تفسير سورة النّاس

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة الناس من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
هذه السورة مكية، وآياتها ست.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ قل أعوذ برب الناس ١ ملك الناس ٢ إله الناس ٣ من شر الوسواس الخنّاس ٤ الذي يوسوس في صدور الناس ٥ من الجنة والناس ﴾.
أمر الله عباده المستعيذين أن يستعيذوا برب كل شيء من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان الموكل بالإنسان. فإنه ما من أحد من بني آدم إلا وله قرين يزين له فعل الفواحش والمنكرات. والمعصوم من عصمه الله. وفي الصحيح أنه " ما منكم من أحد إلا قد وكّل به قرينه "، قالوا : وأنت يا رسول الله ؟ قال : " إلا أن الله أعانني عليه، فأسلم، فلا يأمرني إلا بخير ".
قوله :﴿ قل أعوذ برب الناس ﴾ يعني : قل أستجير برب الناس، وهو مالكهم وخالقهم.
قوله :﴿ ملك الناس ﴾ أي إلههم. وهو بارئهم وخالق ملوكهم وعظمائهم. فهو الذي يستعاذ به، ويلجأ إليه دون غيره من الأعاظم والجبابرة.
قوله :﴿ إله الناس ﴾ أي معبودهم الذي تجب له العبادة دون أحد سواه.
قوله :﴿ من شر الوسواس الخناس ﴾ يعني من شر الشيطان ذي الوسواس، من الوسوسة، وهي حديث النفس. وذلك هو دأب الشيطان الرجيم مع ابن آدم، فإنه ينفث في قلبه في كل الأحوال من الحزن أو السرور، ليثير في نفسه الأوهام والظنون والأضاليل من التصورات، ثم يدعوهم إلى التلبس بالباطل، حتى إذا ذكر الله خنس. أي تأخر، وأخنسه غيره أي خلّفه ومضى. وسمي الشيطان خناسا ؛ لأنه يخنس إذا ذكر الله ١، وفي الخبر : " إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس "، أي تأخر وأقصر.
١ مختار الصحاح ص ١٩١..
قوله :﴿ الذي يوسوس في صدور الناس ﴾ يدعوهم إلى طاعته، فيزين لهم الشر والمعصية. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".
قوله :﴿ من الجنة والناس ﴾ أي أن الموسوس قد يكون من الجن أو من الإنس، فهما بذلك شيطانان. أما شيطان الجن فإنه يوسوس في صدور الناس، وأما شيطان الإنس فإنه يأتي علانية. قال قتادة : إن من الجن شياطين، وإن من الإنس شياطين. فتعوذ بالله من شياطين الإنس والجن.
وقيل : إن قوله :﴿ من الجنة والناس ﴾ بيان للناس، وإن اسم الناس ينطلق على الجنة١.
تم هذا التفسير بعون الله ومشيئته وفضله وتوفيقه في العشاء الآخرة من ليلة الأربعاء في الرابع والعشرين من شهر صفر لعام سبعة عشر وأربعمائة وألف للهجرة. الموافق للعاشر من تموز عام ستة وتسعين وتسعمائة وألف للميلاد.
أسأل الله جلت قدرته أن يسهم هذا الجهد في الإعراب عن عظيم الشأن للقرآن الكريم، وفي إظهار ما تضمنه هذا الكتاب المعجز الفذ من عجيب المعاني والأخبار والحقائق، ليستيقن الناس أن هذا القرآن لهو أعظم الحقائق اليقينية في هذا الوجود.
ثم أسأله عز شأنه أن يكون ما بذلناه في هذا التفسير متقبّلا، وأن يدفع عنا به غوائل الشرور والموبقات والخطايا، وأن يكون لنا فرطا يوم التناد، فنظفر بالسعادة والنجاة والرضوان. والحمد لله رب العالمين.
١ تفسير القرطبي جـ ٢٠ ص ٢٦١- ٢٦٤ وتفسير الطبري جـ ٣٠ ص ٢٢٨، ٢٢٩ والكشاف جـ ٤ ص ٣٠٣ وتفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٥٧٥..
Icon