تفسير سورة الفرقان

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم .
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لمَّا أمَرَ بتعظيم الرَّسول بقوله: ﴿ لاَّ تَجْعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ ﴾، افتتح السورة بما ينبئ عن كمال تكريمه فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * تَبَارَكَ ﴾: تكاثر خيرا أو تعالى أو دام ﴿ ٱلَّذِي نَزَّلَ ﴾: منجما ﴿ ٱلْفُرْقَانَ ﴾: القرآن الفارق بين الحق والباطل، أو المنزل مفرقا ﴿ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ ﴾: العبد ﴿ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ﴾: منذرا ﴿ ٱلَّذِي لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ ﴾: كما مر ﴿ وَخَلَقَ ﴾: أحدث ﴿ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ ﴾: هيأه لما اراد منه أو سواه ﴿ تَقْدِيراً * وَٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ آلِهَةً ﴾: الأصنام ﴿ لاَّ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً ﴾: أي: دفعة ﴿ وَلاَ نَفْعاً ﴾: أي: جلبة ﴿ وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتاً ﴾: إماته ﴿ وَلاَ حَيَـاةً ﴾: إحياء ﴿ وَلاَ نُشُوراً ﴾: إحياء بعد الموت ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ ﴾: ما ﴿ هَـٰذَا ﴾: القرآن ﴿ إِلاَّ إِفْكٌ ٱفْتَرَاهُ ﴾: محمد ﴿ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ ﴾: كما مر ﴿ فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً ﴾: افتراء ﴿ وَقَالُوۤاْ ﴾: هذا ﴿ أَسَاطِيرُ ﴾: أكاذيب ﴿ ٱلأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا ﴾: انتسخها بغيره ﴿ فَهِيَ ﴾: الأساطير ﴿ تُمْلَىٰ ﴾: تقرأ ﴿ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ﴾: أي: دائما فإنه أمي لا يكرره من الكتاب ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِي يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ ﴾: خصها لما مر ﴿ إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً ﴾: للمؤمنين ﴿ رَّحِيماً ﴾: بهم ﴿ وَقَالُواْ ﴾: تهكما ﴿ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي ٱلأَسْوَاقِ ﴾: فليس بالملك ولا ملك ﴿ لَوْلاۤ ﴾: هلا ﴿ أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ ﴾: نراه ﴿ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً ﴾: يصدقه ﴿ أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنْزٌ ﴾: يغنيه ﴿ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ ﴾: بستان ﴿ يَأْكُلُ مِنْهَا ﴾: هذا على سبيل التنزل ﴿ وَقَالَ ٱلظَّالِمُونَ ﴾: أي: قالوا المؤمنين ﴿ إِن ﴾: ما ﴿ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً ﴾: سحر فغلب على عقله ﴿ ٱنظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ ٱلأَمْثَالَ ﴾: أي: المذكور ﴿ فَضَلُّواْ ﴾: عن الحق ﴿ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً ﴾: إليه ﴿ تَبَارَكَ ﴾: تكاثر خيره ﴿ ٱلَّذِيۤ إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذٰلِكَ ﴾: الذي قالوا في الدنيا، ولكنه أخره إلى العقبي لأنها أبقى ﴿ جَنَّاتٍ ﴾: بدل من خيرا ﴿ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً * بَلْ كَذَّبُواْ بِٱلسَّاعَةِ ﴾: القيامة ولذا يكذبونك ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِٱلسَّاعَةِ سَعِيراً ﴾: نارا شديدة ﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ ﴾: بعينها كما في الحديث ﴿ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾: مسيرة خمسمائة سنة ﴿ سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً ﴾: غليانا كما للغضبان ﴿ وَزَفِيراً ﴾: هو صوت يسمع من جوف المغتاظ عند شدته ﴿ وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا ﴾: حال من ﴿ مَكَاناً ضَيِّقاً ﴾: كالوتد في الحائط ﴿ مُّقَرَّنِينَ ﴾: قرنت أيديهم إلى أعناقهم بالسلاسل ﴿ دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً ﴾: هلاكا، فيقال بهم ﴿ لاَّ تَدْعُواْ ٱلْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً ﴾: أي: مرة ﴿ وَٱدْعُواْ ثُبُوراً كَثِيراً ﴾: لدوام عذابكم ﴿ قُلْ أَذٰلِكَ ﴾: العَذابُ ﴿ خَيْرٌ ﴾: ﴿ أَمْ جَنَّةُ ٱلْخُلْدِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ ﴾: أي: بين لهم جزاء ولغيرهم برضاهم تفضل، أو المراد: المتقون عن الكفر ﴿ كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً ﴾: على أعمالهم ﴿ وَمَصِيراً ﴾: مرجعا ﴿ لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ خَالِدِينَ كَانَ ﴾: ما يشاءون ﴿ عَلَىٰ رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً ﴾: بقولهم:﴿ رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا ﴾[آل عمران: ١٩٤] إلى آخره بقول الملائكة:﴿ رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ ﴾[غافر: ٨] إلى آخره ﴿ وَ ﴾: اذكر ﴿ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: من ذوي العقول، جاء بها تحقيرا ﴿ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا ٱلسَّبِيلَ ﴾: بأنفسهم ﴿ قَالُواْ ﴾: تعجبا ﴿ سُبْحَانَكَ ﴾: عن الشريك ﴿ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ حَتَّىٰ ﴾: فكيف نأمر بعبادتنا ﴿ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَآءَهُمْ ﴾: بالنعم ﴿ نَسُواْ ٱلذِّكْرَ ﴾: أي: ذكرك لانهماكهم في الشهوات، حاصلة: أنت حملتهم عليه حتى اكتسصبوا، فهو حجة لنا لا للمعتزلة ﴿ وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً ﴾: هالكين أو فاسدين فيقول تعالى للكفار ﴿ فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ ﴾: آلهتكم ﴿ بِمَا ﴾: أي: فيها ﴿ تَقُولُونَ ﴾: يعني هؤلاء أضلونا بالغيبة يعني: سبحانك - إلى أخره ﴿ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً ﴾: للعذاب أو الحيلة ﴿ وَلاَ نَصْراً ﴾: لكم ﴿ وَمَن يَظْلِم ﴾: يشرك ﴿ مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً * وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ ﴾: رسولا ﴿ قَبْلَكَ مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ إِلاَّ ﴾: والحال ﴿ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي ٱلأَسْوَاقِ ﴾: رد لقولهم ما لهذا إلى آخره ﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ ﴾: أيهما الناس ﴿ لِبَعْضٍ فِتْنَةً ﴾: امتحانا كالفقير والصحيح والشريف بمقابليهم والنبي بأمته فيقول المقابل: مالي لست كالآخر ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾: على هذه الفتنة؟ أي: اصبروا ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً ﴾: بكم
﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ ﴾: لا يأملون ﴿ لِقَآءَنَا ﴾: البعث ﴿ لَوْلاَ ﴾: هلا ﴿ أُنْزِلَ عَلَيْنَا ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾: رسلا ﴿ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا ﴾: فنصدقك ﴿ لَقَدِ ٱسْتَكْبَرُواْ فِيۤ ﴾: شأن ﴿ أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا ﴾: طغوا ﴿ عُتُوّاً كَبِيراً ﴾: لطلبهم ما لم يحصل إلا لآحاد الأنبياء، اذكر ﴿ يَوْمَ يَرَوْنَ ٱلْمَلاَئِكَةَ ﴾: ملائكة الموت أو العذاب ﴿ لاَ بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾: أي: لهم ﴿ وَيَقُولُونَ ﴾: كعادتهم عند لقاء عدو أو شدة ﴿ حِجْراً ﴾: عوذا ﴿ مَّحْجُوراً ﴾: تقديره: اسال حجرا محجورا، أي: معاذا، وصف به للتأكيد أي: يعذون من الملائكة مع طلبهم الآن ﴿ وَقَدِمْنَآ ﴾: قصدنا ﴿ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ ﴾: كصلة ونحوها ﴿ فَجَعَلْنَاهُ ﴾: في التحقير وعدم النفع ﴿ هَبَآءً ﴾: كغبار يرى في الكوى التي عليها الشمس ﴿ مَّنثُوراً ﴾: بحيث لا يمكن نظمه ﴿ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ ﴾: مطلقاً أو من مترفيهم في الدنيا ﴿ مُّسْتَقَرّاً ﴾: موضع قرار ﴿ وَأَحْسَنُ مَقِيلاً ﴾: مكان استراحة، إذ القيلولة استراحة نصف النهار ولو بلا نوم وفيه إشعار بإنقضاء حسابهم في نصف نهار كما ورد ﴿ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ ﴾: تنشق ﴿ ٱلسَّمَآءُ بِٱلْغَمَامِ ﴾: بسبب طلوعه منها كما في قوله تعالى﴿ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ ٱللَّهُ ﴾[البقرة: ٢١٠].
.. إلى آخره ﴿ وَنُزِّلَ ٱلْمَلاَئِكَةُ ﴾: في الغمام، بصحائف الأعمال ﴿ تَنزِيلاً * ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ ٱلْحَقُّ ﴾: الثابت ﴿ لِلرَّحْمَـٰنِ ﴾: ولا نزاع له ﴿ وَكَانَ يَوْماً عَلَى ٱلْكَافِرِينَ عَسِيراً ﴾: وأخف على بعض المؤمنين من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ ٱلظَّالِمُ ﴾: كعقبة بن أبي معيط، اسلم ثم ارتد بالتماس صديقه إبي بن خلف ﴿ عَلَىٰ يَدَيْهِ ﴾: تحسرا ﴿ يَقُولُ يٰلَيْتَنِي ٱتَّخَذْتُ مَعَ ٱلرَّسُولِ سَبِيلاً ﴾: إلى الهدى ﴿ يَٰوَيْلَتَىٰ ﴾: كما مر ﴿ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً ﴾: كناية عن علم، وقيل: عن نكرة عني به: أبي بن خلف ﴿ خَلِيلاً * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ ٱلذِّكْرِ ﴾: القرآن ﴿ بَعْدَ إِذْ جَآءَنِي وَكَانَ ٱلشَّيْطَانُ ﴾: أي: الخل المضل للإنسان ﴿ خَذُولاً ﴾: تاركا لعونه عند البلاء ﴿ وَقَالَ ٱلرَّسُولُ ﴾: يؤمئذ ﴿ يٰرَبِّ إِنَّ قَوْمِي ﴾: قريشا ﴿ ٱتَّخَذُواْ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ مَهْجُوراً ﴾: متروكا هذرا أو لغوا فيه، قال تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ ﴾: كجعل قومك عدوك ﴿ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴾: فاصبر مثلهم ﴿ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً ﴾: فلا تبال بهم ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ ﴾: هلا ﴿ نُزِّلَ ﴾: أنزل ﴿ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً ﴾: دفعة ﴿ وَاحِدَةً ﴾: كالكتب الباقية، قال تعالى: نزلناه ﴿ كَذَلِكَ ﴾: مفرقا ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾: فتحفطه شيئا فشيئا أو ليقوي قلبك بعجزهم عن معارضة بعضة ﴿ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ﴾: فصلناه على مهل تفصيلا بحسب الوقائع ﴿ وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ ﴾: بسؤال عجيب في إبطالك ﴿ إِلاَّ جِئْنَاكَ بِٱلْحَقِّ ﴾: الدافع له ﴿ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً ﴾: بياناً منه ﴿ ٱلَّذِينَ يُحْشَرُونَ ﴾: مسحوبين ﴿ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ ﴾: كما مر ﴿ أُوْلَـٰئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً ﴾: منزلاً أو منزلةً ﴿ وَأَضَلُّ سَبِيلاً ﴾: هذا كخير مستقراً ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ ﴾: الألواح، قبل التوراة إذ نزولها بعد غرق فرعون ﴿ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً ﴾: معينا ﴿ فَقُلْنَا ٱذْهَبَآ إِلَى ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا ﴾: فذهبا، فكذبهوما ﴿ فَدَمَّرْنَاهُمْ ﴾: استأصلناهم ﴿ تَدْمِيراً * وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ ٱلرُّسُلَ ﴾: نوحا ومن قبله ﴿ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ ﴾: بعدهم ﴿ آيَةً ﴾: عبرة ﴿ وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِين ﴾: أي: لهم ﴿ عَذَاباً أَلِيماً ﴾: في الآخرة ﴿ وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ ٱلرَّسِّ ﴾: البئر الغير المطوية، كانوا عبدة الأصنام فبعث إليهم شعيب فكذبوه، فبينما هم كانوا حول البئر انهارت بهم وبمنازلهم ﴿ وَقُرُوناً ﴾: أهل أعصار ﴿ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾: المذكورين ﴿ كَثِيراً * وَكُلاًّ ضَرَبْنَا ﴾: بينا ﴿ لَهُ ٱلأَمْثَالَ ﴾، القصص العجيبة ليعتبروا ﴿ وَكُلاًّ تَبَّرْنَا ﴾: فتنا ﴿ تَتْبِيراً * وَلَقَدْ أَتَوْا ﴾: قريش في طريق الشام ﴿ عَلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِيۤ أُمْطِرَتْ مَطَرَ ٱلسَّوْءِ ﴾: أي: قوم لوط ﴿ أَفَلَمْ يَكُونُواْ يَرَوْنَهَا ﴾: فيعتبروا ﴿ بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً ﴾: فلذا ما اتعظوا
﴿ وَإِذَا رَأَوْكَ إِن ﴾: ما ﴿ يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً ﴾: مهزوءا به قائلين ﴿ أَهَـٰذَا ٱلَّذِي بَعَثَ ٱللَّهُ رَسُولاً * إِن ﴾: إنه ﴿ كَادَ لَيُضِلُّنَا ﴾: فيصرفنا ﴿ عَنْ ﴾: عبادة ﴿ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا ﴾: لصرفنا عنها، قال تعالى: ﴿ وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ ٱلْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾: من الفريقين ﴿ أَرَأَيْتَ ﴾: أخبرني ﴿ مَنِ ٱتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ ﴾: قدمه اهتماماً ﴿ هَوَاهُ ﴾: بالطاعة ﴿ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً ﴾: حفيظا عن الشرك ﴿ أَمْ ﴾: بل أ ﴿ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ ﴾: الحق ﴿ أَوْ يَعْقِلُونَ ﴾: خصه لمكابرة بعضهم ﴿ إِنْ ﴾: ما ﴿ هُمْ إِلاَّ كَٱلأَنْعَامِ ﴾: في عدم التدبير ﴿ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ﴾: لأنها تنقاد بتعهدها ويتميز المحسن من المسئ وما لها إضلال ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ ﴾: صنع ﴿ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ ﴾: بسط ﴿ ٱلظِّلَّ ﴾: بين طلوع الفجر والشمس وهو أطيب الأحوال لاعتداله، فإن الظلمة الصرف تنفر، وشعاع الشمس يسخن ويحير البصر ﴿ وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ﴾: ثابتا، أي: بإبطال حركة الشمس ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَا ٱلشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً ﴾: إذ لا يحصل إلا بوقوع ضوئها على بعض الأجرام، والظل لا يسمى ظلا إذا لم يدرك أطرافه، بل ظلاما ﴿ ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا ﴾: أنزلناه بإيقاع الشمي موقعه ﴿ قَبْضاً يَسِيراً ﴾: قليلا قليلا، لبطئ حركة الظل قرب نص النهار، والظل مخصوص بالقبض كما أن الفئ مخصوص بالبسط، وأضاف إلى نفسه لأن غاية قصره بوصول الشمس إلى غاية جهَة منها: نزول الرحمة، وإليها ترفع أيدي السائلين وثم وثم لتفاضل الأمور ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِبَاساً ﴾: ساترا كاللباس ﴿ وَٱلنَّوْمَ سُبَاتاً ﴾: موتا أوراحة ﴿ وَجَعَلَ ٱلنَّهَارَ نُشُوراً ﴾: ذا نشور ينشر فيه الخلق ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ ٱلرِّيَاحَ بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ﴾: المطر، كما مرَّ في الأعْراف ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً طَهُوراً ﴾: هو اسم ما يتطهر به كالوضوء والوقود، أو صيغة مبالغة، ولما لم تكن الطهارة في نفسها قابلة للزيادة رجع المبالغة فيها إلى انضمام معنى التطهير إليها لا أن اللازم صار متعديا ومَنَّ به لأنه أغنى للشارب ﴿ لِّنُحْيِـيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً ﴾: تذكيره باعتبار الموضع ﴿ وَنُسْقِيَهُ ﴾: الماء ﴿ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً ﴾: خصها لأنها ذخيرتنا، ومدار معاش أكثر البدوِ المخاطبين ولذا قدمها على ﴿ وَأَنَاسِيَّ ﴾: جمع إنسان أو إنسي ﴿ كَثِيراً ﴾: وقدم الإثنين لأن حياة الإنس بحياتهما ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ ﴾: القرآن أو المطر ﴿ بَيْنَهُمْ ﴾: فإنه ما عام بأمطر من عام، ولكن الله يصرفه من بلدة العصاة إلى غيره ﴿ لِيَذَّكَّرُواْ ﴾: ليتعظوا ﴿ فَأَبَىٰ أَكْثَرُ ٱلنَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً ﴾: كفرا للنعم ﴿ وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً ﴾: ولكن قصر الأمر عليك تعظيما لك ﴿ فَلاَ تُطِعِ ٱلْكَافِرِينَ ﴾: في هواهم ﴿ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ ﴾: بالقرآن ﴿ جِهَاداً كَبيراً ﴾: فإن جهاد السفهاء بالحجة أكبر من الجهاد بالسيف ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي مَرَجَ ﴾: أي: خلا ﴿ ٱلْبَحْرَيْنِ ﴾: متلاصقين بلا مرج ﴿ هَـٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ ﴾: بليغ العذوبة ﴿ وَهَـٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ﴾: بليغ الملوحة كدجلة والنيل يشقان البحر فراسخ ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً ﴾: حاجزا من قدرته ﴿ وَحِجْراً مَّحْجُوراً ﴾: محدودا للتأكيد كموت مائت ﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَآءِ ﴾: النطفة ﴿ بَشَراً ﴾: من قدرته ﴿ فَجَعَلَهُ نَسَباً ﴾: ذا نسب إليه كبني فلان ﴿ وَصِهْراً ﴾: إناثا يُصاهرُ بهنَّ ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً ﴾: على ما يشاء ﴿ وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مَا لاَ يَنفَعُهُمْ ﴾: بعبادته ﴿ وَلاَ يَضُرُّهُمْ ﴾: بتركها ﴿ وَكَانَ ٱلْكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِ ظَهِيراً ﴾: للشيطان ومعينا له أو عنده مهينا ﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ مُبَشِّراً وَنَذِيراً * قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ ﴾: على التبليغ ﴿ مِنْ أَجْرٍ إِلاَّ ﴾: فعل ﴿ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ﴾: بالطاعة، جعله أجرا من حيث إنه مقصوده والظاهر: أن طاعتنا تنفعه - صلى الله عليه وسلم - والله تعالى أعلم أو بمعنى " لكن " ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلَى ٱلْحَيِّ ٱلَّذِي لاَ يَمُوتُ ﴾: في استكفاء شرهم ﴿ وَسَبِّحْ ﴾: نزهة عن النقائص ملتبسا ﴿ بِحَمْدِهِ وَكَفَىٰ بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً * ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ﴾: كما مر ﴿ ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾: خبر الذي ﴿ فَسْئَلْ بِهِ ﴾: كما دل من الخلق وغيره ﴿ خَبِيراً ﴾: وهو الله ﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱسْجُدُواْ لِلرَّحْمَـٰنِ قَالُواْ وَمَا ٱلرَّحْمَـٰنُ ﴾: لأنهم ما كانوا يطلقونه عليه تعالى ﴿ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا ﴾: ولا نعرفه ﴿ وَزَادَهُمْ ﴾: الأمر بالسجود ﴿ نُفُوراً * تَبَارَكَ ٱلَّذِي جَعَلَ فِي ٱلسَّمَآءِ بُرُوجاً ﴾: اتني عشر منازل السبعة السيارة ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً ﴾: الشمس وسرجا الكواكب الكبار ﴿ وَقَمَراً مُّنِيراً ﴾: بالليل
﴿ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ ﴾: ذوي خلقه إذا مذى أحدهما تبعه الآخر، أو خلف كما منهما الآخر ﴿ لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ ﴾: فمن فاته ورد أحدهما تداركه في الآخر، أو يتفكر فيه ﴿ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً ﴾: على نعمه ﴿ وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ﴾: مبتدأ خبره:﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ﴾[الفرقان: ٧٥] إلى آخره ﴿ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً ﴾: هينين تواضعا ﴿ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ ﴾: السفهاء بمكروه ﴿ قَالُواْ سَلاَماً ﴾: متاركة أي: تسلُّما منكم، والسنة أن تقول: سلام ولم يكرر الموصول لأنه تتمه التواضع ولا ينافيه آية القتال فتنسخه، خلافا لأبي العالية ﴿ وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ ﴾: بإحياء أكثر الليل ﴿ سُجَّداً وَقِيَاماً ﴾: مصلين وعبادة الليل أخفى وأخلص، والبيتوتة إدراك الليل نمت أولا ﴿ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾: هلاكا أو لازما ﴿ إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً ﴾: هي ﴿ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ ﴾: بتبذير ﴿ وَلَمْ يَقْتُرُواْ ﴾: بتضييق أ إمساك في الطاعة ﴿ وَكَانَ ﴾: إنفاقهم ﴿ بَيْنَ ذَلِكَ ﴾: بينهما ﴿ قَوَاماً ﴾: عدلا ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهًا آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِي حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾: قتلها ﴿ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ﴾: واحدا من ﴿ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً ﴾: جزاء إثم أو واديا في جهنم ﴿ يُضَاعَفْ ﴾: بالجزم بدل من يلق ورفعه ظاهر ﴿ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ ﴾: لضمه المعصية إلى الكفر ﴿ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ يُبَدِّلُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ﴾: بمحوها وإثباتها مكانها بحيث يرجو إن كان سيئاته أكثر ﴿ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ ﴾: يرجع ﴿ إِلَى ٱللَّهِ مَتاباً ﴾: مرجعا مرضيا ﴿ وَٱلَّذِينَ لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ ﴾: الشهادة الباطلة أو لا يحضرون مجلس الكذب ﴿ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ ﴾: القبيح من كل شيء ﴿ مَرُّوا كِراماً ﴾: من الكرام المعرضين ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ ﴾: القرآن ﴿ لَمْ يَخِرُّواْ ﴾: يقعواْ ﴿ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ﴾: بل خَرُّوا واعين متبصرين ﴿ وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ﴾: لنا كما مرَّ بأن نراهم في طاعتك ﴿ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾: في الخير وحده بإرادة الجنس أو للمصدرية أو جمع إمام ﴿ أُوْلَـٰئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ ﴾: الدَّرجة العالية بالجنة ﴿ بِمَا صَبَرُواْ ﴾: على الطلعة ﴿ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا ﴾: في الغرفة ﴿ تَحِيَّةً ﴾: من الملائكة ﴿ وَسَلاَماً ﴾: من الله ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً * قُلْ مَا يَعْبَأُ ﴾: يصنع أو لا يعتدُّ ﴿ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ ﴾: عبادتكم فإن شَرفكُم بها ﴿ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ ﴾: بما أخبرتهم حيث خالفتموه ﴿ فَسَوْفَ يَكُونُ ﴾: جَزاءُ التَّكذيبِ ﴿ لِزَاماً ﴾: لازما لكم، والله أعلم بالصّواب.
Icon