تفسير سورة الصافات

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة الصافات من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الصافات مكية، وعددها مائة واثنتان وثمانون آية كوفية

﴿ وَٱلصَّافَّاتِ صَفَّا ﴾ [آية: ١] يعنى عز وجل صفوف الملائكة.﴿ فَٱلزَّاجِرَاتِ زَجْراً ﴾ [آية: ٢] الملائكة يعنى به الرعد، وهو ملك اسمه الرعد يزجر السحاب بصوته يسوقه إلى البلد الذى أمر أن يمطره، والبرق مخاريق من نار يسوق بها السحاب، فإذا صف السحاب بعضه إلى بعض سطع منه نار فيصيب الله به من يشاء، وهى الصاعقة التى ذكر الله عز وجل فى الرعد.﴿ فَٱلتَّالِيَاتِ ذِكْراً ﴾ [آية: ٣] يعنى به الملائكة، وهو جبريل وحده، عليه السلام، يتلو القرآن على الأنبياء من ربهم، وهو الملقليات ذكراً، يلقى الذكر على الأنبياء، وذلك أن كفار مكة قالوا: يجعل محمد صلى الله عليه وسلم الآلهة إلهاً واحداً. فأقسم الله بهؤلاء الملائكة ﴿ إِنَّ إِلَـٰهَكُمْ ﴾ يعنى أن ربكم ﴿ لَوَاحِدٌ ﴾ [آية: ٤] ليس له شريك، ثم عظم نفسه عن شركهم، فقال عز وجل: ﴿ رَّبُّ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ﴾ يقول: أنا رب ما بينهما من شىء من الآلهة وغيرها ﴿ وَ ﴾ أنا ﴿ وَرَبُّ ٱلْمَشَارِقِ ﴾ [آية: ٥] يعنى مائة وسبعة وسبعين مشرقاً فى السنة كلها، والمغارب مثل ذلك.
ثم قال: ﴿ إِنَّا زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا ﴾ لأنها أدنى السماء من الأرض وأقربها ﴿ بِزِينَةٍ ٱلْكَوَاكِبِ ﴾ [آية: ٦] وهى معلقة فى السماء بهيئة القناديل.﴿ وَحِفْظاً ﴾ زينة السماء بالكواكب ﴿ مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ ﴾ [آية: ٧] متمرد على الله عز وجل فى المعصية.﴿ لاَّ يَسَّمَّعُونَ إِلَىٰ ٱلْمَلإِ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ يعنى الملائكة وكانوا قبل النبى صلى الله عليه وسلم يسمعون كلام الملائكة ﴿ وَيُقْذَفُونَ ﴾ ويرمون ﴿ مِن كُلِّ جَانِبٍ ﴾ [آية: ٨] من كل ناحية.﴿ دُحُوراً ﴾ يعنى طرداً بالشهب من الكواكب، ثم ترجع الكواكب إلى أمكنتها ﴿ وَلَهُمْ عَذابٌ وَاصِبٌ ﴾ [آية: ٩] يعنى دائم للشياكين من يستمع منهم، ومن لم يستمع عذاب دائم فى الآخرة والكواكب تجرح ولا تقل، نظيرها فى تبارك﴿ وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ ﴾[تبارك: ٥].
﴿ إِلاَّ مَنْ خَطِفَ ﴾ من الشياطين ﴿ ٱلْخَطْفَةَ ﴾ يخطف من الملائكة ﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ ﴾ [آية: ١٠] من الملائكة الكواكب، يعنى بالشهاب الثاقب، ناراً مضيئة، كقول موسى:﴿ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾[النمل: ٧]، يعنى بنار مضيئة، فيها تقديم.
قال جل وعز: ﴿ فَٱسْتَفْتِهِمْ ﴾ يقول سلهم ﴿ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ﴾ نزلت فى أبى الأشدين واسمه أسيد من كلدة بن خلف الجمحى، وإنما كنى أبا الاشدين لشدة بطشه، وفى ركانه بن عبد يزيد بن هشام بن عبد مناف، يقول: سل هؤلاء أهم أشد خلقاً بعد موتهم لأنهم كفروا بالبعث ﴿ أَم مَّنْ خَلَقْنَآ ﴾ يعنى خلق السماوات والأرض، وما بينهما والمشارق، لأنهم يعملون أن الله جل وعز خلق هذه الأشياء، ثم أخبر عن خلق الإنسان، فقال جل وعز: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَاهُم ﴾ يعنى أدم ﴿ مِّن طِينٍ لاَّزِبٍ ﴾ [آية: ١١] يعنى لازب بعضه فى البعض فهذا أهون خلقاً عند هذا المكذب بالبعث من خلق السماوات والأرض وما بينهما والمشارق، ونزلت فى أبى الأشدين أيضاً﴿ أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً ﴾بثعاً بعد الموت﴿ أَمِ ٱلسَّمَآءُ بَنَاهَا ﴾[النازعات: ٢٧].
ثم قال: ﴿ بَلْ عَجِبْتَ ﴾ يا محمد من القرآن حين أوحى إليك نظيرها فى الرعد:﴿ وَإِن تَعْجَبْ ﴾من القرآن﴿ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ ﴾[الرعد: ٥]، فاعجب من قولهم بتكذيبهم بالبعث، ثم قال جل وعز: ﴿ وَيَسْخُرُونَ ﴾ [آية: ١٢] يعنى كفار مكة سخروا من النبى صلى الله عليه وسلم حين سمعوا منه القرآن. ثم قال: ﴿ وَإِذَا ذُكِّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ ﴾ [آية: ١٣] وإذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون ﴿ وَإِذَا رَأَوْاْ آيَةً ﴾ يعنى انشقاق القمر بمكة فصار نصفين ﴿ يَسْتَسْخِرُونَ ﴾ [آية: ١٤] سخروا، فقالوا: هذا عمل السحرة. فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَقَالُوۤاْ إِن هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٥] نظيرها اقتربت الساعة:﴿ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ ﴾[القمر: ٢].
﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ﴾ [آية: ١٦] بعد الموت. ﴿ أَوَ ﴾ يبعث ﴿ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ ﴾ [آية: ١٧] قالوا ذلك تعجباً، يقول الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿ قُلْ ﴾ لكفار مكة: ﴿ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [آية: ١٨] وأنتم صاغرون. ثم أخبر عنهم عز وجل: ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ ﴾ صيحة واحدة من إسرافيل لا مثنوية لها ﴿ فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ ﴾ [آية: ١٩] إلى البعث الذى كذبوا به، فلما نظروا وعيانوا البعث ذكروا قول الرسل إن البعث حق.﴿ وَقَالُواْ يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ ﴾ [آية: ٢٠] يوم الحساب الذى أخبرنا به النبى صلى الله عليه وسلم فردت عليهم الحفظة من الملائكة.
﴿ هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ﴾ يوم القضاء ﴿ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ﴾ [آية: ٢١] بأنه كائن.﴿ ٱحْشُرُواْ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ الذين أشركوا من بنى أدم ﴿ وَأَزْوَاجَهُمْ ﴾ قرناءهم من الشياطين الذين أظلوهم وكل كافر مع شيطان فى سلسلة واحدة ﴿ وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٢٢].
﴿ مِن دُونِ ٱللَّهِ ﴾ يعنى إبليس وجندة نزلت فى كفار قريش نظيرها فى يس:﴿ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ ﴾الآية﴿ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ ٱلشَّيطَانَ ﴾[يس: ٦٠]، يعنى إبليس وحده ﴿ فَٱهْدُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ﴾ يعنى ادعوهم إلى طريق ﴿ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٢٣] والجحيم ما عظم الله عز وجل من النار.﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ ﴾ [آية: ٢٤] فلما سيقوا إلى النار حبسوا فسألهم خزنة جهنم ألم تأتكم رسلكم بالبينات؟ قالوا: بلى، ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين يقول الخازن: ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ ﴾ [آية: ٢٥] نظيرها فى الشعراء:﴿ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ ﴾[الشعراء: ٩٣] يقول الكفار: ما لشركائكم الشياطين لا يمنعونكم من العذاب. يقول الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ ﴾ [آية: ٢٦] للعذاب ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ٢٧] يتكلمون ﴿ قَالُوۤاْ ﴾ قال قائل من الكفار لشركائهم الشياطين ﴿ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ ٱلْيَمِينِ ﴾ [آية: ٢٨] يعنون من قبل الحق، نظيرها فى الحاقة:﴿ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ﴾[الحاقة: ٤٥] بالحق، وقالوا للشياطين: أنتم زينتم لنا ما نحن عليه، فقلتم إن هذا الذى نحن عليه هو الحق.﴿ قَالُواْ ﴾ قالت لهم الشياطين: ﴿ بَلْ لَّمْ تَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٢٩] مصدقين بتوحيد الله عز وجل ﴿ وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ من ملك فنكرهكم على متابعتنا ﴿ بَلْ كُنتُمْ قَوْماً طَاغِينَ ﴾ [آية: ٣٠] عاصين.
ثم قالت الشياطين: ﴿ فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَآ ﴾ يوم قال لإبليس﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ ﴾[ص: ٨٥] الآية ﴿ إِنَّا لَذَآئِقُونَ ﴾ [اية: ٣١] ﴿ فَأَغْوَيْنَاكُمْ ﴾ يعنى أضللناكم عن الهدى ﴿ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ ﴾ [آية: ٣٢] ضالين. يقول الله عز وجل: ﴿ فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ ﴾ للكفار والشياطين ﴿ فِي ٱلْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ ﴾ [آية: ٣٣] ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ ﴾ [آية: ٣٤] ثم أخبر عنهم جل وعز: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوۤاْ إِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [آية: ٣٥] يتكبرون عن الهدى نزلت فى الملأ من قريش الذين مشوا إلى أبى طالب، فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم:" قولوا لا إله إلا الله تملكون بها العرب وتدين لكم العجم بها ".﴿ وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتَارِكُوۤ آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ ﴾ [آية: ٣٦] فقال جل وعز: ﴿ بَلْ جَآءَ بِٱلْحَقِّ ﴾ يعنى محمداً صلى الله عليه وسلم جاء بالتوحيد ﴿ وَصَدَّقَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ٣٧] قبله ﴿ إِنَّكُمْ لَذَآئِقُو ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمِ ﴾ [آية: ٣٨] يعنى الوجيع.﴿ وَمَا تُجْزَوْنَ ﴾ فى الآخرة ﴿ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٣٩] فى الدنيا من الشرك، جزاء الشرك النار، ثم استثنى المؤمنين، فقال: ﴿ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ٤٠] بالتوحيد لا يذوقون العذاب، فأخبر ما أعد لهم.
فقال جل وعز: ﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [آية: ٤١] يعنى بالمعلوم حين يشتهونه يؤتون به. ثم بين الرزق، فقال تبارك وتعالى: ﴿ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ ﴾ [آية: ٤٢] ﴿ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ٤٣] ﴿ عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ ﴾ [آية: ٤٤] فى الزيادة ﴿ يُطَافُ عَلَيْهِمْ ﴾ يعنى يتقلب عليهم بأيدى الغلمان الخدم ﴿ بِكَأْسٍ ﴾ يعنى الخمر ﴿ مِّن مَّعِينٍ ﴾ [آية: ٤٥] يعنى الجارى ﴿ بَيْضَآءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ ﴾ [آية: ٤٦] ﴿ لاَ فِيهَا غَوْلٌ ﴾ لا غائلة عليها يرجع منها الرأس كفعل خمر الدنيا ﴿ وَلاَ هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ ﴾ [آية: ٤٧] يعنى يسكرون فتنزف عقولهم كخمر الدنيا.﴿ وَعِندَهُمْ قَاصِرَاتُ ٱلطَّرْفِ ﴾ حافظات النظر من الرجال غير أزواجهن لا يرون غيرهم من العشق، ثم قال: ﴿ عِينٌ ﴾ [آية: ٤٨] يعنى حسان الأعين، ثم شبههن ببياض البيض الذى الصفرة فى جوفه، فقال: ﴿ كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ ﴾ [آية: ٤٩].
﴿ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾ [آية: ٥٠] أى أهل الجنة حين يتكلمون، يكلم بعضهم بعضاً.
﴿ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ ﴾ [آية: ٥١] وذلك أن أخوين من بنى إسرائيل اسم أحدهما فطرس والآخر سلخا ورث كل واحد منهما عن أبيه أربعة آلاف دينار، فأما أحدهما فأنفق ماله فى طاعة الله عز وجل، والمشرك الآخر أنفق ماله فى معصية الله عز وجل معيشة الدنيا، وهما اللذان ذكرهما الله عز وجل فى سورة الكهف. فلما صار إلى الآخرة أدخل المؤمن الجنة، وأدخل المشرك النار، فلما أدخل الجنة المؤمن ذكر أخاه، فقال لإخوانه من أهل الجنة: إنى كان لى قرين، يعنى صاحب.﴿ يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُصَدِّقِينَ ﴾ [آية: ٥٢] بالبعث ﴿ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ ﴾ [آية: ٥٣] يعنى لمحاسبين فى أعمالنا ثم ﴿ قَالَ ﴾ المؤمن لأخوانه فى الجنة ﴿ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ ﴾ [آية: ٥٤] إلى النار فتنظرون منزلة أخى فردوا عليه أنت أعرف به منا، فاطلع أنت، ولأهل الجنة فى منازلهم كوى، فإذا شاءوا نظروا إلى أهل النار ﴿ فَٱطَّلَعَ ﴾ المؤمن ﴿ فَرَآهُ ﴾ فرأى أخاه ﴿ فِي سَوَآءِ ﴾ يعنى فى وسط ﴿ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٥٥] أسود الوجه أزرق العينين مقروناً مع شيطانه فى سلسلة ﴿ قَالَ ﴾ المؤمن ﴿ تَٱللَّهِ إِن كِدتَّ لَتُرْدِينِ ﴾ [آية: ٥٦] لتغوين، فأنزل منزلك فى النار.﴿ وَلَوْلاَ نِعْمَةُ رَبِّي ﴾ يقول: لولا ما أنعم الله على بالإسلام ﴿ لَكُنتُ مِنَ ٱلْمُحْضَرِينَ ﴾ [آية: ٥٧] النار، ثم انقطع الكلام، ثم أقبل المؤمن على أصحابه، فقال: ﴿ أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ ﴾ [آية: ٥٨] عرف المؤمن أن كل نعيم معه الموت، فليس بتام ﴿ إِلاَّ مَوْتَتَنَا ٱلأُولَىٰ ﴾ التى كانت فى الدنيا ﴿ وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [آية: ٥٩] فقيل له: إنك لا تموت فيها. فقال عند ذلك: ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾ [آية: ٦٠] ثم انقطع كلام المؤمن.
يقول الله عز وجل: ﴿ لِمِثْلِ هَـٰذَا ﴾ النعيم الذى ذكر قبل هذه الآية فى قوله:﴿ أُوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ ﴾[الصافات: ٤١].
﴿ فَلْيَعْمَلِ ٱلْعَامِلُونَ ﴾ [آية: ٦١] فليسارع المسارعين. يقول الله عز وجل: ﴿ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً ﴾ للمؤمنين ﴿ أَمْ ﴾ نزل الكافر ﴿ شَجَرَةُ ٱلزَّقُّومِ ﴾ [آية: ٦٢] وهى النار للذين استكبروا عن لا إله إلا الله حين أمرهم النبى صلى الله عليه سلم بها، ثم قال جل وعز: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهَا ﴾ يعنى الزقوم ﴿ فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ ﴾ [آية: ٦٣] يعنى لمشركى مكة منهم عبدالله بن الزبعرى، وأبو جهل بن هشام، والملأ من قريش الذين مشوا إلى أبى طالب، وذلك أن ابن الزبعرى، قال: إن الزقوم بكلام اليمن التمر والزبد، فقال أبو جهل: يا جارية، أبغنا تمراً وزبداً، ثم قال لأصحابه: تزقموا من هذا الذى يخوفنا به محمد، يزعم أن النار تنبت الشجر والنار تحرق الشجر، فكان الزقوم فتنة لهم، فأخبر الله عز وجل أنها لا تشبه النخل، ولا طلعها كطلع النخل. فقال تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ ﴾ تنبت ﴿ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٦٤] ﴿ طَلْعُهَا ﴾ تمرها ﴿ كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ ﴾ [آية: ٦٥] ﴿ فَإِنَّهُمْ لآكِلُونَ مِنْهَا ﴾ من ثمرتها ﴿ فَمَالِئُونَ مِنْهَا ﴾ من ثمرها ﴿ ٱلْبُطُونَ ﴾ [آية: ٦٦] ﴿ ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً ﴾ يعنى لمزاجاً ﴿ مِنْ حَمِيمٍ ﴾ [آية: ٦٧] يشربون على إثر الزقوم الحميم الحار الذى قد انتهى حره.﴿ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ ﴾ يعد الزقوم وشرب الحميم ﴿ لإِلَى ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٦٨] وذلك قوله عز وجل﴿ يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ ﴾[الرحمن: ٤٤] ﴿ إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ﴾ وجدوا ﴿ آبَآءَهُمْ ضَآلِّينَ ﴾ [آية: ٦٩] عن الهدى ﴿ فَهُمْ عَلَىٰ آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ ﴾ [آية: ٧٠] يقول: يسعون فى مثل أعمال آبائهم.
﴿ وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ ﴾ قبل أهل مكة ﴿ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ٧١] من الأمم ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ ﴾ [آية: ٧٢] ينذرونهم العذاب فكذبوا الرسل فعذبهم الله عز وجل فى الدنيا، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴾ [آية: ٧٣] يحذر كفار مكة لئلا يكذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم فينزل بهم العذاب فى الدنيا. ثم استثنى، فقال جل وعز: ﴿ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ٧٤] الوحدين، فإنهم نجوا من العذاب بالتوحيد ﴿ وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ ﴾ فى اقتربت﴿ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ ﴾[القمر: ١٠] وفى الأنبياء [الآية: ٧٦] فأنجاه ربه فغرقهم بالماء، فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ ﴾ [آية: ٧٥] يعنى الرب نفسه تعالى.﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ٧٦] الهول الشديد وهو الغرق ﴿ وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ ﴾ ولد نوح ﴿ هُمُ ٱلْبَاقِينَ ﴾ [آية: ٧٧] أن أهل السفينة ماتوا، ولم يكن لهم نسل غير ولد نوح، وكان الناس من ولد نوح، فلذلك قال: ﴿ هُمُ ٱلْبَاقِينَ ﴾ فقال النبى صلى الله عليه وسلم:" سام أبو العرب، ويافث أبو الروم، وحام أبو الحبش ".﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ٧٨] يقول: ألقينا على نوح بعد موته ثناء حسناً، يقال لها من بعده فى الآخرين خير، فذلك قوله عز وجل: ﴿ سَلاَمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٧٩] يعنى بالإسلام الثناء الحسن الذى ترك عليه من بعده في الناس.﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٨٠] هكذا نجزى كل محسن فجزاه الله عز وجل بإحسانه الثناء الحسن فى العالمين.
﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ٨١] يعنى المصدقين بالتوحيد ﴿ ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ٨٢] يعنى قوم نوح ﴿ وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لإِبْرَاهِيمَ ﴾ [آية: ٨٣] يقول: إبراهيم على ملة نوح، عليهما السلام، قال الفراء: إبراهيم من شيعته محمد صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد: سألت أبا العباس عن ذلك، فقال: كل من كان على دين رجل فهو من شيعته، كل نبى من شيعته إبراهيم صاحبه فإبراهيم من شيعة محمد، ومحمد من شيعة إبراهيم، عليهما السلام.﴿ إِذْ جَآءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ﴾ [آية: ٨٤] يعنى بقلب مخلص من الشرك ﴿ إِذْ قَالَ لأَبِيهِ ﴾ آزر ﴿ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ٨٥] من الأصنام ﴿ أَإِفْكاً ﴾ يعنى أكذباً ﴿ آلِهَةً دُونَ ٱللَّهِ تُرِيدُونَ ﴾ [آية: ٨٦].
﴿ فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ٨٧] إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره ﴿ فَنَظَرَ ﴾ إبراهيم ﴿ نَظْرَةً فِي ٱلنُّجُومِ ﴾ [آية: ٨٨] يعنى الكواكب وذلك أنه رأى نجماً طلع ﴿ فَقَالَ ﴾ لقادتهم: ﴿ إِنِّي سَقِيمٌ ﴾ [آية: ٨٩] وهم ذاهبون إلى عبدهم إنى سقيم يعنى وجيع، وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام كانت اثنين وسبعين صنماً من ذهب وفضة وشبه ونحاس وحديد وخشب، وكان أكبر الأصنام عيناه من ياقوتتين حمراوين، وهو من ذهب وكانوا إذا خرجوا إلى عيدهم دخلوا قبل أن يخرجوا فيسجدون لها ويقربون الطعام، ثم يخرجون إلى عيدهم، فإذا رجعوا من عيدهم، فدخلوا عليها سجدوا لها ثم يتفرقون، فلما خروجوا إلى عيدهم اعتل إبراهيم بالطاعون، وذلك أنهم كانوا ينظرون فى النجوم، فنظر إبراهيم فى النجوم، فقال: إنى سقيم، قال الفراء: كل من عمل فيه النقص ودب فيه الفناء وكان منتظراً للموت فهو سقيم. فذلك قوله عز وجل: ﴿ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾ [آية: ٩٠] ذاهبين وقد وضعوا الطعام والشراب بين يدى آلهتهم.
﴿ فَرَاغَ إِلَىٰ آلِهَتِهِمْ ﴾ إلى الصنم الكبير وهو بيت ﴿ فَقَالَ ﴾ للآلهة ﴿ أَلا تَأْكُلُونَ ﴾ [آية: ٩١] الطعام الذى بين أيديكم ﴿ مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ ﴾ [آية: ٩٢] ما لكم لا تكلمون؟ ما لكم لا ترزدن جواباً، أتأكلون، أولا تأكلون.﴿ فَرَاغَ ﴾ يعنى فمال إلى آلهتهم ﴿ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ﴾ يعنى فأقبل عليهم ﴿ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ ﴾ [آية: ٩٣] بيده اليمنى يسكرهم بالفأس، فلما رجعوا من عيدهم.
﴿ فَأَقْبَلُوۤاْ إِلَيْهِ يَزِفُّونَ ﴾ [آية: ٩٤] يمشون إلى إبراهيم يأخذونه بأيديهم فـ ﴿ قَالَ ﴾ لهم إبراهيم: ﴿ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ ﴾ [آية: ٩٥] وما تنحتون من الأصنام ﴿ وَٱللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ٩٦] وما تنحتون من الأصنام. قال أبومحمد: قال الفراء: ﴿ ضَرْباً بِٱلْيَمِينِ ﴾ الذى حلفها عليها، فقال:﴿ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ ﴾[الأنبياء: ٥٧]، قال أبو محمد: حدثنى هناد، قال: حدثنا ابن يمان، قال: رأيت سفيان جائياً من السوق بالكوفة فقلت: من أين أقبلت؟ قال: من دار الصيادلة نهيتهم عن بيع الداذى، وإنى لأرى الشىء أنكره فلا أستطيع تغييره، فأبول دماً رجع إلى قول مقاتل.﴿ قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً ﴾ قال ابن عباس: بنوا حائطاً من حجارة طوله فى السماء ثلاثون ذراعاً، وعرضه عشرون ذراعاً ﴿ فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ٩٧] فى نار عظيمة قال الله عز وجل فى سورة الأنبياء﴿ يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾[الأنبياء: ٦٩]،﴿ وَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً ﴾[الأنبياء: ٧٠] سوءاً، الآية وعلاهم إبراهيم، عليه السلام، وسلمه الله عز وجل وحجزهم عنه، فلم يلبثوا إلا يسيراً حتى أهلكهم الله عز وجل، فما بقيت يومئذ دابة إلا جعلت تطفىء النار عن إبراهيم، عليه السلام، غير الوزغ كانت تنفخ النار على إبراهيم، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم بقتلها.﴿ فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ ٱلأَسْفَلِينَ ﴾ [آية: ٩٨] ﴿ وَقَالَ ﴾ وهو ببابل ﴿ إِنِّي ذَاهِبٌ ﴾ يعنى مهاجر ﴿ إِلَىٰ رَبِّي ﴾ إلى رضى ربى بالأرض المقدسة ﴿ سَيَهْدِينِ ﴾ [آية: ٩٩] لدينه، وهو أول من هاجر من الخلق، ومعه لوط وسارة، فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد، فقال: ﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينِ ﴾ [آية: ١٠٠] هب لى ولداً صالحاً، فاستجاب له.
﴿ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ ﴾ [آية: ١٠١] يعنى عليم، وهو عالم، وهو إسحاق بن سارة.﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ﴾ مع أبيه ﴿ ٱلسَّعْيَ ﴾ المشى إلى الجبل ﴿ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ ﴾ لنذر كان عليه فيه يقول: إنى أمرت في المنام ﴿ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ﴾ فرد عليه إسحاق ﴿ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ ﴾ وأطع ربك فمن ثم لم يقل إسحاق لإبراهيم، عليهما السلام، افعل ما رأيت، ورأى إبراهيم ذلك ثلاث ليال متتابعات، وكان إسحاق قد صام وصلى قبل الذبح ﴿ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ ﴾ [آية: ١٠٢] على الذبح.﴿ فَلَمَّا أَسْلَمَا ﴾ يقول: أسلما لأمر الله وطاعته ﴿ وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴾ [آية: ١٠٣] وكبه لجبهته، فلما أخذ بناصيته ليذبحه عرف الله تعالى منهما الصدق، قال الفراء فى قوله عز وجل: ﴿ مَاذَا تَرَىٰ ﴾؟: مضموم التاء، قال: المعنى ما تُرى من الجلد والصبر على طاعة الله عز وجل، ومن قرأ " تَرى " أراد إبراهيم أن يعلم ما عنده من العزم، ثم هو ماض على ذبحه، كما أمره الله عز وجل رجع إلى مقاتل.﴿ وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ ﴾ فى ذبح ابنك، وخذ الكبش ﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١٠٥] هكذا نجزى كل محسن فجزاه الله عز وجل بأحسانه وطاعته، العفو عن ابنه إسحاق. ثم قال: عز وجل ﴿ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ ﴾ [آية: ١٠٦] يعنى النعيم المبين حين عفا عنه وفدى بالكبش ﴿ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴾ [آية: ١٠٧] ببيت المقدس الكبش اسمه رزين وكان من الوعل رعى فى الجنة أربعين سنة قبل أن يذبح.﴿ وَتَرَكْنَا ﴾ وأبقينا ﴿ عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ١٠٨] الثناء الحسن يقال له من بعد موته فى الأرض، فذلك قوله عز وجل: ﴿ سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [آية: ١٠٩] يعنى بالسلام الثناء الحسن، يقال له من بعده فى أهل الأديان، فى الناس كلهم.﴿ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١١٠] ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١١١] يعنى المصدقين بالتوحيد ﴿ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ ﴾ [آية: ١١٢] يقول وبشرنا إبراهيم بنبوة إسحاق بعد العفو عنه ﴿ وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ ﴾ على إبراهيم ﴿ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا ﴾ إبراهيم وإسحاق ﴿ مُحْسِنٌ ﴾ مؤمن ﴿ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ يعنى مشرك ﴿ مُبِينٌ ﴾ [آية: ١١٣].
﴿ وَلَقَدْ مَنَنَّا ﴾ أنعمنا ﴿ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ [آية: ١١٤] بالنبوة وهلاك عدوهما ﴿ وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا ﴾ بنى إسرائيل ﴿ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ ﴾ [آية: ١١٥].
﴿ وَنَصَرْنَاهُمْ ﴾ على عدوهم ﴿ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ١١٦] لفرعون وقومه ﴿ وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ ﴾ [آية: ١١٧] يقول: أعطيناهم التوراة المستبين يعنى بين ما فيه.﴿ وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ ﴾ [آية: ١١٨] دين الإسلام ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ١١٩] أبقينا من بعدهما الثناء الحسن يقال لهما بعدهما، وذلك قوله عز وجل: ﴿ سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ ﴾ [آية: ١٢٠] يعنى بالسلام الثناء الحسن.﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١٢١] هكذا نجزى كل من أحسن ﴿ إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٢٢] ﴿ وَإِنَّ إِلْيَاسَ ﴾ ابن فنحن ﴿ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٢٣].
﴿ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ ﴾ [آية: ١٢٤] يعنى ألا تعبدون ﴿ أَتَدْعُونَ بَعْلاً ﴾ أتعبدون ربا بلغة اليمن إلاله يسمى بعلاً وكان صنماً من ذهب ببعلبك بأرض الشام، فسكره إلياس، ثم هرب منهم.﴿ وَتَذَرُونَ ﴾ عبادة ﴿ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ ﴾ [آية: ١٢٥] فلا تعبدونه ﴿ ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٢٦] ﴿ فَكَذَّبُوهُ ﴾ فكذبوا إلياس النبى، عليه السلام.
﴿ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ١٢٧] النار. ثم استثنى ﴿ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ١٢٨] يعنى المصدقين لا يحضرون النار ﴿ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ ﴾ [آية: ١٢٩] ﴿ سَلاَمٌ عَلَىٰ إِلْ يَاسِينَ ﴾ [آية: ١٣٠] يعنى بالسلام الثناء الحسن والخير الذى ترك عليه فى الآخرين.
﴿ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ١٣١] هكذا نجزى كل محسن ﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آية: ١٣٢] المصدقين بالتوحيد. قال الفراء، عن حيان الكلبى: إل ياسين يعنى به النبى صلى الله عليه وسلم، فإذا قال سلام على إل ياسين، فالمعنى سلام على آل محمد صلى الله عليه وسلم، وآل كل نبى من اتبعه على دينه، وآل فرعون من اتبعه على دينه، فذلك قوله عز وجل:﴿ أَدْخِلُوۤاْ آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ ٱلْعَذَابِ ﴾[غافر: ٤٦].
راجع إلى مقاتل.﴿ وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٣٣] أرسل إلى سدوم، ودارموا، وعامورا، وصابورا، أربع مدائن كل مدينة مائة ألف ﴿ إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [آية: ١٣٤] يعني ابنتيه ريثا، وزعونا. ثم استثنى امرأة، فقال جل وعز: ﴿ إِلاَّ عَجُوزاً فِي ٱلْغَابِرِينَ ﴾ [آية: ١٣٥] يعنى فى الباقين فى العذاب ﴿ ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلآخَرِينَ ﴾ [آية: ١٣٦] نظيرها فى الشعراء﴿ ٱلآخَرِينَ ﴾[الشعراء: ١٧٢]، ثم أهلكنا بقيتهم بالخسف والحصب.﴿ وَإِنَّكُمْ ﴾ يا أهل مكة ﴿ لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُّصْبِحِينَ ﴾ [آية: ١٣٧] ﴿ وَبِٱلْلَّيْلِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ﴾ [آية: ١٣٨] على القرى نهاراً وليلاً وغدوة وعشية، إذا انطلقتم إلى الشام إلى التجارة.
﴿ وَإِنَّ يُونُسَ ﴾ وهو ابن متى من أهل نينوى ﴿ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٣٩] كان من بنى إسرائيل.﴿ إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴾ [آية: ١٤٠] الموقر من الناس والدواب، فساهم وذلك أنه دخل السفينة، فلف رأسه ونام فى جانبها، فوكل الله عز وجل به الحوت، واسمها اللخم، فاحتبست سفينتهم ولم تجر، فخاف القوم الغرق، فقال بعضهم لبعض: إن فينا لعبداً مذنباً، قالوا له وهو ناحيتها، ياعبدالله من أنت؟ ألا ترى أنا قد غرقنا؟ قال: أنا المطلوب أنا يونس بن متى، فاقذفونى فى البحر. قالوا: نعوذ بالله أن نقذفك يا رسول الله، فقارعهم ثلاث مرات كل ذلك يقرعونه، فقالوا: لا، ولكن نكتب أسماءنا، ثم نقذف بها فى الماء، ففعل ذلك، فقالوا: اللهم إن كان هذا طلبتك، فغرق اسمه، وخرج أسماءنا، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم، ثم قالوا الثانية: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق أسماءنا وارفع اسمه، فغرقت أسماؤهم، وارتفع اسمه، ثم قالوا الثالثة: اللهم إن كنت إياه تطلب فغرق اسمه، وارفع أسماءنا، فغرق اسمه وارتفعت أسماؤهم، فلما رأوا ذلك ثلاث مرات أخذوا بيده ليقذفوه فى الماء. ولم يكن أوحى الله إلى الحوت ماذا الذى يريد به؟ فلما قذف أوحى إلى الحوت، وليس بينه وبين الماء إلا شبران، لى من عبدى حاجة إن لم أجعل عبدى لك رزقاً، ولكن جعلت بطنك له مسجداً، فلا تحسرى له شعراً وبشرا، ولا تردى عليه طعاماً ولا شراباً، قال: فقال له الماء والريح: أين أردت أن تهرب؟ من الذى يعبد فى السماء والأرض، فوالله إنا لنعبده، وإنا لنخشى أن يعاقبنا، و جعل يونس يذكر الله عز وجل، ويذكر كل شىء صنع ولا يدعوه فألهمه الله جل وعز عند الوقت، فدعاه ففلق دعاءه البحر والسحاب، فنادى بالتوحيد، ثم نزه الرب عز وجل، أنه ليس أهل لأن يعصى، ثم اعترف، فقال:﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾[الأنبياء: ٨٧].
﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ ﴾ [آية: ١٤١] يعنى فقارعهم فكان من المقروعين المغلوبين ﴿ فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ ﴾ [آية: ١٤٢] يعنى استلام إلى ربه، قال الفراء: ألام الرجل إذا استحق اللوم وهو مليم، وقال أيضاً: وليم على أمر قد كان منه، فهو ملوم على ذلك، رجع إلى قول مقاتل.﴿ فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ ﴾ قبل أن يلتقمه الحوت ﴿ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ ﴾ [آية: ١٤٣] يعنى من المصلين قبل المعصية، وكان فى زمانه كثير الصلاة والذكر لله جل وعز، فولا ذلك ﴿ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ ﴾ عقوبة فيه ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [آية: ١٤٤] الناس من قبورهم.
﴿ فَنَبَذْنَاهُ ﴾ ألقيناه ﴿ بِٱلْعَرَآءِ ﴾ بعنى البرارى من الأرض التى ليس فيها نبت ﴿ وَهُوَ سَقِيمٌ ﴾ [آية: ١٤٥] يعنى مستقام وجيع ﴿ وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ ﴾ [آية: ١٤٦] يعنى من قرع يأكل منها، ويستظل بها، كانت تختلف إليه، وعلة فيشرب من لبنها ولا تفارقه.﴿ وَأَرْسَلْنَاهُ ﴾ قبل أن يلتقمه الحوت ﴿ إِلَىٰ مِئَةِ أَلْفٍ ﴾ من الناس ﴿ أَوْ ﴾ يعنى بل ﴿ يَزِيدُونَ ﴾ [آية: ١٤٧] عشرون الفاً على مائة ألف كقوله عز وجل:﴿ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ ﴾[النجم: ٩] يعنى بل أدنى أرسله إلى نينوى. ﴿ فَآمَنُواْ ﴾ فصدقوا بتوحيد الله عز وجل ﴿ فَمَتَّعْنَاهُمْ ﴾ فى الدنيا ﴿ إِلَىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ١٤٨] منتهى آجالهم. حدثنا عبدالله، قال: حدثنى أبى؛ قال: حذثنا الهذيل، قال: وقال مقاتل: كل شىء ينبسط مثل القرع والكرم والقثاء والكشوتا، نحوها فهو يسمى يقطيناً. قال الفراء: قال ابن عباس: كل ورقة انشقت واستوت، فهى يقطين. وقال أبو عبيدة: كل شجرة لا تقوم على ساق، فهى يقطين.﴿ فَٱسْتَفْتِهِمْ ﴾ يقول للنبى صلى الله عليه وسلم فاسأل كفار مكة منهم النضر بن الحارث ﴿ أَلِرَبِّكَ ٱلْبَنَاتُ ﴾ يعنى الملائكة ﴿ وَلَهُمُ ٱلْبَنُونَ ﴾ [آية: ١٤٩] فسألهم النبى صلى الله عليه وسلم فى الطور والنجم وذلك أن جهينة، وبنى سلمة عبدوا الملائكة وزعموا أن حياً من الملائكة يقال لهم: الجن منهم إبليس أن الله عز وجل اتخذهم بنات لنفسه، فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم قالوا: سروات الجن. يقول الله عز وجل: ﴿ أَمْ خَلَقْنَا ٱلْمَلاَئِكَةَ إِنَاثاً وَهُمْ شَاهِدُونَ ﴾ [آية: ١٥٠] الخلق الملائكة إنهم أناث نظيرها فى الزخرف. ﴿ أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ ﴾ من كذبهم ﴿ لَيَقُولُونَ ﴾ [آية: ١٥١].
﴿ وَلَدَ ٱللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾ [آية: ١٥٢] فى قولهم، يقول الله عز وجل: ﴿ أَصْطَفَى ﴾ استفهام، أختار ﴿ ٱلْبَنَاتِ عَلَىٰ ٱلْبَنِينَ ﴾ [آية: ١٥٣] والبنون أفضل من البنات ﴿ مَالَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾ [آية: ١٥٤] يعنى تقضون الجور حين يزعمون أن لله عز وجل البنات ولكم البنون.﴿ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ ﴾ [آية: ١٥٥] أنه لا يختار البنات على البنين ﴿ أَمْ لَكُمْ ﴾ لما تقولون ﴿ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ ﴾ [آية: ١٥٦] كتاب من الله عز وجل أن الملائكة بنات الله ﴿ فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آية: ١٥٧].
ثم قال جل وعز: ﴿ وَجَعَلُواْ ﴾ ووصفوا ﴿ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ٱلْجِنَّةِ نَسَباً ﴾ بين الرب تعالى، والملائكة حين زعموا أنهم بنات الله عز وجل ﴿ وَلَقَدْ عَلِمَتِ ٱلجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ﴾ [آية: ١٥٨] لقد علم ذلك الحى من الملائكة، ومن قال: إنهم بنات الله إنهم لمحضرون النار.
﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [آية: ١٥٩] عما يقولون من الكذب ﴿ إِلاَّ عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ١٦٠] الموحدين، فإنهم لا يحضرون النار.﴿ فَإِنَّكُمْ ﴾ يعنى كفار مكة ﴿ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ [آية: ١٦١] من الآلهة ﴿ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ ﴾ على ما تعبدون من الأصنام ﴿ بِفَاتِنِينَ ﴾ [آية: ١٦٢] يقول: بمضلين أحداً بآلهتكم ﴿ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ ٱلْجَحِيمِ ﴾ [آية: ١٦٣] إلا من قدر الله عز وجل أنه يصلى الجحيم، وسبقت له الشقاوة.﴿ وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ ﴾ [آية: ١٦٤] ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلصَّآفُّونَ ﴾ [آية: ١٦٥] يعنى صفوف الملائكة فى السموات فى الصلاة ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ ٱلْمُسَبِّحُونَ ﴾ [آية: ١٦٦] يعنى المصلين، بخير جبريل النبى صلى الله عليه وسلم بعبارتهم لربهم عز وجل، فكيف يعبدهم كفار مكة. قوله عز وجل: ﴿ وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ ﴾ [آية: ١٦٧] كفار مكة ﴿ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْراً مِّنَ ٱلأَوَّلِينَ ﴾ [آية: ١٦٨] خبر الأمم الخالية كيف أهلكوا، وما كان من أمرهم.﴿ لَكُنَّا عِبَادَ ٱللَّهِ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾ [آية: ١٦٩] بالتوحيد نزلت فى الملأ من قريش، فق الله عز وجل عليهم خبر الأولين، وعلم الآخرين ﴿ فَكَفَرُواْ بِهِ ﴾ بالقرآن ﴿ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ١٧٠] هذا وعيد يعنى القتل ببدر.﴿ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا ﴾ بالنصر ﴿ لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٧١] يعنى الأنبياء، عليهم السلام، يعنى بالكلمة قوله عز وجل:﴿ كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِيۤ ﴾[المجادلة: ٢١]، فهذه الكلمة التى سبقت للمرسلين.﴿ إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ ﴾ [آية: ١٧٢]على كفار قريش ﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ ﴾ [آية: ١٧٣] حزبنا يعنى المؤمنين لهم الغالبون الذين نجوا من عذاب الدنيا والآخرة.
﴿ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ١٧٤] يقول الله عز وجل للنبى صلى الله عليه وسلم فأعرض عن كفار مكة إلى العذاب إلى القتل ببدر.﴿ وَأَبْصِرْهُمْ ﴾ إذا نزل بهم العذاب ببدر ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ١٧٥] العذاب، فقالوا للنبى صلى الله عليه وسلم: متى هذا الوعد؟ تكذيباً به، فأنزل الله عز وجل ﴿ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ ﴾ [أية: ١٧٦].
﴿ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ ﴾ بحضرتهم ﴿ فَسَآءَ صَبَاحُ ﴾ فبئس صباح ﴿ ٱلْمُنْذَرِينَ ﴾ [آية: ١٧٧] الذين أنذروا العذاب، ثم عاد فقال عز وجل: ﴿ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ ﴾ [آية: ١٧٨] أعرض عنهم إلى تلك المدة القتل ببدر.﴿ وَأَبْصِرْ ﴾ وأبصر العذاب ﴿ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ ﴾ [آية: ١٧٩] العذاب، ثم نزه نفسه عن قولهم، فقال جل وعز: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ ﴾ يعنى عزة من يتعزز من ملوك الدنيا ﴿ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [آية: ١٨٠] عما يقولون من الكذب إن الملائكة بنات الله عز وجل.﴿ وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴾ [آية: ١٨١] الذين بلغوا عن الله التوحيد ﴿ وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ ﴾ [آية: ١٨٢] على هلاك الآخرين الذين لم يوحدوا ربهم.
Icon