تفسير سورة الفرقان

تفسير الجلالين
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين .
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ

﴿تَبَارَكَ﴾ تَعَالَى ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَان﴾ الْقُرْآن لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْن الْحَقّ وَالْبَاطِل ﴿عَلَى عَبْده﴾ مُحَمَّد ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ﴾ الْإِنْس وَالْجِنّ دُون الْمَلَائِكَة ﴿نَذِيرًا﴾ مُخَوِّفًا مِنْ عَذَاب اللَّه
﴿الَّذِي لَهُ مُلْك السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَلَمْ يَتَّخِذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك وَخَلَقَ كُلّ شَيْء﴾ مِنْ شَأْنه أَنْ يَخْلُق ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ سِوَاهُ تَسْوِيَة
﴿وَاِتَّخَذُوا﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿مِنْ دُونه﴾ أَيْ اللَّه أَيْ غَيْره ﴿آلِهَة﴾ هِيَ الْأَصْنَام ﴿لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا﴾ أَيْ دَفْعه ﴿وَلَا نَفْعًا﴾ أَيْ جَرّه ﴿وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاة﴾ أَيْ إمَاتَة لِأَحَدٍ وَإِحْيَاء لِأَحَدٍ ﴿وَلَا نُشُورًا﴾ أَيْ بَعْثًا لِلْأَمْوَاتِ
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذَا﴾ أَيْ مَا الْقُرْآن ﴿إلَّا إفْك﴾ كَذِب ﴿افْتَرَاهُ﴾ مُحَمَّد ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْم آخَرُونَ﴾ وَهُمْ مِنْ أَهْل الْكِتَاب قال تعالى ﴿فقد جاؤوا ظُلْمًا وَزُورًا﴾ كُفْرًا وَكَذِبًا أَيْ بِهِمَا
﴿وَقَالُوا﴾ أَيْضًا هُوَ ﴿أَسَاطِير الْأَوَّلِينَ﴾ أَكَاذِيبهمْ جَمْع أُسْطُورَة بِالضَّمِّ ﴿اكْتَتَبَهَا﴾ انْتَسَخَهَا مِنْ ذَلِكَ الْقَوْم بِغَيْرِهِ ﴿فَهِيَ تُمْلَى﴾ تُقْرَأ ﴿عَلَيْهِ﴾ لِيَحْفَظَهَا ﴿بُكْرَة وَأَصِيلًا﴾ غُدْوَة وَعَشِيًّا قَالَ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ
﴿قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَم السِّرّ﴾ الْغَيْب ﴿فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض إنَّهُ كَانَ غَفُورًا﴾ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿رَحِيمًا﴾ بهم
﴿وَقَالُوا مَال هَذَا الرَّسُول يَأْكُل الطَّعَام وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاق لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَك فَيَكُون مَعَهُ نَذِيرًا﴾ يُصَدِّقهُ
﴿أَوْ يُلْقَى إلَيْهِ كَنْز﴾ مِنْ السَّمَاء يُنْفِقهُ وَلَا يَحْتَاج إلَى الْمَشْي فِي الْأَسْوَاق لِطَلَبِ الْمَعَاش ﴿أَوْ تَكُون لَهُ جَنَّة﴾ بُسْتَان ﴿يَأْكُل مِنْهَا﴾ أَيْ مِنْ ثِمَارهَا فَيَكْتَفِي بِهَا وَفِي قِرَاءَة نَأْكُل بِالنُّونِ أَيْ نَحْنُ فَيَكُون لَهُ مَزِيَّة عَلَيْنَا بِهَا ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾ أَيْ الْكَافِرُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿تَتَّبِعُونَ إلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾ مخدوعا مغلوبا على عقله قال تعالى
﴿اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَك الْأَمْثَال﴾ بِالْمَسْحُورِ وَالْمُحْتَاج إلَى مَا يُنْفِقهُ وَإِلَى مَلَك يَقُوم مَعَهُ بِالْأَمْرِ ﴿فَضَلُّوا﴾ بِذَلِكَ عَنْ الْهُدَى ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا﴾ طَرِيقًا إلَيْهِ
١ -
﴿تَبَارَكَ﴾ تَكَاثَرَ خَيْر ﴿الَّذِي إنْ شَاءَ جَعَلَ لَك خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ﴾ الَّذِي قَالُوهُ مِنْ الْكَنْز وَالْبُسْتَان ﴿جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهُ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا فِي الْآخِرَة ﴿وَيَجْعَل﴾ بِالْجَزْمِ ﴿لَك قُصُورًا﴾ أَيْضًا وَفِي قِرَاءَة بِالرَّفْعِ اسْتِئْنَافًا
١ -
﴿بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ﴾ الْقِيَامَة ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا﴾ نَارًا مُسَعَّرَة أَيْ مُشْتَدَّة
١ -
﴿إذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيد سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا﴾ غَلَيَانًا كَالْغَضْبَانِ إذَا غَلَى صَدْره مِنْ الْغَضَب ﴿وَزَفِيرًا﴾ صَوْتًا شَدِيدًا أَوْ سَمَاع التَّغَيُّظ رؤيته وعلمه
١ -
﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف بِأَنْ يُضَيَّق عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا حَال مِنْ مَكَانًا لِأَنَّهُ فِي الْأَصْل صِفَة لَهُ ﴿مُقَرَّنِينَ﴾ مُصَفَّدِينَ قَدْ قُرِنَتْ أَيْ جُمِعَتْ أَيْدِيهمْ إلَى أَعْنَاقهمْ فِي الْأَغْلَال وَالتَّشْدِيد لِلتَّكْثِيرِ ﴿دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾ هَلَاكًا فَيُقَال لَهُمْ
١ -
﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْم ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كثيرا﴾ كعذابكم
471
١ -
472
﴿قُلْ أَذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور مِنْ الْوَعِيد وَصِفَة النَّار ﴿خير أم جنة الخلد التي وعد﴾ ها ﴿الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ﴾ فِي عِلْمه تَعَالَى ﴿جَزَاء﴾ ثَوَابًا ﴿وَمَصِيرًا﴾ مَرْجِعًا
١ -
﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ﴾ حَال لَازِمَة ﴿كَانَ﴾ وَعْدهمْ مَا ذُكِرَ ﴿عَلَى رَبّك وَعْدًا مَسْئُولًا﴾ يَسْأَلهُ مَنْ وُعِدَ بِهِ ﴿رَبّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتنَا عَلَى رُسُلك﴾ أَوْ تَسْأَلهُ لَهُمْ الْمَلَائِكَة ﴿رَبّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّات عَدْن الَّتِي وَعَدْتهمْ﴾
١ -
﴿ويوم نحشرهم﴾ بِالنُّونِ وَالتَّحْتَانِيَّة ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره مِنْ الْمَلَائِكَة وَعِيسَى وَعُزَيْر وَالْجِنّ ﴿فَيَقُول﴾ تَعَالَى بِالتَّحْتَانِيَّة وَالنُّون لِلْمَعْبُودِينَ إثْبَاتًا لِلْحُجَّةِ عَلَى الْعَابِدِينَ ﴿أَأَنْتُمْ بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَإِبْدَال الثَّانِيَة أَلِفًا وَتَسْهِيلهَا وَإِدْخَال أَلِف بَيْن الْمُسَهَّلَة وَالْأُخْرَى وَتَرْكه {أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاءِ﴾ أَوْقَعْتُمُوهُمْ فِي الضَّلَال بِأَمْرِكُمْ إيَّاهُمْ بِعِبَادَتِكُمْ ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيل﴾ طَرِيق الْحَقّ بِأَنْفُسِهِمْ
١ -
﴿قَالُوا سُبْحَانك﴾ تَنْزِيهًا لَك عَمَّا لَا يَلِيق بِك ﴿مَا كَانَ يَنْبَغِي﴾ يَسْتَقِيم ﴿لَنَا أَنْ نَتَّخِذ مِنْ دُونك﴾ أَيْ غَيْرك ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ مَفْعُول أَوَّل وَمِنْ زَائِدَة لِتَأْكِيدِ النَّفْي وَمَا قَبْله الثَّانِي فَكَيْفَ نَأْمُر بِعِبَادَتِنَا ﴿وَلَكِنْ مَتَّعْتهمْ وَآبَاءَهُمْ﴾ مِنْ قَبْلهمْ بِإِطَالَةِ الْعُمُر وَسَعَة الرِّزْق ﴿حَتَّى نَسُوا الذِّكْر﴾ تَرَكُوا الْمَوْعِظَة وَالْإِيمَان بِالْقُرْآنِ ﴿وكانوا قوما بورا﴾ هلكي قال تعالى
١ -
﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ﴾ أَيْ كَذَّبَ الْمَعْبُودُونَ الْعَابِدِينَ ﴿بِمَا تَقُولُونَ﴾ بِالْفَوْقَانِيَّةِ أَنَّهُمْ آلِهَة ﴿فَمَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ بِالتَّحْتَانِيَّة وَالْفَوْقَانِيَّة أَيْ لَا هُمْ وَلَا أَنْتُمْ ﴿صَرْفًا﴾ دَفْعًا لِلْعَذَابِ عَنْكُمْ ﴿وَلَا نَصْرًا﴾ مَنْعًا لَكُمْ مِنْهُ ﴿وَمَنْ يَظْلِم﴾ يُشْرِك ﴿مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا﴾ شَدِيدًا فِي الْآخِرَة
٢ -
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلك مِنْ الْمُرْسَلِينَ إلَّا إنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَام وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاق﴾ فَأَنْتَ مِثْلهمْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قِيلَ لَهُمْ مِثْل مَا قِيلَ لَك ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَة﴾ بَلِيَّة اُبْتُلِيَ الْغَنِيّ بِالْفَقِيرِ وَالصَّحِيح بِالْمَرِيضِ وَالشَّرِيف بِالْوَضِيعِ يَقُول الثَّانِي فِي كُلّ مَا لِي لَا أَكُون كَالْأَوَّلِ فِي كُلّ ﴿أَتَصْبِرُونَ﴾ عَلَى مَا تَسْمَعُونَ مِمَّنْ اُبْتُلِيتُمْ بِهِمْ اسْتِفْهَام بِمَعْنَى الْأَمْر أَيْ اصْبِرُوا ﴿وَكَانَ رَبّك بَصِيرًا﴾ بِمَنْ يَصْبِر وبمن يجزع
472
٢ -
473
﴿وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا﴾ لَا يَخَافُونَ الْبَعْث ﴿لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿أَنْزَلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَة﴾ فَكَانُوا رُسُلًا إلَيْنَا ﴿أَوْ نَرَى رَبّنَا﴾ فَنُخْبَر بِأَنَّ محمدا رسوله قال تعالى ﴿لَقَدْ اسْتَكْبَرُوا﴾ تَكَبَّرُوا ﴿فِي﴾ شَأْن ﴿أَنْفُسهمْ وَعَتَوْا﴾ طَغَوْا ﴿عُتُوًّا كَبِيرًا﴾ بِطَلَبِهِمْ رُؤْيَة اللَّه تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَعَتَوْا بِالْوَاوِ عَلَى أَصْلِهِ بِخِلَافِ عِتِيّ بِالْإِبْدَالِ فِي مَرْيَم
٢ -
﴿يَوْم يَرَوْنَ الْمَلَائِكَة﴾ فِي جُمْلَة الْخَلَائِق هُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَنَصْبه بِاذْكُرْ مُقَدَّرًا ﴿لَا بُشْرَى يَوْمئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ﴾ أَيْ الْكَافِرِينَ بِخِلَافِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَهُمْ الْبُشْرَى بِالْجَنَّةِ ﴿وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا﴾ عَلَى عَادَتهمْ فِي الدُّنْيَا إذَا نَزَلَتْ بِهِمْ شِدَّة أَيْ عوذا معاذا يستعيذون من الملائكة قال تعالى
٢ -
﴿وَقَدِمْنَا﴾ عَمَدْنَا ﴿إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل﴾ مِنْ الْخَيْر كَصَدَقَةٍ وَصِلَة رَحِم وَقِرَى ضَيْف وَإِغَاثَة مَلْهُوف فِي الدُّنْيَا ﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَنْثُورًا﴾ هُوَ مَا يُرَى فِي الْكُوَى الَّتِي عَلَيْهَا الشَّمْس كَالْغُبَارِ الْمُفَرَّق أَيْ مِثْله فِي عَدَم النَّفْع بِهِ إذْ لَا ثَوَاب فِيهِ لِعَدَمِ شَرْطه وَيُجَازَوْنَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا
٢ -
﴿أَصْحَاب الْجَنَّة يَوْمئِذٍ﴾ يَوْم الْقِيَامَة ﴿خَيْر مُسْتَقَرًّا﴾ مِنْ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا ﴿وَأَحْسَن مَقِيلًا﴾ مِنْهُمْ أَيْ مَوْضِع قَائِلَة فِيهَا وَهِيَ الِاسْتِرَاحَة نِصْف النَّهَار فِي الْحَرّ وَأُخِذَ مِنْ ذَلِكَ انْقِضَاء الْحِسَاب فِي نِصْف نَهَار كَمَا وَرَدَ فِي حديث
٢ -
﴿وَيَوْم تَشَقَّق السَّمَاء﴾ أَيْ كُلّ سَمَاء ﴿بِالْغَمَامِ﴾ أَيْ مَعَهُ وَهُوَ غَيْم أَبْيَض ﴿وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَة﴾ مِنْ كُلّ سَمَاء ﴿تَنْزِيلًا﴾ هُوَ يَوْم الْقِيَامَة وَنَصْبه بِاذْكُرْ مُقَدَّرًا وَفِي قِرَاءَة بِتَشْدِيدِ شِين تَشَقَّق بِإِدْغَامِ التَّاء الثَّانِيَة فِي الْأَصْل فِيهَا وَفِي أُخْرَى نُنْزِل بِنُونَيْنِ الثَّانِيَة سَاكِنَة وَضَمّ اللَّام وَنَصْب الْمَلَائِكَة
٢ -
﴿الْمُلْك يَوْمئِذٍ الْحَقّ لِلرَّحْمَنِ﴾ لَا يَشْرَكهُ فِيهِ أَحَد ﴿وَكَانَ﴾ الْيَوْم ﴿يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا﴾ بخلاف المؤمنين
473
٢ -
474
﴿وَيَوْم يَعَضّ الظَّالِم﴾ الْمُشْرِك عُقْبَة بْن أَبِي مُعَيْطٍ كَانَ نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ ثُمَّ رَجَعَ إرْضَاء لِأُبَيِّ بْن خَلَف ﴿عَلَى يَدَيْهِ﴾ نَدَمًا وَتَحَسُّرًا فِي يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَقُول يَا﴾ لِلتَّنْبِيهِ ﴿لَيْتَنِي اتَّخَذْت مَعَ الرَّسُول﴾ مُحَمَّد ﴿سَبِيلًا﴾ طَرِيقًا إلَى الهدى
٢ -
﴿يَا وَيْلَتَى﴾ أَلِفه عِوَض عَنْ يَاء الْإِضَافَة أَيْ وَيْلَتَى وَمَعْنَاهُ هَلَكَتِي ﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذ فلانا﴾ أي أبيا ﴿خليلا﴾
٢ -
﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْر﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿بَعْد إذْ جَاءَنِي﴾ بِأَنْ رَدَّنِي عَنْ الْإِيمَان بِهِ قال تعالى ﴿وَكَانَ الشَّيْطَان لِلْإِنْسَانِ﴾ الْكَافِر ﴿خَذُولًا﴾ بِأَنْ يَتْرُكهُ وَيَتَبَرَّأ مِنْهُ عِنْد الْبَلَاء
٣ -
﴿وَقَالَ الرَّسُول﴾ مُحَمَّد ﴿يَا رَبّ إنَّ قَوْمِي﴾ قريشا ﴿اتخذوا هذا القرآن مهجورا﴾ متروكا قال تعالى
٣ -
﴿وَكَذَلِكَ﴾ كَمَا جَعَلْنَا لَك عَدُوًّا مِنْ مُشْرِكِي قَوْمك ﴿جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ﴾ قَبْلك ﴿عَدُوًّا مِنْ الْمُجْرِمِينَ﴾ الْمُشْرِكِينَ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرُوا ﴿وَكَفَى بِرَبِّك هاديا﴾ لك ﴿ونصيرا﴾ ناصرا لَك عَلَى أَعْدَائِك
٣ -
﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا﴾ هَلَّا ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآن جُمْلَة وَاحِدَة﴾ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيل وَالزَّبُور قَالَ تَعَالَى نَزَّلْنَاهُ ﴿كَذَلِكَ﴾ مُتَفَرِّقًا ﴿لِنُثَبِّت بِهِ فُؤَادك﴾ نُقَوِّي قَلْبك ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا﴾ أَيْ أَتَيْنَا بِهِ شَيْئًا بَعْد شَيْء بِتَمَهُّلٍ وَتُؤَدَة لِتَيْسِيرِ فَهْمه وحفظه
٣ -
﴿وَلَا يَأْتُونَك بِمِثْلٍ﴾ فِي إبْطَال أَمْرك ﴿إلَّا جِئْنَاك بِالْحَقِّ﴾ الدَّافِع لَهُ ﴿وَأَحْسَن تَفْسِيرًا﴾ بَيَانًا
٣ -
هُمُ ﴿الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوههمْ﴾ أَيْ يُسَاقُونَ ﴿إلَى جَهَنَّم أُولَئِكَ شَرّ مَكَانًا﴾ هُوَ جَهَنَّم ﴿وَأَضَلّ سَبِيلًا﴾ أَخْطَأ طَرِيقًا مِنْ غَيْرهمْ وَهُوَ كفرهم
٣ -
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَاب﴾ التَّوْرَاة ﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أخاه هارون نذيرا﴾ معينا
٣ -
﴿فَقُلْنَا اذْهَبَا إلَى الْقَوْم الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ أَيْ الْقِبْط فِرْعَوْن وَقَوْمه فَذَهَبَا إلَيْهِمْ بِالرِّسَالَةِ فَكَذَّبُوهُمَا ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا﴾ أَهْلَكْنَاهُمْ إهْلَاكًا
474
٣ -
475
﴿وَ﴾ اذْكُرْ ﴿قَوْم نُوح لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُل﴾ بِتَكْذِيبِهِمْ نُوحًا لِطُولِ لُبْثه فِيهِمْ فَكَأَنَّهُ رُسُل أَوْ لِأَنَّ تَكْذِيبه تَكْذِيب لِبَاقِي الرُّسُل لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْمَجِيء بِالتَّوْحِيدِ ﴿أَغْرَقْنَاهُمْ﴾ جَوَاب لَمَّا ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ﴾ بَعْدهمْ ﴿آيَة﴾ عِبْرَة ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ مُؤْلِمًا سِوَى مَا يَحِلّ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا
٣ -
﴿و﴾ اذكر ﴿عادا﴾ قوم هود ﴿وثمود﴾ قَوْم صَالِح ﴿وَأَصْحَاب الرَّسّ﴾ اسْم بِئْر وَنَبِيّهمْ قِيلَ شُعَيْب وَقِيلَ غَيْره كَانُوا قُعُودًا حَوْلهَا فَانْهَارَتْ بِهِمْ وَبِمَنَازِلِهِمْ ﴿وَقُرُونًا﴾ أَقْوَامًا ﴿بَيْن ذَلِكَ كَثِيرًا﴾ أَيْ بَيْن عَاد وَأَصْحَاب الرَّسّ
٣ -
﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَال﴾ فِي إقَامَة الْحُجَّة عليهم فلا نُهْلِكهُمْ إلَّا بَعْد الْإِنْذَار ﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ أَهْلَكْنَا إهْلَاكًا بِتَكْذِيبِهِمْ أَنْبِيَاءَهُمْ
٤ -
﴿وَلَقَدْ أَتَوْا﴾ أَيْ مَرَّ كُفَّار مَكَّة ﴿عَلَى الْقَرْيَة الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَر السَّوْء﴾ مَصْدَر سَاءَ أَيْ بِالْحِجَارَةِ وَهِيَ عُظْمَى قُرَى قَوْم لُوط فَأَهْلَكَ اللَّه أَهْلهَا لِفِعْلِهِمْ الْفَاحِشَة ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ فِي سَفَرهمْ إلَى الشَّام فَيَعْتَبِرُونَ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ﴾ يَخَافُونَ ﴿نُشُورًا﴾ بَعْثًا فَلَا يُؤْمِنُونَ
٤ -
﴿وإذا رأوك إن﴾ ما ﴿يتخذونك إلا هزؤا﴾ مَهْزُوءًا بِهِ يَقُولُونَ ﴿أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّه رَسُولًا﴾ فِي دَعْوَاهُ مُحْتَقِرِينَ لَهُ عَنْ الرِّسَالَة
٤ -
﴿إنْ﴾ مُخَفَّفَة مِنْ الثَّقِيلَة وَاسْمهَا مَحْذُوف أَيْ إنَّهُ ﴿كَادَ لَيُضِلّنَا﴾ يَصْرِفنَا ﴿عَنْ آلِهَتنَا لَوْلَا أن صبرنا عليها﴾ لصرفنا عنها قال تعالى ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِين يَرَوْنَ الْعَذَاب﴾ عِيَانًا فِي الْآخِرَة ﴿مَنْ أَضَلّ سَبِيلًا﴾ أَخْطَأ طَرِيقًا أَهُمْ أم المؤمنون
٤ -
﴿أَرَأَيْت﴾ أَخْبِرْنِي ﴿مَنْ اتَّخَذَ إلَهه هَوَاهُ﴾ أَيْ مَهْوِيّه قُدِّمَ الْمَفْعُول الثَّانِي لِأَنَّهُ أَهَمّ وَجُمْلَة مَنْ اتَّخَذَ مَفْعُول أَوَّل لِرَأَيْتَ وَالثَّانِي ﴿أَفَأَنْتَ تَكُون عَلَيْهِ وَكِيلًا﴾ حَافِظًا تَحْفَظهُ عَنْ اتِّبَاع هواه لا
٤ -
﴿أَمْ تَحْسَب أَنَّ أَكْثَرهمْ يَسْمَعُونَ﴾ سَمَاع تَفَهُّم ﴿أَوْ يَعْقِلُونَ﴾ مَا تَقُول لَهُمْ ﴿إنْ﴾ مَا ﴿هُمْ إلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلّ سَبِيلًا﴾ أَخْطَأ طَرِيقًا مِنْهَا لِأَنَّهَا تَنْقَاد لِمَنْ يَتَعَهَّدهَا وَهُمْ لَا يُطِيعُونَ مَوْلَاهُمْ الْمُنْعِم عَلَيْهِمْ
475
٤ -
476
﴿أَلَمْ تَرَ﴾ تَنْظُر ﴿إلَى﴾ فِعْل ﴿رَبّك كَيْفَ مَدَّ الظِّلّ﴾ مِنْ وَقْت الْإِسْفَار إلَى وَقْت طُلُوع الشَّمْس ﴿وَلَوْ شَاءَ﴾ رَبّك ﴿لَجَعَلَهُ سَاكِنًا﴾ مُقِيمًا لَا يَزُول بِطُلُوعِ الشَّمْس ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْس عَلَيْهِ﴾ أَيْ الظِّلّ ﴿دَلِيلًا﴾ فَلَوْلَا الشَّمْس مَا عُرِفَ الظِّلّ
٤ -
﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ﴾ أَيْ الظِّلّ الْمَمْدُود ﴿إلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا﴾ خَفِيًّا بِطُلُوعِ الشَّمْس
٤ -
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْل لِبَاسًا﴾ سَاتِرًا كَاللِّبَاسِ ﴿وَالنَّوْم سُبَاتًا﴾ رَاحَة لِلْأَبْدَانِ بِقَطْعِ الْأَعْمَال ﴿وَجَعَلَ النَّهَار نُشُورًا﴾ مَنْشُورًا فِيهِ لِابْتِغَاءِ الرِّزْق وغيره
٤ -
﴿وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاح﴾ وَفِي قِرَاءَة الرِّيح ﴿نشورا بَيْن يَدَيْ رَحْمَته﴾ مُتَفَرِّقَة قُدَّام الْمَطَر وَفِي قِرَاءَة بِسُكُونِ الشِّين تَخْفِيفًا وَفِي أُخْرَى بِسُكُونِهَا وَنُون مَفْتُوحَة مَصْدَر وَفِي أُخْرَى بِسُكُونِهَا وَضَمّ الْمُوَحَّدَة بَدَل النُّون أَيْ مُبَشِّرَات وَمُفْرَد الْأُولَى نَشُور كَرَسُولٍ وَالْأَخِيرَة بَشِير ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنْ السَّمَاء مَاء طَهُورًا﴾ مُطَهَّرًا
٤ -
﴿لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَة مَيْتًا﴾ بِالتَّخْفِيفِ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّر وَالْمُؤَنَّث ذَكَرَهُ بِاعْتِبَارِ الْمَكَان ﴿وَنُسْقِيَهُ﴾ أَيْ الْمَاء ﴿مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا﴾ إبِلًا وَبَقَرًا وَغَنَمًا ﴿وَأَنَاسِيّ كَثِيرًا﴾ جَمْع إنْسَان وَأَصْله أَنَاسِينَ فَأُبْدِلَتْ النُّون يَاء وَأُدْغِمَتْ فِيهَا الْيَاء أَوْ جَمْع إنسي
٥ -
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ﴾ أَيْ الْمَاء ﴿بَيْنهمْ لِيَذَّكَّرُوا﴾ أَصْله يَتَذَكَّرُوا أُدْغِمَتْ التَّاء فِي الذَّال وَفِي قِرَاءَة لِيَذْكُرُوا بِسُكُونِ الذَّال وَضَمّ الْكَاف أَيْ نِعْمَة اللَّه بِهِ ﴿فَأَبَى أَكْثَر النَّاس إلَّا كُفُورًا﴾ جُحُودًا لِلنِّعْمَةِ حَيْثُ قَالُوا مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا
٥ -
﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلّ قَرْيَة نَذِيرًا﴾ يُخَوِّف أَهْلهَا وَلَكِنْ بَعَثْنَاك إلَى أَهْل الْقُرَى كُلّهَا نَذِيرًا لِيَعْظُم أَجْرك
٥ -
﴿فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ﴾ فِي هَوَاهُمْ ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾ أي القرآن {جهادا كبيرا
476
٥ -
477
﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ﴾ أَرْسَلَهُمَا مُتَجَاوِرَيْنِ ﴿هَذَا عَذْب فُرَات﴾ شَدِيد الْعُذُوبَة ﴿وَهَذَا مِلْح أُجَاج﴾ شَدِيد الْمُلُوحَة ﴿وَجَعَلَ بَيْنهمَا بَرْزَخًا﴾ حَاجِزًا لَا يَخْتَلِط أَحَدهمَا بِالْآخَرِ ﴿وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ سِتْرًا مَمْنُوعًا به اختلاطهما
٥ -
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ الْمَاء بَشَرًا﴾ مِنْ الْمَنِيّ إنْسَانًا ﴿فَجَعَلَهُ نَسَبًا﴾ ذَا نَسَب ﴿وَصِهْرًا﴾ ذَا صِهْر بِأَنْ يَتَزَوَّج ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى طَلَبًا لِلتَّنَاسُلِ ﴿وَكَانَ رَبّك قَدِيرًا﴾ قَادِرًا عَلَى مَا يَشَاء
٥ -
﴿وَيَعْبُدُونَ﴾ أَيْ الْكُفَّار ﴿مِنْ دُون اللَّه مَا لَا يَنْفَعهُمْ﴾ بِعِبَادَتِهِ ﴿وَلَا يَضُرّهُمْ﴾ بِتَرْكِهَا وَهُوَ الْأَصْنَام ﴿وَكَانَ الْكَافِر عَلَى رَبّه ظَهِيرًا﴾ مُعِينًا للشيطان بطاعته
٥ -
﴿وَمَا أَرْسَلْنَاك إلَّا مُبَشِّرًا﴾ بِالْجَنَّةِ ﴿وَنَذِيرًا﴾ مُخَوِّفًا من النار
٥ -
﴿قُلْ مَا أَسْأَلكُمْ عَلَيْهِ﴾ أَيْ عَلَى تَبْلِيغ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ ﴿مِنْ أَجْر إلَّا﴾ لَكِنْ ﴿مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذ إلَى رَبّه سَبِيلًا﴾ طَرِيقًا بِإِنْفَاقِ مَاله فِي مَرْضَاته تَعَالَى فَلَا أَمْنَعهُ مِنْ ذَلِكَ
٥ -
﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيّ الَّذِي لَا يَمُوت وَسَبِّحْ﴾ مُتَلَبِّسًا ﴿بِحَمْدِهِ﴾ أَيْ قُلْ سُبْحَان اللَّه وَالْحَمْد لِلَّهِ ﴿وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَاده خَبِيرًا﴾ عَالِمًا تَعَلَّقَ بِهِ بِذُنُوبٍ
٥ -
هُوَ ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَيْنهمَا فِي سِتَّة أَيَّام﴾ مِنْ أَيَّام الدُّنْيَا أَيْ فِي قَدْرهَا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ شَمْس وَلَوْ شَاءَ لَخَلَقَهُنَّ فِي لَمْحَة وَالْعُدُول عَنْهُ لِتَعْلِيمِ خَلْقه التَّثَبُّت ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش﴾ هُوَ فِي اللُّغَة سَرِير الْمُلْك ﴿الرَّحْمَن﴾ بَدَل مِنْ ضَمِير اسْتَوَى أَيْ اسْتِوَاء يَلِيق بِهِ ﴿فَاسْأَلْ﴾ أَيّهَا الْإِنْسَان ﴿بِهِ﴾ بِالرَّحْمَنِ ﴿خَبِيرًا﴾ يُخْبِرك بصفاته
٦ -
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ﴾ لِكُفَّارِ مَكَّة ﴿اُسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَن أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرنَا﴾ بِالْفَوْقَانِيَّةِ وَالتَّحْتَانِيَّة وَالْآمِر مُحَمَّد وَلَا نَعْرِفهُ لَا ﴿وَزَادَهُمْ﴾ هذا القول لهم ﴿نفورا﴾ عن الإيمان قال تعالى
477
٦ -
478
﴿تَبَارَكَ﴾ تَعَاظَمَ ﴿الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا﴾ اثْنَيْ عَشَر الْحَمْل وَالثَّوْر وَالْجَوْزَاء وَالسَّرَطَان وَالْأَسَد وَالسُّنْبُلَة وَالْمِيزَان وَالْعَقْرَب وَالْقَوْس وَالْجَدْي وَالدَّلْو وَالْحُوت وَهِيَ مَنَازِل الْكَوَاكِب السَّبْعَة السَّيَّارَة الْمِرِّيخ وَلَهُ الْحَمْل وَالْعَقْرَب وَالزُّهْرَة وَلَهَا الثَّوْر وَالْمِيزَان وَعُطَارِد وَلَهُ الْجَوْزَاء وَالسُّنْبُلَة وَالْقَمَر وَلَهُ السَّرَطَان وَالشَّمْس وَلَهَا الْأَسَد وَالْمُشْتَرَى وَلَهُ الْقَوْس وَالْحُوت وَزُحَل وَلَهُ الْجَدْي وَالدَّلْو ﴿وَجَعَلَ فِيهَا﴾ أَيْضًا ﴿سِرَاجًا﴾ هُوَ الشَّمْس ﴿وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ وَفِي قِرَاءَة سُرُجًا بِالْجَمْعِ أَيْ نَيِّرَات وَخُصَّ الْقَمَر مِنْهَا بِالذِّكْرِ لنوع فضيلة
٦ -
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْل وَالنَّهَار خِلْفَة﴾ أَيْ يَخْلُف كُلّ مِنْهُمَا الْآخَر ﴿لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّر﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف كَمَا تَقَدَّمَ مَا فَاتَهُ فِي أَحَدهمَا مِنْ خَيْر فَيَفْعَلهُ فِي الْآخَر ﴿أَوْ أَرَادَ شُكُورًا﴾ أَيْ شُكْرًا لِنِعْمَةِ رَبّه عليه فيهما
٦ -
﴿وَعِبَاد الرَّحْمَن﴾ مُبْتَدَأ وَمَا بَعْده صِفَات لَهُ إلَى أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ غَيْر الْمُعْتَرِض فِيهِ ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْض هَوْنًا﴾ أَيْ بِسَكِينَةٍ وَتَوَاضُع ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ﴾ بِمَا يَكْرَهُونَهُ ﴿قَالُوا سَلَامًا﴾ أَيْ قَوْلًا يَسْلَمُونَ فِيهِ مِنْ الْإِثْم
٦ -
﴿وَاَلَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا﴾ جَمْع سَاجِد ﴿وَقِيَامًا﴾ بِمَعْنَى قَائِمِينَ يُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ
٦ -
﴿وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَاب جَهَنَّم إنَّ عَذَابهَا كَانَ غَرَامًا﴾ أَيْ لَازِمًا
٦ -
﴿إنها ساءت﴾ بئست ﴿مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ هِيَ أَيْ مَوْضِع اسْتِقْرَار وَإِقَامَة
٦ -
﴿وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا﴾ عَلَى عِيَالهمْ ﴿لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا﴾ بِفَتْحِ أَوَّله وَضَمّه أَيْ يُضَيِّقُوا ﴿وَكَانَ﴾ إنْفَاقهمْ ﴿بَيْن ذَلِكَ﴾ الْإِسْرَاف وَالْإِقْتَار ﴿قَوَامًا﴾ وسطا
٦ -
﴿وَاَلَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّه إلَهًا آخَر وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتِي حَرَّمَ اللَّه﴾ قَتْلهَا ﴿إلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَل ذَلِكَ﴾ أَيْ وَاحِدًا مِنْ الثَّلَاثَة ﴿يَلْقَ أَثَامًا﴾ أَيْ عقوبة
٦ -
﴿يُضَاعَف﴾ وَفِي قِرَاءَة يُضَعَّف بِالتَّشْدِيدِ ﴿لَهُ الْعَذَاب يَوْم الْقِيَامَة وَيُخَلَّد فِيهِ﴾ بِجَزْمِ الْفِعْلَيْنِ بَدَلًا وَبِرَفْعِهِمَا اسْتِئْنَافًا ﴿مُهَانًا﴾ حَال
٧ -
﴿إلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا﴾ مِنْهُمْ ﴿فَأُولَئِكَ يُبَدِّل اللَّه سَيِّئَاتهمْ﴾ الْمَذْكُورَة ﴿حَسَنَات﴾ فِي الْآخِرَة ﴿وَكَانَ اللَّه غَفُورًا رَحِيمًا﴾ أَيْ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِذَلِكَ
٧ -
﴿وَمَنْ تَابَ﴾ مِنْ ذُنُوبه غَيْر مَنْ ذُكِرَ ﴿وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوب إلَى اللَّه مَتَابًا﴾ أَيْ يَرْجِع إلَيْهِ رُجُوعًا فَيُجَازِيه خَيْرًا
478
٧ -
479
﴿وَاَلَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّور﴾ أَيْ الْكَذِب وَالْبَاطِل ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ﴾ مِنْ الْكَلَام الْقَبِيح وَغَيْره ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾ مُعْرِضِينَ عَنْهُ
٧ -
﴿وَاَلَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا﴾ وُعِظُوا ﴿بِآيَاتِ رَبّهمْ﴾ أَيْ الْقُرْآن ﴿لَمْ يَخِرُّوا﴾ يَسْقُطُوا ﴿عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾ بَلْ خَرُّوا سَامِعِينَ نَاظِرِينَ مُنْتَفِعِينَ
٧ -
﴿وَاَلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجنَا وَذُرِّيَّاتنَا﴾ بِالْجَمْعِ وَالْإِفْرَاد ﴿قُرَّة أَعْيُن﴾ لَنَا بِأَنْ نَرَاهُمْ مُطِيعِينَ لَك ﴿وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَامًا﴾ فِي الخير
٧ -
﴿أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَة﴾ الدَّرَجَة الْعُلْيَا فِي الْجَنَّة ﴿بِمَا صَبَرُوا﴾ عَلَى طَاعَة اللَّه ﴿وَيُلَقَّوْنَ﴾ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيف مَعَ فَتْح الْيَاء ﴿فِيهَا﴾ فِي الْغُرْفَة ﴿تَحِيَّة وَسَلَامًا﴾ مِنْ الْمَلَائِكَة
٧ -
﴿خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ مَوْضِع إقَامَة لَهُمْ وَأُولَئِكَ وَمَا بَعْده خَبَر عِبَاد الرَّحْمَن المبتدإ
٧ -
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِأَهْلِ مَكَّة ﴿مَا﴾ نَافِيَة ﴿يَعْبَأ﴾ يَكْتَرِث ﴿بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ﴾ إيَّاهُ فِي الشَّدَائِد فَيَكْشِفهَا ﴿فَقَدْ﴾ أَيْ فَكَيْفَ يَعْبَأ بِكُمْ وَقَدْ ﴿كَذَّبْتُمْ﴾ الرَّسُول وَالْقُرْآن ﴿فَسَوْفَ يَكُون﴾ الْعَذَاب ﴿لِزَامًا﴾ مُلَازِمًا لَكُمْ فِي الْآخِرَة بَعْد مَا يَحِلّ بِكُمْ فِي الدُّنْيَا فَقُتِلَ مِنْهُمْ يَوْم بَدْر سَبْعُونَ وَجَوَاب لَوْلَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلهَا = ٢٦ سُورَة الشُّعَرَاء
مَكِّيَّة إلَّا آيَة ١٩٧ و ٢٢٤ إلَى آخِر السُّورَة فَمَدَنِيَّة وَآيَاتهَا ٢٢٧ آيَة نزلت بعد الواقعة بسم الله الرحمن الرحيم
Icon