ﰡ
﴿ فاطر ﴾ أي خالق. يقال فطر الله الخلق يفطرهم فطرا، أي خلقهم.
تفسير المعاني :
الحمد لله خالق السماوات والأرض على ما هما عليه من جلالة وإبداع، جاعل الملائكة رسلا، أي وسائط بينه وبين أنبيائه الصالحين من عباده، أولى أجنحة اثنتين اثنتين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة، ويزيد الله في الخلق ما يشاء لمن يشاء، إن الله على كل شيء قدير.
نقول : لعل المراد من أجنحة الملائكة القوى الروحانية التي متعها الله بها، وكثيرا ما يشبه المعنوي بالمادي في اللغة العربية، بل هذا من بلاغات هذه اللغة.
ما يفتح الله للناس من باب رحمة فلا مانع لها، وما يمنع منها فلا مطلق لها من بعده، وهو العزيز الحكيم.
﴿ فأنى تؤفكون ﴾ أي فأين تصرفون. يقال أفكه يأفكه أفكا، أي صرفه عن وجهه.
تفسير المعاني :
يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم، أي احفظوها بمعرفة حقها وأداء واجبها، فهل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض فأين تصرفون عن هذه الحقيقة الجلية ؟
وإن يكذبوك فقد كذبت رسل من قبلك وإلى الله ترد الأمور فيجازى كلا بما فعل.
﴿ الغرور ﴾ أي الكثير التغرير، والمراد به هنا الشيطان. وقرئ الغرور على أنه مصدر غره أو على أنه جمع غار، بمعنى مغرر كقعود جمع قاعد.
تفسير المعاني :
يا أيها الناس إن وعد الله بالحشر والجزاء حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة، ولا يغرنكم الشيطان بأن يمنيكم بالمغفرة مع الإصرار على المعصية.
﴿ السعير ﴾ أي النار الشديدة الاتقاد. يقال سعرت النار أسعرها فتسعرت أي أوقدتها فتوقدت.
تفسير المعاني :
إن الشيطان لكم عدو فاعتبروه في عقائدكم وأفعالكم عدوا إنما يدعو حزبه المناقدين له ليكونوا من أصحاب النار.
الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا بالله حق الإيمان وعملوا الأعمال الصالحة يغفر الله لهم ذنوبهم ويجزيهم أجرا عظيما.
أفمن زين له الشيطان عمله السيء فتخيله حسنا، كمن لم يزينه له بل وفقه الله حتى ميز بين الحسن والقبيح ؟ " الخبر محذوف في الآية " فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء لحكمة يقتضيها علمه فلا تهلك نفسك يا محمد من التحسر على غيهم، إن الله عليم بما يصنعون فيجازيهم عليه.
﴿ فتثير ﴾ أي فتهيج. ﴿ النشور ﴾ أي إحياء الموتى. يقال نشر الميت ينشره نشورا وأنشره، أي أحياه.
تفسير المعاني :
وهو الذي يرسل الرياح فتهيج سحابا كان ساكنا، فيسوقه إلى بلد ميت من الجدب فيحيي به أرضها بعد موتها، كذلك أي على هذه الكيفية يحيي الأموات ويبعثهم للحشر.
﴿ العزة ﴾ أي الشرف والمنعة، والعزيز أي الشرف المنيع. ﴿ الكلم الطيب والعمل الصالح ﴾ أي التوحيد والعمل الصالح وصعودهما على الله، مجاز عن قبوله إياهما. ﴿ والذين يمكرون السيئات ﴾ أي يمكرون المنكرات السيئات. ﴿ يبور ﴾ أي يفسد ولا ينفذ.
تفسير المعاني :
من كان يريد الشرف والمنعة فإنهما له جميعا يهبهما لمن يطيعه، إليه يصعد التوحيد والعمل الصالح فيقبلهما ويثيب عليهما، والذين يمكرون المكرات السيئات يفسد مكرهم ولا ينفذ، ولهم عذاب شديد.
﴿ نطفة ﴾ النطفة الماء القليل، ويراد بها هنا ماء الرجل. ﴿ إلا في كتاب ﴾ هو اللوح المحفوظ.
تفسير المعاني :
والله خلقكم من تراب بخلق آدم منه مباشرة، ثم جعلكم تتناسلون على هيئة نطف، ثم جعلكم ذكرا وأنثى وما تحمل من أنثى ولا تلد إلا بعلمه وتدبيره، وما يمد في عمر أحد ولا ينقص من عمره بقبضه قبل أن يستوفي العمر الطبيعي إلا هو مقدر في اللوح المحفوظ، ومقرر في علم الله القديم، إن ذلك على شمول علم الله قليل.
﴿ فرات ﴾ أي يكسر العطش. ﴿ سائغ ﴾ أي يسهل انحداره. يقال ساغ الأمر أي سهل. ﴿ ملح أجاج ﴾ أي ماء مشبع بالملح. والأجاج هو الذي يحرق بملوحته. يقال أجّ الماء يؤجّ أجوجا صار أجاجا. ﴿ الفلك ﴾ السفن وهو لا يتغير في المفرد والجمع. ﴿ مواخر ﴾ أي شاقة للمياه جمع ماخرة. يقال مخرت السفينة تمخر مخرا، جرت تشق الماء بمقدّمها.
تفسير المعاني :
وما يستوي البحران " هذا مثل للمؤمن والكافر "، هذا حلو يكسر العطش، سهل الانحدار في الحلق، وهذا ملح يحرق بملوحته. ثم استطرد إلى ذكر صفاتها فقال : ومن كل منهما تستخرجون لحما طريا، وحليا كالدرر والأصداف، وترى السفن شاقة المياه طلبا لفضل الله بالتجارة، ولعلكم تشكرون.
﴿ يولج ﴾ أي يدخل. ﴿ لأجل مسمى ﴾ أي لموعد مقدر. ﴿ قطمير ﴾ القطمير هي لفافة النواة وهي ما عليها من الغشاء الرقيق.
تفسير المعاني :
يدخل الليل في النهار، ويدخل النهار في الليل، وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى موعد مقرر. ذلكم الصانع لهذا كله هو الله ربكم، له الملك الحق، والذين تدعون من دونه لا يملكون شيئا.
صم عن دعائكم، ولو سمعوه ما أجابوكم لتبرئهم منكم، ويوم القيامة يكفرون بإشراككم إياهم ولا يخبرك بهذا مثل خبير به.
﴿ الحميد ﴾ المحمود.
تفسير المعاني :
يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى فضل الله، والله هو الغني المحمود.
إن يشأ يفنكم ويأت بخلق جديد.
وليس هذا على الله بمستحيل.
﴿ ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ أي ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى. يقال وزر يزر وزرا أي حمل أو أثم. ﴿ مثقلة ﴾ أي نفس أثقلتها الأوزار، أي الأحمال أو الذنوب. ﴿ ذا قربى ﴾ القربى القرابة. ﴿ تزكى ﴾ أي تطهر.
تفسير المعاني :
ولا تحمل نفس آثمة إثم نفس أخرى، وإن تناد نفس مثقلة بالأوزار إلى تخفيف حملها لا يحمل أحد منه شيئا عنها ولو كان قريبا لها لاشتغال كل إنسان بنفسه. إنما تنذر يا محمد الذين يخافون ربهم بالغيب، أي وهم غائبون عن الناس أي في خلواتهم، وأقاموا الصلاة. ومن تطهر فإنما يتطهر لنفسه وإلى الله المآل.
وما يستوي الأعمى والمبصر.
ولا تستوي الظلمات والنور.
﴿ الحرور ﴾ هي الريح التي تهب ليلا من ريح السموم. والسموم يهب نهارا.
تفسير المعاني :
ولا الظل ولا ريح السموم.
ولا الأحياء والأموات. إن الله يسمع من يشاء فيهديهم، وما أنت بمسمع سكان القبور.
إن رسالتك تنحصر في الإنذار، وليس عليك هداهم.
﴿ نذيرا ﴾ أي مخبر بتخويف من العاقبة. ﴿ خلا ﴾ أي مضى. ومن السنون الخالية، أي الماضية.
تفسير المعاني :
إنا أرسلناك مصحوبا بالحق بشيرا بالمؤمنين ونذيرا للكافرين، وما من أمة إلا مضى فيها نذير.
﴿ وبالزبر ﴾ أي وبالكتب جمع زبور. يقال زبر الكتاب يزبره أي كتبه.
تفسير المعاني :
وإن يكذبك هؤلاء فقد كذب الذين من قبلهم رسلهم بعد أن جاءتهم بالآيات البينات وبالصحف والكتب النيرة.
﴿ فكيف كان نكير ﴾ أي فكيف كان إنكاري عليهم. وأنكر عليه عمله أي عابه.
تفسير المعاني :
ثم أخذت الذين كفروا، أي أهلكتهم، فكيف رأيت إنكاري عليهم وعقابي لهم ؟
﴿ جدد ﴾ أي ذو جُدد. والجدد الخطط والطرائق. فيقال جدة الحمار للخطة السوداء على ظهره. ﴿ وغرابيب سود ﴾ غرابيب تأكيد لسود، جمع غربيب. فيقال أسود غربيب، أي حالك السواد، وسود غرابيب، والعادة أن التأكيد يتبع المؤكد كما في المثال، ولكنه جاء في الآية متقدما عليه وهو يصح لغة.
تفسير المعاني :
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرج به أثمارا مختلفة الألوان، وخلق من الجبال ذوات طرائق بيض وحمر، تختلف ألوانها شدة وضعفا، ومنها أيضا سود حالكة السواد.
وخلق الناس والدواب والمواشي مختلفة الألوان كذلك، وفي كل هذا مجال للتأمل والاعتبار، وأين هما من الجهلة الأغمار ؟ إنما يخشى الله من عباده العلماء فإنهم يتأملون في الوجود ويرون آثار القدرة الإلهية فيه فيرجون الله ويخافونه، إن الله عزيز غفور.
﴿ لن تبور ﴾ أي لن تكسد.
تفسير المعاني :
إن الذين يقرءون كتاب الله، وأتقنوا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم على المحتاجين سرا وعلانية، إنما يرجون تجارة لن تكسد بل تروج عند الله ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، إنه غفور شكور.
إن الذين يقرءون كتاب الله، وأتقنوا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم على المحتاجين سرا وعلانية، إنما يرجون تجارة لن تكسد بل تروج عند الله ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، إنه غفور شكور.
والذي أوحيناه إليك من القرآن هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، مصدقا للكتب التي تقدمته في العقائد وأصول الأحكام إن الله بعباده لخبير بصير. فلو كنت لا تستحق النبوة لما أوحي إليك هذا الكتاب المعجز.
﴿ مقتصد ﴾ أي معتدل. يقال قصد يقصد واقتصد أي اعتدل وتوسط.
تفسير المعاني :
ثم أورثنا الكتب السماوية الذين اصطفيناهم من عبادنا من العلماء والحكماء، فمنهم ظالم لنفسه بالتقصير في العمل به، ومنهم معتدل يعمل به على قدر إمكانه، ومنهم سابق إلى الخيرات يجمع بين العلم والعمل بإذن الله، ذلك السبق هو الفضل الكبير.
﴿ جنات عدن ﴾ أي جنات مكث واستقرار. يقال عدن بالمكان يعدن عدنا أي أقام به. ﴿ أساور ﴾ جمع أسورة أو هي جمع سوار، الحلية المعروفة التي توضع في المعصم.
تفسير المعاني :
يدخلون جنات الإقامة الدائمة يحلون فيها أساور من ذهب ويحلون لؤلؤا وثيابهم فيها حرير.
﴿ الحزن ﴾ هو الحزن والمراد به الخوف من العاقبة أو الهم من أجل طلب المعاش.
تفسير المعاني :
وقالوا : الحمد لله الذي أزال عنا هم الدنيا إن ربنا لغفور للمذنبين شكور للمطيعين.
﴿ دار المقامة ﴾ أي دار الإقامة. ﴿ نصب ﴾ أي تعب. يقال نصب ينصب نصبا أي تعب. ﴿ لغوب ﴾ أي كلال. يقال لغب يلغب لغبا أي كلّ.
تفسير المعاني :
هو الذي أحلنا دار الإقامة الخالدة من فضله لا يمسنا فيها تعب ولا يصيبنا فيها كلال.
والذين كفروا لهم نار جهنم لا يحكم عليهم بموت ثان فيتلاشوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، كذلك نجزي كل كفور.
﴿ يصطرخون ﴾ أي يستغيثون. يفتعلون من الصراخ، استعمل في الاستغاثة لجهر المستغيث صوته.
تفسير المعاني :
وهم يستغيثون فيها ويقولون : ربنا أخرجنا من جهنم نعمل عملا صالحا غير الذي كنا نعمل، فيقول لهم أولم نمد في عمركم إلى الحد الذي يتذكر فيه القابل للتذكر، وجاءكم النذير يخوفكم من عاقبة تماديكم في الباطل ؟ فذوقوا العذاب فما للظالمين من نصير يدفعه عنهم.
إن الله عالم غيب السماوات والأرض لا يخفى عليه ما هم عليه، إنه عليم بما يجيش في الصدور، ويخطر في القلوب.
﴿ خلائف ﴾ جمع خليفة. ﴿ مقتا ﴾ المقت أشد البغض. يقال مقته يمقته مقتا أبغضه أشد البغض. ﴿ خسارا ﴾ خسرانا بمعنى إضاعة. فعله خسر في تجارته يخسر خسارا وخسارة.
تفسير المعاني :
هو الذي جعلكم خلفاء في الأرض وألقى إليكم مقاليد التصرف فيها، فمن كفر فعليه كفره، ولا يزيد الكافرين كفرهم عند الله إلا مقتا – أي بغضا – شديدا، ولا يزيدهم إلا خسارا – أي خسارة – للآخرة.
﴿ شرك ﴾ أي شركة. ﴿ آتيناهم ﴾ أي الظالمين. ﴿ على بينة منه ﴾ أي على دليل منه. ﴿ إن يعد ﴾ أي ما يعد.
تفسير المعاني :
قل : أرأيتم شركاءكم الذين تعبدونهم من دون الله ؟ أروني أي جزء خلقوا من الأرض ؟ أم لهم شركة مع الله في خلق السماوات أم آتينا هؤلاء الكافرين كتابا ينطق بأننا اتخذنا شركاءهم فهم على دليل من ذلك الكتاب ؟ بل ما يعد الظالمون بعضهم بعضا في شفاعة هؤلاء الشركاء إلا غرورا.
﴿ إن أمسكهما ﴾ أي ما أمسكهما.
تفسير المعاني :
إن الله يحفظ السماوات والأرض أن تزولا، ولئن زالتا ما منعهما من الزوال أحد من بعده إنه كان حليما غفورا حيث حفظهما وكان من حقهما أن تهدّا على الكافرين هدّا.
﴿ جهد أيمانهم ﴾ جهد مصدر مؤكد أي أقسموا يجهدون جهدا.
تفسير المعاني :
وأقسموا بالله قبل مبعث النبي وقد سمعوا تكذيب أهل الكتاب لرسلهم، مؤكدين أنه لو جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمتين اليهود أو النصارى، فلما جاءهم محمد ما زادهم مجيئه إلا نفورا.
﴿ ومكر السيئ ﴾ أصله وأن مكروا السيئ محذوف الموصوف استغناء بوصفه ثم بدل أن مع الفعل بالمصدر ثم أضيف. ﴿ ولا يحيق ﴾ أي ولا يحيط. يقال أحاق به أي أحاط به. ﴿ سنة الأولين ﴾ أي سنة الله فيهم. والسنة الطريقة.
تفسير المعاني :
تكبرا منهم في الأرض ومكرا سيئا، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا أن تجيئهم طريقة الله في أخذ الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا.
أو لم يسر هؤلاء الكافرون في الأرض فينظرون بأعينهم كيف كانت عاقبة الذين كفروا من قبلهم كيف أهلكناهم ودمرنا مساكنهم وجعلناهم أحاديث مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة وسلطانا ؟ ولكن الله لا يعجزه شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا.
﴿ على ظهرها ﴾ أي على ظهر الأرض. ﴿ دابة ﴾ الدابة هي كل ما يدب على سطح الأرض من حيوان حتى الإنسان. ﴿ أجل مسمى ﴾ أي موعد مقرر.
تفسير المعاني :
ولو يؤاخذ الله الناس بما يكسبونه من الآثام وما يجرونه على أنفسهم من الفتن، ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب عليها، ولكنه يؤخرهم إلى موعد مقرر وهو يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء، فإذا جاء موعدهم هذا فإن الله كان بعباده بصيرا فيجازيهم على كل ما عملوه لا تفلت من حسابه ذرة من خير أو شر.