تفسير سورة الفاتحة

فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن
تفسير سورة سورة الفاتحة من كتاب فتح الرحمن بكشف ما يلتبس في القرآن .
لمؤلفه زكريا الأنصاري . المتوفي سنة 926 هـ
قوله تعالى :﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾( ١ ) [ الفاتحة : ١ ] أي أبتدئُ. وتقدير العامل مؤخرا كما صنعت أولى من تقديمه، ليفيد الاختصاص، والاهتمام بشأن المقدَّم.
وإنما قُدّم في قوله :«إقرأ باسم ربك » للاهتمام بالقرآن، لأن ذلك أوّل سورة نزلت.
١ - هذا على القول بأن البسملة آية من سورة الفاتحة..
قوله تعالى ﴿ الرحمن الرحيم ﴾ [ الفاتحة : ٣ ] كرّره لأن الرحمة هي الإنعام على المحتاج، وذكر في الآية الأولى المُنعم دون المُنعَم عليهم، وأعادها مع ذكرهم بقوله :﴿ ربّ العالمين ﴾ [ الفاتحة : ٢ ] إلخ.
فإن قلتَ : الرحمن أبلغ من الرحيم فكيف قدّمه ؟ وعادة العرب في صفات المدح الترقّي من " الأدنى " إلى " الأعلى " كقولهم : فلان عالم نِحرير.. لأن ذكر الأعلى أولا، ثم الأدنى، لم يتجدد بذكر الأدنى فائدة، بخلاف عكسه ؟   !
قلت : إن كانا بمعنى واحد كندمان ونديم، كما قال الجوهري وغيره فلا إشكال، أو بأن " الرحمن " أبلغ كما عليه الأكثر( ١ )، فإنما قدّمه لأنه اسم خاص بالله تعالى كلفظ " الله ".
١ - صيغة "الرحمن" أبلغ من "الرحيم" لأن لفظ الرحمن يدل على الكثرة والسّعة والامتلاء كما تقول: شبعان، وملآن، وغضبان لمن امتلأ شبعا، وريّا، وغضبا، بخلاف "الرحيم" فلا تفيد المبالغة، فمعنى "الرحمن" واسع الرحمة، وقيل: "الرحمن" صفة تتعلق بالذات، و"الرحيم" صفة تتعلق بالعباد: ﴿إنه بهم رؤوف رحيم﴾..
قوله تعالى :﴿ وإياك نستعين ﴾ [ الفاتحة : ٥ ) كرّر ﴿ إيّاك ﴾ [ الفاتحة : ٥ ] لأنه لو حذفه في الثاني لفاتت فائدة التقديم، وهي قطع الإشراك بين العامِلَين، إذ لو قال :«إيّاك نعبد ونستعين » لم يظهر أن التقدير إيّاك نعبد وإيّاك نستعين... أو إيّاك نعبد ونستعين  ! !
فإن قلتَ : إذا كان " نستعينك " مفيدا لقطع الاشتراك بين العامِلَين، فلِمَ عدَل عنه مع أنه أخصر، إلى " وإيّاك نستعين " ؟
قلتُ : عدل إليه ليفيد الحصر بين العاملين مع أنه أخصر.
فإن قلتَ : فلِم قدّم العبادة على الاستعانة، مع أن الاستعانة مقدمة، لأن العبد يستعين الله على العبادة ليعينه عليها ؟
قلتُ : الواو لا تقتضي الترتيب، أو المراد بالعبادة التوحيد( ١ ) وهو مقدّم على الاستعانة على سائر العبادات.
١ - أي الإيمان، وهذا قد روي عن ابن عباس في ﴿اعبدوا ربكم﴾ وحّدوه وآمنوا بألوهيّته..
قوله تعالى :﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ﴾ [ الفاتحة : ٧ ]. كرّر " الصراط " لأنه المكان المهيّأ للسّلوك، فذكر في الأول المكان دون السّالك، فأعاده مع ذكره بقوله :﴿ صراط الذين أنعمت عليهم ﴾ الخ... المصرَّح فيه بما يخرج " اليهود " وهم المغضوب عليهم، و " النصارى " وهم الضالون.
فإن قلتَ : المراد " بالصراط المستقيم " الإسلام، أو القرآن، أو طريق الجنة كما قيل.. والمؤمنون مهتدون إلى ذلك، فما معنى طلب الهداية له، إذ فيه تحصيل الحاصل ؟
قلتُ : معناه ثبّتنا وأدمنا عليه مع الاستقامة كما في قوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ ﴾ ( ١ ) [ النساء : ١٣٦ ].
فإن قلتَ : ما فائدة دخول " لا " في قوله ﴿ ولا الضّالين ﴾ [ الفاتحة : ٧ ] مع أن الكلام بدونها كاف في المقصود ؟
قلتُ : فائدته توكيد النفي المفاد من " غير ".
١ - أي اثبتوا على الإيمان والزموا التمسك به، فإن الشيطان قد يصرف الإنسان عن الإيمان فيزيغ قبله ﴿ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا﴾..
Icon