تفسير سورة فاطر

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة فاطر من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة فاطر
مكية في قول الجميع

﴿الحمد لله فاطر السماوات والأرض جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إن الله على كل شيء قدير﴾ قوله عز وجل: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ﴾ والفطر الشق عن الشيء بإظهاره للحسن يقال فطر ناب الناقة إذا طلع، وفطر دمه إذا أخرجه. قال ابن عباس: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي ابتدأتها. وفي تأويله ههنا وجهان: أحدهما: خالق السموات والأرض، قاله قتادة، والكلبي، ومقاتل. الثاني: أنه شقها لما ينزل منها وما يعرج فيها. ﴿جَاعِلِ الْمَلآَئِكَةِ رُسُلاً﴾ فيه قولان: أحدهما: إلى الأنبياء، قاله يحيى بن سلام. الثاني: إلى العباد رحمة أو نقمة، قاله السدي. ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ﴾ قال قتادة: بعضهم له جناحان، وبعضهم ثلاثة، وبعضهم أربعة. والمثنى والثلاث والرباع ما تكرر فيه الاثنان والثلاثة والأربعة.
461
﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَآءُ﴾ فيه ثلاثة تأويلات: أحدها: أنه حسن الصوت، قاله الزهري وابن جريج. الثاني: أنه الشعر الجعد، حكاه النقاش. الثالث: يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء، قاله الحسن. ويحتمل رابعاً: أنه العقل والتمييز. ويحتمل خامساً: أنه العلوم والصنائع. ويكون معناه على هذين التأويلين: كما يزيد في الخلق ما يشاء كذلك يزيد في أجنحة الملائكة ما يشاء.
462
﴿ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو فأنى تؤفكون وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترجع الأمور يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير﴾ قوله عز وجل: ﴿مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ فيه سبعة تأويلات: أحدها: من خير، قاله قتادة. الثاني: من مطر، قاله السدي. الثالث: من توبة، قاله ابن عباس. الرابع: من وحي، قاله الحسن. الخامس: من رزق وهو مأثور.
462
السادس: من عافية، قاله الكلبي. السابع: من دعاء، قاله الضحاك. ويحتمل ثامناً: من توفيق وهداية.
463
﴿الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون﴾ قوله عز وجل: ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَءَاهُ حَسَناً﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة، ويكون سوء عمله معاندة الرسول. الثاني: أنهم الخوارج، رواه عمرو بن القاسم، ويكون سوء عمله تحريف التأويل. الثالث: الشيطان، قاله الحسن ويكون سوء عمله الإغواء. الرابع: كفار قريش، قاله الكلبي، ويكون سوء عملهم الشرك. وقيل إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب، وقال غيره نزلت في أبي جهل بن هشام. في قوله: ﴿فَرءَاهُ حَسَناً﴾ وجهان: أحدهما: صواباً، قاله الكلبي. الثاني: جميلاً. وفي الكلام محذوف اختلف فيه على ثلاثة أوجه: أحدها: أن المحذوف منه: فإنه يتحسر عليه يوم القيامة، قاله ابن عيسى. الثاني: أن المحذوف منه: كمن آمن وعمل صالحاً لا يستويان، قاله يحيى بن سلام. الثالث: أن المحذوف منه: كمن عمل الحسن والقبح.
قوله عز وجل :﴿ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم اليهود والنصارى والمجوس، قاله أبو قلابة، ويكون سوء عمله معاندة الرسول.
الثاني : أنهم الخوارج، رواه عمرو بن القاسم، ويكون سوء عمله تحريف التأويل.
الثالث : الشيطان، قاله الحسن ويكون سوء عمله الإغواء.
الرابع : كفار قريش، قاله الكلبي، ويكون سوء عملهم الشرك.
وقيل إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب، وقال غيره نزلت في أبي جهل بن هشام.
في قوله :﴿ فَرآهُ حَسَناً ﴾ وجهان :
أحدهما : صواباً، قاله الكلبي.
الثاني : جميلاً.
وفي الكلام محذوف اختلف فيه على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن المحذوف منه : فإنه يتحسر عليه يوم القيامة، قاله ابن عيسى.
الثاني : أن المحذوف منه : كمن آمن وعمل صالحاً لا يستويان، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : أن المحذوف منه : كمن عمل الحسن والقبيح.
{والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابا فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد
463
موتها كذلك النشور من كان يريد العزة فلله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد ومكر أولئك هو يبور والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير} قوله عز وجل: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾ فيه قولان: أحدهما: يعني بالعزة المنعة فيتعزز بطاعة الله تعالى، قاله قتادة. الثاني: علم العزة لمن هي، فلله العزة جميعاً. وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما رواه الحسن أن المشركين عبدوا الأوثان لتعزهم كما وصف الله تعالى عنهم في قوله: ﴿وَاتَّخَذُواْ مِن اللهِ دُونِءَالِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزّاً﴾ فأنزل الله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فِلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً﴾. ﴿إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه التوحيد، قاله يحيى بن سلام. الثاني: الثناء علىمن في الأرض من صالح المؤمنين يصعد به الملائكة المقربون، حكاه النقاش. ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه أداء الفرائض. الثاني: أنه فعل القرب كلها. وفي قوله: ﴿يَرْفَعُهُ﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أن العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب، قاله الحسن، ويحيى بن سلام. الثاني: أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، قاله الضحاك وسعيد بن جبير. الثالث: أن العمل يرفعه الله بصاحبه، قاله قتادة، السدي. ﴿وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ يعني يشركون في الدنيا
464
﴿لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ﴾ يعني في الآخرة. ﴿وَمَكْرُ أُوْلئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يفسد عند الله تعالى، قاله يحيى بن سلام. الثاني: يبطل، قاله قتادة. الثالث: يهلك، والبوار الهلاك، قاله قطرب. وفي المراد: ﴿أُوْلئِكَ﴾ قولان: أحدهما: أهل الشرك. الثاني: أصحاب الربا، قاله مجاهد. قوله عز وجل: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ يعني آدم. ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ يعني نسله. ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً﴾ فيه وجهان: أحدهما: أصنافاً، قاله الكلبي. الثاني: ذكراناً وإناثاً، والواحد الذي معه آخر من شكله زوج والاثنان زوجان، قال الله تعالى: ﴿وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينَ الذَّكَرَ والأُنْثَى﴾ [النجم: ٤٥] وتأول قتادة قوله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً﴾ أي زوّج بعضكم لبعض. ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ﴾ يعني بأمره. ﴿وَمَا يَعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ منْ عَمُرِهِ..﴾ الآية. فيه قولان: أحدهما: ما نمد في عمر معمر حتى يصير هرماً. ولا ينقص من عمر أحد حتى يموت طفلاً إلا في كتاب. الثاني: ما يعمر من معمر قدر الله تعالى مدة أجله إلا كان ما نقص منه بالأيام الماضية عليه في كتاب عند الله. قال سعيد بن جبير: هي صحيفة كتب الله تعالى في أولها أجله، ثم كتب في أسفلها ذهب يوم كذا ويوم كذا حتى يأتي على أجله، وبمثله قال أبو مالك، والشعبي. وفي عمر المعمر ثلاثة أقاويل: أحدها: ستون سنة، قاله الحسن.
465
الثاني: أربعون سنة. الثالث: ثماني عشرة سنة، قاله أبو غالب. ﴿... إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أي هين. ويحتمل وجهين: أحدهما: أن إثبات ذلك على الله يسير. الثاني: أن زيادة عمر المعمر ونقصان عمر الآخر عند الله تعالى يسير. وللكلبي فيه ثالث: أن حفظ ذلك بغير كتاب على الله يسير.
466
قوله عز وجل :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : يعني بالعزة المنعة فيتعزز بطاعة الله تعالى، قاله قتادة.
الثاني : علم العزة لمن هي، فلله العزة جميعاً.
وقيل إن سبب نزول هذه الآية ما رواه الحسن أن المشركين عبدوا الأوثان لتعزّهم كما وصف الله تعالى عنهم في قوله :﴿ وَاتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللهِ آلِهَةً لِّيَكُونُواْ لَهُم عِزّاً ﴾ فأنزل الله تعالى :﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فِلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً ﴾.
﴿ إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه التوحيد، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : الثناء على من في الأرض من صالح المؤمنين يصعد به الملائكة المقربون، حكاه النقاش.
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه أداء الفرائض.
الثاني : أنه فعل القرب كلها.
وفي قوله :﴿ يَرْفَعُهُ ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن العمل الصالح يرفعه الكلام الطيب، قاله الحسن ويحيى بن سلام.
الثاني : أن العمل الصالح يرفع الكلام الطيب، قاله الضحاك وسعيد بن جبير.
الثالث : أن العمل يرفعه الله بصاحبه، قاله قتادة والسدي.
﴿ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ ﴾ يعني يشركون في الدنيا.
﴿ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ ﴾ يعني في الآخرة.
﴿ وَمَكْرُ أُوْلئِكَ هُوَ يَبُورُ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يفسد عند الله تعالى، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : يبطل، قاله قتادة.
الثالث : يهلك، والبوار الهلاك، قاله قطرب.
وفي المراد :﴿ أُوْلئِكَ ﴾ قولان :
أحدهما : أهل الشرك.
الثاني : أصحاب الربا، قاله مجاهد.
قوله عز وجل :﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ﴾ يعني آدم.
﴿ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ﴾ يعني نسله.
﴿ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أصنافاً، قاله الكلبي.
الثاني : ذكراناً وإناثاً، والواحد الذي معه آخر من شكله : زوج والاثنان زوجان، قال الله تعالى :
﴿ وأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَينَ الذَّكَرَ والأُنْثَى ﴾[ النجم : ٤٥ ] وتأول قتادة قوله تعالى :﴿ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجاً ﴾ أي زوّج بعضكم لبعض.
﴿ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ ﴾ يعني بأمره.
﴿ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ منْ عمُرِهِ. . ﴾ الآية. فيه قولان :
أحدهما : ما نمد في عمر معمر حتى يصير هرماً، ولا ينقص من عمر أحد حتى يموت طفلاً إلا في كتاب.
الثاني : ما يعمر من معمر قدر الله تعالى مدة أجله إلا كان ما نقص منه بالأيام الماضية عليه في كتاب عند الله.
قال سعيد بن جبير : هي صحيفة كتب الله تعالى في أولها أجله، ثم كتب في أسفلها ذهب يوم كذا ويوم كذا حتى يأتي على أجله، وبمثله قال أبو مالك والشعبي.
وفي عمر المعمر ثلاثة أقاويل :
أحدها : ستون سنة، قاله الحسن.
الثاني : أربعون سنة.
الثالث : ثماني عشرة سنة، قاله أبو غالب.
﴿. . . إنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ أي هين.
ويحتمل وجهين :
أحدهما : أن إثبات ذلك عند الله يسير.
الثاني : أن زيادة عمر المعمر ونقصان عمر الآخر عند الله تعالى يسير.
وللكلبي فيه ثالث : أن حفظ ذلك بغير كتاب١ على الله يسير.
١ كتاب من ك وفي ع ذلك..
﴿وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير﴾ ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: ما يستويان في أنفسهما. الثاني: في منافع الناس بهما. ﴿هذَا عَذْبٌ فُراتٌ﴾ والفرات هو العذب وذكره تأكيداً لاختلاف اللفظين كما يقال هذا حسن جميل. ﴿سَآئَغٌ شَرَابُهُ﴾ أي ماؤه. ﴿وَهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ أي مُرٌّ مأخوذ من أجة النار كأنه يحرق من شدة المرارة، قال الشاعر:
466
﴿وَمِن كُلٍّ تَأكُلُونَ لَحْماً طَرِيّاً﴾ يعني لحم الحيتان مأكول من كلا البحرين. ﴿وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ اللؤلؤ والمرجان يستخرج من الملح، ويكون المراد أحدهما وإن عطف بالكلام عليهما. وقيل: بل هو مأخوذ منهما لأن في البحر عيوناً عذبة، وما بينهما يخرج اللؤلؤ عند التمازج وقيل من مطر السماء. ثم قال: ﴿تَلْبَسُونَهَا﴾ وإن لبسها النساء دون الرجال لأن جمالها عائد عليهم جميعاً. ﴿وَتَرى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: مقبلة ومدبرة وريح واحدة، قاله يحيى بن سلام. الثاني: مواقر، قاله الحسن. قال الشاعر:
(دُرَّةٌ في اليمين أخرجها الغا ئص من قعر بحر ملح أجاج)
(تراها إذا راحت ثقالاً كأنها مواخر فلك أو نعام حوافل)
الثالث: معترضة، قاله أبو وائل. الرابع: جواري، قاله ابن قتيبة. الخامس: تمخر الماء أي تشقه في جريها شقاً، قاله علي بن عيسى. ﴿لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ قال مجاهد: التجاة في الفلك. ويحتمل وجهاً آخر ما يستخرج من حليته ويصاد من حيتان. ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [فيه وجهان]: أحدهما: على ما آتاكم من نعمه. الثاني: على ما آتاكم من فضله. ويحتمل ثالثاً: على ما أنجاكم من هوله.
467
{يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز ولا تزر وازرة
467
وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير} قوله عز وجل: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَى﴾ أي لا تحمل نفس ما تحمله نفس أخرى من ذنوبها، ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال الملك بتدبيره. ﴿وَإن تَدَعُ مُثْقَلَةٌ إلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَل مِنْهُ شَيْءٌ﴾ قال مجاهد مثقلة بالذنوب، ومعنى الكلام أن النفس التي قد أثقلتها ذنوبها إذا دعت يوم القيامة من يتحمل الذنوب عنها لم تجد من يتحمل عنها شيئاً من ذنوبها. ﴿وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى﴾ ولو كان المدعو إلى التحمل قريباً مناسباً، ولو تحمله عنها ما قُبل تحمله، لما سبق من قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾. ﴿إنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهَم بِالْغَيْبِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: في السر حيث لا يطلع عليه أحد، قاله يحيى بن سلام. الثاني: في التصديق بالآخرة، حكاه ابن عيسى. ويحتمل ثالثاً: يخشونه في ضمائر القلوب كما يخشونه في ظواهر الأفعال.
468
قوله عز وجل :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخْرَى ﴾ أي لا تحمل نفس ما تحمله نفس أخرى من ذنوبها، ومنه الوزير لأنه يحمل أثقال الملك بتدبيره.
﴿ وَإن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلَى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَل مِنْهُ شَيْءٌ ﴾ قال مجاهد مثقلة بالذنوب، ومعنى الكلام أن النفس التي قد أثقلتها ذنوبها إذا دعت يوم القيامة من يتحمل الذنوب عنها لم تجد من يتحمل عنها شيئاً من ذنوبها.
﴿ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى ﴾ ولو كان المدعو إلى التحمل قريباً مناسباً، ولو تحمله عنها ما قُبل تحمّله، لما سبق من قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ﴾.
﴿ إنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهَم بِالْغَيْبِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : في السر حيث لا يطلع عليه أحد، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : في التصديق بالآخرة، حكاه ابن عيسى.
ويحتمل ثالثاً : يخشونه في ضمائر القلوب كما يخشونه في ظواهر الأفعال١.
١ في ك ضمائر..
{وما يستوي الأعمى
468
والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور إن أنت إلا نذير إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير} قوله عز وجل: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ..﴾ الآية. فيه قولان: أحدهما: أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، كما لا يستوي الأعمى والبصير، ولا تستوي الظلمات ولا النور، ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر، قاله قتادة. الثاني: أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان، ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان، ولا يستوي ظل الجنة وحرور النار، قاله السدي. والحرور الريح الحارة كالسموم، قال الفراء: الحرور يكون بالليل والنهار، والسموم لا يكون إلا بالنهار. وقال الأخفش: الحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسموم يكون بالليل والنهار. قال قطرب: الحرور الحر، والظل البرد. ومعنى الكلام: أنه لا يستوي الجنة والنار. قوله عز وجل: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَآءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، كما أنه لا يستوي الأحياء والأموات فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر، قاله قتادة. الثاني: أن الأحياء المؤمنون الذين أحياهم الإيمان. والأموات الكفار الذين أماتهم الكفر وهذا مقتضى قول السدي. الثالث: أن الأحياء العقلاء، والأموات الجهال، قاله ابن قتيبة وفي ﴿لاَ﴾ في هذا الموضع وفيما قبله قولان: أحدهما: أنها زائدة مؤكدة. الثاني: أنا نافية لاستواء أحدهما بالآخر. ﴿إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ﴾ أي يهدي من يشاء. ﴿وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه مثل ضربه الله، كما أنك لا تُسمع الموتى في القبور كذلك لا تسمع الكافر. الثاني: أن الكافر قد أماته الكفر حتى أقبره في كفره فلذلك لا يسمع، وقيل إن مراد الله تعالى بهذه الآية الإخبار أن بين الخير فروقاً، كما أن بين الشر فروقاً،
469
ليطلب من درجات الخير أعلاها ولا يحتقر من درجات الشر أدناها، وهو الظاهر من قول علي ابن عيسى. قوله عز وجل: ﴿إنَّآ أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً﴾ أي بالقرآن بشرى بالجنة. ﴿وَنَذِيراً﴾ من النار. ﴿وَإن مَّنْ أُمَّةِ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ أي سلف فيها نبي، قال ابن جريج: إلا العرب.
470
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:قوله عز وجل :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ.. ﴾ الآية. فيه قولان :
أحدهما : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، كما لا يستوي الأعمى والبصير، ولا تستوي الظلمات ولا النور، ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر، قاله قتادة.
الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان، ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان، ولا يستوي ظل الجنة وحرور النار، قاله السدي.
والحرور الريح الحارة كالسموم، قال الفراء : الحرور يكون بالليل والنهار، والسموم لا يكون إلا بالنهار.
وقال الأخفش : الحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسموم يكون بالليل والنهار.
قال قطرب : الحرور الحر، والظل البرد. ومعنى الكلام : أنه لا يستوي الجنة والنار.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٩:قوله عز وجل :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ.. ﴾ الآية. فيه قولان :
أحدهما : أن هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، كما لا يستوي الأعمى والبصير، ولا تستوي الظلمات ولا النور، ولا يستوي الظل ولا الحرور لا يستوي المؤمن والكافر، قاله قتادة.
الثاني : أن معنى قوله وما يستوي الأعمى والبصير أي عمى القلب بالكفر وبصره بالإيمان، ولا تستوي ظلمات الكفر ونور الإيمان، ولا يستوي ظل الجنة وحرور النار، قاله السدي.
والحرور الريح الحارة كالسموم، قال الفراء : الحرور يكون بالليل والنهار، والسموم لا يكون إلا بالنهار.
وقال الأخفش : الحرور لا يكون إلا مع شمس النهار، والسموم يكون بالليل والنهار.
قال قطرب : الحرور الحر، والظل البرد. ومعنى الكلام : أنه لا يستوي الجنة والنار.

قوله عز وجل :﴿ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلاَ الأَمْوَاتُ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر، كما أنه لا يستوي الأحياء والأموات فكذلك لا يستوي المؤمن والكافر، قاله قتادة.
الثاني : أن الأحياء المؤمنون الذين أحياهم الإيمان، والأموات الكفار الذين أماتهم الكفر، وهذا مقتضى قول السدي.
الثالث : أن الأحياء العقلاء، والأموات الجهال، قاله ابن قتيبة وفي ﴿ لاَ ﴾ في هذا الموضع وفيما قبله قولان :
أحدهما : أنها زائدة مؤكدة.
الثاني : أنها نافية لاستواء أحدهما بالآخر.
﴿ إنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاءُ ﴾ أي يهدي من يشاء.
﴿ وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِِ ﴾١ فيه وجهان :
أحدهما : أنه مثل٢ ضربه الله، كما أنك لا تُسمع الموتى في القبور كذلك لا تسمع الكافر.
الثاني : أن الكافر قد أماته الكفر حتى أقبره في كفره فلذلك لا يسمع، وقيل إن مراد الله تعالى بهذه الآية الإخبار أن بين الخير فروقاً، كما أن بين الشر فروقاً، ليطلب من درجات الخير أعلاها ولا يحتقر من درجات الشر أدناها، وهو الظاهر من قول علي بن عيسى.
١ قرأ الحسن وعيسى الثقفي وعمرو بن ميمون "بمسمع من في القبور" بحذف التنوين تخفيفا..
٢ ما ذكره الماوردي في تفسير الآية هو الأرجح فقد ورد في السنة أن الموتى يسمعون فروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه أنه ليسمع قرع نعالهم يأتيه ملكان فيقعدانه إلى آخر الحديث (مختصر صحيح مسلم الحديث رقم ٤٩١). وقد خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى أحد فقيل يا رسول الله أتكلمهم وقد جيفوا: فقال صلى الله عليه وسلم ما أنتم بأسمع منهم....
قوله عز وجل :﴿ إنّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً ﴾ أي بالقرآن بشرى بالجنة.
﴿ وَنَذِيراً ﴾ من النار. ﴿ وَإن مَّنْ أُمَّةِ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ ﴾ أي سلف فيها نبي، قال ابن جريج : إلا العرب.
﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك إنما يخشى الله من عباده العلماء إن الله عزيز غفور﴾ قوله عز وجل: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجَنْا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا﴾ وفيه مضمر محذوف تقديره مختلف ألوانها وطعومها وروائحها، فاقتصر منها على ذكر اللون لأنه أظهرها ﴿وَمِنَ الْجبَالَ جُدَدٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الجدد القطع مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته، حكاه ابن بحر. الثاني: أنها الخطط واحدتها جُدة مثل مُدة ومدد، ومنه قول زهير:
(كأنه أسفع الخدين ذو جُدد طاوٍ ويرتع بعد الصيف عريانا)
﴿بِيضُ وَحُمرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ والغربيب الشديد السواد الذي لونه كلون الغراب. ومنه قول النبي ﷺ (إِنَّ اللَّهَ يَبْغَضُ الشَّيخَ الْغِرْبِيبَ) يعني
470
الذي يخضب بالسواد، قال امرؤ القيس:
(العين طامعة واليد سابحة والرجل لافحة والوجه غربيب)
وقيل فيه تقديم وتأخير، وتقديره سود غرابيب. وفي المراد بالغرابيب السود ثلاثة أوجه: أحدها: الجبال السود، قاله السدي. الثاني: الطرائف السود، قاله ابن عباس. الثالث: الأودية السود، قاله قتادة. ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوآبِّ وَالأَنعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلَوَانُهُ كَذلِكَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: كذلك مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود. الثاني: يعني بقوله كذلك أي كما اختلف ألوان الثمار والجبال والناس والدواب والأنعام كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية. ثم استأنف فقال: ﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عَبَادِهِ الْعُلَمَآءُ﴾ يعني بالعلماء الذين يخافون. قال الربيع بن أنس: من لم يخش الله فليس بعالم. قال ابن مسعود: المتقون سادة، والعلماء قادة. وقيل: فاتحة الزبور الحكمة خشية الله.
471
﴿ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوابِّ وَالأَنعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلَوَانُهُ كَذلِكَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كذلك مختلف ألوانه أبيض وأحمر وأسود.
الثاني : يعني بقوله كذلك أي كما اختلف ألوان الثمار والجبال والناس والدواب والأنعام كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية.
ثم استأنف فقال :﴿ إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عَبَادِهِ الْعُلَمَاءُ١ يعني بالعلماء الذين يخافون.
قال الربيع بن أنس : من لم يخش الله فليس بعالم. قال ابن مسعود : المتقون سادة، والعلماء قادة. وقيل : فاتحة الزبور الحكمة خشية الله.
١ قرأ عمر بن عبد العزيز برفع لفظ الجلالة ونصب العلماء والمعنى أن الله يجل العلماء ويعظّمهم ومنه قول الشاعر:
أهابك أجلالا وما بك قدرة*** على ولكن ملء عين حبيبها.

﴿إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا من ما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور﴾
471
قوله عز وجل: ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ يعني الجنة، وفيها وجهان: أحدهما: لن تفسد، قاله يحيى بن سلام. الثاني: لن تكسد، قاله علي بن عيسى والأول أشبه لقول الشاعر:
(يا رسول المليك إن لساني راتق ما فتقت إذا أنا بور)
قوله عز وجل: ﴿لِيُوَفِّيهُمْ أُجُورَهُمْ﴾ يعني ثواب أعمالهم. ﴿وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: يفسح لهم في قبورهم، قاله الضحاك. الثاني: يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا، قاله أبو وائل. الثالث: يضاعف لهم حسناتهم، وهو مأثور. الرابع: غفر الكثير والشكر اليسير، قاله بعض المتأخرين. ويحتمل خامساً: يوفيهم أجورهم على فعل الطاعات ويزيدهم من فضله على اجتناب المعاصي ﴿إنَّهُ غَفُورٌ﴾ للذنب. ﴿شَكُورٌ﴾ للطاعة. ووصفه بأنه شكور مجاز ومعناه أن يقابل بالإحسان مقابلة الشكور لأنه يقابل على اليسير بأضعافه.
472
قوله عز وجل :﴿ لِيُوَفِّيهُمْ أُجُورَهُمْ ﴾ يعني ثواب أعمالهم.
﴿ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يفسح لهم في قبورهم، قاله الضحاك.
الثاني : يشفعهم فيمن أحسن إليهم في الدنيا، قاله أبو وائل.
الثالث : يضاعف لهم حسناتهم، وهو مأثور.
الرابع : غفر الكثير وشكر اليسير، قاله بعض المتأخرين.
ويحتمل خامساً : يوفيهم أجورهم على فعل الطاعات ويزيدهم من فضله على اجتناب المعاصي ﴿ إنَّهُ غَفُورٌ ﴾ للذنب.
﴿ شَكُورٌ ﴾ للطاعة. ووصفه بأنه شكور مجاز ومعناه أن يقابل١ بالإحسان مقابلة الشكور لأنه يقابل على اليسير بأضعافه.
١ في ك يقوم..
﴿والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير﴾ ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن الكتاب هو القرآن، ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم. الثاني: أن إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث انتقال الشيء من قوم إلى قوم.
472
وفي ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبادِنَا﴾ ثلاثة أقاويل: أحدها: أنهم الأنبياء، حكاه ابن عيسى. الثاني: أنهم بنو إسرائيل لقوله عز وجل: ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفَىءَادَمَ وَنُوحاً﴾ [آل عمران: ٣٣] الآية. قاله ابن بحر. الثالث: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. قاله الكلبي. ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن قوله: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ كلام مبتدأ لا يرجع إلى المصطفين، وهذا قول من تأول المصطفين الأنبياء، فيكون من عداهم ثلاثة أصناف على ما بينهم. الثاني: أنه راجع إلى تفصيل أحوال الذين اصطفينا، ومعنى الاصطفاء الاختيار وهذا قول من تأول المصطفين غير الأنبياء، فجعلهم ثلاثة أصناف. فأما الظالم لنفسه ها هنا ففيه خمسة أوجه: أحدها: أنهم أهل الصغائر من هذه الأمة، روى شهر بن حوشب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له. الثاني: أنهم أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، قاله السدي. الثالث: أنهم المنافقون وهم مستثنون. الرابع: أنهم أهل الكتاب، قاله الحسن. الخامس: أنه الجاحد، قاله مجاهد. وأما المقتصد ففيه أربعة أقاويل: أحدها: أنه المتوسط في الطاعات وهذا معنى حديث أبي الدرداء، روى
473
إبراهيم عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي ﷺ أنه قرأ هذه الآية فقال: (أَمَّا السَّابِقُ فَيدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا المُقْتَصِدُ فَيُحَاسَب حِسَاباً يَسِيراً، وَأمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فِيُحْصَرُ فِي طُولِ الحِبْسِ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنهُ) الثاني: أنهم أصحاب اليمين، قاله السدي. الثالث: أنهم أصحاب الصغائر وهو قول متأخر. الرابع: أنهم الذين اتبعوا سنن النبي ﷺ من بعده، قاله الحسن. ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أنهم المقربون، قاله مجاهد. الثاني: أنهم المستكثرون من طاعة الله تعالى، وهو مأثور. الثالث: أنهم أهل المنزلة العليا في الطاعات، قاله علي بن عيسى. الرابع: أنه من مضى على عهد رسول الله ﷺ فشهد له بالجنة. روى عقبة بن صهبان قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية فقالت: كلهم من أهل الجنة، السابق من مضى على عهد رسول الله ﷺ فشهد له بالحياة والرزق، والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به، والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا.
474
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِن عِبَادِنَا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن الكتاب هو القرآن، ومعنى الإرث انتقال الحكم إليهم.
الثاني : أن إرث الكتاب هو الإيمان بالكتب السالفة لأن حقيقة الإرث انتقال الشيء من قوم إلى قوم.
وفي ﴿ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبادِنَا ﴾ ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنهم الأنبياء، حكاه ابن عيسى.
الثاني : أنهم بنو إسرائيل لقوله عز وجل :﴿ إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً ﴾[ آل عمران : ٣٣ ] الآية. قاله ابن بحر.
الثالث : أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله الكلبي.
﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن قوله :﴿ فَمِنْهُمْ ظَالِِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ كلام مبتدأ لا يرجع إلى المصطفين، وهذا قول من تأوّل المصطفين الأنبياء، فيكون من عداهم ثلاثة أصناف على ما بينهم.
الثاني : أنه راجع إلى تفصيل أحوال الذين اصطفينا، ومعنى الاصطفاء الاختيار وهذا قول من تأول المصطفين غير الأنبياء، فجعلهم ثلاثة أصناف.
فأما الظالم لنفسه ها هنا ففيه خمسة أوجه :
أحدها : أنهم أهل الصغائر من هذه الأمة، روى شهر بن حوشب أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له.
الثاني : أنهم أهل الكبائر وأصحاب المشأمة، قاله السدي.
الثالث : أنهم المنافقون وهم مستثنون.
الرابع : أنهم أهل الكتاب، قاله الحسن.
الخامس : أنه الجاحد، قاله مجاهد.
وأما المقتصد ففيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنه المتوسط في الطاعات وهذا معنى حديث أبي الدرداء، روى إبراهيم عن أبي صالح عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ هذه الآية فقال :" أَمَّا السَّابِقُ فَيدْخُلُ الجَنَّةَ بِغَيرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا المُقْتَصِدُ فَيُحَاسَب حِسَاباً يَسِيراً، وَأمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فيُحْصَرُ فِي طُولِ الحبْسِ١ ثُمَّ يَتَجَاوَزُ اللَّهُ عَنهُ٢ "
الثاني : أنهم أصحاب اليمين، قاله السدي.
الثالث : أنهم أصحاب الصغائر وهو قول متأخر.
الرابع : أنهم الذين اتبعوا سنن النبي صلى الله عليه وسلم من بعده، قاله الحسن.
﴿ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أنهم المقربون، قاله مجاهد.
الثاني : أنهم المستكثرون من طاعة الله تعالى، وهو مأثور.
الثالث : أنهم أهل المنزلة العليا في الطاعات، قاله علي بن عيسى.
الرابع : أنه من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالجنة.
روى عقبة بن صهبان قال : سألت عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية فقالت : كلهم من أهل الجنة، السابق من مضى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد له بالحياة والرزق، والمقتصد من اتبع أثره حتى لحق به، والظالم لنفسه مثلي ومثلك ومن اتبعنا.
١ في ك وأما الظالم لنفسه فيحبس في طول الحساب، وفي تفسير القرطبي فيحبس في المقام ويوبخ ويقرع ثم يدخل الجنة والمعنى واحد..
٢ رواه أحمد في المسند ٥/ ١٩٨ و ٦/ ٤٤٤..
﴿جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب﴾
474
قوله عز وجل: ﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ فيه تسعة تأويلات: أحدها: أنه خوف النار، قاله ابن عباس. الثاني: أنه حزن الموت، قاله عطية. الثالث: تعب الدنيا وهمومها، قاله قتادة. الرابع: حزن المنّة، قاله سمُرة. الخامس: حزن الظالم لما يشاهد من سوء حاله، قاله ابن زيد. السادس: الجوع حكاه النقاش. السابع: خوف السلطان، حكاه الكلبي. الثامن: طلب المعاش، حكاه الفراء. التاسع: حزن الطعام، وهو مأثور. ويحتمل عاشراً: أنه حزن التباغض والتحاسد لأن أهل الجنة متواصلون لا يتباغضون ولا يتحاسدون. وفي وقت قولهم لذلك قولان: أحدهما: عند إعطاء كتبهم بأيمانهم لأنه أول بشارات السلامة، فيقولون عندها: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾. الثاني: بعد دخول الجنة، قاله الكلبي، وهو أشبه لاستقرار الجزاء والخلاص من أهوال القيامة فيقولون ذلك عند أمنهم شكراً. قوله عز وجل: ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمَقَامَةِ مِن فَضْلِهِ﴾ أي دار الإقامة وهي الجنة. وفي الفرق بين المقامة بالضم والفتح وجهان: أحدهما: أنها بالضم دار الإقامة، وبالفتح موضع الإقامة. الثاني: أنها بالضم المجلس الذي يجتمع فيه للحديث. ﴿لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: تعب، قاله ابن عيسى. الثاني: وجع، قاله قتادة. ﴿وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ فيه وجهان:
475
أحدهما: أنه العناء، قاله أبو جعفر الطبري. الثاني: أنه الإعياء، قاله قطرب وابن عيسى.
476
قوله عز وجل :﴿ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾ فيه تسعة تأويلات :
أحدها : أنه خوف النار، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه حزن الموت، قاله عطية.
الثالث : تعب الدنيا وهمومها، قاله قتادة.
الرابع : حزن المنّة، قاله سمُرة.
الخامس : حزن الظالم لما يشاهد من سوء حاله ؛ قاله ابن زيد.
السادس : الجوع حكاه النقاش.
السابع : خوف السلطان، حكاه الكلبي.
الثامن : طلب المعاش، حكاه الفراء.
التاسع : حزن الطعام، وهو مأثور.
ويحتمل عاشراً : أنه حزن التباغض والتحاسد لأن أهل الجنة متواصلون لا يتباغضون ولا يتحاسدون.
وفي وقت قولهم لذلك قولان :
أحدهما : عند إعطاء كتبهم بأيمانهم لأنه أول بشارات السلامة، فيقولون عندها :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ ﴾.
الثاني : بعد دخول الجنة، قاله الكلبي، وهو أشبه لاستقرار الجزاء والخلاص من أهوال القيامة فيقولون ذلك عند أمنهم شكراً.
قوله عز وجل :﴿ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمَقَامَةِ مِن فَضْلِهِ ﴾ أي دار الإقامة وهي الجنة.
وفي الفرق بين المقامة بالضم والفتح وجهان :
أحدهما : أنها بالضم دار الإقامة، وبالفتح موضع الإقامة.
الثاني : أنها بالضم المجلس الذي يجتمع فيه للحديث.
﴿ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : تعب، قاله ابن عيسى.
الثاني : وجع، قاله قتادة.
﴿ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه العناء، قاله أبو جعفر الطبري.
الثاني : أنه الإعياء، قاله قطرب وابن عيسى.
﴿والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير﴾ قوله عز وجل: ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾ قال ابن جريج: وهم يستغيثون فيها ﴿َرَبَّنَآ أخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ أي نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية. ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: أنه البلوغ، قاله الحسن لأنه أول زمان التذكر. الثاني: ثماني عشرة سنة. الثالث: أربعون سنة، قاله ابن عباس ومسروق. الرابع: ستون سنة، قاله علي بن أبي طالب مرفوعاً. الخامس: سبعون سنة لأنه آخر زمان التذكر، وما بعده هرم. روى أبو هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إلَى عَبدٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتّىَ بلَغَ سِتِيّنَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً). قوله عز وجل: ﴿وَجَآءَكُمُ النَّذِيرُ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: محمد ﷺ، قاله ابن زيد. الثاني: الشيب، حكاه الفراء والطبري. الثالث: الحمى. الرابع: موت الأهل والأقارب. ويحتمل خامساً: أنه كمال العقل.
قوله عز وجل :﴿ وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا ﴾ قال ابن جريج : وهم يستغيثون فيها ﴿ رَبَّنَا أخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ﴾ أي نؤمن بدل الكفر ونطيع بدل المعصية.
﴿ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ ﴾ فيه خمسة أقاويل :
أحدها : أنه البلوغ، قاله الحسن لأنه أول زمان التذكر١.
الثاني : ثماني عشرة سنة.
الثالث : أربعون سنة، قاله ابن عباس ومسروق.
الرابع : ستون سنة، قاله علي بن أبي طالب مرفوعاً.
الخامس٢ : سبعون سنة لأنه آخر زمان التذكر، وما بعده هرم. روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لَقَدْ أَعْذَرَ اللَّهُ إلَى عَبدٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتّىَ بلَغَ سِتِيّنَ سَنَةً أَوْ سَبْعِينَ سَنَةً٣ ".
قوله عز وجل :﴿ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن زيد.
الثاني : الشيب، حكاه الفراء والطبري.
﴿ فَذُوقُواْ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : حسرة الندم.
الثاني : عذاب جهنم.
الثالث : الحمى.
الرابع : موت الأهل والأقارب.
ويحتمل خامساً : أنه كمال العقل.
١ في ك تذكر بالتفكير..
٢ هذا القول والذي قبله جديران بالاختيار لورود فيهما وقد رجحها القرطبي في تفسيره.
٣ رواه البخاري في الرفاق ١١/ ٢٠٤، والترمذي في الزهد رقم ٢٣٣٢ وابن ماجه في الزهد أيضا رقم ٤٢٣٦..
﴿إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور هو الذي جعلكم خلائف في الأرض فمن كفر فعليه كفره ولا يزيد الكافرين كفرهم عند ربهم إلا مقتا ولا يزيد الكافرين كفرهم إلا خسارا﴾ ﴿فَذُوقُواْ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: حسرة الندم. الثاني: عذاب جهنم. قوله عز وجل: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْض﴾ قال قتادة خلفاً بعد خلف قرناً بعد قرن، والخلف هو الثاني للمتقدم، ولذلك قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله، فقال لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله ﷺ وأنا راضٍ بذلك. وقال بعد السلف إنما يستخلف من يغيب أو يموت، والله تعالى لا يغيب ولا يموت. ﴿فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ أي فعليه عقاب كفره. قوله عز وجل: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دَونِ اللَّهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: شركاءكم في الأموال التي جعلتم لهم قسطاً منها الأوثان. الثاني: الذين أشركتموهم في العبادة.
قوله عز وجل :﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْض ﴾ قال قتادة :< خلفاً بعد خلف>١ قرناً بعد قرن، والخلف هو الثاني للمتقدم، ولذلك قيل لأبي بكر رضي الله عنه يا خليفة الله، فقال لست بخليفة الله ولكني خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا راضٍ بذلك. وقال بعد السلف إنما يستخلف من يغيب أو يموت، والله تعالى لا يغيب ولا يموت.
﴿ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ﴾ أي فعليه عقاب كفره.
١ من ك.
﴿قل أرأيتم شركاءكم الذين تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات أم آتيناهم كتابا فهم على بينة منه بل إن يعد الظالمون بعضهم بعضا إلا غرورا إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفورا﴾ ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ الأَرْضِ﴾ قاله السدي يعني في الأرض. ﴿أَمْ لَهُمْ شرْكٌ فِي السَّموَاتِ﴾ حتى صاروا شركاء في خلقها. ﴿أَمْءَآتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنهُ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: أم أنزلنا عليهم كتاباً بأن لله تعالى شركاء من الملائكة والأصنام فيهم مستمسكون به، وهذا قول ابن زياد.
477
الثاني: أم أنزلنا عليهم كتاباً بأن الله لا يعذبهم على كفرهم فهم واثقون به، وهو معنى قول الكلبي. ﴿بَلْ إن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إلاَّ غُرُوراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: وعدوهم بأن الملائكة يشفعون. الثاني: وعدوهم بأنهم ينصرون عليهم.
478
﴿وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا﴾ قوله عز وجل: ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ هم قريش أقسموا قبل أن يبعث الله تعلى رسوله محمداً ﷺ، حين بلغهم أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم، فلعنوا من كذب نبيه منهم، وحلفوا بالله جل اسمه يميناً. ﴿لَئِن جَآءَهُم نَذِيرٌ﴾ أي نبي. ﴿لَّيَكُوننَّ أَهْدَى مِنْ إحْدَى الأُمَمْ﴾ يعني ممن كذب الرسل من أهل الكتاب. ﴿فَلَمَّا جَآءَهُمْ نَذِيرٌ﴾ يعني محمداً صلى الله عليه وسلم. ﴿مَّا زَادَهُمْ إلاَّ نُفُوراً﴾ فيه وجهان: أحدهما: نفوراً عن الرسول. الثاني: نفوراً عن الحق. قوله عز وجل: ﴿اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: استكباراً عن عبادة الله، قاله يحيى بن سلام. الثاني: استكباراً بمعاصي الله، وهذا قول متأخر. ﴿وَمَكْرَ السَّيِّىءِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: الشرك بالله، قاله يحيى.
478
الثاني: أنه المكر برسول الله ﷺ ودينه كما قال تعالى: ﴿وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ﴾ [الأنفال: ٣٠] الآية. ﴿وَلاَ يَحِيقُ الْمُكْرُ السَّيِّىءُ إلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: قاله الكلبي، يحيق بمعنى يحيط. الثاني: قاله قطرب، يحيق بمعنى ينزل، وأنشد قول الشاعر:
(وقد دفعوا المنية فاستقلت ذراعاً بعدما كادت تحيقُ)
قال فعاد ذلك عليهم بقتلهم يوم بدر. ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ﴾ يعني سنة الله في الأولين، وفيها وجهان: أحدهما: نزول العذاب بهم عند إصرارهم في التكذيب. الثاني: لا تقبل منهم التوبة عند نزول العذاب.
479
قوله عز وجل :﴿ اسْتِكْبَاراً فِي الأَرْضِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : استكباراً عن عبادة الله، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : استكباراً بمعاصي الله، وهذا قول متأخر.
﴿ وَمَكْرَ السيئ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : الشرك بالله، قاله يحيى.
الثاني : أنه المكر برسول الله صلى الله عليه وسلم ودينه كما قال تعالى :
﴿ وَإذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ ﴾
[ الأنفال : ٣٠ ] الآية.
﴿ وَلاَ يَحِيقُ الْمُكْرُ السيئ إلاَّ بِأَهْلِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : قاله الكلبي، يحيق بمعنى يحيط.
الثاني : قاله قطرب، يحيق بمعنى ينزل، وأنشد قول الشاعر :
وقد دفعوا المنية فاستقلّت ذراعاً بعدما كادت تحيقُ
قال فعاد ذلك عليهم بقتلهم يوم بدر.
﴿ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّةَ الأَوَّلِينَ ﴾ يعني سنة الله في الأولين، وفيها وجهان :
أحدهما : نزول العذاب بهم عند إصرارهم في التكذيب.
الثاني : لا تقبل منهم التوبة عند نزول العذاب.
﴿أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا﴾ قوله عز وجل: ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ﴾ يعني من الذنوب. ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ﴾ قال يحيى بن سلام بحبس المطر عنهم وفيه ثلاثة أقاويل: أحدها: يعني جميع الحيوان مما دب ودرج، قاله ابن مسعود، قال قتادة: وقد فعل ذلك زمان نوح عليه السلام. الثاني: من الإنس والجن دون غيرهما لأنهما مكلفان بالعقل، قاله الكلبي. الثالث: من الناس وحدهم، قاله ابن جريج.
479
﴿وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ فيه قولان: أحدهما: الأجل المسمى الذي وعدهم في اللوح المحفوظ، قاله مقاتل. الثاني: إلى يوم القيامة، قاله يحيى. ﴿فَإذَا جَآءَ أَجَلُهُم﴾ فيه قولان: أحدهما: نزول العذاب. الثاني: البعث في القيامة. ﴿فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: بصيراً بأجلهم. الثاني: بصيراً بأعمالهم، والله أعلم.
480
سورة يس
مكية في قول الجميع، إلا ابن عباس وقتادة فإنهما قالا إلا آية منها وهي قوله: ﴿وإذا قيل لهم أنفقوا﴾ [يس: ٤٧] الآية. ؟ بسم الله الرحمن الرحيم
5
قوله عز وجل :﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ ﴾ يعني من الذنوب.
﴿ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ﴾ قال يحيى بن سلام بحبس المطر عنهم وفيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : يعني جميع الحيوان مما دب ودرج، قاله ابن مسعود، قال قتادة : وقد فعل ذلك زمان نوح عليه السلام.
الثاني : من الإنس والجن دون غيرهما لأنهما مكلفان بالعقل، قاله الكلبي.
الثالث : من الناس وحدهم، قاله ابن جريج١.
﴿ وَلكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ فيه قولان :
أحدهما : الأجل المسمى الذي وعدهم في اللوح المحفوظ، قاله مقاتل.
الثاني : إلى يوم القيامة، قاله يحيى.
﴿ فَإذَا جَاءَ أَجَلُهُم ﴾ فيه قولان :
أحدهما : نزول العذاب.
الثاني : البعث في القيامة.
﴿ فَإنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : بصيراً بأجلهم.
الثاني : بصيراً بأعمالهم، والله أعلم.
١ نسب القرطبي في تفسيره هذا القول إلى ابن جرير الطبري..
Icon