تفسير سورة الفرقان

الصحيح المسبور
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب الصحيح المسبور من التفسير بالمأثور المعروف بـالصحيح المسبور .
لمؤلفه حكمت بشير ياسين .

سورة الفرقان
قوله تعالى (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)
قال مسلم: حدثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرؤها. وكان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرأنيها. فكدت أن أعجل عليه. ثم أمهلته حتى انصرف. ثم لببته بردائه. فجئتُ به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقلت: يا رسول الله! إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أرسله". اقرأ "فقرأ القراءة التي سمعته يقرأ. فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "هكذا أنزلت". ثم قال لي: "اقرأ". فقرأتُ فقال: "هكذا أنزلت. إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف. فاقرأوا ما تيسر منه".
(صحيح مسلم ١/٥٦٠ - ك صلاة المسافرين وقصرها، ب بيان أن القرآن على سبعة أحرف وبيان معناه ح ٨١٨).
قال ابن كثير: يقول تعالى حامداً نفسه الكريمة علي ما نَزّله على رسوله الكريم من القرآن العظيم، كما قال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيماً لينذر بأساً شديداً من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات).
وانظر حديث البخاري عن جابر المتقدم عند الآية (١٥١) من سورة آل عمران وهو حديث: "أعطيت خمساً... ".
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) يقول: الفرقان فيه حلال الله وحرامه وشرائعه ودينه فرق بين الحق والباطل.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (ليكون للعالمين نذيرا) بعث الله محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نذيراً من النار. وينذر بأس الله ووقائعه بمن خلا قبلكم.
قوله تعالى (وخلق كل شيء فقدره تقديرا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وخلق كل شيء فقدره تقديرا) من خلقه وصلاحه وجعل ذاك بقدر معلوم.
قوله تعالى (واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (واتخذوا من دونه آلهة) وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله عز وجل.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون) وهو الله الخالق والرازق وهذه الأوثان التي تعبد من دون الله تُخلَق ولا تَخلِق شيئاً.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (ولا يملكون موتا ولا حياة) وهي هذه الأوثان التي تعبد من دون الله ولا تضر ولا تنفع ولا تملك موتا ولا حياة. وفي قوله (ولا نشورا) أي ولا بعثا.
قوله تعالى (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلماً وزوراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه) والإفك هو الكذب.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (وأعانه عليه قوم آخرون) قال: اليهود تقوله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فقد جاءوا ظلما وزورا) قال: كذباً.
قوله تعالى (وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا قل أنزله الذي يعلم السر في السموات والأرض إنه كان غفوراً رحيماً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وقالوا أساطير الأولين) أي: كذب الأولين وباطلهم.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي العالية في قوله (بكرة) قال: صلاة الفجر. وقوله (وأصيلا) قال: صلاة العصر.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (يعلم السر) قال: السر ما أسره ابن آدم في نفسه.
قوله تعالى (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أُنزل إليه ملك فيكون معه نذيراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق) عجب الكفار من ذلك أن يكون الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لولا أُنزل إليه ملك) أي: فنراهم عياناً.
قوله تعالى (أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (٨) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا)
انظر سورة الإسراء آية (٩٠-٩٤) فيها تفصيل وزيادة كما قال تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (٩٣) وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى إِلَّا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا)
ثم رد عليهم بقوله تعالى: (قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أحمد بن سنان الواسطي، ثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن البراء قوله (الظالمون) قال: اليهود.
وسنده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (فلا يستطيعون سبيلا) قال: مخرجا.
قوله تعالى (تبارك الذي إن شاء جعل لك خيراً من ذلك جنات تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصوراً)
انظر قول ابن كثير بداية السورة لبيان معنى (تبارك).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (ويجعل لك قصورا) قال: بيوتا مبنية مشيدة، كان ذلك في الدنيا، قال: كانت قريش ترى البيت من الحجارة قصرا كائنا ما كان.
قوله تعالى (إذا رأتهم من مكان بعيد سمعوا لها تغيظاً وزفيراً)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن النار يوم القيامة إذا رأت الكافر من مكان بعيد أي في عرصات المحشر اشتد غيظها على من كفر بربها، وعلا زفيرها فسمع الكفار صوتها من شدة غيظها وسمعوا زفيرها.
وما ذكره جلا وعلا في هذه الآية الكريمة بين بعضه في سورة الملك، فأوضح فيها شدة غيظها على من كفر بربها، وأنهم يسمعون لها أيضاً شهيقاً مع الزفير الذي ذكره في آية الفرقان هذه وذلك في قوله تعالى (إذا ألقوا فيها سعوا لها شهيقاً وهي تفور تكاد تميز من الغيظ) أي: يكاد بعضها ينفصل عن بعض من شدة غيظها على من كفر بالله تعالى.
قوله تعالى (وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً)
انظر سورة إبراهيم آية (٤٩) وفيها بيان ما يقرنون به: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين بالأصفاد سرابيلهم من قطران..).
أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن الضحاك قال: قوله (لا تدعوا اليوم ثبوراً واحداً وادعوا ثبوراً كثيراً) قال: الهلاك.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: (وادعوا ثبورا كثيرا) يقول: ويلا.
قوله تعالى (قل أذلك خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون كانت لهم جزاء ومصيراً لهم فيها ما يشاؤون خالدين كان على ربك وعداً مسئولاً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (كانت لهم جزاء) أي جزاء من الله بأعمالهم (ومصيراً) أي منزلاً.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن محمد بن إسحاق بسنده عن ابن عباس (خالدين) يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم على أهله أبداً لا انقطاع له.
قوله تعالى (ويوم يحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (ويوم نحشرهم وما يعبدون من دون الله فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلاء) قال: عيسى وعزير وملائكته.
قوله تعالى (قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بوراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (من أولياء) قال: أما الولي فالذي يتولاه الله، ويقر له بالربوبية.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وكانوا قوما بورا) يقول: هلكى.
قوله تعالى (فقد كذبوكم بما تقولون)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فقد كذبوكم بما تقولون) يقول الله للذين كانوا يعبدون عيسى وعزير وملائكته، يكذبون المشركين.
قوله تعالى (فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فما تستطيعون صرفاً ولا نصراً) قال: المشركون لا يستطيعونه.
قوله تعالى (ومن يظلم منكم)
قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (ومن يظلم منكم) قال: هو الشرك.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق)
قال ابن كثير: ونظير هذه الآية الكريمة قوله تعالى (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم من أهل القرى) سورة يوسف آية: ١٠٩.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وما أرسلنا من قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق) أي أن الرسل قبل محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعليهم كانوا بهذه المنزلة يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
قوله تعالى (وعتوا عتواً كبيراً)
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحجاج بن حمزة، ثنا علي بن الحسن بن شقيق، أنبأ الحسين بن الواقد، ثنا يزيد النحوي، عن عكرمة قال: العتو في كتاب الله التجبر.
وسنده حسن.
قوله تعالى (يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا)
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة أن الكفار الذين طلبوا إنزال الملائكة عليهم، أنهم يوم يرون الملائكة لا بشرى لهم: أي لا تسرهم
رؤيتهم ولا تكون لهم في ذلك الوقت بشارة بخير، ورؤيتهم للملائكة تكون عند احتضارهم، وتكون يوم القيامة ولا بشرى لهم في رؤيتهم في كلا الوقتين. أما رؤيتهم الملائكة عند حضور الموت فقد دلت آيات من كتاب الله أنهم لا بشارة لهم فيها لما يلاقون من العذاب من الملائكة عند الموت، كقوله تعالى: (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) الآية وقوله تعالى: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (يوم يرون الملائكة) قال: يوم القيامة (ويقولون حجراً محجوراً) قال: عوذاً معاذاً. الملائكة تقوله.
أخرج البستي في تفسيره بسنده الصحيح عن مجاهد قال: قالت قريش: (لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً) إلى قوله: (للمجرمين..) تقول لهم الملائكة: لا بشرى لكم اليوم.. حجراً محجوراً.. أن تكون البشرى يومئذ إلا للمؤمنين.
قوله تعالى (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجلناه هباءً منثوراً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وقدمنا) قال: عمدنا.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (هباءً منثوراً) قال: ما رأيت شيئاً يدخل من البيت من الشمس تدخله من الكوة، فهو الهباء.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلاً)
انظر حديث البخاري ومسلم عن أبي هريرة المتقدم تحت الآية (٢٥) من سورة البقرة. وهو حديث: "إن أول زمرة تلج الجنة على صورة القمر".
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلاً) أي مأواً ومنزلاً.
قوله تعالى (ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلاً)
انظر سورة البقرة آية (٢١٠) وانظر سورة الانفطار آية (١) وسورة الانشقاق آية (١).
قوله تعالى (الملك يومئذ الحق للرحمن... )
انظر حديث البخاري عن أبي هريرة الآتي تحت الآية (٦٧) من سورة الزمر وهو حديث: "... أنا الملك، أين ملوك الأرض".
قوله تعالى (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا) أي بطاعة الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فلاناً خليلا) قال: الشيطان.
قوله تعالى (وكان الشيطان للإنسان خذولا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وكان الشيطان للإنسان خذولا) خذله يوم القيامة وتبرأ منه.
قوله تعالى (اتخذوا هذا القرآن مهجورا)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (اتخذوا هذا القرآن مهجورا) قال: يهجرون فيه بالقول، يقولون: هو سحر.
قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين وكفى بربك هادياً ونصيراً)
قال ابن كثير: وقوله (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً من المجرمين)، أي: كما حصل لك -يا محمد- في قومك من الذين هجروا القرآن، كذلك كان في الأمم الماضين؛ لأن الله جعل لكل نبي عدواً من المجرمين، يدعون الناس إلى ضلالهم وكفرهم، كما قال تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه).
قوله تعالى (وقال الذين كفروا لولا نُزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً)
قال الحاكم: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الصفار، ثنا أبو طاهر الزبيري، ثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني، ثنا الحسن بن حفص، ثنا سفيان عن الأعمش عن حسان بن حريث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيا، فجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ويرتله ترتيلا.
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، (المستدرك ٢/٢٢٣ - ك التفسير، ووافقه الذهبي) وصحح نحوه الحافظ ابن حجر كما تقدم في سورة الإسراء آية (١٠٦). وانظر تفسير بداية سورة القدر.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (ورتلناه ترتيلا) قال: كان ينزل آية وآيتين وآيات جواباً لهم إذا سألوا عن شيء أنزله الله جواباً لهم، وردأ عن النبي فيما يتكلمون به، وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة.
وسنده صحيح.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (ورتلناه ترتيلا) أي: بيناه تبييناً.
قوله تعالى (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً)
انظر سورة الكهف آية (٥٤) قوله تعالى (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا).
قوله تعالى (الذين يُحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكاناً وأضل سبيلا)
انظر حديث مسلم عن أنس المتقدم عند الآية (٩٧) من سورة الإسراء.
قال الشيخ الشنقيطي: ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن الكفار يحشرون على وجوههم إلى جهنم يوم القيامة، وأنهم شر مكانا، وأضل سبيلا.
وبين في مواضع أخر تكب وجوههم في النار ويسحبون على وجوههم فيها، كقوله تعالى (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار) الآية، وقوله تعالى:
(يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) وبين جل وعلا في سورة بني إسرائيل أنهم يحشرون على وجوههم، وزاد مع ذلك أنهم يحشرون عمياً وبكماً وصماً، وذكر في سورة طه أن الكافر يحشر أعمى. قال في سورة بنى إسرائيل: (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيراً).
قوله تعالى (ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (الكتاب) قال: التوراة، وفي قوله (وزيرا) أي: عوناً وعضداً.
قوله تعالى (فقلنا اذهبا إلى القوم الذين كذبوا بآياتنا فدمرناهم تدميرا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (بآياتنا) بالبينات.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (فدمرناهم تدميرا) يقول: أهلكناهم بالعذاب.
قوله تعالى (وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم وجعلناهم للناس آية واعتدنا للظالمين عذاباً أليماً)
انظر سورة هود آية (٤٠-٤٤) لبيان إغراق قوم نوح.
قوله تعالى (وعاداً وثمودا وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن مجاهد: (وأصحاب الرس) قال: الرس بئر.
انظر حديث الحاكم عن أبي أمامة المتقدم تحت الآية (٣١) من سورة البقرة وهو حديث: "نبي كان آدم؟ قال: نعم، نبي مكلم".
قال ابن كثير: والقرن: هو الأمة من الناس، كقوله: (ثم أنشأنا من بعدهم قَرْناً آخرين). والأظهر أن القرن هم الأمة المتعاصرون في الزمن الواحد؛ فإذا ذهبوا وخلفهم جيل آخر فهم قرن ثان، كما ثبت في الصحيحين عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
قوله تعالى (وكلا ضربنا له الأمثال وكلا تبرنا تتبيراً)
قال عبد الرزاق: عن معمر عن قتادة في قوله (وكلا ضربنا له الأمثال) قال: كل قد أعذر الله إليه، ثم انتقم منه.
وسنده صحيح.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الحسن في قوله (وكلا تبرنا تتبيرا) قال: تبر الله كلا بعذاب تتبيرا.
وسنده صحيح.
وقوله تعالى (ولقد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء أفلم يكونوا يرونها بل كانوا لا يرجون نشورا)
قال الشيخ الشنقيطي: أقسم عز وجل في هذه الآية، أن الكفار الذين كذبوا نبينا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد أتوا على القرية التي أمطرت مطر السوء وهو أن الله أمطر عليها حجارة من سجيل، وهي سذوم قرية قوم لوط، وهذان الأمران المذكوران في هذه الآية الكريمة وهما أن الله أمطر هذه القرية مطر سوء الذي هو حجارة السجيل، وأن الكفار أتوا عليها، ومروا بها جاء موضحا في آيات أخرى أما كون الله أمطر عليها الحجارة المذكورة، فقد ذكره جل وعلا في آيات كثيرة كقوله تعالى: (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل)، وبين في سورة الذاريات أن السجيل المذكور نوع من طين، وذلك في قوله تعالى: (إنا أُرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين)، ولا شك هذا الطين وقعه أليم. شديد مهلك وكقوله تعالى (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) وقوله تعالى (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون فأخذتهم الصيحة مشرقين فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليم حجارة من سجيل) الآية. وأما كونهم قد أتوا على تلك القرية المذكورة فقد جاء موضحا أيضاً في غير هذا الموضع كقوله تعالى: (وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة: (لا يرجون نشورا) أي: بعثا ولا حساباً.
قوله تعالى (أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (أرأيت من اتخذ إلهه هواه) قال: ذلك الكافر اتخذ إلهه بغي هدى من الله ولا برهان وأضله الله على علم يقول: أضله في سابق علمه.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله: (وكيلاً) قال: ناصراً.
قوله تعالى (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: لا يسمعون الهدى ولا يبصرونه ولا يعقلونه.
قوله تعالى (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً ثم جعلنا الشمس عليه دليلاً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ألم تر إلى ربك كيف مد الظل) يقول: ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ولو شاء لجعله ساكنا) يقول: دائماً.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم جعلنا الشمس عليه دليلا) يقول: طلوع الشمس.
قوله تعالى (ثم قبضناه إلينا قبضاً يسيراً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيراً) قال: حوى الشمس الظل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ثم قبضناه إلينا قبضا يسيرا) يقول: سريعاً.
قوله تعالى (وهو الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتا وجعل النهار نشورا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وهو الذي جعل الليل لباسا والنوم سباتاً وجعل النهار نشورا) لمعايشهم ولحوائجهم ولتصرفهم.
قوله تعالى (وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهوراً لنحيي به بلدة ميتاً ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن السدي قوله (أرسل الرياح) قال: إن الله عز وجل يرسل الرياح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرفا السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء ليسيل الماء على السحاب ثم تمطر السحاب بعد ذلك.
قال ابن كثير: قوله تعالى (لنحيي به بلدة ميتا) أي أرضاً قد طال انتظارها للغيث فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء فلما جاءها الحياء عاشت واكتسبت رباها أنواع الأزاهير والألوان كما قال تعالى (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج) الحج: ٥، (ونسقيه مما خلقنا أنعاماً وأناسي كثيرا) أي: وليشرب منه الحيوان من أنعام وأناسي محتاجين إليه غاية الحاجة لشربهم وزروعهم وثمارهم كما قال تعالى (وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد) الشورى: ٢٨، وقال تعالى (فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير) الروم: ٥٠.
قوله تعالى (ولقد صرفناه بينهم ليذكروا... )
قال الطبري: حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا معتمر بن سليمان، عن أبيه، قال: سمعت الحسن بن مسلم يحدث طاوساً، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ما عام بأكثر مطراً من عام، ولكن الله يصرفه بين خلقه، قال: ثم قرأ (ولقد صرفناه بينهم).
(التفسير (١٩/٢٢)، وأخرجه بعده من طريق ابن علية، وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية (رقم ١٣٠١) من طربق: معتمر، والحاكم في المستدرك (٢/٤٠٣)، والبيهقي في سننه (٣/٣٦٣) كلاهما من طريق: يزيد بن هارون، ثلاثتهم عن سليمان التيمي به مثله. وهذا الأثر إسناده صحيح ورجاله ثقات، قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وله شاهد من رواية ابن مسعود - رضي الله عنه -، فقد أخرج أبو نعيم في الحلية (٧/٢٠٨) من طريق: علي بن حميد، والبيهقي في سننه (٣/٣٦٣) من طريق: سهل بن حماد كلاهما: عن شعبة، عن ابن إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنحوه قال البيهقي عقبه. والصحيح موقوف، ثم ساقه بإسناده إلى الركين، عن أبيه، عن ابن مسعود موقوفاً. وكذا رجح العقيلي وقفه على ابن مسعود (الضعفاء ٣/٢٢٨).
قوله تعالى (فأبى أكثر الناس إلا كفوراً)
قال ابن كثير: قوله تعالى (فأبى أكثر الناس إلا كفوراً) قال عكرمة: يعني الذين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا الذي قاله عكرمة كما صح في الحديث المخرج في صحيح مسلم عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال لأصحابه يوماً على إثر سماء أصابتهم من الليل: "أتدرون ماذا قال ربكم؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب".
(انظر صحيح مسلم - ك الإيمان، ب بيان كفر من قال مطرنا بالنوء ١/٨٣ ح ١٢٥).
قوله تعالى (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (في كل قرية نذيراً) قال: لها رسل.
قال ابن كثير: يقول تعالى (ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً) يدعوهم إلى الله عز وجل، ولكنا خصصناك -يا محمد- بالبعثة إلى جميع أهل الأرض، وأمرناك أن تبلغ الناس هذا القرآن، (لأنذركم به ومن بلغ) الأنعام: ١٩، (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) هود: ١٧، (لتنذر أم القرى ومن حولها) الأنعام: ٩٣.
قوله تعالى (فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً)
انظر سورة الكهف آية (٢٨).
قوله تعالى (وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (مرج البحرين) قال: أفاض أحدهما في الآخر.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (وهذا ملح أجاج) أي: مر.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (وجعل بينهما برزخا) قال: محبسا، قوله (وحجرا محجورا) قال: لا يختلط البحر بالعذب.
قوله تعالى (وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً)
قال أحمد: حدثنا عبد الله حدثني أبي، ثنا أبو عاصم أنا أبو عمر ومبارك الخياط جد ولد عباد بن كثير قال: سألت ثمامة بن عبد الله بن أنس عن العزل فقال: سمعت أنس بن مالك يقول: جاء رجل إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسأل عن العزل فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله عز وجل منها أو لخرج منها ولد -الشك منه- وليخلقن الله نفساً هو خالقها".
(المسند ٣/١٤٠). وأخرجه البزار (ح ٢١٦٣) من طريق أبي عاصم به. وأخرجه ابن أبي حاتم (التفسير - الفرقان/٥٤ ح ١٣٣٠) من طريق مبارك بن فضالة، عن ثمامة به. وحسن إسناده الهيثمي (مجمع الزوائد ٤/٢٩٦). ونسب الحافظ ابن حجر تصحيحه لابن حبان، وقال: وله شاهدان في (الكبير للطبراني عن ابن عباس، وفي الأوسط له عن ابن مسعود. (فتح الباري ٩/٢١٨)، وصححه السيوطي في (الجامع الصغير مع فيض القدير ٥/٣٠٥ ح ٧٤٠٠)، وحسن إسناده الألباني وذكر له شواهد تؤكد حسنه (السلسلة الصحيحة ح ١٣٣٣).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا) ذكر الله الصهر مع النسب وحرم أربعة عشرة امرأة سبعا من النسب وسبعا من الصهر واستوى تحريم الله في النسب والصهر.
قوله تعالى (وكان الكافر على ربه ظهيراً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (على ربه ظهيراً) قال: معيناً.
قوله تعالى (وما أرسلناك إلا مبشراً ونذيراً)
انظر سورة البقرة آية (١١٩).
قوله تعالى (قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن قتادة قوله (ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا) أي: بطاعة الله.
قوله تعالى (وتوكل على الحي الذي لا يموت وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيراً)
انظر سورة البقرة آية (٢٥٥) وانظر سورة الإسراء آية (١٧).
قوله تعالى (الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش)
انظر سورة البقرة آية (٢٩) وسورة فصلت آية (١٠) لبيان خلق السموات والأرض في ستة أيام.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الحسن عن أبي العالية في قوله (ثم استوى) يقول: ارتفع.
قوله تعالى (فاسأل به خبيراً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (خبيراً) خبير بخلقه.
قوله تعالى (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى منكرا على المشركين الذين يسجدون لغير الله من الأصنام والأنداد: (وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن) أي: لا نعرف الرحمن. وكانوا ينكرون أن يُسمى الله باسمه الرحمن، كما أنكروا ذلك يوم الحديبية حين قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للكاتب: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقالوا: لا نعرف الرحمن ولا الرحيم، ولكن اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم.
ولهذا أنزل الله (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) الإسراء: ١١٠، أي: هو الله وهو الرحمن.
قوله تعالى (تبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً) وانظر بداية السورة لبيان معنى (تبارك)، وانظر تفسير البسملة في بداية هذا التفسير.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله (بروجا) قال: البروج: النجوم.
وسنده صحيح.
قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة في قوله (وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا) قال: السراج: الشمس.
وسنده صحيح.
قوله تعالى (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة) يقول: من فاته شيء من الليل أن يعمله أدركه في النهار، أو من النهار أدركه في الليل.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (أو أراد شكوراً) قال: بشكر نعمة ربه عليه.
وانظر سورة الإسراء آية (١٢) قوله تعالى (وجعلنا الليل والنهار آيتين).
قوله تعالى (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن ابن عباس قوله: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً) قال. هم المؤمنون يمشون على الأرض هونا بالطاعة والعفاف والتواضع.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (هوناً) قال: بالوقار والسكينة.
أخرج الطبري وابن أبي حاتم بسنديهما الحسن عن مجاهد (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) قال: سدادا من القول.
قوله تعالى (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً)
قال ابن كثير: وقوله (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً) أي: في عبادته وطاعته، كما قال تعالى: (كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون) الذاريات: ١٧-١٨. وقال: (تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون) السجدة: ١٦.
قوله تعالى (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما)
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) قال: هم المؤمنون لا يسرفون فينفقون في معصية الله ولا يقترون فيمنعون من حقوق الله.
قال ابن كثير: وقوله (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما) أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل عدْلا خياراً، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، (وكان بين ذلك قواما) كما قال (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) الإسراء: ٢٩.
وانظر تفسير سورة الإسراء آية (٢٩) المذكورة آنفاً.
قوله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما) إلى قوله (إلا من تاب وآمن... )
قال البخاري: حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن سفيان، قال: حدثني منصور وسليمان عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سألت -أو سئل- رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أي الذنب عند الله أكبر؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك". قلت ثم أيّ؟ قال: "ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك". قلت: ثم أيّ؟ قال: "أن تزاني بحليلة جارك". قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون).
(صحيح البخاري ٨/٣٥٠-٣٥١ ح ٤٧٦١ -ك التفسير- سورة الفرقان، ب الآية).
قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني القاسم بن أبي بزّة أنه سأل سعيد بن جبير: هل لمن قتل مؤمنا متعمدا من توبة؟ فقرأت عليه (ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق) فقال سعيد: قرأتها على ابن عباس كما قرأتها عليَّ فقال: هذه مكية نسختها آية مدنية التي في سورة النساء.
(صحيح البخاري ٨/٣٥٠-٣٥١ ح ٤٧٦١ -ك التفسير- سورة الفرقان، ب الآية).
قال البخاري: حدثنا آدم، حدثنا شعبة، حدثنا منصور عن سعيد بن جبير قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى (فجزاؤه جهنم) قال: لا توبة له. وعن قوله جلّ ذكره (لا يدعون مع الله إلها آخر) قال: كانت هذه في الجاهلية.
(صحيح البخاري ٨/٣٥٠-٣٥١ ح ٤٧٦٤ -ك التفسير- سورة الفرقان، ب الآية).
قال مسلم: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، وإبراهيم بن دينار (واللفظ لإبراهيم). قالا: حدثنا حجاج (وهو ابن محمد) عن ابن جريج، قال: أخبرني يعلي بن مسلم، أنه سمع سعيد بن جبير يُحدث عن ابن عباس، أن ناساً من أهل الشرك قتلوا فأكثروا. وزنوا فأكثروا. ثم أتوا محمداً - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فقالوا: إن الذي تقول وتدعو لحسن. ولو تخبرنا أن لما عملنا كفارة! فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً) ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله).
(صحيح مسلم ١/١١٣ ح ١٩٣ - ك الإيمان، ب كون الإسلام يهدم ما قبله..).
قال مسلم: حدثني هارون بن عبد الله، حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم الليثى، حدثنا ابن معاوية (يعني شيبان) عن منصور بن المعتمر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية بمكة (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) إلى قوله (مُهانا). فقال المشركون: وما يغني عنّا الإسلام وقد
504
عدلنا بالله وقد قتلنا النفس التي حرم الله وأتينا الفواحش؟ فأنزل الله عز وجل: (إلا مَن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً) إلى آخر الآية. قال: فأما مَن دخل في الإسلام وعَقَلَه. ثم قتل، فلا توبة له.
(صحيح مسلم ٤/٢٣١٨ - ك التفسير).
قال البخاري: حدثنا عبدان، أخبرنا أبي، عن شعبة، عن منصور، عن سعيد بن جبير قال: أمرني عبد الرحمن بن أبزى أن أسأل ابن عباس عن هاتين الآيتين (ومن يقتل مؤمنا متعمداً) فسألته فقال: لم ينسخها شيء. وعن (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر) قال: نزلت في أهل الشرك.
(صحيح البخاري ٨/٣٥٤ ح ٤٧٦٦ -ك التفسير- سورة الفرقان، ب (إلا من تاب وعمل صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات... )).
قال النسائي: أخبرني محمد بن بشار عن عبد الوهاب قال: حدثنا محمد ابن عمرو عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد عن خارجة بن زيد عن زيد في قوله (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم) قال: نزلت هذه الآية بعد التي في تبارك الفرقان بثمانية أشهر (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق).
(السنن ٧/٨٧ ح ٦٩٥ - ك تحريم الدم، ب تعظيم الدم)، والطبري (التفسير ٥/٢٢٠)، والطبراني (المعجم الكبير ٥/١٣٦) من طرق عن محمد بن عمرو به، وعند جميعهم: (بستة أشهر)، بدل (الثمانية). وقد أخرج النسائي رواية (الستة أشهر) أيضا، لكن وقع في سندها: محمد بن عمرو عن أبي الزناد، بإسقاط (موسى بن عقبة). قال الألباني في الروايتين: حسن صحيح... ولفظ (بستة أشهر) أصح. (صحيح سنن النسائي ح ٣٧٤٢).
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قول الله (يلق أثاما) قال: واديا في جهنم.
وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة وسنده صحيح، وأخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن عن عكرمة.
505
قوله تعالى (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)
قال البخاري: حدثنا سعد بن حفص، حدثنا شيبان عن منصور عن سعيد ابن جبير قال: قال ابن أبزى سُئل ابن عباس عن قوله تعالى (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم) وقوله (ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلا بالحق -حتى بلغ- إلا من تاب وآمن) فسألته فقال: لما نزلت قال أهل مكة: فقد عدلنا بالله، وقتلنا النفس التي حرّم الله إلا بالحق، وآتينا الفواحش. فأنزل الله (إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحا -إلى قوله- غفوراً رحيماً).
(صحيح البخاري ٨/٣٥٣ ح ٤٧٦٥ -ك التفسير- سورة الفرقان، الآية).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات) قال: هم المؤمنون كانو قبل إيمانهم على السيئات، فرغب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى حسنات، وأبدلهم مكان السيئات حسنات.
قال مسلم: حدثنا محمد بن عبد الله بن نمير، حدثنا أبي، حدثنا الأعمش، عن المعرور بن سويد، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إني لأعلم آخر أهل الجنة دخولا الجنة. وآخر أهل النار خروجا منها. رجل يؤتى به يوم القيامة. فيُقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغار ذنوبه. فيُقال: عملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا وكذا، كذا وكذا. فيقول: نعم. لا يستطع أن يُنكر. وهو مُشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيُقال له: فإنّ لك مكان كل سيئة حسنة. فيقول: رب! قد عملت أشياء لا أراها ههنا، فلقد رأيت رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ضحك حتى بدت نواجذه.
(الصحيح ١/١٧٧ ح ١٩٠ - ك الإيمان، ب أدنى أهل الجنة منزلة فيها).
قوله تعالى (ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متاباً)
قال ابن كثير: ثم قال تعالى مخبراً عن عموم رحمته بعباده، وأنه من تاب إليه منهم تاب عليه من أي ذنب كان، جميل أو حقير، كبير أو صغير، فقال:
(ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا) أي: فإن الله يقبل توبته، كما قال تعالى (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) النساء: ١١٠، وقال: (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) التوبة: ١٠٤، وقال: (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم) الزمر: ٥٣، أي: لمن تاب إليه.
قوله تعالى (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً)
قال البخاري: حدثنا عبد الله بن منير سمع وهب بن جرير وعبد الملك ابن إبراهيم قالا: حدثنا شعبة عن عُبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن أنس - رضي الله عنه - قال: سُئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن الكبائر قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، وشهادة الزور".
تابعه غندر وأبو عامر وبهز وعبد الصمد عن شعبة. (صحيح البخاري ٥/٣٠٩ ح ٢٦٥٣ - ك الشهادات، ب ما قيل في شهادة الزور... ).
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (لا يشهدون الزور) قال: لا يساعدون أهل الباطل على باطلهم ولا يمالؤنهم فيه.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (وإذا مررا باللغو مروا كراماً) قال: صفحوا.
قوله تعالى (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً)
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة قوله (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً) يقول: لم يصموا عن الحق ولم يعموا فيه، هم والله قوم عقلوا عن الله وانتفعوا بما سمعوا من كتاب الله.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله (لم يخروا عليها صماً وعمياناً) فلا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يفقهون حقاً.
قوله تعالى (والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً)
قال ابن حبان: أخبرنا الحسن بن سفيان، حدثنا حِبان بن موسى، أخبرنا عبد الله، عن صفوان بن عَمْرو، قال: حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، قال: جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوماً، فمرّ به رجل، فقال: طوبى لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والله لوددنا أنّا رأينا ما رأيت، وشهدنا ما شهدت، فاستغضب، فجعلت أعجب، ما قال إلا خيرا، ثم أقبل إليه، فقال: ما يحمل الرجل على أن يتمنى محضرا غيّبه الله عنه، لا يدري لو شهده كيف كان يكون فيه، والله لقد حضر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقوام أكبّهم الله على مناخرهم في جهنم لم يُجيبوه ولم يصدقوه، أو لا تحمدون الله إذ أخرجكم تعرفون ربكم، مصدقين لِما جاء به نبيكم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قد كفيتم البلاء بغيركم؟ والله لق بُعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - على أشد حال بُعث عليها نبي من الأنبياء وفترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان، فجاء بفرقان فرّق بين الحق والباطل، وفرق بين الوالد وولده، حتى إذ كان الرجل ليرى ولَدَه أو والده أو أخاه كافراً وقد فتح الله قفل قلبه للإيمان يعلم أنه إن هلك دخل النار، فلا تقر عينه، وهو يعلم أن حبيبه في النار، وأنها التي قال الله: (الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) الآية.
(الإحسان ١٤/٤٨٩-٤٩٠ - ك التاريخ، ب تبليغه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الرسالة وما لقي من قومه)، وأخرجه أحمد في (مسنده ٦/٢-٣). وقال ابن كثير عن رواية أحمد. هذا إسناد صحيح ولم يخرجوه. وقال محقق الإحسان: إسناده صحيح على شرط مسلم) وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (١/١٦٩ ح ٨٧) من طريق عبد الله بن المبارك به، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ح ٦٤).
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين) يعنون: من يعمل لك بالطاعة، فتقر بهم أعيننا في الدنيا والآخرة.
508
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله (واجعلنا للمتقين إماما) يقول: أئمة الهدى ليهتدى بنا ولا تجعلنا ضلالة لأنه قال لأهل السعادة (وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا) ولأهل الشقاوة (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ).
قوله تعالى (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحية وسلاماً)
انظر سورة العنكبوت آية (٥٨) وفيها رواية الإمام أحمد عن أبي مالك الأشعري لبيان صفة الغرفة في الجنة، وانظر سورة يونس آية (١٠) لبيان التحية.
قوله تعالى (خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاما)
انظر آية (٢٤) من سورة الفرقان نفسها.
قوله تعالى (قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (قل ما يعبأ بكم ربي) قال: يعبأ: يفعل.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) يقول: لولا إيمانكم، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين، ولو كان له حاجة بهم لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين.
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله (لولا دعاؤكم) قال: لولا دعاؤكم إياه لتعبدوه وتطيعوه.
قوله تعالى (فسوف يكون لزاماً)
أخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد (فسوف يكون لزاماً) قال: يوم بدر.
أخرج الطبري بسنده الحسن عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: (فسوف يكون لزاما) قال: موتاً.
أخرج ابن أبي حاتم بسنده الصحيح عن قتادة (فسوف يكون لزاماً) قال: كان الحسن يقول ذلك يوم القيامة.
509
Icon