بسم الله الرحمان الرحيم
اختلفوا في الاسم عن ماذا اشتق، فمنهم من قال إنه مشتق من السمو وهو العلو، ومنهم من قال إنه مشتق من السمة وهي الكية.
وكلاهما في الإشارة : فمن قال إنه مشتق من السمو فهو اسم من ذكره سمت رتبته، ومن عرفه سمت حالته، ومن صحبه سمت همته، فسمو الرتبة يوجب وفور المثوبات والمبار، وسمو الحالة يوجب ظهور الأنوار في الأسرار، وسمو الهمة يوجب التحرز عن رق الأغبار.
ومن قال أصله من السمة فهو اسم من قصده وسم بسمة العبادة، ومن صحبه وسم بسمة الإرادة، ومن أحبه وسم بسمة الخواص، ومن عرفه وسم بسمة الاختصاص. فسمة العبادة توجب هيبة النار أن ترمي صاحبها بشررها، وسمة الإرادة توجب حشمة الجنان أن تطمع في استرقاق صاحبها- مع شرف خطرها، وسمة الخواص توجب سقوط العجب من استحقاق القربة للماء والطينة على الجملة، وسمة الاختصاص توجب امتحان الحكم عند استيلاء سلطان الحقيقة.
ويقال اسم من واصله سما عنده( عن ) الأوهام قدره( سبحانه ). ومن فاصله وسم بكي الفرقة قلبه.
وعلى هذه الجملة يدل اسمه.
ﰡ
ويقال لم أُظْهِرٍ منَ العَدَمِ أمثالكم، ولم أُظْهِرْ على أحدٍ ما أظْهَرٍتُ عليكم من أحوالكم.
ويقال سمِّيتَ إنساناً لنسيانك، فإن نسيتني فلا شيء أَخَس منك، وإنْ نسيت ذكري فلا أحد أَحَط منك.
ويقال من نَسِيَ الحق فلا غاية لمحنته، ومن نسي الخَلْقَ فلا نهاية لعلوِّ حالته.
ويقال يقول للمُذْنِبين، يا مَنْ نسِيتَ عهدي، ورفضتَ ودي، وتجاوزت حدِّي حانَ لك أن ترجع إلى بابي، لتستحقَّ لطفي وإيجابي. ويقول للعارفين يا مَنْ نسيت فينا حظَّكَ، وصُتَ عن غيرنا لَحْظَكَ ولَفْظَك - لقد عظُم علينا حَقُّك، وَوَجَبَ لدينا نصرُك، وجلَّ عندنا قَدْرُك.
ويقال يا من أَنِستَ بنسيم قرْبي، واستروحتَ إلى شهود وجهي، واعتززت بجلال قَدْري - فأنت أجلُّ عبادي عندي.
قوله :﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾ : التقوى جماع الطاعات، وأوله ترك الشِّرْكِ وآخره اتقاء كل غير، وأولُ الأغيار لك نفسُكَ، ومَنْ اتَّقَى نفسه وقف مع الله بلا مقام ولا شهود حال، و ( وقف ) لله. . لا لشهود حظِّ في الدنيا والعقبى.
قوله :﴿ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ : وهو آدم عليه السلام، وإذا كنا مخلوقين منه وهو مخلوق باليد فنحن أيضاً كذلك، لمَّا ظهرت مزية آدم عليه السلام به على جميع المخلوقين والمخلوقات فكذلك وصفُنا، قال تعالى :﴿ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ البَرِيَّةْ ﴾[ البيّنة : ٧ ].
ولفظ " النفس " للعموم والعموم يوجب الاستغراق.
قوله :﴿ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا ﴾ : حَكَمَ الحقُّ - سبحانه - بمساكنة الخلق مع الخلق لبقاء النسل، ولردِّ المِثْل إلى المِثْل فربَطَ الشكلَ بالشكلِ.
قوله :﴿ وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً ﴾ : تعرَّف إلى العقلاء على كمال القدرة بما ألاح من براهين الربوبية ودلالات الحكمة ؛ حيث خَلق جميع هذا الخلق من نسل شخصٍ واحدٍ، على اختلاف هيئتهم، وتفاوت صورهم، وتباين أخلاقهم، وإن اثنين منهم لا يتشابهان، فلكلٍ وجه في الصورة والخلق، والهمة والحالة، فسبحان من لا حدَّ لمقدوراته ولا غاية لمعلوماته.
ثم قال :﴿ واتَّقُوا اللهَ ﴾ تكرير الأمر بالتقوى يدلُّ على تأكيد حكمه.
وقوله :﴿ تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ ﴾ : أي اتقوا الأرحام أن تقطعوها، فَمَنْ قَطَعَ الرحمَ قُطِع، ومَنْ وَصَلَها وَصَل.
﴿ إنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ : مطلعاً شهيداً، يعدُ عليك أنفاسكَ، ويرى حواسَك، وهو مُتَوَّلٍ خطراتِك، ومنشئٌ حركاتِك وسكناتِك. ومَنْ عَلِمَ أنه رقيب عليه فبالحريِّ أن يستحيَ منه.
والسَّفيه من العيال والأولاد من تؤثر حظوظَهم على حقوق الله تعالى.
قوله :﴿ الَّتِي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾ : حفظ التجمل في الحال أجدى عليكم من التعرض للتبذل والسؤال، والكدية والاحتيال. وإنما يكون البذل خيراً من الإمساك على تَحرُّرِ القلب والثقةِ بالصبر. فأمّا على نية الكدية وأن تجعل نفسك وعيالك كَلاًّ على الناس فَحِفْظُك ما جعله الله كفايةً لنفسك أَوْلَى، ثم الجود بفاضل كفايتك.
قوله :﴿ وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا ﴾ : إذا كان ذات يدك يتسع لكفاية يومهم ويَفْضُل فلا تدَّخره عمّا تدعو إليه حاجتهم معلومك خشيةَ فقرٍ في الغد، فإِنْ ضاقت يدُك عن الإنفاق فلا يَتَّسِعَنَّ لسانك بالقبيح من المقال.
ويقال إذا دَعَتْكَ نَفْسُك إلى الإنفاق في الباطل فأنت أسفه السفهاء فلا تُطِعْ نَفْسَكَ.
ويقال الرشيد من اهتدى إلى ربِّه، وعندما تسنح له ( حاجة ) من حوائجه لا يتَّكل على حَوْله وقُوَّتِه، وتدبيره واختياره.
١- الفرض ٢- التعصيب، والتعصيب أقوى من الفرض لأن العَصَبَةَ قد تستغرق جميع المال أما أكثر الفروض فلا يزيد على الثلثين، ثم إن القسمة تبدأ بأصحاب الفروض وهم أضعف استحقاقاً، ثم العَصَبَة وهم أقوى استحقاقاً. قال صلى الله عليه وسلم :" ما أبْقَتْ الفرائض فَلأَوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَر " كذلك أبداً سنته، كما في قوله تعالى :
﴿ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ﴾[ فاطر : ٣٢ ] أعطاهم الكتاب بلفظ الميراث ثم قدَّم الظالم على السابق، وهو أضعف استحقاقاً إظهاراً للكرم مع الظالم لأنه مُنْكسِر القلب ولا يحتمل وقته طول المدافعة.
وقوله :﴿ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ ﴾. لو كان الأمر بالقياس لكانت الأنثى بالتفضيل أَوْلَى لضعفها، ولعجزها عن الحراك، ولكنَّ حُكْمَه - سبحانه - غيرُ معلَّل.
قوله جلّ ذكره :﴿ آباؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِّنَ اللهِ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾.
الأبناء ينفعونكم بالخدمة، والآباء بالرحمة ؛ الآباء في حال ضعفِك في بداية عمرك، والأبناء في حال ضعفك في نهاية عمرك.
وما بات مطوياً على أريحية (. . . . | . . . ) عقب النوى موت الفتى ظل مغرما |
وأصل العبودية حفظ الحدود، وصون العهود، ومَنْ حَفظَ حَدَّه لم يُصِبْهُ مكروه ولا آفة، وأصلُ كلِّ بلاء مجاوزة الحدود.
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - لمَا عِز لما قال له : يا رسول الله - صلوات الله عليك - إنِّي زنيتُ فَطَهِّرْني. فقال :" لعلِّك قَبَّلَتَ. . " ثم قال في بعض المرات :" استنكهوه ".
ففي هذا أقوى دليل لما ذكرت من إسباله الستر على الأعمال القبيحة.
وقوله :﴿ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ﴾ : يعني عَمِلَ عَمَلَ الجُهّال.
وذنب كل أحدٍ يليق بحاله، فالخواص ذنوبهم حسبانهم أنهم بطاعاتهم يستوجبون محلاً وكرامة، وهذا وَهَنٌ في المكانة ؛ إذ لا وسيلة إليه إلا به.
قوله :﴿ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ ﴾ : على لسان أهل العلم : قبل الموت، وعلى لسان المعاملة : قبل أن تتعود النفس ذلك فيصير لها عادة، قال قائلهم :
قلتُ للنَّفْسِ إنْ أردتِ رجوعاً | فارجعي قبل أَنْ يُسدَّ الطريقُ |
فقال : إلهي، الوقت الذي كان بي رُدَّه إليَّ.
فقال : هيهات يا داود، ذاك وُدٌّ قد مضى ! !
وفي معناه أنشدوا :
فَخَلِّ سبيلَ العين بعدك للبكا | فليس لأيام الصفاءِ رجوعُ |
وقوله :﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعْرُوفِ ﴾ : أي بتعاليم الدين والتأدب بأخلاق المسلمين وحُسْنِ الصحبة على كراهة النفس، وأن تحتمل أذاهن ولا تحملهن كلف خدمتك، وتتعامى عن مواضع خجلتهن.
قوله :﴿ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا. . . ﴾ كل ما كان على نفسك أشقَّ كانت عاقبته أهْنَأَ وأَمْرَأَ.
واعلم أن الحقَّ سبحانه لم يُطْلِعْ أحداً على غَيْبِه، فأكثر ما يعافه الإنسان قد تكون الخيرة فيه أتم. وقد حكم الله - سبحانه - بأن مخالفة النفس توصل صاحبها إلى أعلى المنازل، وبعكس ذلك موافقتها، كما أَن مخالفة القلوب توجب عمى البصيرة، وبعكس ذلك موافقتها.
ثم قال في آخر الآية :﴿ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ : يعني على مقاساة ما فيه الشدة، وفي هذا نوع استمالة للعبيد حيث لم يقل اصبروا بل قال :﴿ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾.
لما عرَّف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمَّته أخبار مَنْ مضى من الأمم، وما عملوا، وما عاملهم به انتظروا ما الذي يفعل بهم ؛ فإن فيهم أيضاً من ارتكب ما لا يجوز، فقالوا : ليت شِعْرنا بأيِّ نوع يعاملنا. . . أبا لخسف أو بالمسخ أو بالعذاب أو بماذا ؟
فقال تعالى :﴿ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ نعرِّفكم ما الذي عملنا بهم.
﴿ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ أمَّا أنتم فأتوب عليكم، أمّا من تقدَّم فلقد دمّرتُ عليهم.
ويقال :﴿ يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ ﴾ : أي يكاشفكم بأسراره فيظهر لكم ما خفي على غيركم.
ويقال يريد الله ليبيِّن لكم انفرادَه - سبحانه - بالإيجاد والإبداع، وأنه ليس لأحد شيء.
﴿ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ﴾ طريقة الأنبياء والأولياء وهو التفويض والرضاء، والاستسلام للحكم والقضاء.
وقيل :﴿ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ ﴾ أي يتقَبَّلُ توبتكم بعدما خلقَ توبتكم، ثم يُثيبُكُم على ما خلق لكم من توبتكم
ومن أراد اللهُ توبتَه فلا يُشمِتُ به عدوَّا، ولا يناله في الدارين سوء.
﴿ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ ﴾ : إرادتهم منكوسة، وهي عند إرادة الحق - سبحانه - ضائعة مردودة.
ويقال يريد الله أن يخفف عنكم أتعاب الخدمة بحلاوة الطاعات.
ويقال يخفف عنكم كلف الأمانة بحملها عنكم.
ويقال يخفف عنكم أتعاب الطلب بروح الوصول.
﴿ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا ﴾ : وصف بهذا فقرهم وضُرّهم، و (. . . . ) بها عذرهم.
ويقال القبض إذا كان على غفلةٍ، والبذل إذا لم يكن بمشهد الحقيقة، فكل ذلك باطل، ﴿ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ﴾ : يعني بارتكاب الذنوب، ويقال تعريضها لمساخطته سبحانه. ويقال بنظركم إليها وملاحظتكم إياها.
ويقال باستحسانكم شيئاً منها بإيثارها دون رضاء الحق.
ويقال إذا سلم العهد فما حصل من مجاوزة الحد فهو بعيد عن التكفير.
ويقال أكبر الكبائر إثباتك نَفْسَك فإذا شاهدت نَفْيَها تخلَّصْتَ من أسر المحن. ﴿ وَنُدْخِلْكُم ﴾ في أموركم ﴿ مُدْخَلاً كَرِيمًا ﴾ إدخالاً حسناً لا ترون منكم دخولكم ولا خروجكم وإنما ترون المُصَرِّفَ لكم.
ويقال لا تتمنوا مقام السادة دون أن تسلكوا سُبُلَهُم، وتلازموا سيرهم، وتعملوا عملهم. . فإن ذلك جَوْرٌ من الظن.
ويقال : كُن طالب حقوقه لا طالب نصيبك على أي وجه شئت : دنيا وآخرة ( وإلاَّ ) أشركت في توحيدك من حيث لم تشعر.
ويقال لا تتمنَّ مقامات الرجال فإنَّ لكل مقام أهلاً عند الله، وهم معدودون ؛ فما لم يمت واحد منهم لا يورثَ مكانه غيرُه، قال تعالى :﴿ جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ ﴾
[ الأنعام : ١٦٥، وفاطر : ٣٩ ] والخليفة من يخلف من تقدَّمه، فإذا تمنَّيْتَ مقام وليَّ من الأولياء فكأنَّكَ استعجلتَ وفاتَه ؛ على الجملة تمنيت أو على التفصيل، وذلك غير مُسَلَّم.
ويقال خمودُك تحت جريان حكمه - على ما سبق به اختياره - أحظَى لكَ من تعرضك لوجود مناك، إذ قد يكون حتفك في مُنيتك.
ويقال مَنْ لم يؤدّب ظاهرهُ بفنون المعاملات، ولم يهذِّب باطنه بوجوه المنازلات فلا ينبغي أن يتصدَّى لنيل المواصلات، وهيهات هيهات متى يكون ذلك !
﴿ وَسْئَلُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ ﴾ : الفرق بين التمني وبين السؤال من فضله من وجوه : يكون التمني للشيء مع غفلتك عن ربك ؛ فتتمنى بقلبك وجود ذلك الشيء من غير توقعه من الله، فإذا سألت الله فلا محالة تذكره، والآخر أن السائل لا يرى استحقاق نفسه فيحْمِلُه صِدْقُ الإرادة على التملُّق والتضرع، والتمني يخلو عن هذه الجملة.
والآخر أن الله نهى عن تمني ما فضل الله به غيرك إذ معناه أن يسلب صاحبك ما أعطاه ويعطيك إياه، وأباح السؤال من فضله بأن يعطيك مثل ما أعطى صاحبك.
ويقال لا تتمنَّ العطاء وسَلْ الله أن يعطيك من فضله الرضا بِفَقْدِ العطاء وذلك أتمُّ من العطاء، فإنَّ التَّحرُّرَ من رقِّ الأشياء أتمُّ مِنْ تملُّكِها.
إنَّ الأُلى ماتوا على دين الهوى | وجدوا المنيَّةَ منهلاً معسولا |
قوله :﴿ وَاللاَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعَظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ﴾ : أي ارتقوا في تهذيبهن بالتدريج والرفق، وإنْ صَلُحَ الأمر بالوعظ فلا تستعمل العصا بالضرب، فالآية تتضمن آداب العِشْرة.
ثم قال :﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ : يعني إن وَقَفَتْ في الحال عن سوء العشرة (. . . . . ) ورجعت إلى الطاعة فلا تَنْتَقِمْ منها عمَّا سَلَفَ، ولا تتمنع من قبول عذرها والتأبِّي عليها.
يقال :﴿ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ بمجاوزتك عن مقدار ما تستوجب من نقمتك.
يقال لك عليها الطاعة بالبدن، فأمَّا المحبة والميل إليك بالقلب فذلك إلى الله، فلا تكلِّفها ما لا يرزقك الله منها ؛ فإن القلوب بقدرة الله، يُحبِّبُ إليها من يشاء، ويُبَغِّضُ إليها من يشاء.
ويقال :﴿ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً ﴾ أي لا تَنسَ وفاءها في الماضي بنادر جفاءٍ يبدو في الحال فربما يعود الأمر إلى الجميل.
﴿ وَلاَ تُشْرِكُوا ﴾ الشِّركُ جَلِيُّه اعتقادُ معبودٍ سواه، وخفِيُّه : ملاحظةُ موجود سواه، والتوحيد أن تعرف أنَّ الحادثاتِ كلَّها حاصلةٌ بالله، قائمةٌ به ؛ فهو مجريها ومنشيها ومبقيها، وليس لأحد ذوة ولا شظية ولا سينة ولا شمة من الإيجاد والإبداع.
ودقائق الرياء وخفايا المصانعات وكوامن الإعجاب والعمل على رؤية الخلْق، واستحلاء مدحهم والذبول تحت ردّهم وذمِّهم - كلُّ ذلك من الشِّرْكِ الخَفِّي.
قوله :﴿ وَبِالوَالِدَيْنِ ﴾ الإحسان إلى الوالدين على وجه التدريج إلى صحبة فإنك أُمِرْتَ أولاً بحقوقهما لأنهما من جِنْسِك ومنها تربيتك، ومنهما تصل إلى استحقاق زيادتك وتتحقق بمعرفتك. وإذا صَلُحْتَ للصحبة والعِشْرة مع ذوي القربى والفقراء والمساكين واليتامى ومن في طبقتهم - رُقِّيتَ عن ذلك إلى استيجاب صحبته - سبحانه.
قوله :﴿ وَالجَارِ ذِي القُرْبَى وَالجَارِ الجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ ﴾. . . الآية من جيرانك (. . . . ) فلا تؤذوهما بعصيانك، وراعِ حقهما بما تُولِي عليهما من إحسانك.
فإذا كان جار دارك مستوجباً للإحسان إليه ومراعاة حقه فجارُ نفسِك - وهو قلبك - أوْلى بألا تضيِّعه ولا تَغْفَل عنه، ولا تُمكِّنَ حلول الخواطر الرديئة به.
وإذا كان جار نفسك هذا حكمه فجار قلبك - وهو روحك - أوْلى أن تحامي على حقِّها، ولا تُمكِّن لما يخالفها من مساكنتها ومجاورتها. وجار روحك - وهو سِرُّك - أوْلى أن ترعى حقّه، فلا تمكنه من الغيبة عن أوطان الشهود على دوام الساعات.
قوله :﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ﴾[ الحديد : ٤ ] الإشارة منه غير ملتبسة على قلوب ذوي التحقيق.
ويقال بخل الأغنياء بمنع النعمة، وبخْلُ الفقراء بمنع الهمة.
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر إلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.
وقوله :﴿ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ ﴾ : إن كان الله أغناهم عن طلب الفضيلة بما خوَّلهم وآتاهم كتموا ذلك طمعاً في الزيادة على غير وجه الإذن.
ويقال يكتمون ما آتاهم الله من فضله إذا سألهم مريدٌ شيئاً عندهم فيه نجاته، وضنوا عليه بإرشاده.
ويقال بخل الأغنياء بمنع النعمة، وبخْلُ الفقراء بمنع الهمة.
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر إلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.
أدخل هؤلاء أيضاً تحت قوله :﴿ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا ﴾ فعقوبتهم في العاجل أنهم ليسوا من جملة مُحِبِّيه، وكفى بذلك محنة.
والمختال الذي ينظر إلى نفسه والمرائي الذي ينظر إلى أبناء جنسه، وكلاهما مُسَوَّمَان بالشرك الخفيِّ والله لا يحب المشركين. والفخور من الإبل كالمصراة من الغنم وهو الذي سُدَّت أخلافه ليجتمع فيها الدر، فيتوهم المشتري أن جميع ذلك معتاد لها وليس كذلك، فكذلك الذي يرى من نفسه حالاً ورتبة وهو في ذلك مدعٍ وهو الفخور، والله لا يحبه، وكذلك المرائي الذي ينفق ماله رئاء الناس.
والسُّكْر ذهاب العقل والاستشعار، ولا تَصحُّ معه المناجاة مع الحق.
المُصَلِّي يناجي ربَّه ؛ فكلُّ ما أوجب للقلب الذهول عن الله فهو ملحق بهذا من حيث الإشارة ؛ ولأجل هذه الجملة حَصَلَ، والسُكْرُ على أقسام :
فسُكْرٌ من الخمر وسُكْرٌ من الغفلة لاستيلاء حب الدنيا.
وأصعب السكر سكرك من نفسك فهو الذي يلقيك في الفرقة عنه، فإنَّ مَنْ سَكِرَ من الخمر فقصاراه الحرقة - إن لم يُغْفَر له. ومن سكر من نفسه فحاله الفرقة - في الوقت - عن الحقيقة.
فأمَّا السُكْر الذي يشير إليه القوم فصاحبه محفوظٌ عليه وقته حتى يصلي والأمر مخفف عليه :( فإذا خرج عن الصلاة هجم عليه غالبُه فاختطفه عنه ومن لم يكن محفوظاً ) عليه أحكام الشرع ( فمشوبُ بحظ ).
وقوله تعالى :﴿ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ ﴾. . . الآية : أذن للمضطر أن يترخَّص في عبور المسجد وهو على وصف الجنابة، فإذا عرج زائداً على قدر الضرورة فمُعَاتَبٌ غيرُ معذور، وكذلك فيما يحصل من محاذير الوقت في القيام بشرائط الوقت فمرفوعةٌ عن صاحبه المطالبة به.
ثم إنه - سبحانه - بفضله جعل التيمم بدلاً من الطهارة بالماء عند عَوَزِ الماء كذلك النزولُ إلى ساحات الفَرْقِ عن ارتقاء ذرة الجمع - بِقَدْر ما يحصل من الضعف - بَدَلٌ لأهل الحقائق.
ثم إن التيمم - الذي هو بَدَلُ الماء - أعمُّ وجوداً من الماء، وأقلُّ استعمالاً من الأصل، فإن كل من كان أقرب كانت المطالبات عليه أصعب.
ثم في الظاهر أمَرْنا باستعمال التراب وفي الباطن باستشعار الخضوع واستدامة الذبول.
وردَّ التيمم إلى التقليل، وراعى فيه صيانةً لرأسِك عن التُّراب ولقَدَمِك ؛ فإنَّ العزَّ بالمؤمن - ومولاه باستحقاق الجلال - أوْلى من الذل لِمَا هو مفلس فيه من الحال، ولئن كان إفلاسه عن أعماله يوجب له التذلُّل فعرفانُه بجلال سيِّده يوجب كل تَعَزُّزٍ وتَجَمُّل.
والله لا يغفر أن يُشْرَكَ به وكذلك من توهَّم أن مخالفته حصلت من غير تقديره فهو ملتحق بهم
قوله :﴿ وآتيناهم ملكا عظيما ﴾ : الملك العظيم معرفة الملك، ويقال هو الملك على النفس.
ويقال الإشراف على أسرار المملكة حتى لا يخفى عليه شيء.
ويقال الاطلاع على أسرار الخلق.
والناس في هذه الدنيا متفاوتون : فمنهم من هو في ظل رحمته، ومنهم من هو في ظل رعايته، ومنهم من هو في ظل كرامته، ومنهم من هو في ظل عنايته، ومنهم من هو في ظل قربته.
ويقال لله - سبحانه وتعالى - أماناتٌ وَضَعَها عِنْدَك ؛ فردُّ الأمانة إلى أهلها تسليمها إلى الله - سبحانه - سالمةً مِنْ خيانتِكَ فيها ؛ فالخيانة في أمانة القلب ادعاؤك فيها، والخيانة في أمانة السِّرِّ ملاحظتك إياها.
والحُكْمُ بين الناس بالعدل تسويةُ القريب والبعيد في العطاء والبذل، وألا تحملك مخامرةُ حقدٍ على انتقام لنفسٍ.
وأمَّا أولو الأمر - فعلى لسان العلم - السلطان، وعلى بيان المعرفة العارفُ ذو الأمر على المستأنف، والشيخُ أولو الأمر على المريد، وإمامُ كل طائفة ذو الأمر عليهم.
ويقال الولي أولى بالمريد ( من المريد ) للمريد.
قوله :﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ في شَيء فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ ﴾ على لسان العلم - إلى الكتاب والسُّنَّة، وعلى بيان التوحيد فوَّض ذلك وَوَكلَ علمَهُ إلى الله سبحانه، وإذا اختلف الخاطران في قلب المؤمن فإن كان له اجتهاد العلماء تأمل ما يسنح لخاطره بإشارة فهمه، ومن كان صاحب قلب وكَلَ ذلك إلى الحق - سبحانه - وراعى ما خوطب به في سرائره، وأُلْقِيَ - بلا واسطة - في قلبه
ويقال من المصيبة أن يمحقك وقتك فيما لا يجدي عليك.
وقوله :﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ ﴾. لو جعلوك ذريعتهم لوصلوا إلينا، ويقال لو لازموا التذلل والافتقار وركبوا مطية الاستغفار لأناخوا بعقوة المبار.
ثم جعل من شرط الإيمان زوال المعارضات بالكلية بقلبك.
قوله :﴿ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا ﴾ : فلا بُدَّ لك من (. . . ) تلك المهالك بوجه ضاحك، كما قال بعضهم :
وحبيبٍ إنْ لم يكن منصفاً كنتُ منصفا *** أتحسّى له الأمَرَّ وأسقيه ما صفا
إن يقل لي انشقَّ *** اخترتُ رضاً لا تَكَلَّفَا
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر - على بيان الإشارة - يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار ( تَقَبُّل النَّفْس }، ومفارقة أوطان ( إرادة ) الدنيا.
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر - على بيان الإشارة - يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار ( تَقَبُّل النَّفْس }، ومفارقة أوطان ( إرادة ) الدنيا.
خلاهم عن كثير من الامتحانات ثم قال ولو أنهم جنحوا إلى الخدمة، وشدُّوا نطاق الطاعة لكان ذلك خيراً لهم من إصرارهم على كفرهم واستكبارهم. ولو أنهم فعلوا ذلك لآتيناهم من عندنا ثواباً عظيماً، ولأرشدناهم صراطاً مستقيماً ولأوليناهم عطاء مقيماً.
والأمر - على بيان الإشارة - يرجع إلى مخالفة الهوى وذبح النفوس بمنعها عن المألوفات، والخروج من ديار ( تَقَبُّل النَّفْس }، ومفارقة أوطان ( إرادة ) الدنيا.
وقوله :﴿ فَسَوْفَ نُؤْتِيهَ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ يعني بقاؤنا بعده خيرٌ له من حياته بنفسه لنفسه، قال قائلهم :
ألست لي عِوَضاً مني ؟ كفى شَرَفاً | فما وراءك لي قصدٌ ومطلوب |
ويقال اقصروها عن أخذ الحرام والتصرف فيه.
ويقال امْتَنِعُوا عن الشهوات.
ويقال :﴿ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ ﴾ إلا عن رَفْعِها إلى الله في السؤال بوصف الابتهال.
فلمَّا كتب عليهم القتال استثقلوا أمره، واستعجلوا لطفه. والعبودية في تَرْكِ الاستثقال، ونفي الاستعجال، والتباعد عن التبرم والاستثقال.
قوله جلّ ذكره :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ والآخرة خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاُ ﴾.
مَكَّنَكَ من الدنيا ثم قال :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ ﴾ فلم يَعُدَّها شيئاً لك ثم لو تَصَدَّقْتَ منها بِشقِّ تمرةٍ لتَخَلَّصْتَ من النار، وحظيت بالجنة، وهذا غاية الكرم.
واستقلالُ الكثير من نفسك - لأجل حبيبك - أقوى أمارات صُحْبتك.
ويقال لما زَهَّدَهم في الدنيا قلَّلَها في أعينهم ليهون ( عليها ) تركها.
ويقال قل متاعُ الدنيا بجملتها قليلٌ، والذي هو نصيبك منها أقلُّ من القليل، فمتى يناقشك لأجلها ( بالتخليل )، ولو سَلِم عهدك من التبديل ؟
وإذا كانت قيمة الدنيا قليلة فأخَسُّ من الخسيس مَنْ رَضِيَ بالخسيس بدلاً عن النفيس.
وقد اخْتَلَعَ المؤمن من الكون بالتدريج. فقال أولاً :﴿ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ ﴾ ( فأحفظهم ) عن الدنيا بالعقبى، ثم سلبهم عن الكونين بقوله :
﴿ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾[ طه : ٧٣ ]
ويقال إذا كان الموت لا بد منه فالاستسلام لحكمه طوعاً خيرٌ من أن يحمل كرهاً.
ثم أخبر أنهم - لضَعْفِ بصائرهم ومرض عقائدهم - إذا أصابتهم حَسَنَةٌ فَرِحُوا بها، وأظهروا الشكر، وإن أصابتهم سيئة لم يهتدوا إلى الله فجرى فيهم العرْقُ المجوسي فأضافوه إلى المخلوق، فَرَدَّ عليهم وقال : قل لهم يا محمد كلُّ من عند الله خلقاً وإبداعاً، وإنشاء واختراعاً، وتقديراً وتيسيراً.
إذا ارعوى عاد إلى جهله | كذي الضنى عاد إلى نكسه |
قوله :﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ ﴾ : لمَّا كانوا غافلين عن الحق لم يكن لهم من ينقل إليه أسرارهم فأظهروا السرَّ بعضُهم لبعض. فأمَّا المؤمنون فعالِمُ أسرارهم مولاهم، وما يسنح لهم خَاطَبُوه فيه فلم يحتاجوا إلى إذاعة السِّر لمخلوق ؛ فسامِعُ نجواهم الله، وعالِم خطابهم الله.
﴿ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ ﴾ مع أوليائه لهاموا في كل وادٍ من التفرقة كأشكالهم في الوقت
﴿ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ ﴾ الإشارة منه أنه إذا عاشركم من ليس من أهل القصة معرجين في أوطان نصيبهم فلا تدعوهم إلى طريقتكم وسلِّموا لهم أحوالهم. فإن أمكنكم أن تلاحظوهم بعين الرحمة بحيث تؤثر فيهم همتكم وإلا فسلِّموا لهم أحوالهم.
ويقال على موجب ظاهر الآية إن الذين أقعدتهم الأعذار عن الاختيار فعسى أن يتفضَّل الحقُّ - سبحانه - عليهم بالعفو.
ويقال على موجب ظاهر الآية إن الذين أقعدتهم الأعذار عن الاختيار فعسى أن يتفضَّل الحقُّ - سبحانه - عليهم بالعفو.
والمهاجر - في الحقيقة - من هجر نَفْسَه وهواه، ولا يصحُّ ذلك إلا بانسلاخه عن جميع مراداته، ومَنْ قَصَدَه ثم أدركه الأجلُ قبل وصوله فلا ينزل إلا بساحات وصله، ولا يكون محطُّ روحه إلا أوطان قربه.
﴿ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ ﴾ : القومُ شاركوكم في إحساس الألم، ولكن خالفوكم في شهود القلب، وأنتم تشهدون ما لا يشهدون، وتجدون لقلوبكم ما لا يجدون، فلا ينبغي أن تستأخروا عنهم في الجد والجهد.
قوله :﴿ وَلاَ تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾ : أي لا تناضِل عن أرباب الحظوظ ولكن مع أبناء الحقوق، ومن جنح إلى الهوى خان فيما أودع نفسه من التقوى، ومَنْ رَكَنَ إلى أنواع نوازع المنى خان فيما طولب به من الحياء لاطلاع المولى.
وقوله :﴿ يَجِدِ اللهَ ﴾ : الوجود غاية الحديث، والعاصي لا يطلب غير الغفران، ولكن الله - سبحانه يوصله إلى النهاية بفضله - إذا شاء، فسُنَّتُه تحقيق ما فوق المأمول لمن رجاه.
كلاَّ، لن يكونَ لأحدٍ سبيلُ إلى إضلالك فأنت في قبضة العزة، وما يُضِلُّونَ إلا أنفسهم، وما يضرونك بشيء، إذ المحفوظ منا محروس عن كل غير، وإنَّ الله سبحانه قد اختصك بإنزال الكتاب، واستخلصك بوجوه الاختصاص والإيجاب، وعلَّمك ما لم تكن تعلم، ولم يمن عليك بشيءٍ بمثل ما مَنَّ به على من خصَّه به من العلم. ويحتمل أنه أراد به علمه - صلى الله عليه وسلم - بالله وبجلاله، وعلمه بعبودية نَفْسه، ومقدار حاله في استحقاق عِزِّه وجماله.
ويقال علَّمك ما لم تكن تعلم من آداب الخدمة إذ لم تكن ملتبساً عليك معرفة الحقيقة.
ويقال أغناك عن تعليم الأغيار حتى لا يكون لأحدٍ نور إلا مُقْتَبَساً مِنْ نورِك، ومَنْ لم يمشِ تحت رايتك لا يصل غلى جميع برِّنا، ولا يحظى بقربنا وَوصْلنا.
﴿ وَكَان فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ﴾ : في الآباد ؛ أنَّكَ كنت - لنا بشرف العز وكرم الربوبية في الآزال - معلوماً. ويقال وعلَّمك ما لم تكن تعلم من عُلُوِّ رُتْبَتِكَ على الكافة.
ويقال :﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ﴾ أنَّ أحَداً لا يُقَدِّرُ قَدْرَنا إلا بمقدار مُوافَقَتِه لأمْرِنا.
قال صلى الله عليه وسلم في قَصْرِ الصلاة في السفر :" هذه صدقة تصدَّقها الله عليكم فاقبلوا صَدَقَته ".
والصدقة على أقسام : صدقتك على نفسك، وصدقتك على غيرك ؛ فأمَّا صدقتك ( على نفسك فَحْملُها على أداء حقوقه تعالى، ومَنْعُها عن مخالفة أمره، وقصرُ يدها عن أذية الخَلْق وصَوْنُ خواطرها وعقائدها عن السوء. وأمَّا صدقتك ) على الغير فَصَدقةٌ بالمال وصدقة بالقلب وصدقة بالبدن.
فصدقة بالمال بإنفاق النعمة، وصدقة بالبدن بالقيام بالخدمة، وصدقة بالقلب بحسن النية وتوكيد الهمة.
والصدقة على الفقراء ظاهرة لا إشكالَ فيها، أمَّا الصدقة على الأغنياء فتكون بأن تجود عليهم بهم، فتقطع رجاءك عنهم فلا تطمع فيهم.
وأمّا المعروف : فكلُّ حَسَنٍ في الشرع فهو معروف، ومن ذلك إنجاد المسلمين وإسعادهم فيما لهم فيه قربة إلى الله، وزلفى عنده، وإعلاء النواصي بالطاعة.
ومن تصدَّق بنفسه على طاعة ربه، وتصدَّقَ بقلبه على الرضا بحكمه، ولم يخرج بالانتقام لنفسه، وحثَّ الناس على ما فيه نجاتهم بالهداية إلى ربه، وأصلح بين الناس بِصِدْقه في حاله - فإنَّ لسان فعله أبلغ في الوعظ من لسان نطقه، فهو الصِّدِيق في وقته. ومن لم يؤدِّبْ نَفْسَه لم يتأدبْ به غيرُه، وكذلك من لم يهذِّب حالَه لم يتهذَّبْ به غيره.
﴿ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ﴾ غيرَ سائلٍ به مالاً أو حائزٍ لنفسه به حالاً فعن قريب يبلغ رتبة الإمامة في طريق الله، وهذا هو الأجر الموعود في هذه الآية.
خواطر الحق سفراؤه تعالى إلى العبد، فمن خَالَفَ إشارات ما طولب به مِنْ طريق الباطن استوجب عقوبات القلوب، ومنها أنْ يَعْمَى عن إبصار رشده. وكما أن مخالفَ الإجماع عن الدين خارجٌ فمخالِفُ ما عرف من الحقيقة بعد ما تبين له الطريق.
﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ ﴾، أي ما يدعون إلا إبليس الذي أبعده الحقُّ عن رحمته، وأسحقه بِبُعده، وما إبليس إلا مُقَلَّبٌ في القبضة على ما يريده المنشئ، ولو كان به ذرة من الإثبات لكان به شريكاً في الإلهية. كلاَّ، إنما يُجرِي الحقُّ - سبحانه - على الخلْقِ أحوالاً، ويخلق عقيب وساوسه للخلق ضلالاً، فهو الهادي والمُضِل، وهو - سبحانه - المُصَرِّفُ للكل، فيخلق (. . . . ) في قلوبهم عُقَيْبَ وساوسه إليهم طول الآمال، ويُحَسِّن في أعينهم قبيح الأعمال، ثم لا يجعل لأمانيِّهم تحقيقاً، ولا يعقب لما أمَّلُوه تصديقاً، فهو تعالى مُوجِد تلك الآثار جملةً، ويضيفها إلى الشيطان مرةً، وإلى الكافر مرة، وهذا معنى قوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾. . . الآية ومعنى قوله تعالى :﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾.
﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ ﴾، أي ما يدعون إلا إبليس الذي أبعده الحقُّ عن رحمته، وأسحقه بِبُعده، وما إبليس إلا مُقَلَّبٌ في القبضة على ما يريده المنشئ، ولو كان به ذرة من الإثبات لكان به شريكاً في الإلهية. كلاَّ، إنما يُجرِي الحقُّ - سبحانه - على الخلْقِ أحوالاً، ويخلق عقيب وساوسه للخلق ضلالاً، فهو الهادي والمُضِل، وهو - سبحانه - المُصَرِّفُ للكل، فيخلق (.... ) في قلوبهم عُقَيْبَ وساوسه إليهم طول الآمال، ويُحَسِّن في أعينهم قبيح الأعمال، ثم لا يجعل لأمانيِّهم تحقيقاً، ولا يعقب لما أمَّلُوه تصديقاً، فهو تعالى مُوجِد تلك الآثار جملةً، ويضيفها إلى الشيطان مرةً، وإلى الكافر مرة، وهذا معنى قوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾... الآية ومعنى قوله تعالى :﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾.
﴿ وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا لَّعَنَهُ اللهُ ﴾، أي ما يدعون إلا إبليس الذي أبعده الحقُّ عن رحمته، وأسحقه بِبُعده، وما إبليس إلا مُقَلَّبٌ في القبضة على ما يريده المنشئ، ولو كان به ذرة من الإثبات لكان به شريكاً في الإلهية. كلاَّ، إنما يُجرِي الحقُّ - سبحانه - على الخلْقِ أحوالاً، ويخلق عقيب وساوسه للخلق ضلالاً، فهو الهادي والمُضِل، وهو - سبحانه - المُصَرِّفُ للكل، فيخلق (.... ) في قلوبهم عُقَيْبَ وساوسه إليهم طول الآمال، ويُحَسِّن في أعينهم قبيح الأعمال، ثم لا يجعل لأمانيِّهم تحقيقاً، ولا يعقب لما أمَّلُوه تصديقاً، فهو تعالى مُوجِد تلك الآثار جملةً، ويضيفها إلى الشيطان مرةً، وإلى الكافر مرة، وهذا معنى قوله :﴿ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ ﴾... الآية ومعنى قوله تعالى :﴿ يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ﴾.
وقوله :﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ : الإحسان - بشهادة الشرع - أن تعبد الله كأنك تراه، ولا بد للعبد من بقية من عين الفرق حتى يصحّ قيامه بحقوقه - سبحانه - لأنه إذا حصل مستوفيّ بالحقيقة لم يصح إسلامه ولا إحسانه، وهذا اتِّباع إبراهيم عليه السلام الحنيف الذي لم يبق منه شيء على وصف الدوام.
وقوله :﴿ وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ : جرَّد الحديث عن كل سعي وكدٍ وطلبٍ وجهدٍ حيث قال :﴿ وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾ فعُلِمَ أَنَّ الخلَّة لُبسةٌ يُلبِسها الحقُّ لا صفةٌ يكتسبها العبد.
ويقال الخليل المحتاج بالكلية إلى الحق في كل نَفَسٍ ليس له شيء منه بل هو بالله لله في جميع أنفاسه وأحواله، اشتقاقاً من الخُلَّة التي هي الخَصَاصة وهي الحاجة.
ويقال إنه من الخلة التي هي المحبة، والخلة أن تباشِر المحبةُ جميع أجزائه، وتتخلل سِرَّه حتى لا يكون فيه مساغ للغير.
فلمَّا صفَّاه الله - سبحانه - ( عليه السلام ) عنه، وأخلاه منه نَصَبَه للقيام بحقه بعد امتحائه عن كل شيء ليس لله سبحانه.
ثم قال :﴿ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً ﴾[ الحج : ٢٧ ] لا يلبي الحاج إلا لله، وهذه إشارة إلى جمع الجمع.
واتضاعك في نفسك عن منافرة مَنْ يخاصمك أجدى عليك، وأحرى لك من تطاولك على خصمك باغياً الانتقام، وشهودِ مَالَكَ في مزية المقام. وأكثر المنافقين في أسْرِ هذه المحنة.
قوله تعالى :﴿ وَأُحْضِرَتِ الأَنْفُسُ الشُّحَّ ﴾ : وشُحُّ النَفْس قيام العبد بحظِّه.
فلا محالة مَنْ حُجِبَ عن شهود الحق رُدَّ إلى شهود النَّفْس.
قوله تعالى :﴿ وَإِن تُحْسِنُوا ﴾ : يعني يكن ذلك خيراً لكم. والإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.
﴿ وَتَتَّقُوا ﴾ : يعني عن رؤيتكم مقامَ أنفسكم، وشهود قَدْرِكم، يعني وأنْ تروا ربَّكم، وتفنوا برؤيته عن رؤية قدْرِكم.
﴿ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ يعني إذا فنيتم عنكم وعن عملكم، فكفى بالله عليماً بعد فنائكم، وكفى به موجداً عقب امتحائكم.
ويقال مَنْ حَكَم الله بنقصان عقله في حاله فلا تقتدرون أن تجبروا نقصانهم بكفايتُكم.
قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ ﴾ : يعني لا تزيغوا عن نهج الأمر. قِفوا حيثما وُقْفتم، وأنفذوا فيما أُمِرْتُم.
وقوله :﴿ فَتَذَرُوهَا كَالمُعَلَّقَةِ ﴾ يعني أنكم إذا منعتموهن عن صحبة أغياركم ثم قطعتم عنهن ما هو حظوظهن منكم أضررتم بهن من الوجهين ؛ لا منكم نصيب، ولا إلى غيركم سبيل، وإن هذا الحيف عظيم. والإشارة من هذا أنه إذا انسد عليك طريق حظوظك فَتَحَ - سبحانه - عليك شهود حقه، ووجود لطفه ؛ فإنَّ من كان في الله تلَفُه فالحق - سبحانه - خَلَفُه، وإنْ تُصْلِحوا ما بينكم وبين الخَلْق، وتثقوا فيما بينكم وبين الحق فإن الله غفور لعيوبكم، رحيم بالعفو عن ذنوبكم.
ويقال لا نهاية للمقدورات فإن لم يكن عمرو فَزَيْدٌ، وإن لم يكن عبدٌ فعبيد، والذي لا بَدَلَ عنه ولا خَلَفَ فهو الواحد أحد.
[ طه : ٧٣ ].
ومَنْ بقي لله عليه حق لم يباشر خلاصة التحقيق سره لله.
وأصل الدِّين إيثار حق الحق على حق الخلق، فمن آثر على الله - سبحانه أحداً إمَّا والداً أو أُمّاً أو وَلَداً أو قريباً أو نسيباً، أو ادَّخر عنه نصيباً فهو بمعزل عن القيام بالقسط.
ويقال يا أيها الذين آمنوا تصديقاً آمنوا تحقيقاً بأن نجاتكم بفضله لا بإيمانكم.
ويقال يا أيها الذين آمنوا في الحال آمنوا باستدامة الإيمان إلى المآل.
ويقال يا أيها الذين آمنوا وراء كل وصل وفصل ووجد وفقد.
ويقال يا أيها الذين آمنوا باستعمال أدلة العقول آمنوا إذا أنختم بعقوة الوصول، واستمكنت منكم حيرة البديهة وغلبات الذهول ثم أفقتم عن تلك الغيبة فآمنوا أن الذي كان غالباً عليكم كان شاهد الحق لا حقيقة الذات فإن الصمدية منزهة متقدسة عن كل قرب وبعد، ووصل وفصل.
ويقال لا ندري أي حالتهم أقبح : طلب العز وهم في ذل القهر وأسر القبضة أم حسبان ذلك وتوهمه من غير الله ؟
ويقال مَنْ طَلَبَ الشيء من غير وجهه فالإخفاق غاية جهده، ومن رام الغنى في مواطن الفاقة فالإملاق قصارى كدِّه.
ويقال لو هُدُوا بوجدان العِزِّ لما صُرِفَتْ قُصُودُهم إلى من ليس بيده شيء من الأمر.
قوله :﴿ فَإِنَّ العِزَّةَ للهِ جَمِيعًا ﴾ العزُّ على قسمين : عزٌّ قديمٌ فهو لله وصفاً، وعزٌّ حادثٌ يختص به سبحانه من يشاء فهو له - تعالى - مِلْكاً ومنه لطفاً.
ويقال هجرانُ أعداء الحقِّ فرضٌ، ومخالفة الأضداد ومفارقتهم دين، والركون إلى أصحاب الغفلة قَرْعُ بابِ الفرقة.
قوله :﴿ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ ﴾ : أوضحُ برهانٍ على سريرة (. . . . . ) صحبة من يقارنه وعِشْرة مَنْ يخادنه ؛ فالشكل مقيد بشكله، والفرعُ منتشِرٌ عن أصله.
وخداع الحق إياهم : ما توهموه من الخلاص، وحكموا به لأنفسهم من استحقاق الاختصاص، فإذا كُشِفَ الغطاء أيقنوا أن الذي ظنُّوه شراباً كان سراباً، قال تعالى :﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾ [ الزمر : ٤٧ ].
وقوله :﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا ﴾ الآية : علامة النفاق وجود النشاط عند شهود الخلق، وفتور العزم عند فوات رؤية الخلق.
قوله :﴿ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا للهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴾ : تَوَعَّدَهم على موالاتهم للكفار بما لم يتوعَّد على غيره من المخالفات، لما فيه من إيثار الغير على المعبود ؛ وإيثارُ الغير على المحبوب من أعظم الكبائر في أحكام الوداد. فإذا شَغَلَ من قلبه محلاً - كان للمؤمنين - بالأغيار استوجب ذلك العقوبة فكيف إذا شغل محلاً من قلبه - هو للحق - بالغير ؟ !
والعقوبة التي تَوَعَّدَهم بها أنْ يَكِلهَم وما اختاروه من موالاة الكفار، وبئس البدل !
كذلك مَنْ بقي عن الحق تركه مع الخَلْق ؛ فيتضاعف عليه البلاءُ للبقاء عن الحق والبقاء مع الخلق، وكلاهما شديدٌ مِنَ العقوبة
[ آل عمران : ٥٤، والأنفال : ٣٠ ] أي مَكْرُه فوق كل مَكْرٍ. لمَّا أظهر المنافق ما هو مكر مع المؤمنين كانت عقوبتهم أشد من عقوبة من جاهر بكفره.
ويقال نقلهم في آجلهم إلى أشد ما هم عليه في عاجلهم، لِمَا في الخبر :" من كان بحالةٍ لقي الله بها " فالمنافق - اليومَ - في الدرك - الأسفل من الحجر - فكذلك ينقلون إلى الدرك الأسفل من النار. والدرك الأسفل من الحجر - اليوم - لهم ما عليهم من اسم الإيمان وليس لهم من الله شظية وهذا هو البلاء الأكبر.
ويقال استوجبوا الدرك الأسفل من النار لأنهم صحبوا اليوم اسم الله الأعظم لا على طريقة الحرمة. ويقال استوجبوا ذلك لأنهم أساءوا الأدب في حال حضورهم بألسنتهم، وسوءُ الأدبِ يوجِبُ الطردَ
والعُذر مبسوطٌ ولكنما شتان بين العذر والشكر
ويقال إن حرف ( مع ) للمصاحبة، فإذا كانوا مع المؤمنين استوجبوا ما يستوجب جماعة المؤمنين، فالتوبة ههنا أي رجعوا عن نفاقهم، وأصلحوا - بصدقهم في إيمانهم، واعتصموا بالله بالتبرؤ من حولهم وقوتهم، وشاهدوا المِنَّة لله عليهم حيث هداهم، وعن نفاقهم نجَّاهم.
قوله :﴿ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ ﴾ : ونجاتهم بفضل ربهم لا بإيمانهم في الحال، ورجوعهم عن نفاقهم فيما مضى عليهم من الأحوال.
ويقال أخلصوا دينهم لله وهو دوام الاستعانة بالله في أن يثبتهم على الإيمان، ويعصمهم عن الرجوع إلى ما كانوا عليه من النفاق.
ويُقال : تابوا عن النفاق، وأصلحوا بالإخلاص في الاعتقاد، واعتصموا بالله باستدعاء التوفيق وأخلصوا دينهم لله في أن نجاتهم بفضل الله ولطفه لا بإتيانهم بهذه الأشياء - في التحقيق.
وقوله :﴿ وَآمَنتُمْ ﴾ يعني في المآل ؛ فكأنه بيَّن ان النجاة إنما تكون لمن كانت عاقبته على الإيمان، فمعنى الآية لا يعذبكم الله عذاب التخليد، إن شكرتم في الحال وآمنتم في المآل.
ويقال : إن شكرتم وآمنتم صدقتم بأن نجاتكم بالله لا بشكركم وبإيمانكم.
ويقال الشكر شهود النعمة من الله والإيمان رؤية الله في النعمة، فكأنه قال : إن شاهدتم النعمة من الله فلا يقطعنَّكم شهودها عن شهود المُنْعِم.
وقوله :﴿ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ أي والله شاكر عليم، ومعنى كونه شاكراً أنه مادِحٌ للعبد ومُشْهِدٌ عليه فيما يفعله لأن حقيقة الشكر وحَدَّه الثناء على المُحْسِن بذكر إحسانه ؛ فالعبد يشكر الله أي يثني عليه بذكر إحسانه إليه الذي هو نعمته عليه، والربُّ يشكر للعبد أن يثني عليه بذكر إحسانه الذي هو طاعته له، فإن الله يثني عليه بما يفعله من الطاعة مع علمه بأن له ذنوباً كثيرة.
ويقال يشكره - وإنْ عِلِمَ أنه سيرجع في المستأنف إلى قبيح أعماله.
ويقال يشكره لأنه يعلم ضعفه، ويقال يشكره لأنه يعلم أنه لا يعصي وقَصْدُه مخالفةُ ربِّه ولكنه يُذْنِبُ لاستيلاء أحوال البشرية عليه من شهوات غالبة.
ويقال يشكره لأن العبد يعلم في حالة ذنوبه أنه له ربّاً يغفر له.
ويقال مَنْ عَلِمَ أن مولاه يسمع استحيا من النطق بكثيرٍ مما تدعو نفسه إليه.
ويقال الجهر بالسوء هو ما تسمعه نفسك منك فيما تُحدِّثُ في نفسك من مساءة الخلق ؛ فإن الخواص يحاسبون على ما يتحدثون في أنفسهم بما ( يعد ) لا يُطالَب به كثيرٌ من العوام فيما يَسمعُ منهم الناس.
قوله :﴿ إلاَّ مَن ظُلِمَ ﴾ : قيل ولا من ظُلِمَ. وقيل معناه ولكن مَنْ ظُلِمَ فله أنْ يذكرَ ظالمَه بالسوء.
ويقال من لم يُؤثِرْ مدحَ الحقِّ على القَدْحِ في الخَلْق فهو المغبون في الحال.
ويقال من طَالَعَ الخلْقَ بعين الإضافة إلى الحق بأنهم عبيد الله لم يبسط فيهم لسان اللوم ؛ يقول الرجل لصاحبه :" أنا أحْتَمِل من (. . . . ) خدمتك لك ما لا أحتمله من ولدي "، فإذا كان مثل هذا معهوداً بين الخلق فالعبد بمراعاة هذا الأدب - بينه وبين مولاه - أوْلى.
ويقال لا يحب الله الجهر بالسوء من القول من العوام، ولا يحب ذلك بخطوره من الخواص.
ويقال الجهر بالسوء من القول من العوام أن يقول في صفة الله ما لم يَرِدْ به الإذن والتوفيق.
والجهر بالسوء من القول في صفة الخَلْق أن تقول ما ورد الشرع بالمنع منه، وتقول في صفة الحق ما لا يتصف به فإنك تكون فيه كاذباً، وفي صفة الخلق عن الخواص ما اتصفوا به من النقصان - وإن كنت فيه صادقاً.
قوله :﴿ وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ﴾ : سميعاً لأقوالكم، عليماً بعيوبكم، يعني لا تقولوا للأغيار ما تعلمون أنكم بمثابتهم.
ويقال سميعاً لأقوالكم عليماً ببراءةِ ساحةِ مَنْ تَقَوَّلْتُم عليه، فيكون فيه تهديد للقائل - لبرئ الساحة - بما يتقوَّلُ عليه.
ويقال سميعاً : أيها الظالم، عليمًا : أيها المظلوم ؛ تهديدٌ لهؤلاء وتبشيرٌ لهؤلاء.
﴿ أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ ﴾ أخذاً من الله ما ندبكم إليه من محاسن الخُلُق.
﴿ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا ﴾ لعيوبكم ﴿ قَدِيرًا ﴾ على تحصيل محبوبكم وتحقيق مطلوبكم.
ويقال إن تبدوا خيراً لتكونوا للناس قدوة فيما تُسِنُّون وما تعينون غيركم على ما يُهَدْون به من سلوك سُنَّتكم، وإن تخفوه اكتفاءً بعلمه، وصيانة لنفوسكم عن آفات التصنَّع، وثقةً بأن من تعملون له يرى ذلك ويعلمه منكم، وإن تعفوا عن سوءٍ أي تتركوا ما تدعوكم إليه نفوسكم فالله يجازيكم بعفوه على ما تفعلون، وهو قادر على أن يبتليكم بما ابتلى به الظالم، فيكون تحذيراً لهم من أن يغفلوا عن شهود المنَّة، وتنبيهاً على أن يستعيذوا أن يُسلَبوا العصمة، وأنْ يُخْذَلُوا حتى يقعوا في الفتنة والمحنة.
ويقال إنْ تبدوا خيراً فتحسنوا إلى الناس، أو تخفوه بأن تدعوا لهم في السرِّ، أو تعفوا عن سوءٍ إنْ ظُلِمْتم.
ويقال من أحسن إليك فأبْدِ معه خيراً جهراً، ومن كفاك شرَّه فأخلِصْ بالولاء والدعاء له سِرَّاً، ومن أساء إليك فاعفُ عنه كرمًا وفضلاً ؛ تجِدْ من الله عفوَه عنك عما ارتكبت، فإن ذنوبَك أكثرُ، وهو قادرٌ على أنْ يُعطيَك من الفضل والإنعام ما لا تصل إليه بالانتصاف من خصمك، وما تجده بالانتقام.
وقال صلى الله عليه وسلم :" المكاتَبُ عَبْدٌ ما بقي عليه درهم ".
فأمّا سؤالهم الرؤية فَذُمُّوا عليه لأنهم اقترحوا عليه ذلك بعد ما قطع عذرهم بإقامة المعجزات، ثم طلبوا الرؤية لا على وجه التعليم، أو على موجب التصديق به، أو على ما تحملهم عليه شدة الاشتياق، و كل ذلك سوء أدب.
الإشارة فيه أيضاً أنْ مَنْ يكتفي بأن يكون العجلُ معبودَه - متى - يسلم له أن يكون الحقُّ مشهودَه ؟
ويقال القومُ لم يباشِرْ العرفانُ أسرارَهم فلذلك عكفوا بعقولهم على ما يليق بهم من محدودٍ جوَّزوا أنْ يكون معبودَهم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا ﴾.
حجةً ظاهرةً، بل تفرداً صَانَه من التمثيل والتعطيل.
والسلطان المبين التحصيل والتنزيه المانع من التعطيل والتشبيه.
ويقال السلطان المبين القوة بسماع الخطاب من غير واسطة.
ويقال السلطان المبين لهذه الأمة غداً، وهو بقاؤهم في حال لقائهم - قال صلى الله عليه وسلم :" لا تضامون في رؤيته " - في خبر الرؤية
ويقال لَحِقَهُمْ شؤم المخالفات حالة بعد حالة، لأن من عقوبات المعاصي الخذلان لغيرها من ارتكاب المناهي ؛ فَبِنَقْضِهم الميثاق، ثم لم يتوبوا، جرَّهم إلى كفرهم بالآيات، ثم لشؤم كفرهم خذِلُوا حتى قتلوا أنبياءهم - عليهم السلام- بغير حقٍ، ثم لشؤم ذلك تجاسروا حتى ادَّعوا شدةَ التفَهُّم، وقالوا : قلوبنا أوعية العلوم، فَرَدَّ الله عليهم وقال :﴿ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ ﴾ فحَجَبَهُمْ عن محلِّ العرفان، فعمهوا في ضلالتهم
ويقال مريم - رضي الله عنها - كانت وليَّةَ الله، فَشَقِيَ بها فرقتان : أهل الإفراط وأهل التفريط. وكذلك كان أولياؤه - سبحانه - فمُنْكِرُهَم يَشْقَى بِتَرْكِ احترامهم، والذين يعتقدون فيهم ما لا يستوجبونه يَشْقَوْن بالزيادة في إعظامهم، وعلى هذه الجملة دَرَجَ الأكثرون من الأكابر.
وقيل إن عيسى عليه السلام قال : مَنْ رَضِيَ بأن يُلْقَى عليه شَبَهِي فيُقتَل دوني فله الجنة، فرضي به بعضُ أصحابه، فيقال لمَّا صبر على مقاساة التلف لم يعدِم من الله الخلف، قال الله تعالى :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾[ الكهف : ٣٠ ].
ويقال لمَّا صَحَّتْ صحبةُ الرجل مع عيسى - عليه السلام - بِنَفْسِهِ صَحِبَه بروحه، فلمَّا رُفِعَ عيسى - عليه السلام - إلى محل الزلفة، رفع روح هذا الذي فداه بنفسه إلى محل القربة.
وقيل إن عيسى عليه السلام قال : مَنْ رَضِيَ بأن يُلْقَى عليه شَبَهِي فيُقتَل دوني فله الجنة، فرضي به بعضُ أصحابه، فيقال لمَّا صبر على مقاساة التلف لم يعدِم من الله الخلف، قال الله تعالى :﴿ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً ﴾[ الكهف : ٣٠ ].
ويقال لمَّا صَحَّتْ صحبةُ الرجل مع عيسى - عليه السلام - بِنَفْسِهِ صَحِبَه بروحه، فلمَّا رُفِعَ عيسى - عليه السلام - إلى محل الزلفة، رفع روح هذا الذي فداه بنفسه إلى محل القربة.
فَمَنْ ركب محظوراً بظاهره حُرِم ما كان يجده من الأحوال المباحة، والألطاف الحاصلة في سرائره.
فَمَنْ ركب محظوراً بظاهره حُرِم ما كان يجده من الأحوال المباحة، والألطاف الحاصلة في سرائره.
ويقال الراسخ في العلم من يرتقي عن حد تأمل البرهان ويصل إلى حقائق البيان.
ويقال الراسخ في العلم أن يكون بعلمه عامِلاً حتى يفيد عِلمَ ما خفي على غيره، ففي الخبر :" من عمل بما علمه ورَّثه الله علم ما لم يعلم ".
وخَصَّ ﴿ وَالمُقِيمِينَ الصَّلاَةَ ﴾ في الإعراب فَنَصَب اللفظ بإضمار أعني على المدح لِمَا للصلاة من التخصيص من بين العبادات لأنها تالية الإيمان في أكثر المواضع في القرآن، ولأن الله - سبحانه - أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ( بها ) ليلةَ المعراج بغير واسطة جبريل عليه السلام. . . وغير هذا من الوجوه.
قوله تعالى :﴿ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ : الأجر العظيم هو الذي يزيد على قدر الاستحقاق بالعمل
﴿ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ﴾ : إخبار عن تخصيصه إياه باستماع كلامه بلا واسطة
وقَفَ الخلْقَ عند مقاديرهم ؛ وبيَّن أنه أرسل إليهم الرسل فتفردوا عليهم إلى اجتباء ثوابهم، واجتناب ما فيه استحقاق عذابهم، وأنه ليس للخلْق سبيل إلى راحة يطلبونها ولا إلى آفة يجتنبونها إما في الحال أو في المآل.
قوله جلّ ذكره :﴿ لِئِلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴾.
أنَّى يكون لمن له إلى الله حاجة على الله حُجَّة ؟ ! ولكنَّ الله خاطبهم على حسب عقولهم.
قوله :﴿ وَإِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ للهِ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ يعني إن خرجوا عن استعمال العبودية - فعلاً، لم يخرجوا عن حقيقة كونهم عبيده - خلْقاً، قال تعالى :﴿ إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ أَتِى الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾
[ مريم : ٩٣ ].
كيف يستنكف عن عبوديته وبالعبودية شَرَفُه، وكيف يستكبر عن التذلُّلِ وفي استكباره تَلَفُه، ولهذا الشأن نطق المسيح أول ما نطق بقوله : إني عبد الله، وتجمُّل العبيد في التذلل للسَّادة، هذا معلوم لا تدخله ريبة.
وقوله :﴿ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ ﴾ لا يدل على أنهم أفضل من المسيح، لأنه إنما خاطبهم على حسب عقائدهم، والقوم اعتقدوا تفضيل الملائكة على بني آدم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾.
العذاب الأليم ألا يصلوا إليه أبداً بعدما عرفوا جلاله، فإذا صارت معارفُهم ضروريةً فإنهم يعرفون أنهم عنه بقوا، فَحَسَراتُهم حينئذ على ما فاتهم أشدُّ عقوبة لهم.
كيف يستنكف عن عبوديته وبالعبودية شَرَفُه، وكيف يستكبر عن التذلُّلِ وفي استكباره تَلَفُه، ولهذا الشأن نطق المسيح أول ما نطق بقوله : إني عبد الله، وتجمُّل العبيد في التذلل للسَّادة، هذا معلوم لا تدخله ريبة.
وقوله :﴿ وَلاَ المَلاَئِكَةُ المُقَرَّبُونَ ﴾ لا يدل على أنهم أفضل من المسيح، لأنه إنما خاطبهم على حسب عقائدهم، والقوم اعتقدوا تفضيل الملائكة على بني آدم.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ﴾.
العذاب الأليم ألا يصلوا إليه أبداً بعدما عرفوا جلاله، فإذا صارت معارفُهم ضروريةً فإنهم يعرفون أنهم عنه بقوا، فَحَسَراتُهم حينئذ على ما فاتهم أشدُّ عقوبة لهم
البرهان ما لاح في سرائرهم من شواهد الحق.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ﴾.
وهو خطابه الذي في تأملهم معانيه حصولُ استبصارِهم
﴿ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةِ ﴾ : والسين للاستقبال أي يحفظ عليهم إيمانهم في المآل عند التوفي، كما أكرمهم بالعرفان والإيمان في الحال.
قوله جلّ ذكره :﴿ وَيَهْدِيَهُمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴾.
هذه الهداية هي إكرامهم بأن عرفوا أن هذه الهداية من الله فضل لا لأنهم استوجبوها بطلبهم وجهدهم، ولا بتعبهم وكدِّهم.