تفسير سورة المرسلات

تيسير التفسير
تفسير سورة سورة المرسلات من كتاب تيسير التفسير .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة المرسلات مكية، وعدد آياتها خمسون، نزلت بعد سورة الهمزة. وهذه السورة كباقي السور المكية قصيرة الآيات، تعرض مشاهد من الدنيا والآخرة، وحقائق الكون والنفس، ومناظر الهول والعذاب. وقد تكرر فيها قوله تعالى ﴿ ويل يومئذ للمكذبين ﴾ عشر مرات في عشرة مقاطع. وكل مقطع من مقاطع السورة العشرة يمثل جولة في عالم تتحول السورة معه إلى مساحات من التأملات والمشاعر والخواطر والتأثرات. وأهم ما اشتملت عليه هذه السورة الكريمة بعد المطلع الإخبار بأن يوم الفصل آت لا شك فيه، وقد أكد ذلك بالقَسَم بعدة أشياء. وبعد الكلام على البعث والقيامة وإقامة الأدلة على وقوعها، جاء تهديد من يكذب بهما وتكرير ذلك التهديد بالويل عشر مرات، والتخويف بما يذوق المكذبون من المذلة والعذاب، وتوبيخهم على نكران نِعم اله عليهم في الأنفس والآفاق، ثم وصف عذاب الكافرين بما تشيب من هوله الولدان.
ثم يأتي تبشير المتقين بما يلقونه من الرفاهة والنعيم، ووصف نعيم المتقين في جنات النعيم، ويتخلل ذلك وصف خلق الإنسان والأرض والجبال، وبيان عظمة الخالق وقدرته.
وتتوالى مقاطع السورة وفواصلها قصيرة سريعة عنيفة، متعددة القوافي، كل مقطع بقافية. ويعود السياق أحيانا إلى بعض القوافي مرة بعد مرة، ثم يأتي ختامها بالويل للكافرين المكذبين الذين لا يؤمنون بالقرآن الكريم، ﴿ فبأي حديث بعده يؤمنون ﴾ !

المرسَلات : الملائكة.
عُرفا : للعرف والخير.
أقسم اللهُ تعالى بطوائف من الملائكة، منهم المرسَلون إلى الأنبياء بالإحسان
والمعروف والخير ليبلغوها للناس.
العاصفات : الرياح الشديدة، عصفت الريح عصفا وعصوفا اشتد هبوبها.
ومنهم الذين يعصِفون ما سوى الحق ويُبعدونه كما تُبعِد العواصف التراب وغيره.
الناشرات : تنشر الرياح السحب في الفضاء.
ومنهم الذين ينشرون آثار رحمة الله في النفوس الحية.
فالفارقات : بين الحق والباطل.
ومنهم الذين يفرقون بين الحق والباطل.
فالملقيات ذِكرا : الملقيات العلم والحكمة إلى الأنبياء.
ومنهم الملقونَ العلمَ والحكمة.
عُذراً أو نُذرا : للإعذار والإنذار.
لينذروا الناس.
قراءات :
قرأ الجمهور : عُذرا ونُذرا بإسكان الذال فيهما. وقرأ الحرميان وابن عامر وأبو بكر : عذرا بإسكان الذال، ونُذُرا بضمها.
أقسم بكل ما تقدم بأنّ يوم القيامة الذي توعدون به لواقعٌ آتٍ لا ريب فيه.
طمست : محيت وذهب نورها.
وذلك حين تُمحقُ النجوم ويذهب نورها.
فُرجت : شقت.
وتتشقق السماءُ.
نسفت : اقتلعت من أماكنها.
وتُنسف الجبال.
أُقتت : عين لها وقت.
ويُعيَّن للرسُل الوقت الذي يشهدون فيه على أُممهم.
أ ُجلت : أخِّرت.
لأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ.
ليوم الفصل : يوم القيامة الذي يفصل فيه بين العباد.
ليوم القيامة، اليوم الذي يكون فيه الفصل بين الخلائق.
ما أعلَمك يا محمد بيوم الفصل وشدّته وهوله، ما الذي تعرفه عن ذلك اليوم العظيم ؟
الهلاك والويل في ذلك اليوم للذين كفروا وكذّبوا رسُلَهم.
وبعد أن حذّر الكافرين وخوّفهم وأنذَرهم بأن يوم الفصل آتٍ لا ريب فيه، أردف ذلك بإعلامهم بأنه أهلكَ الكفارَ من الأمم الأولين المكذبين.
ثم نحن نفعل ذلك بأمثالهم من الآخرين.. فإذا سلكتم سبيلهم فستكون عاقبتكم كعاقبتهم، وستُعذَّبون في الدنيا والآخرة.
الذين كذّبوا محمدا صلى الله عليه وسلم، وبكل مجرم كذّب وكفر بالله واليوم الآخر.
هلاك لكل مكذّب وجاحد في ذلك اليوم الشديد.
ثم ذكّرهم بجزيل نعمه عليهم في خَلقهم وإيجادهم بهذه الصورة الحسنة في أحسن تقويم.
ألم نخلقكم أيها الناس من ماءٍ حقير من تلك النطفة.
في قرار مكين : في الرحم.
فجعلنا هذا الماءَ المهينَ في مكان حريز في الرحم.
إلى قدر معلوم : مدة الحمل.
إلى زمنٍ معلوم محدّد.
فقدرنا : على كل شيء.
فقدرنا على خلْقِه وتصويره في أحسن تقويم، فنعم القادرون والخالقون.
قراءات
قرأ الجمهور : فقدرنا بفتح الدال من غير تشديد. وقرأ نافع والكسائي : فقدّرنا بتشديد الدال المفتوحة.
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ بنعمة الله تعالى وبقدرته على كل شيء.
كفاتا : جامعة للأحياء والأموات. كَفَتَ الشيءَ : ضمه وجمعه.
وبعد أن ذكّرهم بالنِعم التي أنعم بها عليهم في الأنفس ذكّرهم بما أنعم عليهم في الآفاق فقال :
﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأرض كِفَاتاً ﴾.
ألم نجعل الأرضَ ضامَّةً على ظهرها أحياءً لا يُعدّون.
وفي بطنها أمواتا لا يحصرون.
رواسي : جبالا ثوابت.
شامخات : مرتفعات.
فراتا : عذبا.
وجعلنا فيها جبالا ثوابت شامخاتٍ عاليات، وأسقيناكم ماء عذباً سائغا تشربون منه، وتسقون دوابكم وزروعكم ! ؟
يبين الله تعالى في الآيات من رقم ٢٩ ﴿ انطلقوا إلى مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ إلى رقم ٤٠، نوعَ ذلك العذاب الشديد الهائل، فأخبر تعالى بأنهم يقال لهم : انطلقوا إلى
ما كنتم به تكذّبون في الدنيا.
إلى ظلٍ من دخانِ جهنم، المتشعبِ لكثرته وتفرقه إلى ثلاثِ شعب عظيمة.
لا ظليل : لا يقي من الحر.
ولا يغني من اللهب : لا يقي الإنسان من لهب النار.
وهو مع ذلك لا يُظلُّهم، ولا يمنع عنهم حرَّ اللهب الذي تقذف به جهنم.
بشررٍ كالقصر : إن جهنم ترمي بشرر من النار كل واحدة كالقصر الكبير.
حيث ترمي بشررٍ عظيم كل واحدة كالقصر الكبير.
جمالة : جمال.
صفر : لونها أصفر.
وكأنه جمالٌ صفر تنطلق وتتفرق في أعداد غير محصورة.
قراءات :
قرأ الجمهور : جمالات بكسر الجيم والجمع، وقرأ حفص وحمزة والكسائي : جمالة.
ثم أتبع ذلك بأن الويلَ للمكذبين بذلك اليوم الذي أقسَم الله تعالى بأنه واقع
لا محالة.
وهم في ذلك اليوم لا ينطِقون من شدة الدهشة والخوف والحيرة.
ولا يُسمح لهم بالاعتذار فيعتذرون.
وكرر أن لهم الويل والهلاك يومئذٍ، حيث يتم الفصل بين المُحقِّ والمبطِل ويجازَى كل واحد بما يستحق.
ثم بين كيف يكون الفصل في ذلك اليوم فقال :
﴿ هذا يَوْمُ الفصل جَمَعْنَاكُمْ والأولين فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ﴾
لقد جمعنا بينكم وبين من تقدَّمكم من الأمم.
فإن كان لكم حيلة في دفع العذاب عنكم فاحتالوا لتخلِّصوا أنفسكم منه، ولكن هيهات
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾ بوعيد الله.
ظلال : واحدها ظل، وهي ظلال الأشجار، والبيوت وغير ذلك، ويعبر بالظلال عن الرفاهية والنعيم.
وعيون : مياه جارية عذبة تسر الناظرين.
ثم بين ما يكون للمؤمنين من السعادة والنعيم والكرامة في ذلك اليوم.
فإنهم يكونون في ترفٍ ونعيم، ويأكلون فواكه مما يشتهون.
فيقال لهم :﴿ كُلُواْ واشربوا هنيائا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ في الدنيا من الصالحات.
وكما جزينا هؤلاء المتقين، نجزي أهل الإحسان لطاعتهم وعبادتهم لنا، فلا نضيع لهم أجرا.
﴿ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾.
وفي كل هذا تهديد ووعيد..
كلوا من لذائذ الدنيا، واستمتعوا بشهواتها الفانية فإن البقاء فيها قليل، وأنتم مجرمون لا تستحقون التكريم.
وهلاكٌ يومئذ للمكذبين.
اركعوا : صلوا.
فهم إذا قيل لهم صلّوا لله واخشَعوا، لا يُصلّون ولا يخشعون، بل يصرّون على كفرهم واستكبارهم فالهلاك لهم في ذلك اليوم.
ثم ختم السورة بالتعجب من هؤلاء الجاحدين الذين لم يؤمنوا ولم يستجيبوا لنصح الداعي ولم يتبعوا المرسلين، فقال :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ﴾
إذا لم يؤمنوا بهذه الدلائل والمعجزات، ولم يستمعوا لهذا القرآن العظيم، فبأي كلامٍ بعده يصدّقون.
قراءات :
قرأ الجمهور : فبأيّ حديث بعده يؤمنون بالياء. وقرأ ابن عامر ويعقوب : تؤمنون بالتاء.
Icon