تفسير سورة الحجرات

الدر المصون
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون .
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿لاَ تُقَدِّمُواْ﴾ : العامَّةُ على ضمِّ التاءِ وفتح القافِ وتشديدِ الدالِ مكسورةً، وفيها وجهان، أحدُهما: أنَّه متعدٍّ، وحُذِفَ مفعولُه: إمَّا اقتصاراً كقولهم: هو يعطي ويمنع، ﴿وَكُلُواْ واشربوا﴾ [البقرة: ١٨٧]، وإمَّا اختصاراً للدلالةِ عليه أي: لا تُقَدِّموا ما لا يَصْلُحُ. والثاني: أنه لازمٌ نحو: وَجَّه وتَوَجَّه، ويَعْضُدُه قراءةُ ابنِ عباس والضَّحَّاك «لا تَقَدَّمُوا» بالفتح في الثلاثة، والأصلُ: لا تَتَقَدَّمُوْا فحذَف إحدى التاءَيْن. وبعضُ المكِّيين «لا تَّقَدَّمُوْا» كذلك، / إلاَّ أنَّه بتشديد التاء كتاءات البزي. والمتوصَّلُ إليه بحرفِ الجرِّ في هاتَيْن القراءتَيْن أيضاً محذوفٌ أي: لا تَتَقَدَّموا إلى أمرٍ من الأمور. وقُرِىء «لا تُقْدِموا» بضمِّ التاءِ وكسرِ الدالِ مِنْ أَقْدَمَ أي: لا تُقْدِموا على شيءٍ.
قوله: ﴿أَن تَحْبَطَ﴾ : مفعولٌ من أجلِه. والمسألةُ من التنازعِ لأنَّ كُلاًّ مِنْ قولِه: «لا تَرْفَعوا» و ﴿لاَ تَجْهَرُواْ لَهُ﴾ يَطْلُبه من حيث
5
المعنى، فيكون معمولاً للثاني عند البصريين في اختيارِهم، وللأولِ عند الكوفيين. والأولُ أَصَحُّ للحَذْفِ من الأولِ أي: لأَنْ تحبطَ. وقال أبو البقاء: «إنها لامُ الصيرورة» ولا حاجةَ إليه. ﴿وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾ حالٌ.
6
قوله: ﴿أولئك﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ «أولئك» مبتدأ، و «الذين» خبرُه. والجملةُ خبر «إنَّ» ويكونُ «لهم مغفرةٌ» جملةً أخرى: إمَّا مستأنفةً وهو الظاهرُ، وإمَّا حاليةً. ويجوزُ أَنْ يكونَ «الذين امتحنَ» صفةً ل «أولئك» أو بدلاً منه أو بياناً، و «لهم مغفرةٌ» جملةٌ خبريةٌ. ويجوزُ أَنْ يكونَ «لهم» هو الخبرَ وحده، و «مغفرةٌ» فاعلٌ به.
قوله: ﴿مِن وَرَآءِ﴾ :«مِنْ» لابتداءِ الغايةِ. وفي كلامِ الزمخشريِّ ما يمنعُ أنَّ «مِنْ» تكونُ لابتداءِ الغاية وانتهائِها. قال: «لأنَّ الشيءَ الواحدَ لا يكونُ مَبْدَأً للفعلِ ومنتهىً له» وهذا أثبتَه بعضُ الناس، وزعم أنَّها تَدُلُّ على ابتداءِ الفعلِ وانتهائِه في جهةٍ واحدةٍ نحو: «أَخَذْتُ الدرهمَ من الكيس». والعامَّةُ على «الحُجُرات» بضمتين. وأبو جعفر وشَيْبَةُ بفتحها. وابنُ أبي عبلةَ بإسكانها وهي ثلاثُ لغاتٍ تقدَّم تحقيقُها
6
في البقرة في قوله: ﴿فِي ظُلُمَاتٍ﴾ [البقرة: ١٧]. والحُجْرَةُ فُعْلَة بمعنى مَفْعولة كغُرْفة بمعنى مَغْروفة.
7
قوله: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ﴾ : قد تقدَّم مِثْلُه. وجعله الزمخشري فاعلاً بفعلٍ مقدرٍ أي: ولو ثَبَتَ صبرُهم، وجعل اسمَ كان ضميراً عائداً على هذا الفاعلِ. وقد تقدَّم أنَّ مذهب سيبويهِ أنها في محلِّ رفع بالابتداءِ، وحينئذٍ يكون اسمُ كان ضميراً عائداً على صبرِهم المفهومِ من الفعل.
قوله: ﴿أَن تُصِيببُواْ﴾ : مفعولٌ له، كقولِه: ﴿أَن تَحْبَطَ﴾ [الحجرات: ٢].
قوله: ﴿لَوْ يُطِيعُكُمْ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ حالاً: إمَّا من الضميرِ المجرور مِنْ «فيكم»، وإمَّا من المرفوعِ المستترِ في «فيكم» لأدائِه إلى تنافُرِ النَّظْمِ. ولا يَظْهر ما قاله بل الاستئناف واضحٌ أيضاً. وأتى بالمضارعِ بعد «لو» لدلالةً على أنه كان في إرادتِهم استمرارُ عملِه على ما يتقوَّلون.
قوله: ﴿ولكن الله﴾ الاستدراكُ هنا من حيث المعنى لا من حيث
7
اللفظُ؛ لأنَّ مَنْ حُبِّبَ إليه الإِيمانُ غايَرَتْ صفتُه صفةَ مَنْ تقدَّم ذِكْرُه.
وقوله: ﴿أولئك هُمُ﴾ التفاتٌ من الخطاب إلى الغَيْبَةِ.
8
قوله: ﴿فَضْلاً﴾ : يجوز أَنْ ينتصِبَ على المفعولِ من أجله. وفيما ينصِبُه وجهان، أحدهما: قوله: ﴿ولكن الله حَبَّبَ إِلَيْكُمُ﴾، وعلى هذا فما بينهما اعتراضٌ مِنْ قولِه: ﴿أولئك هُمُ الراشدون﴾. والثاني: أنه الراشدون. وعلى هذا فكيف جازَ مع اختلاف الفاعلِ لأنَّ فاعلَ الرُّشدِ غيرُ فاعلِ الفضل؟ فأجاب الزمخشريُّ: بأنَّ الرُّشْدَ لَمَّا وقع عبارةً عن التحبيب والتزيين والتكريه مسندةً إلى أسمائِه صار الرُّشد كأنه فِعْلُه «. وجَوَّزَ أيضاً أَنْ ينتصِبَ بفعلٍ مقدرٍ أي: جرى ذلك أو كان ذلك. قال الشيخ:» وليس مِنْ مواضِع إضمارِ «كان»، وجَعَلَ كلامَه الأولَ اعتزالاً. وليس كذلك؛ لأنه أراد الفعلَ المسندَ إلى فاعلِه لفظاً، وإلاَّ فالتحقيقُ أنَّ الأفعالَ كلَّها مخلوقةٌ للَّهِ تعالى، وإنْ كان الزمخشريُّ غيرَ موافقٍ عليه. ويجوزُ أَنْ ينتصِبَ على المصدرِ المؤكِّد لمضمونِ الجملة السابقةِ لأنها فضلٌ أيضاً. إلاَّ أنَّ ابنَ عطيةَ جعله من المصدرِ المؤكِّد لنفسه. وجَوَّزَ الحوفيُّ أن ينتصبَ على الحالِ وليسَ بظاهرٍ، ويكون التقديرُ: مُتَفَضِّلاً مُنَعِّماً، أو ذا فضلٍ ونِعْمة.
قوله: ﴿اقتتلوا﴾ : عائدٌ على أفراد الطائفتَيْن، كقوله: {
8
هذان خَصْمَانِ اختصموا} [الحج: ١٩] وفي «بينهما» على اللفظ. وقرأ ابن أبي عبلة «اقْتتلَتا» مراعِياً لِلَّفْظ. وزيد بن علي وعبيد بن عمير «اقتتلا» أيضاً، إلاَّ أنه ذَكَّر الفعلَ باعتبار الفريقَيْن، أو لأنه تأنيثٌ مجازيٌّ.
قوله: ﴿حتى تفياء﴾ العامَّةُ على همزِه مِنْ فاء يَفيء أي: رَجَعَ كجاء يجيْء. والزهري بياءٍ مفتوحةٍ كمضارع وَفَى، وهذا على لغةِ مَنْ يَقْصُرُ فيقول: جا، يَجي، دونَ همزٍ، وحينئذ فَتَحَ الياءَ لأنها صارَتْ حرفَ الإِعراب. /
9
قوله: ﴿بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ : العامَّةُ على التثنيةِ، وزيد بن ثابت وعبد الله والحسن وحماد بن سلمة وابن سيرين «إخوانِكم» جمعاً على فِعْلان. وقد تقدَّم أنَّ «الإِخوان» تَغْلِبُ في الصداقة، والإِخْوَة في النَّسَب. وقد يُعْكس كهذه الآيةِ. ورُوي عن أبي عمروٍ وجماعةٍ «إخْوَتِكم» بالتاء مِنْ فوقُ. وقد رُوي عن أبي عمروٍ أيضاً القراءاتُ الثلاثُ.
وتقدَّم الخلاف في «القوم». وجَعَله الزمخشريُّ هنا جمعاً
9
ل «قائم» قال: «كصَوْمٍ وزَوْرٍ جمع صائم وزائر» وفَعْل ليس من أبنية التكسير إلاَّ عند الأخفش نحو: رَكْب وصَحْب.
وقرأ أُبَيٌّ وعبد الله «عَسَوْا» و «عَسَيْنَ» جعلاها ناقصةً وهي لغةُ تميمٍ. وقرأ العامَّةُ لغة الحجاز. وقرأ الحسن والأعرج «ولا تَلْمُزوا» بالضمِّ. واللَّمْزُ بالقول وغيرِه، والهَمْزُ باللسانِ فقط.
قوله: ﴿وَلاَ تَنَابَزُواْ﴾ التنابُزُ: تفاعُلٌ من النَّبْزِ، وهو التداعِي بالنَّبْزِ. والنَّزْبُ، وهو مقلوبٌ منه لقلةِ هذا وكثرةِ ذاك ويُقال: تنابَزُوا وتنازَبُوا إذا دعا بعضُهم بعضاً بلقَبِ سُوْءٍ. وأصلُه من الرَّفْعِ كأنَّ النَّبْزَ يَرْفَعُ صاحبَه فيشاهَدُ، واللَّقَبُ: ما أَشْعَرَ بضَعَة المُسَمَّى كقُفَّة وبَطَّة، أو رِفْعَتِه كالصِّدِّيق وعتيق والفاروق وأسدِ الله وأسدِ رسوله، وله مع الاسم والكنيةِ أحكامٌ ذكَرْتُها في النحو.
10
قوله: ﴿إِثْمٌ﴾ : جعلَ الزمخشريُّ همزه بدلاً من واوٍ. قال: «لأنه يَثِمُ الأعمال أي: يكسِرُها» وهذا غيرُ مُسَلَّمٍ بل تلك مادةٌ أخرى. ولا تَجَسَّسوا: التجسُّسُ: التتبُّع، ومنه الجاسوسُ والجَسَّاسَةُ. وجَواسُّ الإِنسان وحواسُّه: مشاعِرُه: ، وقد قرأ هنا بالحاء الحسنُ وأبو رجاء وابن سيرين.
10
قوله: ﴿مَيْتاً﴾ نصبٌ على الحالِ من «لحم» أو «أخيه» وتقدَّم الخلافُ في «مَيْتا».
قوله: ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ قال الفراء: «تقديرُه: فقد كرهتموه فلا تَفْعَلُوه». وقال أبو البقاء: «المعطوفُ عليه محذوفٌ تقديره: عَرَضَ عليكم ذلك فكرِهْتموه، والمعنى: يُعْرَضُ عليكم فتكرهونه. وقيل: إنْ صَحَّ ذلك عندكم فأنتم تَكْرهونه» وقيل: هو خبرٌ بمعنى الأمرِ كقولهم: «اتقى اللَّهَ امرؤٌ فَعَلَ خيراً يُثَبْ عليه». وقرأ أبو حيوةَ والجحدري «فَكُرِّهْتُموه» بضمِّ الكاف وتشديدِ الراءِ عُدِّيَ بالتضعيفِ إلى ثانٍ، بخلافِ قولِه أولاً: ﴿وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكفر﴾ [الآية: ٧]، فإنه وإنْ كان مُضَعَّفاً لم يَتَعَدَّ إلاَّ لواحدٍ لتضمُّنِه معنى بَغَّض.
11
قوله: ﴿وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ﴾ : الشُّعوب: جمع شَعْب وهو أعلى طبقاتِ الأنسابِ، وذلك أن طبقاتِ النَّسَبِ التي عليها العربُ ستٌّ: الشَّعْبُ والقبيلة والعِمارة والبَطْنُ والفَخِذُ والفَصيلةُ، وكلُّ واحدٍ يَدْخُل فيما قبله، فالفصيلةُ تَدْخُلُ في الفَخِذ، والفَخِذُ في البطن. وزاد بعضُ الناسِ بعد الفَخِذ العشيرة، فجعلها سبعاً وسُمِّيَ الشَّعبُ شعباً لتشَعُّبِ القبائلِ منه، والقبائل سُمِّيَتْ بذلك لتقابُلها، شُبِّهَتْ بقبائلِ الرأسِ وهي قطعٌ متقابلةٌ. وقيل: الشُّعوب في العجم، والقبائل في
11
العرب، والأسباطُ في بني إسرائيل. وقيل: الشعبُ النَسبُ الأبعدُ، والقبيلةُ الأقربُ. وأنشد:
٤٠٨٦ - قبائلُ مِنْ شُعوبٍ ليس فيهِمْ كريمٌ قد يُعَدُّ ولا نَجيبُ
والنسَبُ إلى الشَّعْب «شَعوبيَّة» بفتح الشين، وهم جيلٌ يَبْغَضون العربَ.
قوله: ﴿لتعارفوا﴾ العامَّةُ على تخفيفِ التاء، والأصلُ: لتتعارفوا فحذفَ إحدى التاءَيْن. والبزيُّ بتشديدِها. وقد تقدَّم ذلك في البقرة. واللام متعلقةٌ بجَعَلْناكم. وقرأ الأعمش بتاءَيْن وهو الأصلُ الذي أدغمه البزيُّ وحَذَفَ منه الجمهورُ. وابن عباس: «لِتَعْرِفُوا» مضارعَ عَرَفَ. والعامَّةُ على كسرِ «إنَّ أكْرَمَكم». وابن عباس على فتحها: فإنْ جَعَلْتَ اللامَ لامَ الأمرِ وفيه بُعْدٌ اتَّضَحَ أَن يكونَ قولُه: «أنَّ أَكْرَمَكم» بالفتح مفعولَ العِرْفان، أَمَرَهم أَنْ يَعْرِفوا ذلك، وإنْ جَعَلْتَها للعلة لم يظهرْ أَنْ يكونَ مفعولاً؛ لأنه لم يَجْعَلْهم شعوباً وقبائلَ ليعرِفوا ذلك، فينبغي أن يُجْعَلَ المفعولُ محذوفاً واللامُ للعلة أي: لِتَعْرِفوا الحقَّ؛ لأنَّ أكرمَكم.
12
قوله: ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ﴾ : هذه الجملةُ مستأنفةٌ أخبر تعالى بذلك. وجعلها الزمخشريُّ حالاً من الضميرِ في «قولوا». وقد تقدَّم الكلامُ في «لَمَّا» وما تدلُّ عليه والفرقُ بينها وبينَ «لم». وقال الزمخشري: «فإنْ قلت: هو بعدَ قولِه:» لم تؤمنوا «يُشْبِهُ التكريرَ من غير استقلالٍ بفائدةٍ مُتَجدِّدة. قلت: ليس كذلك فإنَّ فائدةَ قولِه:» لم تؤمنوا «هو تكذيبُ دَعْواهم. و» لَمَّا يَدْخُل «توقيتٌ لِما أُمِروا به أَنْ يقولوه» ثم قال: «وما في» لَمَّا «مِنْ معنى التوقع دليلٌ على أنَّ هؤلاء قد آمنوا فيما بعدُ». قال الشيخ: «ولا أدري مِنْ أيِّ وجه يكونُ المنفيُّ ب» لَمَّا «يقعُ بعدُ» ؟ قلت: لأنَّها لنفيِ قد فَعَلَ، و «قد» للتوقع.
قوله: ﴿لاَ يَلِتْكُمْ﴾ قرأ أبو عمروٍ و «لا يَأْلِتْكُمْ» بالهمز مِنْ أَلَتَه يَأْلُتُهُ بالفتح في الماضي، والكسرِ والضم في المضارع، والسوسيُّ يُبْدل الهمزةَ ألفاً على أصلِه. والباقون «يَلِتْكم» مِنْ لاته يَليتُه كباعه يَبيعه، وهي لغةُ الحجازِ، والأولى لغة غطفانَ وأَسَدٍ. وقيل: هي مِنْ وَلَتَه يَلِتُه كوَعَده يَعِدُه، فالمحذوفُ على القولِ الأول عينُ الكلمةِ ووزنُها يَفِلْكم، وعلى الثاني فاؤُها ووزنها يَعِلْكم. ويقال أيضاً: ألاتَه يُليته/ كأَباعه يُبِيعه، وآلتَهَ يُؤْلِتُه كآمَنَ يُؤْمِنُ. وكلُّها لغاتٌ في معنى: نَقَصَه حَقَّه. قال الحطيئة:
13
٤٠٨٧ - أَبْلِغْ سَراةَ بني سعدٍ مُغَلْغَلَةً جَهْدَ الرسالةِ لا أَلْتاً ولا كَذِباً
وقال رؤبة:
٤٠٨٨ - وليلةٍ ذاتِ ندىً سَرَيْتُ ولم يَلِتْني عن سُراها ليتُ
أي: لم يَمْنَعْني ويَحْبِسْني.
14
قوله: ﴿أَتُعَلِّمُونَ﴾ : هذه منقولةٌ بالتضعيفِ مِنْ عَلِمْتُ به بمعنى شَعَرْتُ به، فلذلك تَعَدَّتْ لواحدٍ بنفسِها ولآخرَ بالباء.
قوله: ﴿أَنْ أَسْلَمُواْ﴾ : يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنَّه مفعولٌ به؛ لأنه ضُمِّن «يَمُنُّون» معنى يَعْتَدُّون «، كأنه قيل: يَعْتَدُّون عليك إسلامَهم مانِّيْنَ به عليك؛ ولهذا صَرَّح بالمفعولِ به في قولِه: ﴿لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ﴾ أي:» لا تَعْتَدُّوا عليَّ إسلامَكم «كذا استدلَّ الشيخُ بهذا. وفيه نظرٌ؛ إذ لقائلٍ أَنْ يقولِ: لا نُسَلِّمُ انتصابَ» إسلامَكم «على المفعولِ به، بل يجوزُ فيه المفعولُ مِنْ أجلِه، كما يجوزُ في محلِّ» أَنْ أَسْلَموا «وهو الوجهُ الثاني فيه، أي: يمنُّون عليك لأجلِ أَنْ أَسْلَمُوا، فكذلك في قولِه: ﴿لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ﴾ وشروطُ النصبِ موجودةٌ، والمفعولُ له متى كان مضافاً استوى جَرُّه بالحرفِ ونصبُه.
وقوله: ﴿أَنْ هَداكُمْ﴾ كقولِه:»
أن أَسْلَموا «. وقرأ زيد بن علي»
14
إذ هَداكم «ب» إذ «مكانَ» أَنْ «وهي تفيد التعليلَ. وجوابُ الشرطِ مقدرٌ أي: فهو المانُّ عليكم لا أنتم عليه وعليَّ.
15
قوله: ﴿والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ : ابن كثير الغَيْبة نظراً لقولِه: «يَمُنُّون» وما بعده، والباقون بالخطابِ نظراً إلى قولِه: ﴿لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ﴾ إلى آخره.
Icon