ﰡ
قوله :﴿ تَبَارَكَ١ ﴾ : هو من البركة. وهو في العربيَّة كقولك تقدَّس رَبُّنا. البركة والتقدُّس العظمة وهما بعد سوَاء.
قالت الأصْنام : ما كانَ لنا أن نعبد غَيْرَكَ فكيف ندعُو إلى عبداتنا ! ثم قالت : ولكنكَ يا ربّ متَّعَتهُمْ بالأموال والأولاد حَتَّى نَسُوا ذكركَ. فقال الله للآدميينَ ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ﴾ يقول :﴿ كذَّبتكم الآلهة بما تقولونَ ﴾ وتقرأ ﴿ بِما يقولون ﴾ باليَاء ( والتّاء ) فمن قرأ بالتَّاء فهو كقولك كذّبكَ يكذّبك. ومن قرأ باليَاء قال : كذّبوكم بقولهم. والقراء مجتمعَة على نصب النون في ( نَتَّخِذَ ) إلا أبا جعفر المدنيّ فإنه قرأ ( أن نُتَّخَذَ ) بضم النون ﴿ مِنْ دُونِكَ ﴾ فلو لم تكن في الأوليَاء ( مِنْ ) كَانَ وجها جيِّداً، وهو على ( شذوذه و ) قلّة مَن قرأ به قد يجوز على أن يَجْعَل الاسم في ﴿ مِن أوليَاء ﴾ وإن كَانت قد وقعت في موقع الفعل ١٣٠ ب وإنما آثرت قول الجماعة لأن العرب إنما تُدخل ( مِن ) في الأسْماء لا في الأخبار ؛ ألا ترى أنهم يقولون : ما أخذت من شيء وما عندي من شيء، ولا يقولونَ ما رأيتُ عبد الله مِن رجل. ولو أرادوا ما رأيت من رجل عبدَ الله فجعلوا عبدَ الله هو الفعل جَاز ذلكَ. وهو مذهب أبى جعفر المدنيّ.
وقوله ﴿ قَوْما بُوراً ﴾ والبور مصدر واحد وجمع ؛ والبائر الذي لا شيء فيه. تقول : أصبْحت منازلهم بُوراً أي لا شيء فيها. فكذلك أَعْمال الكفار باطل. ويقال : رجل بُور وقوم بُور.
وقوله ﴿ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾ كان الشريف من قريشٍ يقول : قد أسْلم هَذَا مِنْ قبلي - لمن هو دونه - أَفَأُسلم بَعْده فتكونَ له السَّابقة ؛ فذلك افتتان بَعْضهم بِبَعْضٍ. قال الله﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾ قال الفرّاء يقول : هو هذا الذي ترونَ.
لا يخافون لقاءنا وهي لغة تِهاميّة : يضعونَ الرجاء في موضع الخوف إذا كان معه جحدٌ. من ذلكَ قوله ﴿ ما لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ للهِ وقاراً ﴾ أي لا تخافون له عظمةً. وأنشدني بعضهم :
لا ترتجى حينَ تلاقى الذائدا | أسَبْعةً لاقَتْ مَعاً أم وَاحِداً |
إذا لسعته النحل لم يَرْجُ لَسْعَها | وَحالفَها في بيتِ نُوب عَوَامِلِ |
وقوله ﴿ وَعَتَوْا عُتُوّاً كَبِيراً ﴾ جاء العُتوُّ بالواو لأنه مصدر مصرّح. وقال في مريم ﴿ أيُّهُمْ أَشَدُّ على الرحمن عِتِيّاً ﴾ فَمَنْ جَعَلَهُ بالواو كان مصدراً محضا. ومن جعله باليَاء قال : عات وعُتِيّ فلما جَمَعُوا بُني جَمْعهم على واحدهم. وجَاز أن يكون المصدر باليَاء أيضاً لأن المصْدر والأسماء تتّفق في هَذا المعنى : ألا ترى أَنهم يقولون : قاعد وقوم قعود، وقعدت قعوداً. فلما استويا ها هُنا في القُعُود لم يبالوا أن يستويا في العُتو والعتيّ.
اليوم ليسَ بصلة للبشرى فيكونَ نصبُه بها. ولكنه مضمر للفاء ؛ كقيلكَ في الكلام : أما اليومَ فلاَ مال. فإذا ألقيت الْفَاء فأنت مضمِر لمثل اليوم بعد لا. ومثله في الكلام : عندنا لا مال إن أردت لا مال عندنا فقدّمت ( عندنا ) لم يجز. وإن أضمرت ( عندنا ) ثانية بعد ( لا مال ) صلح ؛ ألا ترى أنَّكَ لا تقول : زيدا لا ضارِبَ ( يا هذا ) كَما تقول : لا ضارِبَ زَيداً.
وقوله :﴿ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ حَرَاما محرّما أن يكون لهم البشرى. والحِجْرُ : الحرام، كما تقول : حَجَر التاجر على غُلامه، وحجر على أهله. وأنشدني بعضهم :
فهممتُ أن ألقى إليها مَحْجَراً | ولَمِثْلِها يُلْقى إِليْهِ المحجَرُ |
عَمَدْنا بفتح العين :﴿ فَجَعَلْناهُ هَبَاء مَّنثُوراً ﴾ أي باطِلا، والهباء ممدود غير مهموزٍ في الأصل يصغر هُبَيٌّ كما يصغر الكِساء كُسَيّ. وجُفَاء الوادي مهموز في الأصْل إن صغّرته قلت هذا جُفيء. مثل جُفَيع ويقاس على هذين كلُّ ممدود من الهمز ومن اليَاء ومن الواو.
قال : بعض المحدِّثين يُرَوى أنه يفرغ من حِسَاب الناس في نصف ذلك اليوم فيقِيل أهلُ الجنَّة في الجنّة وأهل النار في النار. فذلكَ قوله ﴿ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾ وأهل الكلام إذا اجتمع لهم أحمق وعَاقل لم يستجيزوا أن يقولوا : هَذا أحمقُ الرَّجلين ولا أعقل الرجلين، وَيَقولون لا نقول : هذا أعقل الرجلين إلا لعَاقلينَ تفضّل أحدهما على صَاحبه. وقد سَمعت قول الله ﴿ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً ﴾ فجعل أهل الجنة خيراً مُستقراً مِنْ أهْل النارِ، ولْيسَ في مستقرّ أهلِ النار شيء منَ الخير فاعرف ذلك من خَطَئهم.
مَتْرُوكاً. ويقال : إنهم جَعَلُوه كالهَذَيان والعرب تقول ( هَجَر الرجل ) في منامه إذا هَذَى أو رَدَّد الكلمة.
وقوله :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً ٣١ ﴾ يقول : جَعَلنا بعض أمّة كل نبيّ أشدَّ عليه منْ بَعض وكان الشديدَ العدواة للنبيّ صَلى الله علَيْه وسَلم أبو جَهل بنُ هِشَامٍ.
يقال : إنها من قول المشركينَ. أي هَلاّ أنزل عليه القرآن جملةً، كما أُنزِلت التوراة على موسى. قال الله ﴿ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ﴾ لنثبّت به فؤادكَ. كان يُنزِّل الآية والآيتين فمكان بَيْنَ نزول أوله وَآخرِه عشرون سنة ﴿ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً ﴾ نزَّلناه تنزيلاً. ويقال : إن ( كذلك ) من قول الله، انقطع الكلام من قِيلهم ( جملةً وَاحِدَةً ) قال الله : كَذلك أنزلناه يا محمَّد متفرقاً لنثبِّت به فؤادكَ.
منصوبوُن بالتدمير قال الفراء يقال : إن الرسّ بئر.
حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قالَ حدثنا الفرَّاء قال حَدثني قَيس بن الربيع عن أبى إسحاق عن الأسْوَد بن يزيد ومسروق بن الأجدع أنهما قرءا ( نَشْراً ) وقد قرأت القراء ( نُشُراً ) و ( نُشْراً ) وقرأ عاصم ( بُشراً ) حدثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حدّثني قَيْس عن أبى إسْحاق عن أبى عبد الرحمن أنه قرأ ( بُشُراً ) كأنه بشيرة وبُشُر.
وقوله :﴿ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾ ( من ذَلِكَ أي ) حراما مُحرّما أن يغلب أحَدُهما صَاحِبه.
وقوله :﴿ أَنَسْجُدُ لِما يَأْمُرُنا ﴾ و ﴿ وتأمرنا ﴾ فمن قرأ باليَاء أراد مُسَيْلمةَ : ومن قرأ بالتَاء جَاز أن يريد ( مُسَيْلمةَ أيضا ) ويكون للأمر أنَسْجُدُ لأمركَ إيانا ومن قرأ بالتّاء واليَاء يراد به محمد صَلى الله عليه وسلم ( وهو بمنزلة قوله ) ﴿ قُلْ للذين كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وتحشرون ﴾ و ﴿ وسَيُغلبونَ ﴾ والمعنى لمحمد صلى الله عليه وسلم.
بِها العِينُ والآرام يَمْشِين خِلفَةً | وأطلاؤها يَنْهَضْنَ من كل مَجْثَم |
وقوله :﴿ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ﴾ وهي في قراءة أُبَيّ ( يتذكّرَ ) حجّة لمن شدَّد وقراءة أصْحاب عبد الله وحمزة وكثيرٍ من الناس ( لِمَنْ أَرادَ أنْ يَذْكُر ) بالتخفيف، ويَذْكُر ويتذكر يأتيان بمعنى واحدٍ، وفي قراءتنا ﴿ واذكُرُوا ما فِيهِ ﴾ وفي حرف عبد الله ( وَتذكَّرُوا ما فيه ).
حَدَّثنا أبو العباس قال حدثنا محمد قال حدثنا الفراء قال حَدِّثني شَرِيك عن جَابر الجُعْفي عن عكرمة ومَجاهِدٍ في قوله ﴿ الَّذِينَ يَمْشُونَ على الأَرْضِ هَوْنا ﴾ قال : بالسّكينة والوقار.
وقوله ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَما ﴾ كان أهل مكَّة إذا سَبُّوا المسْلمينَ رَدُّوا عليهم رَدّاً جميلاً قبل أن يؤمروا بقتالهم.
جاء في التفسير أنّ مَن قَرَأ شيئاً منَ القرآن في صَلاَة وإن قلّت، فقد بات سَاجداً وقائما. وذكروا أنَّهُما الركعتان بعد المغرب وبَعد العِشاء ركعتان.
يقول مُلحا دائما. والعرب تقول : إن فلانا لمُغْرَم بالنِّسَاء إذا كانَ مولَعاً بهنَّ، وإني بك لمغرمٌ إذا لم تصبر عن الرجل ونُرَى أن الغريم إنما سُمّى غريما لأنَّه يَطلب حَقه ويُلِحّ حتى يقبضه.
بكسر التاء. قرأ أبو عبد الرحمن وعاصم ( ولم يُقْتِروا ) من أقترت. وقرأ الحسنَ ( وَلَمْ يَقْتِرُوا ) وهي من قَتَرت ؛ كقول مَنْ قرأ يَقْتُروا بضم الياء. واختلافهما كاختلاف قوله ﴿ يَعرِشُونَ ﴾ و﴿ يَعْرُشُونَ ﴾ و ﴿ يَعْكِفُونَ ﴾ و ﴿ يعكُفونَ ﴾ وَمَعْناه ﴿ لم يُسْرِفُواْ ﴾ فيجاوزوا في الإنفاق إلى المعصية ( ولم يقتروا ) : لم يقصروا عما يجب عليهم ( وكان بين ذلك قواما ) ففي نصب القوام وجهان إن شئت نصبت القوام بضمير اسمٍ في كان ( يكون ذلك الاسم من الإنفاق ) أي وكان الإنفاق ﴿ قَوَاما بَيْنَ ذَلِكَ ﴾ كقولك : عدلاً بينَ ذلك أي بينَ الإسراف والإقتار. وإن شئت جَعَلْتَ ( بين ) في معنى رفعٍ ؛ كما تقول : كان دونَ هّذَا كافياً لك، تريد : أقلُّ من هذا كان كافياً لك، وتجعَل ﴿ وكان بينَ ذلك ﴾ كان الوسَطُ من ذلكَ قَوَاما. والقوَام قَوَام الشيء بين الشيئين. ويقال للمرأة : إنها لحسنة القَوَام في اعتدالها. ويقال : أنت قِوَام أهلِك أي بك يَقوم أمرُهم وشأنهم وقِيَام وقِيَمٌ وقَيِّمٌ في معنى قِوَامٍ.
قرأت القراء بجزم ( يضاعف ) وَرَفعَه عَاصم بن أبى النَّجُود. والوجه الجزم. وذلك أن كُلّ مجزوم فسَّرته ولم يكن فعْلاً لما قَبْلَهُ فالوجه فيه الجزم، وما كان فعلاً لما قَبلَهُ رَفَعْته. فأما المفسِّر للمجزوم فقوله ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاما ﴾ ثم فسر الأثام، فقال ﴿ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ ﴾ ومثله في الكلام : إن تكلِّمني تُوصِني بالخير والبِرّ أقبلْ منك ؛ ألا ترى أنك فسَّرت الكلام بالبِرّ ولم يكن فعلاً له، فلذلك جَزَمت. ولو كان الثاني فِعْلا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلبُ الخير تجدْه ؛ ألا تَرَى أنك تجِد ( تطُلب ) فعلاً للإتيانِ ١٣٢ ب كقيلكَ : إن تأتنا طالباً للخير تجده.
قال الشاعر :
مَتى تأْتِهِ تَعْشُو إلى ََضَوْءِ نارِه | تجد خير نار عندها خَيْرُ موقد |
قرأت القراء بجزم ( يضاعف ) وَرَفعَه عَاصم بن أبى النَّجُود. والوجه الجزم. وذلك أن كُلّ مجزوم فسَّرته ولم يكن فعْلاً لما قَبْلَهُ فالوجه فيه الجزم، وما كان فعلاً لما قَبلَهُ رَفَعْته. فأما المفسِّر للمجزوم فقوله ﴿ وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاما ﴾ ثم فسر الأثام، فقال ﴿ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ ﴾ ومثله في الكلام : إن تكلِّمني تُوصِني بالخير والبِرّ أقبلْ منك ؛ ألا ترى أنك فسَّرت الكلام بالبِرّ ولم يكن فعلاً له، فلذلك جَزَمت. ولو كان الثاني فِعْلا للأوّل لرفعته، كقولك إن تأتنا تطلبُ الخير تجدْه ؛ ألا تَرَى أنك تجِد ( تطُلب ) فعلاً للإتيانِ ١٣٢ ب كقيلكَ : إن تأتنا طالباً للخير تجده.
قال الشاعر :
مَتى تأْتِهِ تَعْشُو إلى ََضَوْءِ نارِه | تجد خير نار عندها خَيْرُ موقد |
ويقال ( أعياد المشركينَ لا يشهدونَها ) لأنها زُور وكذب ؛ إذْ كانت لغير الله. وقوله ﴿ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراما ﴾ ذُكِر أنهم كانوا إذا أجَروا ذكر النساء كَنَوا عن قبيح الكلام فيهنَّ. فذلك مرورهم به.
وأنشدني بعض العرب :
لا يُقنع الجاريةَ الخِضَابُ | ولا الوشاحان ولا الجِلبَابُ |
من دون أن تلتِقيَ الأركَابُ | وَيَقْعُدَ الهَنُ لَهُ لُعَابُ |
وقوله ﴿ لِلْمُتَّقِينَ إِماما ﴾ ولم يقل : أئمَّةً وهو واحدٌ يجوز في الكلام أن تقول : أصْحاب مُحمد أئمَّةُ الناسِ وإمامُ الناسِ كَما قَالَ ﴿ إنا رَسُولُ رَبِّ العالمينَ ﴾ للاثنين وَمَعْناه : اجعنا أئمّةً يُقْتَدَى بنا. وقال مجاهد : اجعلنا نقتدِي بمن قبلنا حتى يَقْتدى بنا مَن بعدنا.
و ﴿ يُلَقَّوْنَ فِيها ﴾ كل قد قُرئَ به و ﴿ يَلْقَوْنَ ﴾ أَعْجَبُ إلىَّ ؛ لأنَّ القراءة لو كانت على ﴿ يُلقَّونَ ﴾ كانت بالبَاء في العربيَّة ؛ لأنك تقول : فلان يُتَلقّى بالسَّلام وبالخير. وهو صَواب يُلَقَّونه ويلَقَّونَ به كما تقول : أخذت بالخطام وأخذته.
لا زلتَ مُحتمِلاً على ضغينَةً | حَتى المماتِ تكونُ مِنْكَ لَزَامِ |