تفسير سورة فاطر

تفسير البيضاوي
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي .
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة فاطر مكية وآيها خمس وأربعون آية.

(٣٥) سورة الملائكة
مكية وآيها خمس وأربعون آية
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مبدعهما من الفطر بمعنى الشق كأنه شق العدم بإخراجهما منه، والإِضافة محضة لأنه بمعنى الماضي. جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وسائط بين الله وبين أنبيائه والصالحين من عباده، يبلغون إليهم رسالاته بالوحي والإِلهام والرؤيا الصادقة، أو بينه وبين خلقه يوصلون إليهم آثار صنعه.
أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ ذوي أجنحة متعددة متفاوتة بتفاوت ما لهم من المراتب ينزلون بها ويعرجون، أو يسرعون بها نحو ما وكلهم الله عليه فيتصرفون فيه على أمرهم به، ولعله لم يرد به خصوصية الإِعداد ونفي ما زاد عليها، لما
روي أنه عليه الصلاة والسلام رأى جبريل ليلة المعراج وله ستمائة جناح
يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشاءُ استئناف للدلالة على أن تفاوتهم في ذلك بمقتضى مشيئته ومؤدى حكمته لا أمر تستدعيه ذواتهم، لأن اختلاف الأصناف والأنواع، بالخواص والفصول إن كان لذواتهم المشتركة لزم تنافي لوازم الأمور المتفقة وهو محال، والآية متناولة زيادات الصور والمعاني كملاحة الوجه وحسن الصوت وحصافة العقل وسماحة النفس. إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وتخصيص بعض الأشياء بالتحصيل دون بعض، إنما هو من جهة الإرادة.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٢]
مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢)
مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ ما يطلق لهم ويرسل وهو من تجوز السبب للمسبب. مِنْ رَحْمَةٍ كنعمة وأمن وصحة وعلم ونبوة. فَلا مُمْسِكَ لَها يحبسها. وَما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ يطلقه، واختلاف الضميرين لأن الموصول الأول مفسر بالرحمة والثاني مطلق بتناولها والغضب، وفي ذلك إشعار بأن رحمته سبقت غضبه.
مِنْ بَعْدِهِ من بعد إمساكه. وَهُوَ الْعَزِيزُ الغالب على ما يشاء ليس لأحد أن ينازعه فيه. الْحَكِيمُ لا يفعل إلا بعلم وإتقان. ثم لما بين أنه الموجد للملك والملكوت والمتصرف فيهما على الإِطلاق أمر الناس بشكر إنعامه فقال:
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣ الى ٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣) وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤)
يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ احفظوها بمعرفة حقها والاعتراف بها وطاعة موليها، ثم أنكر أن يكون لغيره في ذلك مدخل فيستحق أن يشرك به بقوله: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ
لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
فمن أي وجه تصرفون عن التوحيد إلى إشراك غيره به، ورفع غَيْرُ للحمل على محل مِنْ خالِقٍ بأنه وصف أو بدل، فإن الاستفهام بمعنى النفي، أو لأنه فاعل خالِقٍ وجره حمزة والكسائي حملاً على لفظه، وقد نصب على الاستثناء، ويَرْزُقُكُمْ صفة ل خالِقٍ أو استئناف مفسر له أو كلام مبتدأ، وعلى الأخير يكون إطلاق هَلْ مِنْ خالِقٍ مانعاً من إطلاقه على غير الله.
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ أي فتأس بهم في الصبر على تكذيبهم، فوضع فَقَدْ كُذِّبَتْ موضعه استغناء بالسبب عن المسبب، وتنكير رسل للتعظيم المقتضي زيادة التسلية والحث على المصابرة.
وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ فيجازيك وإياهم على الصبر والتكذيب.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٥ الى ٦]
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٥) إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ (٦)
يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ بالحشر والجزاء. حَقٌّ لا خلف فيه. فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة والسعي لها. وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإِصرار على المعصية، فإنها وإن أمكنت لكن الذنب بهذا التوقع كتناول السم اعتماداً على دفع الطبيعة.
وقرئ بالضم وهو مصدر أو جمع كقعود.
إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ عداوة عامة قديمة. فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا في عقائدكم وأفعالكم وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم. إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ تقرير لعداوته وبيان لغرضه في دعوة شيعته إلى اتباع الهوى والركون إلى الدنيا.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٧ الى ٨]
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ (٨)
الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ وعيد لمن أجاب دعاءه ووعد لمن خالفه وقطع للأماني الفارغة، وبناء للأمر كله على الإِيمان والعمل الصالح وقوله.
أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً تقرير له أي أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عمله بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقاً والقبيح حسناً، كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه، فحذف الجواب لدلالة: فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وقيل تقديره أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة، فحذف الجواب لدلالة: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ عليه ومعناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب، والفاآت الثلاث للسببية غير أن الأوليين دخلتا على السبب والثالثة دخلت على المسبب، وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو كثرة مساوي أفعالهم المقتضية للتأسف، وعليهم ليس صلة لها لأن صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه. إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ فيجازيهم عليه.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٩]
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها كَذلِكَ النُّشُورُ (٩)
وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي الريح. فَتُثِيرُ سَحاباً على حكاية الحال
الماضية استحضاراً لتلك الصورة البديعة الدالة على كمال الحكمة، ولأن المراد بيان أحداثها بهذه الخاصية ولذلك أسنده إليها، ويجوز أن يكون اختلاف الأفعال للدلالة على استمرار الأمر. فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ وقرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص بالتشديد. فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بالمطر النازل منه وذكر السحاب كذكره، أو بالسحاب فإنه سبب السبب أو الصائر مطراً. بَعْدَ مَوْتِها بعد يبسها والعدول فيهما من الغيبة إلى ما هو أدخل في الاختصاص لما فيهما من مزيد الصنع. كَذلِكَ النُّشُورُ أي مثل إحياء الموات نشور الأموات في صحة المقدورية، إذ ليس بينهما إلا احتمال اختلاف المادة في المقيس عليه وذلك لا مدخل له فيها. وقيل في كيفية الإِحياء فإنه تعالى يرسل ماء من تحت العرش تنبت منه أجساد الخلق.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٠]
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ (١٠)
مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ الشرف والمنعة. فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً أي فليطلبها من عنده فإن له كلها، فاستغنى بالدليل عن المدلول. إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ بيان لما يطلب به العزة وهو التوحيد والعمل الصالح، وصعودهما إليه مجاز عن قبوله إياهما، أو صعود الكتبة بصحيفتهما، والمستكن في يَرْفَعُهُ ل الْكَلِمُ فإن العمل لا يقبل إلا بالتوحيد ويؤيده أنه نصب الْعَمَلُ، أو ل الْعَمَلُ فإنه يحقق الإِيمان ويقويه، أو لله وتخصيص العمل بهذا الشرف لما فيه من الكلفة. وقرئ «يَصْعَدُ» على البناءين والمصعد هو الله تعالى أو المتكلم به أو الملك. وقيل الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يتناول الذكر والدعاء وقراءة القرآن.
وعنه عليه الصلاة والسلام «هو سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فإذا قالها العبد عرج بها الملك إلى السماء فحيا بها وجه الرحمن، فإذا لم يكن عمل صالح لم تقبل».
وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ المكرات السيئات يعني مكرات قريش للنبي عليه الصلاة والسلام في دار الندوة وتداورهم الرأي في إحدى ثلاث حبسه وقتله وإجلائه. لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ لا يؤبه دونه بما يمكرون به. وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ يَبُورُ يفسد ولا ينفذ لأن الأمور مقدرة لا تتغير به كما دل عليه بقوله:
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١١]
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (١١)
وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ بخلق آدم عليه السلام منه. ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ بخلق ذريته منها. ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً ذكراناً وإناثاً. وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ إلاَّ معلومة له. وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وما يمد في عمر من مصيره إلى الكبر. وَلا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ من عمر المعمر لغيره بأن يعطى له عمر ناقص من عمره، أو لا ينقص من عمر المنقوص عمره بجعله ناقصاً، والضمير له وإن لم يذكر لدلالة مقابله عليه أو للعمر على التسامح فيه ثقة بفهم السامع كقولهم: لا يثيب الله عبداً ولا يعاقبه إلا بحق. وقيل الزيادة والنقصان في عمر واحد باعتبار أسباب مختلفة أثبتت في اللوح مثل: أن يكون فيه إن حج عمرو فعمره ستون سنة وإلا فأربعون. وقيل المراد بالنقصان ما يمر من عمره وينقضي فإنه يكتب في صحيفة عمره يوماً فيوماً، وعن يعقوب وَلا يُنْقَصُ على البناء للفاعل. إِلَّا فِي كِتابٍ هو علم الله تعالى أو اللوح المحفوظ أو الصحيفة.
إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ إشارة إلى الحفظ أو الزيادة أو النقص.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٢]
وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢)
وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ ضرب مثل للمؤمن والكافر، والفرات الذي يكسر العطش والسائغ الذي يسهل انحداره، والأجاج الّذي يحرق بملوحته. وقرئ «سيغ» بالتشديد و «سيغ» بالتخفيف و «مِلْحٌ» على فعل. وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها استطراد في صفة البحرين وما فيهما من النعم، أو تمام التمثيل والمعنى: كما أنهما وإن اشتركا في بعض الفوائد لا يتساويان من حيث إنهما لا يتساويان فيما هو المقصود بالذات من الماء، فإنه خالط أحدهما ما أفسده وغيره عن كمال فطرته، لا يتساوى المؤمن والكافر وإن اتفق اشتراكهما في بعض الصفات كالشجاعة والسخاوة لاختلافهما فيما هو الخاصية العظمى وهي بقاء أحدهما على الفطرة الأصلية دون الآخر، أو تفضيل للأجاج على الكافر بما يشارك فيه العذب من المنافع. والمراد ب الْحِلْيَةِ اللئالئ واليواقيت. وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ في كل. مَواخِرَ تشق الماء بجريها. لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ من فضل الله بالنقلة فيها، واللام متعلقة ب مَواخِرَ، ويجوز أن تتعلق بما دل عليه الأفعال المذكورة. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ على ذلك وحرف الترجي باعتبار ما يقتضيه ظاهر الحال.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٣ الى ١٤]
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ (١٤)
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى هي مدة دوره أو منتهاه أو يوم القيامة. ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ الإِشارة إلى الفاعل لهذه الأشياء. وفيها إشعار بأن فاعليته لها موجبة لثبوت الأخبار المترادفة، ويحتمل أن يكون لَهُ الْمُلْكُ كلاماً مبتدأ في قرآن. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ للدلالة على تفرده بالألوهية والربوبية، والقطمير لفافة النواة.
إِنْ تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ لأنهم جماد وَلَوْ سَمِعُوا على سبيل الفرض. مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ لعدم قدرتهم على الإِنفاع، أو لتبرئهم منكم مما تدعون لهم. وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ بإشراككم لهم يقرون ببطلانه أو يقولون مَّا كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ. وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ولا يخبرك بالأمر مخبر مِثْلُ خَبِيرٍ به أخبرك وهو الله سبحانه وتعالى، فإنه الخبير به على الحقيقة دون سائر المخبرين. والمراد تحقيق ما أخبر به من حال آلهتهم ونفي ما يدعون لهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٥ الى ١٧]
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (١٥) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٦) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (١٧)
يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ في أنفسكم وما يعن لكم، وتعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء، وأن افتقار سائر الخلائق بالإِضافة إلى فقرهم غير معتد به ولذلك قال: وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً. وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ المستغني على الإِطلاق المنعم على سائر الموجودات حتى استحق عليهم الحمد.
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ بقوم آخرين أطوع منكم، أو بعالم آخر غير ما تعرفونه.
وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ بمتعذر أو متعسر.

[سورة فاطر (٣٥) : آية ١٨]

وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (١٨)
وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، وأما قوله: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ ففي الضالين المضلين فإنهم يحملون أثقال إضلالهم مع أثقال ضلالهم، وكل ذلك أوزارهم ليس فيها شيء من أوزار غيرهم. وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ نفس أثقلها الأوزار. إِلى حِمْلِها تحمل بعض أوزارها. لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ لم تجب لحمل شيء منه نفى أن يحمل عنها ذنبها كما نفى أن يحمل عليها ذنب غيرها. وَلَوْ كانَ ذَا قُرْبى ولو كان المدعو ذا قرابتها، فأضمر المدعو لدلالة إن تدع عليه. وقرئ «ذو قربى» على حذف الخبر وهو أولى من جعل كان التامة فإنها لا تلائم نظم الكلام. إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ غائبين عن عذابه، أو عن الناس في خلواتهم، أو غائباً عنهم عذابه. وَأَقامُوا الصَّلاةَ فإنهم المنتفعون بالإِنذار لا غير، واختلاف الفعلين لما مر من الاستمرار. وَمَنْ تَزَكَّى ومن تطهر من دنس المعاصي. فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ إذ نفعه لها، وقرئ «ومن أزكى فإنما يزكي» وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة لأنهما من جملة التزكي. وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ فيجازيهم على تزكيهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ١٩ الى ٢٣]
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلا الظُّلُماتُ وَلا النُّورُ (٢٠) وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ (٢١) وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلا الْأَمْواتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذِيرٌ (٢٣)
وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ الكافر والمؤمن، وقيل هما مثلان للصنم ولله عز وجل.
وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ ولا الباطل ولا الحق.
وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ولا الثواب ولا العقاب، ولا لتأكيد نفي الاستواء وتكريرها على الشقين لمزيد التأكيد. والْحَرُورُ فعول من الحر غلب على السموم. وقيل السموم ما يهب نهاراً والحرور ما تهب ليلاً.
وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ تمثيل آخر للمؤمنين والكافرين أبلغ من الأول ولذلك كرر الفعل.
وقيل للعلماء والجهلاء. إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ هدايته فيوفقه لفهم آياته والاتعاظ بعظاته. وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات ومبالغة في إقناطه عنهم.
إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ فما عليك إلا الإِنذار وأما الإِسماع فلا إليك ولا حيلة لك إليه في المطبوع على قلوبهم.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٢٤]
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلا فِيها نَذِيرٌ (٢٤)
إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ محقين أو محقاً، أو إرسالاً مصحوباً بالحق، ويجوز أن يكون صلة لقوله:
بَشِيراً وَنَذِيراً أي بشيراً بالوعد الحق ونذيراً بالوعيد الحق. وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ أهل عصر. إِلَّا خَلا مضى.
فِيها نَذِيرٌ من نبي أو عالم ينذر عنه، والاكتفاء بذكره للعلم بأن النذارة قرينة البشارة سيما وقد قرن به من قبل، أو لأن الإِنذار هو الأهم المقصود من البعثة.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٥ الى ٢٦]
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ (٢٥) ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (٢٦)
وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات الشاهدة على نبوتهم.
وَبِالزُّبُرِ كصحف إبراهيم عليه السلام. وَبِالْكِتابِ الْمُنِيرِ كالتوراة والإِنجيل على إرادة التفصيل دون الجمع، ويجوز أن يراد بهما واحد والعطف لتغاير الوصفين.
ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ أي إنكاري بالعقوبة.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٧ الى ٢٨]
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها أجناسها وأصنافها على أن كلا منها ذو أصناف مختلفة، أو هيئاتها من الصفرة والخضرة ونحوهما. وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ أي ذو جدد أي خطط وطرائق يقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره، وقرئ «جُدَدٌ» بالضم جمع جديدة بمعنى الجدة وجُدَدٌ بفتحتين وهو الطريق الواضح. بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها بالشدة والضعف. وَغَرابِيبُ سُودٌ عطف على بِيضٌ أو على جُدَدٌ كأنه قيل: ومن الجبال ذو جدد مختلفة اللون ومنها غَرابِيبُ متحدة اللون، وهو تأكيد مضمر يفسره ما بعده فإن الغربيب تأكيد للأسود ومن حق التأكيد أن يتبع المؤكد ونظير ذلك في الصفة قول النابغة:
وَالمُؤْمِنُ العَائِذَاتُ الطَيْرُ يَمْسَحُهَا وفي مثله مزيد تأكيد لما فيه من التكرير باعتبار الإِضمار والإِظهار.
وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ كاختلاف الثمار والجبال. إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إذ شرط الخشية معرفة المخشي والعلم بصفاته وأفعاله، فمن كان أعلم به كان أخشى منه ولذلك
قال عليه الصلاة والسلام «إني أخشاكم لله وأتقاكم له»
ولذلك أتبعه بذكر أفعاله الدالة على كمال قدرته، وتقديم المفعول لأن المقصود حصر الفاعلية ولو أخر انعكس الأمر. وقرئ برفع اسم الله ونصب العلماء على أن الخشية مستعارة للتعظيم فإن المعظم يكون مهيباً. إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ تعليل لوجوب الخشية لدلالته على أنه معاقب للمصر على طغيانه غفور للتائب عن عصيانه.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٢٩ الى ٣٠]
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠)
إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ يداومون على قراءته أو متابعة ما فيه حتى صارت سمة لهم وعنواناً، والمراد بكتاب الله القرآن أو جنس كتب الله فيكون ثناء على المصدقين من الأمم بعد اقتصاص حال المكذبين. وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً كيف اتفق من غير قصد إليهما. وقيل السر في المسنونة والعلانية في المفروضة. يَرْجُونَ تِجارَةً تحصيل ثواب بالطاعة وهو خبر إن. لَنْ تَبُورَ لن تكسد ولن تهلك بالخسران صفة للتجارة وقوله:
لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ علة لمدلوله أي ينتفي عنها الكساد وتنفق عند الله ليوفيهم بنفاقها أجور أعمالهم، أو لمدلول ما عد من امتثالهم نحو فعلوا ذلك لِيُوَفِّيَهُمْ أو عاقبة ل يَرْجُونَ
. وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ على ما
يقابل أعمالهم. إِنَّهُ غَفُورٌ لفرطاتهم. شَكُورٌ لطاعاتهم أي مجازيهم عليها، وهو علة للتوفية والزيادة أو خبر إن ويَرْجُونَ حال من واو وَأَنْفَقُوا.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٣١]
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١)
وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ يعني القرآن ومِنَ للتبيين أو الجنس ومِنَ للتبعيض. هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أحقه مصدقاً لما تقدمه من الكتب السماوية حال مؤكدة لأن حقيته تستلزم موافقته إياه في العقائد وأصول الأحكام. إِنَّ اللَّهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ عالم بالبواطن والظواهر فلو كان في أحوالك ما ينافي النبوة لم يوح إليك مثل هذا الكتاب المعجز الذي هو عيار على سائر الكتب، وتقديم الخبير للدلالة على أن العمدة في ذلك الأمور الروحانية.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٣٢]
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ (٣٢)
ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ حكمنا بتوريثه منك أو نورثه فعبر عنه بالماضي لتحققه، أو أورثناه من الأمم السالفة، والعطف على إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ، وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ اعتراض لبيان كيفية التوريث. الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا يعني علماء الأمة من الصحابة ومن بعدهم، أو الأمة بأسرهم فإن الله اصطفاهم على سائر الأمم فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالتقصير في العمل به. وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ يعمل به في غالب الأوقات. وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ بضم التعليم والإِرشاد إلى العمل، وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم. وقيل الظالم المجرم والمقتصد الذي خلط الصالح بالسيء والسابق الذي ترجحت حسناته بحيث صارت سيئاته مكفرة، وهو معنى
قوله عليه الصلاة والسلام «أما الذين سبقوا فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فأولئك يحاسبون حساباً يسيراً، وأما الذين ظلموا أنفسهم فأولئك يحبسون في طول المحشر ثم يتلقاهم الله برحمته».
وقيل الظالم الكافر على أن الضمير للعباد، وتقدميه لكثرة الظالمين ولأن الظلم بمعنى الجهل والركون إلى الهوى مقتضى الجبلة والاقتصاد والسبق عارضان. ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ إشارة إلى التوريث أو الاصطفاء أو السبق.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٣ الى ٣٥]
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ (٣٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (٣٤) الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ (٣٥)
جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها مبتدأ وخبر والضمير للثلاثة أو ل الَّذِينَ أو لل مُقْتَصِدٌ وال سابِقٌ، فإن المراد بهما الجنس وقرئ «جنة عدن» و «جنات عَدْنٍ» منصوب بفعل يفسره الظاهر، وقرأ أبو عمرو يَدْخُلُونَها على البناء للمفعول. يُحَلَّوْنَ فِيها خبر ثان أو حال مقدرة، وقرئ يُحَلَّوْنَ من حليت المرأة فهي حالية. مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ الأولى للتبعيض والثانية للتبيين. وَلُؤْلُؤاً عطف على ذَهَبٍ أي مِنْ ذَهَبٍ مرصع باللؤلؤ، أو مِنْ ذَهَبٍ في صفاء اللؤلؤ ونصبه نافع وعاصم رحمهما الله عطفا على محل مِنْ أَساوِرَ. وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.
وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ همهم من خوف العاقبة، أو همهم من أجل المعاش وآفاته
أو من وسوسة إبليس وغيرها، وقرئ الْحَزَنَ. وإِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ للمذنبين. شَكُورٌ للمطيعين.
الَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ دار الإِقامة. مِنْ فَضْلِهِ من إنعامه وتفضله إذ لا واجب عليه. لاَ يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ تعب. وَلا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ كلال، إذ لا تكليف فيها ولا كد، أتبع نفي النصب نفي ما يتبعه مبالغة.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (٣٧)
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضى عَلَيْهِمْ لا يحكم عليهم بموت ثان. فَيَمُوتُوا فيتسريحوا، ونصبه بإضمار أن، وقرئ «فيموتون» عطفاً على يُقْضى كقوله: وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ. وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها بل كلما خبت زيد إسعارها. كَذلِكَ مثل ذلك الجزاء. نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ مبالغ في الكفر أو الكفران، وقرأ أبو عمرو «يجزى» على بناء المفعول وإسناده إلى كُلِّ، وقرى «يجازي».
وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيها يستغيثون يفتعلون من الصراخ وهو الصياح استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته. رَبَّنا أَخْرِجْنا نَعْمَلْ صالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ بإضمار القول وتقييد العمل الصالح بالوصف المذكور للتحسر على ما عملوه من غير الصالح والاعتراف به، والإشعار بأن استخراجهم لتلافيه وأنهم كانوا يحسبون أنه صالح والآن تحقق لهم خلافه. أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجاءَكُمُ النَّذِيرُ جواب من الله وتوبيخ لهم وما يَتَذَكَّرُ فيه متناول كل عمر يمكن المكلف فيه من التفكر والتذكر، وقيل ما بين العشرين إلى الستين.
وعنه عليه الصلاة والسلام «العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة».
والعطف على معنى أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ فإنه للتقرير كأنه قال: عمرناكم وجاءكم النذير وهو النبي صلّى الله عليه وسلّم أو الكتاب، وقيل العقل أو الشيب أو موت الأقارب. فَذُوقُوا فَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ يدفع العذاب عنهم.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٣٨) هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَساراً (٣٩)
إِنَّ اللَّهَ عالِمُ غَيْبِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ
لا يخفى عليه خافية فلا يخفى عليه أحوالهم. إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
تعليل له لأنه إذا علم مضمرات الصدور وهي أخفى ما يكون كان أعلم بغيرها.
هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ ملقى إليكم مقاليد التصرف فيها، وقيل خلفاً بعد خلف جمع خليفة والخلفاء جمع خليف. فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ جزاء كفره. وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتاً وَلا يَزِيدُ الْكافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَساراً بيان له، والتكرير للدلالة على أن اقتضاء الكفر لكل واحد من الأمرين مستقل باقتضاء قبحه ووجوب التجنب عنه، والمراد بالمقت وهو أشد البغض مقت الله وبالخسار خسار الآخرة.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٤٠]
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً (٤٠)
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعني آلهتهم والإِضافة إليهم لأنهم جعلوهم شركاء لله
أو لأنفسهم فيما يملكونه. أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ بدل من أَرَأَيْتُمْ بدل الاشتمال لأنه بمعنى أخبروني كأنه قال: أخبروني عن هؤلاء الشركاء أروني أي جزء من الأرض استبدوا بخلقه. أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أم لهم شركة مع الله في خلق السموات فاستحقوا بذلك شركة في الألوهية ذاتية. أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً ينطق على أنا اتخذناهم شركاء. فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ على حجة من ذلك الكتاب بأن لهم شركة جعلية، ويجوز أن يكون هم للمشركين كقوله: أَمْ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمْ سُلْطاناً وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب وأبو بكر والكسائي على بينات فيكون إيماء إلى أن الشرك خطير لا بد فيه من تعاضد الدلائل. بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلَّا غُرُوراً لما نفى أنواع الحجج في ذلك أضرب عنه بذكر ما حملهم عليه وهو تغرير الأسلاف الأخلاف، أو الرؤساء الأتباع بأنهم شفعاء عند الله يشفعون لهم بالتقرب إليه.
[سورة فاطر (٣٥) : آية ٤١]
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (٤١)
إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا كراهة أن تزولا فإن الممكن حال بقائه لا بد له من حافظ، أو يمنعهما أن تزولا لأن الإِمساك منع. وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ ما أمسكهما. مِنْ بَعْدِهِ من بعد الله أو من بعد الزوال، والجملة سادة مسد الجوابين ومن الأولى زائدة والثانية للابتداء. إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً حيث أمسكهما وكانتا جديرتين بأن تهدا هداً كما قال: تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ.
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤٢ الى ٤٣]
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (٤٢) اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً (٤٣)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ. وذلك أن قريشاً لما بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا: لعن الله اليهود والنصارى لو أتانا رسول لنكونن أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، أي من واحدة من الأمم اليهود والنصارى وغيرهم، أو من الأمة التي يقال فيها هي إِحْدَى الْأُمَمِ تفضيلاً لها على غيرها في الهدى والاستقامة. فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ يعني محمداً عليه الصلاة والسلام. مَّا زادَهُمْ أي النذير أو مجيئه على التسبب. إِلَّا نُفُوراً تباعداً عن الحق.
اسْتِكْباراً فِي الْأَرْضِ بدل من نفوراً أو مفعول له. وَمَكْرَ السَّيِّئِ أصله وإن مكروا المكر السيئ فحذف الموصوف استغناء بوصفه، ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر، ثم أضيف. وقرأ حمزة وحده بسكون الهمزة في الوصل. وَلا يَحِيقُ ولا يحيط. الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ وهو الماكر وقد حاق بهم يوم بدر، وقرئ «وَلاَ يَحِيقُ المكر» أي ولا يحيق الله. فَهَلْ يَنْظُرُونَ ينتظرون. إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ سنة الله فيهم بتعذيب مكذبيهم. فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا إذ لا يبدلها بجعله غير التعذيب تعذيباً ولا يحولها بأن ينقله من المكذبين إلى غيرهم، وقوله:
[سورة فاطر (٣٥) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً (٤٤) وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥)
261
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ استشهاد علم بما يشاهدونه في مسايرهم إلى الشام واليمن والعراق من آثار الماضين. وَكانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ ليسبقه ويفوته. فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً بالأشياء كلها. قَدِيراً عليها.
وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا من المعاصي. مَا تَرَكَ عَلى ظَهْرِها ظهر الأرض مِنْ دَابَّةٍ من نسمة تدب عليها بشؤم معاصيهم، وقيل المراد بالدابة الإِنس وحده لقوله: وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى هو يوم القيامة. فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً فيجازيهم على أعمالهم.
عن النبي صلّى الله عليه وسلّم «من قرأ سورة الملائكة دعته ثمانية أبواب الجنة: أن أدخل من أي باب شئت».
262
Icon