تفسير سورة الفرقان

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
سبب النزول :
قال مقاتل والكلبي ومجاهد وابن عباس : نزلت في النضر بن الحارث، فهو الذي قال هذا القول، وعنى بقوله : وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ. عداسا مولى حويطب بن عبد العزى، ويسارا غلام عامر بن الحضرمي، وأبو فكيهة الرومي مولى بني الحضرمي، وكانوا من أهل الكتاب، يقرءون التوراة ويحدثون أحاديث منها، فأسلموا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعهدهم ويختلف إليهم، فمن ثم قال النضر ما قال.
تمهيد :
بدأت سورة الفرقان بالتوحيد، وانتقلت إلى الرد على عباد الأوثان، وذكرت هنا شبهات المشركين وطعنهم في القرآن، وطعنهم في نبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نزل عليه القرآن.
أهداف سورة الفرقان :
سورة الفرقان سورة مكية، نزلت بعد سورة يس، ونزلت سورة يس بعد سورة الجن، وكان نزول سورة الجن في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من الطائف، وكان قد ذهب إليها سنة عشر من بعثته، فيكون نزول سورة الفرقان في السنة العاشرة من البعثة، وتكون من السور التي نزلت فيما بين الهجرة إلى الحبشة والإسراء. وهي فترة تميزت بقسوة مشركي مكة وعنفهم ورغبتهم في القضاء على الدعوة بكل سبيل، ولذلك تبدو سورة الفرقان وكأنها إيناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتسرية، وتطمين له وهو يواجه مشركي قريش وعنادهم وتعنتهم معه وجدالهم بالباطل، ووقوفهم في وجه الهدى وصدهم عنه.
سورة تشد أزر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
تنوعت جوانب هذه السورة وتعددت، لكنها في جملتها كانت مؤازرة لرسول الله تبثه الثقة والاطمئنان، وتفضح شبهات المشركين، وتنافح عن الدعوة والداعية بالعديد من السبل.
فهي في لمحة منها تصور الإيناس اللطيف الذي يحيط به الله عبده ورسوله، وكأنما يمسح على آلامه ومتاعبه مسحا رفيقا، ويفيض عليه بالرعاية واللطف والمودة.
وهي في لمحة تصور المعركة العنيفة مع البشرية الضالة الجاحدة المشاقة لله ورسوله، وهي تجادل في عنف، وتتعنت في عناد، وتجنح عن الهدى الواضح المبين.
إنها البشرية الضالة التي تقول عن هذا القرآن العظيم :﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ... ﴾ ( الفرقان : ٤ ).
أو تقول :﴿ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾. ( الفرقان : ٥ ).
والتي تقول عن محمد رسول الله :﴿ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ﴾. ( الفرقان : ٨ ).
أو تقول في استهزاء :﴿ أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾. ( الفرقان : ٤١ ).
وهذا التكذيب كان سمة الناس من عهد نوح إلى عهد محمد، لقد اعترض القوم على بشرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واعترضوا على حظه من المال، فقالوا :﴿ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا... ﴾ ( الفرقان : ٨ ).
واعترضوا على طريقة تنزيل القرآن، فقالوا :﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً... ﴾ ( الفرقان : ٣٢ ).
وذلك فوق التكذيب والاستهزاء، والافتراء والإيذاء. وعندما يئس النبي من أهل مكة توجه إلى الطائف، وبها قبائل ثقيف، وفيها نعمة وغنى وزراعة وأعناب، حتى كان العرب يعتقدون أن طائفا من الجن نقلها من اليمن السعيد إلى جنوب الحجاز.
وعندما ذهب إلى الطائف دعا أهلها للإسلام ؛ فردوه أسوأ رد وأغروا به السفهاء والعبيد يرجمونه بالحجارة، حتى دميت قدماه الشريفتان، وأغمي على النبي الأمين، فلما أفاق مد يده لله داعيا متضرعا، يقول :
( اللهم أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا رب العالمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي، إلى من تكلني إلى عدو يتجهمني أو بعيد ملكته أمري، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي سخطك أو يحل علي غضبك، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، عافيتك هي أوسع لي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وقد نزلت سورة الفرقان في أعقاب رحلة الطائف، فكانت حنانا ورحمة من الله لنبيه تمسح آلامه، وتسري عنه، وتهون عليه مشقة ما يلقى من عنت القوم وسوء أدبهم، وتطاولهم على الرسول الذي اختارته السماء ليحمل رسالة الله إلى الناس.
وتعزيه عن استهزائهم بتصوير المستوى الهابط الذي يتمرغون فيه :﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾. ( الفرقان : ٤٣، ٤٤ ).
ويتكفل القرآن بالعون والمساعدة في معركة الجدل والمحاجة :﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾. ( الفرقان : ٣٣ ).
ثم تعرض السورة أهوال القيامة ومشاهد المجرمين تهديدا ووعيدا :﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا ( ٢٥ ) الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾. ( الفرقان : ٢٥، ٢٦ ).
وتصف ندم هؤلاء الكفار يوم القيامة فتقول :﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾. ( الفرقان : ٢٧، ٢٨ ).
ثم تقدم السورة مسيرة الأنبياء وجهادهم وبلاءهم تسلية للرسول الأمين، ثم تحثه على الصبر والمصابرة، وعلى جهاد الكفار بالحجة والبرهان :﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾. ( الفرقان : ٥٢ ).
وهكذا تمضي السورة، في جانب منها إيناس وتسرية وعطف وإيواء من الله لرسوله، وفي جانب آخر مشاقة وعنت من المشركين لرسول الله، وتقدم السورة جوانب القدرة الإلهية، وتصف عجائب صنع الله في مد الظل وتسخير الشمس، وخلق الليل والنهار، والظلام والنور، وإنزال المطر وإنبات النبات، وخلق الإنسان والكواكب والبروج والأفلاك، وتتوعد المشركين بالعذاب والعقاب.
فإذا اقتربت السورة من نهايتها وصفت عباد الرحمن بالتواضع وقيام الليل، والاقتصاد في النفقة، والاحتراز من الشرك والزنا وقتل النفس، وتذكر فضل التوبة ومنزلة التائبين عند الله، وتختم السورة بتصوير هوان البشرية على الله لولا تلك القلوب المؤمنة التي تلتجئ إليه وتدعوه :﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا ﴾. ( الفرقان : ٧٧ ).
موضوعات السورة :
رغم أن الخط الأساسي لسورة الفرقان هو العناية بالرسول ومسح آلام الحزن عنه وتثبيت قلبه، إلا أنه يمكن أن نقسم هذه السورة إلى أربع فقرات أو أربعة موضوعات متمايزة :
الموضوع الأول :
بدأ الموضوع الأول من سورة الفرقان بتسبيح الله وحمده على تنزيل هذا القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا. وبتوحيد الله المالك لما في السماوات والأرض، المدبر للكون بحكمة وتقدير، ونفي الولد والشريك. ثم شرع في ذكر ما أورده الكفار من شبه، فذكر شبهتهم الأولى وهي قولهم :﴿ إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ... ﴾ ( الفرقان : ٤ ).
ورد عليهم بأن ادعاءهم ظلم وزور، لأنه تحداهم به فلم يمكنهم أن يأتوا بمثله.
ثم ذكر شبهتهم الثانية وهي زعمهم أن القرآن أساطير الأولين اكتتبها، ورد عليهم بأن الذي أنزله هو خالق الإنسان، وهو العليم بأسراره وما يناسبه.
ثم ذكر اعتراضهم على بشرية الرسول، وحاجته للطعام والمشي في الأسواق، واقتراحهم أن ينزل عليه ملك أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها.
ورد عليهم بأن الله لو شاء لجعل لنبيه في الآخرة جنات وقصورا خيرا مما ذكروه من نعم الدنيا، وجميع الرسل قبل محمد كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق لأنهم بشر وذلك شأن البشر.
ويستغرق الموضوع الأول من أول السورة إلى الآية ٢٠ منها.
الموضوع الثاني :
بدأ الموضوع الثاني بذكر تطاول المشركين، وزعمهم أنه كان يجب أن ينزل عليهم ملائكة تؤيد محمدا في دعواه، أو يروا ربهم.
ثم عاجلهم بمشهد اليوم الذي يرون فيه الملائكة لا تحمل البشرى، وإنما تحمل الإنذار والوعيد، ﴿ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا ﴾. ( الفرقان : ٢٦ ).
ليكون في ذلك تسلية للرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهم يهجرون القرآن، وهو يشكو لربه هذا الهجران.
ثم ذكر اعتراضهم على عدم نزول القرآن جملة واحدة، ورد عليهم بأنه نزل مفرقا لتثبيت قلب الرسول، وللإجابة على استفهام المستفهمين، وتوضيح الحق أمام السائلين.
ثم ذكر أنهم في الآخرة يمشون مقلوبين، وجوههم إلى تحت، وأرجلهم إلى فوق، فيضلون في أخراهم كما ضلوا في دنياهم.
ثم شرع في تأييد ذلك بتصوير عاقبة المكذبين من قبلهم، من قوم موسى وقوم نوح، وعاد وثمود، وأصحاب الرس والقرون الكثيرة بين ذلك، ويعجب من أمرهم وهم يمرون على قرية لوط المدمرة ولا يعتبرون ؛ فيهون بذلك كله من وقع تطاولهم على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقولهم :﴿ أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا ﴾. ( الفرقان : ٤١ ).
ثم عقب على هذا الاستهزاء بتحقيرهم ووضعهم في صف الأنعام، بل دون ذلك :﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾. ( الفرقان : ٤٤ ).
ويستغرق هذا الموضوع الآيات من : ٢١ : ٤٤.
الموضوع الثالث :
يبدأ الموضوع الثالث بعرض مظاهر القدرة الإلهية في نظام هذا الكون وإبداع صنعته ودقة ناموسه.
فيعرض مشهد الظل، ويستطرد إلى تعاقب الليل والنهار، والرياح المبشرة بالماء المحيي، وخلقة البشر من الماء، ومع هذا فهم يعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم، ويتظاهرون على ربهم وخالقهم، فينصرون الشيطان على ربهم الذي يريد أن يربيهم ويهديهم، ويتطاولون في قحة إذا دعوا إلى عبادة الرحمن، وقد جعل الله الليل والنهار خلفة يخلف أحدهما الآخر، ويتعاقبان ليرى الإنسان الصباح المشرق والليل المظلم ؛ فيتذكر عظمة الله ويشكره، ولكنهم لا يتذكرون ولا يشكرون.
ويستغرق هذا الموضوع الآيات من ٤٥ : ٦٢.
الموضوع الرابع :
يصف الموضوع الرابع عباد الرحمن الذين يسجدون له ويعبدونه، ويسجل مقوماتهم التي استحقوا بها هذه الصفة الرفيعة، ويفتح باب التوبة على مصراعيه لمن يريد الإقبال على الله، ويصور جزاء المؤمنين الصابرين على تكاليف الإيمان والعبادة :﴿ أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ﴾. ( الفرقان : ٧٥، ٧٦ ).
ويستغرق هذا الموضوع الآيات من ٦٣ : ٧٧ حيث تختم السورة ببيان هوان البشرية على الله لولا دعاء المؤمنين، وعبادة المتقين.
وفي هذا الهوان تهوين لما يلقاه الرسول من عنت المشركين، فهو يتفق مع ظل السورة وجوها، ويتفق مع موضوعها وأهدافها.

عظمة الخالق :

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ( ١ ) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ( ٢ ) وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ( ٣ ) ﴾.
المفردات :
تبارك : تكاثرت بركته وعمت الخلائق كلها.
الفرقان : القرآن، وسمي فرقانا لأنه فرق بين الحق والباطل، ولأنه نزل مفرقا، ولم ينزل جملة واحدة، قال تعالى : وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث... ( الإسراء : ١٠٦ ).
عبده : أي : محمد صلى الله عليه وسلم، ووصفه بذلك تشريفا له، بكونه في أقصى مراتب العبودية.
للعالمين : أي : الثقلين من الإنس والجن.
نذيرا : مخوفا لهم من عذاب الله، إن كفروا به ولم يوحدوه.
التفسير :
١ – ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا ﴾.
كثرت بركات الله، وعظمت نعماؤه وأفضاله، فهو خالق الكون، وبيده الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير، وقد أنزل الله القرآن على عبده محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون داعية إلى الإيمان، ونذيرا للبشرية كلها من الكفر والتكذيب.
في أعقاب الآية :
١. امتن الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بالعبودية الحقة لله، وهذه أعظم درجة ينالها إنسان وهي أن يكون عبدا حقا لله العلي الكبير، وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم، ففي صدر سورة الإسراء :﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ﴾.
وفي صدر سورة الكهف يقول الله تعالى :﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا ﴾.
٢. عالمية الدعوة : هذه السورة مكية، والآية الأولى مكية، وفيها عالمية الرسالة، فقد أفادت الآية أن الله أنزل القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم، ليبلغه للعالمين.
وفيه رد على المستشرقين، الذين ادعوا أن الإسلام كان دعوة محلية في مكة، فلما انتقل إلى المدينة وتكونت الدولة الإسلامية تحول إلى العالمية، ويمكن الاستدلال بالأحاديث النبوية الصحيحة، على عالمية الدعوة في مكة، فقد اشتكى المؤمنون الأولون من شدة ما يلقون من العذاب من أهل مكة، وقالوا : يا رسول الله ألا تدعو عليهم. فقال صلى الله عليه وسلم :( والذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ).
وفي صحيح البخاري : أن هرقل ملك الروم سأل أبا سفيان عن النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن نسبه، وعن أتباعه، وعن حروبه. فقال أبو سفيان : هو فينا ذو نسب، وأكثر أتباعه من الضعفاء، والحرب بيننا وبينه سجال ينال منا وننال منه، فقال هرقل لأبي سفيان : إن الرسل تبعث في أنساب قومها، وأتباع الرسل هم الضعفاء والفقراء، والإيمان يتعرض للابتلاء حتى يكتمل نوره، وإذا كان ما تقول حقا فسيملك محمد موضع قدمي هاتين، ولو كنت أصل إليه لغسلت عن قدميه.
وفي طريق الهجرة من مكة إلى المدينة، تقدم فارس مقدام خلف النبي صلى الله عليه وسلم يريد القبض عليه، أو قتله، ليحصل على مكافأة أهل مكة، لكن عناية الله وحفظه لنبيه، حفظا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم :( يا سراقة، أسلم ولك سوار كسرى ). ثم أسلم سراقة فيما بعد ولبس خف كسرى، وتاج كسرى، وسراويل كسرى، فلما رآه عمر قال له : أقبل، فأقبل، ثم قال له : أدبر، فأدبر، ثم قال عمر : رب يوم يا سراقة بن مالك ابن جشعم، يكون هذا فخرا لك ولأبنائك من بعدك، ثم خلعها عمر عن سراقة ووضعها في بيت مال المسلمين.
( ج ) رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم للتبشير بالجنة للطائعين، والإنذار بالنار للعاصين، ولكنه اقتصر هنا على الإنذار، في مواجهة الكافرين المعاندين.
بينما قال تعالى : في سورة الأحزاب :﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا ﴾. ( الأحزاب : ٤٥، ٤٦ ).
وقال سبحانه :﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾. ( الأنبياء : ١٠٧ ).
المفردات :
فقدره تقديرا : سواه تسوية قائمة على أساس، لا اعوجاج فيه، ولا زيادة ولا نقص عما تقتضيه الحكمة والمصلحة.
التفسير :
٢ – ﴿ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾.
تشتمل هذه الآية على صفات الله تعالى، وكمالاته وقدرته :
١ – فقد خلق الله هذا الكون بقدرته، وجعل السماء سقفا مرفوعا وزينها بالنجوم، وجعل فيها بروجا وشمسا وقمرا منيرا، وخلق الله الأرض، وبسطها، وجعل فيها طرقا يسير عليها الناس، وأرسى فيها الجبال، ويسر إعمارها بإنزال المطر وإنبات النبات، وخلق الحيوانات، والإنس والجن، وقد عبر القرآن عن هذا المعنى في كثير من الآيات.
قال تعالى :﴿ تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا ﴾. ( الفرقان : ٦١ ).
وقال تعالى :﴿ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴾. ( طه : ٦ ).
وقال تعالى :﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ * وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ * وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا مَّحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ * وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾. ( الأنبياء : ٣٠ – ٣٣ ).
تنزه الله عن الولد والشريك
ادعت النصارى أن المسيح ابن الله، وقالت اليهود : عزير ابن الله، وقد نفى القرآن ذلك عن الله ونزهه عن مشابهة الحوادث.
قال تعالى :
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ... ﴾ ( المؤمنون : ٩١ ).
وفي الحديث الصحيح :( لا أحد أحلم من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليعافيهم ويرزقهم ).
وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل :( يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني ابن آدم وما ينبغي له أن يكذبني، فأما شتمه لي فقوله : إن لي ولدا، وأنا الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأما تكذيبه لي فقوله : ليس يعيدني كما بدأني ).
وقد رد القرآن في آياته على المكذبين بالبعث فقال تعالى :﴿ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ﴾. ( الأنبياء : ١٠٤ ).
وقال سبحانه :﴿ وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾. ( الروم : ٢٧ ).
وفي آخر سورة يس يقول الله تعالى :﴿ وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾. ( يس : ٧٨ – ٨٣ ).
الخلق والتقدير :
أبدع الله خلق الأشياء على غير مثال سابق، وآية ذلك تكامل هذا الكون، وتعاون أجزائه : فالشمس ساطعة، والقمر منير، والبحار شاسعة، والشمس ترسل أشعتها فوق المحيطات، فيتصاعد البخار، ثم تسوقه الرياح فيتساقط مطرا، تتم به حياة الزرع والإنسان والحيوان، والإنسان يستنشق الأوكسجين، ويخرج ثاني أكسيد الكربون، والنبات يأخذ ثاني أكسيد الكربون ويستنشقه، ثم يخرج الأوكسجين، فلو وجد الإنسان وحده لمات، ولو وجد النبات وحده في هذا الكون لذبل وذوى، فمن حسن تقدير الله وترتيبه وتدبيره، وجود الإنسان والنبات، والهواء مثلا فيه نسبة %٢١ من الأوكسجين، ولو زادت هذه النسبة إلى %٥٠ لزاد الاشتعال، بحيث إن شرارة واحدة في الغابة تكفي لاشتعال الأشجار كلها، ولو نقصت نسبة الأوكسجين في الهواء عن %٢١ لاختنق الإنسان، وانخفض مستوى تقدمه وحضارته.
ولذلك قال تعالى :﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾.
أي : أبدع خلق كل شيء في هذا الكون، مع التنظيم والسبك، والتكامل والإبداع، والتنسيق بين المخلوقات، بحيث يتم بينها التكامل والتعاون، في إعمار الكون وإبداع نظامه.
وفسر ابن كثير :﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾. بأن كل شيء مخلوق مربوب لله، والله هو خالق كل شيء وربه ومليكه وإلهه، وكل شيء تحت قهره وتدبيره وتسخيره وتقديره.
المفردات :
ضرا ولا نفعا : أي : لا دفع ضر ولا جلب نفع.
موتا ولا حياة ولا نشورا : أي : لا يقدرون على إماتة أحد ولا إحيائه ولا بعث الأموات.
التفسير :
٣ – ﴿ وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ﴾.
تندد الآية بعبادة الأصنام، فقد وضحت الآيات السابقة، مظاهر ربوبية الله تعالى الموجبة لألوهيته، وإفاضته الخير على الخلق، واتصافه بالملك والقدرة والعلم والحكمة، ثم تندد الآية الثالثة من سورة الفرقان بالشرك والمشركين، فقد اتخذوا أصناما وأوثانا عبدوها من دون الله تعالى، وهذه الأصنام لا تخلق شيئا، بل يصنعها عبادها من الأحجار والأخشاب، وهذه الأصنام لا تملك لنفسها ضرا، أي : دفع الضرر عن نفسها، ولا تملك جلب النفع لنفسها، ولا تقدر على إماتة أحد ولا إحيائه، ولا تقدر على بعث الموتى من قبورهم.
والآية فيها تحريك للعقول، ودعوة للتدبر، فقد وصفت الأصنام بسبع صفات.
١. لا تخلق شيئا.
٢. هي مخلوقة، خلقها الله، إن كانت ملائكة أو المسيح أو عزيرا، وخلقها عبادها إن كانت أصناما.
٣. لا تدفع الضر عن نفسها.
٤. لا تجلب لنفسها نفعا.
٥. لا تقدر على إماتة أحد.
٦. لا تقدر على إحياء الموتى.
٧. لا تقدر على بعث الموتى وإخراجهم من قبورهم للحساب والجزاء.
شبهات المشركين والرد عليها.
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا ( ٤ ) وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ( ٥ ) قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ( ٦ ) وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ( ٧ ) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ( ٨ ) انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ( ٩ ) ﴾.
المفردات :
إفك : كذب.
افتراه : الافتراء : الاختلاق والكذب.
جاءوا : أتوا.
ظلما : جورا وعدولا عن الصواب.
زورا : كذبا، فهم نسبوا القبيح إلى القرآن، وهو مبرأ منه.
التفسير :
٤ – ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا ﴾.
ادعى مشركو مكة أن محمد افترى القرآن واختلقه، وقاله من عند نفسه، وقد استعان بمن أسلم من أهل الكتاب حيث تبناهم ورعاهم، ولكون هذه التهمة ساقطة من تلقاء نفسها، أجاب عنها القرآن إجابة مجملة فقال :
فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا.
أي : ادعوا هذه الدعوى الباطلة المائلة عن الحق، المتصفة بالزور والبهتان والكذب، فشتان بين كلام المخلوق، وكلام الخالق، فالعرب كانوا أرباب الفصاحة والبلاغة، ويدركون ويميزون درجات الفصاحة والبلاغة، وقد أحسوا بما في القرآن من إعجاز وبيان لا يقدر عليه بشر، ثم غالبوا هذا الحق، وادعوا أن محمدا ينقل القرآن عن أهل الكتاب، مع أن محمدا تحداهم أن يأتوا بمثله أو بعشر سور منه، أو بسورة واحدة، فعجزوا ولزمهم العجز، وكانوا أحرص الناس على الانتصار، فقد قاتلوا محمدا وقاتلهم، وقاوموا دعوته بكل ما يستطيعون من سبيل، وإذا كان محمد ينقل عن أهل الكتاب، فلماذا لم ينقلوا هم كما نقل، ويقدموا سورة واحدة تحفظ ماء وجوههم، خصوصا بعد أن تحداهم القرآن، ووصمهم بالعجز، حيث قال تعالى :﴿ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ... ﴾ ( البقرة : ٢٤ ).
وقال عز شأنه :﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾. ( الإسراء : ٨٨ ).
المفردات :
أساطير : أكاذيب، جمع أسطورة أو أسطار.
الأولين : السابقين.
اكتتبها : أمر بكتابتها.
تملى عليه : تلقى عليه بعد كتابتها ليحفظها.
بكرة وأصيلا : صباحا ومساء، والمراد : دائما.
التفسير :
٥ – ﴿ وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾.
أي : ادعى مشركو مكة أن القرآن قد جمع قصص السابقين، وتحدث عن أمم بائدة، وتحدث عن قوم نوح وعاد وثمود وسبأ وفرعون، كما تحدث عن زكريا ويحيى ويوسف وموسى وعيسى، ومحمد كان يتلقى هذه الأساطير عمن أسلم من أهل الكتاب، حيث يقرءونها عليه في الصباح والمساء، حتى يحفظها وينقلها للناس على أنها وحي من السماء.
النضر بن الحارث
كان النضر بن الحارث من شياطين قريش، وكان يأتي الحيرة ويتعلم أخبار ملوك الفرس، وأحاديث رستم واسفنديار، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس إلى قومه، فيحدثهم بما أصاب قوم نوح وعاد وثمود من المكذبين لرسلهم، ويدعوهم للإيمان، خشية أن يصيبهم ما أصاب الأمم قبلهم، فإذا قام النبي صلى الله عليه وسلم من المجلس، جلس النضر بن الحارث وقال : تعالوا أقص عليكم، إني أحسن حديثا من محمد، ويقول : إن ما يقوله محمد هو من أكاذيب القصاص وأساطيرهم، التي سطروها في كتبهم فهو يحدث بها، وهي تملى عليه، أي : يمليها عليه غيره صباح مساء.
المفردات :
قل أنزله : رد عليهم.
يعلم السر : ما يسره أهل السماوات والأرض في نفوسهم، والمراد : اشتماله على مغيبات وأشياء خفية، لا يعلمها إلا عالم الأسرار، فكيف تجعلونه أساطير الأولين.
التفسير :
٦ – ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾.
قل لهم يا محمد : الذي أنزل هذا الكتاب هو الله، عالم الأسرار والخفايا، والمطلع على أعمال السابقين واللاحقين، لذلك اشتمل القرآن على أخبار لم ترد في التوراة والإنجيل، أو وردت محرفة فصوبها القرآن، وبين الصواب للمختلفين.
قال تعالى :﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾. ( النمل : ٧٦ ).
وقال عز شأنه :﴿ الم *اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ﴾. ( آل عمران : ١ – ٣ ).
فالقرآن مصدق لما سبقه من الكتب والصحف، وهو أيضا مهيمن عليها، يبين ويوضح ما حرف فيها وغير، ويصوب الخطأ، ويزيد على ما فيها، ولو كان القرآن ناقلا عن أهل الكتاب، ما زاد على ما عندهم، ولا صوب أخطاءهم، ولا قوم اعوجاجهم، ولا بين انحرافهم.
قال تعالى :﴿ فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم... ﴾ ( النساء : ١٦٠ ).
وقال عز شأنه :﴿ كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾. ( آل عمران : ٩٣ ).
لقد سجل القرآن على اليهود تحريف التوراة، والزيادة فيها، والنقص منها.
قال تعالى :﴿ أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾. ( البقرة : ٧٥ ).
وقال عز شأنه :﴿ وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾. ( آل عمران : ٧٨ ).
والخلاصة : أن القرآن منزل من عند الله وحده، وهو سبحانه حليم غفور يمهل العصاة، ويغفر للمذنبين، ويقبل توبة التائبين، فتوبوا إليه حتى يقبلكم.
في أعقاب الآية :
إن المسلم يعتز بهذا الكتاب الذي نسبه الله إلى نفسه، فقد خلا من التعارض والتضارب، قال تعالى :﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا ﴾. ( النساء : ٨٢ ).
ولو كان محمد مستعينا بأحد من الخلق، لسهل عليهم الاستعانة بآخرين، ليأتوا بمثل ما أتى به محمد، فلما عجزوا، واستمر عجزهم مع وجود التحدي، دل ذلك على أن القرآن ليس من صنع بشر، بل تنزيل من حكيم حميد.
ثم إن القرآن مشتمل على الإعجاز العلمي والغيبي فقد أخبر عن أمم بائدة، وأخبر عن أمور علمية، تتصل بالعسل وأنه فيه شفاء، وأهمية اللبن، وقلة الأوكسجين في طبقات الجو العليا، وأن الجلد مركز الإحساس، وأن الكون مشتمل على تكامل وتجانس ونظام وإبداع. ما ترى في خلق الرحمان من تفاوت... ( الملك : ٣ ). كما تحدث القرآن عن بدء الخليقة، وخلق السماوات والأرض، والفضاء والجبال والهواء والإنسان، ولم يصطدم ذلك ولا غيره بأي حقيقة علمية، بل كلما تقدم العلم، جاء بما يؤكد صدق هذا الكتاب، وصدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى :﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ... ﴾ ( فصلت : ٥٣ ).
فالله هو المطلع وحده على هذا الكون وما فيه من أسرار وخفايا، وهو وحده الغفور الرحيم، قال تعالى :﴿ قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾.
مطاعن المشركين في محمد صلى الله عليه وسلم
التفسير :
٧ – ﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾.
تشير كتب السيرة والتفسير، مثل تفاسير الألوسي والقرطبي والطبري وغيرها، عن ابن عباس أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حرب، والنضر بن الحارث وغيرهم من وجوه قريش، اجتمعوا وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فعرضوا عليه الملك أو الرئاسة أو السيادة أو ما يشاء نظير أن يترك دعوته، فأخبرهم أنه لا يريد شيئا من ذلك، ولكن الله بعثه رسولا، وأنزل عليه كتابا، وأمره الله أن يدعوهم إلى الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر، وأن يبشرهم بالجنة إن أطاعوا، وينذرهم بالنار إن عصوا.
فقالوا : يا محمد، إن كنت غير قابل شيئا مما عرضناه عليك، فسل لنفسك، سل ربك أن يبعث معك ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك، وسله أن يجعل لك جنانا وقصورا من ذهب وفضة تغنيك عما تبتغي، فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتى نعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولا كما تزعم، فقال صلى الله عليه وسلم : ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا ). فأنزل الله تعالى :﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ... ﴾
وهذه الآيات بما فيها من مطالب مادية، تكررت في القرآن الكريم، وتشير إلى تعنت المشركين، واستكثارهم أن يشاهدوا رجلا مثلهم، يأكل كما يأكلون ويشرب كما يشربون، ويمشي في الأسواق ويتكسب للمعاش، ثم ينزل عليه وحي السماء، استكثروا هذا وما علموا أنها إرادة الله في أن يكون الرسول بشرا يعيش كما يعيش الناس، ويتعرض لطلب الطعام، والمشي في الأسواق، وتكسب المال، ثم ينهض بواجب الدعوة إلى الله في مكة، متعرضا لصنوف الاضطهاد والعذاب، ثم يرحل إلى المدينة ويؤسس دولة الإسلام، ويقود غزوات ناجحة، وتأتيه الغنائم فيوزعها، ويفضل أن يعيش كما تعيش جماهير الأمة، رسولا عبدا وليس نبيا ملكا، حتى تتحقق فيه القدوة والأسوة، ويقتدي به الفقراء والأغنياء وسائر الخلق أجمعين.
﴿ وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا ﴾.
أي : قال المشركون : أي سبب جعل هذا الذي يزعم أنه رسول يأكل الطعام كما نأكل، ويمشي في الأسواق ساعيا على رزقه كما نسعى، فلو كان رسولا من عند ربه لميزه علينا، فهلا ميزه بأن ينزل عليه ملك ينذر المكذبين به، ليجعلنا مطمئنين إلى إرساله إلينا.
المفردات :
أو يلقى إليه كنز : أي : من السماء فينفق منه، ولا يحتاج معه إلى الضرب في الأسواق.
جنة يأكل منها : بستان فيه ما يغنيه من أنواع الحبوب والثمار.
رجلا مسحورا : أي : سحر فاختل عقله.
التفسير :
٨ – ﴿ أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَّسْحُورًا ﴾.
أي : إذا لم ينزل معه ملك يؤازره ويصدقه، فلا أقل من أن ينزل عليه مال يكتنزه، ليستظهر به، وترتفع حاجته عن اكتساب قوته والسعي في الأسواق، فإذا لم يكن هذا ولا ذاك، فلا أقل من أن يكون له بستان يتعيش من ريعه، مثل مياسير قريش، متميزا عن عامتهم، ثم قال مشركو مكة : إن محمدا قد غلب على عقله، أو أصابه مس من الجنون، فصار يختلق كلام القرآن ثم يزعم أنه وحي.
المفردات :
الأمثال : أي : السحر، والجنون، والشعر، والكهانة، والكذب، وما إلى ذلك.
فضلوا : أي : بقوا متحيرين في ضلالهم، فلا يهتدون إلى الهدى والإسلام.
التفسير :
٩ – ﴿ انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ﴾.
يتدخل القرآن مدافعا عن الرسول، مسجلا على هؤلاء المشركين تخبطهم في أقوالهم، حيث قالوا : إن محمدا شاعر، ثم قالوا : هو ساحر، وكاهن، ومجنون، وكذاب، ومتخيل يرى في منامه ما يراه ثم يرويه في الصباح على أنه وحي، وقريب من ذلك ما حكاه القرآن من تخبطهم وحيرتهم في إلصاق التهم، ومحاولة تشبيهه بالساحر والكاهن والشاعر والمفتري.
﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ ﴾. ( الأنبياء : ٥ ).
وخلاصة معنى الآية :
لقد ألصقوا بك التهم وشبهوك بالمسحورين مرة، واتهموك بالتزوير مرة، ومثلوك برواة الأساطير مرة، وكله ضلال وبعد عن الحق.
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا. فلا يجدون طريقا يسلكونه إلى الهدى والإيمان.
وهكذا سجل القرآن حيرة المشركين، وضربهم الأمثال الواهية الرخيصة، للصد عن سبيل الله، وقد باءت كل محاولاتهم بالفشل والخيبة والخذلان.
تصريف القول بين الدنيا والآخرة، والنار والجنة :
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي إِن شَاء جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُورًا ( ١٠ ) بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا ( ١١ ) إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ( ١٢ ) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ( ١٣ ) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ( ١٤ ) قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا ( ١٥ ) لَهُمْ فِيهَا مَا يشاءون خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مسئولا ( ١٦ ) ﴾.
المفردات :
تبارك : تقدس وكثر خيره، وعمت بركته.
خيرا من ذلك : الذي اقترحه المشركون.
قصورا : أي : كثيرة لا قصرا واحدا.
الساعة : قيام الناس لرب العالمين، وسبب التسمية : أنه تعالى يفجأ بها الناس في ساعة لا يعلمها إلا هو.
سعيرا : نارا شديدة الاستعار، أي : الاتقاد.
تغيظا : سمعوا لها صوتا يشبه صوت المتغيظ، وهو إظهار أشد الغيظ والغضب.
زفيرا : الزفير : إخراج النفس، وضده الشهيق، أي : صوت الزافر الحزين الذي يخرج النفس من جوفه، والمراد : صوتا حزينا مرعبا.
مكانا ضيقا : أي : ألقوا من النار في مكان ضيق لزيادة تعذيبهم.
ثبورا : هلاكا، أي : نادوا : يا هلاكنا احضر لتنقذنا من هذا العذاب.
ثبورا كثيرا : أي : نادوا هلاكا كثيرا، ليخلصكم من كل نوع من أنواع العذاب الذي ينتظركم في جهنم، فإن أنواعه كثيرة متجددة.
الخلد : المكث الطويل.
﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوّا كبيرا ( ٢١ ) يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ( ٢٢ ) وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا( ٢٣ ) أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا( ٢٤ ) ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا( ٢٥ ) الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا( ٢٦ ) ويوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا( ٢٧ ) يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا( ٢٨ ) لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا( ٢٩ ) ﴾
المفردات :
لا يرجون : لا يخافون، أو لا يتوقعون.
لقاءنا : الرجوع إلينا للحساب، أو لقاء جزائنا.
لولا أنزل : هلا أنزل علينا الملائكة لكي يخبرونا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم.
أو نرى ربنا : أو هلا نرى ربنا جهرة ومعانية، ليقول لنا إن محمدا رسول من عندي.
استكبروا في أنفسهم : أوقعوا الاستكبار في شأن أنفسهم، بعدّها كبيرة الشأن.
العتوّ : تجاوز الحدّ في الظلم والعدوان.
عتوا كبيرا : وصلوا إلى الغاية القصوى منه، حين كذبوا الرسول الذي جاء بالوحي، ولم يكترثوا بالمعجزات التي أتاهم بها.
التفسير :
٢١- ﴿ وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا.. ﴾
قال الكفار الذين لا أمل لهم في البعث والجزاء والحساب، لأنهم ينكرون البعث ولا يتوقعونه، قالوا على سبيل التعنت والعناد : هلا أنزل علينا الملائكة، لكي يخبرونا بصدق محمد، أو هلا نرى ربنا فينبئنا بذلك.
وشبيه بهذه الآية قوله تعالى : أو ﴿ تأتي بالله والملائكة قبيلا ﴾ [ الإسراء : ٩٢ ] } أي : ليشهدوا بصدقك.
﴿ لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ﴾.
لقد أضمروا في أنفسهم الكبر والغرور، والبعد عن الحق، والظلم والطغيان، ووصلوا في عتوّهم إلى الغاية القصوى منه.
المفردات :
حجرا محجورا : كلمة تقولها العرب حين لقاء عدو موتور، أو هجوم نازلة هائلة، يقصدون بها الاستعاذة من وقوع ذلك الخطب الذي يلحقهم، والمكروه الذي يلمّ بدارهم. أي : نسأل الله أن يمنع ذلك منعا، ويحجره حجرا.
التفسير :
٢٢- ﴿ يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ﴾.
إن الكفار طلبوا نزول الملائكة، تعنتا وكبرا فيما سبق، وهنا يقول : إن الكفار سيرون الملائكة في يوم الممات، ولكن لا تحمل لهم البشرى بالجنة، بل تحمل الوعيد والتهديد للمجرمين، الذين أسرفوا على أنفسهم في الدنيا. وعندئذ يقول الكافرون : عوذا معاذا، أي : نرجو ونأمل أن نستعيذ من عذابكم.
واختار ابن جرير الطبري أن تكون جملة :﴿ حجرا محجورا ﴾. من كلام الملائكة، أي : تقول الملائكة للكافرين : حرام محرم عليكم الفلاح اليوم١.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم... ﴾ [ الأنفال : ٥٠ ].
وقال تعالى :﴿ ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ﴾ [ الأنعام : ٩٣ ].
وهذا بخلاف حال المؤمنين حال احتضارهم، فإن الملائكة تحضر وفاتهم، وتبشرهم بالجنة وأنواع النعيم.
قال تعالى :﴿ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون* نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون* نزلا من غفور رحيم ﴾ [ فصلت : ٣٠-٣٢ ].
قال ابن كثير :
جاء في الحديث الصحيح، عن البراء بن عازب :( إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها النفس الطيبة، من الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان ).
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ﴾ [ إبراهيم : ٢٧ ].
وقال آخرون : بل المراد بقوله تعالى :﴿ يوم يرون الملائكة لا بشرى.. ﴾ يعني يوم القيامة، قاله مجاهد والضحاك وغيرهما، ولا منافاة بين هذا، وما تقدم. فإن الملائكة في هذين اليومين، يوم الممات، ويوم المعاد، تتجلى للمؤمنين والكافرين، فتبشر المؤمنين بالرحمة والرضوان، وتخبر الكافرين بالخيبة والخسران، فلا بشرى يومئذ للمجرمين٢.
المفردات :
وقدمنا : وعمدنا وقصدنا.
الهباء : دقاق التراب إذا انبث في الهواء، ولا يبدو إلا في أثناء ضوء الشمس.
المنثور : المتفرق في الجو، بحيث لا يتأتى جمعه أو حصره.
التفسير :
٢٣- ﴿ وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ﴾.
كان المشركون يعملون أعمالا حسنة المظهر، مثل صلة الرحم وإطعام الفقراء، لكن لا أساس لها من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فهي أشبه بخضراء الدمن. وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء. وفي يوم القيامة يجدون جزاء هذه الأعمال ضائعا، ضياع ذرّات التراب، المنتشرة بسبب شعاع الشمس، أو ضياع الوقش الجاف في شدة الرياح.
قال تعالى :﴿ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.. ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ]
قال قتادة :﴿ هباء منثورا ﴾. يبس الشجر إذا ذرته الريح، فهو ذلك الورق.
وقال عبيد بن يعلى : الهباء : الرماد إذا ذرته الريح.
قال ابن كثير :
وحاصل هذه الأقوال : التنبيه على مضمون الآية، وذلك أنهم عملوا أعمالا اعتقدوا أنها على شيء. فلما عرضت على الملك الحكم العدل الذي لا يجور ولا يظلم أحدا، إذا بها لا شيء بالكلية، وشبهت في ذلك بالشيء التافه الحقير المتفرق، الذي لا يقدر صاحبه منه على شيء بالكلية.
كما قال تعالى :﴿ مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.. ﴾ [ إبراهيم : ١٨ ]
المفردات :
المقيل : المكان الذي يؤوى إليه للاستمتاع بالأزواج، والتمتع بحديثهن، سمي بذلك لأن التمتع به يكون وقت القائلة غالبا.
التفسير :
٢٤-﴿ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ﴾.
المستقر : مكان الاستقرار، والمقيل : المكان الذي يأوون إليه، للاسترواح إلى أزواجهم، والاستمتاع بمغازلتهن، وملامستهن كحال المترفين في الدنيا.
والمعنى :
أصحاب الجنة في يوم القيامة في مكان حسن، وزمان حسن، حيث إنهم من جهة المكان في أحسن مكان، ومن جهة الزمان في أحسن زمان، فهم في الغرف من الجنة، وفي منزل عظيم من المتعة والسرور، والحبور والمؤانسة.
قال تعالى :﴿ فأما من أوتي كتابه بيمينه* فسوف يحاسب حسابا يسيرا* وينقلب إلى أهله مسرورا ﴾ [ الانشقاق : ٧-٩ ].
وتفيد الآيات أن حساب المؤمن يكون يسيرا، وأن موقف الحساب يكون هينا من طلوع الشمس إلى ارتفاعها وقت الضحى، ثم يقضي وقت القيلولة مع الحور العين، في جنات النعيم.
وروى ابن جرير الطبري بإسناده : أن يوم القيامة يقصر على المؤمن، حتى يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس، وإنهم ليقيلون في رياض الجنة، حتى يفرغ من الناس٣. وذلك قوله تعالى :﴿ أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا ﴾
المفردات :
تشقق : تتفتح السماء عن الغمام.
التفسير :
٢٥- ﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا ﴾
تصف الآية مظهرا من مظاهر القيامة، حيث تنشق السماء على غلظها، ويخرج الغمام من السماء. وتتعلق الملائكة بأطراف السماء، ثم تنزل إلى الأرض فتحيط بأهل الأرض، والغمام : غيم أبيض رقيق مثل الضبابة، كما كان لبني إسرائيل في التيه، حيث كان يقيهم وهج الشمس. قال تعالى :﴿ وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ﴾ [ البقرة : ٥٧ ].
وقد ورد في القرآن الكريم وصف مشاهد القيامة، ومن هذه المشاهد : انشقاق السماء، وتعلّق الملائكة بأرجاء السماء. واشتداد الهول، وتميّز المؤمنين بالسعادة والسرور، واختصاص الكفار بالعذاب والويل والثبور.
قال تعالى :﴿ وانشقت السماء فهي يومئذ واهية* والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية*يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ﴾ [ الحاقة : ١٦-١٨ ].
وقال تعالى :﴿ هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة وقضي الأمر وإلى الله ترجع الأمور ﴾ [ البقرة : ٢١٠ ].
وقال تعالى :﴿ وجاء ربك والملك صفا صفا ﴾ [ الفجر : ٢٢ ].
وتشير الآية إلى أن الملائكة تنزل إلى الأرض نزولا مؤكدا، لا لبس فيه ولا شك، وفي هذا رد على المشركين الذين قالوا :﴿ لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا.. ﴾
قال النيسابوري :
﴿ ويوم تشقق السماء بالغمام... ﴾
أي : واذكر يوم تتفتح السماء، بسبب غمام يخرج منها، وفي الغمام الملائكة، فينزلون وفي أيديهم صحائف أعمال العباد.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ إذا السماء انشقت*وأذنت لربها وحقت* وإذا الأرض مدت*وألقت ما فيها وتخلت*وأذنت لربها وحقت*يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه* فأما من أوتي كتابه بيمينه*فسوف يحاسب حسابا يسيرا*وينقلب إلى أهله مسرورا ﴾ [ الانشقاق : ١-٩ ].
المفردات :
الحق : الثابت الذي لا يزول.
عسيرا : شديدا.
التفسير :
٢٦- ﴿ الملك يومئذ الحق للرحمان٤وكان يوما على الكافرين عسيرا ﴾
في هذا اليوم تبطل أملاك المالكين من الناس، وتنقطع دعاواهم، ويخلص الملك للرحمان وحده، ويكون اليوم شديدا عصيبا على الكافرين، كما يكون يسيرا ومبشرا للمؤمنين، وفي معنى هذه الآية قوله تعالى :﴿ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار ﴾ [ غافر : ١٦ ].
قال ابن كثير :
وفي الصحيح :( أن الله تعالى يطوي السماوات بيمينه، ويأخذ الأرضين بيده الأخرى، ثم يقول : أنا الملك، أنا الديان، أين ملوك الأرض ؟ أين الجبارون ؟ أين المتكبرون ؟ )٥.
المفردات :
يعضّ الظالم على يديه : كناية عن الندم.
التفسير :
٢٧-﴿ ويوم يعضّ الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا ﴾
وفي يوم القيامة يعضّ الظالم على يديه، كناية عن الندم والأسف والحسرة.
قال تعالى :﴿ وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا.. ﴾ [ سبأ : ٣٣ ].
ويقول الظالم في ذلك اليوم : يا ليتني اتبعت الرسول، وسلكت معه طريق الحق والجنة، وتجنبت طريق النار والمكابرة والعناد.
سبب النزول :
نزلت هذه الآية وما بعدها، في عقبة بن أبي معيط، دعا النبي صلى الله عليه وسلم لحضور طعام عنده، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :( لا آكل من طعامك حتى تنطق بالشهادتين )، فنطق بهما، فبلغ ذلك صديقه أبي بن خلف، فقال له : يا عقبة، بلغني أنك أسلمت، فقال له : لا، ولكن قلت ما قلت تطييبا لقلب محمد، حتى يأكل من طعامي، فقال أبيّ بن خلف لعقبة بن أبي معيط : كلامك عليّ حرام، حتى تفعل كذا وكذا، من الإيذاء بمحمد، ففعل الشقي ما أمره به صديقه، أما عقبة بن أبي معيط، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله في غزوة بدر، وأما أبيّ بن خلف فقد طعنه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد طعنة لم يبق بعدها سوى أيام، ثم هلك، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن الآية عامة في كل ظالم يسلك طريق الهوى، ويبتعد عن طريق الحق، فيندم حين لا ينفع الندم.
قال جار الله الزمخشري : تمنى أن لو صحب الرسول. وسلك معه طريقا واحدا، وهو طريق الحق، ولم تتشعب به طرق الضلالة والهوى.
المفردات :
خليلا : صديقا وصاحبا.
التفسير :
٢٨-﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ﴾.
يا حسرتاه، ويا هلاكاه، ليتني لم أتخذ الفاجر الظالم صديقا وخليلا وأنيسا وصاحبا، وكلمة يا ويلتي : تستعمل عند وقوع داهية دهياء لا نجاة منها، وكأن المتحسر ينادي ويلته، ويطلب حضورها بعد تنزيلها منزلة من يفهم نداءه، أي : يا هلاكي أقبل، فهذا أوان إقبالك.
قال النيسابوري :
فإن أريد بالظالم عقبة بن أبي معيط، فالمعنى : ليتني لم أتخذ أبيّ بن خلف خليلا، فكنّى عن اسمه وإن أريد به الجنس، فكل من اتخذ من المضلين خليلا، كان لخليله اسم علم فجعله كناية عنه.
وقال ابن كثير :
والمراد ب فلانا : كل من صرفه عن الهدى، وعدل به إلى طريق الضلال، من دعاة الضلالة، وسواء في ذلك أمية بن خلف أو أخوه أبيّ بن خلف أو غيرهما. اه.
المفردات :
الذكر : القرآن
خذولا : الخذل : الترك من الإعانة
التفسير :
٢٩-﴿ لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾.
أي : والله لقد أضلني هذا الصديق المشئوم، عن الهداية والإيمان، أو عن تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم، بعد إذ وصلتني، أو عن القرآن بعد أن بلغني، وكان هذا الصديق وأمثاله أشبه بالشياطين، التي تصرف الإنسان عن الحق والهداية، أو أراد به الجنس فيدخل فيه كل من تشيطن من الجن والإنس.
قال ابن كثير :
﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾
أي : يخذله عن الحق ويصرفه عنه، ويستعمله في الباطل، ويدعوه إليه. اه.
وفي هذا المعنى يقول الله تعالى :﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه، ليكونوا من أصحاب السعير ﴾ [ فاطر : ٦ ] ومن خذلان الشيطان، تحريض الإنسان على الشر، وصرفه عن الحق، ثم إن الشيطان لا ينفع الإنسان، ولا ينجيه مما يحل به من البلاء بل يتبرأ منه.
قال تعالى :﴿ وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل إن الظالمين لهم عذاب أليم ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ].
﴿ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا( ٣٠ ) وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا( ٣١ ) وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا( ٣٢ ) ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا( ٣٣ ) الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا( ٣٤ ) ﴾
المفردات :
مهجورا : تركوه وصدوا عنه وعن الإيمان به، أو أهملوه ولم يتعهدوه بالقراءة والحفظ والعمل به.
التفسير :
٣٠- ﴿ وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا ﴾
اشتكى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى ربه، من تعنّت المشركين، وصدودهم عن الإيمان، وإعراضهم عن سماع القرآن، بل كانوا يتشاغلون عن القرآن، ولا ينصتون إليه خشية أن تلين له قلوبهم، أو أن تتأثر به نفوسهم، كما قال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].
قال ابن كثير :
كانوا إذا تلي عليهم القرآن، أكثروا اللغط والكلام في غيره، حتى لا يسمعوه، فهذا من هجرانه، وترك الإيمان به وترك تصديقه من هجرانه، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه، وترك العمل به، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه من هجرانه، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام، أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه، فنسأل الله الكريم المنان، القادر على ما يشاء، أن يخلصنا مما يسخطه، ويستعملنا فيما يرضيه، من حفظ كتابه وفهمه، والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يحبه ويرضاه، إنه كريم وهاب.
٣١-﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين وكفى بربك هاديا ونصيرا ﴾
استخلف الله الإنسان في الأرض، وأرسل إليه الرسل، وأنزل له الكتب لهدايته، ودعوته إلى الحق والإيمان، وقد وقف أهل الباطل في وجه دعوة الحق، لحكمة إلهية عليا، فلو نجحت دعوة الحق بدون معارضة، لكثر الأدعياء وكثرت دعاوى الباطل، لكن مشيئة الله الغالبة، أرادت أن تكون هناك مقاومة للحق من المجرمين المضلين، حيث إن هؤلاء أشبه بالحشرات والديدان، تكره الماء الصالح النقي، وترغب الحياة في الماء الآسن، والتربة الآسنة، ومن حكمة الله أن يبدأ الصراع بين دعاة الحق. ودعاة الباطل، وأن تقف الكثرة من الناس منتظرة متفرجة، فإذا طال العذاب والتضحيات، قال الكثرة المتفرجة : ماذا يحمل هؤلاء على الصمود والتضحيات ؟ لا بد أن هناك شيئا ما، يهوّن عليهم الصبر والمصابرة، فيدخلون في دعوة الحق لمشاهدة هذا الشيء، ويكون ذلك سببا في هدايتهم إلى الحق، وانتصار الحق على الباطل، كما قال تعالى :﴿ وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون*ولتصغي إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ما هم مقترفون ﴾ [ الأنعام : ١١٢-١١٣ ].
والآية تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، ليصبر على إيذاء قومه، وليعلم أن هذه ضريبة الدعوة، قد دفعها الرسل السابقون، كما سيدفعها اللاحقون، قال تعالى :﴿ فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل.. ﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ]
جاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
كما جعلنا قومك-يا محمد- يعادونك ويكذبونك، جعلنا لكل نبي عدوا من المجرمين، يعادونه ويقاومون دعوته، وسينصرك الله ويهديك إلى قهرهم وكفى به هاديا ونصيرا. اه.
المفردات :
جملة واحدة : دفعة واحدة
لنثبت : لنقوي ونطمئن.
رتلناه : أتينا ببعضه إثر بعض، على تؤدة ومهل، من قولهم : ثغر مرتل، أي : متفلج الأسنان.
التفسير :
٣٢- ﴿ وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ﴾.
تفنن الكافرون في اعتراضاتهم على القرآن والرسالة، وفيما سبق طلبوا نزول الملائكة، ورؤية الله تعالى، وهنا، يعترضون على نزول القرآن مفرقا، في ثلاث وعشرين سنة، ويقولون : لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة، كما نزلت التوراة والإنجيل والزبور ؟ ويجيب القرآن بالحكمة من نزوله مفرقا منجما، وهي.
١- تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، برؤية جبريل سفيرا عن الله في أحيان كثيرة.
٢- ليتم التحدي والإعجاز ببعض سور القرآن، فإذا عجزوا عن بعض القرآن، كانوا عن الكلّ أعجز.
٣- استمرار مناقشة الكافرين، ومناقضة حججهم.
٤- تربية المسلمين ورعايتهم والتشريع لهم، والتدرج في ذلك التشريع بما يناسب أحوالهم.
٥-علم الله أن هذا الكتاب، آخر الكتب السماوية نزولا إلى الأرض، فشاء الله أن ينزله منجما متفرقا، يواكب حياة المسلمين في مكة، ويحثهم على الصبر، ويحكي لهم خبر الأمم السابقة، ثم يواكب حياة المسلمين في المدينة، ويرصد جهادهم، ويشرّع لهم، ويراقب المنافقين ويحذر المسلمين من فتنتهم. وبذلك يكون القرآن الكريم كتاب الحياة، والتربية والجهاد، شأن الأوامر اليومية، التي توزع على الجنود في كتيبتهم، فيطيعونها وينفذونها، ويتخلقون بأخلاق القرآن، على تؤدة وتمهل، وقد سئلت السيدة عائشة رضي الله عنها، عن أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت : كانت خلقه القرآن٦.
قال تعالى :﴿ وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ﴾ [ الإسراء : ١٠٦ ].
أي : فرقنا القرآن ليثبت قلوب المؤمنين، ويتعهدهم بين الفينة والفينة، ولو نزل جملة واحدة، لكان كتاب علم أو معرفة أو متعة، وقد أراد الله أن يكون كتاب حياة، ومنهج عمل، وتشريعا وتربية وسلوكا وبعثا، وتدريبا على الامتثال والتحمل، والطاعة والخيرية والوسطية.
قال تعالى :﴿ وكذلك أوحيا إليك روحا من أمرنا.. ﴾ [ الشورى : ٥٢ ].
وقال سبحانه :﴿ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا... ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ].
المفردات :
بمثل : بنوع من الكلام جار مجرى المثل، في تنميقه وتحسينه، ورشاقة لفظه، وصدق معناه.
الحق : القول الثابت الذي يزهق باطلهم.
تفسيرا : إيضاحا
التفسير :
٣٣-﴿ ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ﴾
المثل يطلق على الأمر العجيب، والقصة العجيبة، وكان الكفار يتعنتون في أسئلتهم، ويقترحون تفجير العيون بمكة، وانتشار البساتين حولها، مثل بساتين الشام، أو زحزحة الجبال من حول مكة، أو نزول الملائكة، أو رؤية الله، وكان القرآن ينزل منجما ليرد عليهم، ويتحدّاهم، ويوضح لهم مهمة الرسول والرسالة.
وقد جمع الله للقرآن من صفات العظمة ما جمع، فأنزله جملة واحدة إلى اللوح المحفوظ، في السماء السابعة، ثم أنزله منجما مفرقا حسب الوقائع والحوادث.
قال في المنتخب في تفسير القرآن الكريم :
ولا يأتونك بحال من الاعتراضات الواهية، إلا جئناك بالحق نبينه ونفسره أحسن تفسيرا.
٣٤-﴿ الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا ﴾
يحشرون على وجوههم : يسحبون على وجوههم، ويجرون إلى جهنم.
كان كفار مكة يستهينون بالنبي الأمين، ويقولون : أما وجد الله رسولا غير هذا اليتيم الفقير، ويمنعهم الكبر والتعالي عن الإيمان، والآية هنا تخبرهم : بأنكم ستكونون أحط منزلة، وأسوأ حالا، حين تسحبون إلى النار على وجوهكم، عقابا على تكبركم، وعدم استخدام عقولكم.
قال ابن كثير :
وفي الصحيح، عن أنس : أن رجلا قال : يا رسول الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة ؟ فقال :( إن الذي أمشاه على رجليه، قادر أن يمشيه على وجهه يوم القيامة )٧.
وهكذا قال مجاهد والحسن وقتادة، وغير واحد من المفسرين. اه.
﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا( ٣٥ ) فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا( ٣٦ ) وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما( ٣٧ ) وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا( ٣٨ ) وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا( ٣٩ ) ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا( ٤٠ ) ﴾.
المفردات :
وزيرا : الوزير : المعين والمساعد، قال الزجاج : الوزير من يرجع إليه للاستعانة برأيه.
التفسير :
٣٥- ﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا ﴾
يستعرض القرآن الكريم هنا قصص الأمم السابقة تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتحذيرا للمشركين حتى لا يصيبهم مثل ما أصاب هؤلاء المكذبين.
والمعنى :
والله لقد آتينا موسى التوراة، وجعلنا معه هارون رسولا أيضا، ووزيرا مساعدا ومعاونا لموسى عليه السلام، وكان موسى قد طلب من الله، أن يرسل معه هارون مساعدا ومعاونا، فاستجاب الله لرجائه.
قال تعالى :﴿ واجعل لي وزيرا من أهلي* هارون أخي* اشدد به أزري*وأشركه في أمري ﴾ [ طه : ٢٩-٣٢ ].
وقال سبحانه وتعالى :﴿ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون* قال سنشد عضدك بأخيك.. ﴾ [ القصص : ٣٤-٣٥ ].
المفردات :
تدميرا : التدمير : كسر الشيء على وجه لا يمكن معه إصلاحه.
التفسير :
٣٦- ﴿ فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا ﴾.
تستعرض الآية في إجمال قصة رسالة موسى، وتكذيب فرعون، واستحقاقه للعذاب والإغراق في ماء النيل.
المعنى :
قلنا لموسى وهارون : اذهبا إلى فرعون وملئه، فكذبوا بالتوراة ورسالة موسى، والمعجزات التي أعطاها الله لموسى مثل : اليد، والعصا، والجراد، والقمل، والضفادع، والدم، وغيرها من الآيات، وقد كذّب فرعون وقومه، وسخروا من موسى، واشتد عذابهم لبني إسرائيل، فاستدرج الله فرعون حتى خرج وراء موسى، وضرب موسى البحر بعضاه فانفلق نصفين، فسار فيه موسى وقومه، ثم أتبعهم فرعون بجنوده، فأغرقهم الله أجمعين، ودمرهم تدميرا، وأهلكهم إهلاكا مبينا.
قال تعالى :﴿ وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده، بغيا وعدوا حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين*الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين* فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ﴾ [ يونس : ٩٠-٩٢ ].
وقال سبحانه وتعالى :﴿ فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون* فأسر بعبادي ليلا إنكم متبعون*واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون*كم تركوا من جنات وعيون*وزروع ومقام كريم*ونعمة كانوا فيها فاكهين*كذلك وأورثناها قوما آخرين ﴾ [ الدخان : ٢٢-٢٨ ].
المفردات :
أعتدنا : هيأنا وأعددنا.
التفسير :
٣٧- ﴿ وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ﴾.
تشير الآية إلى قصة نوح مع قومه، فقد مكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، وتفنن في دعوتهم إلى توحيد الله، وأرشدهم إلى عظمة الخالق وعظيم نعمائه، وفي سورة نوح نجد طرفا من ذلك، ثم سخر قوم نوح منه وكذبوا برسالته، وبذلك صاروا مكذبين لرسالات الرسل أجمعين : لأن الرسل جميعا أرسلوا بدعوة التوحيد، وعبادة الله تعالى ونبذ الشرك وعبادة الأوثان، فمن كذب بدعوة رسول من رسل الله فكأنما كذّّب برسل الله أجمعين.
﴿ وجعلناهم للناس آية.. ﴾
أي : جعلناهم عظة وعبرة، حيث أغرقهم الله أجمعين بالطوفان، ونجى الله نوحا ومن آمن معه.
﴿ وما آمن معه إلا قليل ﴾ [ هود : ٤٠ ].
وفي هذا تهديد ووعيد لكل ظالم، فالله يمهله ولا يهمله، وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل ﴿ يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ﴾٨.
﴿ وأعتدنا للظالمين عذابا أليما ﴾.
هيأنا وأعددنا للظالمين عذابا أليما موجعا.
المفردات :
الرس : البئر غير المبنية، والجمع رساس، قال أبو عبيدة : والمراد بهم كما قال قتادة : أهل قرية من اليمامة، يقال لها : الرس والقلج، قتلوا نبيهم فهلكوا، وهم بقية ثمود قوم صالح.
التفسير :
٣٨- ﴿ وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ﴾.
ودمرنا وأهلكنا قوم عاد، بسبب تكذيبهم لنبيهم هود، كما أهلكنا قوم ثمود بسبب تكذيبهم لنبيهم صالح.
قال تعالى :﴿ الحاقة*ما الحاقة* وما أدراك ما الحاقة*كذبت ثمود وعاد بالقارعة* فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية*وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية*سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية*فهل ترى لهم من باقية ﴾ [ الحاقة : ١-٨ ].
كانت عاد تسكن في جنوب الجزيرة في مكان يسمى الأحقاف، أي : الكثيب من الرمال.
قال تعالى :﴿ واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف.. ﴾ [ الأحقاف : ٢١ ]
وهذا المكان الآن بين اليمن وسلطنة عمان، في منطقة صلالة، وتوجد في صلالة سينما تسمى سينما الأحقاف، وقد اكتشفت قرب صلالة، آثار مطمورة، طمرتها الرياح، عبارة عن مدن بائدة يرجح أنها من آثار عاد قوم هود.
قال تعالى :﴿ ألا بعدا لعاد قوم هود ﴾ [ هود : ٦٠ ].
وكانت ثمود تسكن في شمال الجزيرة العربية، بين الحجاز والشام. وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على قراهم، وهو في طريقه إلى غزوة تبوك، ولما مرّ صلى الله عليه وسلم على قرى ثمود قوم صالح، حنى ظهره، واستحث راحلته، وقال لأصحابه :( لا تمرّوا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم إلا وأنتم مشفقون أن يصيبكم ما أصابهم )٩.
قال تعالى :﴿ وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب ﴾ [ هود : ٦١ ]
أصحاب الرسّ
الرس : البئر التي لم تبن بالحجارة، وقيل : البئر مطلقا، وقد اختار ابن جرير الطبري : أن أصحاب الرس هم أصحاب الأخدود، الذين ذكرهم الله في سورة البروج.
وقال بعض المفسرين : إنهم من بقايا قبيلة ثمود، بعث الله إليهم نبيا فكذبوه، ورسّوه في تلك البئر، أي : ألقوا به فيها، فأهلكهم الله تعالى.
وفي ذيل المنتخب في تفسير القرآن، طبعة ١٣ لوزارة الأوقاف المصرية ما يأتي :
وأصحاب الرسّ، قوم كانوا يعبدون الأصنام، فبعث الله شعيبا إليهم، وقد ذكرهم شعيب بأنعم الله عليهم وما هم فيه من أشجار وآبار، وخيرات كثيرة، ولكنهم كفروا بنعمة الله، وكذبوا رسولهم، وعبدوا الأوثان، وبينما هم حول الرس [ أي : البئر ] إذ انهارت بهم، وخسف الله تعالى بهم الأرض.
قال تعالى :﴿ كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود*وعاد وفرعون وإخوان لوط*وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد ﴾ [ ق : ١٢-١٤ ].
﴿ وعادا وثمودا وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا ﴾.
أي : لقد أهلكنا عادا وثمود، وأصحاب الرس لما كذبوا رسلهم، وأهلكنا أمما كثيرة كانوا بين أمة نوح وبين عاد، فأصابهم جزاء الظالمين، والقرون جمع قرن، والمراد به : الجيل من الناس، الذين اقترنوا في زمان واحد من الأزمنة.
وفي الحديث الشريف :( خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم... )١٠ رواه البخاري.
ومن شأن الله أن يهلك الظالمين، والأمم الظالمة، وأن ينشئ بعدها أمما أخرى، قال تعالى :﴿ ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدرارا وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا آخرين ﴾ [ الأنعام : ٦ ].
المفردات :
التتبير : التفتيت والتكسير.
التفسير :
٣٩- ﴿ وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيرا ﴾.
أي : جميع هؤلاء المكذبين، من قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس، والأمم الكثيرة التي كذبت رسلها، كل هؤلاء أرسلنا إليهم الرسل. وأنزلنا لهم الكتب، وقدمنا لهم المواعظ، والنصائح والعظات. والأمثال الصحيحة النافعة، ولكنهم لم يتعظوا، وآثروا الضلالة على الهدى : فاستحقوا الهلاك والنكال.
﴿ وكلا تبرنا تتبيرا ﴾
أي : وكل قرن وأمة من هؤلاء، أهلكناه إهلاكا لا قيام له منه.
وأصل التتبير : التفتيت، ومنه : التبر، لفتات الذهب والفضة، والمراد : التمزيق والإهلاك الشديد الذي يستأصل من نزل به.
المفردات :
القرية : هي سدوم أعظم قرى قوم لوط.
لا يرجون : لا يتوقعون.
النشور : البعث للحساب والجزاء.
التفسير :
٤٠-﴿ ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا ﴾.
إن أهل مكة يمرون في طريقهم إلى الشام، بقرى سدوم، وهي أكبر قرية لقوم لوط، وكان أهلها يأتون الذكران من العالمين. ويتركون جماع النساء، بحثا عن المثلية الجنسية، واستغناء الرجال بالرجال والنساء بالنساء. وقد أهلك الله قرية سدوم، بمطر بركاني، من الأبخرة والحجارة فدمّرها تدميرا، وصارت عظة وعبرة لكل مكذب فاجر.
﴿ أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا ﴾
أفلم يشاهدوها ويشاهدوا ما حلّ بأهلها ؟ لقد شاهدوها، ولكنهم لم يعتبروا ولم يتعظوا، لأنهم كذبوا بالبعث والنشور والحساب ؛ لذلك لم تتأثر قلوبهم بهذه الآية، قال تعالى :﴿ وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون* وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون ﴾ [ يوسف : ١٠٥-١٠٦ ].
﴿ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا( ٤١ ) إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا( ٤٢ ) أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا( ٤٣ ) أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا( ٤٤ ) ﴾.
التفسير :
٤١- ﴿ وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾
كان أهل مكة أعرف الناس بصدق الرسول صلى الله عليه وسلم وأمانته، فقد مكث بينهم أربعين عاما قبل الرسالة. شاهدوا سلوكه، وقبلوا حكومته بينهم في وضع الحجر الأسود عند بناء الكعبة، وقد كان أحسنهم صورة من ناحية الشكل والمظهر، وأحسنهم أخلاقا من ناحية المعاني والمخبر، وقد تحدّاهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن، وحين جمعهم عند الصفا. وقال لهم :( لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي.. ) ؟ قالوا : نعم، ما جربنا عليك كذبا، فقال لهم :( والله الذي لا إله إلا هو، إني لرسول الله إليكم خاصة، وإلى الناس عامة )، فقال أبو لهب : تبا لك، ألهذا جمعتنا ؟ ١١، فأنزل الله تعالى :﴿ تبت يدا أبي لهب وتب.. ﴾إلى آخر السورة [ المسد : ١-٥ ].
ومعنى الآية :
إذا شاهدك كفار مكة، سخروا منك، وأنقصوا من قدرك، واستهزءوا بك، عنادا وسفها ومكابرة، وقالوا ساخرين على سبيل التنقص والازدراء :
﴿ أهذا الذي بعث الله رسولا ﴾
أي : أما وجد الله غير هذا اليتيم الفقير حتى يرسله رسولا.
ونحو هذه الآية قوله تعالى :﴿ وإذا رآك الذين كفروا إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي يذكر آلهتكم وهم بذكر الرحمان هم كافرون* خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون ﴾ [ الأنبياء : ٣٦-٣٧ ].
وفي هذا المعنى قال تعالى :﴿ وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم*أهم يقسمون رحمة ربك.. ﴾ [ الزخرف : ٣١-٣٢ ].
٤٢- ﴿ إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ﴾
أي : كاد أن يصرفنا عن عبادة الأصنام، لولا أن قاومنا دعوته، وانصرفنا عنها، وتمسكنا بعبادة الأصنام والأوثان.
وفي هذا المعنى يقول تعالى :﴿ وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد* ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق* أأنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكرى بل لما يذوقوا عذاب ﴾. [ ص : ٦-٨ ]
ونجد في هذه الآية اعترافا من الكفار بقوة القرآن، وأثره في النفوس، وإخلاص الرسول وقوة حجته، حتى إنه أوشك أن ينقلهم من الكفر والشرك، إلى الإيمان والتوحيد، لولا صمودهم وتعاليهم، وإصرارهم على الكفر، كما قال تعالى :﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].
ثم يعاجلهم القرآن، بمشهد العذاب يوم القيامة، حين يرون جهنم تتلمظ غيظا على من عصى الله، عندئذ سيعلمون علم اليقين، من هو الضال، ومن هو المهتدي، أهم أم المؤمنون، ﴿ وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا ﴾.
قال النيسابوري : وإنما يرون العذاب عند كشف الغطاء عن بصر البصيرة.
وقال في المنتخب في تفسير القرآن :
معنى الآية : لقد أوتي هذا الرجل من حسن البيان وقوة الحجة، ما يجذب السامعين، ولقد نال من عقائدنا حتى كاد يزحزحنا عن آلهتنا، ويميلنا إلى إلهه، ولكننا ثبتنا على آلهتنا وديننا، وسنبيّن لهم جلية الأمر حين يرون العذاب يوم القيامة، ويعلمون من هو أثبت في الضلال والغواية.
٤٣- ﴿ أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا ﴾
وهنا يتعجب القرآن من هؤلاء الكفار، الذين عبدوا الأحجار، ولم يفتحوا عقولهم للنظر في الحق والهدى، أي : إنهم –يا محمد- أهل لأن تعجب منهم، ولكن لا تحزن على كفرهم، فما عليك إلا البلاغ، ولست مسؤولا عن هدايتهم.
قال ابن عباس : كان الرجل في الجاهلية يعبد الحجر الأبيض زمانا، ثم إذا رأى غيره أحسن منه : عبد الثاني وترك الأول.
وفي معنى هذه الآية يقول الله تعالى :﴿ أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء.. ﴾ [ فاطر : ٨ ].
٤٤-﴿ أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا ﴾
وهل تظن أن أكثرهم يسمعون سماع الفهم، أو يهتدون بعقولهم ؟ لقد نبذوا ما تأمرهم به أحلامهم، وصاروا كالبهائم، لا هم لهم إلا الأكل والشرب ومتاع الحياة الدنيا، ولا تفكير لهم فيما وراء ذلك، بل هم شر مكانا من البهائم، فالبهائم تنقاد لأصحابها إلى ما فيه خيرها، وتنأى عما يضرها، وهؤلاء يلقون بأنفسهم فيما يهلكهم.
ومن كمال القرآن قوله :﴿ أم تحسب أن أكثرهم.. ﴾ لأن هناك قلة منهم كانت تعرف الحق معرفة حقيقية، لكن المكابرة والعناد والحسد وأشباه ذلك، منعهم من الإيمان، قال تعالى :﴿ فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ﴾ [ الأنعام : ٣٣ ].
قال الزمخشري في تفسير الكشاف :
فإن قلت : ما معنى ذكر الأكثر ؟ قلت : كان فيهم من لا يصدّه عن الإسلام إلا داء واحد، وهو حب الرياسة، وكفى به داء عضالا.
* * *
﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ( ٤٥ ) ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا( ٤٦ ) وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا( ٤٧ ) وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا( ٤٨ ) لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه، مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا( ٤٩ ) ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا( ٥٠ ) ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ( ٥١ ) فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا( ٥٢ )* وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا( ٥٣ ) وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا( ٥٤ ) ﴾.
المفردات :
ألم تر : ألم تنظر.
إلى ربك : إلى صنعه.
مد : بسط
الظل : ما يحدث من مقابلة جسم كثيف، كجبل أو بناء أو شجر للشمس، من حين ابتداء طلوعها إلى غروبها.
ساكنا : ثابتا على حاله في الطول والامتداد، بحيث لا يزول ولا تذهبه الشمس.
دليلا : علامة.
التفسير :
٤٥-﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ﴾.
في هذه الآيات يلفت القرآن الأنظار إلى ما في الكون من دلائل القدرة والعظمة، والعناية والرعاية، فهذا الكون أثر قدرة الله، خلقه الله وأمدّه بمقومات الحياة، وجعل فيه التكامل والتعاون بين أجزائه، ليستفيد بذلك الإنسان والحيوان والنبات، ومن هذه النعم : نعمة الظل والشمس، والنوم واليقظة، والرياح والسحاب والمطر، وإرسال الرسل، وإنزال الكتب، وتيسير الأمطار، وتكوين البحار والأنهار، وخلق الإنسان والحيوان والنبات، وسائر الموجودات.
إن حركة الكون عند انقضاء الليل، ومجيء الفجر، ونور النهار، تجد ظلا كاملا بين عتمة الليل المخيف، وضوء الشمس وحرارتها اللافحة، وعند طلوع الشمس يبدأ الظل يظهر، ثم يتقلص قليلا قليلا.
قال في ظلال القرآن :
والظل هو ما تلقيه الأجرام من الظلمة الخفيفة، حين تحجب أشعة الشمس في النهار، وهو يتحرك مع حركة الأرض في مواجهة الشمس، فتتغير أوضاعه وامتداداته وأشكاله، والشمس تدل عليها وعليه بضوئها وحرارتها، وتميز ساحته وامتداده وارتداده، ومتابعة خطوات الظل في مدّه وانقباضه، يشيع في النفس نداوة وراحة، كما يثير فيها يقظة لطيفة شفيفة، وهي تتبع صنع الباري اللطيف الخبير. اه.
وجاء في المنتخب في تفسير القرآن الكريم ما يأتي :
لقد نصبنا من الدلائل على التوحيد ما يهدي ذوي الألباب، انظر إلى الظل فقد بسطه الله وجعله ساكنا أول النهار، ثم سلّطنا الشمس تزيل منه بما يحل محله من أشعتها، فكانت الشمس دالة عليه، ولولاها ما عرف الظل، ولو شاء الله لجعل الظل ساكنا مطبقا على الناس، فتفوت مصالحهم ومرافقهم.
وفي هامش المنتخب ما يأتي :
﴿ ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا ﴾.
هذه الآية تظهر عناية الخالق وقدرته، فمدّ الظل يدل على دوران الأرض، وعلى ميل محور دورانها، ولو أن الأرض سكنت، بحيث أنها ظلت غير متحركة حول الشمس، وكذلك انعدام دورانها حول محورها، لسكن الظل، ولظلت أشعة الشمس مسلطة على نصف الأرض، بينما يظل النصف الآخر ليلا، مما يحدث اختلاف التوازن الحراري، ويؤدي إلى انعدام الحياة على الأرض، وكذلك إذا كان هذا هو حال الأرض، فإن الظل يظل ساكنا، وهذا أيضا يحدث إذا كانت فترة دوران الأرض حول محورها هي نفسها فترة دورانها حول الشمس، أي أن اليوم يصبح سنة كاملة، ولكن لا يمكن أن يفعل ذلك غير الله، هذا فضلا عن أن الظل ذاته نعمة من نعم الله، ولو أن الله خلق الأشياء كلها شفافة لما وجد الظل، ولانعدمت فرص الحياة أمام الكائنات التي تحتاج إليه١٢.
المفردات :
قبضناه : محوناه.
يسيرا : على مهل قليلا قليلا، بحسب سير الشمس في فلكها.
التفسير :
٤٦- ﴿ ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا ﴾.
عندما ترتفع الشمس تزيل آثار الظل شيئا فشيئا بالتدريج، وينقبض الظل سهلا هينا لا يكسر شيئا، ولا يعطل حركة.
وقيل : المعنى : ثم قبضنا الشمس قبضا يسيرا.
قال في الظلال :
وإن مشهد الظلال والشمس مائلة للمغيب، وهي تطول وتطول، وتمتد وتمتد، ثم في لحظة، لحظة واحدة، ينظر الإنسان فلا يجدها جميعا، لقد اختفى قرص الشمس، وتوارت معه الظلال، أين تراها ذهبت ؟ لقد قبضتها اليد الخفية التي مدّتها، لقد انطوت كلها في الظل الغامر الطامي، ظل الليل والظلام١٣.
إنها يد القدرة القوية اللطيفة التي يغفل عنها البشر، وهي تعمل دائبة لا يدركها الكلال.
المفردات :
سباتا : من السبت، وهو القطع، لانقطاع التعب فيه، أو لانقطاع الحياة الكاملة.
النشور : البعث
التفسير :
٤٧-﴿ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا ﴾
يمتن الله تعالى على عباده بثلاث نعم :
١-الليل يأتي بظلامه البهيم فيهدأ الناس، ويغطي الظلام كل شيء كأنه لباس تلبسه الأشياء.
٢-النوم يقطع الأعمال، وتستريح الأبدان، وتنسحب الروح من الجسم، وتكون الأحلام في النوم، والراحة التي تكسب الإنسان قدرة وصفاء وتألقا.
٣-ثم يأتي النهار فتنبعث الحياة، وتشرق الشمس، ويعم الضياء، ويهب الناس بحثا عن أرزاقهم. واستئنافا لأعمالهم.
فالنوم موتة صغرى، واليقظة بعث ونشور، قال صلى الله عليه وسلم :( والذي نفس محمد بيده، لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن على ما تعملون، ولتجزون بالإحسان إحسانا، وبالسوء سوءا، وإنها لجنة أبدا ولنار أبدا ).
قال ابن كثير في تفسير الآية :
﴿ وهو الذي جعل لكم الليل لباسا ﴾ أي : يلبس الوجود ويغشاه، كما قال تعالى :﴿ والليل إذا يغشى [ الليل : ١ ] { والنوم سباتا.. ﴾
أي : قاطعا للحركة لراحة الأبدان، فإن الأعضاء والجوارح تكل من كثرة الحركة، في الانتشار بالنهار في المعاش، فإذا جاء الليل وسكن، سكنت الحركات فاستراحت، فحصل النوم الذي فيه راحة البدن والروح معا.
﴿ وجعل النهار نشورا ﴾.
أي : ينتشر الناس فيه لمعايشهم ومكاسبهم وأسبابهم، كما قال تعالى :﴿ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ﴾ [ القصص : ٧٣ ].
وللنوم أثر في تجديد الخلايا. وراحة البدن، وسياحة الروح في الملأ الأعلى، وإمكان حدوث الرؤيا الصالحة في النوم، وفي الحديث الصحيح :( ذهبت النبوات وبقيت المبشرات، والمبشرات هي الرؤيا، يراها الرجل الصالح أو ترى له )١٤.
وفي تفسير هذه الآية تكلم الشيخ عبد الحميد كشك كلاما جيدا عن النوم، فقد كان هناك كلام كثير عن النوم وأسبابه، ثم رحب العلماء بما وصل إليه العلم، من اعتبار أن النوم طرح روحي مؤقت، ونقل أن الرحالة أحمد حسنين باشا كان يستكشف واحة في الصحراء، ثم نفد الماء وعلف الدواب، فاستراح الجميع في انتظار الموت، ثم رأى أحمد حسنين في منامه امرأة تلبس ثيابا بيضاء، وترشده إلى كثيب، ثم يتابع المسير فيصل إلى مكان مأهول، ثم نجا هو والقافلة بالعثور على ذلك المكان١٥.
وقد تحدث القرآن عن النوم واعتبره آية من آيات الله وجميل قدرته.
قال تعالى :﴿ الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون ﴾ [ الزمر : ٤٢ ].
والنوم بالنهار لفترة قصيرة، تستريح فيها الأجسام والأرواح، يؤدي إلى تجدد النشاط وتألف الذهن.
قال تعالى :﴿ ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ﴾ [ الروم : ٢٣ ].
وقد نصح الأطباء، بأن يغفو الإنسان غفوة كل يوم، وهذه الغفوات التي تتخلل النهار تدفع الكلال، وتخفض ضغط الدم حوالي ١٥-٣٠ مليمترا، وترفع عن القلب بعض الحمل المتعب، وينصح [ ديل كارنيجي ] في كتابه : " دع القلق وابدأ الحياة "، بأن تغفو نصف ساعة بعد ظهر كل يوم في غرفة مكتبك أو عملك، ويقول : إن ساعة تنامها في خلال النهار، مضافة إلى ست ساعات تنامها ليلا، تجعل المجموع سبع ساعات، أجدى لك من ثماني ساعات من النوم المتواصل ليلا١٦.
المفردات :
بشرا :[ تخفيف بُشُر بضمتين ] واحدها : بشور، كرُسل ورسُول، أي : مبشرات.
بين يديه : قدّامه.
الرحمة : المطر.
طهورا : يتطهر به.
التفسير :
٤٨- ﴿ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾
الله تعالى يرسل الرياح فتكون بشيرا أمام فضله، بإنزال المطر ينزل من السماء وهو في أعلى درجات الطهارة، ورغم ما يحمله من شوائب في الجو، إلا أنه يظل طاهرا مطهرا، ويظل الماء سببا في حياة النبات والإنسان والحيوان، والعيون والآبار والبحار والأنهار، بيد أن الزراعات التي تزرع على المطر مباشرة، أصحابها يتعلقون بالمطر، ويشاهدون نزوله، ويستبشرون بالسحب، لأنها تبشر بالمطر، وتلقح السحب بعضها بعضا، فينزل المطر بسببها، وعرف العرب أنواعا من الرياح.
قال ابن كثير :
﴿ وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا ﴾
وهذا أيضا من قدرته التامة، وسلطانه العظيم، وهو أنه تعالى يرسل الرياح مبشرات، أي : بمجيء السحاب بعدها، والرياح أنواع، في صفات كثيرة من التسخير : فمنها ما يثير السحاب، ومنها ما يحمله، ومنها ما يسوقه، ومنها ما يكون بين يدي السحاب مبشرا، ومنها ما يكون قبل ذلك تقمّ الأرض، ومنها ما يلقح السحاب ليمطر، ولهذا قال الله تعالى :{ وأنزلنا من السماء ماء طهورا. أي : آلة يتطهر بها، كالسحور لما يتسحر به. اه.
وقد امتن الله على عباده بالماء وبالمطر وبالبحار والأنهار، قال تعالى :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي.. ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ].
وقال سبحانه :﴿ ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ﴾ [ النور : ٤٣ ]
وقال تعالى :﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه*أنا صببنا الماء صبا* ثم شققنا الأرض شقا*فأنبتنا فيها حبا*وعنبا وقضبا*وزيتونا ونخلا* وحدائق غلبا*وفاكهة وأبا* متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ [ عبس : ٢٤-٣٢ ].
وقال في المنتخب :
وهو الذي سخر الرياح فتسوق السحب وتبشر الناس بالمطر، الذي هو رحمة منه لهم، ولقد أنزلنا من السماء ماء طاهرا مطهرا، مزيلا للأنجاس والأوساخ.
المفردات :
البلدة : الأرض
الميت : التي لا نبات فيها.
الأنعام : الإبل والبقر والغنم، وخصها بالذكر لأنها ذخيرة، ومعاش أكثر أهل المدر منها.
أناسي : واحدهم : إنسان [ أصله : أناسين، أبدلت النون ياء، وأدغمت في الياء ].
التفسير :
٤٩-﴿ لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ﴾
سخر الله المطر لإحياء الأرض المجدبة، وهذه آية من آيات الله، أن ترى الأرض هامدة لا حياة فيها ولا نبات، فإذا نزل عليها الماء، اخضرت وأثمرت وأينعت، وتسبب ذلك في إثراء الحياة.
﴿ ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ﴾
كما أن المطر فيه حياة للأرض الميتة، كذلك فإن هذا المطر يكون سببا لشرب الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم، وسائر الحيوانات، كما يشرب أناسا كثيرون من هذه الأمطار، وقد قدم الله حياة الأرض، وسقيا الأنعام على شرب الإنسان، لأن الأرض والأنعام مسخرة للإنسان، وإذا شربت الأرض والحيوانات فلن يعدم الإنسان وسيلة للشرب، بل الإنسان هو المستفيد بعد ذلك.
المفردات :
صرفناه : حولناه في أوقات مختلفة إلى بلدان متعددة.
ليتذكروا : ليعتبروا.
كفورا : كفرانا للنعمة، وإنكارا لها.
التفسير :
٥٠-﴿ ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا ﴾
لقد وزعنا هذا المطر بين عباد الله في أرضه، ليعتبروا ويتعظوا، ويتذكروا أن تسخير السحاب، وإنزال المطر وإنبات النبات، بقدرة الله، فيقوموا بالشكر والتذكر لفضل الله، لكن كثيرا من الناس ينسبون المطر إلى النجوم، والظواهر الطبيعية، وينسون أن الله هو الذي طبع الطبيعة، وسخرها ويسرها لخدمة الإنسان، ومع هذا فقليل من الناس من يشكر، وكثير منهم من يكفر.
روى مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوما، على إثر سماء أصابتهم من الليل ( أتدرون ماذا قال ربكم ؟ ) قالوا : الله ورسوله أعلم. قال :( أصبح من عبادي مؤمن وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته : فذاك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال : مطرنا بنوء كذا وكذا : فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب )١٧.
وذهب بعض المفسرين إلى أن الضمير في الآية يعود إلى القرآن، فقالوا : معنى هذه الآية : وهذا القرآن قد بينا آياته، وصرفناها ولونا فيها فنون القول وأنواعه ؛ ليتذكر الناس ربهم، وليتعظوا ويعملوا بموجبه، ولكن أكثر الناس أبوا إلا الكفر والعناد.
المفردات :
نذيرا : نبيا ينذر أهلها.
التفسير :
٥١-﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ﴾
لو أراد الله لأرسل نبيا إلى كل قرية من قرى الجزيرة العربية وغيرها، ولكنه –سبحانه وتعالى- أراد أن تكون الرسالة الخاتمة رسالة واحدة، ونبيها نبيا واحدا ؛ تفضيلا له وتكريما، وفي صحيح البخاري، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :( أعطيت خمسا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي الغنائم، وأعطيت الشفاعة، وأرسل كل نبي إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )١٨.
وفي الصحيحين :( بعثت إلى الأحمر والأسود )١٩.
وهذه الرسالة تحمل في مقوماتها عوامل صلاحها وخلودها وبقائها إلى يوم الدين.
قال تعالى :﴿ وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا.. ﴾ [ سبأ : ٢٨ ].
وقال سبحانه :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ﴾ [ الحجر : ٩ ]
ومن حفظ الله لرسالته، حفظ القرآن، وحفظ الحديث النبوي الشريف، وإرسال الهداة والمصلحين وحث المسلمين على الاجتهاد والاستنباط، وتسخير العقول والأفكار لتستنبط ما يوائم مصالح الناس، وما يبعث فيهم الحيوية والآمال والتقدم.
٥٢-﴿ فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ﴾
فلا تطع الكافرين فيما يريدونه منك من أمور باطلة فاسدة، وجاهدهم بالقرآن الكريم، جهادا كبيرا شاقا، لإبطال شبهاتهم وأراجيفهم، وقد كان القرآن الكريم أقوى من تسخير الجيوش، فقد ناقش باطلهم، وعاب عليهم تقليد الآباء والأجداد، وعبادة الحجارة والأوثان، وزلزل كبرياءهم، ودخل عليهم من كل باب، ولفت أنظارهم إلى الكون وخالقه، وقصّ عليهم أخبار السابقين، وتحدث عن القيامة والحساب والجزاء، والجنة والنار والميزان والصراط، كأنما وضع أمامهم أهوال القيامة : حتى نفذ إلى أفئدتهم، فقاوموا سلطانه وحاولوا مقاوته بالتصفيق والصراخ، ﴿ وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير ﴾ [ التوبة : ٧٣ ].
المفردات :
مرج : خلط، ومنه قوله تعالى : فهم في أمر مريج [ ق : ٨ ] أي : مختلط، ومنه قيل للمرعى : مرج : لاختلاط الدواب فيه بعضها ببعض، ويطلق المرْج بمعنى الإرسال والتخلية.
فرات : مفرط العذوبة.
أجاج : شديد الملوحة.
برزخا : حاجزا.
حجرا محجورا : تنافرا شديدا، فلا يبغي أحدهما على الآخر، ولا يفسد الملح العذب.
التفسير :
٥٣- ﴿ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ﴾.
تعرض الآية مظهرا من مظاهر القدرة الإلهية، فالله القدير خلط البحرين ومزجهما، مع ما بينهما من التنافر والتضاد، أحدهما حلو سائغ شرابه، والثاني مالح شديد الملوحة، وجعل بينهما حاجزا من قدرة الله، لا يختلطان ولا يمتزجان ؛ حتى لا يفسد أحدهما خصائص الآخر، قال تعالى :﴿ مرج البحرين يلتقيان*بينهما برزخ لا يبغيان*فبأي آلاء ربكما تكذبان* ﴾ [ الرحمان : ١٩-٢١ ].
وقال تعالى :﴿ أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ﴾ [ النمل : ٦١ ].
" ومن الفطرة التي فطرها الله تعالى أن مجاري الأنهار غالبا أعلى من سطح البحر، ومن ثم فالنهر العذب هو الذي يصبّ في البحر المالح، ولا يقع العكس إلا شذوذا، وبهذا التقدير الدقيق، لا يطغى البحر-وهو أضخم وأغزر- على النهر الذي منه الحياة للناس والأنعام والنبات، ولا يكون هذا التقدير مصادفة عابرة، وهو يطرد هذا الاطراد، إنما يتم بإرادة الخالق الذي أنشأ هذا الكون لغاية تحققها نواميسه في دقة وإحكام، وقد روعي في نواميس هذا الكون ألا تطغى مياه المحيطات الملحة، لا على الأنهار ولا على اليابسة، حتى في حالات المدّ والجزر التي تحدث من جاذبية القمر للماء الذي على سطح الأرض ويرتفع بها الماء ارتفاعا عظيما " ٢٠.
ويقول صاحب كتاب [ العلم يدعو إلى الإيمان ] يبعد القمر عنا مسافة مائتين وأربعين ألفا من الأميال، ويذكرنا المدّ الذي يحدث مرتين تذكيرا لطيفا بوجود القمر، والمدّ الذي يحدث بالمحيط قد يرتفع إلى ستين قدما في بعض الأماكن، بل إن قشرة الأرض تنحني مرتين نحو الخارج مسافة عدة بوصات، بسبب جاذبية القمر، ويبدو لنا كل شيء منتظما لدرجة أننا لا ندرك القوة الهائلة التي ترفع مساحة المحيط كلها عدة أقدام، وتنحني قشرة الأرض التي تبدو لنا صلبة للغاية..
ولو اقترب القمر منا أكثر مما هو عليه لغرقت القشرة الأرضية، وتعذرت الحياة على وجه الأرض.
ولكن اليد التي تدبّر هذا الكون، مرجت البحرين، وجعلت بينهما برزخا وحاجزا من طبيعتهما، ومن طبيعة هذا الكون المتناسق، الذي تجري مقاديره بيد الصانع المدبر الحكيم، هذا الجري المقدّر المنسق المرسوم.
ومن ماء السماء، وماء البحر والنهر، إلى ماء النطفة التي تنشأ منها الحياة البشرية المباشرة.
المفردات :
نسبا وصهرا : ذكورا ينسب إليهم، وإناثا يصاهرن بهن.
التفسير :
٥٤- ﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ﴾.
وهذا أيضا لون من ألوان القدرة، حيث خلق الله من النطفة المهينة حين يختلط ماء الرجل بماء المرأة ويتم الإخصاب، حيث يتحول الماء المهين إلى نطفة مخصّبة تعلق في جدار الرّحم وتتشبث به، وتسبح في دماء من دماء الأم، وتتحول العلقة إلى قطعة لحم قدر ما يمضغ تسمى المضغة، ثم تتحول المضغة إلى عظام، أو هيكل عظمي هو أساس تكوين الإنسان، ثم يكسى هذا الهيكل العظمي باللحم، ثم يتحول خلقا آخر متكامل الخلقة والتقاسيم، مستكمل أسباب الوجود والحياة، فيه العينان والأذنان واليدان والرجلان وسائر الأجهزة : كالجهاز العصبي، والجهاز اللمفاوي والجهاز التناسلي، والجهاز الهضمي، فضلا عن مشروع متكامل، لإنسان مستكمل الجمال والأطراف والخلقة، كالشعر والأنف والأسنان والفم واللهاة، والبلعوم والمرىء والبطن والفخذ والساق، والقدم وسائر الأجزاء، التي تتمم إنسانية الإنسان، وتجعل منه مخلوقا كامل الأعصاب والإرادة والاختيار والعقل والتصرف، وهو سيد المخلوقات، قال تعالى :﴿ إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا* إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ﴾ [ الإنسان : ٢-٣ ].
وقال سبحانه :﴿ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ].
وقال عز شأنه :﴿ والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة.. ﴾ [ النحل : ٧٨ ].
وقال تعالى :﴿ ألم نجعل له عينين*ولسانا وشفتين*وهديناه النجدين ﴾ [ البلد : ٨-١٠ ]
وقال تعالى :﴿ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم* الذي خلقك فسواك فعدلك* في أي صورة ما شاء ركبك ﴾ [ الانفطار : ٦-٨ ].
﴿ وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا ﴾
أي : خلق الله الإنسان من الماء، قال تعالى :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي.. ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ] فالماء يروي الزرع، والإنسان يتغذى به، ثم تكون النطفة التي هي أصل الإنسان، أو أن الإنسان مخلوق من ماء المنّي، حيث خلقه الله بشرا سويا، وجعل منه الذكر والأنثى، فالذكر ينسب إليه الإنسان، فيقال : فلان ابن فلان، نسبة إلى أبيه، والأنثى تكون سببا في المصاهرة والزواج، وأصهار الزوج هم أقارب زوجته.
قال الشاعر :
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد
وقال تعالى :﴿ أيحسب الإنسان أن يترك سدى* ألم يكن نطفة من مني يمنى* ثم كان علقة فخلق فسوّى* فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ﴾ [ القيامة : ٣٦-٣٩ ].
قال النيسابوري : ومن دلائل القدرة، أحوال خلقة الإنسان، والماء إما ماء العنصر، كقوله :﴿ وجعلنا من الماء كل شيء حي.. ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ] أو النطفة.
ومعنى :﴿ فجعله نسبا وصهرا ﴾ أنه قسم البشر قسمين : ذوي نسب، وذوات صهر، والأوّل : الذكور الذين ينسب إليهم الإنسان، والثاني : الإناث اللاتي يصاهر بهن، ونحوه قوله تعالى :﴿ فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى ﴾ [ القيامة : ٣٩ ]، والأصهار : أهل بيت المرأة، كما قال الخليل بن أحمد٢١.
ملحق بتفسير الآية
١- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم أربعين يوما علقة، ثم أربعين يوما مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، ويكتب أجله ورزقه، وشقي أو سعيد )٢٢.
٢- إذا لم يكن النسب ثابتا شرعا لم تثبت حرمة المصاهرة، وعليه قال الجمهور : إذا لم يكن نسب شرعا، فلا صهر شرعا، فلا يحرم الزنا بنت أم ولا أم بنت، ولا بنتا من الزنا، وما يحرم من الحلال، لا يحرم من الحرام، لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده، ورفع قدرهما، وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليها، فلا يلحق الباطل بهما ولا يساويهما، وقال الحنفية : تحرم البنت من الزنا، أو الأخت أو بنت الابن من الزنا، بسبب التولد من ماء الرجل.
﴿ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ( ٥٥ ) وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا( ٥٦ ) قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا( ٥٧ ) وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا( ٥٨ ) الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان فاسأل به خبيرا( ٥٩ ) وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا( ٦٠ ) تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا( ٦١ ) وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا( ٦٢ ) ﴾.
المفردات :
الظهير والمظاهر : المعاون، فهو يعاون الشيطان على ربّه، أي : على رسوله بالعداوة.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
التفسير :
٥٥- ﴿ ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا ﴾.
مع هذه الأدلة المتظاهرة على قدرة الله تعالى، فإن الكفار يعبدون من دون الله الأصنام والأوثان، والأبقار والأحجار، التي لا تنفعهم إذا عبدوها، ولا تضرهم إذا لم يعبدوها.
لقد كفروا نعمة الله عليهم، واتجهوا بعبادتهم إلى أصنام لا تملك لهم نفعا، ولا تملك لهم ضرا، ولا تملك لنفسها شيئا.
قال تعالى :﴿ يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ﴾ [ الحج : ٧٣ ].
والكافر بعبادته للأحجار يعاون الشيطان، ويساعده على معصية الرحمان.
قال مجاهد : يظاهر الشيطان على معصية الله ويعينه.
﴿ وكان الكافر على ربه ظهيرا ﴾.
أي : إن الكافرين يعاونون المشركين، ويكونون أولياء لهم على معاداة رسول الله والمؤمنين، قال تعالى :﴿ وإخوانهم يمدونهم في الغي.. ﴾ [ الأعراف : ٢٠٢ ] وقد يكون المعنى : وكان الكافر على ربه هينا ذليلا، لا قدر له ولا وزن له عنده، من قول العرب : ظهرت به، أي : جعلته ظهرك ولم تلتفت إليه، ومن قوله تعالى :﴿ واتخذتموه وراءكم ظهريا.. ﴾ [ هود : ٩٢ ] أي : هينا.
قال ابن عباس : نزلت الآية في أبي الحكم بن هشام، الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم :( أبا جهل بن هشام ).
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
٥٦-﴿ وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا ﴾.
أي : لقد أرسلناك بشيرا للمؤمنين بالجنة والثواب والنعيم المقيم، ونذيرا للكافرين بالعذاب الشديد وسوء المصير.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
٥٧-﴿ قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا ﴾
أي : لا أسألكم أجرا ولا مالا على تبليغ الرسالة، وقصارى أن أرشد حائرا، أو أهدى ضالا، أو آخذ بيد مسترشد، يريد أن يعرف طريقه وسبب هدايته، كأنه يقول : لا أسألكم مالا ولا أجرا، وإنما أسألكم الإيمان بالله وطاعته، وأجرى على الله.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
المفردات :
وسبح بحمده : نزهه وصفه بصفات الكمال.
كفى : يقال : كفى بالعلم جمالا، أي : حسبك، فلا تحتاج معه إلى غيره.
خبيرا : الخبير بالشيء : العليم بظاهره وباطنه، وبكل ما يتصل به.
٥٨- ﴿ وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا ﴾.
أي : اعتمد على الله الحي الدائم الحياة، الباقي الذي لا يدركه فناء ولا موت، استوثق بحبله واعتمد عليه، والتوكل هو الاعتماد على الله مع الأخذ بالأسباب، وهذا التوكل نعم العون للعبد على بلوغ هدفه.
قال تعالى :﴿ وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون ﴾ [ إبراهيم : ١٢ ].
قال ابن كثير :
كن متوكلا على الله الحي الذي لا يموت أبدا، الدائم الباقي السرمدي، الأبدي الحي القيوم، رب كل شيء ومليكه، اجعله ذخرك وملجأ، فإنه كافيك وناصرك ومؤيدك ومظهرك، كما قال تعالى :﴿ والله يعصمك من الناس... ﴾ [ المائدة : ٦٧ ].
﴿ وسبح بحمده.. ﴾
أي : اقرن بين حمده وتسبيحه، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( سبحانك اللهم ربنا وبحمدك )٢٣ أي : أخلص له العبادة والتوكل. اه.
وفي معنى الآية قوله تعالى :﴿ إذا جاء نصر الله والفتح* ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ﴾ [ النصر : ١-٣ ]
وقوله سبحانه :﴿ فاعبده وتوكل عليه.. ﴾ [ هود : ١٢٣ ]
وقوله تعالى :﴿ قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا.. ﴾ [ الملك : ٢٩ ].
ومعنى وسبح بحمده : نزّه الله تعالى، عما يصفه به هؤلاء الكفار، من الشركاء والأولاد فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد.
﴿ وكفى به بذنوب عباده خبيرا ﴾
أي : حسبك أن الله مطلع على أعمال العباد، وهو عليهم رقيب وشهيد، وسوف يجازيهم على أعمالهم، فهو خبير بأحوالهم، لا يحتاج إلى غيره، وهو قادر على مجازاة المذنبين، وفي هذا وعيد شديد وتهديد لكل مذنب بأن الله يراه، ويعلم أعماله، وسيجازيه عليها.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
٥٩-﴿ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمان فاسأل به خبيرا ﴾.
هذه الآية كالتعليل لما قبلها، فقد أمر الله تعالى بالتوكل عليه سبحانه وتسبيحه وتحميده، وذكر إحاطة علمه بكل شيء، ثم ذكر في هذه الآية جانبا من قدرته التي لا حدود لها، فقال :﴿ الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام.. ﴾.
فهو سبحانه الذي أبدع الكون على غير مثال سابق، وإذا أراد أمرا قال له كن فيكون، لكنه أراد أن يعلمنا الصبر، ومراعاة سنن الفطرة وسنن الكون، فخلق الكون في ستة أيام، وهذه الأيام ليست كأيام الدنيا، حيث لم يكن في ذلك الوقت شمس أو قمر أو ليل أو نهار، بل المراد : في ست مراحل، واليوم أحيانا يطلق على مدة طويلة مثل : يوم ذي قار، ويوم بعاث، ويوم وقعة عمورية، ويوم البسوس.
وفي القرآن الكريم :﴿ وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ﴾ [ الحج : ٤٧ ]
وقال عز شأنه :﴿ في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ﴾ [ المعارج : ٤ ]
لقد كان الكون كرة ملتهبة، كما تشير نظرية السديم، ثم قذفت الكرة، وانفصلت السماء وارتفعت، وانفصلت الأرض وصارت كالبساط المفروش، وكان بينهما الهواء والفضاء، وتم ذلك في مراحل طويلة متباعدة، وقد أشار القرآن الكريم إلى أن السماء والأرض كانتا ملتصقتين، ففتقهما الله، حيث رفع السماء وبسط الأرض، وسخر السحاب والهواء، وبعد بلايين السنين، أمكن أن تكون الأرض صالحة للحياة عليها، حيث أمطرت السماء، وأنبتت الأرض، وجرى بينهما الهواء والفضاء، واستعد الكون لوجود خليفة في الأرض، لاستعمارها وزراعتها واستثمار خيراتها.
قال تعالى :﴿ أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ﴾ [ الأنبياء : ٣٠ ].
قال المفسرون : الرتق ضد الفتق، أي : كانت السماء صماء لا تمطر، والأرض رتقاء لا تنبت، ففتق الله السماء بالمطر، وفتق الأرض بالنبات، وأجرى بينهما الفضاء والهواء، والخلق والوجود، ويفيد العلم الحديث أن عمر الكون يقرب من ستة بلايين سنة، قبل أن يخلق فيه الإنسان، وأن عمر الكون ١٣ بليون سنة إلى الآن.
فلعل المراد بخلق الكون في ستة أيام، أن الله خلق الكون في مدد ومراحل متتابعة تقارب ستة بلايين سنة، حيث كان الكون ملتهبا، ثم هدأت السماوات والأرض، في فترات ومراحل، هي ست مراحل أو ستة أيام، وقد تكرر ذلك في آيات القرآن الكريم، ومرّ تفسير ذلك في شرح الآية " ٣٠ " من سورة الأنبياء وما بعدها.
﴿ ثم استوى على العرش.. ﴾
أي : استوى على ملك الكون مع الاستعلاء والسيطرة، استواء يليق بعظمته كما يقول السلف، أو استولى وملك وسيطر كما يقول الخلف.
وهو سبحانه يدبر الأمر، ويقضي بالحق وهو خير الفاصلين، ولفظ : ثم، لا يدل على الترتيب الزمني، إنما يدل على بعد الرتبة.. رتبة الاستواء والاستعلاء.
﴿ الرحمان فاسأل به خبيرا ﴾
أي : مع الخلق والقدرة سعة الرحمة والعطف، والخبرة المطلقة، التي لا يخفى عليها شيء، فإذا سألت الله فإنما تسأل خبيرا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقيل : المعنى : اسأل عن الله وصفاته وكماله خبيرا، من رسول أو عالم، ثم اتبعه واقتد به، فلا أحد أعلم بالله من الله، ولا أحد أعلم بالله وكماله من رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : المعنى : فاسأل عنه علماء أهل الكتاب، فلديهم الخبرة عن صفاته وكمالاته.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
٦٠-﴿ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمان قالوا وما الرحمان أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ﴾.
إذا طلب من هؤلاء المشركين طاعة الله وحده، والسجود له دون سواه، والخضوع لفضله ورحمته، فهو سبحانه الله الرحمان الرحيم ؛ أنكروا ذلك وتطاولوا، وقالوا : ما نعرف الرحمان إلا رحمان اليمامة، يعنون : مسيلمة الكذاب.
﴿ أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفورا ﴾
أنطيعك ونسجد لما تأمرنا بالسجود له دون سواه، وزادهم ذلك نفورا من طاعة الرحمان، والامتثال لأمره، والاهتداء بهداه، بدل أن تزيدهم هذه الدعوة هداية وإيمانا، وهكذا ازدادوا بالتكذيب رجسا وكفرا، أما المؤمنون فقد ازدادوا بآيات القرآن هداية وإيمانا، وقريب من هذا المعنى قوله تعالى :﴿ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون*وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ﴾ [ التوبة : ١٢٤-١٢٥ ].
وقد اتفق العلماء على أن هذه السجدة التي في الفرقان، يشرع السجود عندها لقارئها ومستمعها، وهذا شأن المؤمنين، روى الضحاك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه سجدوا، فلما رآهم المشركون يسجدون : تباعدوا في ناحية المسجد مستهزئين، فهذا هو المراد من قوله تعالى :﴿ وزادهم نفورا ﴾ أي : فزادهم سجود المؤمنين نفورا.
وجاء في تفسير القرطبي : أن سفيان الثوري كان يقول في هذه الآية : إلهي زادني لك خضوعا، ما زاد أعداءك نفورا.
والاستفهام في هذه الآية استفهام إنكار وتطاول وتجاهل، وهو قريب مما ورد في سورة الشعراء :﴿ قال فرعون وما رب العالمين* قال رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ﴾ [ الشعراء : ٢٣-٢٤ ].
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
المفردات :
البروج : منازل السيارات الاثنى عشر المعروفة، وهي : الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت.
وهي منازل الكواكب السيارة السبعة، وهي المريخ : وله الحمل والعقرب، والزهرة : ولها الثور والميزان، وعطارد : وله الجوزاء والسنبلة، والقمر : وله السرطان، والشمس : ولها الأسد، والمشترى : وله القوس والحوت، وزحل، : وله الجدي والدلو، قال الشاعر :
زحل شرّى مرّيخه من شمسه فتزاهرت لعطارد الأقمار
والبروج في الأصل : القصور العالية، وأطلقت عليها على سبيل التشبيه، فهي للكواكب السيارة كالمنازل لسكانها.
السراج : الشمس
التفسير :
٦١-﴿ تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ﴾.
يمجد الله تعالى نفسه ويذكر أنه أهل للحمد والشكر، فقد كثرت بركاته وخيراته وآلاؤه، ومن ذلك أنه جعل في السماء نجوما كبارا عدها المتقدمون نحو ألف، ورصدتها الآلات الحديثة أكثر من مائتي ألف ألف. كما جعل سبحانه في السماء سراجا هي الشمس التي تضيء الكون، وجعل القمر نورا ينير الأرض إذا طلع.
والبروج جمع برج، وهو في اللغة : القصور العالية الشامخة، ويدل لذلك قوله تعالى :﴿ أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.. ﴾ [ النساء : ٧٨ ]. والمراد بها هنا : المنازل الخاصة بالكواكب السيارة، ومداراتها الفلكية الهائلة وعددها اثنا عشر منزلا، هي : الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو والحوت، وسميت بالبروج لأنها بالنسبة لهذه الكواكب كالمنازل لساكنيها.
جاء في ظلال القرآن :
والبروج-على الأرجح- منازل الكواكب السيارة، ومداراتها الفلكية الهائلة، والضخامة هنا تقابل في الحس ذلك الاستخفاف في قول المشركين :﴿ وما الرحمان ﴾ ؟
فهذا شيء من خلقه ضخم هائل، عظيم في الحس وفي الحقيقة، وفي هذه البروج تنزل الشمس، ويسميها " سراجا "، لما تبعث به من ضوء إلى أرضنا وغيرها، وفيها القمر المنير الذي يبعث بنوره الهادئ اللطيف.
تمهيد :
تحدثت الآيات السابقة عن عظيم نعم الله تعالى في خلق الظل والليل والنهار والنوم واليقظة، وفي خلق الرياح والأمطار والبحار والأنهار، وإنزال القرآن وإرسال الرسل، ومن قدرته خلط البحار بالأنهار، مع حاجز بينهما من قدرته سبحانه، وخلق الإنسان من النطفة، ومع هذه القدرة العالية، والنعم العديدة، ينصرف الكافرون إلى عبادة الأصنام، التي لا تنفع من عبدها ولا تضر من لم يعبدها، ومن ثم تطلب من الرسول الأمين أن يتوكل على الله، فهو سبحانه العليم الخبير القدير، وهو الذي خلق الكون في ستة أيام، ورفع السماء وجعل فيها الأفلاك والبروج والشمس والقمر، وهو سبحانه خالق الليل والنهار.
المفردات :
خلفة : يخلف أحدهما الآخرة، ويقوم مقامه فيما ينبغي أن يعمل فيه.
التفسير :
٦٢- ﴿ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ﴾.
من دلائل قدرة الله تعالى أنه كوّن الكون، وسخر الشمس والقمر بحساب ونظام محكم، يؤدي إلى تتابع الليل والنهار، ومجيء أحدهما بعد الآخر، خلفا له وتابعا، حتى يتأمل الإنسان في هذه القدرة العالية، التي جعلت الليل لباسا، والنوم سباتا، والنهار نشورا، ومن فضل الله وسعة رحمته أن من فاته عمل بالليل، ثم أراد أن يتداركه بالنهار قبل منه، ومن فاته خير بالنهار ثم أراد أن يتداركه بالليل قُبل منه.
روى مسلم في صحيحه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل )٢٤.
وعن الحسن : من فاته عمل من التذكر والشكر بالنهار، كان له في الليل مستعتب، ومن فاته بالليل كان له في النهار مستعتب.
وروى أن عمر-رضي الله عنه- أطال صلاة الضحى، فقيل له : صنعت اليوم شيئا لم تكن تصنعه، فقال : إنه بقى عليّ من وردى شيء، فأحببت أن أقضيه، وتلا هذه الآية :﴿ وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا ﴾.
﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما( ٦٣ ) والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما( ٦٤ ) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما( ٦٥ ) إنها ساءت مستقرا ومقاما( ٦٦ ) والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ( ٦٧ ) والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما( ٦٨ ) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ( ٦٩ ) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما( ٧٠ ) ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا( ٧١ ) والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ( ٧٢ ) والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا( ٧٣ ) والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ( ٧٤ ) أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ( ٧٥ ) خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما( ٧٦ ) قل ما يعبأوا بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما( ٧٧ ) ﴾.
المفردات :
الهون : الرفق واللين، والمراد : أنهم يمشون في سكينة ووقار، ولا يضربون بأقدامهم أشرا وبطرا.
الجاهلون : السفهاء.
سلاما : سلام توديع ومتاركة، لا سلام تحية، كقول إبراهيم لأبيه، ﴿ سلام عليك.. ﴾ [ مريم : ٤٧ ]
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
التفسير :
٦٣ –﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾
تتصدر هذه الآية صفات عباد الرحمان، وقد ذكر فخر الدين الرازي أنها تسع صفات في هذه الآيات.
وقال القرطبي :
وصف تعالى عباد الرحمان بإحدى عشرة صفة حميدة، من التحلّي والتخلّي، وهي : التواضع والحلم، والتهجد والخوف، وترك الإسراف والإقتار، والنزاهة عن الشرك، والبعد عن القتل والزنا، والتوبة وتجنب الكذب، والعفو عن المسي، وقبول المواعظ، والابتهال إلى الله، ثم بيّن جزاءهم الكريم وهو نيل الغرفة التي هي الدرجة الرفيعة، وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها، كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا.
ومعنى الآية الكريمة :
﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا.. ﴾
أي : هم يسيرون فوق الأرض سيرا هينا في رفق وتؤدة، وفي غير تجبر أو تكبر، كما قال تعالى :{ واقصد في مشيك واغضض من صوتك.. [ لقمان : ١٩ ].
وقال تعالى :﴿ ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ﴾ [ الإسراء : ٣٧ ].
إن الإيمان إذا استقر في القلب، نتج عنه سلوك حسن، وهيئة صالحة تذكر الناس بالله تعالى في وقارهم وسكينتهم، وليس المراد هنا آن يمشي المؤمن ذليلا متمسكنا ضعيفا متمارضا، فالقرآن حث على العزة والكرامة، قال تعالى :﴿ ولقد كرمنا بني آدم.. ﴾ [ الإسراء : ٧٠ ].
وقال تعالى :﴿ ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.. ﴾ [ المنافقون : ٨ ]
وروى عن عمر أنه رأى شابا يمشي رويدا، فقال : مالك، أأنت مريض ؟ قال : لا يا أمير المؤمنين، فعلاه بالدرة، وأمره أن يمشي بقوة.
إن مشية المسلم فيها السكينة والوقار، وهي بعيدة عن الذلة والمسكنة، وبعيدة أيضا عن التكبر والتبختر.
وفي الصحيح، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم منها فصلّوا، وما فاتكم فأتموا )٢٦.
فالسير إلى الصلاة ينبغي أن يكون سيرا عاديا، يلتزم صاحبه الوقار والهدوء، ولا يركض ولا يسرع إسراعا قريبا من الجري.
ولا يجوز أن يتطاول الإنسان متبخترا متكبرا، فقد روى أن عمر -رضي الله عنه- رأى غلاما يتبختر في مشيته فقال : إن البخترة مشية تكره إلا في سبيل الله، وقد مدح الله أقواما فقال :﴿ وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هونا.. ﴾ فاقصد في مشيتك، وعموما المراد هنا : السير الوسط المعتدل، مع تجنب التبختر والتكبر، وتجنب المسكنة والضعف.
وقد كان صلى الله عليه وسلم إذا مشى أسرع في مشيته، كأنما يتحدر من مكان مرتفع، وكأنما الأرض تطوى له، وكان عمر إذا مشى أسرع في مشيته، فتلك سمة المؤمن، فالمؤمن القوي خير وأحبّ إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف.
﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾
إذا سفه عليهم الجهال بالقول السيئ، لم يقابلوهم بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلا خيرا، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزيده شدة الجاهل عليه إلا حلما.
كما قال تعالى :﴿ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه.. ﴾ [ القصص : ٥٥ ]
ومعنى : قالوا سلاما. قالوا : سدادا أو ردّوا معروفا، وهو سلام للمتاركة والمفارقة، كما قال إبراهيم لأبيه :﴿ سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا ﴾ [ مريم : ٤٧ ].
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
يبيتون : يدركهم الليل ناموا أو لم يناموا، كما يقال : بات فلان قلقا.
التفسير :
٦٤-﴿ والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ﴾
أي : هم في نهارهم مستقيمون لا يردّون على السفهاء، وفي ليلهم خاشعون مشغولون بقيام الليل، والسجود لله والامتثال لأمره، وقد حث القرآن على صلاة الليل، والتهجد بالأسحار، قال تعالى : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون* وبالأسحار هم يستغفرون } [ الذاريات : ١٧، ١٨ ].
وقال عز شأنه ﴿ تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا.. ﴾ [ السجدة : ١٦ ].
وقال تعالى :﴿ أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.. ﴾ [ الزمر : ٩ ].
وقال ابن عباس : من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء ؛ فقد بات لله ساجدا وقائما.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
غراما : هلاكا لازما، قال الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما وإن يعط جزيلا فإنه لا يبالي
التفسير :
٦٥- ﴿ والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ﴾.
تصف الآية وجل المتقين، فهم يتمثلون جهنم أمامهم، تتلمظ غيظا على من عصى الله تعالى، فيسألون الله أن يصرف عنهم عذاب جهنم إن عذابها كان غراما، أي : لزاما مستمرا بلا موت، " وهذا دعاء ورجاء، فكل نعيم دون الجنة حقير، وكل بلاء دون النار عاقبة، والغرام هو الشيء الملازم الدائم.
قال الحسن : كل شيء يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام، وإنما الغرام اللازم ما دامت السماوات والأرض " ٢٧.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
٦٦-﴿ إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾
أي : إن جهنم بئست مستقرا لمن استقر بها، وبئست مقاما لمن أقام بها.
قال صاحب الظلال :
وهل أسوأ من جهنم مكانا يستقر فيه الإنسان ويقيم، وأين الاستقرار، وهي النار ؟ وأين المقام، وهو التقلب على اللظى ليل نهار ؟
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
الإسراف : مجاوزة الحدّ في النفقة بالنظر لنظرائه في المال.
التقتير : التضييق والشح.
قواما : وسطا وعدلا.
التفسير :
٦٧-﴿ والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ﴾.
من صفات عباد الرحمان، الاعتدال في النفقة والتوسط فيها، فالإسلام قد جاء بنظمه في العبادات والمعاملات، ومن هذه النظم : إخلاص الوجه لله، والتوسط في العبادة وفي النفقة، لقد حظي الإسلام بنظام اقتصادي متوازن، فيه محاسن الرأسمالية والاشتراكية، وليس فيه المساوئ التي فيهما، فالمال مال الله، والعبد مستخلف عن الله في إرادته، والإنسان موظف في ماله، عليه إخراج الزكاة والصدقة والتكافل الاجتماعي وصلة الرحم، ومساعدة المحتاجين، قال تعالى :﴿ والذين في أموالهم حق معلوم*للسائل والمحروم ﴾ [ المعارج : ٢٤-٢٥ ].
كما حرم الإسلام الشح والبخل، قال تعالى :﴿ ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ﴾ [ الحشر : ٩ ].
وتوعد الكانزين ومانعي الزكاة بالسعير والعذاب. قال تعالى :﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم ﴾ [ التوبة : ٣٤ ].
والخلاصة
أن الفضيلة وسط بين رذيلتين، وأن من صفة عباد الرحمان التوسط في النفقة، والبعد عن البخل وعن الإسراف، فالإسراف والبخل كلاهما مفسدة للحياة والمال، والجماعات والأمم.
قال تعالى :﴿ ولا تبذر تبذيرا* إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا ﴾ [ الإسراء : ٢٦-٢٧ ].
والبخل فيه إمساك للمال عن الإنفاق في الوجوه المشروعة.
قال تعالى :﴿ ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء... ﴾ [ محمد : ٣٨ ].
أما التوسط والاعتدال في النفقة فهو سمة العقلاء، الذين فقهوا رسالة المال، وجعلوه وسيلة لإصلاح أنفسهم وأقاربهم ومجتمعهم، وأسعدوا بتصرفهم الأفراد والجماعات.
قال تعالى :﴿ ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ﴾ [ الإسراء : ٢٩ ]
جاء في تفسير النيسابوري :
وصف القرآن عباد الرحمان بالتوسط في الإنفاق، والقتر والإقتار، والتضييق نقيض الإسراف، وكان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة، ولا يلبسون ثيابا للجمال والزينة، ولكن ما يسد جوعتهم، ويستر عورتهم ويكنّهم من الحر والقرّ.
عن عمر : كفى شرها ألا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله. اه.
﴿ وكان بين ذلك قواما ﴾.
قواما : أي : وسطا بين الإسراف والبخل، وقوام الرجل : قامته، وحسن طوله وهيئته.
وجاء في تفسير ابن كثير طائفة من الأحاديث تمدح التوسط في النفقة والاعتدال والقصد، مثل :
قال الحافظ أبو بكر البزار : عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ما أحسن القصد في الغنى، وما أحسن القصد في الفقر، وما أحسن القصد في العبادة ) ثم قال : لا نعرفه يروى إلا من حديث حذيفة رضي الله عنه.
وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله تعالى فهو سرف، وقال غيره : السرف : النفقة في معصية الله عز وجل.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
لا يدعون : لا يشركون.
الآثام : الإثم، والمراد : جزاؤه.
التفسير :
٦٨-﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق آثاما ﴾.
من صفة عباد الرحمان أنهم أخلصوا عقيدتهم لله تعالى، فعبدوه حق العبادة، ولم يشركوا معه إلها آخر في عبادتهم، أي : لم يعبدوا صنما ولا وثنا ولا مالا ولا ملكا، ولا مظهرا ولا هوى، بل أخلصوا العبادة لله وحده. وهم لا يقتلون إلا بالحق، أي : قصاصا أو معاقبة، وفي الحديث :( لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنا بعد إحصان، والنفس بالنفس، ومن بدل دينه فاقتلوه )٢٨.
إن الإسلام شجع على الأمن والأمان، وحارب العدوان وقتل الآخرين بدون وجه حق، فالإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيان الله.
﴿ ولا يزنون ﴾
فقد شجع الإسلام الزواج وأمر بالعفة والاستقامة، وحرم الله الزنا، وحرم النظر إلى المرأة الأجنبية بشهوة وحارب السُّعار بين الذكران والإناث، ونمّى العفة والاستقامة والبعد عن الزنا واللواط والسحاق.
﴿ ومن يفعل ذلك يلق أثاما ﴾
من يقترف الشرك أو القتل أو الزنا، يجد عقوبة عادلة في جهنم.
قال عبد الله بن عمر : أثاما، واد في جهنم.
وقال عكرمة : يلق أثاما، نكالا، كنا نحدث أنه واد في جهنم، وقد ذكر لنا أن لقمان كان يقول لابنه : يا بني، إياك والزنا، فإن أوله مخافة، وآخره ندامة.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
مهانا : ذليلا مستحقرا.
التفسير :
٦٩-﴿ يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا ﴾
يكرر عليه العذاب في جهنم غدوا وعشيا، مع المهانة والمذلة والهوان النفسي، والخلود الأبدي.
قال تعالى :﴿ النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب ﴾ [ غافر : ٤٦ ].
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
٧٠- ﴿ إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما ﴾.
أي : من يرتكب هذه الموبقات من الشرك والقتل والزنا، فإنه يدخل جهنم، ويضاعف له العذاب والمهانة والمذلة، لكن من تاب إلى الله توبة نصوحا، وآمن بالله ورسوله، وعمل الأعمال الصالحة، فإن الله تعالى يقبل توبتهم، ويبدل سجلات سيئاتهم حسنات بعد توبتهم، لأن الله واسع المغفرة، رحيم بعباده، يصفح عنهم ويغفر ذنوبهم.
وقيل : إن المراد بتبديل السيئات إلى حسنات : أن العبد بعد التوبة تتبدل أعماله من القبيح إلى الحسن.
فتسجل له الحسنات بدلا من السيئات.
قال سعيد بن جبير : أبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الرحمان، وأبدلهم بقتال المسلمين قتال المشركين، وأبدلهم بنكاح المشركات نكاح المؤمنات.
وقال الحسن البصري : أبدلهم الله بالعمل السيئ العمل الصالح، وأبدلهم بالشرك إخلاصا، وأبدلهم بالفجور إحصانا، وبالكفر إسلاما.
وباب التوبة دائما مفتوح يدخل منه كل من استيقظ ضميره، وأراد العودة والمآب، لا يصدّ عنه قاصد، ولا يغلق في وجه لاجئ أيّا كان، وأيا ما ارتكب من الآثام.
وقد ورد في القرآن الكريم حث على التوبة النصوح، وبيان فضل الله في قبول التوبة، وتكفير السيئات، فالله تعالى من أسمائه الحسنى : غافر وغفّار وغفور، وغافر : اسم فاعل، يدل على المغفرة، وغفّار وغفور : صيغة مبالغة، تدل على كثرة المغفرة.
قال تعالى :﴿ غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ﴾ [ غافر : ٣ ]
وقال عز شأنه :﴿ وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ﴾ [ طه : ٨٢ ]
وقال تعالى :﴿ تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير* الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور ﴾ [ الملك : ١، ٢ ].
التوبة في الإسلام بابها مفتوح، وهي وسيلة عملية للاستقامة، حيث تصدق النفس، وتتغير الأعمال، ويتحول الإنسان من الهوى والمعصية إلى الإيمان الصادق والاستقامة والطاعة، فتفتح له أبواب السماء، ويفرح به الحق تعالى، إن الله يحب التوابين، والتائب حبيب الرحمان، حيث تاب إلى الله، وهو أعظم مأمول، فأنعم به من تائب، وأنعم بالله من رب كريم
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
٧١-﴿ ومن تاب وعمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا ﴾
أي : من رجع عن عمل الذنوب، واستقام على عمل الأعمال الصالحة، فقد حظي بالقبول والتوبة، والرجوع إلى الله رجوعا صحيحا مقبولا، ويا له من عمل عظيم، حتى رأينا الخبر هو نفس المبتدأ، تفخيما للموضوع وتعظيما، أي : من تاب وعمل صالحا، فقد تاب إلى إله كريم، توبة نصوحا حرية وبالقبول، وفي هذا التفخيم ورد الحديث الشريف :( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه )٢٩.
روى مسلم في صحيحه : كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها. ١/١٧٧.
عن أبي ذر- رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار، وآخر أهل الجنة دخولا إلى الجنة، يؤتى برجل فيقول : نحُّوا عنه كبار ذنوبه وسلوه عن صغارها، قال : فيقال له : عملت يوم كذا، كذا وكذا، وعملت يوم كذا، كذا وكذا، فيقول : نعم. لا يستطيع أن ينكر من ذلك شيئا. فيقال : فإن لك بكل سيئة حسنة، فيقول : يا رب، عملت أشياء لا أراها هنا ) قال : فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه٣٠.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
لا يشهدون الزور : لا يقيمون الشهادة الكاذبة، والمراد : أنهم لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم.
اللغو : ما ينبغي أن يلغى ويطرح مما لا خير فيه.
كراما : مكرمين أنفسهم عن الخوض فيه.
التفسير :
٧٢-﴿ والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾
من صفات عباد الرحمان أنهم لا يشهدون شهادة الزور والكذب، ففيها تضليل العدالة، وتضييع الحقوق.
وفي الصحيحين عن أبي بكرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ ) ثلاثا، قلنا : بلى يا رسول الله. قال :( الشرك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس، فقال :( ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور ) فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت٣١.
وقيل : معنى : لا يشهدون الزور.. لا يحضرون مجالس الخمر، أو اللغو والغناء، أو مجالس السوء والخنا.
وأرى أنه يمكن الجمع بين الرأيين، بأن من صفات عباد الرحمان : عدم شهادة الزور، وعدم الجلوس في أماكن الريبة، أو شرب الخمر، أو ارتكاب المعصية.
﴿ وإذا مروا باللغو مروا كراما ﴾
إذا مروا عرضا على مجالس اللغو واللهو، أعرضوا عنها حفاظا على أنفسهم وأسماعهم وأبصارهم، وانصرفوا كراما على أنفسهم وعلى ربهم.
وقريب من هذه الآية قوله تعالى :﴿ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين ﴾ [ القصص : ٥٥ ].
إن المؤمن له من أمر دينه وربّه، ما يشغله ويصرفه عن حضور مجالس اللغو واللهو، التي تذبح فيها الفضيلة، ويضيع الحياء، والمؤمن يصون لسانه وسمعه وفؤاده من التلوث بالباطل واللغو، قال تعالى :﴿ إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا ﴾ [ الإسراء : ٣٦ ].
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
الخرور : السقوط على غير نظام وترتيب.
التفسير :
٧٣-﴿ والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ﴾
إذا ذكرهم مذكر بكتاب الله وآياته : استجابوا وتفتحت قلوبهم لسماع الحق، وعيونهم للنظر والتأمل والهدى.
وفي الآية تعريض بالمشركين والضالين، لأنهم أصروا على الباطل، وقاوموا الحق والقرآن، فإذا سمعوا الحق أعرضوا عنه، وإذا ذكرهم مذكر بآيات الله صموا آذانهم، وأغلقوا عيونهم، وأوقفوا تفكيرهم، وقاوموا كل سبيل للهداية والاستجابة للحق، وقريب من ذلك قول نوح عليه السلام :( وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا } [ نوح : ٧ ].
قال ابن عباس : إذا وعظوا بالقرآن لم يكونوا صما وعميانا، بل كانوا خائفين خاشعين. اه.
أي : أهل للتذكر والتدبر والتفهم، فالله أنار بصيرتهم وشرح صدورهم للحق والإسلام، وهم بعيدون عن التعالي والإعراض، بل هم يفتحون عقولهم وقلوبهم وسمعهم وبصرهم لآيات الله.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
قرة العين : الفرح والسرور.
الإمام : يستعمل للمفرد والجمع، والمراد : الثاني، أي : أئمة يقتدى بهم في إقامة مراسم الدين.
٧٤-﴿ والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما ﴾.
أي : هم مع إيمانهم وصلاحهم وحسن أخلاقهم، يرغبون في نقل الهداية إلى الآخرين، وإلى أقرب الناس إليهم من الأزواج والذرية، فهم يدعون الله، أن يكون أبناؤهم وبناتهم وأحفادهم، على طاعة لله ومرضاته، حتى يفرحوا بهم، وتقرّ عيونهم باستقامتهم، وحسن عبادتهم.
قال عبد الرحمان بن أسلم : يعني : يسألون الله تعالى، لأزواجهم وذرياتهم، أن يهديهم للإسلام، فقد كانوا يشاهدون المنافقين والكافرين والمشركين، يفرون من الإسلام والإيمان، حيث كانوا في جاهلية جهلاء، لا يرون دينا أفضل من عبادة الأوثان، ثم أرسل الله رسوله وأنزل عليه وحيه وهدايته، فأخلص المسلمون في دعائهم لربهم أن يتم سعادتهم، بإسلام أقاربهم واستقامتهم.
﴿ واجعلنا للمتقين إماما ﴾
أي : اجعلنا قدوة يقتدى بهم في الخير، واجعلنا قدوة حسنة لأزواجنا وأبنائنا وأحفادنا، وذلك أسعد للنفس، وأدوم للأجر، حيث يكون هداهم متعديا إلى غيرهم بالنفع.
جاء في صحيح مسلم، عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )٣٢.
عن محمد بن كعب : ليس شيء أقر لعين المؤمن، من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله.
وعن ابن عباس : هو الولد إذا رآه يكتب الفقه. وقيل : سألوا أن يلحق الله عز وجل بهم أولادهم، وأزواجهم في الجنة، ليتم لهم سرورهم٣٣.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
الغرفة : كل بناء عال مرتفع، ويراد بها : الدرجات الرفيعة.
التفسير :
٧٥-﴿ أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاما ﴾
هؤلاء المتصفون بهذه الصفات، يستحقون جزاءهم في الجنة، أو في الغرفات في أعلى الجنة، جزاء صبرهم على الطاعات، وعن الشهوات، أو على أذى الكفار، وشدة الفقر وغير ذلك، وهؤلاء يلقون في الجنة التحية والتكريم والسلام والأمان، قال تعالى :﴿ لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله الميعاد ﴾ [ الزمر : ٢٠ ].
وقال سبحانه :﴿ وهم في الغرفات آمنون ﴾ [ سبأ : ٣٧ ].
وقال سبحانه :﴿ والملائكة يدخلون عليهم من كل باب*سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ﴾ [ الرعد : ٢٣-٢٤ ].
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
٧٦-﴿ خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ﴾.
هم خالدون في الجنة خلودا أبديا سرمديا، لا يزولون ولا يتحولون عنها، فما أحسن الجنة، وما أطيب هواءها، وأعذب ماءها، وأنعم أهلها، وأجمل القرار بها، وأطيب المقام فيها.
ونلحظ هنا المقارنة بين النار والجنة، ففي الحديث عن النار، يقول المتقون :﴿ ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما* إنها ساءت مستقرا ومقاما ﴾.
وفي الحديث عن الجنة، يقول القرآن :
﴿ خالدين فيها حسنت مستقرا ومقاما ﴾.
فالنار أسوأ مقام وقرار، والجنة أحسن مقام وقرار.
تمهيد :
مكارم الأخلاق هدف رئيسي من أهداف الرسالة المحمدية، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )٢٥.
وهذه الأخلاق الكريمة عنى بها القرآن الكريم، وتحدث عنها خصوصا في أماكن ثلاثة : أولا في الربع الثاني من سورة الإسراء، حيث ذكر ستة وعشرين أدبا من آداب الإسلام، هي جماع ما ورد في التوراة، وتبدأ بقوله تعالى :﴿ وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا.. ﴾[ الإسراء : ٢٣ ]
وهنا في آخر سورة الفرقان، ذكر عباد الرحمان فوصفهم بتسع صفات، وذكر أنهم يجزون الدرجات العلى في الجنة، جزاء صبرهم وتمسكهم بأخلاق الإسلام، وفي سورة لقمان نجد وصايا لقمان لابنه، تكمل صورة طيبة للتربية الإسلامية، وعنايتها بالنشء حتى يكونوا صورة للمسلم الصغير، ولفتيان الإسلام وفتياته.
إن عناية الإسلام بالمخبر والقلب، والضمير والفؤاد، جعلته يتفوق في صياغة الإنسان الفاضل، وفي هذه الصفحة الأخيرة من سورة الفرقان، نجد النموذج الفاضل في صفات عباد الرحمان.
المفردات :
ما يعبأ بكم : لا يعتد بكم.
دعاؤكم : عبادتكم.
لزاما : لازما يحيق بكم حتى يكبكم في النار.
التفسير :
٧٧-﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما ﴾
تشير الآية إلى هوان البشرية كلها على الله، لولا طاعتها وعبادتها، فهناك أكوان وعوالم من السماء، والأرض، والبحار والأفلاك، والأبراج والشموس والأقمار، وصدق الله العظيم :﴿ لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس.. ﴾ [ غافر : ٥٧ ] فالبشرية كلها صفحة في كتاب الكون البديع، والله غني عنها وعن عبادتها، فإذا عرف المؤمنون ربهم وعبدوه، فقد أدركوا طريقهم، وأرضوا ربهم، وساروا في المسار الصحيح للمخلوقات :﴿ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾ [ الذاريات : ٥٦ ] وإذا كذب الكافرون وأعرضوا، فما أهونهم وما أجدرهم باستحقاق العذاب.
وفي مثل هذه المعاني يقول القرآن الكريم :﴿ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ﴾ [ فاطر : ١٥ ]
ويقول سبحانه :﴿ وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ﴾ [ محمد : ٣٨ ].
Icon