تفسير سورة سورة النساء من كتاب تفسير السمعاني
المعروف بـتفسير السمعاني
.
لمؤلفه
أبو المظفر السمعاني
.
المتوفي سنة 489 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال : اعلم أن هذه السورة تسمى : سورة النساء، وتسمى سورة الأحكام، وهي مدنية على قول أكثر المفسرين، إلا قوله تعالى :( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها )( ١ ) ؛ فإن هذه الآية نزلت بمكة في مفاتيح الكعبة، وأورد النحاس أن السورة مكية.وفي الحديث :«من قرأ سورة البقرة، وآل عمران( ٢ )، والنساء في ليلة ؛ كتب من القانتين »( ٣ )، وعن عمر- رضي الله عنه- قال : تعلموا سورة البقرة، والنساء، والمائدة، وسورة النور، والأحزاب ؛ فإن فيهن الفرائض.
١ - النساء: ٥٨..
٢ - ليست في "ك"..
٣ - رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (١٦٨ رقم ٤٣٣)، وسعيد بن منصور في سننه (التفسير ٣/٢٣ رقم ٤٨٥)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (٥/٣٥٩-٣٦٠ رقم ٢٢٠١)، ولكن فيهما: «كان من الحكماء»، جميعهم من طريق سعيد بن جبير، عن عمر موقوفا. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (١/٣٤): فيه انقطاع..
٢ - ليست في "ك"..
٣ - رواه أبو عبيد في فضائل القرآن (١٦٨ رقم ٤٣٣)، وسعيد بن منصور في سننه (التفسير ٣/٢٣ رقم ٤٨٥)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (٥/٣٥٩-٣٦٠ رقم ٢٢٠١)، ولكن فيهما: «كان من الحكماء»، جميعهم من طريق سعيد بن جبير، عن عمر موقوفا. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (١/٣٤): فيه انقطاع..
ﰡ
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿يَا أَيهَا النَّاس﴾ قَالَ عَلْقَمَة: كل مَا نزل فِي الْقُرْآن: ﴿يَا أَيهَا النَّاس﴾ فَإِنَّمَا نزل بِمَكَّة، وكل مَا ورد فِي الْقُرْآن: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ فَإِنَّمَا نزل بِالْمَدِينَةِ.
وَقَوله: ﴿يَا أَيهَا﴾ " يَا " للنداء، و " أَي " للْإِشَارَة، و " هَا " للتّنْبِيه ﴿اتَّقوا ربكُم﴾ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " اتَّقوا (الله) ربكُم ".
بَدَأَ من السُّورَة بالوعظ والتحذير، فَقَالَ: ﴿اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة﴾، وَأَرَادَ بِالنَّفسِ الْوَاحِدَة آدم - صلوَات الله عَلَيْهِ - وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿وَاحِدَة﴾ على التَّأْنِيث؛ لأجل اللَّفْظ؛ لِأَن النَّفس مُؤَنّثَة، وَهَذَا مثل قَول الشَّاعِر:
وَإِنَّمَا قَالَ: وَلدته للفظ الْخَلِيفَة، وَإِن كَانَ مَعْنَاهُ الذّكر ﴿وَخلق مِنْهَا زَوجهَا﴾ يَعْنِي: حَوَّاء، وَسميت حَوَّاء؛ لِأَنَّهَا خلقت من حَيّ، وَفِي الْقَصَص: أَن الله تَعَالَى خلق حَوَّاء من ضلع لآدَم فِي جنبه الْأَيْسَر يُسمى: " القصيراء " وَفِي الْخَبَر الْمَعْرُوف " أَن الْمَرْأَة خلقت من ضلع أَعْوَج، فَإِن أردْت أَن تقيمها كسرتها، وَإِن تركتهَا استمتعت بهَا على اعوجاج " وَقيل: إِن حَوَّاء خلقت من التُّرَاب.
وَقَوله: ﴿وَخلق مِنْهَا زَوجهَا﴾ مَعْنَاهُ: وَخلق من جِنْسهَا زَوجهَا، يَعْنِي: التُّرَاب، وَالأَصَح الأول. وَفِي الْخَبَر: أَن الله تَعَالَى لما خلق آدم ألْقى عَلَيْهِ النّوم، ثمَّ أَخذ ضلعا من أضلاعه، وَخلق مِنْهُ حَوَّاء، فَجَلَست بجنبه، فَلَمَّا انتبه رَآهَا جالسه بجنبه، وَقيل: إِنَّه لم يؤذه أَخذ الضلع شَيْئا، وَلَو آذاه لما عطف رجل على امْرَأَة أبدا.
وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن الله تَعَالَى خلق الرجل من التُّرَاب؛ فهمه فِي التُّرَاب، وَخلق
وَقَوله: ﴿يَا أَيهَا﴾ " يَا " للنداء، و " أَي " للْإِشَارَة، و " هَا " للتّنْبِيه ﴿اتَّقوا ربكُم﴾ وَقَرَأَ ابْن مَسْعُود: " اتَّقوا (الله) ربكُم ".
بَدَأَ من السُّورَة بالوعظ والتحذير، فَقَالَ: ﴿اتَّقوا ربكُم الَّذِي خَلقكُم من نفس وَاحِدَة﴾، وَأَرَادَ بِالنَّفسِ الْوَاحِدَة آدم - صلوَات الله عَلَيْهِ - وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿وَاحِدَة﴾ على التَّأْنِيث؛ لأجل اللَّفْظ؛ لِأَن النَّفس مُؤَنّثَة، وَهَذَا مثل قَول الشَّاعِر:
(أَبوك خَليفَة وَلدته أُخْرَى | وَأَنت خَليفَة ذَاك الْكَمَال) |
وَقَوله: ﴿وَخلق مِنْهَا زَوجهَا﴾ مَعْنَاهُ: وَخلق من جِنْسهَا زَوجهَا، يَعْنِي: التُّرَاب، وَالأَصَح الأول. وَفِي الْخَبَر: أَن الله تَعَالَى لما خلق آدم ألْقى عَلَيْهِ النّوم، ثمَّ أَخذ ضلعا من أضلاعه، وَخلق مِنْهُ حَوَّاء، فَجَلَست بجنبه، فَلَمَّا انتبه رَآهَا جالسه بجنبه، وَقيل: إِنَّه لم يؤذه أَخذ الضلع شَيْئا، وَلَو آذاه لما عطف رجل على امْرَأَة أبدا.
وَعَن ابْن عَبَّاس: أَن الله تَعَالَى خلق الرجل من التُّرَاب؛ فهمه فِي التُّرَاب، وَخلق
393
﴿وَنسَاء وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا (١) وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم﴾ الْمَرْأَة من الرجل، فهمها فِي الرجل؛ فاحبسوا نساءكم.
﴿وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء﴾ ذكر هَذَا كُله لبَيَان الْقُدْرَة؛ وَإِظْهَار الْمِنَّة ﴿وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ﴾ أَي: تسْأَلُون بِهِ، وَذَلِكَ مثل قَول الرجل: أَسأَلك بِاللَّه، ونشدتك بِاللَّه، وَقيل: مَعْنَاهُ: وَاتَّقوا الله الَّذِي تعاهدون بِهِ، وَذَلِكَ أَن تَقول: عَلَيْك عهد الله، وَعلي عهد الله، وَنَحْو ذَلِك.
وَأما قَوْله: ﴿والأرحام﴾ قَرَأَ حَمْزَة: " الْأَرْحَام " بِكَسْر الْمِيم وَتَقْدِيره: تساءلون بِهِ وبالأرحام، قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: تَقول الْعَرَب: نشدتك بِاللَّه وبالرحم. وضعفوا هَذِه الْقِرَاءَة، وَالْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة: بِنصب الْمِيم، وَتَقْدِيره: وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها.
وَفِي الْخَبَر: يَقُول الله تَعَالَى: " أَنا الرَّحْمَن، وخلقت الرَّحِم، واشتققت لَهَا اسْما من اسْمِي، فَمن وَصلهَا وصلته، وَمن قطعهَا قطعته ".
وروى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " إِن الله تَعَالَى يعمر الْكفَّار، وَيكثر أَمْوَالهم، وَلم ينظر إِلَيْهِم مُنْذُ خلقهمْ؛ بغضا لَهُم، فَقيل: مِم ذَاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بصلَة الْأَرْحَام ".
﴿إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا﴾ أَي: حفيظا.
﴿وَبث مِنْهُمَا رجَالًا كثيرا وَنسَاء﴾ ذكر هَذَا كُله لبَيَان الْقُدْرَة؛ وَإِظْهَار الْمِنَّة ﴿وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ﴾ أَي: تسْأَلُون بِهِ، وَذَلِكَ مثل قَول الرجل: أَسأَلك بِاللَّه، ونشدتك بِاللَّه، وَقيل: مَعْنَاهُ: وَاتَّقوا الله الَّذِي تعاهدون بِهِ، وَذَلِكَ أَن تَقول: عَلَيْك عهد الله، وَعلي عهد الله، وَنَحْو ذَلِك.
وَأما قَوْله: ﴿والأرحام﴾ قَرَأَ حَمْزَة: " الْأَرْحَام " بِكَسْر الْمِيم وَتَقْدِيره: تساءلون بِهِ وبالأرحام، قَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ: تَقول الْعَرَب: نشدتك بِاللَّه وبالرحم. وضعفوا هَذِه الْقِرَاءَة، وَالْقِرَاءَة الْمَعْرُوفَة: بِنصب الْمِيم، وَتَقْدِيره: وَاتَّقوا الْأَرْحَام أَن تقطعوها.
وَفِي الْخَبَر: يَقُول الله تَعَالَى: " أَنا الرَّحْمَن، وخلقت الرَّحِم، واشتققت لَهَا اسْما من اسْمِي، فَمن وَصلهَا وصلته، وَمن قطعهَا قطعته ".
وروى عَن رَسُول الله أَنه قَالَ: " إِن الله تَعَالَى يعمر الْكفَّار، وَيكثر أَمْوَالهم، وَلم ينظر إِلَيْهِم مُنْذُ خلقهمْ؛ بغضا لَهُم، فَقيل: مِم ذَاك يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بصلَة الْأَرْحَام ".
﴿إِن الله كَانَ عَلَيْكُم رقيبا﴾ أَي: حفيظا.
394
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم﴾ أَرَادَ بِهِ: دفع المَال إِلَيْهِم بعد الْبلُوغ،
394
﴿وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم إِنَّه كَانَ حوبا كَبِيرا (٢) وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا﴾ وَسَمَّاهُمْ بعد الْبلُوغ يتامى؛ لقرب عَهدهم باليتيم، وَكَانَت قُرَيْش تسمي رَسُول الله يَتِيم أبي طَالب لذَلِك.
﴿وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب﴾ وَفِي قِرَاءَة شَاذَّة: " وَلَا تشتروا الْخَبيث بالطيب " فالخبيث: الْحَرَام، وَالطّيب الْحَلَال، وَمعنى الْكَلَام: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَال الْيَتَامَى حَرَامًا، وَتَدعُوا أَمْوَالكُم الْحَلَال، وَقَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ: لَا تستعجلوا أكل الْحَرَام؛ فَإِن الْحَلَال يأتيكم.
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم﴾ قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: مَعَ أَمْوَالكُم، وَقَالَ غَيره: " إِلَى " لَا تكون بِمَعْنى " مَعَ "، وَهِي على حَقِيقَتهَا، وَمَعْنَاهُ: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم مُضَافَة إِلَى أَمْوَالكُم.
﴿إِنَّه كَانَ حوبا كَبِيرا﴾ فالحوب: الْإِثْم، وَفِي الْخَبَر: " أَن أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَرَادَ أَن يُطلق امْرَأَته أم أَيُّوب، فَقَالَ النَّبِي: إِن طَلَاق أم أَيُّوب لَحوب "
﴿وَلَا تتبدلوا الْخَبيث بالطيب﴾ وَفِي قِرَاءَة شَاذَّة: " وَلَا تشتروا الْخَبيث بالطيب " فالخبيث: الْحَرَام، وَالطّيب الْحَلَال، وَمعنى الْكَلَام: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَال الْيَتَامَى حَرَامًا، وَتَدعُوا أَمْوَالكُم الْحَلَال، وَقَالَ مُجَاهِد: مَعْنَاهُ: لَا تستعجلوا أكل الْحَرَام؛ فَإِن الْحَلَال يأتيكم.
﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم﴾ قَالَ الْفراء: مَعْنَاهُ: مَعَ أَمْوَالكُم، وَقَالَ غَيره: " إِلَى " لَا تكون بِمَعْنى " مَعَ "، وَهِي على حَقِيقَتهَا، وَمَعْنَاهُ: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم مُضَافَة إِلَى أَمْوَالكُم.
﴿إِنَّه كَانَ حوبا كَبِيرا﴾ فالحوب: الْإِثْم، وَفِي الْخَبَر: " أَن أَبَا أَيُّوب الْأنْصَارِيّ أَرَادَ أَن يُطلق امْرَأَته أم أَيُّوب، فَقَالَ النَّبِي: إِن طَلَاق أم أَيُّوب لَحوب "
395
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي الْيَتَامَى﴾ أَي: أَلا تعدلوا، يُقَال: أقسط، إِذا عدل، وقسط، إِذا جَار، وَفِي معنى الْآيَة قَولَانِ: أَحدهمَا أوردهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح، وَهُوَ مَا روى الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة أَنه سَأَلَ عَائِشَة عَن شَأْن هَذِه الْآيَة، فَقَالَت: يَا ابْن أُخْتِي، نزلت الْآيَة فِي يتيمة تكون فِي حجر وَليهَا، ويرغب فِي مَالهَا وجمالها، وَلَا يقسط فِي صَدَاقهَا؛ فنهوا عَن نِكَاحهنَّ، وَأمرُوا أَن ينكحوا غَيْرهنَّ "
فعلى هَذَا تَقْدِير الْآيَة: وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي نِكَاح الْيَتَامَى؛ ﴿فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع﴾.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قصر نِكَاح النِّسَاء على الْأَرْبَع من أجل أَمْوَال الْيَتَامَى، فَإِن قيل:
فعلى هَذَا تَقْدِير الْآيَة: وَإِن خِفْتُمْ أَلا تقسطوا فِي نِكَاح الْيَتَامَى؛ ﴿فانكحوا مَا طَابَ لكم من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع﴾.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: قصر نِكَاح النِّسَاء على الْأَرْبَع من أجل أَمْوَال الْيَتَامَى، فَإِن قيل:
395
﴿فواحده أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا (٣) وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا فكلوه هَنِيئًا مريئا (٤) وَلَا تُؤْتوا﴾ كَيفَ يعرف هَذَا، وَكَيف يلتئم بِذَاكَ هَذَا؟ قيل: مَعْنَاهُ: أَن الله تَعَالَى لما شدد فِي أَمْوَال الْيَتَامَى، تحرج الْمُسلمُونَ عَنْهَا غَايَة التحرج، وشرعوا فِي نِكَاح النِّسَاء، واستهانوا بِهِ؛ فَنزلت الْآيَة، وَأَرَادَ: إِنَّكُم كَمَا تحرجتم عَن أَمْوَال الْيَتَامَى؛ خوفًا من الْجور، فتحرجوا عَن الزِّيَادَة على الْأَرْبَع أَيْضا؛ خوفًا من الْجور والميل، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿فانكحوا مَا طَابَ لكم﴾ أَي: مَا حل لكم ﴿من النِّسَاء مثنى وَثَلَاث وَربَاع﴾ أَي: لَا تجاوزوا الْأَرْبَع.
وَذهب بعض النَّاس إِلَى أَن نِكَاح التسع جَائِز بِظَاهِر هَذِه الْآيَة؛ لِأَن الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاث والأربع يكون تسعا لَيْسَ بِصَحِيح، بل فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: قَالَ الزّجاج: مثنى مثنى، ثَلَاث ثَلَاث، رباع رباع، يَعْنِي: لكل النَّاس، وَقيل: " الْوَاو " بِمَعْنى: " أَو " يَعْنِي: مثنى، أَو ثَلَاث، أَو رباع؛ وَلِأَن على التَّقْدِير الَّذِي ذكرُوا [عي] فِي الْكَلَام؛ لِأَن من أَرَادَ أَن يذكر التسع فَيَقُول: مثنى وَثَلَاث وَربَاع، عد ذَلِك عَيْبا فِي الْكَلَام وَقد قَالَ: ﴿فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة﴾ ؛ لِأَنَّهُ أخف مؤنه ﴿أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ لِأَن حُقُوق ملك الْيَمين أدنى من حُقُوق ملك النِّكَاح، وَهُوَ معنى قَوْله: ﴿ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا﴾ أَي: ذَلِك أقرب أَن لَا تَجُورُوا، يُقَال: عَال، يعول إِذا جَار، وأعال يعيل إِذا كثر عِيَاله، قَالَ الشَّاعِر:
أَي جاروا، وروى: أَن أهل الْكُوفَة عتبوا على عُثْمَان فِي شَيْء، فَقَالَ: لست بقسطاء، فَلَا أعول، أَي لست بقسطاس؛ فَلَا أجور.
وَقَالَ الشَّافِعِي: مَعْنَاهُ: ذَلِك أدنى أَلا تكْثر عيالكم. وَحكى الْأَزْهَرِي عَن الْكسَائي
وَذهب بعض النَّاس إِلَى أَن نِكَاح التسع جَائِز بِظَاهِر هَذِه الْآيَة؛ لِأَن الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاث والأربع يكون تسعا لَيْسَ بِصَحِيح، بل فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: قَالَ الزّجاج: مثنى مثنى، ثَلَاث ثَلَاث، رباع رباع، يَعْنِي: لكل النَّاس، وَقيل: " الْوَاو " بِمَعْنى: " أَو " يَعْنِي: مثنى، أَو ثَلَاث، أَو رباع؛ وَلِأَن على التَّقْدِير الَّذِي ذكرُوا [عي] فِي الْكَلَام؛ لِأَن من أَرَادَ أَن يذكر التسع فَيَقُول: مثنى وَثَلَاث وَربَاع، عد ذَلِك عَيْبا فِي الْكَلَام وَقد قَالَ: ﴿فَإِن خِفْتُمْ أَلا تعدلوا فَوَاحِدَة﴾ ؛ لِأَنَّهُ أخف مؤنه ﴿أَو مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ لِأَن حُقُوق ملك الْيَمين أدنى من حُقُوق ملك النِّكَاح، وَهُوَ معنى قَوْله: ﴿ذَلِك أدنى أَلا تعولُوا﴾ أَي: ذَلِك أقرب أَن لَا تَجُورُوا، يُقَال: عَال، يعول إِذا جَار، وأعال يعيل إِذا كثر عِيَاله، قَالَ الشَّاعِر:
(إِنَّا اتَّبعنَا الرَّسُول واطرحوا | أَمر الرَّسُول وعالوا فِي الموازين) |
وَقَالَ الشَّافِعِي: مَعْنَاهُ: ذَلِك أدنى أَلا تكْثر عيالكم. وَحكى الْأَزْهَرِي عَن الْكسَائي
396
﴿السُّفَهَاء أَمْوَالكُم الَّتِي جعل الله لكم قيَاما وارزقوهم فِيهَا وأكسوهم وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا (٥) وابتلوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح فَإِن آنستم مِنْهُم رشدا فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم وَلَا تَأْكُلُوهَا﴾ إِنَّه حكى عَن الْعَرَب: عَال يعول: إِذا كثر عِيَاله، وَهَذَا يُؤَيّد قَول الشَّافِعِي.
397
﴿وَآتوا النِّسَاء صدقاتهن نحلة﴾ الصَّدَقَة وَالصَّدَاق وَاحِد ﴿نحلة﴾ أَي: تدينا، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: مَعْنَاهُ: فَرِيضَة، وَالْخطاب مَعَ الْأزْوَاج على الْأَصَح وَقيل: هُوَ خطاب مَعَ الْأَوْلِيَاء، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يُعْطون الْمَرْأَة صَدَاقهَا، وَإِنَّمَا يَأْخُذ الْأَوْلِيَاء؛ فخطاب الْأَوْلِيَاء بِإِعْطَاء الْمَرْأَة صَدَاقهَا نحلة، أَي: هُوَ عَطِيَّة لَهَا من الله.
﴿فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا﴾ أَي: فَإِن أعطين عَن طيب نفس من الصَدَاق شَيْئا. و " من " للتَّخْيِير هَاهُنَا، لَا للتَّبْعِيض؛ حَتَّى يجوز للْمَرْأَة هبة كل الصَدَاق، ﴿فكلوه هَنِيئًا مريئا﴾ الهنيء: مَا أكلت من غير تنغيص، والمريء: هُوَ الْمَحْمُود الْعَاقِبَة؛ وَذَلِكَ أَلا يُورث تخمة. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا مرض أحدكُم، فليستقرض من امْرَأَته ثَلَاثَة دَرَاهِم من صَدَاقهَا، وليشتري بهَا عسلا، وليخلطه بِمَاء السَّمَاء، ثمَّ ليَأْكُل؛ فَإِنَّهُ الشِّفَاء الْمُبَارك والهنيء المريء.
﴿فَإِن طبن لكم عَن شَيْء مِنْهُ نفسا﴾ أَي: فَإِن أعطين عَن طيب نفس من الصَدَاق شَيْئا. و " من " للتَّخْيِير هَاهُنَا، لَا للتَّبْعِيض؛ حَتَّى يجوز للْمَرْأَة هبة كل الصَدَاق، ﴿فكلوه هَنِيئًا مريئا﴾ الهنيء: مَا أكلت من غير تنغيص، والمريء: هُوَ الْمَحْمُود الْعَاقِبَة؛ وَذَلِكَ أَلا يُورث تخمة. وَعَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا مرض أحدكُم، فليستقرض من امْرَأَته ثَلَاثَة دَرَاهِم من صَدَاقهَا، وليشتري بهَا عسلا، وليخلطه بِمَاء السَّمَاء، ثمَّ ليَأْكُل؛ فَإِنَّهُ الشِّفَاء الْمُبَارك والهنيء المريء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلَا تُؤْتوا السُّفَهَاء أَمْوَالكُم﴾ أَكثر الْمُفَسّرين على أَن المُرَاد بالسفهاء: الصّبيان وَالنِّسَاء هَاهُنَا، وَقَالَ الشّعبِيّ: الْمَرْأَة أسفه من كل سَفِيه.
قَالَ سعيد بن جُبَير: معنى الْآيَة: أَن لَا تجْعَلُوا الْمَرْأَة قيمَة الْبَيْت فِي المعاش، بل كونُوا أَنْتُم قوامين على النِّسَاء فِي المعاش، وَقَوله: ﴿الَّتِي جعل الله لكم قيَاما﴾ فالقيام والقوام وَاحِد، يَعْنِي: أَمْوَالكُم الَّتِي جعلهَا الله قواما لمعاشكم، وَقَالَ الزّجاج: تَقْدِيره: الْأَمْوَال الَّتِي تقيمكم فتقومون بِهِ قيَاما ﴿وارزقوهم فِيهَا وأكسوهم﴾ قيل: مَعْنَاهُ: وارزقوهم مِنْهَا، وَقيل كلمة فِي حقيقتهما، وَمَعْنَاهُ: اجعلوا وظائفهم من الرزق وَالْكِسْوَة فِيهَا.
﴿وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا﴾ قيل: مَعْنَاهُ: تَعْلِيم الدّين والشرائع، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: وعد الْجَمِيل؛ وَذَلِكَ أَن تَقول لَهُم: إِن سَافَرت وربحت، أُعْطِيكُم كَذَا، وَإِن غزوت
قَالَ سعيد بن جُبَير: معنى الْآيَة: أَن لَا تجْعَلُوا الْمَرْأَة قيمَة الْبَيْت فِي المعاش، بل كونُوا أَنْتُم قوامين على النِّسَاء فِي المعاش، وَقَوله: ﴿الَّتِي جعل الله لكم قيَاما﴾ فالقيام والقوام وَاحِد، يَعْنِي: أَمْوَالكُم الَّتِي جعلهَا الله قواما لمعاشكم، وَقَالَ الزّجاج: تَقْدِيره: الْأَمْوَال الَّتِي تقيمكم فتقومون بِهِ قيَاما ﴿وارزقوهم فِيهَا وأكسوهم﴾ قيل: مَعْنَاهُ: وارزقوهم مِنْهَا، وَقيل كلمة فِي حقيقتهما، وَمَعْنَاهُ: اجعلوا وظائفهم من الرزق وَالْكِسْوَة فِيهَا.
﴿وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا﴾ قيل: مَعْنَاهُ: تَعْلِيم الدّين والشرائع، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: وعد الْجَمِيل؛ وَذَلِكَ أَن تَقول لَهُم: إِن سَافَرت وربحت، أُعْطِيكُم كَذَا، وَإِن غزوت
397
﴿إسرافا وبدارا أَن يكبروا وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم وَكفى بِاللَّه حسيب (٦) للرِّجَال نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان﴾ فَغنِمت، أُعْطِيكُم كَذَا، فَهَذَا هُوَ القَوْل الْمَعْرُوف.
398
قَوْله تَعَالَى: ﴿وابتلوا الْيَتَامَى﴾ يَعْنِي: واختبروا الْيَتَامَى، ثمَّ مِنْهُم من قَالَ: إِنَّمَا نختبرهم بعد الْبلُوغ، وَسَمَّاهُمْ يتامى؛ لقرب عَهدهم باليتيم، وَالصَّحِيح أَنه أَرَادَ بِهِ: الاختبار قبل الْبلُوغ، ثمَّ اخْتلفُوا، فَأَما الْفُقَهَاء قَالُوا: يدْفع إِلَيْهِ شَيْئا يَسِيرا، ويبعثه إِلَى السُّوق، حَتَّى يستام السّلْعَة، ثمَّ إِذا آل الْأَمر إِلَى العقد يعْقد الْوَلِيّ، وَمِنْهُم من قَالَ: يعْقد الصَّبِي، وَيجوز ذَلِك فِي الشَّيْء الْيَسِير؛ لأجل الاختبار.
وَأما الَّذِي قَالَه الْمُفَسِّرُونَ: أَنه يدْفع إِلَيْهِ مَالا، وَيجْعَل إِلَيْهِ نَفَقَة الْبَيْت، ويختبره فِيهَا، ﴿حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح﴾ أَي: أَوَان الْحلم ﴿فَإِن آنستم﴾ أَي: أحسستم، ووجدتم ﴿مِنْهُم رشدا﴾ قَالَ مُجَاهِد: عقلا، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عقلا وإصلاحا فِي المَال. وَمذهب الشَّافِعِي: أَن الرشد: هُوَ الصّلاح فِي الدّين، والإصلاح فِي المَال.
﴿فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم﴾ أَمر الْأَوْلِيَاء بِدفع المَال إِلَيْهِم عِنْد الْبلُوغ والرشد. ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إسرافا﴾ أَي: لَا تَأْكُلُوهَا مسرفين ﴿وبدارا أَن يكبروا﴾ أَي: لَا تبَادرُوا إِلَى أكل أَمْوَال الْيَتَامَى، خوفًا من أَن يكبروا؛ فيأخذوا أَمْوَالهم.
﴿وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف﴾ أَي: فليستعفف بِمَالِه عَن مَال الْيَتِيم ﴿وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْوَلِيّ فَقِيرا، يَأْكُل من مَال الْيَتِيم بِقدر الْحَاجة، وَقَالَ أَيْضا: أَنا فِي هَذَا المَال: كولي الْيَتِيم، إِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت، وَإِن احتجت أكلت. وَإِلَى هَذَا ذهب قوم من الْعلمَاء، أَن لَهُ أَن يَأْكُل بِقدر مَا يسد بِهِ الْخلَّة، وَقَالَ بَعضهم: عباءا غليظا، وخبز الشّعير، وَقَالَ الشّعبِيّ وَجَمَاعَة: يَأْكُل من مَال الْيَتِيم على سَبِيل الْقَرْض، وَقَالَ مُجَاهِد: لَا يَأْكُل أصلا، لَا قرضا، وَلَا غير قرض، قَالَ: وَالْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ﴾
وَأما الَّذِي قَالَه الْمُفَسِّرُونَ: أَنه يدْفع إِلَيْهِ مَالا، وَيجْعَل إِلَيْهِ نَفَقَة الْبَيْت، ويختبره فِيهَا، ﴿حَتَّى إِذا بلغُوا النِّكَاح﴾ أَي: أَوَان الْحلم ﴿فَإِن آنستم﴾ أَي: أحسستم، ووجدتم ﴿مِنْهُم رشدا﴾ قَالَ مُجَاهِد: عقلا، وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ: عقلا وإصلاحا فِي المَال. وَمذهب الشَّافِعِي: أَن الرشد: هُوَ الصّلاح فِي الدّين، والإصلاح فِي المَال.
﴿فادفعوا إِلَيْهِم أَمْوَالهم﴾ أَمر الْأَوْلِيَاء بِدفع المَال إِلَيْهِم عِنْد الْبلُوغ والرشد. ﴿وَلَا تَأْكُلُوهَا إسرافا﴾ أَي: لَا تَأْكُلُوهَا مسرفين ﴿وبدارا أَن يكبروا﴾ أَي: لَا تبَادرُوا إِلَى أكل أَمْوَال الْيَتَامَى، خوفًا من أَن يكبروا؛ فيأخذوا أَمْوَالهم.
﴿وَمن كَانَ غَنِيا فليستعفف﴾ أَي: فليستعفف بِمَالِه عَن مَال الْيَتِيم ﴿وَمن كَانَ فَقِيرا فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ قَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِذا كَانَ الْوَلِيّ فَقِيرا، يَأْكُل من مَال الْيَتِيم بِقدر الْحَاجة، وَقَالَ أَيْضا: أَنا فِي هَذَا المَال: كولي الْيَتِيم، إِن اسْتَغْنَيْت اسْتَعْفَفْت، وَإِن احتجت أكلت. وَإِلَى هَذَا ذهب قوم من الْعلمَاء، أَن لَهُ أَن يَأْكُل بِقدر مَا يسد بِهِ الْخلَّة، وَقَالَ بَعضهم: عباءا غليظا، وخبز الشّعير، وَقَالَ الشّعبِيّ وَجَمَاعَة: يَأْكُل من مَال الْيَتِيم على سَبِيل الْقَرْض، وَقَالَ مُجَاهِد: لَا يَأْكُل أصلا، لَا قرضا، وَلَا غير قرض، قَالَ: وَالْآيَة مَنْسُوخَة بقوله تَعَالَى: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ﴾
398
﴿وَالْأَقْرَبُونَ وللنساء نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قل مِنْهُ أَو كثر نَصِيبا مَفْرُوضًا (٧) وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا (٨) ﴾ ﴿إِلَّا أَن تكون تِجَارَة عَن تراضي﴾ وَإِلَى هَذَا ذهب أَكثر الْعلمَاء، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى، أَنه لَا يَأْكُل أصلا، وَمن قَالَ: إِنَّه يَأْكُل، يَقُول: يَأْخُذ بِقدر أجرته على الْقيام، وَقد روى أَن رجلا (جَاءَ) إِلَى ابْن عَبَّاس، وَقَالَ: (إِن) لي يَتِيما وَله إبل، فَمَاذَا أُصِيب مِنْهَا؟ فَقَالَ: أتلوط حَوْضهَا وَتَهْنَأ جَرْبَاهَا؟ قَالَ: نعم، فَقَالَ ابْن عَبَّاس: أصب من رسلها غير مُضر بِنَسْل، وَلَا نَاهِك فِي حلب.
وَفِيه قَول رَابِع: أَن معنى قَوْله: ﴿فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ يَعْنِي: يَأْكُل الْفَقِير من قوت نَفسه بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يستكثر مِنْهُ حَتَّى ينفذ مَاله؛ فَيحْتَاج إِلَى مَال الْيَتِيم.
﴿فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم﴾ ندب إِلَى الْإِشْهَاد؛ كَيْلا يجحدوا.
﴿وَكفى بِاللَّه حسيبا﴾ أَي: شَهِيدا.
وَفِيه قَول رَابِع: أَن معنى قَوْله: ﴿فَليَأْكُل بِالْمَعْرُوفِ﴾ يَعْنِي: يَأْكُل الْفَقِير من قوت نَفسه بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يستكثر مِنْهُ حَتَّى ينفذ مَاله؛ فَيحْتَاج إِلَى مَال الْيَتِيم.
﴿فَإِذا دفعتم إِلَيْهِم أَمْوَالهم فأشهدوا عَلَيْهِم﴾ ندب إِلَى الْإِشْهَاد؛ كَيْلا يجحدوا.
﴿وَكفى بِاللَّه حسيبا﴾ أَي: شَهِيدا.
399
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿للرِّجَال نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ وللنساء نصيب مِمَّا ترك الْوَالِدَان وَالْأَقْرَبُونَ﴾ سَبَب نزُول الْآيَة أَن أَوْس بن ثَابت الْأنْصَارِيّ مَاتَ وَخلف ثَلَاث بَنَات وَامْرَأَة يُقَال لَهَا: أم كجة وَابْني عَم: عرْفجَة، وسُويد، فجَاء ابْنا عَمه وأخذا جَمِيع المَال، وَكَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة لَا يورثون النِّسَاء من الْمَيِّت، وَيَقُولُونَ: لَا يَرث أَمْوَالنَا إِلَّا من طَاعن بِالرِّمَاحِ، وضارب بِالسُّيُوفِ؛ فَنزلت الْآيَة، وَهَذِه أول آيَة نزلت فِي تَوْرِيث النِّسَاء المَال.
﴿مِمَّا قل مِنْهُ أَو كثر نصيب مَفْرُوضًا﴾ وَقد بَين الأنصبة الْمَفْرُوضَة فِي آيَات الْمَوَارِيث.
﴿مِمَّا قل مِنْهُ أَو كثر نصيب مَفْرُوضًا﴾ وَقد بَين الأنصبة الْمَفْرُوضَة فِي آيَات الْمَوَارِيث.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِذا حضر الْقِسْمَة أولُوا الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين فارزقوهم مِنْهُ﴾ يَعْنِي: قسْمَة التَّرِكَة فِي مَوَارِيث إِذا حضرها من لَا يَرث الْمَيِّت من أَقَاربه، أَو الْيَتَامَى، وَالْمَسَاكِين ﴿فارزقوهم مِنْهُ﴾ فأعطوهم شَيْئا ﴿وَقُولُوا لَهُم قولا مَعْرُوفا﴾ أَي: قُولُوا لَهُم: بورك فِيكُم.
399
﴿وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافا خَافُوا عَلَيْهِم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا (٩) إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا وسيصلون سعيرا (١٠) يُوصِيكُم﴾
ثمَّ اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم: الْآيَة مَنْسُوخَة، فَيجوز أَن يُعْطوا، وَيجوز أَن لَا يُعْطوا، وَقيل: هُوَ على النّدب، وَيسْتَحب أَن يعطيهم شَيْئا، وَمِنْهُم من قَالَ: إِن قسموا الْعين وَالْوَرق وَنَحْوه يُوضح لَهُم، وَإِن قسموا الدّور وَالْعَقار، وَالْعَبِيد، وَالثيَاب، وَنَحْوهَا، يَقُول لَهُم: بورك فِيكُم.
ثمَّ اخْتلفُوا، فَقَالَ بَعضهم: الْآيَة مَنْسُوخَة، فَيجوز أَن يُعْطوا، وَيجوز أَن لَا يُعْطوا، وَقيل: هُوَ على النّدب، وَيسْتَحب أَن يعطيهم شَيْئا، وَمِنْهُم من قَالَ: إِن قسموا الْعين وَالْوَرق وَنَحْوه يُوضح لَهُم، وَإِن قسموا الدّور وَالْعَقار، وَالْعَبِيد، وَالثيَاب، وَنَحْوهَا، يَقُول لَهُم: بورك فِيكُم.
400
قَوْله تَعَالَى: ﴿وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم ذُرِّيَّة ضعافا خَافُوا عَلَيْهِم فليتقوا الله﴾ سَبَب نزُول الْآيَة: أَن أَصْحَاب رَسُول الله كَانَ الرجل مِنْهُم إِذا حَضَره الْمَوْت، يأْتونَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُونَ لَهُ: انْظُر لنَفسك أَيهَا الرجل، وأوصي بِمَالك، وَإِن وَرثتك لَا يغنون عَنْك من الله شَيْئا، وَرُبمَا يحملونه على أَن يُوصي بِجَمِيعِ المَال فَنزلت الْآيَة ﴿وليخش الَّذين لَو تركُوا من خَلفهم﴾ أَي: إِن تركُوا من خَلفهم ﴿ذُرِّيَّة ضعافا﴾ أَي: أَوْلَاد صغَارًا ﴿خَافُوا عَلَيْهِم﴾ أَو على أَوْلَادهم؛ فليخافوا على أَوْلَاد النَّاس كَمَا يخَافُونَ على أَوْلَادهم؛ فَإِن أَوْلَاد الْمَيِّت أَحَق بِمَالِه من الْأَجَانِب، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا﴾ أَي: عدلا.
قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الَّذين يَأْكُلُون أَمْوَال الْيَتَامَى ظلما﴾ نزلت الْآيَة فِي حَنْظَلَة ابْن الشمردل، كَانَ قد ولى يَتِيما، فَأكل جَمِيع مَاله، وَقيل: الْآيَة نزلت ابْتِدَاء فِي حق الْكَافِر ﴿إِنَّمَا يَأْكُلُون فِي بطونهم نَارا﴾ لِأَنَّهُ لما كَانَ أكلهم ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى النَّار، سماهم آكلين للنار، وَهَذَا كَقَوْل النَّبِي ": الَّذِي يشرب فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة، إِنَّمَا يجرجر فِي بَطْنه نَار جَهَنَّم ". وفى الحَدِيث: " يخرج لهيب النَّار من جوفهم يَوْم الْقِيَامَة ". وفى رِوَايَة: " أَن الْملك يَأْتِيهم، فَيفتح أَفْوَاههم، ويلقمهم الْجَمْر،
400
﴿الله فِي أَوْلَادكُم للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك إِن كَانَ لَهُ ولد فَإِن لم يكن لَهُ ولد﴾ وَيَقُول: هَذَا بأكلكم مَال الْيَتِيم "
وَقَالَ: " من أبكى يَتِيما، فَحق على الله أَن يبكى عَيْنَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة ".
﴿وسيصلون سعيرا﴾ أَي: سيدخلون جَهَنَّم، وَقيل: يعاينون سعيرا، والسعير: النَّار المستعرة، وَهُوَ اسْم من أَسمَاء جَهَنَّم.
وَقَالَ: " من أبكى يَتِيما، فَحق على الله أَن يبكى عَيْنَيْهِ يَوْم الْقِيَامَة ".
﴿وسيصلون سعيرا﴾ أَي: سيدخلون جَهَنَّم، وَقيل: يعاينون سعيرا، والسعير: النَّار المستعرة، وَهُوَ اسْم من أَسمَاء جَهَنَّم.
401
قَوْله تَعَالَى: ﴿يُوصِيكُم الله فِي أَوْلَادكُم﴾ مَعْنَاهُ: يفْرض الله عَلَيْكُم فِي أَوْلَادكُم، وَذَلِكَ مثل قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُم وَصَّاكُم بِهِ﴾ أَي: فرض عَلَيْكُم ﴿للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾.
سَبَب نزُول الْآيَة: " أَن سعد بن الرّبيع لما اسْتشْهد يَوْم أحد خلف ابْنَتَيْن وَامْرَأَة وأخا، فجَاء الْأَخ وَأخذ جَمِيع المَال، فَجَاءَت الْمَرْأَة تَشكوا إِلَى رَسُول الله؛ فَنزلت الْآيَة ". فَدَعَا رَسُول الله الْأَخ، وَقَالَ: اعط الابنتين الثُّلثَيْنِ وَالْمَرْأَة الثّمن، وَخذ الْبَاقِي ".
وَقَوله: ﴿للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ يَعْنِي: إِذا خلف ابْنا وَابْنه، فَالْمَال من ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للإبن، وَسَهْم للْبِنْت ﴿فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك﴾ أَكثر الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء على أَن للابنتين، وَالثَّلَاث: الثُّلثَيْنِ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: للابنتين النّصْف، وَإِنَّمَا الثُّلُثَانِ للثلاث وَمَا زَاد؛ تمسكا بِظَاهِر الْآيَة. وَالْأول أصح.
سَبَب نزُول الْآيَة: " أَن سعد بن الرّبيع لما اسْتشْهد يَوْم أحد خلف ابْنَتَيْن وَامْرَأَة وأخا، فجَاء الْأَخ وَأخذ جَمِيع المَال، فَجَاءَت الْمَرْأَة تَشكوا إِلَى رَسُول الله؛ فَنزلت الْآيَة ". فَدَعَا رَسُول الله الْأَخ، وَقَالَ: اعط الابنتين الثُّلثَيْنِ وَالْمَرْأَة الثّمن، وَخذ الْبَاقِي ".
وَقَوله: ﴿للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ يَعْنِي: إِذا خلف ابْنا وَابْنه، فَالْمَال من ثَلَاثَة أسْهم: سَهْمَان للإبن، وَسَهْم للْبِنْت ﴿فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثلثا مَا ترك﴾ أَكثر الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء على أَن للابنتين، وَالثَّلَاث: الثُّلثَيْنِ.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: للابنتين النّصْف، وَإِنَّمَا الثُّلُثَانِ للثلاث وَمَا زَاد؛ تمسكا بِظَاهِر الْآيَة. وَالْأول أصح.
401
﴿وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث فَإِن كَانَ لَهُ إخْوَة فلأمه السُّدس من بعد وَصِيَّة يُوصي بهَا أَو دين آباؤكم وأبناؤكم لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أقرب لكم نفعا فَرِيضَة من الله إِن الله كَانَ عليما حكيما (١١) وَلكم﴾
وَمعنى قَوْله: ﴿فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ﴾ يَعْنِي: كن نسَاء اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقهمَا، وَهَذَا كَقَوْلِه: ﴿فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق﴾ أَي: فاضربوا الْأَعْنَاق فَمَا فَوْقهَا، وَقيل: " فَوق " فِيهِ صلَة، وَتَقْدِيره: فَإِن كن نسَاء اثْنَتَيْنِ، وَاسم الْجمع ينْطَلق على الِاثْنَيْنِ؛ لِأَن الْجمع عبارَة عَن جمع الشَّيْء، وَيَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَان وَالثَّلَاث، ولأنا أجمعنا على أَن الْأُخْتَيْنِ ترثان الثُّلثَيْنِ، وهما ابنتا أَب الْمَيِّت، فالابنتان لِأَن يرثا الثُّلثَيْنِ أولى، وهما ابنتاه للصلب.
﴿وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف﴾ وَفِيه إِجْمَاع ﴿ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك وَإِن كَانَ لَهُ ولد﴾ يَعْنِي: للْمَيت، ﴿فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث﴾ وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ.
﴿فَإِن كَانَ لَهُ إخوه فلأمه السُّدس﴾ أَكثر الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء على أَن الْأَخَوَيْنِ وَالثَّلَاثَة يردون الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الثَّلَاثَة يردون، فَأَما الأخوان فَلَا يردان، لِأَنَّهُ ذكر بِلَفْظ الْجمع وَأقله ثَلَاثَة.
وَقد بَينا أَن اسْم الْجمع ينْطَلق على اثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: " فلأمه السُّدس " بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ لُغَة فِي الْأُم، وَالْمَعْرُوف بِالضَّمِّ ﴿من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين﴾ يقْرَأ بقرآتين " يوصى " بِكَسْر الصَّاد على معنى: يوصيها الْمُوصى، وَيقْرَأ: " يوصى " بِفَتْح الصَّاد، على مَا لم يسم فَاعله.
وَمعنى قَوْله: ﴿فَإِن كن نسَاء فَوق اثْنَتَيْنِ﴾ يَعْنِي: كن نسَاء اثْنَتَيْنِ فَمَا فَوْقهمَا، وَهَذَا كَقَوْلِه: ﴿فاضربوا فَوق الْأَعْنَاق﴾ أَي: فاضربوا الْأَعْنَاق فَمَا فَوْقهَا، وَقيل: " فَوق " فِيهِ صلَة، وَتَقْدِيره: فَإِن كن نسَاء اثْنَتَيْنِ، وَاسم الْجمع ينْطَلق على الِاثْنَيْنِ؛ لِأَن الْجمع عبارَة عَن جمع الشَّيْء، وَيَسْتَوِي فِيهِ الِاثْنَان وَالثَّلَاث، ولأنا أجمعنا على أَن الْأُخْتَيْنِ ترثان الثُّلثَيْنِ، وهما ابنتا أَب الْمَيِّت، فالابنتان لِأَن يرثا الثُّلثَيْنِ أولى، وهما ابنتاه للصلب.
﴿وَإِن كَانَت وَاحِدَة فلهَا النّصْف﴾ وَفِيه إِجْمَاع ﴿ولأبويه لكل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس مِمَّا ترك وَإِن كَانَ لَهُ ولد﴾ يَعْنِي: للْمَيت، ﴿فَإِن لم يكن لَهُ ولد وَورثه أَبَوَاهُ فلأمه الثُّلُث﴾ وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ.
﴿فَإِن كَانَ لَهُ إخوه فلأمه السُّدس﴾ أَكثر الصَّحَابَة وَالْعُلَمَاء على أَن الْأَخَوَيْنِ وَالثَّلَاثَة يردون الْأُم من الثُّلُث إِلَى السُّدس.
وَقَالَ ابْن عَبَّاس: الثَّلَاثَة يردون، فَأَما الأخوان فَلَا يردان، لِأَنَّهُ ذكر بِلَفْظ الْجمع وَأقله ثَلَاثَة.
وَقد بَينا أَن اسْم الْجمع ينْطَلق على اثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَة.
وَقَرَأَ حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: " فلأمه السُّدس " بِكَسْر الْهمزَة، وَهُوَ لُغَة فِي الْأُم، وَالْمَعْرُوف بِالضَّمِّ ﴿من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين﴾ يقْرَأ بقرآتين " يوصى " بِكَسْر الصَّاد على معنى: يوصيها الْمُوصى، وَيقْرَأ: " يوصى " بِفَتْح الصَّاد، على مَا لم يسم فَاعله.
402
﴿نصف مَا ترك أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد فَإِن كَانَ لَهَا ولد فلكم الرّبع مِمَّا تركن من بعد وَصِيَّة يوصين بهَا أَو دين ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن مِمَّا﴾
وَعَن عَليّ رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّكُم تقرءون الْوَصِيَّة قبل الدّين، وَالدّين قبل الْوَصِيَّة، يَعْنِي: فِي الْقَضَاء، ثمَّ اخْتلفُوا، مِنْهُم من قَالَ: " أَو " بِمَعْنى " الْوَاو " وَالْمرَاد الْجمع بَينهمَا، وَبَيَان أَن الْإِرْث مُؤَخرا عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَمِنْهُم من قَالَ " أَو " على حَقِيقَته، وَمَعْنَاهُ: من بعد وَصِيَّة، إِن كَانَت وَصِيَّة، أَو دين إِن كَانَ دين، فالإرث مُؤخر عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا؛ من ذَلِك عرف تَأْخِيره عَنْهُمَا إِذا اجْتَمَعنَا بطرِيق الأولى.
وَقَوله: ﴿آباؤكم وأبناؤكم﴾ يَعْنِي: الَّذين يرثونكم آباؤكم وأبناؤكم ﴿لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أقرب لكم نفعا﴾ أَي: لَا تعلمُونَ أَيهمْ أَنْفَع لكم فِي الدّين وَالدُّنْيَا.
فَمنهمْ من يظنّ أَن الْآبَاء تَنْفَع فَتكون الْأَبْنَاء أَنْفَع، وَمِنْهُم من يظنّ أَن الْأَبْنَاء أَنْفَع، فَتكون الأباء أَنْفَع، وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ، وَأَنا أعلم بِمن هُوَ أَنْفَع لكم؛ وَقد دبرت أَمركُم على مَا فِيهِ الْحِكْمَة والمصلحة، فَخُذُوهُ، واتبعوه. وَفِي الْأَخْبَار " أَن فِي الْجنَّة يكون الْأَب على الدرجَة الْعَالِيَة، وَالِابْن فِي الدرجَة السافلة، فَيسْأَل الابْن الله تَعَالَى فيرفعه إِلَى دَرَجَة أَبِيه. وَيكون الابْن على الدرجَة الْعَالِيَة، وَالْأَب فِي الدرجَة السافلة، فَيسْأَل الْأَب الله تَعَالَى فيرفعه إِلَى دَرَجَة الابْن " فَهَذَا معنى الْآيَة لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أَنْفَع لكم فِي الْآخِرَة، وَأَرْفَع دَرَجَة، فتصلون إِلَى دَرَجَته.
﴿فَرِيضَة من الله﴾ يَعْنِي: مَا قدر من الْمَوَارِيث ﴿إِن الله كَانَ عليما﴾ بِأَمْر الْعباد ﴿حكيما﴾ بِنصب الْأَحْكَام.
وَعَن عَليّ رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ: إِنَّكُم تقرءون الْوَصِيَّة قبل الدّين، وَالدّين قبل الْوَصِيَّة، يَعْنِي: فِي الْقَضَاء، ثمَّ اخْتلفُوا، مِنْهُم من قَالَ: " أَو " بِمَعْنى " الْوَاو " وَالْمرَاد الْجمع بَينهمَا، وَبَيَان أَن الْإِرْث مُؤَخرا عَنْهُمَا جَمِيعًا، وَمِنْهُم من قَالَ " أَو " على حَقِيقَته، وَمَعْنَاهُ: من بعد وَصِيَّة، إِن كَانَت وَصِيَّة، أَو دين إِن كَانَ دين، فالإرث مُؤخر عَن كل وَاحِد مِنْهُمَا؛ من ذَلِك عرف تَأْخِيره عَنْهُمَا إِذا اجْتَمَعنَا بطرِيق الأولى.
وَقَوله: ﴿آباؤكم وأبناؤكم﴾ يَعْنِي: الَّذين يرثونكم آباؤكم وأبناؤكم ﴿لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أقرب لكم نفعا﴾ أَي: لَا تعلمُونَ أَيهمْ أَنْفَع لكم فِي الدّين وَالدُّنْيَا.
فَمنهمْ من يظنّ أَن الْآبَاء تَنْفَع فَتكون الْأَبْنَاء أَنْفَع، وَمِنْهُم من يظنّ أَن الْأَبْنَاء أَنْفَع، فَتكون الأباء أَنْفَع، وَأَنْتُم لَا تعلمُونَ، وَأَنا أعلم بِمن هُوَ أَنْفَع لكم؛ وَقد دبرت أَمركُم على مَا فِيهِ الْحِكْمَة والمصلحة، فَخُذُوهُ، واتبعوه. وَفِي الْأَخْبَار " أَن فِي الْجنَّة يكون الْأَب على الدرجَة الْعَالِيَة، وَالِابْن فِي الدرجَة السافلة، فَيسْأَل الابْن الله تَعَالَى فيرفعه إِلَى دَرَجَة أَبِيه. وَيكون الابْن على الدرجَة الْعَالِيَة، وَالْأَب فِي الدرجَة السافلة، فَيسْأَل الْأَب الله تَعَالَى فيرفعه إِلَى دَرَجَة الابْن " فَهَذَا معنى الْآيَة لَا تَدْرُونَ أَيهمْ أَنْفَع لكم فِي الْآخِرَة، وَأَرْفَع دَرَجَة، فتصلون إِلَى دَرَجَته.
﴿فَرِيضَة من الله﴾ يَعْنِي: مَا قدر من الْمَوَارِيث ﴿إِن الله كَانَ عليما﴾ بِأَمْر الْعباد ﴿حكيما﴾ بِنصب الْأَحْكَام.
403
﴿تركْتُم من بعد وَصِيَّة توصون بهَا أَو دين وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس فَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين﴾
404
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَلكم نصف مَا ترك أزواجكم إِن لم يكن لَهُنَّ ولد فَإِن كَانَ لَهُنَّ ولد فلكم الرّبع مِمَّا تركن من بعد وَصِيَّة يوصين بهَا أَو دين﴾ هَذَا فِي مِيرَاث الْأزْوَاج، وَفِيه إِجْمَاع ﴿ولهن الرّبع مِمَّا تركْتُم إِن لم يكن لكم ولد فَإِن كَانَ لكم ولد فَلَهُنَّ الثّمن مِمَّا تركْتُم من بعد وَصِيَّة توصون بهَا أَو دين﴾ وَهَذَا فِي مِيرَاث الزَّوْجَات، وَلَا خلاف فِيهِ.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة﴾ يعْنى: أَو امْرَأَة تورث كَلَالَة، قَالَ بعض الْعلمَاء: الْكَلَالَة لَا يعلم مَعْنَاهَا، وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: خرج رَسُول الله من الدُّنْيَا وَلم يبين لنا ثَلَاثَة: الْكَلَالَة، والخلافة، والربا.
وَالصَّحِيح أَنَّهَا مَعْلُومَة الْمَعْنى، ثمَّ اخْتلفُوا، قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن عمر: إِن الْكَلَالَة اسْم لمَيت لَا ولد لَهُ، وَورث الاخوة مَعَ الْأَب.
وَقَالَ الحكم بن عتيبة: والكلالة: اسْم لمَيت لَا ولد لَهُ، وَورث الاخوة مَعَ الْوَالِد، وهما قَولَانِ فِي شواذ الْخلاف، وَالصَّحِيح فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا قَول لأهل الْمَدِينَة والكوفة أَن الْكَلَالَة اسْم لوَرَثَة لَيْسَ فيهم ولد وَلَا وَالِد؛ مَأْخُوذ من الإكليل، وَهُوَ الَّذِي على جَانِبي الْوَجْه، فالكلالة اسْم لمن يُحِيط بجانبي الْمَيِّت من الاخوة وَالْأَخَوَات، والأعمام، وَنَحْوهم، وَلم يكن أَعلَى وَلَا أَسْفَل.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيث جَابر " كَانَ مَرِيضا؛ فَدخل عَلَيْهِ رَسُول الله يعودهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَرِثنِي كَلَالَة ". وَلم يكن فِي ورثته ولد وَلَا وَالِد، وَجعل الْكَلَالَة اسْما للْوَارِث، وَيشْهد لهَذَا مَا قرئَ فِي الشواذ: " وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة " مشددا بِكَسْر الرَّاء.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة أَو امْرَأَة﴾ يعْنى: أَو امْرَأَة تورث كَلَالَة، قَالَ بعض الْعلمَاء: الْكَلَالَة لَا يعلم مَعْنَاهَا، وَعَن عمر - رَضِي الله عَنهُ - قَالَ: خرج رَسُول الله من الدُّنْيَا وَلم يبين لنا ثَلَاثَة: الْكَلَالَة، والخلافة، والربا.
وَالصَّحِيح أَنَّهَا مَعْلُومَة الْمَعْنى، ثمَّ اخْتلفُوا، قَالَ ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَهِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن عمر: إِن الْكَلَالَة اسْم لمَيت لَا ولد لَهُ، وَورث الاخوة مَعَ الْأَب.
وَقَالَ الحكم بن عتيبة: والكلالة: اسْم لمَيت لَا ولد لَهُ، وَورث الاخوة مَعَ الْوَالِد، وهما قَولَانِ فِي شواذ الْخلاف، وَالصَّحِيح فِيهِ قَولَانِ:
أَحدهمَا قَول لأهل الْمَدِينَة والكوفة أَن الْكَلَالَة اسْم لوَرَثَة لَيْسَ فيهم ولد وَلَا وَالِد؛ مَأْخُوذ من الإكليل، وَهُوَ الَّذِي على جَانِبي الْوَجْه، فالكلالة اسْم لمن يُحِيط بجانبي الْمَيِّت من الاخوة وَالْأَخَوَات، والأعمام، وَنَحْوهم، وَلم يكن أَعلَى وَلَا أَسْفَل.
وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِحَدِيث جَابر " كَانَ مَرِيضا؛ فَدخل عَلَيْهِ رَسُول الله يعودهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا يَرِثنِي كَلَالَة ". وَلم يكن فِي ورثته ولد وَلَا وَالِد، وَجعل الْكَلَالَة اسْما للْوَارِث، وَيشْهد لهَذَا مَا قرئَ فِي الشواذ: " وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة " مشددا بِكَسْر الرَّاء.
404
﴿غير مضار وَصِيَّة من الله وَالله عليم حَلِيم (١٢) تِلْكَ حُدُود الله وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجْرِي من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم (١٣) وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد﴾
وَقَالَ البصريون: وَهُوَ قَول أَبى بكر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَزيد، وفى أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكَلَالَة: اسْم للْمَيت الَّذِي لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد، وَهُوَ ظَاهر الْآيَة، وَتشهد لَهُ الْقِرَاءَة الْأُخْرَى فِي الشواذ: " وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة " مشددا بِفَتْح الرَّاء. قَالَ الشَّاعِر:
فَيجْعَل الْكَلَالَة اسْما للْمَيت.
وَفِيه قَول آخر: أَن الْكَلَالَة اسْم للتركة، قَالَه عَطاء. وَقَوله: ﴿وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس﴾ أَجمعُوا على أَن المُرَاد بالأخ وَالْأُخْت هَاهُنَا أَوْلَاد الْأُم، وَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم السُّدس ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى.
﴿فَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث﴾ وَفِيه إِجْمَاع، أَن فرضهم الثُّلُث إِذا تعددوا، وَإِن كَثُرُوا ﴿من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين غير مضار﴾ يَعْنِي: الْمُوصي لَا يضر بالورثة بمجاوزة الثُّلُث، وَنَحْوه ﴿وَصِيَّة من الله﴾ أَي: فَرِيضَة من الله ﴿وَالله عليم حَلِيم﴾
وَقَالَ البصريون: وَهُوَ قَول أَبى بكر، وَعلي، وَابْن مَسْعُود، وَزيد، وفى أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عَبَّاس: أَن الْكَلَالَة: اسْم للْمَيت الَّذِي لَيْسَ لَهُ ولد وَلَا وَالِد، وَهُوَ ظَاهر الْآيَة، وَتشهد لَهُ الْقِرَاءَة الْأُخْرَى فِي الشواذ: " وَإِن كَانَ رجل يُورث كَلَالَة " مشددا بِفَتْح الرَّاء. قَالَ الشَّاعِر:
(وَإِن أَبَا الْمَرْء أحمى لَهُ | وَمولى الْكَلَالَة لَا يغْضب) |
وَفِيه قَول آخر: أَن الْكَلَالَة اسْم للتركة، قَالَه عَطاء. وَقَوله: ﴿وَله أَخ أَو أُخْت فَلِكُل وَاحِد مِنْهُمَا السُّدس﴾ أَجمعُوا على أَن المُرَاد بالأخ وَالْأُخْت هَاهُنَا أَوْلَاد الْأُم، وَفرض لكل وَاحِد مِنْهُم السُّدس ذكرا كَانَ أَو أُنْثَى.
﴿فَإِن كَانُوا أَكثر من ذَلِك فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث﴾ وَفِيه إِجْمَاع، أَن فرضهم الثُّلُث إِذا تعددوا، وَإِن كَثُرُوا ﴿من بعد وَصِيَّة يوصى بهَا أَو دين غير مضار﴾ يَعْنِي: الْمُوصي لَا يضر بالورثة بمجاوزة الثُّلُث، وَنَحْوه ﴿وَصِيَّة من الله﴾ أَي: فَرِيضَة من الله ﴿وَالله عليم حَلِيم﴾
405
﴿تِلْكَ حُدُود الله﴾ يَعْنِي: مَا ذكر من الْفُرُوض المحدودة، (وَمن يطع الله وَرَسُوله يدْخلهُ جنَّات تجرى من تحتهَا الْأَنْهَار خَالِدين فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْز الْعَظِيم) ذكر ثَوَاب من أطاعه، وَلم يُجَاوز حُدُوده
﴿وَمن يعْص الله وَرَسُوله ويتعد حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين﴾ ذكر عِقَاب من عَصَاهُ، وَجَاوَزَ حُدُوده.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم﴾ اللَّاتِي، وَالَّتِي،
405
﴿حُدُوده يدْخلهُ نَارا خَالِدا فِيهَا وَله عَذَاب مهين (١٤) واللاتي يَأْتِين الْفَاحِشَة من نِسَائِكُم فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله﴾ واللواتي: اسْم لجَماعَة النِّسَاء، قَالَ الشَّاعِر:
وَمثله: اللائي أَيْضا، قَالَ الشَّاعِر:
وَقَوله: ﴿يَأْتِين الْفَاحِشَة﴾ أَرَادَ بالفاحشة هَاهُنَا الزِّنَا: ﴿فاستشهدوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة مِنْكُم﴾ هُوَ خطاب للحكام، يَعْنِي: فَاطْلُبُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَة من الشُّهُود، وَهَذِه الْآيَة هِيَ الْحجَّة على أَن شُهُود الزِّنَا أَرْبَعَة ﴿فَإِن شهدُوا فأمسكوهن فِي الْبيُوت حَتَّى يتوفاهن الْمَوْت أَو يَجْعَل الله لَهُنَّ سَبِيلا﴾ وَكَانَ هَذَا هُوَ الحكم فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، وَأَن الْمَرْأَة إِذا زنت حبست فِي الْبَيْت إِلَى أَن تَمُوت. ثمَّ نسخ ذَلِك فِي حق الْبكر بِالْجلدِ والتغريب، وَفِي حق الثّيّب بِالْجلدِ وَالرَّجم، وَهُوَ بَيَان السَّبِيل الْمَذْكُور فِي الْآيَة، وَالْحجّة عَلَيْهِ: حَدِيث عبَادَة: " خُذُوا عني خُذُوا عني، قد جعل الله لَهُنَّ سَبِيلا: الْبكر بالبكر جلد مائَة وتغريب عَام؛ وَالثَّيِّب بِالثَّيِّبِ جلد مائَة ورجم بِالْحِجَارَةِ ".
ثمَّ نسخ الْجلد فِي حق الثّيّب، وَاسْتقر أمرهَا على الرَّجْم.
وَقَالَ بعض الْعلمَاء: الْجلد مَعَ الرَّجْم بَاقٍ على الحكم، وَالْأول أصح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: التَّغْرِيب أَيْضا مَنْسُوخ فِي حق الْبكر، والخلوف مَذْكُور فِي الْفِقْه.
وَاخْتلفُوا فِي أَن ذَلِك الْإِمْسَاك فِي الْبَيْت كَانَ على سَبِيل الْحَد أم كَانَ حبسا؛ ليظْهر الْحَد؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه كَانَ حدا، وَالثَّانِي: أَنه كَانَ حبسا ليظْهر الْحَد.
(هن اللواتي وَالَّتِي واللاتي | زعمن أَنى قد كَبرت لداتي) |
(من اللائي لم يحججن تبغين حسبَة | وَلَكِن ليقْتلن البريء المغفلا) |
ثمَّ نسخ الْجلد فِي حق الثّيّب، وَاسْتقر أمرهَا على الرَّجْم.
وَقَالَ بعض الْعلمَاء: الْجلد مَعَ الرَّجْم بَاقٍ على الحكم، وَالْأول أصح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه: التَّغْرِيب أَيْضا مَنْسُوخ فِي حق الْبكر، والخلوف مَذْكُور فِي الْفِقْه.
وَاخْتلفُوا فِي أَن ذَلِك الْإِمْسَاك فِي الْبَيْت كَانَ على سَبِيل الْحَد أم كَانَ حبسا؛ ليظْهر الْحَد؟ على قَوْلَيْنِ: أَحدهمَا: أَنه كَانَ حدا، وَالثَّانِي: أَنه كَانَ حبسا ليظْهر الْحَد.
406
﴿لَهُنَّ سَبِيلا (١٥) واللذان يأتيانها مِنْكُم فأذوهما فَإِن تابا وأصلحا فأعرضوا عَنْهُمَا إِن الله كَانَ تَوَّابًا رحِيما (١٦) إِنَّمَا التَّوْبَة على الله للَّذين يعْملُونَ السوء بِجَهَالَة ثمَّ يتوبون من قريب فَأُولَئِك يَتُوب﴾
407
قَوْله تَعَالَى: ﴿واللذان يأتيانها مِنْكُم فآذوهما﴾ اخْتلفُوا فِي المُرَاد من الْآيَتَيْنِ، قَالَ مُجَاهِد: الْآيَة الأولى فِي النِّسَاء، وَهَذِه الْآيَة فِي الرِّجَال إِذا زنوا.
وَقَالَ غَيره: الأولى فِي الثّيّب، وَهَذِه الْآيَة فِي الْأَبْكَار.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن الْآيَة الأولى فِي الْمَرْأَة إِذا أَتَت الْمَرْأَة سحقا، وَالْآيَة الثَّانِيَة فِي الرجل إِذا أَتَى الرجل.
وَقد قَالَ: " إِذا أَتَى الرجل الرجل فهما زانيان؛ وَإِذا أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيتان ".
وَالْمرَاد بالإيذاء فِي هَذِه الْآيَة: هُوَ السب بِاللِّسَانِ، وإسماع الْمَكْرُوه، وَالتَّعْبِير، وَالضَّرْب بالنعال.
فَإِن قيل: ذكر الْحَبْس فِي الْآيَة الأولى، والإيذاء فِي الْآيَة الثَّانِيَة، فَكيف وَجه الْجمع؟ قيل: أما على قَول من قَالَ: إِن الْآيَة الأولى فِي صنف، وَالْآيَة الثَّانِيَة فِي صنف آخر، يَسْتَقِيم الْكَلَام.
وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ: الْجمع بَين الْإِيذَاء وَالْحَبْس فِي حق الزَّانِي فيؤذى أَولا، ثمَّ
وَقَالَ غَيره: الأولى فِي الثّيّب، وَهَذِه الْآيَة فِي الْأَبْكَار.
وَفِيه قَول ثَالِث: أَن الْآيَة الأولى فِي الْمَرْأَة إِذا أَتَت الْمَرْأَة سحقا، وَالْآيَة الثَّانِيَة فِي الرجل إِذا أَتَى الرجل.
وَقد قَالَ: " إِذا أَتَى الرجل الرجل فهما زانيان؛ وَإِذا أَتَت الْمَرْأَة الْمَرْأَة فهما زانيتان ".
وَالْمرَاد بالإيذاء فِي هَذِه الْآيَة: هُوَ السب بِاللِّسَانِ، وإسماع الْمَكْرُوه، وَالتَّعْبِير، وَالضَّرْب بالنعال.
فَإِن قيل: ذكر الْحَبْس فِي الْآيَة الأولى، والإيذاء فِي الْآيَة الثَّانِيَة، فَكيف وَجه الْجمع؟ قيل: أما على قَول من قَالَ: إِن الْآيَة الأولى فِي صنف، وَالْآيَة الثَّانِيَة فِي صنف آخر، يَسْتَقِيم الْكَلَام.
وَقَالَ بَعضهم: أَرَادَ بِهِ: الْجمع بَين الْإِيذَاء وَالْحَبْس فِي حق الزَّانِي فيؤذى أَولا، ثمَّ
407
يحبس، وَالْآيَة الثَّانِيَة وَإِن كَانَت فِي التِّلَاوَة مُتَأَخِّرَة، فَهِيَ فِي الْمَعْنى مُتَقَدّمَة، كَأَنَّهُ قَالَ: واللذان يأتيان الْفَاحِشَة مِنْكُم فآذوهما وأمسكوهما فِي الْبَيْت ﴿فَإِن تابا وأصلحا فأعرضوا عَنْهُمَا﴾ أَي: أَعرضُوا عَن الْإِيذَاء ﴿إِن الله كَانَ تَوَّابًا رحِيما﴾.
408
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَة على الله للَّذين يعْملُونَ السوء بِجَهَالَة﴾ قَالَ قَتَادَة: أجمع أَصْحَاب رَسُول الله على أَن من عصى الله فَهُوَ جَاهِل، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: الْجُهَّال بكنه عُقُوبَة الله، وَقيل: الْجَهَالَة فِي الْمعْصِيَة: أَنه اخْتَار اللَّذَّة الفانية على اللَّذَّة الْبَاقِيَة.
﴿ثمَّ يتوبون من قريب﴾ يَعْنِي: قبل الْمَوْت، قَالَ الضَّحَّاك: كل مَا بَيْنك وَبَين الْمَوْت فَهُوَ قريب، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: التَّوْبَة قبل أَن يعاين ملك الْمَوْت، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: ثمَّ يتوبون قبل أَن يغرغروا.
وَفِي الْخَبَر: أَن النَّبِي قَالَ: " من تَابَ قبل مَوته بِسنة تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن السّنة (لكثيرة)، ثمَّ قَالَ: من تَابَ قبل مَوته بِشَهْر تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الشَّهْر لكثير، ثمَّ قَالَ: من تَابَ قبل مَوته بجمعة، تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الْجُمُعَة (لكثيرة)، ثمَّ قَالَ: من تَابَ قبل مَوته بِيَوْم، تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الْيَوْم لكثير، (من تَابَ قبل مَوته بِنصْف يَوْم تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن نصف الْيَوْم لكثير) من تَابَ قبل مَوته بساعة تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن السَّاعَة لكثيرة، من تَابَ قبل أَن يُغَرْغر تَابَ الله عَلَيْهِ ". رَوَاهُ عبَادَة بن الصَّامِت، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ثمَّ يتوبون من قريب فَأُولَئِك يَتُوب الله عَلَيْهِم وَكَانَ الله عليما حكيما﴾.
﴿ثمَّ يتوبون من قريب﴾ يَعْنِي: قبل الْمَوْت، قَالَ الضَّحَّاك: كل مَا بَيْنك وَبَين الْمَوْت فَهُوَ قريب، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: التَّوْبَة قبل أَن يعاين ملك الْمَوْت، وَقيل: أَرَادَ بِهِ: ثمَّ يتوبون قبل أَن يغرغروا.
وَفِي الْخَبَر: أَن النَّبِي قَالَ: " من تَابَ قبل مَوته بِسنة تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن السّنة (لكثيرة)، ثمَّ قَالَ: من تَابَ قبل مَوته بِشَهْر تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الشَّهْر لكثير، ثمَّ قَالَ: من تَابَ قبل مَوته بجمعة، تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الْجُمُعَة (لكثيرة)، ثمَّ قَالَ: من تَابَ قبل مَوته بِيَوْم، تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن الْيَوْم لكثير، (من تَابَ قبل مَوته بِنصْف يَوْم تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن نصف الْيَوْم لكثير) من تَابَ قبل مَوته بساعة تَابَ الله عَلَيْهِ، ثمَّ قَالَ: إِن السَّاعَة لكثيرة، من تَابَ قبل أَن يُغَرْغر تَابَ الله عَلَيْهِ ". رَوَاهُ عبَادَة بن الصَّامِت، فَهَذَا معنى قَوْله: ﴿ثمَّ يتوبون من قريب فَأُولَئِك يَتُوب الله عَلَيْهِم وَكَانَ الله عليما حكيما﴾.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَيْسَت التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات﴾ قيل: أَرَادَ
408
﴿الله عَلَيْهِم وَكَانَ الله عليما حكيما (١٧) وَلَيْسَت التَّوْبَة للَّذين يعْملُونَ السَّيِّئَات حَتَّى إِذا حضر﴾ بالسيئات: الشّرك، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ النِّفَاق، وَقيل: كل الْمعاصِي.
﴿حَتَّى إِذا حضر أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت الْآن﴾ يَعْنِي: حَالَة الْمَوْت، يَتُوب حِين يساق، وَوجه ذَلِك: مثل تَوْبَة فِرْعَوْن حِين أدْركهُ الْغَرق، قَالَ: آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل، يَقُول الله تَعَالَى لَيْسَ لهَؤُلَاء تَوْبَة.
﴿وَلَا الَّذين يموتون وهم كفار﴾ يَعْنِي: وَلَا الَّذين يموتون كفَّارًا لَهُم تَوْبَة ﴿أُولَئِكَ اعتدنا لَهُم﴾ أَي: أعددنا لَهُم ( ﴿عذَابا أَلِيمًا﴾
﴿حَتَّى إِذا حضر أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت الْآن﴾ يَعْنِي: حَالَة الْمَوْت، يَتُوب حِين يساق، وَوجه ذَلِك: مثل تَوْبَة فِرْعَوْن حِين أدْركهُ الْغَرق، قَالَ: آمَنت أَنه لَا إِلَه إِلَّا الَّذِي آمَنت بِهِ بَنو إِسْرَائِيل، يَقُول الله تَعَالَى لَيْسَ لهَؤُلَاء تَوْبَة.
﴿وَلَا الَّذين يموتون وهم كفار﴾ يَعْنِي: وَلَا الَّذين يموتون كفَّارًا لَهُم تَوْبَة ﴿أُولَئِكَ اعتدنا لَهُم﴾ أَي: أعددنا لَهُم ( ﴿عذَابا أَلِيمًا﴾
409
يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها) نزلت الْآيَة فِي الْأَنْصَار، كَانَ الرجل مِنْهُم إِذا مَاتَ أَبوهُ؛ ورث امْرَأَة أَبِيه، ثمَّ إِن شَاءَ أمْسكهَا لنَفسِهِ زَوْجَة، وَإِن شَاءَ زَوجهَا من غَيره، وَأخذ صَدَاقهَا، وَإِن شَاءَ عضلها عَن الْأزْوَاج، حَتَّى تضجر [فتفدي] نَفسهَا بِمَال، حَتَّى مَاتَ أَبُو قيس بن الأسلت الْأنْصَارِيّ عَن امْرَأَته كبيشة بنت معن الْأنْصَارِيّ، فجَاء [ابْنه] حصن وَورث الْمَرْأَة؛ فَجَاءَت الْمَرْأَة تَشْكُو إِلَى النَّبِي فَنزل قَوْله - تَعَالَى -: ﴿لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها﴾ وَيقْرَأ: " كرها " بِضَم الْكَاف، فالكره بِالْفَتْح: الْإِكْرَاه، والكره بِالضَّمِّ الْمَشَقَّة. ﴿وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ أَي: تمنعوهن من الْأزْوَاج حَتَّى يضجرن؛ فيفتدين بِبَعْض مالهن، فَيكون خطابا لأولياء الْمَيِّت.
وَالصَّحِيح أَنه خطاب للأزواج، يَعْنِي: إِذا لم تكن الزَّوْجَة بموافقة، فَلَا تمسكها
وَالصَّحِيح أَنه خطاب للأزواج، يَعْنِي: إِذا لم تكن الزَّوْجَة بموافقة، فَلَا تمسكها
409
﴿أحدهم الْمَوْت قَالَ إِنِّي تبت الْآن وَلَا الَّذين يموتون وهم كفار أُولَئِكَ اعتدنا لَهُم عذَابا أَلِيمًا (١٨) ﴾ ضِرَارًا؛ لتفتدى بِبَعْض مَالهَا ﴿إِلَّا أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: هُوَ النُّشُوز، وَقيل: هُوَ الزِّنَا، يَعْنِي: إِذا نشزت أَو زنت، فَحِينَئِذٍ يحل أَن يفاديها، وَيَأْخُذ مَالهَا، وَكَانَ فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام إِذا زنت الْمَرْأَة أَخذ الزَّوْج جَمِيع صَدَاقهَا مِنْهَا ثمَّ نسخ ﴿وعاشروهن بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَي: الْإِجْمَال فِي الْمبيت، وَالْقَوْل، وَالنَّفقَة ﴿فَإِن كرهتموهن فَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا﴾.
410
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَإِن أردتم استبدال زوج مَكَان زوج﴾ أَرَادَ بِالزَّوْجِ هَاهُنَا: الزَّوْجَة، وَهُوَ اسْم للرجل وَالْمَرْأَة ﴿وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ يَعْنِي: من الصَدَاق، ﴿فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا أتأخذونه بهتانا﴾ أَي: ظلما ﴿وإثما مُبينًا﴾.
﴿وَكَيف تأخذونه وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض﴾ أَي: وصل بَعْضكُم إِلَى بعض بِالدُّخُولِ، وَحكى عَن الزّجاج: أَنه الْخلْوَة، وَالْأول أصح.
﴿وأخذن مِنْكُم ميثاقا غليظا﴾ هُوَ قَول الْوَلِيّ: زوجتكها على أَن تمسكها بِمَعْرُوف، أَو تسرحها بِإِحْسَان، وَقيل: هُوَ معنى مَا روى: " اتَّقوا الله فِي النِّسَاء؛ فَإِنَّهُنَّ عنْدكُمْ عوان، أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله " فَهَذَا هُوَ الْمِيثَاق الغليظ.
﴿وأخذن مِنْكُم ميثاقا غليظا﴾ هُوَ قَول الْوَلِيّ: زوجتكها على أَن تمسكها بِمَعْرُوف، أَو تسرحها بِإِحْسَان، وَقيل: هُوَ معنى مَا روى: " اتَّقوا الله فِي النِّسَاء؛ فَإِنَّهُنَّ عنْدكُمْ عوان، أَخَذْتُمُوهُنَّ بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بِكَلِمَة الله " فَهَذَا هُوَ الْمِيثَاق الغليظ.
قَوْله - تَعَالَى -: ﴿وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء﴾ كَانَ أهل الْجَاهِلِيَّة ينْكحُونَ أَزوَاج آبَائِهِم؛ فورد الشَّرْع بالنهى عَنهُ ﴿إِلَّا مَا قد سلف﴾ يعْنى: بَعْدَمَا سلف، وَقَالَ الْمبرد: وَمَعْنَاهُ: لَكِن مَا سلف فِي الْجَاهِلِيَّة؛ فَهُوَ مغْفُور.
﴿إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتا﴾ قيل " كَانَ ": فِيهِ صلَة، وَتَقْدِيره: إِنَّه فَاحِشَة، وَهَذَا كَمَا
﴿إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتا﴾ قيل " كَانَ ": فِيهِ صلَة، وَتَقْدِيره: إِنَّه فَاحِشَة، وَهَذَا كَمَا
410
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا يحل لكم أَن ترثوا النِّسَاء كرها وَلَا تعضلوهن لتذهبوا بِبَعْض مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا﴾ يَقُول الشَّاعِر:
وَقيل: " كَانَ " فِي مَوْضِعه، وَمَعْنَاهُ: أَنه كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّة يعدونه فَاحِشَة ومقتا، وَكَانُوا يسمون ولد امْرَأَة الْأَب: مقيتا، والفاحشة: أقبح مَعْصِيّة، وَأما المقت: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة هُوَ المبغضة من الله، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِهِ المقت من الْمَلَائِكَة ﴿وساء سَبِيلا﴾ أَي: بئس المسلك.
(فَكيف إِذا رَأَيْت ديار قومِي | وجيران لنا كَانُوا كرام) |
411
قَوْله تَعَالَى: ﴿حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم﴾ قَالَ ابْن عَبَّاس: حرم الله تَعَالَى سبعا بِالنّسَبِ، وَسبعا بِالْمهْرِ، وَقَالَ الْفُقَهَاء: سبعا بِالنّسَبِ، وَسبعا بِالسَّبَبِ.
أما السَّبع بِالنّسَبِ: مِنْهُنَّ الْأُمَّهَات: وَهِي كل امْرَأَة تنْسب إِلَيْهَا بِالْولادَةِ، سَوَاء قربت أَو بَعدت، سَوَاء كَانَ بَيْنك وَبَينهَا ذكر أَو أُنْثَى، أَو لم يكن أحد، فَالْكل حرَام.
قَالَ: ﴿وبناتكم﴾ وَمِنْهَا الْبَنَات: وهى كل امْرَأَة تنْسب إِلَيْكُم بِالْولادَةِ، سَوَاء قربت أَو سلفت، سَوَاء كَانَ بَيْنك وَبَينهَا ذكر أَو أُنْثَى، أَو لم يكن أحد، فَالْكل حرَام.
قَالَ ﴿وأخواتكم﴾ وَمِنْهَا الْأَخَوَات: وَهِي كل امْرَأَة تنْسب إِلَى من تنْسب إِلَيْهِ بِالْولادَةِ، فَالْكل حرَام. قَالَ: ﴿وعماتكم﴾ وَمِنْهَا العمات، والعمة: أُخْت كل ذكر تنْسب إِلَيْهِ بِالْولادَةِ، فَالْكل حرَام، قرب أم بعد، قَالَ: ﴿وخالاتكم﴾ وَمِنْهَا الخالات، وَالْخَالَة: أُخْت كل امْرَأَة تنْسب إِلَيْهَا بِالْولادَةِ، قربت أم بَعدت.
أما السَّبع بِالنّسَبِ: مِنْهُنَّ الْأُمَّهَات: وَهِي كل امْرَأَة تنْسب إِلَيْهَا بِالْولادَةِ، سَوَاء قربت أَو بَعدت، سَوَاء كَانَ بَيْنك وَبَينهَا ذكر أَو أُنْثَى، أَو لم يكن أحد، فَالْكل حرَام.
قَالَ: ﴿وبناتكم﴾ وَمِنْهَا الْبَنَات: وهى كل امْرَأَة تنْسب إِلَيْكُم بِالْولادَةِ، سَوَاء قربت أَو سلفت، سَوَاء كَانَ بَيْنك وَبَينهَا ذكر أَو أُنْثَى، أَو لم يكن أحد، فَالْكل حرَام.
قَالَ ﴿وأخواتكم﴾ وَمِنْهَا الْأَخَوَات: وَهِي كل امْرَأَة تنْسب إِلَى من تنْسب إِلَيْهِ بِالْولادَةِ، فَالْكل حرَام. قَالَ: ﴿وعماتكم﴾ وَمِنْهَا العمات، والعمة: أُخْت كل ذكر تنْسب إِلَيْهِ بِالْولادَةِ، فَالْكل حرَام، قرب أم بعد، قَالَ: ﴿وخالاتكم﴾ وَمِنْهَا الخالات، وَالْخَالَة: أُخْت كل امْرَأَة تنْسب إِلَيْهَا بِالْولادَةِ، قربت أم بَعدت.
411
﴿أَن يَأْتِين بِفَاحِشَة مبينَة وعاشروهن بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كرهتموهن فَعَسَى أَن تكْرهُوا شَيْئا وَيجْعَل الله فِيهِ خيرا كثيرا (١٩) وَإِن أردتم استبدال زوج مَكَان زوج وَآتَيْتُم إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئا﴾
قَالَ: ﴿وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت﴾ وَمِنْهَا بَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت: وَهِي بنت كل من تنْسب إِلَى من تنْسب إِلَيْهِ، فَهَذِهِ السَّبْعَة بِالنّسَبِ.
وَأما السَّبع بِالسَّبَبِ: فإحداهن مَذْكُورَة قبل هَذِه الْآيَة فِي قَوْله: ﴿وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء﴾، وَالثَّانيَِة فِي قَوْله: ﴿وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم﴾، وَالثَّالِثَة: ﴿وأخواتكم من الرضَاعَة﴾، وَلَا خلاف أَن الْأُم وَالْأُخْت من الرضَاعَة حرَام على الرجل نِكَاحهَا، فَأَما مَا عدا الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات من الرضَاعَة حرَام أَيْضا عِنْد أَكثر الْعلمَاء؛ لقَوْله " يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب ".
قَالَ دَاوُد، وَأهل الظَّاهِر: لَا يحرم مَا عدا الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات بِالرّضَاعِ؛ تمسكا بِظَاهِر الْقُرْآن.
قَالَ ﴿وَأُمَّهَات نِسَائِكُم﴾ الرَّابِعَة: أم الزَّوْجَة، تحرم على الْإِطْلَاق بِنَفس العقد على قَول الْأَكْثَرين، وَحكى خلاس عَن عَليّ رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ: " لَا تحرم أم الزَّوْجَة إِلَّا بعد الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وربائبكم اللاتى فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن﴾ قَالَ: فَقَوله: ﴿من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن﴾ ينْصَرف إِلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَالْأول أصح.
قَالَ ابْن عَبَّاس: أبهموا مَا أبهمه الله، أَي: أطْلقُوا مَا أطلقهُ الله، وَلِأَن قَوْله: ﴿وَأُمَّهَات نِسَائِكُم﴾ مُسْتَقل بِنَفسِهِ، مُعْتَد بِحكمِهِ، فيستغني عَن الْإِظْهَار؛ وَلِأَن قَوْله: وَأُمَّهَات نِسَائِكُم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن على هَذَا التَّقْدِير يكون عيا فِي الْكَلَام، فَلَا يَلِيق بِكَلَام الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ أفْصح أَنْوَاع الْكَلَام.
قَالَ: ﴿وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن﴾.
قَالَ: ﴿وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت﴾ وَمِنْهَا بَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت: وَهِي بنت كل من تنْسب إِلَى من تنْسب إِلَيْهِ، فَهَذِهِ السَّبْعَة بِالنّسَبِ.
وَأما السَّبع بِالسَّبَبِ: فإحداهن مَذْكُورَة قبل هَذِه الْآيَة فِي قَوْله: ﴿وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء﴾، وَالثَّانيَِة فِي قَوْله: ﴿وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم﴾، وَالثَّالِثَة: ﴿وأخواتكم من الرضَاعَة﴾، وَلَا خلاف أَن الْأُم وَالْأُخْت من الرضَاعَة حرَام على الرجل نِكَاحهَا، فَأَما مَا عدا الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات من الرضَاعَة حرَام أَيْضا عِنْد أَكثر الْعلمَاء؛ لقَوْله " يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب ".
قَالَ دَاوُد، وَأهل الظَّاهِر: لَا يحرم مَا عدا الْأُمَّهَات وَالْأَخَوَات بِالرّضَاعِ؛ تمسكا بِظَاهِر الْقُرْآن.
قَالَ ﴿وَأُمَّهَات نِسَائِكُم﴾ الرَّابِعَة: أم الزَّوْجَة، تحرم على الْإِطْلَاق بِنَفس العقد على قَول الْأَكْثَرين، وَحكى خلاس عَن عَليّ رضى الله عَنهُ أَنه قَالَ: " لَا تحرم أم الزَّوْجَة إِلَّا بعد الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ لقَوْله تَعَالَى: ﴿وربائبكم اللاتى فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن﴾ قَالَ: فَقَوله: ﴿من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن﴾ ينْصَرف إِلَيْهِمَا جَمِيعًا. وَالْأول أصح.
قَالَ ابْن عَبَّاس: أبهموا مَا أبهمه الله، أَي: أطْلقُوا مَا أطلقهُ الله، وَلِأَن قَوْله: ﴿وَأُمَّهَات نِسَائِكُم﴾ مُسْتَقل بِنَفسِهِ، مُعْتَد بِحكمِهِ، فيستغني عَن الْإِظْهَار؛ وَلِأَن قَوْله: وَأُمَّهَات نِسَائِكُم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن على هَذَا التَّقْدِير يكون عيا فِي الْكَلَام، فَلَا يَلِيق بِكَلَام الله تَعَالَى الَّذِي هُوَ أفْصح أَنْوَاع الْكَلَام.
قَالَ: ﴿وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن﴾.
412
﴿أتأخذونه بهتانا وأثما مُبينًا (٢٠) وَكَيف تأخذونه وَقد أفْضى بَعْضكُم إِلَى بعض وأخذن مِنْكُم ميثاقا غليظا (٢١) وَلَا تنْكِحُوا مَا نكح آباؤكم من النِّسَاء إِلَّا مَا قد سلف إِنَّه كَانَ فَاحِشَة ومقتا﴾
الْخَامِسَة: الربيبة؛ وَهِي ابْنة الزَّوْجَة، وَسميت ربيبة؛ لِأَن الزَّوْج يربها فِي حجره على الْأَغْلَب، فَهِيَ حرَام بعد الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَسَوَاء كَانَت فِي حجره، أَو فِي حجر غَيره.
وَقَالَ دَاوُد: يخْتَص التَّحْرِيم بِالَّتِي فِي حجره؛ لقَوْله: ﴿وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم﴾، وَهَذَا لَا يَصح؛ لِأَن الْكَلَام خرج على لأغلب.
﴿فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم﴾ يَعْنِي: فِي نِكَاحهنَّ.
وَقَالَ: ﴿وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم﴾ السَّادِسَة: حَلِيلَة الابْن، وَهِي حرَام، وَسميت حَلِيلَة؛ لِأَنَّهَا مَعَ الابْن يحلان فراشا وَاحِدًا، وَقيل: لِأَنَّهَا تحل إِزَار الابْن، وَالِابْن يحل إزَارهَا، وَقيل: سميت حَلِيلَة؛ لِأَنَّهَا تحل لَهُ.
وَقَوله ﴿الَّذين من أصلابكم﴾ إِنَّمَا قيد بالصلب، وَإِن كَانَ حَلِيلَة ولد الْوَلَد حَرَامًا، ليبين أَن حَلِيلَة ولد التبني حَلَال. وَقد تزوج رَسُول الله زَيْنَب بنت جحش امْرَأَة زيد بن حَارِثَة، وَكَانَ قد تبنى زيدا، حَتَّى قَالَ عبد الله بن أَبى بن سلول: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرجل، كَيفَ وثب على امْرَأَة ابْنه وَتَزَوجهَا: فَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم﴾ بذلك السَّبَب.
﴿وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف﴾ السَّابِعَة: الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرَام بِالنِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي ملك الْيَمين؛ وَقَالَ أهل الظَّاهِر: لَا يحرم الْجمع بَينهمَا إِلَّا فِي النِّكَاح؛ لِأَن الْآيَة فِي التَّحْرِيم بِالنِّكَاحِ، قَالَ عُثْمَان: حرمتهَا آيَة وأحلتها آيَة، فآية التَّحْرِيم هَذِه؛ وَآيَة التَّحْلِيل قَوْله: ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ ﴿إِلَّا مَا قد سلف﴾ أَي: بَعْدَمَا سلف وَقد [بَينا لَك] ﴿إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْمُحصنَات من النِّسَاء﴾ أَرَادَ بِهِ: ذَوَات الْأزْوَاج ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ عَليّ، وَابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِهِ: إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم من
الْخَامِسَة: الربيبة؛ وَهِي ابْنة الزَّوْجَة، وَسميت ربيبة؛ لِأَن الزَّوْج يربها فِي حجره على الْأَغْلَب، فَهِيَ حرَام بعد الدُّخُول بِالزَّوْجَةِ، وَسَوَاء كَانَت فِي حجره، أَو فِي حجر غَيره.
وَقَالَ دَاوُد: يخْتَص التَّحْرِيم بِالَّتِي فِي حجره؛ لقَوْله: ﴿وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم﴾، وَهَذَا لَا يَصح؛ لِأَن الْكَلَام خرج على لأغلب.
﴿فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم﴾ يَعْنِي: فِي نِكَاحهنَّ.
وَقَالَ: ﴿وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم﴾ السَّادِسَة: حَلِيلَة الابْن، وَهِي حرَام، وَسميت حَلِيلَة؛ لِأَنَّهَا مَعَ الابْن يحلان فراشا وَاحِدًا، وَقيل: لِأَنَّهَا تحل إِزَار الابْن، وَالِابْن يحل إزَارهَا، وَقيل: سميت حَلِيلَة؛ لِأَنَّهَا تحل لَهُ.
وَقَوله ﴿الَّذين من أصلابكم﴾ إِنَّمَا قيد بالصلب، وَإِن كَانَ حَلِيلَة ولد الْوَلَد حَرَامًا، ليبين أَن حَلِيلَة ولد التبني حَلَال. وَقد تزوج رَسُول الله زَيْنَب بنت جحش امْرَأَة زيد بن حَارِثَة، وَكَانَ قد تبنى زيدا، حَتَّى قَالَ عبد الله بن أَبى بن سلول: انْظُرُوا إِلَى هَذَا الرجل، كَيفَ وثب على امْرَأَة ابْنه وَتَزَوجهَا: فَقَالَ الله تَعَالَى: ﴿وحلائل أَبْنَائِكُم الَّذين من أصلابكم﴾ بذلك السَّبَب.
﴿وَأَن تجمعُوا بَين الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قد سلف﴾ السَّابِعَة: الْجمع بَين الْأُخْتَيْنِ حرَام بِالنِّكَاحِ، وَكَذَلِكَ بِالْوَطْءِ فِي ملك الْيَمين؛ وَقَالَ أهل الظَّاهِر: لَا يحرم الْجمع بَينهمَا إِلَّا فِي النِّكَاح؛ لِأَن الْآيَة فِي التَّحْرِيم بِالنِّكَاحِ، قَالَ عُثْمَان: حرمتهَا آيَة وأحلتها آيَة، فآية التَّحْرِيم هَذِه؛ وَآيَة التَّحْلِيل قَوْله: ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ ﴿إِلَّا مَا قد سلف﴾ أَي: بَعْدَمَا سلف وَقد [بَينا لَك] ﴿إِن الله كَانَ غَفُورًا رحِيما﴾.
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَالْمُحصنَات من النِّسَاء﴾ أَرَادَ بِهِ: ذَوَات الْأزْوَاج ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ عَليّ، وَابْن عَبَّاس: أَرَادَ بِهِ: إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم من
413
﴿وساء سَبِيلا (٢٢) حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وَبَنَات الْأَخ وَبَنَات الْأُخْت وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة وَأُمَّهَات نِسَائِكُم وربائبكم اللَّاتِي فِي حجوركم من نِسَائِكُم اللَّاتِي دَخَلْتُم بِهن فَإِن لم تَكُونُوا دَخَلْتُم بِهن فَلَا جنَاح عَلَيْكُم وحلائل﴾ سَبَايَا أَو طاس، وَفِيه نزلت الْآيَة، قَالَ أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ: " لما سبا رَسُول الله سَبَايَا أَو طاس، هرب الرِّجَال؛ فتحرج الْمُسلمُونَ من وَطْء النِّسَاء بمَكَان الْأزْوَاج؛ فَنزلت الْآيَة، وَأذن رَسُول الله فِي وطئهن ".
وَقَالَ ابْن مَسْعُود، وأبى بن كَعْب: إِن قَوْله: ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ هُوَ أَن يَبِيع الْجَارِيَة الْمُزَوجَة، فَتَقَع الْفرْقَة بَينهَا وَبَين زَوجهَا، وَيحل للمشترى وَطأهَا، وَيكون بيعهَا طَلَاقا لَهَا.
وَقَالَ ابْن مَسْعُود، وأبى بن كَعْب: إِن قَوْله: ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ هُوَ أَن يَبِيع الْجَارِيَة الْمُزَوجَة، فَتَقَع الْفرْقَة بَينهَا وَبَين زَوجهَا، وَيحل للمشترى وَطأهَا، وَيكون بيعهَا طَلَاقا لَهَا.
414
وَقيل: معنى الْآيَة ﴿وَالْمُحصنَات من النِّسَاء﴾ يَعْنِي: ذَوَات الْأزْوَاج يحرم الِاسْتِمْتَاع بِهن، ﴿إِلَّا مَا ملكت أَيْمَانكُم﴾ من مهرهن، فَيحل الِاسْتِمْتَاع بِهِ، فَكَأَنَّهُ حرم الِاسْتِمْتَاع ببعضهن وأباح الِاسْتِمْتَاع بمهرهن.
﴿كتاب الله عَلَيْكُم﴾ أَي: فرض الله عَلَيْكُم، وَيقْرَأ: " كتب الله عَلَيْكُم " أَي: فرض الله عَلَيْكُم ﴿وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم﴾ يَعْنِي: أحل لله لكم، وَيقْرَأ: " أحل لكم " - بِضَم الْألف - على نظم قَوْله: ( ﴿حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم﴾ أَن تَبْتَغُوا بأموالكم) قيل: الْإِحْلَال: بالابتغاء بالأموال، وَفِيه دَلِيل على أَن استحلال الْبضْع لَا يَخْلُو عَن عوض ﴿محصنين﴾ أَي: متزوجين متعففين ﴿غير مسافحين﴾ غير زانين، مَأْخُوذ من سفح المَاء، وَهُوَ الصب، وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس:
﴿كتاب الله عَلَيْكُم﴾ أَي: فرض الله عَلَيْكُم، وَيقْرَأ: " كتب الله عَلَيْكُم " أَي: فرض الله عَلَيْكُم ﴿وَأحل لكم مَا وَرَاء ذَلِكُم﴾ يَعْنِي: أحل لله لكم، وَيقْرَأ: " أحل لكم " - بِضَم الْألف - على نظم قَوْله: ( ﴿حرمت عَلَيْكُم أُمَّهَاتكُم﴾ أَن تَبْتَغُوا بأموالكم) قيل: الْإِحْلَال: بالابتغاء بالأموال، وَفِيه دَلِيل على أَن استحلال الْبضْع لَا يَخْلُو عَن عوض ﴿محصنين﴾ أَي: متزوجين متعففين ﴿غير مسافحين﴾ غير زانين، مَأْخُوذ من سفح المَاء، وَهُوَ الصب، وَمِنْه قَول امْرِئ الْقَيْس: