تفسير سورة الإنشقاق

حومد
تفسير سورة سورة الإنشقاق من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(١) - حِينَمَا يَحِينُ قِيَامُ السَّاعَةِ تَحْدُثُ أَحْدَاثٌ عَجِيبَةٌ فِي الكَوْنِ، وَيَضْطَرِبُ نِظَامُهُ، وَتَنْشَقُّ السَّمَاءُ، وَتَتَصَدَّعُ.
انْشَقَّتْ - انْصَدَعَتْ.
(٢) - وَاسْتَمَعَتِ السَّمَاءُ لأَمْرِ رَبِّهَا، وَأَطَاعَتْهُ فِيمَا أَمَرَهَا بِهِ مِنَ الانْشِقَاقِ (أَذِنَتْ)، وَحُقَّ لَهَا أَنْ تُطِيعَ أَمْرَ رَبِّهَا، لأَنَّهَا تَعْرِفُ عَظَمَتَهُ وَجَلاَلَهُ، وَتَعْلَمُ أَنَّهُ تَعَالَى لاَ يُمَانَعُ وَلاَ يُغَالَبُ.
أَذِنَتْ - اسْتَمَعَتْ وَانْقَادَتْ.
حُقَّتْ - مِنْ حَقِّ اللهِ عَلَيْهَا الانْقِيَادُ لأَمْرِهِ.
(٣) - وَتَضْطَرِبُ الأَرْضُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ المَهُولِ، وَتَنْدَكُّ جِبَالُهَا، وَتَنْبَسِطُ فَتُصْبحُ الأَرْضُ كَالفِرَاشِ، وَتَمْتَدُّ كَمَا يَمْتَدُّ الجِلْدُ المَدْبُوغُ (كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ).
مُدَّتْ - بُسِطَتْ وَسُوِّيَتْ.
(٤) - وَتَقْذِفُ الأَرْضُ مَا فِي جَوْفِهَا مِنْ أَمْوَاتٍ وَمَعَادِنَ وَسَائِلٍ مُنْصَهِرٍ، وَتَتَخَلَّى عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ.
أَلْقَتْ مَا فِيهَا - لَفَظَتْ مَا فِي جَوْفِهَا.
(٥) - وَهِيَ إِنَّمَا تَفْعَلُ ذَلِكَ اسْتِجَابَةً لأَمْرِ رَبِّهَا العَظِيمِ، وَحَقِيقٌ عَلَيْهَا أَنْ تَسْتَجِيبَ لأَمْرِهِ، لأَنَّهَا تَعْرِفُ عَظَمَةَ جَلاَلِهِ، وَتُدْرِكُ أَنَّهَا فِي قَبْضَةِ القُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ.
﴿الإنسان﴾ ﴿فَمُلاَقِيهِ﴾ ﴿ياأيها﴾
(٦) - يَا أَيَّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ عَامِلٌ فِي حَيَاتِكَ، وَمُجِدٌّ فِي عَمَلِكَ، إِلَى أَنْ تَنْتَهِيَ حَيَاتُكَ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ فِي عَمَلِكَ هِيَ خُطْوَةٌ فِي أَجَلِكَ، وَالمَوْتُ يَكْشِفُ غِطَاءَ الغَفْلَةِ عَنِ الرُّوحِ، وَيَجْلُو لَهَا وَجْهَ الحَقِّ، فَتَعْرِفُ مِنَ اللهِ مَا كَانَتْ تُنْكِرُهُ، وَيَوْمَ الحَشْرِ يَجِدُ كَلُّ إِنْسَانٍ صَحِيفَةَ عَمَلِهِ حَاضِرَةً، وَقَدْ حَوَتْ جَمِيعَ أَعْمَالِهِ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَيُجَازِيهِ اللهُ وَفْقَهَا.
كَادِحٌ - جَاهِدٌ فِي عَمَلِكَ لِرَبِّكَ.
فَمُلاَقِيهِ - وَسَتُلاَقِي جَزَاءَ عَمَلِكَ.
﴿كِتَابَهُ﴾
(٧) - فَأَمَّا مَنْ عُرِضَ عَلَيْهِ سِجِلُّ عَمَلِهِ فَتَنَاوَلَهُ بِيَدِهِ اليُمْنَى.
(٨) - فَإِنَّهُ يُحَاسَبُ أَيْسَرَ حِسَابٍ، إِذْ يُثِيبُهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مَا كَانَ مِنْهُ مِنْ أَعْمَالِهِ الصَّالِحَةِ، وَيَتَجَاوَزُ الرَّحْمَنُ عَمَّا كَانَ مِنْهُ مِنْ هَفَوَاتٍ.
(٩) - وَمَنْ حُوِسبَ هَذَا الحِسَابَ اليَسِيرَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ المُؤْمِنِينَ مَسْرُوراً مُبْتَهِجاً قَائِلاً: ﴿هَآؤُمُ اقرؤا كِتَابيَهْ﴾.
﴿كِتَابَهُ﴾
(١٠) - وَأَمَّا الذِي ارْتَكَبَ المَعَاصِي، وَاجْتَرَحَ السَّيِّئَاتِ، فَيُؤْتَى كَتَابَهُ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ تَحْقِيراً لَهُ، وَيَتَنَاوَلُهُ بِشِمَالِهِ.
﴿يَدْعُواْ﴾
(١١) - فَيُدْرِكُ أَنَّهُ هَالِكٌ فَيَدْعُو هَلاَكاً وَخَسَاراً وَيَقُولُ: وَاثُبُورَاهْ.
ثُبُوراً - هَلاَكاً وَخَسَاراً.
(١٢) - وَيُقَذَفُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ لِيَصْلَى سَعِيرَهَا.
يَصْلَى - يُقَاسِي حَرَّ جَهَنَّمَ أَوْ يَدْخُلُهَا.
(١٣) - فَقَدْ كَانَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا بَطِراً لاَ يُفَكِّرُ فِي أُمُورِ الآخَرَةِ، وَيُقْدِمُ عَلَى المَعَاصِي وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ لَذَّاتِهَا لَنْ تَعْقُبَهَا حَسْرَةٌ، وَلَنْ تُؤَدِّيَ بِهِ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، وَلِذَلِكَ يُبَدِّلُهُ اللهُ تَعَالَى بِالنَّعِيمِ الزَّائِلِ الذِي كَانَ فِيهِ فِي الدُّنْيَا، بِالعَذَابِ الدَّائِمِ فِي الآخِرَةِ.
(١٤) - فَقَدْ ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَرْجِعَ إِلَى اللهِ، وَأَنَّ اللهَ لَنْ يَبْعَثَ الخَلاَئِقَ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَى أًَعْمَالِهِمْ.
لَنْ يَحُورَ - لَنْ يَرْجِعَ إِلَى رَبِّهِ.
(١٥) - بَلَى إِنَّهُ سَيَرْجِعُ إِلَى اللهِ لِيُحَاسِبَهُ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهِ، إِن خَيْراً فَخْيراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَراً، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى كَانَ مُطَّلِعاً عَلَى جَمِيعِ مَا عَمِلَ فِي الحِيَاةِ الدُّنْيَا.
(١٦) - يَقُولُ تَعَالَى إِنَّهُ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُقْسِمَ بِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الأَشْيَاءِ التِي ذَكَرَهَا عَلَى إِثْبَاتِ مَا سَيَذْكُرُهُ، لأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ لاَ يَحْتَاجُ ثُبُوتُهُ إِلَى حَلْفٍ.
(وَقِيلَ إِنَّ المَعْنَى هُوَ أُقسِمُ مُؤَكَّداً بِحْمَرَةِ الأُفُق بَعْدَ الغُرُوبِ أَوْ قَبْلَ طَلُوعِ الشَّمْسِ). [وَلاَ لِتَوْكِيدِ القَسَمِ. وَقِيلَ إِنَّهَا صِلَةٌ مِثْلُهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ) ].
الشَّفَقُ - الحُمْرَةُ فِي السَّمَاءِ بَعْدَ الغُرُوبِ أَوْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ.
﴿الليل﴾
(١٧) - ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَهُ لاَ يُرِيدُ أَنْ يُقْسِمَ بِاللَّيْلِ وَمَا جَمَعَ، وَمَا لَفَّ فِي ظُلْمَتِهِ مِنَ الخَلاَئِقِ، لِوُضُوحِ المَوْضُوعِ المُقسَمِ عَلَيْهِ.
(وَقِيلَ وَمَا وَسَقَ تَعْنِي وَمَا سَاقَ مِنْ ظُلْمَةٍ فَكَأَنَّهُ تَعَالَى أَقْسَمَ بِالضِّيَاءِ وَالظَّلاَمِ).
وَسَقَ - ضَمَّ وَجَمَعَ - أَوْ مَا سَاقَ مِنْ ظُلْمَةٍ.
(١٨) - وَإِنَّهُ تَعَالَى لاَ يُرِيدُ أَنْ يُقْسِمَ بِالقَمَرِ إِذَا اجْتَمَعَ نُورُهُ، وَتَكَامَلَ وَأَصْبَحَ بَدْراً.
(١٩) - لَتُلاَقُنَّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ حَالاً بَعْدَ حَالٍ، وَأُمُوراً بَعْدَ أُمُورٍ، إِلَى أَنْ تَصِيرُوا إِلَى رَبِّكُمْ، وَهُنَاكَ الخُلُودُ فِي الجَنَّةِ أَوْ فِي النَّارِ (وَهَذَا جَوَابُ القَسَمِ).
(أَيْ لَتَنْتَقِلُنَّ مِنْ طَوْرٍ مِنْ أَطْوَارِ حَيَاتِكُمْ إِلَى طَوْرٍ آخَرَ مُنْذُ أَنْ كُنْتُمْ نُطْفَةً حَتَّى يُدْرِكَكُمُ المَوْتُ).
لَتَرْكَبُنَّ - لَتُلاَقُنَّ.
طَبَقاً - أَحْوَالاً مُتَطَابِقَةً - أَوْ حَالاً بَعْدَ حَالٍ.
(٢٠) - فَمَا الذِي يَمْنَعُهُمْ عَنِ الإِيْمَانِ بِاللهِ وَرَسُولِهِ واليَوْمِ الآخِرِ؟ وَلِمَاذَا يَجْحَدُونَ بِقُدْرَةِ اللهِ، وَيُنْكِرُونَ صِحَّةَ البَعْثِ.. وَكُلُّ شَيءٍ أَمَامَهُمْ يَدُلُّ عَلَى بَاهِرِ قُدْرَةِ اللهِ، وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ؟
﴿القرآن﴾
(٢١) - وَمَا لَهُمْ إِذَا قُرِيءَ القُرْآنُ لاَ يَسْجُُدُونَ إِعْظَاماً للهِ وَإِكْرَاماً؟
(٢٢) - إِنَّ كُلَّ الدَّلاَئِلِ تُوجِبُ عَلَيْهِم الإِيْمَانَ بِاللهِ لَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مُعَانِدُونَ مُكَابِرُونَ، يُصِرُّونَ عَلَى الكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ.
(٢٣) - وَاللهُ يَعْلَمُ مَا يُضْمِرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الأَسْبَابِ التِي تَحْمِلُهُمْ عَلَى الإِصْرَارِ عَلَى الشِّرْكِ، وَالاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ.
يُوعُونَ - يَكْتمُونَ فِي صُدُورِهِمْ، أَوْ يَجْمَعُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ.
وَأَوْعَى - جَمَعَ فِي وِعَاءٍ.
(٢٤) - وَجَزَاءُ الإِصْرَارِ عَلَى التَّكْذِيبِ وَالكُفْرِ وَالعِنَادِ العَذَابُ الأَلِيمُ فِي الآخِرَةِ، وَقَدْ بَشَّرَهُم اللهُ بِهِ اسْتِهْزَاءً بِهِمْ لأَنَّ البُشْرَى تَكُونَ فِي الأُمُورِ الحَسَنَةِ السَّارَّةِ عَادَةً.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾
(٢٥) - لَكِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَأْولَئِكَ لَهُم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَزَاءٌ حَسَنٌ، لاَ يَنْقَطِعُ مَدَدُهُ، وَلاَ يَنْضُبُ مَعِينُهُ.
غَيْرُ مَمْنُونٍ - غَيْرُ مُنْقَطِعٍ عَنْهُمْ.
Icon