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾
الإخفاء: نقيض الإظهار، والخِفَاء: الغِطَاء، والخفيّة: عَرِينُ الأسد، لأنه يَخْتَفِي فيها.
والخوافي من الريش ما دون القوادم؛ لأنها تخفى بها (٢).
وقوله تعالى: ﴿فَهُوَ﴾ كناية عن الإخفاء، لأن الفعل يدل على المصدر، أي: الإخفاء خير لكم (٣)، وإنما كان الإخفاء والله أعلم خيراً؛ لأنه أبعدُ من أن يشوب الصدقة مُراءاةٌ للناس، وتصنعٌ لهم، فتخلص لله سبحانه (٤).
فأما التفسير، فأكثر المفسرين على أن المراد بالصدقات في هذه الآية التطوّع لا الفرض؛ لأن القرض إظهاره أفضل من كتمانه، والتطوع كتمانه
(٢) ينظر في خفي: "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٧٠، "المفردات" ١٥٩، "اللسان" ٢/ ١٢١٦، "القاموس" ١٢٨٠.
(٣) "الحجة" ٢/ ٣٩٩، "التبيان" ص١٦٣.
(٤) "الحجة" ٢/ ٣٩٩.
وقال بعضهم: المراد بالصدقات، هاهنا، القرض، وكان كتمانه على عهد رسول الله - ﷺ - أفضل، لأن المسلمين إذ ذاك لم تكن تسبق إليهم ظِنَّةٌ في منع الواجب، فأما اليوم والناس يسيئون الظن فإظهار الزكاة أحسن، أما التطوع فإخفاؤه أحسن، فإنه أدلّ على أنه يراد به الله وحده، وهذا اختيار الزجاج (٤).
وقال بعضهم: هذه الآية عامة في الصدقات والزكاة، والإخفاء في كل صدقة من زكاة وغيرها أفضل.
وهذا قول الحسن (٥) وقتادة (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ التكفير في اللغة: التغطية والستر، ورجل مُكَفَّرٌ في السلاح: مُغَطَّى فيه، ومنه، يقال: كفّر عن يمينه، أي: ستر ذَنْبَ الحِنْثِ بما بَذَلَ من الصدقة، والكَفَّارة الساترة لما
(٢) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٩٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٠، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٢٣٦، "فتح الباري" ٣/ ٢٨٩.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٢، وفي "زاد المسير" ١/ ٣٢٥ - ٣٢٦.
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٤.
(٥) ذكره في "زاد المسير" ١/ ٣٢٦، وذكره في "النكت والعيون" ١/ ٣٤٥.
(٦) ذكره في "زاد المسير" ١/ ٣٢٦، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٨٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٣٧. ورواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٢ بمعناه.
والرفع (٢) في (يكفر) من وجهين:
أحدهما: أن يجعله خبرَ مبتدأ محذوف، تقديره: ونحن نكفر.
والآخر: أن تستأنف الكلام وتقطعه مما قبله، ولا تجعل العاطف للإشراك، ولكن لعطف جملةٍ على جملةٍ، ومن هذا القبيل قوله: ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ﴾ [المرسلات: ١٦ - ١٧] هو عطف جملة مستأنفة على معنى: نحن نفعل ذلك.
ومن قرأ: (ونكفر) بالنون والجزم، فوجهه: أن يُحْمَلَ الكلام على موضع قوله: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وموضِعُه جَزْمٌ، ألا ترى أنه لو قال: وإن تخفوها تكن أعظم لأجركم، لجزم، فقد علمتَ أن قولَه: ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ في موضع جزم، ومثله في الحمل على الموضع: قراءة من قرأ: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ﴾ [الأعراف: ١٨٦]، بالجزم، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.
ومن الحمل على المعنى قول أبي دؤادٍ:
فَأَبْلُونِي بَلِيَّتَكُم لَعَلِّي | أُصَالِحْكُم وأَسْتَدْرِجْ نَوِيَّا (٣) |
(٢) قرأ نافع وحمزة والكسائي (ونكفر) بالنون وجزم الراء، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وشعبة (ونكفر) بالنون ورفع الراء، وقرأ ابن عامر وحفص (ويكفر) بالياء والرفع. ينظر: "السبعة" ص ١٩١، "الحجة" ٢/ ٣٩٩ - ٤٠٠.
(٣) البيت من الوافر، وهو لأبي دؤاد الإيادي في "ديوانه" ص ٣٥٠، "الحجة" ٢/ ٤٠١، "الخصائص" ٢/ ٣٤١، "سر صناعة الإعراب" ٢/ ٧٠١، "شرح شواهد المغني" ٢/ ٨٣٩، "مغني اللبيب" ٢/ ٤٢٣ بلا نسبة. ينظر: "المعجم المفصل" ٨/ ٣٦٥.
وقوله تعالى: ﴿مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ أدخل (من) للتبعيض؛ ليكون العباد فيها على وجل ولا يتكلوا (٢).
وقال ابن الأنباري: (من) هاهنا توكيد للكلام، والتقدير: ويكفر عنكم سيئاتكم، فأكد (٣) الكلام بمن كما قال: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [محمد: ١٥].
وقال عطاء عن ابن عباس: (من) هاهنا صلة للكلام، يريد: جميع سيئاتكم (٤).
وينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٥ - ٣٥٦، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٣٨ - ٣٣٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤١، "التبيان" ص١٦٣، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٥.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٤٩، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٦ قال: لأن الصدقة لا تكفر جميع السيئات.
(٣) في (م): (وأكد).
(٤) ينظر في إعراب الآية: "تفسير الطبري" ٥/ ٥٨٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٤٩، "المحرر الوجيز" ٢/ ٤٦٤، "التبيان" ص ١٦٣، "البحر المحيط" ١/ ٣٢٦، وقد خطأ ابن عطية من قال إنها زائدة، وضعف قول من جعلها سببية وقدر (من أجل ذنوبكم).
والمعنى: ليس عليك هدى من خالفك فتمنعهم الصدقة ليدخلوا في الإسلام حاجة منهم إليها. وأراد بالهدى هاهنا: هدى التوفيق وخلق الهداية؛ لأنه كان على رسول الله - ﷺ - هدى البيان والدعوة لجميع الخلق (٥)،
(٢) أسماء بنت أبي بكر الصديق، عبد الله بن عثمان التيمية القرشية، ذات النطاقين، أسلمت بعد سبعة عشر إنسانا، توفيت سنة ٧٣ أو ٧٤ بعد مقتل ابنها عبد الله بأيام، وقد عاشت مائة عام. ينظر: "معرفة الصحابة" لأبي نعيم ٦/ ٣٢٥٣، "الاستيعاب" ٤/ ٣٤٤.
(٣) في (ي) و (م): (مشتركان).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٥٥، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٩٠، والحافظ في "العجاب" ١/ ٦٣٢ عن الكلبي، وذكره أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٢٣٣، ونحوه عند مقاتل في "تفسيره" ١/ ١٤٤، والقصة في الصحيحين، لكن دون ذكر لسبب النزول، رواها البخاري (٢٦٢٠) كتاب: الهبة، باب: الهدية للمشركين، ومسلم (١٠٠٣) كتاب: الزكاة، باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج.
(٥) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٦٥٨.
﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ﴾ أي: من مالٍ (٢) وهو شرط وجوابه ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ (٣).
﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ ظاهره خبر، وتأويله نهي، أي: ولا تنفقوا إلا ابتغاء وجه الله، فلما لم يجئ بلا وجاء بما صرفه عن وجه الجزم؛ لأن (ما) لا ينهى بها وإن كان جحدًا، وعادتهم في النهي أن يكون بـ لا، والخبرُ في النفي يأتي والمراد به النهي، كقوله: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: ٧٩]. ﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا﴾ [البقرة: ٢٣٣] وفي الإثبات يأتي والمراد به الأمر، كقوله: ﴿وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ﴾ [البقرة: ٢٢٨]. وكقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ﴾ [البقرة: ٢٣٤] (٤).
وأجرى كثير من أهل المعاني هذا على ظاهر الخبر (٥)، قال الزجاج: هذا خاص للمؤمنين، أعلمهم الله أنه قد علم أنهم يريدون بنفقتهم ما عند الله عز وجل (٦).
وقال غيره: المراد بهذا نفي المنّ، يقول: {وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٩.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٩.
(٤) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٥٩ - ١٦٦٠، "البحر المحيط" ٣٢٧/ ٢، "غرائب التفسير" ١/ ٢٣٣.
(٥) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٧.
(٦) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٥.
وقال صاحب النظم: قوله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ حالٌ متوسط بين الجزاءِ والشرط، تأويله: وما تنفقوا من خير، وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله، أي: إذا أنفقتم على هذه الحال فلأنفسكم، كما تقول في الكلام: ما تفعل من خير، ولا تفعله إلا لله، فهو مقبولٌ منك.
وقال بعضهم: القصد بقوله (٢): ﴿وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ أن يُعَلِّمَهُم التعميمَ بالإنفاق والصِّلَة، يقول: أنتم ما تنفقون (٣) أموالكم إلا ابتغاء وجه الله، فلا (٤) يضركم أن تبتغوا وجه الله بالإنفاق على المشركين، مثاله: قولك لمن تنصحه (٥): إن قصدك بالمعروف الثواب فلا تخصص به أولياءك دون أعدائك، فيستفاد من هذا تعليم التعميم، وتعليم كيفية القصد في الإعطاء.
قال أهل العلم: وهذا في صدقة التطوع، أباح أن يتصدق على المليّ والذمي، فأما صدقة القرض فلا تجوز إلا للمسلمين (٦).
وفي ذكر الوجه في قوله: ﴿ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ﴾ قولان:
(٢) في (ش): (تقوله).
(٣) من قوله: (وما تنفقون)، ساقط من (ش).
(٤) في (ي) و (ش): (لا).
(٥) في (ش): (نصحته).
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٦٠.
القول الثاني: أنك إذا قلت: فعلته لوجه زيد، كان أشرفَ في الذكر من: فعلتُه له، لأن وجه الشيء في الأصل أشرف ما فيه، ثم كثر حتى صارَ يدل على شرف الذكر في الصفة فقط من غير تحقيق وجه، ألا ترى أنك تقول: وجه الدليل كذا، وهذا وجه الرأي، ووجه الأمر، فلا تريد تحقيق الوجه، وإنما تريد أشرف ما فيه، من جهة شدةِ ظهورِهِ وحسن بيانه.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أي: يوفِّر لكم جزاءه، قال ابن عباس: يريد: يجازيكم في الآخرة (١).
وإنما حسن ﴿إِلَيْكُمْ﴾ مع التوفية؛ لأنها تضمنت معنى التأدية (٢).
﴿وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ﴾ لا تنقصون من ثواب أعمالكم شيئًا، كقوله تعالى: ﴿آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف: ٣٣]، يريد: لم تنقص (٣) (٤).
٢٧٣ - قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ﴾ الآية. قال المفسرون: هؤلاء فقراء المهاجرين، كانوا نحوًا من أربعمائة رجل، لم يكن لهم مساكنُ بالمدينة ولا عشائر، حثّ الله عز وجل الناس (٥) على الإنفاق
(٢) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٦٦٠.
(٣) في (ي): (ولم تنقص)، وهي ساقطة من (م).
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٦٠.
(٥) سقطت من (ش).
واللام في قوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ متعلق بمحذوف، تأويله: هذه الصدقات، أو النفقة للفقراء، وقد تقدَّم ما يدل عليه؛ لأنه قد سبق ذكر الإنفاق والصدقات.
قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: عاقل لبيب، إذا تقدم وصف رجل، والمعنى: الموصوف عاقل لبيب (٣) وكذلك كتبوا على الأكياس: ألفان ومائتان، والمعنى: الذي في الكيس ألفان، وأنشد:
تَسْألُنِي عن بَعْلِها أيُّ فَتَى | خَبٌّ جَزُوعٌ وإذا (٤) جَاعَ بَكَى (٥) |
وكثير من الناس قالوا: هذه اللام مردودة على موضع اللام من قوله: ﴿فَلِأَنْفُسِكُمْ﴾ كأنه قال: وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، للفقراء، فأبدل الفقراء من الأنفس (٦)، وهذا غلط؛ لأن بدل الشيء من غيره لا يكون إلا والمعنى مشتمل عليه، وليس كذلك ذكر النفس هاهنا؛ لأن (٧) الإنفاق لها
(٢) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٤٤، "بحر العلوم" ١/ ٢٣٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٦١، و"العجاب" ١/ ٦٣٣، "الدر المنثور" ١/ ٦٣٣.
(٣) من قوله: (إذا تقدم)، ساقط من (ي).
(٤) في (ي): (إذا).
(٥) هما بيتان وردا هكذا:
يسألها عن بعلها أي فتى | خب جبان وإذا جاع بكى |
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٦٠ - ١٦٦١، "البحر المحيط" ٢/ ٣٢٨.
(٧) في (م): (لأن المعنى).
ولا يجوز أيضًا أن يكون العامل في هذه اللام (تنفقوا) إلا الأخير في الآية المتقدمة؛ لأنه لا يفصل بين العامل والمعمول فيه بما ليس منه، كما لا يجوز: كانت زيدًا الحُمّى تأْخُذُ (١).
وقوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ الإحصار في اللغة: أن يعرِضَ للرجل ما يحول بينه وبين سفره، من مرض أو كسر أو عدوٍّ أو ذهابِ نفقةٍ أو عَطَبِ رِكَابٍ، أو ما جرى مجرى هذه الأشياء. يقال: أُحْصِرَ الرجل فهو مُحْصَر، ومضى الكلام في معنى الإحصار عند قوله: ﴿فَإِنْ أحُصِرتُم﴾ [البقرة: ١٩٦] بما يغني عن الإعادة.
فأما التفسير، فقد فسرت (٢) هذه الآية بجميع الوجوه والأعذار (٣) التي ذكرنا في معنى الإحصار، فقال قتادة: حبسوا أنفسهم في سبيل الله، أي: في طاعته للغزو، فلا يتفرغون إلى طلب المعاش (٤)، وبقريب (٥) من
(٢) في (م): (فسر).
(٣) في (أ) و (م) كتبت كلمة لم أستطع قراءتها.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٠٩، والطبري ٣/ ٩٦، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٠.
(٥) في (أ) و (ي) و (م): (ويقرب).
(٢) في (ي): (لاستيلائهم).
(٣) كذا في الأصل، والذي عند ابن أبي حاتم ٢/ ٥٤٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٦٧، وفي "الدر المنثور" ١/ ٦٣٣ هو سعيد بن جبير.
(٤) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٦٧، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٧، وعزاه في الدر ١/ ٦٣٣: إلى عبد بن حميد وابن المنذر.
(٥) في (ي): (محصورون).
(٦) نقله عنه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٦٧، و"باهر البرهان في معاني مشكلات القرآن" لمحمود النيسابوري ١/ ٢٦٦، و"زاد المسير" ١/ ٣٢٨.
(٧) هذه الرواية تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة. وذكرها في "زاد المسير" ٣٢٨ والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٨٨.
وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ﴾ يقال: ضَربْتُ في الأرض ضَرْبًا ومضربًا، إذا سرت فيها. قال الشاعر:
لَحِفْظُ المَالِ أَيْسَرُ من بُغَاه | وضربٍ في البلادِ بِغَيْرِ زَادِ (١) |
وقوله تعالى: ﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ﴾ يقال: حَسِبْتُ الشيءَ أَحْسَبُهُ وأَحْسِبُه حُسْبَانًا، وقرئ في القرآن ما كان من (٣) الحسبان باللغتين جميعًا،
قليل المال تُصْلِحه فيبقى | ولا يبقى الكثير مع الفساد |
(٢) ينظر في ضرب: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٠٣ - ٢١٠٦، "المفردات" ص ٢٩٨، "اللسان" ٥/ ٢٥٦٥ - ٢٥٧٠. قال الراغب: الضرب: إيقاع شيء على شيء، ولتصور اختلاف الضرب خولف بين تفاسيرها.
(٣) من سقطت من (ش) وفي (ي): (في).
وقوله تعالى: ﴿الْجَاهِلُ﴾ لم يرد الجهل الذي هو ضد العقل، وإنما أراد الجهل الذي هو ضد الخبرة، يقول: يحسبهم من لم يختبر أمرهم ﴿أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ (٢)، وهو تفَعُّلٌ من العِفّة، ومعنى العِفَّةِ في اللغة: تَرْكُ الشيءِ والكَفُّ عنه، قال رؤبة:
فعَفَّ عن أسرَارِها بَعْدَ العَسَق (٣) (٤)
أي: تركها (٥). وأراد: من التعفُّف عن السؤال، فتركه للعلم به، وإنما يحسبهم أغنياء لإظهارهم التحمل وتركهم المسألة.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٧٠
(٣) في (م): (العشق)، وفي (أ): (الغشق)، وفي (ش): (عند) بدل (عن).
(٤) البيت في "ديوانه" ص ١٠٤ من قصيدة وصف المفازة، وينظر "الزاهر" ٢/ ٣٢٤، "مجاز القرآن" ١/ ٧٦، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٧، ومعنى العسق: عسق بالشيء إذا لزق به، ينظر "عمدة القوي والضعيف" ص ٧، "الوسيط" للواحدي ١/ ٣٨٩.
(٥) ينظر في عفف: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٥٠٠، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٧١، "المفردات" ص٣٤٢،"اللسان" ٥/ ٣٠١٥، قال الراغب: العفة: حصول حالة للنفس تمتنع بها عن غلبة الشهوة، المتعفف: المتعاطي لذلك بضرب من الممارسة والقهر، وأصله: الاقتصار على تناول الشيء القيل الجاري مجرى العفافة.
وقال قوم: أصل السيما الارتفاع؛ لأنها علامة رفعت للظهور (١).
قال مجاهد: سيماهم التخشع والتواضع (٢).
وقال الربيع (٣) والسدي (٤): أثر الجهد من الحاجة والفقر. الضحاك: صفرة ألوانهم من الجوع والضر (٥).
ابن زيد: رثاثة ثيابهم، والجوع خفي (٦).
وقوله تعالى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ الإلحاف في اللغة: هو الإلحاح في المسألة (٧)، ومنه الحديث: "من سأل وله أربعون درهما فقد ألحف (٨) ".
(٢) في "تفسيره" ١/ ١١٧، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١٠٩، والطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤١.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٤١.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٤١ بمعناه.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٧٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٨، والواحدي في "الوسيط" ١/ ٣٨٩.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ٩٨، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٧٢.
(٧) ينظر: "المفردات" ص ٤٥٢، "اللسان" ٤/ ٤٠٠٩ (مادة: لحف).
(٨) الحديث رواه الطبراني في "الكبير" ٢/ ١٥٠، وعنه أبو نعيم في "الحلية" ١/ ١٦١،=
وقال غيره: معنى الإلحاف في المسألة: مأخوذ من قولهم: ألحف الرجل، إذا مشى في لَحْفِ الجبل، وهو أصله، كأنه استعمل الخشونة في الطلب (٤). فأما التفسير، فقال ابن عباس، في رواية عطاء: يقول: إذا كان عنده غداءٌ لم يسأل عشاءً، وإذا كان عنده عشاءٌ لم يسأل غداءً (٥). فعلى
(١) في (م): (باللحاف).
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٧.
(٣) في (م): (أنه).
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٩٩، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ٣٠٤، "تفسير الثعلبي" ١/ ٣٠٤.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٧٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٣٨ عن عطاء، وذكره في "الوسيط" ١/ ٣٩٠. وقد تقدم الحديث عن هذه الرواية في القسم الدراسي.
وقال الفراء (١) والزجاج (٢) وأكثر أهل المعاني (٣): لا يجوز أن يَسْألوا غير إلحافٍ أيضًا، لما وصفوا به من التعفف والمعرفة بسيماهم، دون الإفصاح (٤) بسؤالهم، إذ لو أفصحوا لم يحسبهم الجاهل أغنياء؛ لأنه إنما جهل ما لا ينال (٥) بالاستذلال.
ثم اختلفوا في وجه قوله: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ فقال الزجاج: المعنى: أنه ليس منهم سؤال فيكون إلحاف، كما قال امرؤ القيس:
على لاحبٍ لا يُهْتَدَى بمَنَارِه | إذا سَافَهُ العَوْدُ الدِّيَّافيُّ جَرْجَرَا (٦) |
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٧.
(٣) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ٩٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٦٧٣، و"أمالي المرتضى" ١/ ٢٢٨.
(٤) في (م): (الالحاف صاح).
(٥) في (ش): (ما نال)، وفي (ي): (ما ينال).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٦٤، وأمالي المرتضى ١/ ١٦٥ "لسان العرب" ٣/ ١٤٦٦ مادة: ديف، ١٤٦٦٣ مادة: سوف ٤/ ٢١٥٣ مادة: لحف. وقوله: سلفه: شمه، العَوْدُ: المُسِنّ من الإبل - الدِّيافيّ: نسبة إلى دياف قرية بالشام، جرجرا: أخرج شقشقته وصاح، ولاحب: الطريق الواضح. ويروى النياطي، وهو الأكثر، بمعنى الضخم الجسيم، والشاعر يصف طريقًا إذا شمه البعير المُسن عرفه فاستبعده وذكر ما يلحقه فيه من المشقة فجرجر لذلك. ينظر (أمالي المرتضى١/ ٢٢٨ - ٢٢٩).
ونصر ابن الأنباري هذه الطريقة، وقال: تأويل الآية: لا يسألون ألبتة فيخرجهم السؤال في بعض الأوقات إلى الإلحاف، فجرى هذا مجرى قولك: فلان لا يُرجَى خيرُه، أي: ليس فيه خيرٌ ألبتة فَيُرْجَى، وأنشد قول امرئ القيس:
وَصُمٌّ صِلابٌ ما يَقِيْنَ من الوَجَى | كأنَّ مَكَانَ الرِّدْفِ (٣) منه على رال (٤) |
وقال الأعشى:
لا يغمز السَّاقَ من أيْنٍ ولا وَصَبٍ | ولا يَعَضُّ على شُرْسُوفه الصَّفَرُ (٥) |
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٨، ينظر: "المحرر الوجيز" ٢/ ٤٧١.
(٣) في (م): (الزحف).
(٤) البيت في "ديوانه" ص ١٢٨.
(٥) البيت في "غريب الحديث" ١/ ٢٦، و"الكامل" للمبرد ٤/ ٦٥، و"الخزانة" ١/ ١٩٧، و"لسان العرب"٤/ ٢٤٥٨ (مادة: صفر). ومعنى لا يعمز الساق: لا يحبسها، يصف جلده وتحمله المشاق، والأين: الإعياء، والوصب: الوجع، والشرسوف: العظم الزائد فوق القلب وأطراف الأضلاع. وينظر "الوسيط" للواحدي ١/ ٣٩٠.
(٦) ليست في (أ) و (م).
لا يُفْزعُ الأَرْنَبَ أهوالُها | ولا تَرَى الضَّبَّ بها يَنْجَحِرْ (٢) |
وقال الفراء: نَفَى الإلحاف عنهم، وهو يريد جميعَ وجوه السؤال، كما تقول في الكلام: قل ما رأيت مثل هذا الرجل، ولعلك لم تر قليلًا ولا كثيرًا من أشباهه (٤).
وحكى ابن الأنباري عن بعضهم: أن معنى الآية: لا يسألون الناس إلحافًا ولا غير إلحاف، فاكتُفي بالإلحاف من غيره، وجاز اختصاصه بالذكر؛ لأن القصد إنما هو نفي صفة الذم عنهم، وهذا كقوله: ﴿سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ [النحل: ٨١] والبرد فاكتُفي بالحر من البرد.
٢٧٤ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ الآية.
(٢) البيت لعمرو بن أحمر في وصف فلاة، في "ديوانه" ص ٦٧، "الخزانة" ٢٧٣٤. "شرح أشعار الهذليين" ١/ ٣٦، "الخصائص" ٣/ ١٦٤، ٣٢١، "الحجة" لأبي علي ٢/ ٤٧ المعنى: نفى أن يكون في الفلاة حيوان.
(٣) "الحجة" ٢/ ٤٧.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨١.
وقال في رواية الضحاك (٤): لما أنزل الله قوله: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا﴾ [البقرة: ٢٧٣] الآية. بعث عبد الرحمن بن عوف إليهم بدنانير كثيرة، وبعث علي بن أبي طالب في جوف الليل (٥) بوسق من تمر، وهو ستون صاعًا، فكان (٦) أحب الصدقتين إلى الله تعالى صدقة علي بن أبي طالب، وأنزل فيهما: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ الآية. عنى بالنهارِ علانيةً، صدقة عبد الرحمن، وبالليل سرًّا، صدقة علي.
وروى حنش بن عبد الله الصنعاني (٧) عن ابن عباس، قال: هذه الآية
(٢) لم أجده عن عطاء، وهو من الرواية التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
(٣) في (ش): (أربع).
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٩٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٣٠، وهو من رواية جويبر عن الضحاك، وجويبر ضعيف جدًّا، والضحاك لم يسمع من ابن عباس.
(٥) سقطت من (ش).
(٦) في (ي): (وكان).
(٧) هو: حنش بن عبد الله، ويقال: ابن علي بن عمرو السبئي، أبو رِشدين الصنعاني،=
وبه قال أبو أمامة (٢) وأبو الدرداء (٣) ومكحول (٤) والأوزاعي (٥)، قالوا (٦): هم الذين يرتبطون الخيل في سبيل الله، ينفقون عليها بالليل والنهار، سرًّا وعلانيةً، نزلتْ فيمنْ لم يرتبطها لخيلاء ولا مِضْمَار (٧).
وروي هذا مرفوعًا عن النبي أنه قال (٨): "هذه الآية نزلت في أصحاب الخيل (٩) ".
(١) رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" ٥/ ٣٠٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٣، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٩٧، وعزاه الحافظ في "العجاب" ١/ ٦٣٦ إلى عبد ابن حميد، وعزاه السيوطي في "الدر" ١/ ٦٤١ إلى ابن المنذر.
(٢) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" ٥/ ٣٠٤، والمحاملي في "أماليه" ص ٤٩، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٣.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٠، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٩٢، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٩٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٠، "زاد المسير" ١/ ٣٣٠.
(٤) ذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٩٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٠، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٣٣٠.
(٥) رواه عبد بن حميد كما عزاه إليه الحافظ في "العجاب" ١/ ٦٣٦، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٦٩٣، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٠.
(٦) في (ش): (قال).
(٧) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٦٩٤.
(٨) في (م) قال في.
(٩) الحديث رواه ابن سعد في "الطبقات" ٧/ ٤٣٣، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" ٥/ ١٥٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٢، وأبو الشيخ في =
(١) في (م): (الخبر بها).
(٢) في (م) و (ش): (الذين).
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٨.
(٤) هو: عثمان بن جني النحوي اللغوي، تقدمت ترجمته.
(٥) سقطت من (ش).
(٦) سقطت من (م).
(٧) سقطت من (ش).
٢٧٥ - قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا﴾ يريد: الذين يعاملون به، وخص الأكل لأنه معظم الأمر كما قال: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى﴾ [النساء: ١٠] وكما لا يجوز أكل مال اليتيم لا يجوز إتلافه، لكنه (٣) نبه بالأكل على ما سواه (٤).
والربا في اللغة: الزيادة، يقال: رَبَا الشيءُ يَرْبُو رَبْوًا، ومنه قوله:
(٢) ينظر: "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٧، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٥٨، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٠٣، "مشكل إعراب القران" ١/ ١٤٢، "التبيان" ص ١٦٤، "البحر المحيط" ٢/ ٣٣١.
(٣) في (ي) ولكنه.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ١٠٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٠٥، "تفسير السمعاني" ٢/ ٤٥٢.
فأما في الشرع: فهو اسم للزيادة على أصل المال من غير بيع (٣).
وما يجري فيه الربا مما لا يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلًا لا يمكن ذكره هاهنا، يطول الكلام فيه (٤).
وقوله تعالى: ﴿يَقُومُونَ﴾ يعني: يوم القيامة من قبورهم (٥).
(٢) ينظر: في الربا: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٣٣٤ - ١٣٣٥، "المفردات" ص١٩٣، "اللسان" ٣/ ١٥٧٢ - ١٥٧٤.
(٣) ينظر: "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٢٤١ - ٢٤٢، "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٤٨.
(٤) ينظر: "الأم" ٣/ ١٥ - ٣١، و"اختلاف الفقهاء" للمروزي ص ٢٤٦، و"المجموع" ٩/ ٤٠١، و"أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٢٤١ - ٢٤٢، و"تفسير القرطبي" ٣/ ٣٤٨ وما بعدها.
(٥) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٠٩.
رأيتُ المَنَايا خَبْطَ عَشْوَاءَ من تُصِبْ | تُمِتْهُ وَمَنْ تخطئ يُعمّر فيهرَمِ (١) |
والمَسُّ: الجنونُ، يقال: مُسَّ الرجلُ فهو مَمْسُوس، وبه مَسٌّ وأَلْسٌ، أنشد ابن الأنباري:
أُعلّلُ نَفْسِي بما لا يكونُ | كذِي المَسِّ جُنّ ولم يخنق (٣) |
(٢) ينظر في خبط: "تهذيب اللغة" ١/ ٩٧٨ - ٩٧٩، "معجم مقاييس اللغة" ٢/ ٢٤١، "المفردات" ١٤٨، "اللسان" ٢/ ١٠٩٣ - ١٠٩٥.
(٣) جاء في: "البيان والتبيين" ١/ ٣٨٨ بيتًا شبيهًا بهذا وهو:
أعلل نفسي بما لا يكون | كما يفعل المائق الأحمق. |
وقال ابن قتيبة: يريد: أنه إذا بعث الناس من قبورهم خرجوا مسرعين، لقوله: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا﴾ [المعارج: ٤٣] إلا أكلةُ الرِّبا، فإنهم يقومون فيسقطون، كما يقوم الذي يتخبّطه الشيطان ويسقط؛ لأنهم أكلوا الرِّبَا في الدنيا فأرباه الله في بطونهم يوم القيامة حتى أثقلهم، فهم ينهضون ويسقطون، ويريدون الإسراع فلا يقدرون (٣)، وهذا المعنى غير الأول؛ لأنه يريد أن أكلة الربا لا يمكنهم الإسراع في المشي، كالذي خَبَّله الشيطان وأصابه (٤) بخبل في أعضائه من عَرَجٍ أو زَمَانة، فهو يقوم ويسقط، وهذا ليس من الجنون في شيء، والأول قول أهل التفسير، ويؤكد هذا الثاني: ما روي في قصة الإسراء: أن النبي - ﷺ - انطلق به جبريل إلى
(١) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١٠، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٢، وذكره ابن أبى حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٤.
(٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٨.
(٣) ذكره ابن الجوزي عنه في "زاد المسير" ١/ ٣٣٠.
(٤) في (ي) (فأصابه).
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ أي: ذلك الذي نزل بهم بقولهم هذا، واستحلالهم إياه، وذلك لأن المشركين قالوا: الزيادة على رأس المال بعد محل الدين كالزيادة بالربح في أول البيع. وكان أحدهم إذا حلَّ له مال على إنسان قال لغريمه: زدني في المال حتى أزيدك في الأجل. فكذبهم الله سبحانه فقال: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ (٣).
قال أصحابنا: هذه الآية مجملة، والمجمل: ما لا يعرف المراد من ظاهره إلا بقرينة تقترن به، كقوله: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] أوجبَ الإِيتَاءَ، وليس يعرف من هذه الآية أن الحق الذي يجب إيتاؤه كم هو، وإنما يعرف ذلك بدليل آخر، كذلك قوله: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾ اقتضى أن يكون كلّ بيع حلالًا. وقوله تعالى: ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ اقتضى أن
(٢) يريد حديث أبي سعيد الخدري رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ٢٥/ ٣٦٥، ومن طريقه رواه الطبري في "تفسيره" ١٥/ ١١ والبيهقي في "دلائل النبوة" ٢/ ٣٩٠، والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" ٢/ ١٨٥، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧١١، وفي إسناده أبو هارون العبدي متروك، وفي الباب: حديث أبي هريرة، رواه ابن ماجه (٢٢٧٣) كتاب: التجارات، باب: التغليظ في الربا، والإمام أحمد ٢/ ٣٥٣، وضعَّف إسناده ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٣٥٠، وقال البوصيري في "مصباح الزجاج" ٢/ ٢٣: هذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد.
(٣) ينظر: "تفسير مقاتل" ١/ ١٤٥، "تفسير الطبري" ٣/ ١٠٣، "تفسير ابن أبي حاتم" ٢/ ٥٤٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧١٤.
وقوله تعالى: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ﴾ أي وَعْظٌ، ولذلك جاز تذكير (جاءه) (١).
قال السدي: الموعظة: القرآن (٢) ﴿فَانْتَهَى﴾ عن أكل الربا ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ قال الزجاج: أي: قد صُفح له عما سلف (٣)، أي: مضى من ذنبه قبل النهي (٤)، وقال السُدّي: فله ما أكل من الربا (٥)، أي: ليس عليه رد ما سلف، فأما ما لم يُقْضَ بعدُ فلا يجوز له أخذه، وهذا له رأس ماله فقط، وهذا أجود من الأول؛ لأن قبل النهي الربا لم يكن حرامًا فلم يكن (٦) أخذه ذنبًا (٧).
ومعنى سلف، أي: تقدم ومضى، والسُّلُوف: التقدُّم، وكل شيء قدمته أمامك فهو سَلَفُكَ، ومنه: الأمم السَّالِفَة، والسَّالِفَةُ: العنق؛ لتقَدُّمِه في جهة العلوّ، والسُّلفة ما تَقَدَّم قبل الطعام، وسُلاَفَةُ الخَمْرِ: صَفْوُها، لأنه أول ما يخرج من عصيرها (٨).
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٥.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٨.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧١٥.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٤، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٤٦.
(٦) في (ش): (فلا يكون).
(٧) سقطت من (أ) و (م).
(٨) ينظر في سلف: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٣٥، " المفردات" ص ٢٤٤، "اللسان" ٤/ ٢٠٦٨، وذكر الأزهري أن السلف يطلق في المعاملات على معنيين: القرض=
وقيل: وأمره إلى الله بعد النهي، إن شاء عصمه حتى ثبت على الانتهاء، وإن شاء خذله حتى يعود (٢) ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ أي: إلى استحلال الربا (٣) ﴿فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ قال أبو إسحاق: وهؤلاء قالوا: إنما البيع مثل الربا، ومن اعتقد هذا فهو كافر (٤).
٢٧٦ - قوله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ المَحْقُ: نُقْصَانُ الشيء حالًا بعد حالٍ، ومنه المُحَاقُ في الهلال، يقال: مَحَقَهُ اللهُ فانْمَحَقَ وامتحق، أنشد يعقوب:
وأَمْصَلْتِ (٥) مالي كُلَّه بخيانةٍ | وماسَسْتِ من شيء فَرَبُّكَ ماحِقُه (٦) |
(١) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٨.
(٢) "تفسير الطبري" ٣/ ١٠٤، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ٣٠٧، وقال. هذا قول حسن بين، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧١٥.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧١٦.
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٩.
(٥) في (ش): (وأمضلت).
(٦) ورد النص هكذا:
لقد أمصلت عفراء مالي كله | وماسست من شيء فربك ماحقه |
(٧) نقله في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٥١ (مادة: محق).
يَزْدَادُ حُتَّى إذا مَا تَمّ أَعْقَبَهُ | كَرُّ الجَدِيدَيْنِ نَقْصًا ثم يَمَّحِقُ (١) |
أبوك الذي يَكْوِي أنوفَ عُنُوقِهِ | بأظْفَارهِ حتَّى أَنَسَّ (٣) وأَمْحَقَا (٤) |
قال المفسرون: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾ أي: ينقصه ويذهب بركته، وإن كان كثيرًا، كما يُمْحِقُ القَمَرَ (٦)، وقد روى ابن مسعود (٧)، أن النبي - ﷺ - قال "الربا وإن كثر فإن عاقبته إلى قُلِّ" (٨).
حتى إذا ما تراه تم أعقبه | كر الجديدين نقصًا ثم يمحق |
(٢) نقله في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٥٢ (مادة: محق).
(٣) لعلها: حتى أنشروا محقًا.
(٤) البيت لسبرة بن عمرو الأسدي، في "لسان العرب" ٧/ ٤١٤٧ (مادة: محق)، "تاج العروس" ١٣/ ٤٣٨ (مادة: محق)، وبلا نسبة في "اللسان" ٥/ ٣١٣٦ (مادة: عنق)، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٥٢ (مادة: محق)، وأنسَّ الشيء: بلغ غاية الجهد وهو نسيسه، أي: بقية نفسه.
(٥) ينظر في محق: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٣٥٢، "المفردات" ص ٤٦٦، "اللسان" ٧/ ٤١٤٧.
(٦) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٢٣.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٤.
(٨) أخرجه ابن ماجه (٢٢٧٩) كتاب: التجارات، باب: التغليظ في الربا ٢/ ٧٦٥ حديث رقم ٢٢٧٩، والإمام أحمد في "المسند" ١/ ٣٩٥ والحاكم في "المستدرك" ٢/ ٤٣ وصححه، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ٣٩٢، وأبو يعلى في "مسنده" ٨/ ٤٥٦، والطبراني في "الكبير" ١٠/ ٢٢٣ والأصبهاني في "الترغيب والترهيب" =
﴿وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ قال في رواية عطاء: يريد: يُرَبِّي الصدقات لصاحبها (٢) كما يُرَبي أحدُكُم فَصِيلَه (٣).
أخبرنا أبو إسحاق بن أبي منصور المقرئ (٤) رحمه الله، ثنا (٥) عبد الله ابن حامد (٦)، ثنا (٧) أبو بكر محمد بن الحسين (٨)، ثنا (٩) سهل بن
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٢٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٤، وابن الجوزي في "تفسيره" ١/ ٢٧٣.
(٢) ليست في (ي).
(٣) ذكره في "الوسيط"١/ ٣٩٦. وهو من رواية التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
(٤) يعني شيخه أبا إسحاق الثعلبي رحمه الله.
(٥) في (ي): (قال أخبرنا).
(٦) عبد الله بن حامد الأصبهاني، أبو محمد، كان أبوه من أعيان التجار الأصبهانيين، ثم نزل بنيسابور، ولد عبد الله بنيسابور وتفقه على أبي الحسن البيهقي، توفي سنة ٣٨٩. ينظر "الأنساب" ٥/ ١٨٢، و"طبقات الشافعية" ٣/ ٣٠٦.
(٧) في (ي): (قال أخبرنا).
(٨) العالم الصالح مسند خراسان، أبو بكر محمد بن الحسين بن الحسن بن الخليل النيسابوري القطان، قال الحاكم: أحضروني مجلسه غير مرة، ولم يصح لي عنه شيء وقال الخليلي: ثقة، وقال الذهبي: وسماعه صحيح كثير في الثقفيات، توفي سنة ٣٣٢ هـ. ينظر "الإرشاد" ٣/ ٨٣٩، "السير" ١٥/ ٣١٨ - ٣١٩، "الوافي بالوفيات" ٢/ ٣٧٢.
(٩) في (ي): (قال: ثنا)، وفي (ش): (حدثنا)، وهكذا في الذي بعده.
(٢) هو: يزيد بن هارون بن زادان بن ثابت السلمي بالولاء الواسطي أبو خالد، ثقة متقن عابد من حفاظ الحديث الثقات، كان واسع العلم ذكيًا، كبير الأن، من أهل بخارى، وتوفي بواسط سنة ٢٠٦ هـ. انظر: "الجرح والتعديل" ٩/ ٢٩٥، "تهذيب التهذيب" ٤/ ٤٣١، " السير" ٩/ ٣٥٨.
(٣) هو: عباد بن منصور أبو سلمة الناجي البصري، سمع من عكرمة وعطاء وغيرهم، وأخذ عنه يحيى القطان ويزيد بن هارون وغيرهم، ولي قضاء البصرة، كان ضعيف الحديث، قال ابن حجر: صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بأخرة. توفي سنة ١٥٢ هـ. ينظر: "السير" ٧/ ١٠٥ - ١٠٦، "الجرح والتعديل" ٦/ ٨٦، "التقريب" ص ٢٩١ (٣١٤٢).
(٤) سبقت ترجمته.
(٥) الحديث بهذا الإسناد رواه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٢٦، فيه ضعف، لأن فيه سهل بن عمار، متهم، وعبد الله بن حامد، لم يذكر بجرح ولا تعديل، لكن الحديث صحيح متفق عليه. أخرجه البخاري (١٤١٠) كتاب: الزكاة، باب: الصدقة من كسب طيب، ومسلم (١٠١٤) كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب، وغيرهما. وليس عندهما (وتصديق ذلك...) وهذه الزيادة عند =
أخبر الله تعالى في هذه أن من جمع مالًا من الربا أذهب الله البركة عنه، حتى يتلف عليه، ويذهب من حيث لا يدري، ثم يبقى عليه الوزر والإثم بجمعه وأخْذِه، ويزيد صدقةَ من تَصَدَّق بشيء وان قلَّ، حتى يَكْثُرَ ما تصدق به.
٢٧٧ - قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ يسأل عن هذه الآية، فيقال: إذا كان يستحق الثواب بخلوص الإيمان فلم شرط غيره؟
قيل: للبيان، إذ (٣) كل واحدة من هذه الخصال يُستَحقُّ عليها الثواب، كما قال في ضد هذا ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾. ثم قال: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا﴾ [الفرقان: ٦٨] ومعلوم أن من دعا مع الله إلهًا آخر لا يحتاج في استحقاقه العقاب إلى عمل آخر، ولكن (٤) الله تعالى جمع الزنا وقتل النفس مستحلاً مع دعاء غيره إليها، للبيان أن (٥) كل واحدة من هذه الخصال توجب العقوبة، ولا تدل هذه الآية على أن ما ذكر من الخصال بعد الإيمان ليست من الإيمان، وإن ذكرها مع الإيمان على الانفصال، كما أنه
(١) وهو من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٢٩.
(٣) في (ي) و (م): (إن).
(٤) في (ش) ب: (لكن)
(٥) في (ي): (لأن).
وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ [البقرة: ٣٩] والصد عن سبيل الله والتكذيب بآياته كفر، وإن ذكرا مع الكفر على جهة الانفصال.
٢٧٨ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا﴾ قد ذكرنا معنى ﴿ذَروا﴾ وما فيه عند قوله: ﴿وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] ومعنى الآية: تحريم ما بقي دينًا من الربا، وإيجاب أخذ رأس المال دون الزيادة على جهة الربا.
والسبب في نزولها: العباس (١) وعثمان رضي الله عنهما، طلبا ربًا لهما كانا قد أسلف قبل نزول التحريم، فلما نزلت الآية سمعا وأطاعا، وأخذا رؤوس أموالهما. هذا قول عطاء وعكرمة (٢).
وقال المقاتلان (٣) (٤): نزلت في أربعة إخوة من ثقيف، كانوا يداينون
(٢) ذكره عنهما الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٢٩، والواحدي في "أسباب النزول" ص ٩٣، والحافظ في "العجاب" ١/ ٦٤١، وروى الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٦ عن عكرمة قريبًا مما ذكره المقاتلان.
(٣) هما: المقاتلان: مقاتل بن سليمان المفسر المشهور، ومقاتل بن حيان، وهو: أبو بسطام النبطي الخزاز، صدوق مفسر مشهور فاضل، توفي قبيل سنة ١٥٠ هـ ينظر: "طبقات المفسرين" للداودي ٢/ ٣٢٩، "التقريب" ص ٥٤٤ (٦٨٦٧).
(٤) قول مقاتل بن سليمان في "تفسيره" ١/ ٢٢٧، وقول مقاتل بن حيان رواه عنه ابن أبي حاتم ٢/ ٥٤٨، وقد روى أبو يعلى في "مسنده" ٥/ ٧٤، ومن طريقه الواحدي في "أسباب النزول" ص ٩٣ عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس بنحوه، وقد روى الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٦ - ١٠٧ عن ابن نجيح نحوه، وذكر هذا السبب الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٨٢، والزجاج ١/ ٣٥٩، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٣٣.
قوله تعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ معناه: إن من كان مؤمنًا فهذا حكمه، كما تقول: إن كنت أخي فأكرمني، معناه: أن من كان أخًا أكرم أخاه (١). فقيل: معناه: إذ كنتم (٢).
قال أبو إسحاق: أعلم الله عز وجل أن من كان مؤمنًا قبل عن الله أمره، ومن أبى فهو حرْبٌ، أي: كافر (٣). فقال: ﴿فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ أي: فإن لم تذروا ما بقي من الربا، قال النحويون: المفعول محذوف من الكلام، تقديره: فإن لم تفعلوا ترك ما بقي من الربا (٤).
٢٧٩ - قوله: ﴿فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ يقال: أَذِنَ بالشيء: إذا علم به، يأذَنُ أَذَنُا وأَذَانَةً، قال أبو عبيدة: يقال: آذَنْتُه بالشيء فأَذِنَ به (٥)، أي: عَلِمَ، مثل: أَنْذَرْتُه بالشيء فَنَذِرَ به، أي: عَلِمَ (٦).
والمعنى: فإن لم تدعُوا الربا الذي قد أمر الله بوضعه عن الناس فاعلموا بحرب من الله، أي: فأيقنوا أنكم في امتناعكم من وضع ذلك
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ١/ ١٧٣٥، "البحر المحيط" ٢/ ٣٣٧، وعزاه لمقاتل بن سليمان، ثم ذكر أن بعض النحويين يقول به، وهو ضعيف مردود، ولا يثبت في اللغة.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣٥٩.
(٤) ينظر: "البحر المحيط" ٢/ ٣٣٨.
(٥) "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٨٣، وعبارته: تقول: آذنتك بحرب فأذنت به.
(٦) ينظر في أذن: "تهذيب اللغة" ١/ ١٣٩، "المفردات" ص ٢٣ - ٢٤، "اللسان" ١/ ٥١.
قال سعيد بن جبير، عن ابن عباس: يقال يوم القيامة لآكل الربا: خذ سلاحك للحرب (١).
وقال، في رواية الوالبي: يُستتاب من عامل بالربا، فإن تاب وإلا ضُربت عنقه (٢).
وهو قول قتادة (٣) والربيع (٤). وقال أهل المعاني: حرب الله النار، فمن كان حربًا لله استحق العقوبةَ بالنار، وحربُ رسولِه السيف، فمن كان حربًا له قوتل بالسيف (٥).
وقرأ حمزة وعاصم في بعض الروايات (فآذنوا) ممدودًا (٦)، أي: اعلموا، من قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ﴾ [الأنبياء: ١٠٩] ومفعول الإيذان محذوف في هذه الآية، تقديره: فأعْلِمُوا من لم ينته عن ذلك بحرب (٧)، وإذا أمروا بإعلام غيرهم علموا هم لا محالة، ففي أمرهم بالإعلام علمهم أيضًا أنهم حرب
(٢) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٧٣٦.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٨، ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٥٠.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٠٨.
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٣٦، و"الكفاية في التفسير" للحيري ١/ ٢٦٦، "تفسير البغوي" ١/ ٣٤٤.
(٦) قرأ حمزة وشعبة (فآذنوا) ممدودة مكسورة الذال، وقرأ الباقون (فأذنوا) مقصورة مفتوحة الذال. ينظر: "السبعة" ص ١٩٢.
(٧) ستمطت من (ي).
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ﴾ أي: عن الربا ﴿فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ﴾ وإنما شرط التوبة، لأنهم إن لم يتوبوا كفروا برد حكم الله، وصار مالهم فيئًا للمسلمين، فلا يكون لهم رؤوس أموالهم (٤).
وقوله تعالى: ﴿تُظْلَمُونَ﴾ قال عطاء: أي بطلب الزيادة ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بالنقصان (٥) عن رأس المال (٦).
وموضع ﴿تُظْلَمُونَ﴾ نصب على الحال من (لكم) (٧)، والتقدير: فلكم رؤوس أموالكم غير ظالمين ولا مظلومين. وروى عن عاصم في بعض الروايات: ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بضم التاء الأولى ﴿وَلَا تُظْلَمُونَ﴾ بفتح التاء الثانية (٨)، وقراءة القراء أشكل بما قبله؛ لأن الفعل الذي قبله مسند إلى
(٢) في (ي): (على).
(٣) أحمد بن يحيى، ينظر: "الكشف عن وجوه القراءات السبع" لمكي ١/ ٣١٨، "حجة القراءات" لابن زنجلة ١٤٨.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٣٧، "تفسير السمعاني" ٣/ ٤٥٧، "الكشاف" ١/ ٣٢٢.
(٥) في (م): (النقصان).
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٣٦ بهذا اللفظ دون عزو لأحد.
(٧) "الحجة" ٢/ ٤١٣.
(٨) قرأ المفضل عن عاصم (لا تُظْلَمون ولا تَظْلِمون) بضم التاء الأولى وفتح الثانية، والقراء كلهم بعكس ذلك كما ذكر ابن مجاهد في "السبعة" ١٩٢.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية قالت الإخوة المربون: بل نتوب إلى الله، فإنه لا يَدَان لنا بحرب الله ورسوله، فرضوا برأس المال، وسلّموا لأمر الله عز وجل، فشكا بنو المغيرة العسرة، وقالوا (٣): آخرونا إلى أن تُدرك الغلات، فأبوا أن يؤخروا، فأنزل الله عز وجل (٤): ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٨٠) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١)﴾.
٢٨٠ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ (كان) كلمة تستعمل على أنحاء (٥):
أحدها: أن يكون بمنزلة حَدَثَ وَوَقَعَ، وذلك قولك: قد كانَ الأمرُ، أي: وَقَع وحَدَثَ، وحينئذ لا تحتاج إلى خبر، وأكثر ما تستعمل بهذا المعنى في المنكرات، كقولك: إن كان رجل صالح فأكرمه.
والثاني: أن يخلع (٦) منه معنى الحدث، فتبقى الكلمة مجردة للزمان،
(٢) من "الحجة" ٢/ ٤١٤ بتصرف.
(٣) في (ي) (وقال).
(٤) ذكره مقاتل في "تفسيره" ١/ ٢٢٧ والفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٨٢، والحيري في "الكفاية" ١/ ٢٣٦، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٣٧، وذكره الواحدي في "أسباب النزول" ص ٩٥ - ٩٦، والحافظ في "العجاب" ١/ ٦٤١ عن الكلبي.
(٥) في (ي) (أحوال).
(٦) في (أ) و (م) (الخلع).
والثالث: أن يكون بمعنى صار. أنشد أحمد بن يحيى:
بتيهاءَ قَفْرٍ والمَطِيَّ كأَنّها | قَطَا الحَزْنِ قد كانت فِرَاخًا بُيُوضُها (١) |
والرابع: أن تكون زائدة، وذلك قولهم: ما كَان أحسنَ زيدًا، أنشد البغداديون:
سَرَاةُ بَنِي أبي بَكْر تَسَامَوا | على كان المُسَوَّمةِ الجِيادِ (٢) (٣) |
(٢) البيت بلا نسبة في "الحجة" ٢/ ٤٣٧، "سر صناعة الإعراب" ١/ ٢٩٨، والأزهية في علم الحروف ص ١٨٧وشواهد الأشموني ٢/ ١٠٩، "الخزانة" ٤/ ٣٣، "لسان العرب" ٧/ ٣٩٦٣ (كون). ويروى: العِراب بدل الجياد.
(٣) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٤٣٧، وينظر في معاني (كان): الكتاب. لسيبويه ١/ ٤٥ - ٥٦، "المقتضب" ٣/ ٩٦، ٤/ ٩٥، ١١٦، ١٨٤، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٠٨٣ - ٣٠٨٤، "الأزهية في علم الحروف" ١٨٣ - ١٩٢، "المفردات" ص ٤٢١ - ٤٢٢، "لسان العرب" ٧/ ٣٩٥٩ - ٣٩٦٣.
(٤) من "الحجة" ٢/ ٤٣٩ بتصرف، وينظر في إعراب الآية: "معاني القرآن" للزجاج =
وقوله تعالى: ﴿فَنَظِرَةٌ﴾ أمر في صيغة الخبر، والفاء في جواب الشرط، تقديره: فالذي تعاملونه نظرة، أي: تأخير (٢).
والنَّظِرة: الاسم من الإنظار، وهو الإمهال، تقول: بِعته الشيء بِنَظِرَةٍ وبإِنْظَار (٣).
والميسرة: مفْعَلَة، من اليُسْرِ واليَسَارِ الذي هو ضد العُسْرة، وهو تيَسُّر الموجود من المال، ومنه يقال: أَيْسَرَ الرجلُ فهو مُوسر، أي: صار إلى حالةِ تَيَسُّرِ وجودِ المالِ، فالمَيْسُرة والمَيْسَرَة والمَيْسُور: الغنى (٤) (٥). وفيه قراءتان: فتح السين وضمها (٦)، والفتح أشهر اللغتين؛ لأن مَفْعَلَة قد جاء في كلامهم كثيرًا، ومن قرأ بالضم فلأن مَفعُلة قد جاء أيضًا في كلامهم،
(١) ينظر في العسرة: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٤٣١ - ٢٤٣٣، "المفردات" ٣٣٧.
(٢) ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٣٩، والتقدير عنده: فعليه نظرة، أو فالواجب نظرة
(٣) ينظر في نظرة: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٦٠٣ - ٣٦٠٥، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٣٩، "المفردات" ٤٩٩ - ٥٠٠.
(٤) في (ش): (والميسرة: الميسور وفيه).
(٥) ينظر في الميسرة: "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٧٩ - ٣٩٨١، "المفردات" ٥٥٣، "اللسان" ٨/ ٤٩٥٧ - ٤٩٦٠.
(٦) قرأ نافع بضم السين، وقرأ الباقون بفتحها. ينظر: "السبعة" ١٩٢.
قال أبو إسحاق: من قرأ: (مَيْسُرِه) على الإضافة إلى الهاء فمخطئ، لأن مَيْسُر مَفْعُل، وليس في الكلام مَفْعُل، وزعم البصريون أنهم لا يعرفون مفْعُلًا (٤).
فأما ما أنشده ابن السكيت:
ليَوْمِ رَوْعٍ أو فَعَالِ مَكْرُم (٥)
وقول آخر:
بُثَيْنُ الْزَمِي (لا) إِنَّ (لا) إن لَزِمْتِه | على كَثْرة الواشِينَ أَيُّ مَعُونِ (٦) |
أبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنّي مَأْلُكًا (٧)
(٢) "الكتاب": لسيبويه ٤/ ٩١، ونقله أبو علي في "الحجة" ٢/ ٤١٥.
(٣) ينظر: "المحتسب" ١/ ١٤٣، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٤١، و"إعراب القراءات الشواذ" ١/ ٢٨٦، "البحر المحيط" ٢/ ٣٤٠.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٠، وتمامه: إنما يعرفون مفعُلة.
(٥) صدر البيت:
مروان مروان أخو اليوم اليمي.
والبيت لأبي الأخزر الحماني، في "اللسان" مادة: كرم ٧/ ٣٨٦١ - ٣٨٦٤، "البحر المحيط" ٢/ ٣٥٥.
(٦) البيت لجميل بثينة، انظر: "ديوانه" ص ١٠٥، "المحتسب" ١/ ١٤٤، "الخصائص" ٣/ ٣٢١، "البحر المحيط" ٢/ ٣٥٥.
(٧) البيت لعدي بن زيد العبادي، مطلع قصيدته الرائية المكسورة، يستعطف بها =
فأما الحكم في إنظار المعسر: فمهما علم الإنسان أن غريمه معسر حرم عليه حبسه وملازمته وأن يطالبَه بما له عليه، ووجب عليه الانتظار إلى وقت يساره، إلا أن يكون له ريبة في إعساره، فجاز له أن يحبِسَه إلى أن يقيمَ المحبوسُ البينةَ، وتعتبر زيادةُ عددٍ على شاهدين في بينة الإعدام؛ لما روي في حديث قبيصة بن مخارق (٤): "حتى يشهدَ ثَلاثةٌ من ذَوِي الحِجَى أنه أصابتْه فاقة وحاجة" (٥).
إنه قد طال حبسي وانتظاري
في "ديوانه" ص ١٢٤، وينظر "الشعر والشعراء" ص ١٣٣، "الأغاني" ٢/ ٩٤، "العقد الفريد" ٦/ ٩٥، "الخزانة" ٣/ ٥٩.
(١) في (أ) و (م) (مكرم) بدون فاء.
(٢) في (ي) و (ش) (نقل).
(٣) من "الحجة" ٢/ ٤١٦ - ٤١٧ بمعناه.
(٤) هو قبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن ربيعة بن نهيك العامري الهلالي، أبو بشر، صحابي، عداده في أهل البصرة، وفد على النبي - ﷺ -. ينظر: "أسد الغابة" ٤/ ٣٨٣
(٥) رواه مسلم (١٠٤٤) كتاب: الزكاة، باب من لا تحل له الصدقة، وذوو الحجى: ذوو العقول.
والحقوق مختلفة في هذا، فكلُّ حق لزم الإنسان عوضًا عن مالٍ حصلَ في يده، مثلُ قرضٍ أو ثمنِ سلعةٍ، فإذا ادّعى الإعسار لزمته إقامة البينة، وكلُّ حق لزمه من غير حصول مال في يده كالمهر والضمان، فإذا ادَّعى الإعسار لزمَ ربُّ المال إقامةَ البينة على كونه موسرًا، لأن الأصل في الناس الفقر.
ويباع في الديون جميعُ أموالِ الغريم، فلا يستبقى له سِوى (٢) قوتِ يومٍ (٣) ودست ثوب وسط (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أعلم الله تعالى أن الصدقة برأس المال على المعسر خير وأفضل، والمراد: وأن تصدقوا على المعسر برأس المال خيرٌ لكم، ولكنه حذف للعلمِ به، لأنه قد جرى ذكرُ المعسر وذكرُ رأسِ المال، فعلم أن التصدقَ راجعٌ إليهما.
(٢) في (ي) (غير).
(٣) في (ش) (يوم بيوم).
(٤) ينظر في أحكام الآية: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٤٣، "معالم السنن" ٤/ ١٧٩، "المغني" ٦/ ٥٨٥، "تكملة المجموع" ١٣/ ٢٦٩، "مجموع فتاوى ابن تيمية" ٣٥/ ٣٩٧، "نيل الأوطار" ٧/ ١٥١.
قال ابن جريج: وعاش رسول الله - ﷺ - بعد نزول هذه الآية تسع ليال (٢)، وقال سعيد بن جبير (٣) ومقاتل (٤): سبع ليال.
وانتصب (يومًا) على المفعول به، لا على الظرف (٥)، لأنه ليس المعنى: فاتقوا في هذا اليوم، لكن المعنى تأهبوا للقائه بما تقدمون من العمل الصالح، ومثله قوله: ﴿فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾ [المزمل: ١٧] أي: كيف تتقون هذا اليوم الذي هذا (٦) وصفه مع الكفر بالله، أي: لا يكون الكافر مستعدًا للقائه لكفره.
وقوله تعالى: ﴿تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ﴾ هذا يوم القيامة.
وفي (ترجعون) قراءتان (٧): ضم التاء وفتح الجيم، اعتبارًا بقوله:
(٢) رواه أبو عبيد في "فضائل القرآن" ص ٣٧٠، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٥.
(٣) رواه ابن أبي حاتم ٢/ ٥٥٤، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٨٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٧.
(٤) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٢٨، وذكره في "زاد المسير" ١/ ٣٣٥، وفي "الوسيط" ١/ ٤٠٠.
(٥) ينظر: "المحرر الوجيز" ١/ ٤٩٩.
(٦) في (ي) (الذي وصفه).
(٧) قرأ أبو عمرو: بفتح التاء وكسر الجيم، وقرأ الباقون بضم التاء وفتح الجيم. ينظر: "السبعة" ص ١٩٣، "الحجة" ٢/ ٤١٧.
وقرأ أبو عمرو: (تَرْجعون) بفتح التاء وكسر الجيم، اعتبارًا بقوله: ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ [الغاشية: ٢٥] فأضاف المصدر إلى الفاعل، وقوله: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [البقرة: ١٥٦]. وقوله: ﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ﴾ [يونس: ٤٦]. وقوله: ﴿كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ﴾ [الأعراف: ٢٩] (١).
وقوله: ﴿ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ أي: جزاء ما كسبت من الأعمال، قال ابن عباس: يريدَ ثوابَ عَمَلِهَا، خيرًا بخير، وشرًّا بشر، ﴿وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ يريد: وهم لا يُنْقَصُون، لا أهلُ الثوابِ ولا أهْلُ العِقَاب، قال: وهذه الآية لجميع الخلقِ البرِّ والفاجِرِ (٢).
٢٨٢ - قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ قال ابن عباس: لم حرّم الله تعالى الرِّبا أباحَ السَّلَم فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ﴾ (٣) الآية.
التداين: تفاعل، من الدَّيْن، ومعناه: داين بعضكم بعضًا وتبايعتم بدين (٤)، قال أهل اللغة: القرضُ غير الدينِ؛ لأن القرض أن يقترض الإنسانُ دراهمَ أو دنانيرَ أو حَبًّا وتمرًا وما أشبه ذلك ولا يجوز فيه الأجل، والأجل في الدَّيْن جائز (٥).
(٢) ذكره في "الوسيط" ١/ ٣٩٩، وهو من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
(٣) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٨/ ٥، والشافعي في "الأم" ٣/ ٩٣، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٦ - ١١٧، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٥٤.
(٤) من قوله: (التداين)، ساقط من (ي).
(٥) ينظر "اللسان" ١/ ٣٢ (مادة: أجل).
نَدِيْنُ ويَقْضِي اللهُ عَنّا وقد نَرَى | مَصارعَ قَوْمٍ لا يَدِينُونَ ضُيَّعا (٣) |
يُعَيّرُني بالدَّيْن قَوْمِي وإنَّما | تَدَيَّنْتُ في أَشْيَاءَ تُكْسِبُهُم حَمْدًا (٥) |
(٢) هو: علي بن الحسن المعروف بالأحمر، مؤدب المأمون العباسي، وشيخ النحاة في عصره، كان جنديًا على باب الرشيد، وأخذ العربيةَ عن الكسائي الذي أوصله إلى الرشيد، كان قوي الذاكرة يحفظ ٤٠ ألف بيتِ شعرٍ، توفي سنة ١٩٤هـ. انظر بغية الوعاة ٢/ ١٥٨ - ١٥٩، "الأعلام" ٤/ ٢٧١.
(٣) البيت للعجير السلولي، في "لسان العرب" ٣/ ١٤٦٨ (مادة: دين)، "تاج العروس" (مادة: دين)، وبلا نسبة في "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٣٧، ينظر: "المعجم المفصل في شواهد اللغة" ٤/ ٢٤٩. قال ابن بَرِّي: صوابه ضُيّعِ بالخفض على الصفة لقوم وقبله:
فَعِد صاحبَ اللَّحَّام سيفًا تبيعُه | وزد درهمًا فوق المُغَالينَ واخْنَعِ |
(٥) البيت للمقنع الكندي، ينظر "اللسان" ٣/ ١٤٦٨ مادة: (دين)، "تهذيب اللغة" ٢/ ١١٣٨، "البحر المحيط" ٢/ ٨ ويروى البيت هكذا:
يعاتبني في الدين قومي وإنما | ديوني في أشياء تكسبهم حمدًا |
وقوله تعالى: ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ معنى الأجل في اللغة: الوقتُ المضروبُ لانقضاء الأمد، وأَجَلُ الإنسان هو الوقت لانقضاء عمره، وأَجَلُ الدين: محَلُّه، لانقضاء التأخير فيه، وأصله من التأخير، يقال: أَجِلَ الشيء يَأْجَلُ أُجُولًا: إذا تأخر، والآجل: نقيضُ العاجل.
وقوله تعالى: ﴿فَاكْتُبُوهُ﴾ الكِتابةُ والإِشهادُ اللذان ذكرا في هذه الآية للتداين، والمبايعة في قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ قد اختلف الناس فيهما، فأوجبهما جماعة من أهل العلم، وقالوا: إن الله تعالى أمر في الحقوق المؤجلة بالكِتابة والإشهادِ حفظًا منه للأموال، وذلك أن الذي عليه الدين إذا كانت عليه الشهود والبينة قلّ تحديثه نفسه بالطمع في إذهابه، وهذا مذهب عطاء (٢) وابن جريح (٣) وإبراهيم (٤) واختيار محمد بن جرير (٥)، قال إبراهيم: يشهد ولو على دَسْتَجة (٦) بَقْل.
(٢) المغني ٦/ ٣٨١.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٧.
(٤) المغني ٦/ ٣٨١.
(٥) "تفسير الطبري" ٣/ ١١٩ - ١٢٠.
(٦) الدَّسْتَجَة: الحزمة. ينظر: "القاموس" ص ١٨٩ (مادة: دستج).
قال ابن الأنباري: وهو اختيارنا؛ لاتفاق أكثر العلماء عليه، ولأن الأمر لو كان حتمًا لم يكن المسلمون ليقدموا على خلاف نصّ القرآن في أسواقهم، ولكان فيه أعظم التشديد على الناس والتغليظ، والنبي - ﷺ - يقول: "بُعِثْتُ بالحنفية السمحة" (٢).
وقال آخرون: كانت الكتابة والإشهاد أو الرهن فرضًا، ثم نسخ ذلك بقوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ إن أشهدت فَحَزْم (٣)، وإن تركت ففي حلٍّ وسعة (٤).
وقال التيِمي: سألت الحسن عنها فقال: إن شاء أشهدَ، وإن شاء لم يُشْهِدْ، ألا تسمع قوله: ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ (٥).
(٢) رواه أحمد ٥/ ٢٦٦. قال السخاوي في "المقاصد الحسنة" ص١٠٩: وسنده حسن.
(٣) في (م) (فجزم).
(٤) وهذا قول الشعبي، رواه الثوري في "تفسيره" ص ٧٣، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ١٤٥، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٦/ ٩٧، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٠، وابن الجوزي في نواسخ القرآن ص ٢٦٣، وقال: وهذا ليس بنسخ؛ لأن الناسخ ينافي المنسوخ، ولم يقل هاهنا: فلا تكتبوا ولا تشهدوا، وإنما بين التسهيل في ذلك. وينظر: "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٨٣، و"النسخ في القرآن" لمصطفى زيد ٢/ ٦٨٣.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٨، وفي "النكت والعيون" ١/ ٣٥٤ بمعناه.
وقوله تعالى: ﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ﴾ أي: ليكتب كتاب الدين بين المستدين والمدين كاتب بالعدل، أي: بالحق والإنصاف، لا يكتب لصاحب الدين فضلًا على الذي عليه، ولا يُنْقِصُه (٤) من حَقِّه، ولا يقدِّم الأجلَ، ولا يؤخِّرُه، ولا يكتب شيئًا يبطل به حقًّا لأحدهما لا يعلمه هو، فهذا العدل (٥).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ أي: لا يمتنع، يقال: أبى فلان الشيء يَأبَاهُ، إذا امتنع عنه (٦) ولم يفعله، ويقال: أَخَذَه أُبَاءٌ، إذا كان يأْبى الطعامَ فلا يشتهيه (٧).
قال مجاهد (٨) والربيع (٩): واجب على الكاتب أن يكتبَ إذا أُمر؛ لأن
(٢) في (ش) (ويروي).
(٣) وينظر في المسألة: "المغني" ٦/ ٣٨١ - ٣٨٣، "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٢٤٨، "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٨٣.
(٤) في (ي) (ولا ينقصه عليه).
(٥) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٨٩.
(٦) في (م) (منه).
(٧) ينظر في أبى: "تهذيب اللغة" ١/ ١١٤، "اللسان" ١/ ١٤ قال الراغب في "المفردات": الإباء شدة الامتناع، وليس كل امتناع إباء.
(٨) رواه عبد الرزاق في "المصنف" ٨/ ٣٦٥، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١١٩، و"ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٥٦.
(٩) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٥٥.
وقال الحسن: ذاك إذا لم يقدر على كاتب سواه فيضر بصاحب الدين إن امتنع (٢).
وقال الضحاك: كانت هذه عزيمة واجبة على الكاتب والشاهد، فنسخها قوله: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ (٣).
وقوله تعالى: ﴿كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ أي: لا يأبَ أن يكتبَ كما أمره الله عز وجل من الحق، فعلى هذا يكون قوله: ﴿كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ﴾ متصلًا بقوله: ﴿أَن يَكْتُبَ﴾ كما أمره الله، ويحتمل أن يتمَّ الكلامُ عند قوله: ﴿أَن يَكتُبَ﴾ ثم قال: ﴿كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ﴾ أي: كما فضله الله بالكتابة.
وقال ابن عباس: كما أفهمه الله، ولا يمنعن المعروف بكتابة (٤).
والوجهان ذكرهما الزجاج (٥).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٨٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٩.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٠، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٩٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٩، وفي "النكت والعيون" ١/ ٣٥٥، "تفسير القرطبي" ٣/ ٣٨٤، وقال معلقًا: هذا يتمشى على قول من رأى أو ظن أنه قد وجب في الأول على كل من اختاره المتبايعان أن يكتب، وكان لا يجوز له أن يمتنع، حتى نسخه قوله تعالي: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ وهذا بعيد؛ فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان، ولو كانت الكتابة واجبة ما صح الاستئجار لها؛ لأن الإجارة على فعل الفروض باطلة، ولم يختلف العلماء في جواز أخذ الوثيقة على كَتْب الوثيقة. وينظر "أحكام القرآن" لابن العربي ١/ ٢٤٨.
(٤) هو من رواية عطاء التي تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٢.
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ البَخْسُ: النُّقْصَان، يقال: بَخَسه حَقَّه، إذا نَقَصَه (٥).
أُمِر من عليه الحق أن يُقرَّ بمبلغ المال الذي عليه ولا ينقص شيئًا.
وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا﴾ قال مجاهد: جاهلا (٦) بالإملاء (٧).
وقال الضحاك (٨) والسدي (٩): طفلًا صغيرًا.
(٢) في (ي) (بني تميم).
(٣) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٤٥٢ (مادة: ملل)، وينظر "اللسان" ٧/ ٤٢٧١ (مادة: ملل).
(٤) سقطت من (أ) و (م).
(٥) ينظر في بخس: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٢١: "المفردات" ص ٤٨، قال الراغب: البخس: نقص الشيء على سبيل الظلم.
(٦) سقطت من (ي).
(٧) رواه عبه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٥٩، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٩١.
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٢، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٩١.
(٩) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٥٩.
(أو لا يستطيع أن يملّ هو) لخَرَسٍ أو عِيِّ أو (٣) جَهْلٍ بما له وعليه (٤).
﴿فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ﴾. قال الضحاك (٥) وابن زيد (٦): أي: ولي السفيه والعاجز والطفل، يعنى: قيمه أو وارثه أو من يقوم مقامه في حقه.
وقال ابن عباس (٧) والربيع (٨) ومقاتل (٩): يعني: ولي الحق، وهو صاحب الدين؛ لأنه أعلم بدينه. ﴿بِالْعَدْلِ﴾: بالصدق والحق والإنصاف. والقول الأول اختيار الزجاج (١٠) وصاحب النظم، وهو الأظهر والأصح.
قال الزجّاج: إن الله عز وجل أمر أن لا يؤتى السفهاء الأموال، وأمر أن يقام بهم (١١) فيها، فقال: ﴿وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ [النساء: ٥]، فوليُّه: الذي يقوم مقامه في ماله. قال: وقول من قال: إنه ولي الدين، بعيد، كيف يقبل قول المدعي، وما حاجتنا إلى الكتابة والإشهاد، والقول قوله (١٢)؟
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٣.
(٣) غير واضح في (م).
(٤) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٧٩١.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٣ بمعناه.
(٦) المرجع السابق.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٩٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٤٩.
(٨) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٣، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٩٢.
(٩) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٢٩.
(١٠) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٣.
(١١) في (ي) و (ش) (لهم).
(١٢) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٣.
وأجاز الفراء القولين جميعًا (٦).
وقوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُوا﴾ أي: أَشْهِدُوا، يقالُ: أَشْهَدتُّ الرجلَ واستشهدته بمعنى (٧)، وبه فسر قول النبي - ﷺ -: "يَشْهَدُون (٨) ولا يُستشهدون" (٩) أي: لا يشهدون.
(٢) في (م) (مقامه).
(٣) سقطت من (م).
(٤) في (ي) (قال فلما قال).
(٥) في (ي) (قال) بدل (وسمه به).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٣.
(٧) ينظر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٩٤٤ (مادة: شهد).
(٨) سقطت من (ي).
(٩) رواه البخاري (٣٧٥٠) كتاب: فضائل أصحاب النبي - ﷺ -، باب فضائل أصحاب النبي - ﷺ -، ومسلم (٥٢٣٥) كتاب: فضائل الصحابة، باب: فضل الصحابة، عن عمران بن حصين.
وقوله تعالى: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ قال الزجاج: أي: (٢) فالذي يُستشهد إن لم يكن رجلان فرجل (٣) وامرأتان (٤).
قال الفراء: فليكن رجل وامرأتان فرفع بالرد على الكون (٥).
وقال صاحب "النظم": أي: فليكفكم رجل وامرأتان (٦). وقيل: فرجل وامرأتان (٧) يشهدون. كل هذه التقديرات جائز حسن.
قال أبو علي الفارسي: قال أبو الحسن الأخفش: التقدير: فليكن رجل وامرأتان (٨)، كما قال الفراء، ثم قال من عنده: يجوز أن تكون (٩) (كان) المضمرة في الآية الناصبة للخبر (١٠)، ويجوز أن تكون التامة التي لا
(٢) سقطت من (ي).
(٣) في (أ) و (م) و (ش) (رجل).
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٣.
(٥) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٤.
(٦) من قوله: (قال الفراء). ساقط من (أ) و (م).
(٧) من قوله: (قال الفراء). ساقط من (أ).
(٨) "معاني القرآن" للأخفش ١/ ١٨٩.
(٩) في (ي): (إن كانت كان).
(١٠) في (م): (للحال).
واجماع أن شهادة النساء جائزة (٧) في الأموال (٨).
وقوله تعالى: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ قال ابن عباس: يريد: من
(٢) سقطت من (ي).
(٣) في (أ) و (م): (إضمار).
(٤) ذكر في "البحر المحيط" ٢/ ٣٤٦ أن الصحيح أن خبر كان لا يحذف لا اقتصارًا ولا اختصارًا.
(٥) في (ي): (أمرأة).
(٦) من "الحجة" ٢/ ٤١٩ - ٤٢١ بتصرف، وينظر في إعراب الآية: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٤٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٤، "التبيان" ١/ ١٦٧، "البحر المحيط" ٢/ ٣٤٦.
(٧) سقطت من (م).
(٨) حكى الإجماع الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٧٩٣، وابن المنذر في "الإجماع" ص ٧٨، وينظر: "اختلاف الفقهاء" للمروزي ص ٢٨٤، "المغني" ١٤/ ١٣٠، "فتح الباري" ٥/ ٢٦٦، ووقع الخلاف في غير الأموال، فيرى مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد وأحمد وأبو ثور: أنها لا تجوز إلا في الأموال، ويرى أبو حنيفة وسفيان: أنها جائزة في كل شيء ما عدا الحدود والقصاص.
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ أن تتعلق بفعل مضمر، دل عليه ما قبله من الكلام، وذلك أن قوله: ﴿فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ يدل على: فاستشهدوا رجلًا وامرأتين، فتعلق أن إنما (٤) هو بهذا الفعل المدلول عليه (٥)، ويجوز أن يتعلق الشيء بما ذكرنا من الفعل المقدر، في قول الفراء وأبي الحسن (٦) وهو: فليكن رجل وامرأتان، ويجوز أن يتعلق بشيء ثالث، وهو الخبر المضمر فيمن جعل التقدير: فرجل وامرأتان يشهدون (٧) (٨).
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٣.
(٣) ينظر في ذكر الشروط: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٧٩٦، و"الكافي" لابن عبد البر ٢/ ٨٩٢، و"المغني" ١٤/ ١٤٥، و"روضة الطالبين" ١٤/ ١٤٥، "البحر المحيط" ٢/ ٣٤٧. وبين المذاهب خلاف في بعض هذه الشروط.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) من "الحجة" ٢/ ٤١٩.
(٦) تقدمت أقوالهما عند قوله تعالى: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾.
(٧) من "الحجة" ٢/ ٤٢١.
(٨) ينظر في إعراب الآية: "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٤، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٤٥، "الحجة" ٢/ ٤١٩، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٤، "التبيان" ص ١٦٧.
ولَقَدْ ضَلَلْتَ أباَكَ يَدْعُو دَارِمًا | كضَلالِ مُلْتَمِسٍ طَرِيقَ وَبَارِ (٣) |
وقوله تعالى: ﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ أي: تغيب عن حفظِها، أو يغيب حفظُها عنها، وإحدى: تأنيث الواحد.
قال أبو علي: أنثوه على غير بنائه، و (إحدى) لا تستعمل إلّا مضمومة إلى غيرها ومضافة، لا يقولون: رأيت إحدى، ولا جاءني إحدى. وروى أبو العباس عن ابن الأعرابي قال: (٥) يقال: أحد في جمع إحدى. يقال: فلان إحدى الإحد، وأحَدُ الأَحَدِيْن، وواحِدُ الآحَاد، كما يقال: واحد لا
(٢) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٢٩ - ٢١٣١ (مادة: ضلّ)، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٠٥، "المفردات" ٣٠٠ - ٣٠٢، وأطال النفس في ذكر أنواعه، "لسان العرب" ٥/ ٢٦٠١ - ٢٦٠٤ (مادة: ضلل)، وفيه قال أبو عمرو بن العلاء: إذا لم تعرف المكان قلت: ضلَلته، وإذا سقط من يدك شيء قلت: أضللته، يعني: أن المكان لا يضل وإنما أنت تضل عنه.
(٣) البيت من الكامل، وهو للفرزدق في "ديوانه" ص ٤٥٠، "لسان العرب" ٥/ ٢٦٠١ مادة: (ضلل).
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٣/ ٢١٣٠ (مادة: ضل).
(٥) في "الحجة": (وقال أحمد بن يحيى) ولم يروه عن ابن الأعرابي كما هنا.
حتى استثاروا بي (١) إحْدَى (٢) الإِحَدِ | لَيْثًا هِزَبْرًا ذا سِلاحٍ مُعْتَدِي (٣) |
وموضع (أن) نصب، لأن المعنى: استشهدوا امرأتين، لأن تُذَكّر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر (٧).
فإن قيل: إذا كان المعنى هذا فلم جاز: أن تضل، والشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان، إنما وقعت للذكر والإذكار؟ والجواب عنه: أن
(٢) في (م): (أحد).
(٣) رجز للمرار الفقعسي. ينظر: "الأغاني" ١٠/ ٣٢٤، "الخزانة" ٣/ ٢٩٣.
(٤) في (ش): (فقال).
(٥) في (ش): (سدد).
(٦) "الحجة" ٢/ ٤٢٢ - ٤٢٣. وينظر في أحد: "اللسان" ١/ ٣٥، "عمدة الحفاظ" ١/ ٧١ - ٧٣.
(٧) ينظر في الإعراب: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٤، "التبيان" ص ١٦٨.
وقال الفراء: معنى الآية: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، كي تُذَكِّر إحداهما الأخرى إن ضلت، فلما تقدم (٤) الجزاء اتصل بما قبله ففتحت أن، قال: ومثله من الكلام؛ إنه ليعجبني أن يسأل السائل فيعطى، معناه: إنه ليعجبني أن يعطى السائل أن سأل؛ لأنه إنما (٥) يعجبه الإعطاء لا السؤال (٦)، فلما قدموا السؤال على العطية أصحبوه أن المفتوحة ليكشف المعنى، فعنده (أن) في قوله: ﴿أَنْ تَضِلَّ﴾ للجزاء، إلا أنه قدم وفتح، وأصله التأخير. وأنكر البصريون هذا القول (٧).
قال أبو إسحاق: لست أعرف لم صار الجزاء إذا تقدم وهو في مكانه وغير مكانه وجب أن تفتح أن (٨).
(٢) في (ش) (فأدغمه).
(٣) ينظر: "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٥٣، وعنه نقل الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٦٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٤، "التبيان" ص ١٦٨.
(٤) في (م) (قدم).
(٥) في (ش) (إنه).
(٦) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٤، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٠٤.
(٧) ينظر في رد هذا القول: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٤٥، "التبيان" ص ١٦٨.
(٨) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٤.
وقال صاحب النظم في هذه الآية: التقدير: مخافة أن تضل وخوفًا لكم، أن تضل أن تنسى، لما فيهن من النقص عن ذكر الرجال وحفظهم، كما قال عمرو بن كلثوم:
فَعجَّلْنَا القِرَى أن تَشْتِمُونَا (٥)
قيل فيه: مخافة أن (٦) يشتمونا، وهذا لا بأس به لو لم يكن بعد قوله:
(٢) في (ي): (ما).
(٣) في (أ) و (ش): (كما).
(٤) من "الحجة" ٢/ ٤٣٣ بتصرف.
(٥) شطره الأول:
نزلتم منزل الأضياف منا
والبيت من معلقته، ينظر: "شرح القصائد العشر" للتبريزي ص ٣٦١، "جمهرة أشعار العرب" ١/ ٤١٢، "منتهى الطلب" ١/ ١١٦، "شرح شواهد المغني" ص ٤٤.
(٦) في (أ) و (م) (لا يشتمونا).
وقرأ حمزة (إن تَضَلَّ) بكسر الألف (فَتُذَكِّرُ) بالرفع (٢)، جعل (إن) للجزاء، و (تضل) في موضع جزم، وحركت بالفتح لالتقاء الساكنين، كقوله: ﴿مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ﴾ [المائدة: ٥٤]. والفاء في قوله: ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ جواب الجزاء، وقياس قول سيبويه في قوله: ﴿وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ﴾ [المائدة: ٩٥] أن يكون بعد الفاء في ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ مبتدأ محذوف (٣)، ولو أظهرته لكان: فيما (٤) تُذَكِّرُ إحداهما الأخرى، والذكر (٥) العائد إلى المبتدأ المحذوف: الضميرُ في قوله: ﴿إِحْدَاهُمَا﴾.
وموضع الشرط وجوابه رفع بكونهما وصفًا للمنكرين (٦)، وهما المرأتان في قوله: ﴿فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾، لأن الشرط والجزاء جملة يوصف
(٢) وقرأ الباقون (أن تضل إحداهما فتُذَكِّر) بفتح همزة (أن) ونصب الراء من (تذكر) غير أن ابن كثير وأبا عمرو خففا الكاف وشددها الباقون. ينظر "السبعة" ص ١٩٤، "الحجة" ٢/ ٤١٨ - ٤١٩.
(٣) في (ي): (محذوف الضمير في).
(٤) في (ش): (فيهما). وفي (أ): (كأنها: فهما)، والمثبت من "الحجة".
(٥) في (ي) (والذكرى).
(٦) في (ش) (وضعا للمنكورين)، وفي (ي) (للمنكورين).
وقوله تعالى ﴿فَتُذَكِّرَ﴾ قرئ بالتشديد والتخفيف (٣) (٤)، والذكر فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضعفت منه العين أو نقلته بالهمزة تعدى إلى مفعول آخر، مثل: فَرَّحْتُه وأَفْرَحْتُه، وغَرَّمْتُهُ وأَغْرَمْتُه، وكَرَّمْتُه وأَكْرَمْتُه. فمن قرأ بالتشديد كان ممن جعل التعدية بالتضعيف ومن حجته: قوله تعالى: ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الذاريات: ٥٥] وقوله: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ [الغاشية: ٢١]، والتشديد أكثر استعمالًا من التخفيف، أنشد أبو علي:
على أنَّنِي بَعْدَما قَدْ مَضَى | ثَلاثُون للهَجْرِ حَوْلًا كَمِيلا |
يُذَكّرُنيِكِ حَنِينُ العَجُولِ | ونَوْحُ الحَمَامَةِ تَدْعُو هَدِيلا (٥) |
(٢) من "الحجة" ٢/ ٤٢٦ - ٤٢٧ بتصرف وتقديم وتأخير.
(٣) في (ي) (بتشديد الكاف وتخفيف).
(٤) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الكاف، وقرأ الباقون بالتشديد. ينظر: "السبعة" ص ١٩٤، "الحجة" ٢/ ٤١٩.
(٥) البيتان للعباس بن مرداس الصحابي في "ديوانه" ص ١٣٦، "الحجة" ٢/ ٤٣١، "لسان العرب" ٧/ ٣٩٣٠ مادة: (كمل). والحنين: ترجيع الناقة صوتها إثر ولدها، والعَجُول من الإبل: الواله التي فقدت ولدها بذبح أو موت أو هبة، ونوح الحمامة. صوت تستقبل بها صاحبها، والهديل: قال ابن قتيبة في "أدب الكاتب" ص ٢١٠: العرب تجعله مرةً فَرْخُا تزعم الأعراب أنه كان على عهد نوح لله، فصاده جارح من جوارح الطير، قالوا: فليس من حمامة إلا وتبكي عليه. ومرة يجعلونها الطائر نفسه، ومرة يجعلونه الصوت. ينظر "الخزانة" ١/ ٥٧٣ وشرح أبيات المغني ٧/ ٢٠٣، وتحقيق "الحجة" ٢/ ٤٣١.
وعامة المفسرين على أن هذا التذكير والإذكار من النسيان، إلا ما يروى عن سفيان بن عيينة أنه قال في قوله: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ أي: تجعلها ذَكَرًا (٢)، يعني: أنها إذا شهدت مع أخرى صارت شهادتهما كشهادة ذكر، وقد روي هذا أيضًا عن أبي عمرو بن العلاء (٣)، أخبرناه أبو الحسن بن أبي عبد الله الفسوي، وأحمد بن محمد الفقيه، وأبو محمد الكراني (٤)، حدثنا عبد الله بن شبيب (٥)، حدثنا المنقري، حدثنا الأصمعى، قال: قال أبو عمرو بن العلا: من قرأ: ﴿فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ بالتشديد فهو من طريق التذكير بعد النسيان، تقول لها: هل تذكرين يوم شهدنا في موضع كذا وبحضرتنا فلان أو فلانة، حتى تذكر الشهادة، ومن قرأ: (فتذكر) بالتخفيف، قال: إذا شهدت المرأة ثم جاءت الأخرى فشهدت معها أذكرتها، لأنهما تقومان مقام رجل، ونحو هذا روى
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٥، وذكره النحاس في "معاني القرآن" ١/ ٣١٨، وابن زنجلة في "حجة القراءات" ص ١٥١، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٠٦، والبغوي ١/ ٣٥١، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٣٨.
(٣) ذكره في "زاد المسير" ١/ ٣٣٨، "المحرر الوجيز" ٢/ ٥١١ - ٥١٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣٤٩.
(٤) في (أ) و (م) (المكداني).
(٥) عبد الله بن شبيب أبو سعيد الربعي، إخباري علامة، لكنه واهٍ ذاهب الحديث، كان يقلب الأخبار ويسرقها. ينظر: "ميزان الاعتدال" ٣/ ١٥٢، "تاريخ بغداد" ٩/ ٤٧٤.
وأنكر المفسرون هذا التفسير، وضعّفوه، من حيث إن النساءَ لو بلغن ما بلغن ولم يكن معهن رجل لم تجز شهادتهن حتى يكون معهنَّ رَجُل، فإذا كان الأمر على هذا لم تُذْكِرْها، والحاجة في نفاذ الشهادة إلى الرجل قائمة، ومما يبعد هذا التفسير: أن الضلال في قوله: ﴿تُضِلَّ إِحْدَاهُمَا﴾ فسر بالنسيان، والذي (١) ينبغي أن يعادله ما هو مقابل للنسيان من التذكير، وأيضًا فإن المرأة إذا انضمت إلى المرأة لو صيرتها ذكرًا لكانت شهادة المرأتين بمنزلة شهادة رجل في جميع الأحكام (٢).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن هذا في تحمل الشهادة، وكل من (٣) دعي لتحمل شهادة وجب عليه ترك الإباء، في قول قتادة (٤) والربيع (٥).
قال الشعبي: هذا إذا لم يوجد غيره فيتعين عليه الإجابة، فإن وجد غيره ممن يتحمل فهو مخير (٦).
(٢) ينظر في الرد: "الحجة" ٢/ ٤٣٣، وعنه نقل المؤلف أكثر الكلام، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٠٦، "المحرر الوجيز" ١/ ٥١١ - ٥١٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣٤٩، وعده الزمخشري في "الكشاف" من بدع التفاسير، وقال ابن عطية: وهذا تأويل بعيد غير فصيح، ولا يحسن في مقابلة الضلال إلا الذكر، وذكر أبو حيان في "البحر" أن هذا التأويل ينبو عنه اللفظ من جهة اللغة ومن جهة المعنى، ثم فصل ذلك.
(٣) في (ش) و (كلما).
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٦٣.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٧، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٦٣.
(٦) نفسه.
وهو قول مجاهد (٢) وعكرمة (٣) والسدي (٤) وسعيد بن جبير (٥).
القول الثالث: أن هذا في الأمرين جميعًا التحمل والأداء، إذا كان فارغًا، ولم يكن له عذر، وهذا قول الحسن (٦) واختيار أبي إسحاق. قال: والدليل على أن الشاهد ينبغي له إذا ما دعي ابتداءً أن يجيب قولهُ تعالى ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا﴾ أي: لا تملوا أن تكتبوا ما شهدتم عليه، فقد أمروا بهذا، فهذا يؤكد أن أمر الشهادة فى الابتداء واجب، وأنه لا ينبغي أن تملوا (٧).
والسآمة: المَلاَلَةُ والضَّجَر، يقال: سَئِمْتُ الشيءَ أَسْأَمُهُ سَأَمًا وسَآمةً (٨).
(٢) في "تفسيره" ١/ ١١٨، ورواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١٠، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٨.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٦٣، "الوسيط" ١/ ٤٠٥.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٨.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٢٨، "ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٦٣.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١٠، وسعيد بن منصور في "مسنده" ٣/ ٩٩٦، وابن أبي شيبة في "المصنف" ٧/ ٧١، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ١/ ٥٦٣.
(٧) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٥.
(٨) ينظر في سئم: "المفردات" ص ٢٢٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٠٩، "اللسان" =
والهاء في ﴿تَكْتُبُوهُ﴾ تعود على الحق، وكذلك الهاء في الأجل (٣).
هذا ما قيل في تفسير هذه الآية، وأظهر من هذا أن يُجْعَلَ قوله: ﴿وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ﴾ خطابًا لأولياء الحق، يقول: لا تَمَلُّوا أن تكتبوا حقُوقَكُم التي دفعتموها إلى الناس دقّت أو جلَّت، وتذكروا في الكتاب أَجَلَها ومَحَلَّها، ويؤكد هذا الوجه: أن الآية من ابتدائها خطاب لأرباب الأموال والديون.
والقيراط والحبة لا تدخل في الندب إلى الكتاب؛ لأن هذا مضمن بالعادة وليس في العادة أن يكتبُوا التَّافِه.
وقوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي: الكتاب ﴿أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ أي: أعدل (٤)، وذكرنا الكلام في قسط وأقسط عند قوله: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا﴾ [النساء: ٣] (٥) وإنما كانت الكتابة أعدل؛ لأن الله أمر به، واتباع
(١) في (ش) (لا يمنعنكم).
(٢) ينظر: "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٤٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨١٠.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٨١٠.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨١١.
(٥) ينظر: "تهذيب اللغة" ٣/ ٢٩٥٩، "التبيان" ص ٢٣١، قال الراغب في "المفردات" ص ٤٠٤: والقسط هو أن يأخذ قسط غيره وذلك جور، والإقساط أن يعطي قسط غيره، وذلك إنصاف، ولذلك قيل: قسط الرجل إذا جار، وأقسط إذا عدل.
﴿وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ﴾ لأن الكتاب يذكر الشهود، فتكون شهادتهم (٢) أقوم من أن لو شهدوا على ظن ومخيلة.
ومعنى ﴿وَأَقْوَمُ﴾ أبلغ في الاستقامة التي هي ضد الاعوجاج، وذلك أن المنتصب القائم يكون ضد المنحني المعوج، ﴿وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا﴾ أي: أقرب إلى أن لا تشكوا في مبلغ الحق والأجل (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ﴾ أي: إلا أن تقع (٤) تجارة حاضرة في هذه الأشياء التي اقْتُصَّت وأمر فيها بالتوثقة بالإشهاد والارتهان، فلا جناح في ترك ذلك فيه؛ لأن ما يخاف في النَّسَاء والتأجيل يؤمن في البيع يدًا بيدٍ (٥).
والكونُ هنا بمعنى: الوقوع والحدوث، كما بينا في قوله: ﴿وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ﴾ [البقرة: ٢٨٠].
وقال الفراء (٦): وان شئت جعلت ﴿تُدِيرُونَهَا﴾ في موضع نصب، فيكون لـ (كان) مرفوع ومنصوب (٧).
وعلى الوجه الأول تكون (٨) في موضع رفع كأنه قيل: إلا أن تقع
(٢) في (أ) و (م): (الشهادة).
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨١١.
(٤) من قوله: (تديرونها)، ساقط من (ش).
(٥) ينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨١١ - ١٨١٢.
(٦) قوله: (وقال الفراء)، سقطت من (ش).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٥.
(٨) من قوله: (في موضع نصب)، ساقط من (أ) و (م).
وقرأ عاصم ﴿تِجَارَةً حَاضِرَةً﴾ بالنصب (٢)، قال أبو إسحاق: المعنى: إلا أن تكون المداينةُ تجارةً حاضرةً (٣).
قال أبو علي: لا يجوز أن يكون التداين اسم كان؛ لأن التداين معنى، والتجارة الحاضرة يراد بها العين، وحكم الاسم أن يكون الخبر في المعنى، والتداين حق في ذمة المستدين، للمدين المطالبة به، وإذا كان كذلك لم يجز أن يكون اسم كان؛ لاختلاف التداين والتجارة الحاضرة، ولا يجوز أيضًا (٤) أن يكون اسمها (الحق) الذي في قوله: ﴿فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ﴾ للمعنى الذي ذكرنا في التداين؛ لأن ذلك الحق دين فإذا لم يجز هذا، لم يخل (٥) اسم كان من أحد شيئين:
أحدهما: أن هذه الأشياء التي اقْتُصَّتْ من الإشهاد والإرتهان قد عُلِمَ من فحواها التبايع، فأضمر لدلالة الحال عليه، كما أضمر لدلالة الحال في ما حكى سيبويه من قولهم: إذا كان غدًا فأتني، وينشد على هذا:
أَعَيْنَيّ هَلّا تَبْكِيَانِ عِفَاقا | إذا كان طَعنًا بينهم وعِناقا (٦) |
(٢) قرأ عاصم وحده (تجارة) نصبًا، وقرأ الباقون بالرفع. ينظر: "السبعة" ص ١٩٤، "الحجة" ٢/ ٤٣٦.
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٦.
(٤) سقطت من (ش).
(٥) في (م) (يجز).
(٦) ذكره الفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٨٦ ولم ينسبه، وعفاق: اسم رجل، وقد يكون هذا عفاق بن مري الذي يقول فيه صاحب القاموس: أخذه الأحدب بن عمرو الباهلي في قحط وشواه وأكله، وقوله: إذا كان أي: إذا كان القتال والجلاد.
والثاني: أن يكون أضمر التجارة، كأنه قيل: إلا أن تكون التجارة تجارة حاضرة، ومثله: ما أنشده الفراء:
فِدًى لِبَني ذُهَلِ بنِ شَيْبَانَ نَاقتي | إذا كان يومًا ذا كَوَاكِبَ أشْهَبَا (١) |
فأما التِّجَارَةُ فهي: تقليبُ الأموال وتصريفُها لطلبِ النَّمَاء (٣)، يقال: تَجَرَ الرجل يَتْجَر تِجَارَةً فهو تاجر (٤)، قال الشاعر:
قد تَجَرَتْ في سُوقِنَا عَقْربٌ | لا مرحبًا بالعَقْرَبِ التَّاجِرَة (٥) |
(٢) من "الحجة" ٢/ ٤٤٠ بتصرف، والبيت الأول: أعيني هلا تبكيان، لم يذكره في "الحجة".
(٣) من "الحجة" ٢/ ٤٤١.
(٤) ينظر في تجر: "تهذيب اللغة" ١/ ٤٢٩، "المفردات" ص ٨٥، "اللسان" ١/ ٤٢٠، وضبط فيهما المضارع يتجر، بضم الجيم، قال في "المفردات": وليس في كلامهم تاء بعدها جيم غير هذا اللفظ، فأما تجاه فأصله وجاه، تجوب: التاء للمضارعة.
(٥) البيت للفضل بن عباس في "لسان العرب" ٥/ ٣٠٣٩ (مادة: عقرب).
(٦) في (م) (يقع).
وقوله: ﴿وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ﴾ قد ذكرنا ما في هذا في أول الآية (٣).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ﴾ نهى الله عز وجل الكاتبَ والشاهدَ عن المضارَّة، وهو أن يزيد الكاتب أو ينقص أو يحرف، وأن يشهد الشاهد بما لم يستشهد عليه، أو يمتنع من إقامة الشهادة، وهذا قول طاوس (٤) والحسن (٥) وقتادة (٦) وابن زيد (٧)، وعلى هذا القول أصله: يُضَارِرَ، والكاتب والشاهد فاعلان، ثم أدغمت الراء في الراء لحقّ التضعيف، وهما ساكنان، الأولى سكنت للإدغام، والثانية للنهي، ثم حركت بالفتح (٨).
(٢) من كلام أبي علي في "الحجة" ٢/ ٤٤٢، وذكر وجهًا ثالثًا وهو: أن يوصف بالمصدر فيراد به العين، كما يقال: عدل ورضا، يراد به: عادل ومرضي.
(٣) من قوله: (وقوله: وأشهدوا)، ساقط من (أ) و (م).
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١١، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٤ - ١٣٥.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٦٧.
(٦) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١٠، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٦٧.
(٧) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٥، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨١٥.
(٨) ينظر "تفسير الطبري" ٣/ ١٣٥، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٦، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨١٤.
يُضِرُّ به، وعلى هذا القول، أصله: يُضَارَرَ على الفعل المجهول فاعله.
والقول الأول اختيار الزجاج، قال: لقوله: ﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ والفاسق أشبه بغير العدل، وبمن حَرَّف الكتابة منه بالذي دعا شاهدًا ليشهد وكاتبًا ليكتب وهو مشغول، وليس يسمى هذا فاسقًا، ولكن يسمَّى من كذب في الشهادة ومن حَرَّفَ في الكتاب فاسقًا (٤). ومَنْ نَصَرَ القولَ الثاني قال في الفسوق ما قاله ابن عباس، قال: يريد: إثمٌ عليكم وعصيان (٥).
وإذا أَضَرَّ بالكاتِبِ والشاهِدِ فقد أثم وعصى بترك أمر الله، ومعنى الفسوق: هو الخروج، وهذا خارج (٦) عن أمر الله إذا ارتكب من الضرار ما نهي عنه، ويؤكد هذا الثاني: قراءة عمر (٧) وأبي (٨) وابن مسعود (٩)
(٢) المرجع السابق.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٦٧.
(٤) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٦.
(٥) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٦٨.
(٦) في (ي) (خروج).
(٧) عزاها إليه ابن خالويه في "مختصر شواذ القرآن" ص ٢١، والفراء في "معاني القرآن" ١/ ١٥٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨١٦.
(٨) وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨١٦.
(٩) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨١٦، والنحاس في "معاني القرآن" ١/ ٣٢٤، وابن خالويه في "مختصر شواذ القرآن" ص ٢٤، والقرطبي ٣/ ٤٠٦.
٢٨٣ - قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ﴾ قال أهل اللغة: سمي السَّفَرُ سَفَرًا لأنه يُسْفِرُ عن أخلاق الرجال (٣)، أي: يكشف، ونَضْدت هذه الحروف للظهور والكَشْف، فالسِّفْرُ: الكتاب، لأنه يبين الشيء ويوضِّحُه، ومنه يقال: أَسْفَر الصُّبْحُ، وسَفَرَتِ المرأةُ عن وجهها، وسَفَرْتُ بين القوم أَسْفِر سِفَارة، إذا كشفت ما في قلوبهم وأصلحت بينهم، وسَفَرْتُ أَسْفُر، أي: كَنَسْتُ، والمِسْفَر: المِكْنَسُ، والسفير من الورق، ما سَفَرَتْه الريح.
ابن الأعرابي: السَّفَر: إِسْفَار الفَجْر (٤)، قال الأخطل:
إنّي أبِيتُ وَهَمُّ المَرْءِ يَبْعَثُه | من أول الليلِ حتى يُفْرِجَ السَّفَرُ (٥) |
(٢) ينظر في معنى الآية واختلاف المعنى باختلاف التصريف: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٦، "إعراب القرآن" للنحاس ١/ ٣٤٧، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨١٤، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٥، "البحر المحيط" ٢/ ٣٥٣، وقد ذكر النحاس أن عمر يقرأ بكسر الراء الأولى، وابن مسعود يقرأ بفتح الراء الأولى، وقال السمين في "الدر المصون" ٢/ ٦٧٦: وذكر الداني أيضًا عنهم أنهم قرؤوا الراء الأولى بالفتح، قلت: ولا غروَ في هذا؛ إذ الآية محتملة للوجهين، فسروا وقرؤوا بهذا المعنى تارة وبالآخر أخرى، وقد ذكر النحاس أن القراءتين على التفسير ولا يجوز أن تخالف التلاوة التي في المصحف.
(٣) قوله: (عن أخلاق الرجال) من (ش).
(٤) نقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٠٢.
(٥) البيت في "ديوانه" ص ٧٧، وروايته: بعهده. وهو في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٠٢، وروايته: وهم المرء يصحبه، وفي نسخة: يبعثه، وهي كذلك في "اللسان" ٤/ ٢٠٢٥.
وقال الأزهري: وسمي المسافر مسافرًا لكشفه قناع الكِنِّ عن وجهه، وبروزه للأرض الفضاء، وسُمِّي السَّفَرُ سَفَرًا لأنه يُسْفِر عن وجوه المسافرين وأخلاقهم، فيظهر ما كان خافيًا منها، ويقال لبقية بياض النهار بعد مغيب الشمس: سفر؛ لوضوحه، ومنه قولُ الساجع: إذا طلعتِ الشِّعْرى سَفَرًا ولم تر فيها مطرًا (١).
والسافرة والسَّفْر: جمع سافر (٢)، ورجل مِسْفَر: قَوِيُّ على السَّفَر (٣).
وقوله تعالى: ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ الرَّهْنُ: مَصْدرُ رَهَنْتُ عند الرجل رهَنًا فأنا أَرْهَنْهُ: إذا وضعته عنده.
قال الشاعر:
يُرَاهِنُنُي فَيَرْهَنُنِي بنيه | وأَرْهَنُهُ بَنِيَّ بِمَا أَقُولُ (٤) |
(٢) في (م): (مسافر). وفي "اللسان" ٤/ ٢٠٢٥: والمسافر كالسافر.
(٣) تقدم كلام المؤلف عن السفر في اللغة عند قوله: ﴿أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ﴾، وينظر في سفر: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٧٠٢ - ١٧٠٢، "اللسان" ٤/ ٢٠٢٤ - ٢٠٢٧.
(٤) البيت لأحيحة بن الجلاح، شاعر جاهلي، وذكر الأبيات الزجاج في "معاني القرآن" ١/ ٣٦٨ دون نسبة، "الخزانة" ٢/ ٢٣ "مجمع الأمثال" للميداني، "اللسان" ٣/ ١٧٥٧ مادة: (رهن)، وينظر التعليق على"معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٧.
(٥) ورهن أكثر استعمالًا من أرهن. ينظر "الحجة" ٢/ ٤٤٦.
فلَمَّا خَشِيتُ أظَافِيرَه | نَجَوتُ وأَرْهَنْتُهُمْ مَالِكًا (١) |
ويسمى المرهون رهنًا، وقد (٤) ذكرنا أن المصادر قد تنقل إلى الأسماء فيسمى بها، ويزول عنها عمل الفعل، فإذا قال: رهنت عند زيد رهنًا، لم يكن (٥) انتصابه انتصاب المصدر، ولكن انتصاب المفعول به (٦)، كما تقول: رَهَنْتُ زيدًا ثوبًا، ولما نقل فسمي به جَمْعٌ كما تُجْمَعُ الأسماء، ولم يسمع فيه أقل الجمع وهو أَفْعُل، نحو: أَكْلُبٍ وأَفْلُسٍ، كأنه استغنى بالكثير عن القليل، كما قيل: ثلاثة شُسُوع، ولم يقولوا: أَشْسُع، وعلى القلب من هذا استغنوا بالقليل عن الكثير في جمع الرَّسَن، فقالوا: أَرْسَان، فرهن جمع على بناءين من أبنيه الجموع وهو فُعُل وفِعَال (٧)، وكلاهما من أبنية الكثير، فمما جاء على فُعُل: قول الأعشى:
(٢) في (ش): (فأنكره).
(٣) نقله في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٩١ مادة: (رهن).
(٤) سقطت من (ي).
(٥) في (أ) و (م): (رهنت زيدًا رهنًا ليس انتصابه).
(٦) قال أبو علي في "الحجة" ٢/ ٤٤٦: لم يعملوا من المصادر ما كثر استعمالهم له، كما ذهب إليه في قولهم: لله درك، وتمثيله إياه بقولهم: لله بِلادك.
(٧) في (ش): (فعلل).
آليتُ لا أُعْطِيِهِ من أبنائنا | رُهُنًا فَيُفْسِدُهُم كَمَنْ قَد أَفْسَدَا (١) |
بانَتْ سُعَادُ وأمْسَى دُونَها عَدَنُ | وغَلِقتْ عندَها من قلْبِكَ الرُّهنُ (٦) |
(٢) في بعض نسخ الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨١٩: حلْق وحُلُق، بالحاء، ولعله الصواب؛ لأنه استشهد عليه ببيت أنشده الفراء في "معاني القرآن" ٣/ ٣٢.
حتى إذا بلَّت حلاقيم الحلُق | أهوى لأدنى فِقرة على شقق |
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٧.
(٥) هو: قعنب بن ضمرة من بني عبد الله بن غطفان من شعراء العصر الأموي، يقال له: ابن أم صاحب، هجا الوليد بن عبد الله، توفي نحو ٩٥ هـ. ينظر: "سمط اللآلئ" ص ٣٦٢، "الأعلام" ٥/ ٢٠٢.
(٦) البيت في "لسان العرب" ٦/ ٣٧١٤ (مادة. رهن).
(٧) قلب النخلة: لبها وشحمها. ينظر: "اللسان" ٦/ ٣٧١٤ (قلب).
(٨) يقال رجل ثط: ثقيل البطن بطيء، وقيل: هو قليل شعر اللحية. ينظر "لسان العرب" ١/ ٤٨١ (ثطط).
(٩) الورد: هو النبات الذي يشم وله رائحة معروفة، وسمي الفرس به لمشابهة اللون، وهو بين الكميت والأشقر. ينظر: "لسان العرب" ٨/ ٤٨١٠ (ورد).
وقال الفراء: الرُّهُن: جمع رِهَان، جَمْع الجمع، كأنه جمع رهن رِهانًا، ثم جمع الرِّهَان رُهُنًا، كما قالوا: ثُمُر في جمع الثمار (٢)، وفِعَال قد تكسر في الجمع، كجِمَال جمع على جَمَائل (٣).
قال أبو عمرو: وإنما قرأت: (فَرُهُنٌ) للفَصْل بين الرِّهَان في الخيل وبين جمع رَهْن في غيرها، والرُّهُن في جمع الرَّهْن أكثر، والرِّهَانُ في الخَيْلِ أكثر (٤) (٥)، واختار الزجاج هذه القراءة، قال: لأنها موافقة للمصحف، وما وافق المصحف وصح معناه وَقَرَأَتْ به القُرَّاءُ، فهو المختار (٦). وأما قراءةُ العَامّة ﴿فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ﴾ (٧) فإنها القياس في جمع رَهْن، مثل: نَعْل ونِعَال، وكَبْش وكِباش، وكَعْب وكِعاب. وذهب ناس إلى أن الرِّهان يجوز أن تكون جمع الرُّهُن؛ لأنهم قد جمعوا (٨) فُعُلًا على فِعَال، وسيبويه لا يرى جمع الجمع مطَّرِدًا (٩)، فينبغي أن لا يقدم عليه حتى
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٨ بمعناه، ونقله عنه في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٩٢ (مادة: رهن).
(٣) ينظر "الحجة" ٢/ ٤٤٩.
(٤) قوله: (والرهان في الخيل أكثر)، ساقط من (ي).
(٥) نقله عنه في "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٦.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٧.
(٧) قرأ أبو عمرو وابن كثير (فرُهُن) بضم الراء والهاء من غير ألف، وقرأ الباقون بكسر الراء وفتح الهاء وألف بعدها. ينظر: "السبعة" ص ١٩٤ - ١٩٥، "الحجة" ٢/ ٤٤٢ - ٤٤٣.
(٨) سقطت من (ي).
(٩) "الكتاب" لسيبويه ٣/ ٦١٩، قال: اعلم أنه ليس كل جمع يجمع، كما أنه ليس كل مصدر يجمع، كالأشغال والعقول والحلوم والألباب.
فأما اشتقاق الرهن في اللغة، فأصله: من قولهم: رَهَنَ الشيءُ: إذا دامَ وثَبَتَ، يقال: نِعْمةٌ راهِنَة، أي: دائمة ثابتة، أنشد ابن السكيت:
لا يَسْتَفِيقُونَ منها وَهْي رَاهِنَةٌ | إلّا بهَاتِ وإنْ عَلُّوا وإنْ نَهِلُوا (٢) |
واللَّحْمُ والخُبْزُ لَهُم رَاهِنٌ (٣)
ويقال: أَرْهَنْتُ لهم الطعامَ والشرابَ إرهانًا فَرَهَن، وهو طعام راهِنٌ، أي: دائم (٤)، فَسُمِّيَ الرَّهْنُ رَهْنًا لثباته (٥) ودوامه عند المرتهن، ومن ثَمَّ يبطلُ الرهنُ إذا خرج من يدِ المُرْتَهِن بحقٍّ؛ لزوالِ (٦) إدامة الإمساك (٧).
وأما معنى الآية: فإن الله تعالى أمر عند عدم الكاتب بأخذ الرهون (٨)، لتكون وثيقة بالأموال (٩). واتفق الفقهاء اليوم على أن الرهن في
(٢) البيت للأعشى يصف قومًا يشربون خمرًا لا تنقطع، كما في "اللسان" ٣/ ١٧٥٨ (مادة: رهن).
(٣) عجز البيت:
وقهوة راووقها ساكب
ذكره أبو علي في "الحجة" ٢/ ٤٤٦، وفي "اللسان" ١٣/ ١٩٠، دون نسبة، وفي "شرح ديوان العجاج" ١/ ٩٣.
(٤) ينظر في رهن: "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٩١ - ١٤٩٢، "المفردات" ص ٢١٠، "اللسان" ٣/ ١٧٥٧ - ١٧٥٨.
(٥) في (ي): (لشدته لثباته).
(٦) في (م): (الزوال)، وفي (ش)، و (ي): (المرتهن لزاول).
(٧) من "الحجة" ٢/ ٤٤٦.
(٨) في (م): (الرهن).
(٩) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٢٢.
ثم عقد الرهن ينعقد بالإيجاب والقبول، ولا ينبرم إلا بالقبض (٥). فإن ندم الراهن كان له فسخ الحقد قبل الإقباض، ثم يكون للبائع فسخ البيع المعقود بشرط هذا الرهن الذي صار مفسوخًا، وأما المرتهن فهو بالخيار أبدًا في فسخ الرهن ورده (٦).
وعقد الرهن جائز من جهة المرتهن، لازم (٧) من جهة الراهن.
ومنافع الرهن للراهن، لا حق للمرتهن فيها، فإن اشترطها المرتهن
(٢) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٣٩، وابن أبي حاتم ٢/ ٦٩، وينظر "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٢٢، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٢.
(٣) سقطت من (ي) و (ش).
(٤) ينظر: "المغني" ٦/ ٤٤٤، "تفسير القرطبي" ٣/ ٤٠٧.
(٥) ينظر: الإجماع لابن المنذر ص ١٢٣، ونقل الإجماع على ذلك: الثعلبي في "تفسيره" أيضا ٢/ ١٨٢٢، وذكر الخلاف ابن قدامة في "المغني" ٦/ ٤٤٥، والقرطبي في "تفسيره" ٣/ ٤١٠.
(٦) ينظر في المسألة: "المغني" ٦/ ٤٤٨ - ٤٤٩.
(٧) في (ي): (لا من).
وارتفع قوله: (فرهان) (٢) على معنى فالوثيقة رهن، أو فعليه رهن، ويجوز أن يكون (فرهان) مبتدأ (٣) وخبره محذوف، على تقدير: فرهان (٤) مقبوضة بدل من الشاهدين، أو تقوم مقامهما، أو ما أشبه هذا، ولكنه حذف للعلم (٥).
وقوله تعالى ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا﴾ قال اللحياني: أَمِنَ فلانٌ غيره على الشيء يَأمَنُ أَمْنًا وأمَنَةً وأَمْنَة (٦) وأمَانًا فهو آمِن (٧)، والرجل مأمون، قال الله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ﴾ (٨) [الأنفال: ١١] ويقال:
(٢) في (ي) و (ش): (فرهن).
(٣) في (أ) و (م): (أن يكون ابتداء).
(٤) في (ي) و (ش): (فرهن).
(٥) ينظر في إعراب الآية: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٦، "التبيان" ص ١٧٠، "البحر المحيط" ٢/ ٣٥٥ - ٣٥٦.
(٦) سقطت من (ش).
(٧) نقله في "تهذيب اللغة" ١٥/ ٥١٠.
(٨) في (ش) (يغشاكم).
وقوله تعالى ﴿فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ اؤتمن: افتعل، من الأمانة، يقال: أَمِنْتُه وايتَمَنْتُهُ، فهو مَأمونٌ ومُؤْتَمَن (٢).
وقوله تعالى ﴿فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ قال ابن عباس: يريد قد أَثِمَ قَلْبُه وفَجَر (٣).
وهو ابتداء وخبر (٤) (٥).
قال المفسرون: ذكر الله تعالى على كتمان الشهادة نوعًا من الوعيد لم يذكره في سائر الكبائر، وهو إثم القلب، ويقال: إِثْمُ القلبِ سببُ مَسْخِه، والله تعالى إذا مسخ قلبًا جعله منافقًا، وطبع عليه -نعوذ بالله من ذلك- وروىَ أبو موسى عن النبي - ﷺ - أنه قال: "من كتم شهادة إذا دعي كان كمن
(٢) ينظر في أمن: "تهذيب اللغة" ١/ ٢٠٩ - ٢١٢، "المفردات" ص ٣٥، "اللسان" ١/ ١٤٠ - ١٤٤.
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤١ - ١٤٢ بمعناه، وفي "الوسيط" ١/ ٤٠٧.
(٤) في (ي): (خبر).
(٥) ينظر في إعرابها: "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٦، "التبيان" ص ١٧١، "البحر المحيط" ٢/ ٣٥٧، وقد ذكروا عدة إعرابات: الأول: أن (آثم) خبر إن، و (قلبه) مرفوع به؛ لأن (آثم) اسم فاعل، والثاني: كذلك، إلا أن (قلبه) بدل من (آثم) لا على نية طرح الأول. والثالث: أن (قلبه) بدل من الضمير في (آثم). والرابع: أن (قلبه) مبتدأ، و (آثم) خبر مقدم، والجملة خبر (إن) وقد ناقش أكثر هذه الأقوال أبو حيان في البحر.
٢٨٤ - قوله تعالى ﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ وهو مالكُ أعيانه، يملك تصريفه وتدبيره ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ الآية.
اختلف الروايات عن ابن عباس في معنى هذه الآية، فقال في رواية مقسم ومجاهد (٢): نزلت في كتمان الشهادة وإقامتها، يعنى: وإن تبدوا ما في أنفسكم أيها الشهود من كتمان الشهادة، وتخفوا الكتمان يحاسبكم به
(٢) أما رواية مجاهد فأخرجها سعيد بن منصور في "تفسيره" ٣/ ١٠٠٤، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٢، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٢. وأما رواية مقسم فأخرجها أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٧٤، والطبري في "تفسيره" ٢/ ١٤٣، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار" ٤/ ٣١٥، وابن الجوزي في "نواسخ القرآن" ص٢٨٠.
وقد بين الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" ٤/ ٣١٦ أن هذا التأويل غير صحيح؛ لأن كتمان الشهادة مما لا يغفر؛ لأنه حق من المشهود، وفي الآية ما قد منع من ذلكُ، وكذلك اعترض الشوكاني عليه في "فتح القدير" ١/ ٤٦٣ قائلا: فإنها لو كانت كذلك لم يشتد الأمر على الصحابة.
وقال في رواية سعيد بن جبير (٣) وعطاء (٤): هذه الآية منسوخة، وذلك أنه لما نزلت جاء أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف (٥) ومعاذ بن جبل وناس إلى النبي - ﷺ -، وقالوا: يا رسول الله، هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق، إن أحدنا ليحدِّث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه، وأن له الدنيا، فقال النبي - ﷺ -: "فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل: سمعنا وعصينا، فقولوا: سمعنا وأطعنا"، فقالوا: سمعنا وأطعنا، واشتدَّ ذلك عليهم، فمكثوا بذلك حولًا، فأنزل الله عز وجل الفَرَجَ والرحمة، بقوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ فنسخت هذه الآية ما قبلها (٦).
(٢) رواه أبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٧٤، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٣، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٢.
(٣) رواه الطبراني في "الكبير" ١١/ ٣٦٢، والبيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ٢٩٦، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٥، وذكرها ابن أبي حاتم ٢/ ٥٧٤.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٢٩.
(٥) هو: عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن زهرة القرشي الزهري، من كبار الصحابة، وأحد العشرة المبشرين بالجنة، كان من الأجواد الشجعان العقلاء، شَهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها، كان من أثرياء الصحابة أنفق كثيرًا في سبيل الله، توفي سنة ٣٢ هـ. ينظر "أسد الغابة" ٣/ ٤٨٠، "الأعلام" ٣/ ٣٢١.
(٦) تابع المصنف. رحمه الله. شيخه الثعلبي في "تفسيره" في ذكر هذه القصة بهذا السياق ["تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٢٧] وهي ملفقة من عدة أحاديث وآثار منها الصحيح البالغ في الصحة، ومنها ما هو دون ذلك، ومنها الضعيف، ولذا أورد الحافظ في "العجاب" ١/ ٦٥٤ هذه الرواية عن الثعلبي في "تفسيره" بتمامها وعقب قائلًا: وهذا من عيوب كتابه، ومن تبعه عليه، يجمعون الأقوال عن الثقات وغيرهم، ويسوقون القصة مساقًا واحدًا على لفظ من يُرْمَى بالكذب أو الضعف الشديد، ويكون =
(١) في (ش) و (ي): (يعملوا).
(٢) أخرجه البخاري (٥٢٦٩) كتاب: الطلاق، باب: الطلاق في الإغلاق والكره، ومسلم (١٢٧) كتاب: الإيمان، باب: تجاوز الله عن حديث النفس. وليس في روايتهما ما يدل على أن القصة المذكورة هى سبب ورود الحديث.
(٣) رواه سعيد بن منصور ٣/ ١٠١٨، وأبو عبيد في "الناسخ والمنسوخ" ص ٢٧٥، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٦، والطبراني في "الكبير" ٩/ ٢١١.
(٤) ذكره النحاس في "معاني القرآن" ١/ ٣٢٥، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٢٩.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٤.
(٦) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٣٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٥، وابن الجوزي في "زاد المسير" ١/ ٣٤٢.
(٧) ذكره أبو الليث في "بحر العلوم" ١/ ٢٣٩، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٣٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٥.
(٨) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١١، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٤.
وقال في رواية علي بن أبي طلحة (٦) وعطية (٧): إن الله تعالى يقول يوم القيامة: هذا يوم تبلى السرائر، وتخرج الضمائر، وإن كُتَّابي لم يكتبوا من أعمالكم إلا ما ظهر منها، وأنا المطلع على سرائركم مما لم (٨) تعملوه ولم تكتبوه، فأنا أخبركم بذلك وأحاسبكم عليه، لتعلموا أنه لا يعزب عن علمي
(٢) في (ي): (والعمل).
(٣) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٣٢ - ١٨٣٣، وبين أن مما يدل على هذا القول: قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا﴾ [الإسراء: ٣٦].
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٨، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٤.
(٥) انظر المرجعين السابقين.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٢.
(٧) رواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٧، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٣.
(٨) في (ش): (لا).
فمعنى الآية: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ فتعملوا به ﴿تُخْفُوهُ﴾ مما أضمرتم ونويتم ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ﴾ ويخبركم به، ويعرفكم إياه، فيغفر للمؤمنين، ويعذب الكافرين. يدل على هذا قوله: ﴿يُحَاسِبْكُمْ بِهِ﴾ ولم يقل: يؤاخذكم، والمحاسبة غير المعاقبة، فالحِسَابُ ثابتٌ والعِقَابُ ساقط (١).
وروى الضحاك عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت: ما حدَّث العبد به نفسه (٢) من شرٍّ كانت محاسبةُ الله له عليه بِغَمٍّ يبتليه به في الدنيا أو حُزْنٍ
(٢) في (ي): (من نفسه).
والمحققون يختارون أن تكون الآية محكمة غير منسوخة، لأن النسخ إنما يكون في الأمر والنهي، والأخذ بقول عائشة، وبقولِ من لم يحكم على الآية بنسخ أولى (٣).
(٢) حديث عائشة رواه الترمذي (٢٩٩١) كتاب: التفسير، باب: سورة البقرة، وأحمد ٦/ ٢١٨، والطيالسي ٢٢١ برقم ١٥٨٤، وإسحاق بن راهويه في "مسنده" ٣/ ٧٨٣ برقم (١٤١٣)، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٩، و"ابن أبي حاتم" في تفسيره ٢/ ٥٧٤ من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أمية عن عائشة به.
قال الترمذي: حسن غريب من حديث عائشة، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة.
وقال ابن كثير في "تفسيره" ١/ ٣٦٥: وشيخه علي بن زيد بن جدعان ضعيف يغرب في رواياته، وهو يروي هذا الحديث عن امرأة أبيه أم محمد أمية بنت عبد الله عن عائشة، وليس لها في الكتب سواه.
ورواه أبو داود (٣٠٩٣) كتاب: الجنائز، باب: عيادة النساء، والطبري في "تفسيره" ٥/ ٢٩٥، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ١٠٧٢ وغيرهم، من طريق صالح بن رستم أبي عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عنها مرفوعا بمعناه، ولفظ الحديث عن أمية أنها سألت عائشة عن هذه الآية: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾، ﴿مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾ [النساء: ١٢٣] فقالت: ما سألني عنها أحد مذ سألت رسول الله - ﷺ - فقال: "يا عائشة هذه متابعة الله العبد بما يصيبه من الحمى والنكبة والشوكة، حتى البضاعة يضعها في كمه فيفقدها فيفرع لها يجدها في خبنه، حتى إن المؤمن ليخرج من ذنوبه كما يخرج التبر الأحمر من الكير".
(٣) قال البيهقي في "شعب الإيمان" ١/ ٢٩٧: وهذا النسخ بمعنى التخصيص والتبيين، فإن الآية الأولى وردت مورد العموم، فوردت الآية التي بعدها، فبينت أن ما يخفى مما لا يؤاخذ به، وهو حديث النفس الذي لا يستطيع العبد دفعه عن قلبه، =
ومن رفع قَطَعَه من (٣) الأول، وقَطَعَه منه على أحد وجهين:
إما أن يجعل الفعل خبرًا لمبتدأ محذوف، كأنه قيل: فهو يغفر، فيرتفع (٤) الفعل لوقوعه موقع خبر المبتدأ.
وقال الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٤٩: وأولى الأقوال: أنها محكمة وليست بمنسوخة، وذلك أن النسخ لا يكون في حكم إلا ينفيه بآخر هو ناف له من كل وجوهه، وليس في قوله: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ نفي الحكم الذي أعلم عباده بقوله: ﴿أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾؛ لأن المحاسبة ليست بموجبة عقوبة ولا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه. اهـ كلامه، باختصار.
(١) قرأ ابن عامر وعاصم بالرفع في: (فيغفرُ) و (يعذب)، وقرأ الباقون بالجزم. ينظر: "السبعة" ص ١٩٥، "الحجة" ٢/ ٤٦٣.
(٢) في (ي): (المشاركة).
(٣) في (ي): (عن).
(٤) في (ي): (ارتفع).
٢٨٥ - قوله تعالى ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ الآية. قد ذكرنا في بعض الروايات عن ابن عباس: أنه لما نزل قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ شق ذلك على أصحاب رسول الله - ﷺ - وقالوا: سمعنا وأطعنا. فقيل على هذا القول: إن الله تعالى لما قالوا ذلك أنزل الله هذه الآية وأثنى عليهم (٢).
وقال أبو إسحاق: لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرضَ الصلاة والزكاة والطلاق والإيلاء والحيض والجهاد وأقاصيص الأنبياء وما ذكر من الأحكام ختم السورة بذكر تصديق (٣) نبيه - ﷺ - والمؤمنين بجميع ذلك (٤).
وقوله تعالى: ﴿وَكُتُبِهِ﴾ فيه قراءتان: التوحيد والجمع (٥)، والكُتُب: جمع كتاب، وهو مصدر كتَب، فنقل وسُمي به، فصار يجري مجرى الأعيان وما لا معنى فِعْلٍ فيه، وعلى ذلك كُسّر، فقيل: كُتب، كما قالوا: إِزَارٌ وأُزُر، ولِجَامٌ ولُجُم، فمن قرأ بالجمع؛ فلأن ما قبله وما بعده بالجمع، فَجَمَعَ الكتبَ أيضًا ليكون مُشاكلًا لما قبله وما بعده، وأما من أفرد؛ فيجوز أن يريد الجنس، كقولهم: كَثُر الدرهم في أيدي الناس والدينار، وكقوله: أهلك الناسَ اللبنُ، ونحو ذلك مما (٦) يفرد، والمراد منه الجمع.
(٢) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٨٥٨.
(٣) سقطت من (أ) و (م).
(٤) "معاني القرآن" ١/ ٣٦٨.
(٥) قرأ حمزة والكسائي (وكتابه) على الإفراد، وقرأ الباقون (وكتبه) بالجمع. ينظر: "السبعة" ص ١٩٥ - ١٩٦، "الحجة" ٢/ ٤٥٥.
(٦) في (م) (فيما).
وقوله تعالى: ﴿وَرُسُلِهِ﴾ أكثر القراء فيه على التثقيل، وروى العباس (٤) (٥) عن أبي عمرو فيه التخفيف، والصحيح من مذهب أبي عمرو أنه يخفف ما أضيف إلى مكنيّ على حرفين مثل ﴿رُسُلُنَا﴾ [الإسراء: ٧٧]
(٢) من "الحجة" ٢/ ٤٥٨ بتصرف. وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦١.
(٣) ينظر: "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٨٦٠.
(٤) في (ش): (أبو العباس).
(٥) العباس بن الفضل بن عمرو بن عبيد الواقفي الأنصاري، أبو الفضل الأنصاري، قاضي الموصل، من أكابر أصحاب أبي عمرو بن العلاء، كان عظيم القدر، جليل المنزلة في العلم والدين، متروك الحديث، توفي سنة ١٨٦ وقيل: ١٩٥. ينظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ٢١٢، "تهذيب التهذيب" ٢/ ٢٩٢.
......... سُوُكَ الإِسْحِلِ (٤)
(٢) قنواء. مؤنث أقنى، كما في القاموس [القنوة]
(٣) العَوان: كسحاب، من الحروب التي قوتل فيها مرة، ومن البقر والخيل التي نُتِجت
بعد بطنها البكر، ومن النساء: التي كان لها زوج، جمعها: عُون. ينظر: "القاموس" ص ١٢١٧ (مادة: عون)، والنَّوار: كسحاب، جمع: نور بالضم، والأصل: نُوُر، بضمتين، فكرهوا الضمة على الواو، ونارت نَورًا ونوَارًا بالكسر والفتح: نفرت، وبقرة نوار: تنفر من الفحل ينظر: "القاموس" ص ٤٨٨ (مادة: نور).
(٤) البيت: تمامه:
أغر الثنايا أحم اللِّثاث... تمنحه سُوُك الإسحل
وهو لعبد الرحمن بن حسان. ينظر: "الحجة" ٢/ ٤٦٢، "المنصف" ١/ ٣٣٨، "المقتضب" ١/ ١١٣.
وفي الأَكَفِّ اللامِعَاتِ سُوُرْ (١)
وأما من خفّف، فلأن ما كان من هذا الوزن يخفّف في الآحاد، نحو: العُنُق والطنُب، وإذا خففت الآحاد فالمجموع (٢) أولى من حيث كان أثقل من الآحاد.
وأما وجه تخفيف أبي عمرو ما اتصل من ذلك بحرفين، فلأن هذا قد يخفف إذا لم يتصل بمتحرك، فإذا اتصل بمتحرك حسن التخفيف، لئلا تتوالى أربع متحركات، لأنهم كرهوا ذلك، ومن ثم لم تَتَوالَ في بناء الشعر إلا أن (٣) يكون مُزَاحَفًا. ومن لم يخفف فلأن هذا الاتصال بالحرفين ليس بلازم، وما لم يكن لازمًا فلا حكم له، ألا ترى أن الإدغام في ﴿جَعَلَ لَكَ﴾ [الفرقان: ١٥] لم يلزم، وإن كان قد توالى (٤) خَمْسُ متحركات، وهذا لا يكون في بناء الشعر (٥)، لا في مُزَاحَفِهِ ولا في سَالمِهِ ولا في الكلم المفرد (٦).
عن مبرِقاتٍ بالبُرين تبدو
ينظر: "الحجة" ٢/ ٤٦٢، "المنصف" ١/ ٣٣٨، "المقتضب" ١/ ١١٣.
(٢) في (ش): (فالجموع)، وهي كذلك في "الحجة"، وفي (ي): (فالجمع).
(٣) في (ي): (مزحفًا).
(٤) سقطت من (ي).
(٥) في (ش) (بدل الشعر) كلمة لم أستطع قراءتها.
(٦) من "الحجة" ٢/ ٤٦٠ - ٤٦٣ بتصرف.
و (بين) تقتضي شيئين فصاعدًا، وإنما جاز مع أحدٍ، وهو واحد في اللفظ، لأن أَحَدًا يجوز أن يؤدي عن الجميع، قال الله تعالى: ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ [الحاقة: ٤٧] وفي الحديث: "ما أُحلت الغنائم لأحدٍ سُود الرؤوس غيركم" (٤) وإنما كان كذلك، لأن أحدًا ليس كرجلٍ يثنى ويجمع، وقولك: ما يفعلُ هذا أحدٌ، تريد: ما يفعله الناس كلهم، فلما كان لفظ أحدٍ يؤديَ عن الجميع، جازَ أن يُسْتَعْمَل معه (بين)، وإن كان لا يجوز أن يقول: لا نفرّق بين رجل منهم، وقد استقصينا هذا عند قوله: {عَوَانٌ بَيْنَ
(٢) ينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦٣، "التبيان" ص١٧٢، "البحر المحيط" ٢/ ٣٦٥، وذكر أن بعضهم يعربه خبرًا بعد خبر لكل.
(٣) "تفسيرالثعلبي" ٢/ ١٨٦٢.
(٤) الحديث، رواه الترمذي (٣٠٨٥) كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن سورة الأنفال، وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي في "تفسيره" ١/ ٥٢٩ رقم ٢٢٩، وأحمد ٢/ ٢٥٢، والطيالسي في "مسنده" ٣١٨ رقم ٢٤٢٩، وسعيد بن منصور في سننه ٢/ ٣٧٦ [ط. حبيب الرحمن] وابن أبي شيبة في "مصنفه" ١٤/ ٣٨٧، وابن حبان في "صحيحه" الإحسان ١١/ ١٣٤ برقم (٤٨٠٦) عن أبي هريرة مرفوعا، وأصله في الصحيحين. رواه البخاري (٣١٢٤) كتاب: فرض الجهاد، باب: قول النبي - ﷺ -. أحلت لكم الغنائم، ومسلم (١٧٤٧) كتاب: الجهاد، باب: تحليل الغنائم لهذه الأمة عن أبي هريرة بمعنى الحديث أعلاه.
والكلام في أحدٍ وأصلهِ ذكرناه (٢) عند قوله: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ﴾ [البقرة: ١٠٢].
وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا﴾ أي: سمعنا قوله، وأطعنا أمره، فحذف لأن في (٣) الكلام دليلًا عليه من حيث مُدحُوا به (٤).
وقوله تعالى: ﴿غُفْرَانَكَ رَبَّنَا﴾ أي: اغفر غفرانك (٥)، يُستغني بالمصدر عن الفِعْلِ في الدعاء، نحو: سَقْيًا ورعيًا وأشباههما.
قال الفراء: وهو مصدر وقع موقع الأمر فنصب، قال: ومثله: الصلاةَ الصلاة (٦)، وجميع الأسماء من المصادر وغيرها إذا نويت الأمر نصبت (٧)، وهذا أولى من قول من يقول: معناه: نسألك غفرانك؛ لأنه على الفعل الذي أخِذ منه أدلّ، نحو: حمدًا، وشكرًا، أي: أحمد حمدًا، وأشكر شكرًا (٨).
(٢) في (ي) و (ش): (ذكرنا).
(٣) في سقطت من (ي) و (ش).
(٤) ينظر: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦٥، "مشكل إعراب القرآن" ١/ ١٤٧، "البحر المحيط" ٢/ ٣٦٦.
(٥) قوله: (أي اغفر غفرانك)، سقطت من (أ).
(٦) هذه الجملة ليست في (أ).
(٧) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٨.
(٨) ينظر في إعراب الآية: "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦٥ - ١٨٦٦، "التبيان" ص ١٧٢.
٢٨٦ - قوله تعالى: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ الآية. يقال: كَلَّفْتُه الشيءَ فَتَكَلَّفَ، والكُلْفَة الاسم منه (١).
والوُسْعُ، قال الفَرّاء: هو اسم، كالوُجد والجُهد (٢)، وهو اسم لما يسع الإنسان ولا يضيق عليه (٣). وابن عباس (٤) وأكثر المفسرين على أن هذه الآية نَسَخَت ما ضجَّ المؤمنون عنه من حديث النفس والوسوسة لما نزل قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ﴾ الآية (٥).
وروي عنه من طريق آخر، أنه قال: معناه: أنه كلف المؤمنين ما هم له مستطيعون، لأنه قال: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ﴾ [البقرة: ١٨٥] وقال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج: ٧٨] وقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن: ١٦] (٦).
(٢) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٨ قال: ومن قال في مثل الوُجد: الوَجد، وفي مثل الجُهد: الجَهد، قال في مثله من الكلام ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ ولو قيل: وَسْعَها لكان جائزًا، ولم نسمعه. اهـ ووَسعها بالفتح قراءة ابن أبي عبلة.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦٦.
(٤) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٥٤ بمعناه، وابن أبي حاتم ٢/ ٥٧٤.
(٥) رواه الطبري في "تفسيره" عن ابن عباس ٣/ ١٥٤، وعزاه في "الدر" ١/ ٦٦٥ إلى ابن المنذر، وينظر: "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦٧، "تفسير البغوي" ١/ ٣٥٧. وقد ذكر المؤلف أن التحقيق عدم القول بالنسخ فلينظر عند قوله: ﴿وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٤].
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٦/ ١٣٠ بمعناه، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٧، وعزاه في "الدر" ٢/ ١٣٣ إلى ابن المنذر، وذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٦٧.
وتقول القدرية: إن الله تعالى أخبر أنه لا يكلف العبد إلا ما يسعه، وإذا كلفه الإيمان وقضى عليه الكفرَ فقد كَلَّفَهُ ما لا يسعه، فيقال لهم: يلزمكم مثلُ هذا في العِلْم، لأنكم توافقوننا على أن الله تعالى إذا سبق في مَعْلُومه أن فلانًا يموت كافرًا فلا سبيل له إلى تبديل معلومه، فإذا كلفه الإيمان فقد كلفه ما لا يطيق، وهذا معنى قول الشافعي، رضي الله عنه: إذا سلمت لنا القدرية العلم خُصموا (٥).
وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَت وَعَلَيهَا مَا أكْتَسَبَت﴾ الصحيح عند أهل اللغة: أن الكسب والاكتساب واحد، لا فرق بينهما، قال ذو الرمة:
أَلَفَى أَبَاه بذاكَ الكَسْبِ يَكْتَسِبُ (٦)
(٢) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٦٩، وينظر: "تفسير السمعاني" ٢/ ٤٨١، "الكشاف" ١/ ٣٣٢.
(٣) في (ي): (تفصيلًا).
(٤) في "تفسير الثعلبي": المجهود منها، وقول سفيان رواه الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٦٨، وذكره الحيري في "الكفاية في التفسير" ١/ ٢٤٨، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٧.
(٥) قول الشافعي، ذكره العز بن عبد السلام في "قواعد الأحكام في مصالح الأنام" ٢/ ٧٦ [ط. دار الكتب العلمية]. وابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ٢٣/ ٣٤٢، وروايته: ناظروا القدرية بالعلم؛ فإن أنكروه كفروا وإن أثبتوه خصموا.
(٦) شطره الأول:
ومطعم الصيد هبال لبغيته
وهو في "ديوانه" شرح أبي نصر الباهلي ١/ ٩٩، و"جمهرة أشعار العرب" ص ٣٤٦، و"الحيوان" ٤/ ٤٧، و"الأمثال" للميداني ٣/ ٣٠٠، و"تاريخ دمشق" ٤٨/ ١٧٧.
أَلْقَيْتَ كَاسِبَهُمْ في قَعْرِ مُظلِمَةٍ | فاغْفَر هَداكَ مَلِيكُ الناسِ يا عُمَرُ (٢) |
وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا﴾ قال الحسن: معناه: قولوا: ربنا (٤)، على التعليم للدعاء. وقيل: أي: يقولون: رَبَّنَا. على الخبر.
(٢) البيت للحطيئة في "ديوانه" ص٢٠٨، وفي "الأغاني" ٢/ ١٧٨، و"العقد الفريد" ٥/ ٢٥٩، و"الكامل في الأدب" ٣/ ١٩٣، "خزانة الأدب" ٣/ ٢٥٤، "لسان العرب" ٥/ ٢٦٨٦ (مادة: طلح)، "الوافي بالوفيات" ١١/ ٥٥. وأغلب رواياته: فاغفر سلام الله عليك.
(٣) من "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٦٩.
(٤) ذكره في "الوسيط" ١/ ٤١٠.
وإنما جاء بلفظ المفاعلة وهو فعل واحد؛ لأن المسيء قد أمكن من نفسه، وطَرّقَ السبيلَ إليها بفعله، وكأنه أعان (٢) عليه من يُعاقبه بذنبه، ويأخذه به، فشاركه في أخذه (٣).
وقوله تعالى: ﴿إِنْ نَسِينَا﴾ يجوز أن يكون هذا من النسيان الذي هو ضد الذكر (٤)، فيكون له تأويلان: أحدهما: ما قاله الكلبي، وهو أن بني إسرائيل كانوا إذا نسوا شيئًا عجلت لهم العقوبة بذلك، فأمر الله نبيه - ﷺ - والمؤمنين أن يسألوه ترك مؤاخذتهم بذلك (٥).
والثاني: أن النسيان وإن كان معفوًا عنه في الشرع، فيجوز أن نتعبد (٦) بأن ندعو بذلك، كما جاء في الدعاء: ﴿قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ﴾ [الأنبياء: ١١٢] والله سبحانه لا يحكم إلا بالحق، وكما قال: ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ﴾ [آل عمران: ١٩٤] وما وُعدوا به على ألسن الرسل يُؤْتَونه، وكذلك قول الملائكة في دعائهم: ﴿فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ﴾ إلى قوله: ﴿وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ﴾ [غافر: ٧ - ٩].
(٢) في (ي): (أعدل).
(٣) من "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٧٠، وينظر: "تفسير الرازي" ٧/ ١٢٥، "الدر المصون" ٢/ ٧٠١.
(٤) وهذا اختيار الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٧١.
(٥) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٧٠، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٧، والحافظ في "العجاب" ١/ ٦٥٥.
(٦) في (ي) و (ش): (يتعبد).
وقوله تعالى: ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ الصحيح في اللغة: أن يقال: خَطِئ الرجلُ: إذا أَثِم، فهو خَاطئٌ آثِمٌ. وأخطأ: إذا لم يُصِبِ الصَّوابَ (٤).
قال أبو الهيثم: يقال: خطئ: ما صنعه عمدًا، وهو الذنب، وأخطأ: ما صنعه غير عمد (٥). فعلى هذا قوله: ﴿أَوْ أَخْطَأْنَا﴾ معناه: مثل معنى ﴿نَسِينَا﴾ إذا كان بمعنى السهو (٦)، وفيه الوجهان اللذان ذكرناهما:
(٢) سقطت من (ي).
(٣) ينظر: "الأشباه والنظائر" لمقاتل ص ٢٣٩، الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٥٥ - ١٥٦، "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ١/ ٣٧٠، "معاني القرآن" للنحاس ١/ ٣٣٢، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٧١، وقد بين الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٥٥ - ١٥٦: أن النسيان على وجهين: أحدهما: على وجه التضييع من العبد والتفريط، فهو ترك منه لما أمر بفعله، فذلك الذي يرغب العبد إلى الله تعالى في تركه مؤاخذته، وهو النسيان الذي عاقب الله آدم به فأخرجه من الجنة، ما لم يكن تركه ما ترك من ذلك كفرًا، فإن الرغبة إلى الله في تركه المؤاخذة به غير جائزة وأما النسيان الذي يكون بسبب قلة احتمال العقل ما وكل بمراعاته، فلا وجه للدعاء بطلب المغفرة منه. قال: وكذلك الخطأ على وجهين.
(٤) ينظر في خطئ: "تهذيب اللغة" ٧/ ٤٩٥ - ٥٠٠، "المفردات" ص ١٥٦، "اللسان" ١/ ٦٥ - ٦٨.
(٥) نقله في "تهذيب اللغة" ٧/ ٤٩٨.
(٦) ينظر: "تفسير الطبري" ٦/ ١٣٤، "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٧٠، قال الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٧١: وهو الأصح، لأن ما كان عمدًا من الذنب فهو غير معفو عنه، بل هو في مشيئة الله عز وجل ما لم يكن كفرًا. وقال ابن عطية في "المحرر الوجيز" ٢/ ٥٤٥: وذهب كثير من العلماء إلى أن الدعاء في هذه الآية إنما هو في النسيان الغالب، والخطأ غير المقصود، وهذا هو الصحيح عندي.
وقال أبو عبيدة: يقال: أخطأ وخطئ لغتان (٢) (٣)، وأنشد:
يالَهْفَ هِنْدٍ إذ خَطِئْنَ كَاهلًا (٤)
أي: أخطأن، ويقال في المثل: مع الخَوَاطِئِ سهمٌ صائبٌ (٥)، أي: المُخْطِئات.
(٢) سقطت من (ي).
(٣) "مجاز القرآن" ١/ ٣٧٦، ونقله عنه في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦٠ (مادة: خطئ)، وتعقبه الحافظ ابن حجر في "الفتح" لعله في سورة الإسراء.
(٤) البيت لامرئ القيس، وبعده كما في "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦٠ (مادة: خطئ)، و"الشعر والشعراء" ١/ ٥٥، و"أساس البلاغة":
القاتلَيْنِ الملِك الحُلاحلا
ورواية ديوان امرئ القيس ص ١٣٦ (ط. السندوبي).
يالهف هند إذ خطئن كاهلا | تالله لا يذهب شيخي باطلا |
حتى أبيرمالكا وكاهلا | القاتلين الملك الحلاحلا |
(٥) ينظر "تهذيب اللغة" ١/ ١٠٦٠ (مادة: خطئ): ضرب للذي يكثر الخطأ ويأتي الأحيان بالصواب، وفي "مجمع الأمثال" للميداني ٢/ ٢٨٠: الخواطئ سهم صائب، وفسر الخواطئ بأنها السهام التي تخطئ القرطاس.
وقوله تعالى: ﴿رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا﴾ أصل الإِصْر في اللغة: الثِّقْلُ والشِّدَّةُ، قال النابغة:
يا مانعَ الضَّيْمِ أَنْ يَغْشَى سَرَاتَهُم | والحَامِل الإصْرَ عَنْهمُ بعدَ ما غَرِقُوا (٢) |
عَطَفُوا (٥) عَلَيَّ بغَيْر | آصِرَةٍ فَقَد عَظُمَ الأوَاصِرْ (٦) |
(٢) في "ديوانه" ص ١٢٩، و"الزاهر" ٢/ ٥٩، و"البحر المحيط" ٢/ ٣٤٣، و"الدر المصون" ٢/ ٥٩.
(٣) في (أ) و (ي): (سمي).
(٤) في (ي): (الإصر عهدًا).
(٥) في (م): (هم عطفوا).
(٦) البيت في "ديوانه" ص ٣٧، "تهذيب اللغة" ١/ ١٦٦، "لسان العرب" ١/ ٨٧ (مادة: أصر).
(٧) في "تهذيب اللغة" ١/ ١٦٦: أو قرابة.
(٨) ينظر في الإصر: "تفسير الطبري" ٣/ ١٥٧ - ١٥٨، "تهذيب اللغة" ١/ ١٦٦، "المفردات" ص ٢٨، "اللسان" ١/ ٨٧.
يعنى: عهدًا وميثاقًا لا نطيقه (٢) ولا نستطيع القيامَ به فتعذبنا بنقضه وتركه كما حملته على اليهود فلم يقوموا به. وهو قول مجاهد (٣) وقتادة (٤) ومقاتل (٥) والسدي (٦) والكلبي (٧) والفراء (٨).
يدل على هذا التفسير قوله لليهود: ﴿وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾ [آل عمران: ٨١].
وقال كثير من أهل المعاني: الإصر: الثقل، أي: لا تَشُقّ علينا، ولا تشدد ولا تغلِّظ الأمرَ علينا، كما شددت على من قبلنا من اليهود (٩)، وذلك أن الله تعالى فرضى عليهم خمسين صلاة، وأمرهم بأداءِ رُبُعِ أموالهم في الزكاة، ومن أصاب (١٠) ثوبه نجاسةٌ أُمِرَ بقطعها، ونحو هذا
(٢) في (ي): (لا نطيق ذلك)، وفي (ش): (لا نطيقه ذلك).
(٣) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٥٦، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٨٠، والثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٧٥، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٨.
(٤) رواه عبد الرزاق في "تفسيره" ١/ ١١٢، والطبري في "تفسيره" ٣/ ١٥٧.
(٥) "تفسير مقاتل" ١/ ٢٣٢.
(٦) رواه عنه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٥٧، وذكره ابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٨٠.
(٧) ذكره الثعلبي في "تفسيره" ٢/ ١٨٧٥، والحيري في "الكفاية" ١/ ٢٤٩، والبغوي في "تفسيره" ١/ ٣٥٨.
(٨) "معاني القرآن" للفراء ١/ ١٨٩.
(٩) سقطت من (ي).
(١٠) في (ي): (أصابت).
قال الزجاج: المعنى لا تحمل علينا أمرًا يَثْقُلُ كما حملته على الذين من قبلنا، نحو ما أمُر به بنو إسرائيل من قتل أنفسِهم، أي: لا (٨) تمتحنا بما يثقل علينا (٩).
وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾ الطاقة: اسم من الإطاقة، كالطاعة (١٠) من الإطاعة، والجابة من الإجابة، وهي توضع موضع المصدر.
قيل في معنى ﴿مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ﴾، أي: من العذاب، كأنهم سألوا الله تعالى أن لا يعذبهم بالنار، فإنه لا طاقة لأحد مع عذاب الله، وقيل:
(٢) "مجاز القرآن" ١/ ٨٤.
(٣) هو: أبو فيْد، مؤرج بن عمرو السدوسي البصري، تقدمت ترجمته ٢/ ٤٦٠، [البقرة: ٤٤].
(٤) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٧٧.
(٥) "تفسير غريب القرآن" ص ٨٩.
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٧١.
(٧) "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٧٧، وذكر الثعلبي في "تفسيره" أنه قول عثمان بن عطاء بن أبي مسلم الخراساني، ومالك بن أنس.
(٨) في (ش): (لأن لا).
(٩) "معاني القرآن" ١/ ٣٧١.
(١٠) في (م): (اسم من الإطاعة).
وقوله تعالى: ﴿أَنْتَ مَوْلَانَا﴾ قال ابن عباس والمفسرون: أي: ناصرنا (٣)، ومثله: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧] أي: نَاصِرُهُم وقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ [التحريم: ٤] أي: ناصره، وكذلك قوله: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ﴾ [محمد: ١١] (٤).
ومعنى المولى: من النصرة، من ولي عليه، وولي منه: إذا اتَّصَلَ به ولم يَنْفَصِلْ عنه، وعلى هذا قوله: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ [التوبة: ٤٠] أي: ناصِرُنا، وعلى هذا المعنى قولهم (٥): صحبك الله. والوَليُ والمَوْلَى واحد، ومنه قوله - ﷺ -: "من كنتُ مَولاهُ فَعَلِي مولاه" (٦) قال يونس (٧): أي: من كُنْتُ
(٢) "تفسير الطبري" ٣/ ١٥٨، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٨١، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٧٨.
(٣) ينظر التفاسير المتقدمة، والرواية عن ابن عباس قد تقدم الحديث عنها في قسم الدراسة.
(٤) ينظر: "تفسير الطبري" ٣/ ١٥٩، "تفسير الثعلبي" ٢/ ١٨٩٠.
(٥) في (ش): (قوله).
(٦) رواه أحمد ٤/ ٣٦٨، والترمذي (٣٧١٣) كتاب: المناقب، باب: مناقب علي. وقال: حديث حسن صحيح، والحاكم ٣/ ١٠٩.
(٧) قال يونس سقطت من (ي).
الحَمْدُ لله الذي أعْطَى الظَّفَرْ | مَوَالي الحَقِّ إن المَوْلَى شَكَرْ (٣) |
مَوَالي حِلْفٍ لا مَوَالي قَرَابةٍ | ولكن قَطِينًا يَسْأَلونَ الأَتَاويَا (٥) |
(٢) رواه البخاري (٣٥١٢) كتاب: الأنبياء، باب ذكر وأسلم وغفار، ومسلم (٢٥٢٠) كتاب: فضائل الصحابة، باب: دعاء النبي - ﷺ - لغفار وأسلم. من حديث أبي هريرة. ومزينة: بطن من مضر من القبائل العدنانية، مساكنهم بين المدينة ووادي القرى. ينظر: "معجم القبائل العربية" ٣/ ١٠٨٣. وجهينة: حي عظيم من قضاعة، من القحطانية، وهم: بنو جهينة بن زيد بن ليث، منازلهم ما بين ينبع ويثرب. ينظر: "معجم القبائل العربية" ١/ ٢١٦. وأسلم: بطن من خزاعة، وهم: بنو أسلم بن أفصى بن حارثة، من القبائل القحطانية، ومن قراهم: وبرة: وهي قرية ذات نخيل من أعراض المدينة. ينظر: "معجم القبائل العربية" ١/ ٢٦. وغفار: بطن من كنانة، من العدنانية، وهم: بنو غفار بن مليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناف، كانوا حول مكة ومن مياههم: بدر. ينظر: "معجم القبائل العربية" ٣/ ٨٩٠.
(٣) البيت في ديوان العجاج رواية الأصمعي ١/ ٤، وروايته:
فالحمد لله الذي أعطى الحبر | موالي الحق إن الحق شكر |
(٤) في (ي) و (ش): (لأنه).
(٥) البيت للجعدي، نسبه إليه في "اللسان" ٨/ ٤٩٢٢ مادة: (ولى)، ٢/ ٩٥٧ (مادة: حلب)، ١/ ٢٤ (مادة: أتى)، وفي الموضع الأخير ذكره بلفظ: يحلبون الأتاويا.
فمعنى قوله: أنت مولانا أي: أنت ولينا بنصرك إيانا، وأنت الذي تلي علينا أمورنا، وذلك أنه (٣) يلي أمور (٤) المؤمنين بالنصرة والمعونة، يقال منه (٥): ولي يلي ولاية، فهو ولي ومولى (٦).
قال مقاتل بن سليمان: لما أسري بالنبي - ﷺ - إلى السماء، أعطي خواتيم سورة البقرة ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ فقالت له (٧) الملائكة: إن الله عز وجل قد أحسن عليك الثناء بقوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ﴾ فَسَلْه وارغب إليه، وعلمه جبريل كيف يدعو، فجعل رسول الله - ﷺ - يقول: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا﴾ إلى آخر السورة، وجبريل عليه السلام يقول في كل فصل: قد فعل الله تبارك وتعالى ذلك (٨).
(٢) ينظر في ولي "تفسير الطبري" ٣/ ١٥٩، "تهذيب اللغة" ٤/ ٣٩٥٥ - ٣٩٥٨، "المفردات" ص ٥٤٧، "اللسان" ٨/ ٤٩٢٠.
(٣) في (ي) و (ش): (لأنه).
(٤) في (ي): (أمر).
(٥) سقطت من (ي).
(٦) قال الراغب: الولاء والتوالي: أن يحصل شيئان فصاعدان حصولًا ليس بينهما ما ليس منهما، ويستعار ذلك للقرب من حيث المكان ومن حيث النسبة، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة والنصرة والاعتقاد. والوِلاية: النصرة، والوَلاية: تولي الأمر، وقيل: الوِلاية والوَلاية نحو الدِّلالة والدَّلالة، وحقيقته: تولي الأمر، والوَلي والمولى يستعملان في ذلك، كل واحد منهما يقال في الفاعل، أي الموالي، وفي معنى المفعول، أي: الموالَى، يقال للمؤمن: هو ولي الله عز وجل، ولم يرد مولاه، وقد يقال: الله تعالى ولي المؤمنين ومولاهم.
(٧) سقطت من (ي).
(٨) لم أجد عند مقاتل في "تفسيره" ١/ ٢٣٢ الشق الأول من الحديث، ولكنه ذكر قوله:=
(١) يعني شيخه الثعلبي في "تفسيره".
(٢) في (ش): (أخبرنا)، وفي (أ): (انبا).
(٣) هو: الإمام المحدث أبو بكر محمد بن جعفر بن أحمد بن يزيد المطيري، ثم البغدادي الصيرفي، نزل بغداد، وحدث عن خلق منهم علي بن حرب، وروى عنه الدارقطني وغيرهم، قال فيه هو ثقة مأمون، توفي سنة ٣٣٥ هـ. ينظر "السير" ١٥/ ٣٠١، "تاريخ بغداد" ٢/ ١٤٥ - ١٤٦.
(٤) في (ي) و (أ) (ثنا).
(٥) هو: علي بن حرب الموصلي الطائي، أبو الحسن، روى عن يحي بن اليمان، ومحمد بن الفضيل وغيرهم، قال ابن حجر: صدوق فاضل، وروى عنه النسائي وأبو عوانة ومحمد بن جعفر المطيري، توفي سنة ٢٦٥ هـ انظر: "الجرح والتعديل" ٦/ ١٨٣، "التقريب" ص ٣٩٩ (٤٧٠١)، "السير" ١٢/ ٢٥١ - ٢٥٣.
(٦) هو: محمد بن فضيل بن غزوان أبو عبد الرحمن الضبي الكوفي، قال ابن المدني: كان ثقة ثبتًا في الحديث، وقال ابن معين والعجلي ويعقوب بن سفيان، وابن سعد: ثقة، وقال الإمام أحمد: يتشيع، وكان حسن الحديث توفي سنة ١٩٤، وقيل: ١٩٥. ينظر: "الجرح والتعديل" ٧/ ٥٧، "تهذيب التهذيب" ٣/ ٦٧٦، "السير" ٩/ ١٧٣.
(٧) عطاء بن السائب بن مالك الثقفي، أبو السائب الكوفي، تقدمت ترجمته [البقرة: ٦٠، ٦١].
وقال أبو إسحاق: هذا الدعاء أخبر الله عز وجل به عن النبي - ﷺ - والمؤمنين، وجعله في كتابه ليكون دعاء من يأتي بعد النبي - ﷺ - والصحابة (٣)، فهو من الدعاء الذي ينبغي أن يُحفَظ وأن يُدعَى به كثيرًا.
وقال في قوله: ﴿فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ أي: انصرنا عليهم في إقامة الحجة، وفي غلبتنا إياهم في حربهم وسائر أمورهم، حتى (٤) تُظهِر (٥) ديننا على الدين كلِّه كَمَا وَعَدتنا (٦).
(٢) الحديث، رواه بهذا السند واللفظ: في "تفسيره" ٢/ ١٨٩٠، ورواه الطبري في "تفسيره" ٣/ ١٦٠، وابن أبي حاتم في "تفسيره" ٢/ ٥٧٧ - ٥٨٢ كلاهما عن علي بن حرب بهذا الإسناد، والحديث أصله رواه مسلم (١٢٦) كتاب: الإيمان، باب. بيان أنه سبحانه لا يكلف إلا ما يطاق، والترمذي (٢٩٩٢) كتاب: التفسير، باب: ومن سورة البقرة، وأحمد ١/ ٢٣٣ وغيرهم بلفظ: "قد فعلت" بعد كل دعاء.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٧٠.
(٤) سقطت من (ي).
(٥) في (ش) (يظهر).
(٦) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٣٧١.
وزارة التعليم العالي
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية
عماد البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
سورة آل عمران من أول السورة إلى آية (١٣٨)
تحقيق
د. أحمد بن محمد بن صالح الحمادي
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبي |
وزارة التعليم العالي
جامعة الإِمام محمد بن سعود الإسلامية
عماد البحث العلمي
سلسلة الرسائل الجامعية
التَّفْسِيرُ البَسِيْط
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
سورة آل عمران من أول السورة إلى آية (١٣٨)
تحقيق
د. أحمد بن محمد بن صالح الحمادي
أشرف على طباعته وإخراجه
د. عبد العزيز بن سطام آل سعود | أ. د. تركى بن سهو العتيبي |
فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر
الواحدي، علي بن أحمد
التفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت٤٦٨هـ)./ علي بن أحمد الواحدي، محمد بن صالح بن
عبد الله الفوزان، الرياض١٤٣٠هـ.
٢٥مج. (سلسلة الرسائل الجامعية)
ردمك: ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
١ - القرآن تفسير... ٢ - الواحدي، علي بن أحمد
أ- العنوان... ب- السلسة
ديوي ٢٢٧٣... ٨٦٨/ ١٤٣٠
رقم الإيداع: ٨٦٨/ ١٤٣٠هـ
ردمك ٤ - ٨٥٧ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (مجموعة)
١ - ٨٥٨ - ٠٤ - ٩٩٦٠ - ٩٧٨ (ج١)
لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد الواحدي
(ت ٤٦٨ هـ)
[٥]
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ