تفسير سورة الفرقان

الهداية الى بلوغ النهاية
تفسير سورة سورة الفرقان من كتاب الهداية الى بلوغ النهاية المعروف بـالهداية الى بلوغ النهاية .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفرقان
مكية١
وقال الضحاك٢ : هي مدنية-وفيها آيتان مكيتان أو ثلاثة٣.
قوله٤ :﴿ والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ﴾[ ٦٨ ]، الآيتان، وقيل إلى قوله :﴿ كراما ﴾[ ٧٢ ].
١ ز: تم الجزء بحمد الله وعونه، سورة الفرقان وهي مكية بسم الله الرحمن الرحيم..
٢ انظر: القرطبي ١٣/١..
٣ ز: ثلاث..
٤ "قوله" سقطت من ز..

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الفرقان
مكية
وقال الضحاك: هي مدنية - وفيها آيتان مكيتان أو ثلاثة.
قوله: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) [٦٨] الآيتان، وقيل إلى قوله (كِرَاماً) [٧٢].
قوله تعالى ذكره: ﴿تَبَارَكَ الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ﴾ [١]، إلى قوله (رَجُلًا مَسْحُورًا) [٨].
قال ابن عباس تبارك من البركة.
وقال الفراء هي في العربية وتقدس واحد وهما العظمة.
5171
وقال الزجاج: تبارك: تفاعل من البركة ومعنى البركة الكثرة من كل خيره.
وقيل: تبارك: تعالى عطاؤه، أي: زاد وكثر.
وقيل: معناه: دام وثبت إنعامه.
وقيل: معناه: دام بقاء ﴿الذي نَزَّلَ الفرقان على عَبْدِهِ﴾، وثبتت نعمه على عباده، وهو كله مشتق من برك الشيء: إذا ثبت ومنه برك الجمل.
وقال النحاس، تبارك: تفاعل من البركة. وهو حلول الخير، ومنه فلان: مبارك أي: ألخير يحل بحلوله، مشتق من البرك، والبركة وهما المصدر.
والفرقان: القرآن، سمي بذلك لأنه فرق بين الحق والباطل، والمؤمن والكافر.
وقوله ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾، أي: الذي أنزل عليه الفرقان ليكون لجميع الجن والإنس.
5172
﴿نَذِيراً﴾، أي: منذراً لهم عقاب الله والنذير: المخوف عقاب الله، والنذير هو محمد ﷺ.
وقيل: هو القرآن.
وقوله: ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ﴾ [فاطر: ٢٤] يدل على أنه: محمد ﷺ ومثله ﴿لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ [الأنعام: ١٩] وأنذركم بالوحي ونذير بمعنى: منذر ولكن تضمن بناء فعيل للتكثير.
قال: ﴿الذي لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض﴾، أي: سلطان ذلك كله وملكه. ﴿وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً﴾، هذا رد على من أضاف إليه الولد.
ثم قال: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ﴾، هذا رد وتكذيب لمن عبد مع الله غيره، ورد على قول العرب فب التلبية: (لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه
وما ملك).
ثم قال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، أي: اخترعه ﴿فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً﴾، أي: هيأه لما يصلح له، فلا خلل فيه ولا تفاوت.
وقيل: معناه: خلق الحيوان وقدَّر له ما يصلحه ويهيئه.
قال: ﴿واتخذوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾، أي: اتخذ مشركو قريش آلهة يعبدونها من دون الله يقرعهم بذلك، ويعجب أهل النهي من فعلهم وعبادتهم ما لايخلق شيئا وهو يُخلق، ولا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً أي: لا يملك الآلهة دفع ضر، ولا استجلاب نفع. ولا يملك إماتة حي، ولا إحياء ميت، ولا ينشره بعد مماته.
وتركوا عبادة من يملك الخير والنفع ويحيي ويميت، خلق كل شيء وهو
مالك كل شيء، ينشر الأموات إذا أراد، ويرزق الخلق بمشيئته.
قال: ﴿وَقَالَ الذين كفروا إِنْ هذا إِلاَّ إِفْكٌ افتراه﴾،: أي: قال هؤلاء المشركون: ما هذا الذي أتى به محمد إلا كذب وبهتان إخترعه واختلقه ﴿وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، يعنون أن اليهود هم يعلمون محمداً ﷺ. ما يأتي به من القرآن قاله مجاهد.
وعن ابن عباس: أنهم عنوا بقولهم ﴿قَوْمٌ آخَرُونَ﴾، يسارا أبا فُكيهة مولى الحضرمي وعداساً وجبراً.
ثم قال: ﴿فَقَدْ جَآءُوا ظُلْماً وَزُوراً﴾، أي: أتى هؤلاء القائلون: إن الذي أتى به محمد ﷺ إفك افتران بظلم، وهو وضع الشيء في غير موضعه، إذ وصفوا كلام الله بغير صفته. والزور أصله تحسين الباطل، والمعنى: فقد جاء هؤلاء القائلون: إن القرآن: إفك وزور بكذب مُحَسَّنٍ.
قال تعالى: ﴿وقالوا أَسَاطِيرُ الأولين﴾، أي: قال أيضاً هؤلاء المشركون: الذي جاء به / محمد ﷺ: وهو أساطير الأولين أي: أخبارهم، وما سطروا في كتبهم، ﴿اكتتبها﴾، محمد ﴿فَهِيَ تملى عَلَيْهِ﴾، أي تقرأ عليه ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾، أي: غدوة وعشياً.
ويروى أن هذه الآية نزلت في النضر بن الحرث بن كلدة.
قال ابن عباس، كان النضر من شياطين قريش، وكان يؤذي النبي ﷺ، وكان قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك فارس، وكان النبي ﷺ إذا جلس مجلساً
فذكر فيه بالله، وحذر قومه، ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقم الله، خلفه في مجلسه إذا قام، ثم يقول: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلموا فأنا أحدثكم أحسن من حديثه، ثم يحدثهم عن ملوك فارس، ويقول: ما محمد أحسن حديثا مني، فأنزل الله جل ذكره في النضر ثمان آيات كل ما ذكر فيها ﴿أَسَاطِيرُ الأولين﴾، ففيه نزل.
وقال ابن جريج ﴿أَسَاطِيرُ الأولين﴾، أشعارهم وكهانتهم.
وواحد الأساطير أسطورة مثل: أحدوثة وأحاديث.
وقيل واحدها: أسطار كأقوال وأقاويل. وأسطار جمع سطر، فهو جمع الجمع على هذا القول.
قال تعالى: ﴿قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر فِي السماوات والأرض﴾، أي: قل يا محمد
لهؤلاء المشركين أنزل القرآن الذي يعلم سراً من السماوات والارض، ولا يخفى عليه شيء.
قال ابن جريج: يعلم ما يسر أهل الأرض وأهل السماء.
﴿إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾، أي: لم يزل يصفح عن خلقه ويرحمهم.
قال: ﴿وَقَالُواْ مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق﴾.
أي: ما له يأكل ويمشي، أنكروا عليه ذلك، ثم قالوا: ﴿لولا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً﴾، أي: هلا نزل معه ملك من السماء فينذرنا معه ﴿أَوْ يلقى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾، أي: يطلع على كنز من كنوز الأرض ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾،. أي يحدث الله له جنة يأكل منها.
قال ابن عباس: اجتمع أشراف قريش بظهر الكعبة وعرضوا عليه أشياء يفعلها لهم من تسيير جبالهم، وإحياء آبائهم، والمجيء بالله والملائكة قبيلا، وما ذكر
5178
الله في بني إسرائيل. وقالوا له سل ربك يبعث معك ملكا نصدقك بما تقول، وسله يجعل لك قصورا، وجنانا وكنوزا من ذهب وفضة، تغنيك على ما نراك تبتغي، فإنك تقوم في الأسواق، وتلتمس المعاش، كما نلتمسه حتى يعرف فضلك ومنزلتك من ربك، إن كنت رسولا كما تزعم. فقال النبي ﷺ، ما أنا بفاعل ذلك، فحكى الله ذلك من قولهم له.
ثم قال تعالى ذكره ﴿وَقَالَ الظالمون إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُوراً﴾ أي: قال ذلك بعضهم لبعض.
وقيل، قالوه للمؤمنين، أي: تتبعون رجلا له سَحر، والسَّحْر: الرئة أي:
5179
وما تتبعون إلا رجلاً مخلوقاً مثلكم من بني آدم.
قوله تعالى ذكره: ﴿انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال﴾.
أي: انظر يا محمد كيف شبه لك هؤلاء المشركون الأشياء بقولهم: هو مسحور، فضلوا بذلك عن قصد السبيل ﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلاً﴾، أي: لا يجدون طريقاً إلى الحق الذي بعثتك به. قال ابن عباس.
وقال مجاهد: لا يجدون مخرجاً يخرجهم عن الأمثال التي ضربوا لك. ومعناه: إنهم ضربوا هذه الأمثال ليتوصلوا بها إلى تكذيب محمد ﷺ فضلوا بذلك عن سبيل الحق وعن بلوغ ما أرادوا.
قال ﴿تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك﴾، أي: خيراً ممّا قال المشركون لك هلا أوتيته. قاله مجاهد.
وقال ابن عباس: خيراً من ذلك، أي: من مشيك في الأسواق، والتماسك المعاش. ثم بين ما هو الذي يجعل له فقال: ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾، قال خيثمة: " قيل للنبي ﷺ: إن شئت أن يعطوك خيرا من الدنيا ومفاتيحها، ولم يعط ذلك من قبلك، ولا يعطه أحد بعدك، وليس ذلك يناقصك في الآخرة شيئا، وإن شئت جمعنا لك ذلك في الآخرة.
فقال: يجمع لي ذلك في الآخرة "، فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿تَبَارَكَ الذي إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ / خَيْراً مِّن ذلك﴾ الآية.
قال: مجاهد: قصوراً بيوتا مبنية مشيدة. وكانت قريش ترى البيت من حجارة قصراً كائناً ما كان.
قال تعالى: ﴿بَلْ كَذَّبُواْ بالساعة وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾، أي: ما فعل
5181
هؤلاء المشركون، ما فعلوا من تكذيب يا محمد إلا لأنهم كذبوا بالبعث، والنشر والقيامة.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بالساعة سَعِيراً﴾، أي: ناراً تسعر عليهم وتتقد. ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، أي: إذا رأت النار أشخاصهم من مكان بعيد. ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾، أي: غلياناً وفواراً.
يقال، فلان يتغيظ على فلان: إذا غضب عليه فغلى صدره من الغضب عليه. وزفيراً: أي: صوتها حين تزفر، والتقدير سمعوا صوت التغيظ من التلهب والتوقد.
وقيل: معناه: سمعوا لمن فيها من المعذبين تغيظاً وزفيراً.
وقال المسيب بن رافع: يكون الناس في صعيد واحد ينفذهم البصر ويسمعهم الداعي، فتخرج عنق من النار. فتقول: إني وكلت بثلاثة بمن دعا مع الله إلهاً آخر وبالعزيز الكريم، وبكل جبار عنيد. فتنطوي بهم فتدخلهم النار قبل
5182
الناس بنصف يوم. ثم ينطلق الفقراء إلى الجنة فتقول لهم خزنة الجنة: أنَّ لكم هذا قبل الحساب؟ فيقولون والله ما أعطيتمونا أموالاً وما كنا أمراء فتصدقهم الملائكة فتأذن، فيدخلون الجنة قبل الناس بنصف يوم ويبقى الحساب على الأغنياء والأمراء، فيقول الرب تبارك وتعالى: (إياكم أعطيت، وإياكم ابتليت) فيحاسبون.
وقوله: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ﴾، أتى على لفظ التأنيث، والسعير مذكر، فإنما ذلك: لأن التأنيث راجع إلى النار، لأن السعير هي النار وهذا كقول الشاعر:
إن تميما خلقت ملوما... فقال خلقت لأن تميما قبيلة، ثم رجع إلى لفظ تميم فقال: (مَلُومَاً) ثم رجع إلى الجماعة فقال:
قوما ترى واحدهم صهميما.... والصهميم: الجمل القوي الشديد النفس.
5183
قال ابن عباس: إن الرجل ليجر إلى النار فتنزوي، وينقبض بعضها إلى بعض، فيقول لها الرحمن مالك؟ قالت: إنه يستجيرك مني فيقول: أرسلوا عبدي. وإن الرجل ليجر إلى النار. فيقول: ما كان ظنك؟ فيقول: أن تسعني رحمتك. فيقول: أرسلوا عبدي، وإن الرجل ليجر إلى النار فتشهق إليه النار شهيق البغل إلى الشعير، وتزفر زفرة لا يبقى أحد إلا جأث.
وقيل: معنى ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾، إذا رآه خزانها من مكان بعيد ﴿سَمِعُواْ لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً﴾، حرصا على عذابهم رغضبا لله عليهم، فأخبر عن النار والسعير، والمراد خزان النار الموكلون بها، كما قال تعالى ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا﴾ [الحج: ٤٨]، يريد أهل القرية، وكما قال ﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ التي أَخْرَجَتْكَ﴾ [محمد: ١٣]، يريد أهل القرية بدلالة قوله بعد ذلك ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ فَلاَ نَاصِرَ لَهُمْ﴾ [محمد: ١٣] فرجع الخبر عن أهل القرية.
5184
قال تعالى: ﴿وَإَذَآ أُلْقُواْ مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُّقَرَّنِينَ﴾، أي: وإذا أُلقِيَ هؤلاء المكذبون بالله من النار مكاناً ضيقاً، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، وقرنوا مع الشياطين. ﴿دَعَوْاْ هُنَالِكَ ثُبُوراً﴾، أي: هلاكاً، قاله الضحاك.
وقال ابن عباس: ثبوراً: ويلا، وأصل الثبور في اللغة: الانصراف عن الشيء، يقال: ما تبرك عن هذا الأمر؟ أي: ما صرفك عنه. والمثبور المصروف عن الخير.
وروي عن النبي ﷺ: أنه قال: " والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط ".
وقال بعضهم، إنها لتضيق عليهم كما يضيق الرمح في الزج، قال ابن عمر وغيره.
وقيل الثبور هنا دعاء بالندم، على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا، كقول الرجل واندماه، وكقوله، واحسرتاه على ما / فرطت. وفي الحديث أن أنس بن مالك روى عن النبي ﷺ قال: " أول من يكسى حلة من جهنم إبليس فيضعها على جنبه ويسحبها، يقول: واثبورا، وتتبعه ذريته تقول، واثبوراه، فإذا وقفوا على النار دعوا بالثبور، فتقول لهم الملائكة خزان جهنم لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبوراً كثيراً " وفي هذا دليل على طول مُقامهم فيها ريأسهم من النجاة.
قال تعالى: ﴿قُلْ أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، أي قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بالساعة أذلك خير، " وذا " إشارة إلى ما تقدم، من ذكر النار والسعير،
5186
﴿أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، والخلد: الذي يدوم ولا ينقطع. ﴿التي وُعِدَ المتقون﴾ أي: وعدها الله من اتقاه فيها أمره ونهاه ﴿كَانَتْ لَهُمْ جَزَآءً﴾، أي: جزاء لأعمالهم في الدنيا ﴿وَمَصِيراً﴾، أي: يصيرون إليها في معادهم وإنما جاز التفضيل بين الجنة والنار بالخير، وقد علم أن النار لا خير فيها لأن الجنة والنار قد دخلا في باب المنازل في صنف واحد.
حكى سيبويه: عن العرب الشقاء أحب إليك أم السعادة؟ وقد علم أن الشقاء لا يحبه أحد وإنما جاء ذلك على التنبيه.
وقيل: إنما جاء ذلك في الآية لأن " خيراً " ليس هو أفعل، ولا تأويل فيه لإضمار من، وإنما هو كما يقال، عنده خير، وكما قال:
5187
فشركما لخيركما الفداء.
وقيل: المعنى: ﴿أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، على علمكم وما تعقلون. وقيل: إن قوله: ﴿أذلك خَيْرٌ﴾، مردود إلى قوله: ﴿أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ﴾ [الفرقان: ٧]، وما قالوا بعده.
وقيل: هو مردود إلى قوله ﴿إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾ [الفرقان: ١٠]، فذلك إشارة إلى هذا المذكور فقال: ﴿أذلك خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الخلد﴾، فهذا يدل على أن قوله: ﴿إِن شَآءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذلك جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار وَيَجْعَل لَّكَ قُصُوراً﴾ [الفرقان: ١٠] يعني به في الدنيا التي ينقطع نعيمها، ثم فاضل بين ذلك وبين ما في الآخرة التي لا ينقضي نعيمها.
قال تعالى: ﴿لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَآءُونَ﴾، أي: في الجنة ﴿خَالِدِينَ﴾ أي: مقيمين فيها أبداً.
﴿كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً﴾، أي: كان إعطاء الله المؤمنين: جنة الخلد في الآخرة وعداً وعدهم على طاعتهم غياه ومسألتهم إياه ذلك، وذلك أن المؤمنين
سألوا ربهم ذلك في الدنيا حين قالوا ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ﴾ [آل عمران: ١٩٤] فقال الله تعالى: ﴿كَانَ على رَبِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً﴾، قاله ابن عباس وابن زيد.
وقال محمد بن كعب، وعدا مسؤولا: أي: بمسألة من الملائكة للمؤمنين، وهو قول الملائكة ﴿رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ التي وَعَدْتَّهُمْ﴾ [غافر: ٨].
وقيل معناه: وعداً واجباً، والعرب تقول: لا أعطينك ألفاً وعداً. ﴿مَّسْئُولاً﴾، أي: واجباً أي: هو واجب لك فاسأله.
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾، أي: واذكر يا محمد يوم نحشر هؤلاء المكذبين بالساعة. ﴿وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾، من الملائكة والانس والجن.
قال مجاهد وابن جريج: يعني، عيسى، وعزيرا، والملائكة، فيقول: ﴿أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ﴾، أي: أزلتموهم عن طريق الهدى، ودعوتموهم إلى الغي. ﴿أَمْ هُمْ ضَلُّوا السبيل﴾، أي: أخطأوا سبيل الرشاد والحق.
وقيل: هي الأصنام والأوثان يحييها الله تعالى يوم القيامة فتجيبه بذلك.
قوله تعالى ذكره: ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾،
أي قال عيسى ﷺ وعزيراً، الملائكة تنزيهاً لك يا ربنا وبراءةً مما
5190
أضاف إليك هؤلاء المشركون.
﴿مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ بل أنت ولينا من دونهم. ﴿ولكن مَّتَّعْتَهُمْ﴾ بالمال في الدنيا والصحة ﴿حتى نَسُواْ الذكر﴾ أي: ذكرك. ﴿وَكَانُواْ قَوْماً بُوراً﴾ أي: هلكى.
قيل: إن أعمارهم طالت بعد موت الرسل فنسوا وهلكوا.
قال الحسن: البور الذي ليس فيه خير، وكذلك قال: ابن زيد، والعرب تقول لما فسد وهلك أو كسد: بائر ومنه بارت السوق / " ومن في ﴿مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ زائدة، زيدت للتوكيد بعد النفي، وأولياء في موضع نصب يتخذه، والمعنى: ما كان ينبغي لنا نتخذ من دونك أولياء، فكيف يتخذها أحد أولياء من دونك،
5191
وكيف نرضى بذلك، نحن لا نرضى بذلك لأنفسنا، فكيف نرضاه لغيرنا، ووقع هذا الجواب على المعنى لا على اللفظ، لأنه ليس بجواب لقوله ﴿أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاَءِ﴾ ولكن حمل الجواب على المعنى لأن من عبد شيء فقد تولاه، ومن تولى شيئا فالمتولي ولي للمتولي، فكلاهما ولي للآخر، فلذلك قالوا: ﴿مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ فجاء الجواب على المعنى هذا يسمى التدريج عند بعض أهل النظر، ومثله قوله: ﴿أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ [سبأ: ٤٠] فأتى الجواب على المعنى، فقالوا: ﴿سُبْحَانَكَ﴾ [سبأ: ٤١] فكأنه قال: أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون، اتخذوكم أولياء يعبدونكم فقالوا: ﴿أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ﴾ وكذلك قوله ﴿أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي﴾ معناه: أنتم اتخذتم عبادي أولياء فضلوا. فقالوا: ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾. وقرأ الحسن وأبو جعفر ﴿أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَآءَ﴾ بضم النون وفتح الخاء.
قال أبو عمرو: لو كانت نُتخذ لحُذفت " من " الثانية: فقلت أن نتخذ من
5192
دونك أولياء. وأجازه الفراء والكسائي: على بُعد وقُبح، وذلك لا يجوز عند البصريين لأن أولياء ليس بمفعول على هذه القراءة واحد في معنى الجمع وإنما تدخل " من " على الواحد الذي في معنى الجماعة، ألا ترى أنك تقول، ما رأيت رجلاً، فإن أردت النفي العام قلت: ما رأيت من رجل، وليس ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ في قراءة من ضم النون واحدا في معنى جماعة، ألا ترى أنك لو قلت: ما اتخذت أحداً وليّاً لي جاز أن تقول ما اتخذت من أحد وليا، لأن أحدا في معنى الجماعة، أحداً من ولي لم يجز إذ ليس ولي في معنى الجماعة، فكذلك القراءة بضم النون، تقبح مع ثبات " من " قبل أولياء فافهمه.
ويتمكن على هذه القراءة عند من جوزها أن يكون المحشورون المسؤولون هم: الأصنام والأوثان، يحييها الله فتقول ذلك. ثم قال
5193
تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ﴾ أي: فقد كذبكم أيها الكافرون، من زعمتم أنهم أضلوكم ودعوكم إلى عبادتهم. " بما تقولون "، أي: بقولكم فمعناه كذبوكم بكذبكم.
وقال ابن زيد معناه، فقد كذبكم أيها المؤمنون هؤلاء الكفار بما جاء به محمد ﷺ من عند الله أي: بما تقولون من الحق.
قال: أبو عبيد تقديره فقد كذبوكم فيما يقولون. هذا كله على قراءة من قرأ بالتاء، فأما من قرأ بالياء فمعناه: فقد كذبوكم بقولهم: ﴿سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَآ﴾ الآية، ﴿فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلاَ نَصْراً﴾.
قال: ابن جريج: معناه: صرف العذاب عنهم ولا ينتصرون.
5194
وقيل: المعنى: فما يستطيعون لك يا محمد صرفاً عن الحق ولا نصراً لأنفسهم مما هم فيه من البلاء.
وقيل: معناه: فريضة ولا نافلة.
قال ابن زيد: ينادي منادٍ يوم القيامة: مالكم لا تناصرون، أي: من عُبد من دون الله لم ينصر اليوم من عَبده.
ثم قال تعالى: ﴿وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَاباً كَبِيراً﴾ أي: من يشرك بالله فقد ظلم نفسه بذلك.
قال الحسن وابن جريج: الظلم هنا: الشرك
قال تعالى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ المرسلين إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطعام﴾، الآية: رد على المشركين الذين قالوا: ﴿مَالِ هذا الرسول يَأْكُلُ الطعام وَيَمْشِي فِي الأسواق﴾ أي: لقد علموا يا محمد أنه ما أرسل من قبلك من رسول إلا أنه ليأكل الطعام لأنه بشر من بني آدم، ويمشي في الأسواق فليس عليك في ذلك لا نقص ولا حجة.
5195
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾، أي: بلاءً واختباراً، اختبرنا بعضكم لبعض، فجعلنا هذا نبياً، وهذا ملكاً، وهذا فقيراً، وهذا غنياً.
قال الحسن: في معنى الآية، يقول هذا الأعمى: لو شاء الله لجعلني بصيراً مثل فلان، ويقول السقيم: لو شاء الله لجعلني صحيحاً مثل فلان.
وقال ابن جريج: يمسك عن هذا، ويوسع على هذا فيقول: لم / يعطين مثل ما أعطى فلاناً، ويُبتلى بالوجع كذلك فيقول: لم يجعلني ربي صحيحاً مثل فلان في أشباه ذلك من البلاء، ليعلم من يصبر ممن يجزع وقيل في معنى الآية، إن الشريف كان يريد أن يسلم فيمنعه من ذلك أن من هو دونه قد أسلم قبله فيقول: أعيّر بسبقه إياي. وإنه بعض الزمنى والفقراء كان يقول لم أكن غنياً صحيحاً فأسلم. ثم
5196
قال تعالى: ﴿ أَتَصْبِرُونَ﴾، أي: إن صبرتم فقد علمتم أجر الصابرين.
قال الضاحك: معناه أتصبرون على الحق.
وقيل: معناه: لنعلم أتصبرون، وبه يتم الجواب، لقوله ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً﴾.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيراً﴾، أي: إن ربكم لبصير بمن يصبر، ويجزع،
قوله تعالى ذكره: ﴿وَقَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الملائكة﴾،
أي وقال المشركون الذين لا يخافون العذاب، ولا يؤمنون ببعث ولا حساب لمحمد ﷺ: هلا أنزل علينا الملائكة فتخبرنا أنك رسول حقا
5197
﴿أَوْ نرى رَبَّنَا﴾، فيخبرنا بذلك. قاله ابن جريج وغيره.
غلطوا في صفات الله جل ثناؤه، ولم يعلموا أنه لا يُرى في الدنيا فسألوا ما لا يمكن كونه، كما غلط اليهود إذ قالوا ﴿أَرِنَا الله جَهْرَةً﴾ [النساء: ١٥٣] وهذا مثل قولهم في سورة " سبحان " ﴿أَوْ تَأْتِيَ بالله والملائكة قَبِيلاً﴾ [الإسراء: ٩٢] ثم قال جل ذكره: ﴿لَقَدِ استكبروا في أَنفُسِهِمْ﴾ أي: تعظموا إذ سألوا مثل هذا الأمر الجليل وقوله ﴿وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً﴾، أي: تقول الملائكة لهؤلاء المشركين: حراماً محراماً عليكم اليوم البشرى، قاله الضاحك وقتادة. وأصل الحجر المنع، ومنه حجر القاضي على فلان، ومنه حِجر الكعبة لأنه لا يدخل إليه في الطواف.
5198
وقال: ابن جريج: هو قول من المجرمين، وذلك أن العرب كانت إذا كرهت شيئا قالت: حجرا محجورا. فما رأى المجرمون ما يكرهون يوم القيامة. قالوا حجراً محجوراً. يقولون ذلك للملائكة على عاداتهم في الدنيا أي: لا تعرضوا لنا، وذلك لا ينفعهم. وكذا قال: مجاهد: هو من قول المجرمين يستعيذون من الملائكة.
قال أبو عبيدة: في معنى الآية: كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا لقي رجلا في الشهر الحرام وبينه وبينه تِرة أو طلب، قال: حجراً محجوراً: أي: حرام عليك دمي وأذاي، قال: فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا: حجراً محجوراً: أي: حرام دماؤنا يظنون أنهم في الدنيا، وأن ذلك ينفعهم. وعن ابن عمر أنه قال: إذا كان يوم القيامة تلقت الملائكة المؤمنين بالبشرى، فإذا رأى ذلك الكفار قالوا لهم بشرونا، فتقول لهم الملائكة: حجراً محجوراً أي: حراماً محرماً عليكم البشرى فيأسون من الخير.
5199
ثم قال تعالى: ﴿وَقَدِمْنَآ إلى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ﴾، الآية أي: وعمدنا وقصدنا إلى ما عمل هؤلاء المجرمون، وأتى لفظ / القدوم بمعنى القصد لأنه أبلغ في الخطاب، وذلك أنه يدل على أنه تعالى عاملهم معاملة القادم من سفر لأجل إمهاله لهم كالغائب، ففي لفظ " قدمنا " معنى التحذير من الاغترار بالإمهال.
وقيل: المراد بالقدوم الملائكة لما كان الله تعالى: هو يقدمهم إلى ذلك أخبر عن نفسه به.
وقوله: ﴿فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً﴾، أي: باطلاً لا ينتفعون به. لأنهم للشيطان عملوا، والهباء الذي يرى كهيئة الغبار إذا دخل ضوء الشمس من كوة يحسبه الناظر غباراً، وليس بشيء تقبض عليه الأيدي، ولا تمسه، ولا يرى ذلك في الظل. هذا قول علي بن أبي طالب رضي الله عنهـ، وابن عباس وعكرمة والحسن، ومجاهد.
وعن ابن عباس أيضاً أنه قال: هو ما تسفيه الرياح من التراب وتذروه من
حطام الشجر، وكذلك قال قتادة.
وعن ابن عباس: هو الماء المهراق، وهو جمع هبأة فالمعنى أن الله أحبط أعمالهم فلا نفع لهم فيها، كما لا نفع في هذا الغبار.
قال تعالى: ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾، وإنما أتى أفعل في هذا وقد علم أنه لا خير عند أصحاب النار، على معنى أنكم لما كنتم تعملون عمل أصحاب النار صرتم كأنكم تقولون: إن في ذلك خيراً، فخوطبوا على ظاهر أحوالهم، وما يؤول إليه أمرهم.
وقيل: المعنى: خير مستقراً مما أنتم فيه، وقال نفطويه في كتاب التوبة له:
5201
العرب تجعل هذا على وجهين أحدهما أن يكون في كلا الاسمين فضل والأول أفضل.
والوجه الثاني: أن يكون الكلام إثباتا للأول ونفياً للثاني.
كقوله تعالى ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾، فهذا فيه نفي الخير عن النار وأصحابها، هذا معنى كلامه.
ومذهب سيبويه: أنها لا تأتي إلا لتفضيل اثنين يكون أحدهما أزيد من الآخر، إما في فضل، وإما في شر لا بد عنده أن يكون في الذي معه " من " أو الذي يضاف إليه " أفعل " بعض ما في الأول.
تقول: زيد أفضل من عمرو، وعمرو أفضل القوم، فالثاني فيه بعض ما في الأول.
وقيل: خير ليست من أفعل، إنما هي خير التي في قولك: زيد فيه خير،
5202
فيكون التقدير ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً﴾، أي: لهم خير، فنصب " مستقر " على هذا، على الظرف، وعلى الأقوال الأُوَل على البيان. والمقيل المقام في وقت القائلة وهو النوم نصف النهار، والتقدير: وأحسن قراراً في أوقات القائلة في الدنيا، وليس في الجنة قائلة ولكن خوطبوا على ما يعقلون. فالمستقر لهم: تحت ظل العرش والمقيل لهم: في الجنة، ويراد بالمقيل المقام، إذ لا في الجنة يوم للقائلة.
وقد روي: أن أهل الجنة لا يمر بهم في الآخرة إلا قدر ميقات النهار، من أوله إلى وقت القائلة حتى يسكنوا في الجنة مساكنهم، فذلك معنى قوله تعالى ﴿وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾،.
قال ابن عباس: قالوا في الغرف في الجنة، وكان حسابهم أن عرضوا على
5203
ربهم عرضة واحدة وذلك الحساب اليسير، فهو قوله جل ذكره: ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً﴾ [الانشقاق: ٨].
وقال: الأعمش: عن ابراهيم في الآية: كانوا يرون أنه يفرغ من حساب الناس يوم القيامة إلى نصف النهار، فيقيل هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.
وقال ابن جريرج، لم ينتصف النهار حتى قضي بينهم، فقال أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار.
وروى ابن جبير عن ابن مسعود وابن عباس: أنه قال: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار ثم قرأ: ﴿أَصْحَابُ الجنة يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾.
وفي بعض الروايات عن النبي ﷺ أنه قال: " إن يوم القيامة يقصر على المؤمن
5204
يكون كما بين العصر إلى غروب الشمس وإنهم ليقيلون في رياض الجنة حتى يفرغ من الناس ".
قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام﴾، الآية أي: تشقق عن الغمام كما يقال: رميت / بالقوسى، وعن القوس، وعلى القوس بمعنى واحد.
قيل: ذلك غمام أبيض، مثل الغمام الذي ظل على بني إسرائيل.
وقال مجاهد هذا الغمام هو قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام﴾ [البقرة: ٢١٠].
وقال ابن جريج: الغمام الذي يأتي الله فيه هو غمام في الجنة. وقال ابن عباس: إن هذه السماء إذا انشقت نزل منها من الملائكة أكثر من الجن والإنس وهو يوم التلاق، يلتقي أهل السماوات وأهل الأرض، فيقول أهل الأرض: جاء
5205
ربنا فيقول لم يجيء، وهو آت، ثم تنشق السماء الثانية سماء سماء، وينزل من كل سماء من الملائكة على قدر ذلك من التضعيف إلى السماء السابعة، وينزل منها من الملائكة أكثر ممن نزل من السماوات ومن الجن والإنس. قال: فتنزل الملائكة الكروبيون ثم يأتي ربنا تعالى ذكره في حملة العرش الثمانية بين كعب كل ملكٍ وركبتِه مسيرة سبعين سنة. قال: وكل مَلكٍ منهم لم يتأمل وجه صاحبه قط. وكل ملَكٍ منهم واضع رأسه بين ثدييه، يقول: سبحان الملك القدوس.
وصف الله جل ذكره وثناؤه بالمجيء، والإتيان ليس على جهة الانتقال من مكان إلى مكان، إنما هو ثفة له تعالى، ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١].
وقد قيل: إن معناه: يأتي أمره، ويجيء أمره، والله أعلم بحقيقة ذلك فلا ينبغي لأَحدٍ أن يعتقد في صفات الله جل ذكره ما يعتقد في صفات المحدثين، وعليه أن يتذكر قوله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] ويسلم الأمر إليه، ولا يتعدى في صفات الله
5206
بالتشبيه، بما يعقله من صفات المخلوقين، فليس الخالق كالمخلوق سبحانه لا إله إلا هو.
قال: ﴿الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن﴾، أي: الملك الذي هو حق لا دَخَل فيه، للرحمن يوم القيامة، إذ الملك الزائِلُ كلا مُلكٍ. وأجاز الزجاج، " الحق " بالنصب على معنى أحق الحق وأعني الحق، ولم يقرأ به أحد.
قوله: ﴿وَكَانَ يَوْماً عَلَى الكافرين عَسِيراً﴾، أي: كان يوم تشقق فيه السماء بالغمام، وتنزل الملائكة على الكافرين، يوماً ضيقاً شديداً صعباً.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظالم على يَدَيْهِ﴾.
أي: واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه، المشرك بربه على يديه، تندما وأسفا على فرط في جنب الله يقول: يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلاً،
5207
أي: طريقاً إلى الجنة وإلى النجاة من عذاب الله. والظالم هنا: عقبة ابن أبي معيط و (فلاناً) كناية عن (أُبيّ بن خلف). قال ابن عباس: كان أُبيّ بن خلف يحضر عند النبي عليه السلام، فزجره عقبة بن أبي معيط، فالظالم: عقبة، وفلاناً: أبي بن خلف.
وقال: الشعبي: كان عقبة بن أبي معيط خليلا لأمية بن خلف. فأسلم عقبة، فقال أمية، وجهي من وجهك حرام إن تابعت محمداً فكفر، فهو الذي قال: ﴿ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ يعني أمية بن خلف.
وقال: مقسم: اجتمع عقبة بن أبي معيط، وأبي بن خلف وكانا خليلين، فقال أحدهما: بلغني أنك أتيت محمداً، فاستمعت منه، والله لا أرض عنك حتى تتفل
5208
في وجهه، وتكذبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبرا، وأما أُبيّ بن خلف فقتله النبي يوم أحد في القتال، وهما اللذان ذكرا في هذه الآية.
وقال مجاهد دعا عقبة بن أبي معيط مجلساً فيهم النبي ﷺ لطعام، فأبى النبي عليه السلام أن يأكل فقال: لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. فقالها، فلقيه أمية بن خلف، فقال: صبوت، فقال، إن أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاماً، فأبى أن يأكل حتى أقول ذلك فقتله، وليس من نفسي، فأما
5209
عقبة فكان في الأسرى يوم بدر، فأمر النبي ﷺ بقتله فقال: أقتل دونهم، فقال: نعم بكفرك وعتوك، فقال من للصّبية؟ فقال: النار، فقام علي / بن أبي طالب فقتله، وأما أبيّ بن خلف، فقتله النبي ﷺ بيده، وكان قد قال: والله لأقتلن محمداً، فبلغ ذلك النبي عليه السلام فقال: أنا أقتله إن شاء الله، فالعاض على يديه هو عقبة.
روي: أنه يعض على يديه يوم القيامة، أسفاً على ما فاته من الإسلام، وما فعل من الكفر، فيأكلها حتى يبلغ إلى المرافق ثم تنبت، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت، ندامة على ما فرط ويقول: ﴿ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾ يعني: أبي بن خلف الذي رده عن الإيمان.
5210
وقيل، عني بالظالم: كل ظالم ظلم نفسه بالكفر بالله، ولذلك قال ﴿ياويلتى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَناً خَلِيلاً﴾، فأتى بلفظ فلان الذي يصلح أيضا لكل إنسان، فالظالم اسم عام، وفلان اسم عام، فالندم والتحسر يكون من كل ظالم لنفسه بالكفر. ومعنى ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي﴾ لقد أضللت بقوله ومساعدته على الكفر واتباعي له.
وقال مجاهد: عني بفلان: الشيطان. وهو قول: أبي رجاء، فالظالم كل من كفر بالله، واتبع خطوات الشيطان فيندم على ذلك يوم القيامة، ويعض على
5211
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:قوله تعالى١ ذكره :﴿ ويوم يعض الظالم على يديه ﴾[ ٢٧ ]، إلى قوله :﴿ ورتلناه ترتيلا ﴾[ ٣٢ ].
أي : واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه٢، المشرك بربه على يديه، تندما وأسفا على ما فرط٣ في جنب الله يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا، أي : طريقا إلى الجنة وإلى النجاة٤ من عذاب الله. والظالم هنا٥ : عقبة ابن أبي معيط٦، وأبي بن خلف وكانا خليلين، فقال أحدهما : بلغني أنك أتيت محمدا، فاستمعت منه، والله لا أرض عنك حتى تتفل في وجهه، وتكذبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبرا٧، وأما أبي بن خلف فقتله النبي٨ يوم أحد٩ في القتال، وهما١٠ اللذان ذكرا في هذه الآية.
وقال مجاهد١١ دعا عقبة بن أبي معيط مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام١٢، فأبى النبي عليه١٣ السلام أن يأكل فقال١٤ : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقالها، فلقيه١٥ أمية بن خلف، فقال : صبوت، فقال، إن١٦ أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاما، فأبى أن يأكل حتى أقول١٧ ذلك فقلته، وليس من نفسي، فأما عقبة فكان في الأسرى١٨ يوم بدر١٩، فأمر النبي صلى٢٠ الله عليه وسلم بقتله فقال : أقتل دونهم، فقال : نعم بكفرك وعتوك، فقال من للصبية ؟ فقال : النار، فقام٢١ علي / بن أبي طالب فقتله، وأما أبي بن خلف، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم٢٢ بيده، وكان قد قال : والله لأقتلن محمدا، بلغ ذلك النبي عليه السلام٢٣ فقال : أنا أقتله إن شاء الله، فالعاض على يديه هو عقبة.
روي٢٤ : أنه يعض على يديه يوم القيامة، أسفا على ما فاته من الإسلام، وما فعل من الكفر، فيأكلها حتى يبلغ إلى مرافق ثم تنبت، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت، ندامة٢٥ على ما فرط ويقول٢٦ :﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ﴾[ ٢٨ ] يعني : أبي بن٢٧ خلف الذي رده عن الإيمان٢٨.
وقيل٢٩، عني٣٠ بالظالم٣١ : كل ظالم ظلم نفسه بالكفر بالله، ولذلك قال ﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا٣٢[ ٢٨ ]، فأتى بلفظ فلان الذي يصلح أيضا لكل إنسان، فالظالم٣٣ اسم عام، وفلان٣٤ اسم عام، فالندم والتحسر٣٥ يكون من كل ظالم لنفسه بالكفر. ومعنى ﴿ لقد أضلني٣٦ لقد أضللت٣٧ بقوله ومساعدته على الكفر واتباعي له.
وقال مجاهد : عني بفلان : الشيطان. وهو قول٣٨ : أبي رجاء٣٩، فالظالم٤٠ كل من كفر بالله، واتبع خطوات الشيطان فيندم٤١ على ذلك يوم القيامة، ويعض على يديه ويقول :﴿ لقد أضلني عن الذكر ﴾[ ٢٩ ] أي : أضلني الشيطان عن الإيمان بالقرآن بعد إذ٤٢ جاءني من عند الله، ودل على هذا التأويل قوله، بعقب٤٣ الآية.
﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾[ ٢٩ ]، أي : يسلمه٤٤ لما ينزله٤٥ به من البلاء ويخذله٤٦ فلا ينجيه منه٤٧.
وقالت٤٨ : الرافضة٤٩ لعنها الله : هما رجلان معروفان، وذكروا رجلين من أجلّ٥٠ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذبا منهم وبهتانا.
١ "تعالى ذكره" سقطت من ز..
٢ ز: لنفسه..
٣ ز: فرضت..
٤ ز: النجات..
٥ انظر: أبو السعود ٤/١٣٢..
٦ هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس: من مقدمي قريش في الجاهلية. كنيته: أبو الوليد، وكنية أبيه، أبو معيط كان شديدا الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر، وقتلوه ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام. وذلك سنة٢هـ انظر: نهاية الأرب ص٢٩٧، وابن الأثير ٢/٢٧، وأعلام ٥/٣٦..
٧ انظر: اللسان ٤/٤٣٨ مادة: صبر..
٨ بعده في ز "عليه السلام"..
٩ أحد: بضم أوله وثانيه معا، اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد، وهو جبل أحمر، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وعنده كانت الوقعة العظيمة التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه الشريف، وكان يوم بلاء، وتمحيض، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
١٠ ز: وهذان..
١١ انظر: ابن جرير ١٩/٢، وزاد المسير ٦/٨٥، والرازي٢٤/٧٥، والخازن ٥/٩٩، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وأبو السعود٤/١٣٢، وروح المعاني١٩/١١..
١٢ ز: بطعام..
١٣ "عليه السلام" سقطت من ز..
١٤ ز: وقال..
١٥ ز: فلقيت..
١٦ ز: إنني..
١٧ ز: أقل..
١٨ ز: الأسر..
١٩ غزوة بدر أول غزوة كبرى بين المسلمين والمشركين من أهل مكة، حدثت في السابع من رمضان في العام الثاني للهجرة، وبدر هذه بئر تقع في الجنوب الغربي للمدينة، وكانت محطا للقوافل..
٢٠ ز: عليه السلام..
٢١ ز: فقال..
٢٢ ز: عليه السلام..
٢٣ صلى الله عليه وسلم..
٢٤ ز: وروي..
٢٥ ز: ندامت..
٢٦ ز: ويقول..
٢٧ ز: أمية بن خلف..
٢٨ انظر: زاد المسير٦/٨٦، والبحر٦/٤٩٥، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وروح المعاني ١٩/١٢..
٢٩ انظر: التسهيل ٣/١٦٧، ومجمع البيان ١٩/١٠٢..
٣٠ ز: عن..
٣١ ز: "الظالم"..
٣٢ بعدها في ز: خليلا..
٣٣ ز: والظالم..
٣٤ "النوع" من و"فلان" سقطت من ز..
٣٥ ز: التخسير..
٣٦ بعده في ز: "عن الذكر" وبعده: "أي"..
٣٧ ز: ظللت..
٣٨ انظر: القرطبي١٣/٢٦..
٣٩ هو رجاء بن حيوة بن جرول الكندي، أبو المقدام: شيخ أهل الشام في عصره، من الوعاظ الفصحاء العلماء، كان ملازما لعمر بن عبد العزيز في عهد الإمارة والخلافة، واستكتبه سليمان بن عبد الملك وهو الذي أشار على سليمان باستخلاف عمر. انظر: تذكرة الحفاظ ١/١١١، وتهذيب التهذيب ٣/٢٦٥، وحلية الأولياء ٥/١٧٠، وابن خلكان١/٨٧ والأعلام٣/٤٣-٤٤..
٤٠ ز: والظالم..
٤١ ز: فندم..
٤٢ ز: إذا..
٤٣ ز: يعقب..
٤٤ ز: سلمه..
٤٥ ز: ينزل..
٤٦ ز: ويتخذ..
٤٧ "منه" سقطت من ز..
٤٨ انظر: الرازي ٢٤/٧٥-٧٦..
٤٩ انظر: الفر بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ص٢٢، ومقالات الإسلاميين ص١٠١..
٥٠ "أجل" سقطت من ز..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٧:قوله تعالى١ ذكره :﴿ ويوم يعض الظالم على يديه ﴾[ ٢٧ ]، إلى قوله :﴿ ورتلناه ترتيلا ﴾[ ٣٢ ].
أي : واذكر يا محمد يوم يعض الظالم نفسه٢، المشرك بربه على يديه، تندما وأسفا على ما فرط٣ في جنب الله يقول : يا ليتني اتخذت في الدنيا مع الرسول سبيلا، أي : طريقا إلى الجنة وإلى النجاة٤ من عذاب الله. والظالم هنا٥ : عقبة ابن أبي معيط٦، وأبي بن خلف وكانا خليلين، فقال أحدهما : بلغني أنك أتيت محمدا، فاستمعت منه، والله لا أرض عنك حتى تتفل في وجهه، وتكذبه، فلم يسلطه الله على ذلك، فقتل عقبة يوم بدر صبرا٧، وأما أبي بن خلف فقتله النبي٨ يوم أحد٩ في القتال، وهما١٠ اللذان ذكرا في هذه الآية.
وقال مجاهد١١ دعا عقبة بن أبي معيط مجلسا فيهم النبي صلى الله عليه وسلم لطعام١٢، فأبى النبي عليه١٣ السلام أن يأكل فقال١٤ : لا آكل حتى تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فقالها، فلقيه١٥ أمية بن خلف، فقال : صبوت، فقال، إن١٦ أخاك على ما تعلم، ولكني صنعت طعاما، فأبى أن يأكل حتى أقول١٧ ذلك فقلته، وليس من نفسي، فأما عقبة فكان في الأسرى١٨ يوم بدر١٩، فأمر النبي صلى٢٠ الله عليه وسلم بقتله فقال : أقتل دونهم، فقال : نعم بكفرك وعتوك، فقال من للصبية ؟ فقال : النار، فقام٢١ علي / بن أبي طالب فقتله، وأما أبي بن خلف، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم٢٢ بيده، وكان قد قال : والله لأقتلن محمدا، بلغ ذلك النبي عليه السلام٢٣ فقال : أنا أقتله إن شاء الله، فالعاض على يديه هو عقبة.
روي٢٤ : أنه يعض على يديه يوم القيامة، أسفا على ما فاته من الإسلام، وما فعل من الكفر، فيأكلها حتى يبلغ إلى مرافق ثم تنبت، فلا يزال هكذا كلما أكلها تنبت، ندامة٢٥ على ما فرط ويقول٢٦ :﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا ﴾[ ٢٨ ] يعني : أبي بن٢٧ خلف الذي رده عن الإيمان٢٨.
وقيل٢٩، عني٣٠ بالظالم٣١ : كل ظالم ظلم نفسه بالكفر بالله، ولذلك قال ﴿ يا ويلتي ليتني لم أتخذ فلانا خليلا٣٢[ ٢٨ ]، فأتى بلفظ فلان الذي يصلح أيضا لكل إنسان، فالظالم٣٣ اسم عام، وفلان٣٤ اسم عام، فالندم والتحسر٣٥ يكون من كل ظالم لنفسه بالكفر. ومعنى ﴿ لقد أضلني٣٦ لقد أضللت٣٧ بقوله ومساعدته على الكفر واتباعي له.
وقال مجاهد : عني بفلان : الشيطان. وهو قول٣٨ : أبي رجاء٣٩، فالظالم٤٠ كل من كفر بالله، واتبع خطوات الشيطان فيندم٤١ على ذلك يوم القيامة، ويعض على يديه ويقول :﴿ لقد أضلني عن الذكر ﴾[ ٢٩ ] أي : أضلني الشيطان عن الإيمان بالقرآن بعد إذ٤٢ جاءني من عند الله، ودل على هذا التأويل قوله، بعقب٤٣ الآية.
﴿ وكان الشيطان للإنسان خذولا ﴾[ ٢٩ ]، أي : يسلمه٤٤ لما ينزله٤٥ به من البلاء ويخذله٤٦ فلا ينجيه منه٤٧.
وقالت٤٨ : الرافضة٤٩ لعنها الله : هما رجلان معروفان، وذكروا رجلين من أجلّ٥٠ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كذبا منهم وبهتانا.
١ "تعالى ذكره" سقطت من ز..
٢ ز: لنفسه..
٣ ز: فرضت..
٤ ز: النجات..
٥ انظر: أبو السعود ٤/١٣٢..
٦ هو عقبة بن أبان بن ذكوان بن أمية بن عبد شمس: من مقدمي قريش في الجاهلية. كنيته: أبو الوليد، وكنية أبيه، أبو معيط كان شديدا الأذى للمسلمين عند ظهور الدعوة، فأسروه يوم بدر، وقتلوه ثم صلبوه، وهو أول مصلوب في الإسلام. وذلك سنة٢هـ انظر: نهاية الأرب ص٢٩٧، وابن الأثير ٢/٢٧، وأعلام ٥/٣٦..
٧ انظر: اللسان ٤/٤٣٨ مادة: صبر..
٨ بعده في ز "عليه السلام"..
٩ أحد: بضم أوله وثانيه معا، اسم الجبل الذي كانت عنده غزوة أحد، وهو جبل أحمر، وبينه وبين المدينة قرابة ميل في شماليها، وعنده كانت الوقعة العظيمة التي قتل فيها حمزة عم النبي صلى الله عليه وسلم، وسبعون من المسلمين، وكسرت رباعية النبي صلى الله عليه وسلم، وشج وجهه الشريف، وكان يوم بلاء، وتمحيض، وذلك لسنتين وتسعة أشهر وسبعة أيام من مهاجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
١٠ ز: وهذان..
١١ انظر: ابن جرير ١٩/٢، وزاد المسير ٦/٨٥، والرازي٢٤/٧٥، والخازن ٥/٩٩، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وأبو السعود٤/١٣٢، وروح المعاني١٩/١١..
١٢ ز: بطعام..
١٣ "عليه السلام" سقطت من ز..
١٤ ز: وقال..
١٥ ز: فلقيت..
١٦ ز: إنني..
١٧ ز: أقل..
١٨ ز: الأسر..
١٩ غزوة بدر أول غزوة كبرى بين المسلمين والمشركين من أهل مكة، حدثت في السابع من رمضان في العام الثاني للهجرة، وبدر هذه بئر تقع في الجنوب الغربي للمدينة، وكانت محطا للقوافل..
٢٠ ز: عليه السلام..
٢١ ز: فقال..
٢٢ ز: عليه السلام..
٢٣ صلى الله عليه وسلم..
٢٤ ز: وروي..
٢٥ ز: ندامت..
٢٦ ز: ويقول..
٢٧ ز: أمية بن خلف..
٢٨ انظر: زاد المسير٦/٨٦، والبحر٦/٤٩٥، والدر المنثور١٩/٢٥٢، وروح المعاني ١٩/١٢..
٢٩ انظر: التسهيل ٣/١٦٧، ومجمع البيان ١٩/١٠٢..
٣٠ ز: عن..
٣١ ز: "الظالم"..
٣٢ بعدها في ز: خليلا..
٣٣ ز: والظالم..
٣٤ "النوع" من و"فلان" سقطت من ز..
٣٥ ز: التخسير..
٣٦ بعده في ز: "عن الذكر" وبعده: "أي"..
٣٧ ز: ظللت..
٣٨ انظر: القرطبي١٣/٢٦..
٣٩ هو رجاء بن حيوة بن جرول الكندي، أبو المقدام: شيخ أهل الشام في عصره، من الوعاظ الفصحاء العلماء، كان ملازما لعمر بن عبد العزيز في عهد الإمارة والخلافة، واستكتبه سليمان بن عبد الملك وهو الذي أشار على سليمان باستخلاف عمر. انظر: تذكرة الحفاظ ١/١١١، وتهذيب التهذيب ٣/٢٦٥، وحلية الأولياء ٥/١٧٠، وابن خلكان١/٨٧ والأعلام٣/٤٣-٤٤..
٤٠ ز: والظالم..
٤١ ز: فندم..
٤٢ ز: إذا..
٤٣ ز: يعقب..
٤٤ ز: سلمه..
٤٥ ز: ينزل..
٤٦ ز: ويتخذ..
٤٧ "منه" سقطت من ز..
٤٨ انظر: الرازي ٢٤/٧٥-٧٦..
٤٩ انظر: الفر بين الفرق لعبد القاهر البغدادي ص٢٢، ومقالات الإسلاميين ص١٠١..
٥٠ "أجل" سقطت من ز..

يديه ويقول: ﴿لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذكر﴾ أي: أضلني الشيطان عن الإيمان بالقرآن بعد إذ جاءني من عند الله، ودل على هذا التأويل قوله، بعقب الآية.
﴿وَكَانَ الشيطان لِلإِنْسَانِ خَذُولاً﴾، أي: يسلمه لما ينزله به من البلاء ويخذله فلا ينجيه منه.
وقالت: الرافضة لعنها الله: هما رجلان معروفان، وذكروا رجلين من أجلّ أصحاب النبي ﷺ، كذباً منهم وبهتاناً.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الرسول يارب﴾، الآية: أي: يقول الرسول يوم يعض الظالم على يديه: يا رب إن قومي الذين بعثتني إليهم بالقرآن: اتخذوه مهجوراً.
قال مجاهد: يهجرون فيه بالقول فيقولون هو سحر.
وقال ابن زيد: مهجوراً: أي: لا يريدون أن يسمعوه، أي: هجروه، وأعرضوا عنه فلا يسمعونه.
قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً﴾ الآية، أي: وكما جعلنا لك يا محمد أعداء من مشركي قومك، كذلك جعلنا لكل نبي عدوا، فلم نخصصك بذلك من بينهم، فعلم النبي أنه جاعل له عدوا من المجرمين كما جعل لمن قبله.
قال ابن عباس، يراد به: أبو جهل.
ثم قال: ﴿وكفى بِرَبِّكَ هَادِياً﴾ فمن نصب هادياً على الحال أو على البيان، ومعناه، كفاك ربك هادياً يهديك إلى الحق، ويبصرك الرشد، ﴿وَنَصِيراً﴾، أي: وناصراً على إهدائك.
قال تعالى: ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ﴾ أي: قال
5213
مشركوا قريش: هلا نزل القرآن على محمد عليه السلام: جملة واحدة. كما نزلت التوراة والإنجيل.
قال الله تعالى وجل ذكره: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: فرقنا نزوله، لنثبت به فؤادك فلا بد من إضمار فعلٍ إذا وقفت على كذلك.
وقيل، الوقف على " واحدة "، ثم تبتدئ ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ﴾.
أي نزل متفرقاً لنثبت به فؤادك.
وقيل، إن " ذا " من كذلك: إشارة إلى التوراة. أي: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة مثل ذلك أي: مثل التوراة، فتقف على ﴿كَذَلِكَ﴾، وتبتدئ ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: فعلنا ذلك لنثبت، أي: ونزلناه متفرقا لنثبت، فتضمر ما يتعلق به اللام، ويكون الكاف في موضع نصب نعت لجملة. ومن ابتدأ بكذلك جعل الكاف في موضع نصب نعتا لمصدر محذوف أي: نزلناه تنزيلاً
5214
﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: فرقنا نزوله ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، لأنهم سألوا ما الصلاح في غيره، لأن القرآن، كان ينزل متفرقاً جواباً عما يسألون عنه، وكان ذلك من علامات النبوة، إذ لا يسألون عن شيء إلا أجيبوا عنه، وهذا لا يكون إلا من نبي.
فكان ذلك تثبيتا لفؤاده وأفئدتهم، وبين الله هذا المعنى بقوله: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾ [الفرقان: ٣٣]، فكان في نزوله متفرقاً الصلاح، والرشد، ولو نزل جملة لكان قد سبق الحوادث التي ينزل فيها القرآن، ولو نزل جملة واحدة بما فيه من الفرائض لثقل ذلك عليهم، فعلم الله جل ثناؤه ما فيه من الصلاح، فأنزله متفرقاً، ولو نزل جملة لزال معنى التثبيت، ولم يكن فيه ناسخ ولا منسوخ، إذ لا يجوز أن يأتي في مرة واحدة افعلوا كذا ولا تفعلوا.
5215
قال ابن عباس: / نزل متفرقاً على النبي ﷺ ليعلمه عن ظهر قلب.
وقيل معنى: ﴿لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ لتعيه. لأنه لم يكن ﷺ: يكتب، فلو نزل مرة واحدة، لصعب عليه حفظه مرة واحدة، ولشق ذلك عليه، فأنزله الله متفرقاً شيئاً بعد شيء، ليسهل عليه حفظه، وليعيه على وجهه.
و" ذا " من كذلك إشارة إلى التفريق، والمعنى أنزلناه متفرقاً ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، فالوقف على هذا على ﴿وَاحِدَةً﴾،. وقيل: ذا: إشارة إلى التوراة والإنجيل: قاله الفراء وغيره. فيكون الوقف " كذلك "، وفيه بعدٌ لأنه إشارة إلى ما لم يجر له ذكر، فأما القول الاول: فإن معنى التفريق قد تضمنه قولهم: ﴿لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القرآن جُمْلَةً وَاحِدَةً﴾، لأن معناه لم نزل متفرقا؟ فقال الله تعالى نزل: ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾، أي: نزل متفرقاً لنثبت به فؤادك يا محمد.
وقيل: إن " ذا " إشارة إلى التثبيت، أي: تثبيتا كذلك التثبيت.
5216
ثم قال: ﴿وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾، أي: أنزلناه آية وآيتين، وآيات جوابا لما يسألون عنه، وخبراً ليتعظوا به ووعظا، ليزدجروا به، وكان بين نزول أوله وآخره نحو من عشرين سنة.
قال ابن زيد ﴿وَرَتَّلْنَاهُ﴾، بيناه، وفسرناه.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلاَ يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْنَاكَ بالحق﴾.
أي: ليس يأتيك يا محمد هؤلاء المشركون بمثل يضربونه لك، ليحتجوا به عليك إلا جئناك من الحق أي: من القرآن بما يُبْطِلُ ما جاءوا به. ﴿وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً﴾، أي: أحسن تفصيلاً.
قال: ﴿الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ﴾، أي: الذين يساقون يوم القيامة على وجوههم إلى جهنم شر مستقراً في الدنيا والآخرة، من أهل الجنة في الجنة، وأضل منهم طريقاً في الدنيا.
قال مجاهد: الذي أمشاهم على أرجلهم، قادر أن يمشيهم على وجوههم إلى جهنم.
وروى أنس: " أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه [وسلم]،: كيف يا رسول الله: يحشر الكافر على وجهه فقال: الذي أمشاه على رجليه قادر على أن يمشيه على وجهه ".
قال أبو هريرة: يحشر الناس يوم القيامة على ثلاثة أصناف. صنف على الدواب، وصنف على أقدامهم، وصنف على وجوههم. فقيل له: كيف يمشون على وجوههم قال: إن الذي أمشاهم على أقدامه قادر أن يمشيهم على وجوههم.
وقيل: إن هذا تمثيل. كما تقول: ستمضي على وجهك أي: كارهاً.
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب﴾، الآية، اي: آتينا موسى التوراة. كما آتيناك يا محمد القرآن ﴿وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً﴾ أي: معيناً وظهيراً
5218
﴿فَقُلْنَا اذهبآ إِلَى القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ يعني فرعون وقومه ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً﴾ أي: أهلكناهم. وفي الكلام حذف والتقدير: فذهبا فكذبوهما، فدمرناهم، فدخول الفاء تدل على هذا الحذف.
وقال الفراء: المأمور بالذهاب في المعنى موسى وحده، بمنزلة قوله تعالى: ﴿فَنَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ [الكهف: ٦١] والناسي يوشع وحده. وبمنزلة ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا الُّلؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ﴾ [الرحمن: ٢٢] وإنما يخرجان من الملح. وهذا قول مردود لأنه قد كرر في كثير من الآيات إرسال هارون مع موسى إلى فرعون، فلا يحتاج فيه إلى هذا المجاز.
والوقف ﴿بِآيَاتِنَا﴾، وقرئت ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً﴾، على الخبر عن موسى وهارون. وقرئت ﴿فدمِّرانِهم﴾، على الأمر لموسى وهارون
5219
وتشديد النون، فلا يحتاج في هاتين القراءتين إلى إضمار ولا حذف، وهما قراءتان شاذتان، والوقف على هاتين القراءتين ﴿تَدْمِيراً﴾.
قال تعالى: ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل أَغْرَقْنَاهُمْ﴾، أي: واذكر قوم نوح.
وقيل: هو معطوف على المفعول في ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ﴾ [الفرقان: ٣٦].
وقيل: التقدير: وأغرقنا قوم نوح، لما كذبوا الرسل أغرقناهم وهذا حسن. والمعنى: وأغرقنا قوم نوح من قبل قوم فرعون لما كذبوا الرسل ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً﴾.
وقوله: ﴿لَّمَّا كَذَّبُواْ الرسل﴾، قيل: إنهم كذبوا رسلاً قبل نوح فلذلك جمع.
وقيل: إن من كذَّب نبياً، فقد كذب جميع الأنبياء. فجمع على المعنى.
5220
ثم قال ﴿وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ﴾، أي: لهم ولمن هو / مثلهم في الظلم والكفر ﴿عَذَاباً أَلِيماً﴾، في الآخرة سوى الذي حل بهم في الدنيا.
قال: ﴿وَعَاداً وَثَمُودَاْ وَأَصْحَابَ الرس﴾، كل هذا معطوف على قوم نوح أي: واذكر.
وقيل: ذلك معطوف على الضمير في ﴿جَعَلْنَاهُمْ﴾.
وقيل: التقدير: وأعتدنا للظالمين عذاباً أليماً، وعبنا عاداً وثموداً.
وقوله: ﴿وَكُلاًّ تَبَّرْنَا تَتْبِيراً﴾، أي: وتبرنا كلاً، أي: أهلكنا كلاً وقوله: ﴿وَكُلاًّ ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال﴾، أي: وذكرنا كلاً، ووعظنا كلاً ﴿ضَرَبْنَا لَهُ الأمثال﴾، فتضمر هذا ونحوه، لأن ضرب الأمثال وعظ وتذكير. وقيل: وعاداً وما بعده معطوف على المفعول في ﴿فَدَمَّرْنَاهُمْ﴾، أي: دمرنا عاداً وثموداً
5221
وأصحاب الرس.
قال ابن عباس: أصحاب الرس قرية من ثمود.
وقال قتادة الرس: قرية من اليمامة يقال لها الفلج.
وعن ابن عباس وعكرمة: الرس: بئر. وقاله مجاهد.
قال أبو عبيدة الرس: المعدن، وصاحب الرس: نبي يقال له: حنظلة بن صفوان: قتلوه وطرحوه في البئر.
والرس عند جماعة من أهل اللغة: الركية التي لم تصلو.
5222
وروى محمد بن كعب القرظي أن النبي ﷺ قال: " إن أول الناس يدخل الجنة يوم القيامة: العبد الأسود وذلك أن الله جل ذكره: بعث نبياً إلى أهل قريته، فلم يؤمن أحد من أهلها إلا ذلك الأسود، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي فحفروا له بئراً وألقوه فيها. ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم، قال: فكان ذلك العبد الأسود يذهب فيحتطب على ظهره، ثم يأتي بحطبه، فيبيعه فيشتري به طعاماً وشراباً، ثم يأتي به إلى تلك البئر فيرفع تلك الصخرة، ويعينه الله تعالى عليها، فيدلي طعامه وشرابه إليه، ثم يرجعها كما كانت، فكان ذلك ما شاء الله أن يكون ثم ذهب يوماً يحتطب كما كان يصنع فجمع حطبه، وحزم حزمته وفرغ منها، فلما أراد أن يحتملها، وجد سِنَةً فاضطجع فنام، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما ثم إنه
5223
هب فتمطى فتحول لشقه الآخر، فاضطجع، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى، ثم إنه هب فاحتمل حزمته، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار، فجاء إلى القرية فباع حزمتة، ثم اشترى طعاماً وشراباً كما كان يصنع، ثم ذهب إلى الحفرة فالتمسه فلم يجده وقد كان بدا لقومه فيه، فاستخرجوه، وآمنوا به وصدقوه، فكان النبي ﷺ يسألهم عن ذلك الأسود، ما فعل فيقولون ما ندري حتى قبض الله النبي، وأتى الأسود بعد ذلك، قال النبي ﷺ، إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة فهؤلاء لا ينبغي أن يكونوا أصحاب الرس لأنهم آمنوا "
، وقد حكى الله عن أصحاب الرس أنه دمرهم، إلآ أن يكونوا أحدثوا حدثاً بعد نبيهم.
وقوله: ﴿وَقُرُوناً بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيراً﴾، أي: ودمرنا قروناً بين أضعاف هذه الأمم التي ذكرنا.
5224
وقال: قتادة أصحاب الأيكة وأصحاب الرس أمتان أرسل إليهما جميعاً شعيب، فكفرتا فعذبتا بعذابين.
قال قتادة: القرن سبعون سنة.
وقيل: القرن أربعون سنة.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى القرية التي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السوء﴾.
أي ولقد أتى هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجوراً على القرية التي أمطرت
5225
مطر السوء وهي سدوم قرية قوم لوط و ﴿مَطَرَ السوء﴾، الحجارة التي أهلكهم الله بها.
وقال ابن عباس خمس قريات أهلك الله أربعا، وبقيت الخامسة واسمها سفن كان أهلها لا يعملون ذلك العمل، وكانت سدوم أعظمها وهي التي نزل لوط، ومنها بعث، وكان إبراهيم صلى الله عليه [وسلم]، ينادي نصيحة لهم يا سدوم يوم لكم من الله أنهاكم أن تتعرضوا للعقوبة من الله، وكان لوط ابن أخي إبراهيم.
ثم قال ﴿أَفَلَمْ يَكُونُواْ / يَرَوْنَهَا﴾، أي: أفلم يكن هؤلاء المشركون يرون تلك القرية وما نزل بها، فيحذروا أن ينزل بهم مثل ذلك.
5226
ثم قال ﴿بَلْ كَانُواْ لاَ يَرْجُونَ نُشُوراً﴾، أي: لم يكذبوا محمداً، لأنهم لم يكونوا يرون القرية وما حل بها، ولكنهم كذبوه من أجل أنهم قوم لا يخافون نشوراً بعد الموت، أي: لا يؤمنون بالآخرة.
وقيل: المعنى: بل كانوا لا يرجون ثواب الله عند النشور، فاجترأوا على المعاصي.
قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً﴾، أي: وإذا رآك يا محمد هؤلاء المشركون ما يتخذونك إلا هزؤاً، أي: سخرياً يسخرون منك يقولون: ﴿أهذا الذي بَعَثَ الله رَسُولاً﴾، من بين خلقه، احتقارا له. ﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا﴾، أي: قد كاد يضلنا ﴿عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلاَ أَن صَبْرَنَا عَلَيْهَا﴾، أي: على عبادتها.
قال الله جل ذكره: ﴿وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ العذاب مَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ أي: سيتبين لهم حين يعاينون عذاب الله، ويحل بهم، من السالك سبيل الردى والراكب طريق الهدى أنت أم هم.
قال تعالى: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتخذ إلهه هَوَاهُ﴾، أي: جعل إلهه ما يشتهي،
ويهوى من غير حجة ولا برهان على اتخاذه إياه إلهاً. كان الرجل من المشركين يعبد الحجر فإذا رأى أحسن منه رمى به، وأخذ الآخر فعبده. ثم قال: ﴿أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً﴾، يخاطب النبي ﷺ أي: أفأنت تجبره على ترك ذلك.
وقيل: معناه: أفأنت تكون عليه حفيظاً، في أفعاله مع عظيم جهله.
وقيل: معناه أفأنت يمكنك صرفه عن كفره، ولا يلزمك ذلك، إنما عليك البلاغ والبيان. أي: لست بمأخوذ بكفرهم، ادع إلى الله وبين ما أرسلت به فهذا ما يلزمك لا غير.
قال تعالى: ﴿أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ﴾، أي: يسمعون ما يتلى عليهم، فيعون أو يعقلون، ما يعاينون من حجج الله فيفهمون ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كالأنعام﴾، أي ما هم إلا كالأنعام التي لا تعقل ما يقال لها: ﴿بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾،
من البهائم لأن البهائم تهدتي لمراعيها، وتنقاد لأربابها، وهؤلاء الكفار، لا يطيعون ربهم ولا يشكرون نعمة من أنهم عليهم.
وقيل، لأن الأنعام تسيح وتجتنب مضارها.
وقيل: لما كانوا لا ينتفعون بما يسمعون، كا، وا كأنهم لم يسمعوا ولم يعقلوا.
قال: ﴿أَلَمْ تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظل﴾،. مد الظل هو ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس.
وقيل له ممدود، لأنه لا شمس معه، ولذلك قال في ظل الجنة: ﴿وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ﴾ [الواقعة: ٣٠] أي ليس معه شمس قاله ابن عباس، وابن جبير، وعكرمة
5229
والضحاك، وابن زيد.
ثم قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾، أي: دائما لا تذهبه الشمس ولا تنقصه. قاله ابن عباس، وقتادة، وابن زيد يعنون كظل الجنة الذي لا تذهبه شمس.
وقال مجاهد: لا تيصبه الشمس ولا يزول. وقال الحسن: لو شاء لتركه ظلاً كما هو.
وقيل: هو من غيبوبة الشمس إلى طلوعها. لأن الظل في هذه المدة يعم الأرض ومن عليها ﴿وَلَوْ شَآءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً﴾، أي: لأقامه أبداً بمنع طلوع الشمس بعد غيبوبتها، فلما طلعت الشمس دلت على زوال الظل، وبدا فيها
5230
النقصان، فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادته ونقصه. وكلما علت الشمس نقص الظل، وكلما دنت للغروب زاد الظل، فهو قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾، يعني في وقت علو الشمس في السماء ينقص الظل يسيراً بعد يسير، وكذلك زيادته بعد نصف النهار، يزيد يسيراً بعد يسير حتى يعدم الأرض كلها، فأما زوال الظل كله، فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت.
وقوله: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا الشمس عَلَيْهِ دَلِيلاً﴾، أي: ثم دللناكم بنسخ الشمس إياه عند طلوعهما / عليه، أنه خلق من خلق ربكم يوجده إذا شاء، ويغيبه إذا أراد، أي: ثم جعلنا الشمس على الظل دليلاً.
5231
وقيل: معنى ذلك: أنه لو لم يكن شمس تنسخه لم يعلم أنه شيء، إذ كانت الأشياء إنما تعرف بأضدادها، ولولا الشمس ما عرف الظل، ولولا النور ما عرفت الظلمة، ولولا الحق ما عرف الباطل في أشباه لذلك.
وقوله: جل ذكره: ﴿ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً﴾، أي: قبضنا ذلك الدليل من الشمس على الظل إلينا قبضاً خفياً سريعاً بالشمس الذي يأتي فتنسخه.
قال مجاهد ثم قبضناه: جري الشمس إياه.
وقيل: إن الهاء في ﴿قَبَضْنَاهُ﴾، عائدة على الظل، فمعنى الكلام ثم قبضنا الظل إلينا بعد غروب الشمس، وذلك أن الظل إذا غربت الشمس يعود فيقبضه الله بدخول الظلمة عليه قبضاً خفياً، ليس يذهبه مرة واحدة، بل يذهب قليلاً قليلاً.
5232
وقال ابن عباس ﴿يَسِيراً﴾، سريعاً. وأصل اليسير أنه فعيل من اليسر وهو السهل اللين.
وقال مجاهد: يسيراً: خفياً.
قال ابن جريج: مثل قول مجاهد وزاد: إنما بين الشمس والظل مثل الخيط.
وقال: ﴿دَلِيلاً﴾ والشمس مؤنثة لأنه ذهب إلى الضوء.
وقيل: ذكر لأن الشمس لا علامة فيها للتأنيث.
وذهب أبو عبيدة: أن العرب تقول: هي عديلي للتي تعادله، وهي وحي.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اليل لِبَاساً﴾.
أي: والذي مد الظل، ثم جعل الشمس عليه دليلاً، هو الذي جعل لكم الليل لباساً أي: ستراً وجُنة تسكنون فيه: فصار ستراً تستترون في ظلمته، كما
تستترون بالثياب التي تلبسونها.
وقوله: ﴿والنوم سُبَاتاً﴾، أي: راحة تستريح به أبدانكم، وتهدأ جوارحكم.
وقوله: ﴿وَجَعَلَ النهار نُشُوراً﴾، أي: يقظة وحياة من قولهم نشر الميت إذا حيي.
قال تعالى: ﴿وَهُوَ الذي أَرْسَلَ الرياح بُشْرَاً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ﴾، أي: أرسل الرياح الملقحة حياة أمام رحمته، وهي المطر، ثم قال: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً طَهُوراً﴾، الطهور فعول من أبنية المبالغة، والفرق بين طهور وطاهر: أن الطهور يكون طاهراً مطهراً لما فيه من المبالغة، لأن بناء فعول للمبالغة وضع، ولولا معنى المبالغة التي أحدثت بنيته، مما جاز أن يدل على أنه مطهر لغيره، لأن فعله: طَهَر أو طَهُر وكلاهما غير
متعد، فكذلك يحب أن يكون اسم الفاعل غير متعد، والطاهر لا يدل على أنه مطهر لغيره، إذ ليس فيه مبالغة في بنائه وإذ هو اسم فاعل من فعل غير متعد تقول: طهر الماء، وطهر فلا يتعدى إلى مطهر، فكذلك اسم الفاع لا يجوز أن يتعدى إلى مطهر إلا أن يحدث فيه بناء يدل على المبالغة فيحسن أن يدل على مطهريه فاعرفه.
قال: ﴿لِّنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾، إنما جاء ميتاً على التذكير لأن البلدة والبلد سواء.
وقيل: إنه رده على الموضع لأن البلدة موضع ومكان.
ثم قال تعالى: ﴿وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَآ أَنْعَاماً﴾، أي: نسقي هذا الماء الذي أنزلنا من السماء ﴿أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً﴾.
قال الأخفش: واحد الأناسي: إنسي، ككرسي، وكراسي. قاله المبرد،
وهو أحد قولي الفراء وله قول آخر. قال واحد الأناسي: إنسان كأن أصله أناسين، ثم أبدل من النون ياء، ثم أدغم الياء التي قبلها فيها.
قال تعالى ذكره ": ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُواْ﴾، أي: قسمنا هذا الماء بين الخلق ليذكروا نعم الله عليهم ويشكروا ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾، أي: فأبى أكثرهم إلا جحوداً لنعم الله تعالى عليهم.
وقال ابن عباس: ما عام أكثر من عام مطرا، ولكن الله يصرفه بين خلقه في الأرضين كيف يشاء. ثم قرأ الآية.
وقال ابن مسعود ليس عام أمطر من عام، ولكن الله يصرفه، ثم قرأ الآية.
وقوله: ﴿فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُوراً﴾، يقولون مطرنا بنوء كذا.
قال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيراً﴾، أي: لو شئنا لأرسلنا إلى أهل كل مصر نذيراً ينذرهم بأمر الله / فيخف عنك يا محمد كثير من عبء ما
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٥١:ثم قال تعالى١ :﴿ ولو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيرا ﴾[ ٥١ ]، أي : لو شئنا٢ لأرسلنا إلى أهل كل مصر نذيرا ينذرهم بأمر الله / فيخف عنك يا محمد كثير من٣ عبء ما حملناك، ولكن حملناك ثقل نذارة جميع القرى٤. لتستوجب بصبرك، ما أعد الله١ لك من الكرامة عنده، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من عبادة آلهتهم. ﴿ وجاهدهم به٢[ ٥٢ ]، أي : بالقرآن حتى ينقادوا. قاله ابن عباس٣.
وقيل " به " : الإسلام٤، قاله ابن زيد٥.
وقيل : معناه :﴿ وجاهدهم ﴾[ ٥٠ ]، بترك الطاعة لهم، لقوله :﴿ فلا تطع الكافرين ﴾[ ٥٢ ].
١ "تعالى" سقطت من ز..
٢ ز: شأنا..
٣ ز: كثيرا من تعب..
٤ ز: القرا..

حملناك، ولكن حملناك ثقل نذارة جميع القرى. لتستوجب بصبرك، ما أعد الله لك من الكرامة عنده، فلا تطع الكافرين فيما يدعونك إليه من عبادة آلهتهم. ﴿وَجَاهِدْهُمْ بِهِ﴾، أي: بالقرآن حتى ينقادوا. قاله ابن عباس.
وقيل " به ": الإسلام، قاله ابن زيد.
وقيل: معناه: ﴿وَجَاهِدْهُمْ﴾، بترك الطاعة لهم، لقوله: ﴿فَلاَ تُطِعِ الكافرين﴾.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الذي مَرَجَ البحرين هذا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾.
أي: والله الذي خلط البحرين الحلو والملح في رأي: العين، ومرج بمعنى خلط.
وقيل: معناه: خلى.
وقيل: معناه أدام ماء البحرين جعل إدامته الماء فيهما مرجاً وحبساً للماء، ﴿وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً﴾، قال مجاهد: محبساً.
وقال ابن زيد: ستراً.
﴿وَحِجْراً مَّحْجُوراً﴾ أي: منعاً لئلا يفسد العذب المالح، فبينهما حاجز من قدرة الله تعالى وجلّ ثناؤه.
قال ﴿وَهُوَ الذي خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً﴾، أي: النطفة: خلق منها الإنسان ﴿فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً﴾.
قال ابن عباس: النسب سبع وهي في قوله تعالى ذكره:
﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم﴾، إلى ﴿وَبَنَاتُ الأخت﴾ [النساء: ٢٣] والصهر سبع وهي في قوله: ﴿وأمهاتكم الاتي أَرْضَعْنَكُمْ﴾ [النساء: ٢٣] إلى آخر ذكر الصهر.
5238
وقال الضحاك: النسب: الأقرباء، والصهر ذوات الرضاع.
وقيل: النسب الذكور من الأولاد، والصهر: الإناث من الأولاد لأن المصاهرة من جهتهن تكون.
وقال الأصمعي: الختّن كل شيء من قبل المرأة مثل ابن المرأة وأخيها، والأصهار يجمع هذا كله يقال: صاهر فلان إليهم وأصهر.
وقال ابن الأعرابي: الأَختَان: أبو المرأة وأخوها وعمها، والصهر: زوج
5239
ابنة الرجل، وقرابته، وأصهاره: كل ذي محرم من زوجته.
وقيل: عني بقوله: ﴿خَلَقَ مِنَ المآء بَشَراً﴾، آدم خلقه من الأرض التي أصلها مخلوقة من ماء. وقد أخبرنا الله جلّ ذكره أنه خلق جميع الحيوان من ماء: فقال: ﴿خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ مِّن مَّآءٍ﴾ وقال: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ [الأنبياء: ٣٠].
قال: ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُهُمْ وَلاَ يَضُرُّهُمْ﴾، أي: يعبد هؤلاء المشركون من دون الله ما لا يحب لهم نفعاً، ولا يدفع عنهم ضرراً.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ الكافر على رَبِّهِ ظَهِيراً﴾، أي: معيناً للشيطان على ربه
5240
مظاهراً له على معصيته.
قال ابن جريج: هو أبو جهل ظاهر الشيطان على ربه. وقاله ابن عباس.
وقال عكرمة: الكافر: إبليس وعن ابن عباس أن الكافر يستظهر بعبادة الأوثان على أوليائه. وعنه أنه قال: هو أبو جهل، كان عوناً لمن عادى الله ورسوله.
وقيل معناه: إن الكافر يستظهر بعبادته الأوثان، وبمن يعبدها معه من الكفار على الله تعالى لأنهم يطمعون أن يغلبوا رسول الله صلى الله عليه [وسلم]، والكافر اسم لجنس جميع الكفار.
وقيل: معناه: وكان الكافر على ربه هيّنا، من قولهم ظهرت به، فلم ألتفت
5241
إليه، إذا جعلته خلف ظهرك فلم تلتفت إليه. فكأن الظهير أصله مفعول، ثم صرف إلى فعيل وهو قول أبي عبيدة.
أي: لم نرسلك يا محمد إلا لتبشر أهل الطاعة بالجنة، وتنذر أهل المعصية بالنار.
قال ﴿قُلْ مَآ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾، أي: ما أطلبكم على إنذاري لكم بأجر، فتقولون: إنما تطلب أموالنا فيما تدعونا إليه فلا نتبعك.
وقوله: ﴿إِلاَّ مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إلى رَبِّهِ سَبِيلاً﴾، هو استثناء منقطع أي: من شاء منكم أن يتخذ إلى ربه طريقاً بإنفاقه من ماله في سبيل ربي، فتعطوني من أموالكم وما ينفقه في ذلك، فتتخذوا بذلك طريقاً إلى رحمة ربكم، وقيل ثوابه.
قال تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الحي الذي لاَ يَمُوتُ﴾، أي: توكل يا محمد على
الحي الذي له الحياة الدائمة... ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ﴾، أي: واعبده شكراً منك له على نعمه / ﴿وكفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً﴾، أي: لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، و ﴿خَبِيراً﴾ أبلغ من خابر.
قال تعالى: ﴿الذي خَلَقَ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾، أي: اخترع ذلك في ستة أيام، وقال: ﴿وَمَا بَيْنَهُمَا﴾، فأتى بلفظ التثنية وقد تقدم ذكر جمع، لأنه أراد النوعين، والستة الأيام أولها يوم الأحد، وآخرها الجمعة. ﴿ثُمَّ استوى عَلَى العرش﴾، وذلك يوم السبت فيما قيل، ولا يجوز أن يتوهم أحد في ذلك: جلوساً ولا حركة ولا نقلة، ولكنه استوى [على]، العرش كما شاء، لا يمثل ذلك، جلوساً ولا يظن له انتقال من مكان إلى مكان، لأن ذلك لمن صفة المحدثات. وقد قال تعالى ذكره: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى: ١١] فلا يحل لأحد أن يمثل صفات ربه - الذي ليس كمثله شيء - بصفات المخلوقين الذين لهم أمثال وأشباه - فكما أنه تعالى لا يشبهه شيء، كذلك صفاته ليست كصفات المخلوقين. فالاستواء معلوم، والكيف لا نعلمه، فعلينا التسليم لذلك.
5243
وقد قيل: استوى: استولى، والمعنى: ثم استولى بمقدرته على العرش، فرفعه فوق السماوات والأرض المخلوقة هي وما بينهما في ستة أيام، والعرش مخلوق بعد السماوات والأرض. ثم استولى بقدرته عليه، على عظمه، فرفعه فوق السماوات والأرض. والله أعلم بمراده في ذلك، فهذا موضع مشكل وإنما ذكرنا قول من تقدمنا لم نأت بشيء من عندنا في هذا وشبهه.
ثم قال: ﴿الرحمن فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، الرحمن مرفوع على البدل من المضمر في استوى أو على: هو الرحمن، أو على الابتداء والخبر: ﴿فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، ويجوز الخفض على النعت للحي، ويجوز النصب على المدح، ومعناه: فاسأل عنه خبيراً. الباء بمعنى: عن.
كما قال جلّ ذكره: ﴿سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ﴾ [المعارج: ١]، أي: عن عذاب، ومعناه
5244
عند الأخفش: فاسأل عن الرحمن أهل العلم يخبروك، فخبير مفعول للسؤال.
وقال علي بن سليمان: الباء على بابها. والتقدير: فاسأل بسؤالك الذي تريد أن تسأل عنه: خبيراً، فخبير مفعول به مثل الأول.
وقيل: خبيراً: حال من الهاء في به: والتقدير: إذا أخبرتك شيئاً يا محمد فاعلم أنه كما أخبرتك أنا الخبير: وهو قول ابن جريج.
قال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسجدوا للرحمن﴾، أي: إذا قيل للكفار اسجدوا للرحمن خالصاً قالوا: ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾، وزادهم هذا القول نفوراً من الإيمان، وعن إخلاص السجود لله. ومعنى نفوراً فراراً. وقيل: إنما عتوا هنا بالرحمن: رحمان أليمامة: مسليمة الكذاب لأنه يسمى الرحمن. وقد كانوا مقرين بالرحمن الذي خلقهم. قال الله تعالى عنهم: ﴿لَوْ شَآءَ الرحمن مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠]، وعلى هذا القول يحسن
القراءة بالياء والتقدير: أنسجد لما يأمرنا رحمان اليمامة، ومن قرأه بالتاء: جعله خطاباً للنبي ﷺ.
وقيل: إن قراءة الياء على معنى: قول بعضهم لبعض: ﴿أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا﴾ محمد صلى الله عليه [وسلم].
قال تعالى ذكره: ﴿تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً﴾، أي: قصوراً. كما قال ﴿وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨].
وقيل: البروج: منازل الشمس والقمر؛ قاله مجاهد وقتادة، والنجوم كلها هي في البروج.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً﴾، يعني الشمس ﴿وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ أي:
مضيئاً. ومن قرأ " سُرُجاً " بالجمع جعل البروج: القصور، ، والسروج: النجوم. ومن قرأ سراجاً بالتوحيد جعل البروج المنازل والسراج: الشمس، والضمير في " فيها " على القراءة، من قرأ: " سرجاً " بالجمع يعود على البروج التي هي القصور، ومن قرأ " سرجاً " بالتوحيد كان الضمير يعود على السماء، وإن شئت على البروج.
ويكون السراج يؤدي على الجمع كما قال: ﴿يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [غافر: ٦٧] / أي جعل فيها مضيئة.
وقرأ الأعمش و " قُمرا " بضم القاف وإسكان الميم، جعله جمعاً وهي قراءة شاذة.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً﴾. إلى قوله
5247
(وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [٦٧].
أي: جعل كل واحد من الليل والنهار خلقاً من الآخر ما فات في أحدهما من عمل الله أدرك قضاؤه في الآخر. قاله عمر رضي الله عنهـ، وابن عباس والحسن قال مجاهد: معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفاً لصاحبه جعل هذا أسود وهذا أبيض.
وعن مجاهد أيضاً: أن المعنى: أنه جعل كل واحد منهما يخلف صاحبه، إذا ذهب هذا جاء هذا، وكذلك قال ابن زيد، وخلفة: مصدر ولذلك وحد.
5248
قال ابن زيد: لو كان الدهر كله ليلاً لم يدر أحد كيف يصوم، ولو كان نهاراً لم يدر أحد كيف يصلي.
وقيل: المعنى: جعل الليل يخلف النهار، والنهار يخلف الليل، لمن أراد أن يتذكر نعم الله عليه في ذلك. ويشكره على ما فعل بمعاقبة الليل والنهار، إذ لو كان الدهر كله ليلاً لبطلت المعائش والتصرف فيها، ولم يتم زرع ولا ثمر. ولو كان الدهر كله نهاراً لبطلت الأجساد عند عدم الراحة، ولبطلت الزراع والثمار: لدوام الشمس عليها، فجعل كل واحد يخلف الآخر لمن أراد أن يتذكر نعمة الله في ذلك على خلقه، وحسن تدبيره لهم في منامهم.
5249
قال تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾، عباد رفع بالابتداء، والخبر محذوف عند الأخفش.
وقال الزجاج وغيره: الخبر ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة﴾ [الفرقان: ٥٧].
وقيل: الخبر ﴿الذين يَمْشُونَ﴾، ﴿سَلاَماً﴾، منصوب على المصدر، وإن شئت " تعالوا ".
وقوله: ﴿قَالُواْ سَلاَماً﴾، منسوخ بالأمر بالقتال: إنما كان هذا قبل أن يؤمروا بالقتال ولم يتكلم سيبويه في شيء من الناسخ والمنسوخ إلا في هذه الآية، وهو من التسليم، لا من التسليم تقول: " سلاماً منك " أي: تسلماً منك.
قال سيبويه في الآية: ولم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلموا على المشركين،
5250
ولكنه على قولك لا خير بيننا ولا شر، وقد ردت على سيبويه هذه العبارة. إنما كان حسبه أن يقول: ولم يؤمر المسلمون يومئذ أن يحاربوا المشركين. ومعنى قول سيبويه على الصحة، ولم يؤمر المسلمون يومئذ لأن يُسَلّموا على المشركين، ولكن أمروا أن يَسْلَموا منهم ويتبرءوا ثم نسخ ذلك بالأمر بالحرب. ومعنى الآية: وعباد الرحمن الذين يرضاهم لنفسه عباداً: هم الذين يمشون على الأرض في سكون، وتواضع، وخشوع، واستكانة. وهذا هو ضد مشي المختال الفخور المرح الذي هو مذموم الحال.
ومعنى ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾، أي: إذا خاطبهم أهل الجهل من العصاة والكفار بالقبيح صانوا أنفسهم عن مساواتهم في القبيح، قالوا قولاً حسناً يسلمون به من مساواتهم في القبيح.
5251
وهم الذين يبيتون لربهم: يصلون ويقولون كذا وكذا، ما حكى الله عنهم.
قال أبو هريرة: هم الذين لا يتجبرون ولا يتكبرون.
وقيل معنى: ﴿يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً﴾، أي بالسكينة والوقار، وغير مستكبرين، ولا متجبرين، ولا ساعين بفساد.
قال ابن عباس: يمشون بالطاعة والعفاف والتواضع.
وقال مجاهد: يمشون بالسكينة والقوقار والحلم.
وقال زيد بن أسلم: التمست تفسير هذه الآية فلم أجدها عند أحد، فأتيت في النوم فقيل لي: هم الذين لا يريدون يفسدون في الأرض.
وقال ابن زيد هم الذين لا يتكبرون في الأرض، ولا يتجبرون ولا يفسدون،
5252
وهو قوله تعالى: ﴿تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرض وَلاَ فَسَاداً﴾ [القصص: ٨٣].
وقال الحسن يمشون حلماء علماء، لا يجهلون، وإن جهل عليهم لم يجهلوا.
﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾، إذا خاطبهم الجاهلون بالله بما / يكرهون من القول أجابوهم بالمعروف والسداد من الخطاب، فقالوا: تسلماً منكم وبراءة بيننا وبينكم.
قال الحسن: إن المؤمنين قوم ذلل، ذلت والله منهم الأسماع، والأبصار، والجوارح، حتى يحسبهم الجاهل مرضى، وما بالقوم من مرض وإنهم لأصحاب القلوب، ولكن دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدنيا علمهم بالآخرة، فلما وصلوا إلى بغيتهم قالوا: ﴿الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ [فاطر: ٣٤] والله ما حزنهم حزن الدنيا، ولا تعاظم في أنفسهم بما طلبوا به الجنة: أبكاهم الخوف من النار، وإنه
5253
من لا يتعزى بعزاء الله تقطع نفسه على الدنيا حسرات ومن لم ير لله عليه نعمة إلا في مطعم أو مشرب فقد قل عمله وحضر عذابه.
أي يبيتون يصلون.
قال فضيل: هم قوم إذا جنّهم الليل قاموا على أطرافهم تسيل دموعهم على خدودهم.
قال: ﴿عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾، أي: يدعون الله أن يصرف عنهم عذابه حذاراً منه. ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾، أي: دائماً لا ينقطع.
قال محمد بن كعب القرطبي: إن الله جلّ ثناؤه سأل الكفار ثمن نعمه فلم يؤدوها فأغرمهم فأدخلهم النار.
وقال الحسن: قد علموا أن كل غريم يفارق غريمه إلا غريم جهنم. فيكون
المعنى على هذين القولين، إن عذابهما لازم لمن حل به، لا يفارقه أبداً، ولم ينصرف جهنم للعجمة والتعريف، وإن شئت للتأنيث والتعريف.
أي: ساءت من المستقرات مستقراً.
قال تعالى: ﴿والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾، أي: لم يزيدوا في النفقة، ويبذروا ولم يضيقوا.
حكى الأصمعي: قَتَر يَقْتُر ويقتر وقَتّر يُقَتّر، وأقتر يُقتر: إذا ضيق وقد أنكر أبو حاتم على من جعله من أقتر. وقال: إنما يقال: أقتر إذا افتقر. كما قال:
﴿وَعَلَى المقتر قَدَرُهُ﴾ وقد غاب عنه وجه ما حكى الأصمعي وغيره.
ثم قال: ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾، أي: وكان الإنفاق قواماً بين الإسراف والإقتار أي: عدلاً.
5255
وقد أجاز الفراء: أن يجعل بين ﴿ذَلِكَ﴾ اسمَ كان وهو مفتوح، وجاز فتحه في موضع الرفع لأنه أكثر ما يأتي منصوباً، فترك على أكثر أحواله في حال الرفع، ومنه قوله: ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ [الجن: ١١]، دون في موضع الرفع لأنه أكثر ما يأتي منصوباً فترك على أكثر أحواله.
قال ابن عباس: الإسراف: النفقة في معصية الله، والإقتار منع حقوق الله. وقاله مجاهد وابن جريج.
وقال إبراهيم: لا يجيع عياله بالتقتير ولا يغرنهم، ولا يوسع حتى يقول الناس: قد أسرف.
وقال يزيد بن أبي حبيب: كانوا يريدون من الثياب ما يستر عورتهم،
5256
ويكتنّون به من الحر والبرد، ويريدون من الطعام ما يسد عنهم الجوع، ويقويهم على عبادة ربهم، لا يلبسون للجمال، ولا يأكلون للذة.
وقال عون بن عبد الله الإسراف أن تأكل مال غيرك بغير حق. وقيل: الإقتار: التقصير عما يجب عليك ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾، النفقة بالعدل.
وقال مجاهد: لو أنفق رجل ماله كله في حلال، أو طاعة الله لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً في حرام لكان مسرفاً.
قال سفيان الثوري: لم يضعوه في غير حقه، ولم يقصروا به عن حقه، وكل نفقة في معصية الله فهي سرف، وإن قلت، وكل نفقة في غير معصية الله فليست بسرف، وإن كثرت.
قوله تعالى: ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾.
أي: والذين يخلصون لله العبادة، والدعاء، ولا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها
5257
إلا بالحق، وهو كفر بعد إسلام، أو زنى بعد إحصان، أو قتل نفس فيقتل بها، ولا يزنون فيأتون ما حرم الله.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً﴾، أي: من يفعل / العبادة لغير الله أو يقتل نفساً بغير حق، أو يزني يلق عذاب الآثام أي: عقابها، وعقابها: مضاعفة العذاب، والتخليد في النار مهاناً. قال مجاهد وعكرمة: الآثام: واد في جهنم. وسيبويه وغيره من النحويين: يقدرونه بمعنى يلق جزاء الآثام.
قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾، الآية وروي: أن هذه الآية نزلت في قوم من المشركين، أرادوا الدخول في الإسلام، وقد عملوا في الكفر أشياء من هذه الذنوب فخافوا ألا ينفعهم مع ما سلف من ذنوبهم. فنزلت هذه
5258
الآية، ونزل: ﴿قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ﴾ [الزمر: ٥٣] الآية، ونزلت: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ﴾، فهي مخصوصة فيمن أسلم، وقد كان عمل هذه الكبائر في حال كفره، ويدل على أن هذا الاستثناء في الكفار قوله ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ﴾، فقرن الإيمان مع التوبة.
وقيل: هذه الآية منسوخة بالتي في النساء قاله زيد بن ثابت وذكر أن آية النساء التي نزلت بعد آية الفرقان بستة أشهر.
وقال الضحاك: بين السورتين ثماني حجج. وذكره تعالى للإيمان مع التوبة يدل على أنه محكم في الكفار، وآية النساء إنما هي في المؤمنين: يقتلون المؤمنين
5259
فكلاهما محكم غير منسوخ في وجه النظر.
وعن ابن عباس أنه قال: قرأنا هذه الآية: ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾، الآية، بسنتين حتى نزلت: ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾، الآية قال: فما علمت رسول الله ﷺ فرح بشيء فرحه بها، وبسورة: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا﴾ [الفتح: ١].
ثم قال تعالى: ﴿فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾، قال ابن عباس: معناه: كانوا قبل إيمانهم على السيئات، فرعب الله بهم عن ذلك، فحولهم إلى الحسنات، فأبدلهم الله مكان السيآت حسنات. أي: مكان عمل الحسنات.
وعن ابن عباس أنه قال: يبدل بكل مكان سيئة عملها حسنة يعملها في الدنيا.
وقيل معناه: أولئك يبدل الله قبائح أعمالهم في الشرك بمحاسن الأعمال في
5260
الإسلام فيبدله بالشرك إيماناً.
قال ابن جبير: نزلت في وحشي وأصحابه. قالوا: كيف لنا بالتوبة، وقد عبدنا الأوثان وقتلنا المؤمنين، ونكحنا المشركات؟ فأنزل الله تعالى ﴿إِلاَّ مَن تَابَ﴾، الآية.
فأبدلهم الله بعبادة الأوثان عبادة الله، وبقتالهم المؤمنين: قتالهم المشركين، وينكاح المشركات نكاح المؤمنات.
وروي عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ قال: " يعطى العبد كتابه بيمينه، فيقرأ سيآته، ويقرأ الناس حسناته ثم يحول صحيفته، فيحول الله سيآته حسنات، فيقرأ هو حسناته ويقرأ الناس من سيئاته حسنات، فيقول الناس: ما كان لهذا العبد من سيئة، قال: ثم يعرف بعمله، ثم يغفر الله له ".
وعن ابن عباس: أبدلوا بالشرك إيماناً، وبالقتل إمساكاً، وبالزنا إحصاناً.
5261
وقال ابن المسيب: روى عطاء عن ابن عباس: تصير سيآتهم حسنات لهم يوم القيامة.
وروى أبو ذر: أن النبي ﷺ قال: " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة. ثم ثال: يؤتى برجل يوم القيامة فيقال: نَحُّوا كِبارَ ذنوبه، وسلوه عن صغارها، قال: فيقال له: عملت كذا في يوم كذا، وعملت كذا في يوم كذا، قال: فيقول: يا رب لقد عملت أشياء ما أراها هنا، قال: فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت نواجذه. قال: فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة ".
5262
قال الحسن: قوم يقولون التبديل في الآخرة يوم القيامة، وليس كذلك إنما التبديل في الدنيا يبدلهم الله إيماناً من الشرك، وإخلاصاً من الشرك، وإحصاناً من الفجور.
قال الزجاج: ليس يجعل مكان السيئة حسنة، ولكن يجعل مكان السيئة التوبة.
واختار الطبري: أن يكون المعنى: يبدل الله أعمالهم في الشرك حسنات في الإسلام ينقلهم عن ما / يسخطه إلى ما يرضاه.
ثم قال تعالى: ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً﴾، أي: ذا غفر عن ذنوب من تاب من عباده، وراجع طاعته، وذا رحمة به أن يعاقبه على ذنوبه بعد توبته منها.
أي: ومن تاب من الشرك
بالله، وآمن بالله ورسوله، وعمل صالحاً فيما أمره الله به ﴿فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً﴾، أي: توبة مؤكدة لأنه إذا تاب من الشرك، فقد تاب من عظيم، فإذا عمل صالحاً فقد أكد توبته.
قال تعالى: ﴿والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾، يعني الشرك، قاله الضحاك.
وقيل: المعنى: فإنه يرجع إلى الله رجوعاً فيجازيه على توبته وعمله. والثاني ليس من الأول لأنه يراد به العبث، والأول يراد به الرجوع عن الكفر، والمعاصي.
وقال مجاهد الزور: الغناء، أي: لا يسمعون الغناء، وهو قول محمد بن الحنفية.
وقال ابن جريج: هو الكذب.
وقيل: إنهم كانوا إذا ذكروا النكاح كَنَّوا عنه.
وعن ابن عباس: أن الزور هنا أعياد المشركين وكنائسهم. والزور الباطل.
وعن ابن مسعود أنه قال: عدلت شهادة الزور بالشرك بالله. ثم قرأ الآية، وروي
5264
مثل ذلك عن النبي ﷺ أنه قالها في خطبة له. تقديره: يشهدون الشهادة الزور.
وقيل: الزور: الكذب والخنا والسفه، فهو في المعنى: لا يشهدون كل مشهد يكون فيه ذلك، أي: لا يحضرونه، وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بغير صفته، حتى يخيل إلى من سمعه أو رآه أنه بخلاف ما هو به، فالشرك يحسن عند متبعه، والغناء كذلك، وكذلك الكذب. فمعنى الآية على هذا المعنى: والذين لا يحضرون شيئاً من الباطل.
ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾، أي: إذا مروا بمن يلغو عليهم من المشركين ويؤذيهم مروا كراماً، أي: أعرضوا عنهم وصفحوا.
وقيل معناه: إذا مروا في كلامهم بذكر النكاح كنوا عنه، قاله مجاهد.
وقيل: المعنى: إذا مروا بما كان المشركون فيه من الباطل مروا منكرين له.
5265
قاله ابن زيد.
وقال الحسن: اللغو هنا المعاصي كلها، واللغو في كلام العرب: كلُّ ما يجب أن يلغى ويطرح من كلام، أو فعل باطل.
وقيل: هذه الآية منسوخة بقتال المشركين، لأنه أمرهم بعد ذلك إذا مروا باللغو الذي هو الشرك أن يقاتلوا أهله، وإذا مروا باللغو الذي هو معصية أن يغيروه، ولم يكونوا أمروا بذلك بمكة. ومعنى ﴿مَرُّوا كِراماً﴾، أي: أكرموا أنفسهم عن الجلوس والخوض مع من يلغو.
أي: والذين إذا ذكرهم مذكر بحجج رهم وأدلته، لم يقفوا على تلك الحجج صمّاً لا يسمعونها، وعمياً لا يبصرونها. ولكنهم أيقاظ القلوب فهماء العقول.
والكافر بخلاف ذلك لأنه لا ينتفع بما يسمع وما يبصر، فصار بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر، ومعنى ﴿يَخِرُّواْ﴾ يقيموا على ذلك، كما يقال: شتمت فلاناً فقام يبكي، أي: فظ يبكي، ولا قيام هناك، ولعله كان مضطجعاً. ويقول: نهيت فلاناً
فقعد يشتمني أي: فجعل يشتمني، ولعله كان قائماً. فجرى ذلك على مخاطبة العرب، ولا خُرور ثَمَّ، وقيل المعنى: لم يتغافلوا عنها ويتركونها فيكونون بمنزلة من لا يسمع ولا يرى.
وقيل المعنى: لم يسجدوا صماً وعمياناً بل سجدوا سامعين، فيكون بمنزلة قول الشاعر:
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم ولم تكثر القتلى بها حين سلت
أي: إنما أغمدوها بعد أن كثرت القتلى.
وقيل المعنى: إنهم إذا أمروا بمعروف، أو نهوا عن منكر لم يتغافلوا عن ذلك وقبلوه.
قوله تعالى: ذكره ﴿والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا / مِنْ أَزْوَاجِنَا﴾.
أي: والذين يرغبون إلى الله في دعائهم، ومسألتهم أن يهب لهم قرة أعين، من
5267
أزواجهم، وذرياتهم؛ أي: ما تقر به أعينهم من أولادهم، وذلك أن يريهم إياهم يعملون بطاعة الله.
قال الحسن: ذلك في الدنيا وهو المؤمن يرى زوجه وولده مطيعين لله، وأي شيء أقر لعين المؤمن أن يرى زوجته وولده مطيعين لله.
قال ابن جريج: معناه: يعبدونك فيحسنون عبادتك.
وقال ابن زيد: يسألون لأزواجهم وذرياتهم الإسلام.
ثم قال تعالى ذكره: ﴿واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾، أي: اجعلنا يقتدي بنا من بعدنا في الخير، قاله ابن عباس، وعنه أيضاً: المعنى اجعلنا أئمة هدى يهتدى بنا، ولا تجعلنا أئمة ضلالة لأنه قال في السعادة ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾ [الأنبياء: ٧٣]، وقال في أهل الشقاء: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار﴾ [القصص: ٤١].
5268
قال مجاهد: معناه: واجعلنا أئمة نقتدي بمن قبلنا، ونكون أئمة لمن بعدنا.
وقوله ﴿إِمَاماً﴾ وحد لأنه مصدر كالقيام والصيام.
وقيل: هو واحد يدل على الجمع كالعدو.
وقيل: هو جمع آثم وإمام كقائم وقيام.
قال تعالى ذكره: ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ﴾، أي: هؤلاء الذين تقدم ذكرهم يجزون الغرفة أي يثابون على أعمالهم: الغرفة، وهي منزل من منازل الجنة.
﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً * خَالِدِينَ فِيهَا﴾، أي: دائمين المقام، ماكثين فيها.
﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾، أي: حسنت تلك الغرفة مستقراً، أي: قراراً ﴿وَمُقَاماً﴾، أي: إقامة.
قال تعالى: ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ﴾، أي: قل يا محمد لهؤلاء
5269
الذين أرسلت إليهم: ما يعبأ بكم ربي، أي: أي شيء يصنع بكم ربي، لولا دعاؤكم إلى الإيمان؟
قال ابن عباس: لولا دعاؤكم: لولا إيمانكم، فأخبر جلّ ذكره الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يجعلهم مؤمنين، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين.
وقال مجاهد: لولا دعاؤكم: أي: لولا دعاؤكم إلى الله لتعبدوه وتطيعوه.
قال الفراء: لولا دعاؤكم: لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام. ومعنى: ما يعبأ أي: ما يصنع بكم
قال الزجاج: لولا دعاؤكم. أي لولا توحيدكم إياه. ومعنى: ما يعبأ
5270
بكم أي: وزن لكم عنده من قولك: ما عبأت بفلان أي: ما كان له عندي وزن ولا قدر.
قال: وأصل العبء في اللغة: الثقل.
وقوله: ﴿فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾، هو يوم بدر.
وقيل: هو ما لوزم بين القتلى يوم بدر. والتقدير: فسوف يكون عاقبة تكذيبهم اللزام.
وعن مجاهد أنه قال في معناه: لولا دعاؤه إياكم لتطيعوه فقد كذبتم فسوف يكون عذابكم لزاماً وقد مضى اللزام وهو يوم بدر.
5271
وقيل: المعنى: لا منفعة لله في خلقه إياكم إذ لا يضره فقدكم، لولا ما أراد من دعائه إياكم إلى طاعته، ليجازيكم على ذلك إن قبلتموه ويعاقبكم إن عصيتموه فقد كذبتم فسوف تعلمون.
وقال القتيبي: المعنى: ما يعبأ بعذابكم ربي لولا دعاؤكم غيره، أي: لولا شرككم به.
وقال الضحاك: لولا عبادتكم إياه.
ثم قال تعالى: ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾، أي: فقد كذبتم رسولكم فسوف يكون عقاب تكذيبكم لرسولكم لزاماً، أي: ملازماً لكم، أي: عذاباً ملازماً وهو ما حل بكم يوم بدر.
وقال ابن مسعود: اللزام: يوم بدر.
وقال أبي بن كعب: هو القتل يوم بدر: وهو قول مجاهد والضحاك، وقال ابن زيد: اللزام: القتل يوم بدر.
5272
وقال ابن عباس: اللزام: الموت.
وقال أبو عبيدة: فسوف يكون لزاماً أي: جزاء يلزم كل عامل يعمله من خير أو شر.
5273
Icon