تفسير سورة الممتحنة

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الممتحنة من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

عن على قال بعثنا رسول الله - ﷺ - انا والزبير والمقداد بن الأسود فقال انطلقوا حتى ناتوا روضة خاخ فان بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فايتونى به فخرجنا حتى اتينا الروضة فاذا نحن بالظعينة فقلنا اخرجى الكتاب فقالت ما معى من الكتاب فقلنا لتخرجن الكتاب او لتلقين الثياب قال فاخرجته عن عقاصها فاتينا به رسول الله - ﷺ - فاذا هو من حاطب بن ابى بلتعة الى ناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض امر النبي - ﷺ - فقال ما هذا يا حاطب قال لا تعجل على يا رسول الله انى كنت امرأ ملصقا من قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة فاحببت إذ فاتنى ذلك من النسب منهم ان ناخذ منهم يدا يحمون بها قرابتى وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن دينى ولا رضا بالكفر فقال النبي - ﷺ - صدقت وفيه أنزلت هذه السورة
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ قيل الباء زائدة كما فى قوله تعالى وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ والمعنى تلقون إليهم بالمودة بالمكاتبة وقال الزجاج معناه تلقون إليهم اخبار النبي - ﷺ - بالمودة التي بينكم وبينهم والجملة حال من فاعل لا تتخذوا او صفة لاولياء جرت على غير من هى له فلا حاجة فيها الى إبراز الضمير لانه مشروط فى الاسم دون الفعل وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ج يعنى القران والجملة حال من فاعل أحد الفعلين يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ من مكة وهو حال من فاعل كفروا استيناف لبيانه أَنْ تُؤْمِنُوا اى لان أمنتم بِاللَّهِ رَبِّكُمْ ط فيه تغليب المخاطب والالتفات من التكلم الى الغيبة إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ من أوطانكم جهادا فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي علة للخروج وعمدة للتعليق او حال من فاعل خرجتم يعنى خرجتم مجاهدين او ظرف بتقدير الوقت اى خرجتم فى وقت الجهاد او مفعول مطلق من قبيل ضربته سوطا اى خرجتم خروج جهاد وجواب الشرط محذوف دل عليه لا تتخذوا تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ق قال مقاتل بالنصيحة بدل من تلقون او استيناف والباء زائدة صلة لتسرون او للسببية والمعنى انه لا طايل لكم فى اسرار المودة وإلقاء الاخبار إليهم سرا بسبب المودة وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وقيل اعلم بفعل مضارع والباء زائدة وما موصولة او مصدرية وَمَنْ يَفْعَلْهُ اى اتخاذ المودة مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى أخطأ طريق الهدى.
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ اى ياخذوكم ويظفروا بكم فى القاموس ثقفه كمنعه صادفه او اخذه او ظفر به او أدركه يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً اى لا ينفعكم إلقاء المودة إليهم وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بما يسوئكم كالقتل والضرب
والشتم وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ط لو للتمنى والجملة بيان الوداد والماضي فى جواب ان الشرطية وان كان يفيد معنى الاستقبال ولكن أورد صيغة الماضي للاشعار بانهم ودوا ذلك قبل كل شىء وان ودادهم حاصل بالفعل.
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ اى قرباتكم وَلا أَوْلادُكُمْ ج الذين أشركوا والذين توالون المشركين لاجلهم يَوْمَ الْقِيامَةِ ج فيه رد لعذر الحاطب بن بلتعة ومن كان يعتذر بنحو ذلك يَفْصِلُ قرأ عاصم على البناء للفاعل من الثلاثي المجرد ونافع وابن كثير وابو عمرو على البناء للفاعل من باب التفعيل وابن عامر على البناء للمفعول منه بَيْنَكُمْ اى ليفرق الله بينكم حين يفر بعضكم من بعض لشدة الهول ويصير الأخلاء يومئذ اعداء الا المتقين او المعنى يفصل بينكم اى يدخل المؤمنين الجنة والمشركين النار فمالكم تتوالونهم اليوم وترفضون حق الله ونبيه وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ فيجازيكم عليه.
قَدْ كانَتْ لَكُمْ ايها المؤمنون أُسْوَةٌ اسم لما يوتسى به اى اقتداء حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين متعلق بالظرف المستقر اعنى لكم الذي هو خبر او صفة ثانية لاسوة إِذْ قالُوا ظرف لخبر كان او خبر لكان لِقَوْمِهِمْ الكفار إِنَّا بُرَآؤُا جمع برىء كظريف وظرفاء مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الأصنام كَفَرْنا بِكُمْ الكفر بالحقيقة ضد الايمان لانه ستر الحق والنعمة لكن اطلق هاهنا للتبرى كما فى قوله تعالى ويوم القيامة يكفر بعضكم عن بعض وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ فينقلب العداوة والبغضاء الفة ومحبة إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ قال البيضاوي وغيره استثناء من قوله أسوة حسنة وفيه إشكال فان أسوة نكرة لا يتيقن دخول المستثنى فيه حتى يكون متصلا ولا عدم دخوله حتى يكون منقطعا نظيره قوله تعالى لو كان فيهما الهة الا الله لفسدتا فالاولى ان يقال انه استثناء من محذوف تقديره اتبعوا اقوال ابراهيم الا قوله لابيه لاستغفرن لك كذا قال صاحب البحر المواج وعندى انه استثناء من قوله فى ابراهيم بتقدير المضاف تقديره قد كانت لكم أسوة حسنة فى قول ابراهيم الا قوله لابيه لاستغفرن لك ولعل هذا هو المراد من كلام البيضاوي فان استغفاره لابيه الكافر لا ينبغى فيه التأسي والاتباع وانما كان ذلك قبل النهى لموعدة وعدها إياه وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ط هذا من تمام المستثنى ولا يلزم من استثناء المجموع استثناء كل جزء منه وكلمة من زائدة وشىء فى محل النصب على المفعولية لا ملك رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا فى محل النصب بتقدير
القول يعنى قال ابراهيم ومن معه ربنا عليك توكلنا وهو متصل بما قبل الاستثناء إذ هو امر من الله للمؤمنين تتميما لما وصّهم به من قطع العلائق بينهم وبين الكفار تقديره قولوا ربنا عليك توكلنا وتركنا موالاة الكفار والاستنصار بهم وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ المرجع.
رَبَّنا كرّ النداء بربنا لتاكيد المناجاة والاستعطاف لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا يعنى لا تسلطهم علينا فيعذبونا فيواخذونا بذلك فتكون فتنة لهم اى سببا لعذابهم وقال الزجاج يعنى لا تظهرهم علينا فيظنوا انهم على الحق وقال مجاهد لا تعذبنا بايديهم ولا بعذاب من عندك فيقولوا لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم ذلك وَاغْفِرْ لَنا ما فرط منا فان المعاصي قد يكون سببا لتسليط الكفار على المؤمنين رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الغالب الذي لا يقدر أحد على إيصال الشر بمن يجيره ويتوكل عليه الْحَكِيمُ الحاكم العالم المقتدر على اجابة الدعاء.
لَقَدْ كانَ لَكُمْ ايها المؤمنون فِيهِمْ اى فى ابراهيم ومن معه أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ تكرير لتاكيد الحث على التأسي ولذلك صدر بانفسهم لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ اى يرجوا لقاء الله وثوابه وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ط اى يرجوا إتيان يوم القيامة وقوله لمن كان بدل من لكم وفيه ايماء الى ان الايمان يقتضى التأسي به عليه السلام وتركه يوذن بسوء العقيدة ولذلك عقبه بقوله وَمَنْ يَتَوَلَّ عن تأسي الأنبياء ويوالى الكفار فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عن عبادة وعن تأسي رسله وعن كل شىء وانما منفعة التأسي بالأنبياء راجع الى المتاسى الْحَمِيدُ ع لاوليائه ولاهل طاعة قال البغوي قال مقاتل فلما امر الله تعالى بعداوة الكفار دعادى المؤمنون اقربائهم وأظهروا لهم العداوة والبراءة علم الله تعالى شدة وجد المؤمنين بذلك انزل الله بتسليتهم قوله.
عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ يعنى كفار مكة مَوَدَّةً ط فانجز الله وعده قريبا فان الاية نزلت قبل الفتح كما ذكرنا وبعد الفتح اسلم كل من كان بمكة وصاروا اولياء الا من قتل منهم يوم الفتح كالحو يرث بن نفيد وغيره وسميناهم فى سورة النصر فان قيل كلمة الذين عاديتم عام تقتضى موالاة جميعهم وقد قتل منهم كافرا قلنا قد يطلق العام ويراد به الخاص مجازا ألم تسمع قولهم ما من عام إلا وقد خص منه البعض وقد يسند الفعل الى الكل مجازا لوجود المسند اليه فيهم كما فى قوله تعالى فكذبوه فعقروها وَاللَّهُ قَدِيرٌ ط على ذلك وعلى كل شىء وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ لما فرط من موالاتهم قبل النهى ولما بقي من قلوبهم من ميل الرحم اخرج البخاري عن اسماء بنت ابى بكر قالت أتتني أمي راغبة فسالت النبي - ﷺ - أصلها قال نعم
فانزل الله تعالى.
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ الاية واخرج احمد والبزاز والحاكم وصححه عن عبد الله بن الزبير قال قدمت قتيلة بنت عبد العزى على ابنتها اسماء بنت ابى بكر وكان ابو بكر طلقها فى الجاهلية فقدمت بنتها بهدايا فابت اسماء ان تقبل منها او تدخلها منزلها حتى أرسلت الى عائشة ان سلى عن رسول الله - ﷺ - فاخبرته ان تقبل هداياها وتدخلها منزلها فانزل الله لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ اى تكرموهم وتحسنوا إليهم قولا وفعلا بدل من الذين بدل اشتمال اى لاينهكم الله عن مبرتهم وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ط اى تقضوا إليهم القسط والعدل إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وقال ابن عباس نزلت الاية فى خزاعة كانوا قد صالحوا النبي - ﷺ - ان لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا فرخص الله تعالى فى مبرهم ومن هاهنا يظهر انه يجوز دفع الصدقة النافلة الى الذمي وقد مر المسألة فى سورة البقر فى تفسير قوله تعالى ليس عليك هداهم ومن ثم امر النبي - ﷺ - بإعطاء سارة مولاة ابى عمرو كما ذكرنا فى أول السورة والله اعلم.
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ وهم الرجال المشركون من اهل مكة بعضهم سعوا فى إخراج المؤمنين وبعضهم أعانوا المخرجين أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ج بدل من الموصول بدل اشتمال ومن هاهنا يظهران المنهي عنه انما هو موالاة اهل الحرب دون مبرتهم يشرط ان لا يضربا لمومنين وقد قال الله تعالى فى الأسارى من اهل الحرب امامنا بعد واما فداء والمن نوع من البر فعلى هذا يجوز دفع الصدقة النافلة لاهل الحرب ايضا ان لم يكن فى ذلك تقويتهم على الحرب وقد قال رسول الله - ﷺ - فى الكبد الحارة اجر رواه البيهقي بسند صحيح فى شعب الايمان عن سراقة بن مالك وروى عنه احمد بسند صحيح وابن ماجة بلفظ فى كل ذات كبد حرى اجر وكذا روى احمد عن ابن عمر اما دفع الزكوة الى الكفار فلا يجوز اجماعا وسند الإجماع حديث معاذ وفيه قد فرض عليهم صدقة توخذ من أغنيائهم فترد الى فقرائهم وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ اى اهل الحرب فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ولا مفهوم لهذه الاية فانه لا يجوز موالاة اهل الذمة ايضا لعموم قوله تعالى لا تتخذوا عدوى وعدوكم اولياء وقوله تعالى لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء وقوله - ﷺ - المرء مع من أحب والله تعالى اعلم روى البخاري وكذا مسلم عن عروة بن الزبير عن مسور بن مخرمة ومروان بن الحكم يخبر ان عن اصحاب رسول الله - ﷺ -
انهم قالوا كان فيما اشترط سهيل بن عمر على النبي - ﷺ - انه لا يأتيك منا أحد وان كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المؤمنون ذلك وابى سهيل الا ذلك فكاتبه النبي - ﷺ - فرده يومئذ أبا جندل الى سهيل بن عمرو لم يأته أحد من الرجال إلا رده فى تلك المدة وان كان مسلما وجاءت المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط ممن خرج الى رسول الله - ﷺ - يومئذ وهى عاتق فجاء أهلها يسئلون النبي - ﷺ - ان يرجعها إليهم فلم يرجعها لما انزل الله فيهن.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ ج اى فاختبروهن بما غلب على ظنكم موافقة قلوبهن ألسنتهن فى الايمان فان الايمان صفة القلب ولا يعلم بما فى الصدور الا الله تعالى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ علما يمكنكم تحصيله وهو الظن الغالب بالخلق وظهور الأمارات وسماه علما إيذانا بان الظن كالعلم فى وجواب العمل به فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى أزواجهن الْكُفَّارِ ط لانه لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ لحصول الفرقة بين الكافر والمسلمة وقد مر فى سورة النساء فى تفسير قوله تعالى وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ انه يقع الفرقة بين المهاجرة وبين زوجها الكافر لمجرد الخروج من دار الحرب عند ابى حنيفة لاختلاف الدارين وعند الائمة الثلاثة بعد ثلث حيض من وقت إسلامه ان دخل بها والا فمن وقت إسلامها وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ط بتجديد النكاح لعدم جواز نكاح الكافر بالمسلمة وجاز ان يكون التكرير للتاكيد قال عروة فى الحديث السابق فاخبرتنى عائشة رض ان رسول الله - ﷺ - كان يمتحنهن هذه الاية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك الى قوله غفور رحيم قال عروة قالت عائشة رض فمن أقرت بهذا الشرط منهن قال لها رسول الله - ﷺ - قد بايعناك كلاما يكلمها به والله ما مست يده يد امرأة قط فى المبايعة ما بايعهن الا بقوله وقال البغوي قال ابن عباس اقبل رسول الله - ﷺ - معتمرا حتى إذا كان بالحديبية صالحه مشركوا مكة على ان ما أتاه من اهل مكة رده إليهم ومن اتى اهل مكة من اصحاب رسول الله - ﷺ - لم يردوه اليه وكتبوا عليه كتابا وختموا عليه فجاءت سبيعة بنت الحارث الا سلميه مسلمة بعد الفراغ من الكتاب فاقبل زوجها مسافر من بنى مخزوم وقيل صيفى بن الراهب فى طلبها وكان كافرا فقال يا محمد اردد علىّ امراتى فانك قد شرطت ان ترد علينا من أتاك منا وهذا طينة الكتاب ولم تجف بعد فانزل الله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مهاجرات من دار الكفر الى دار الإسلام فامتحنوهن قال ابن عباس امتحانهن ان نستحلف ما خرجت لبغض زوجها ولا عشقا لرجل من المسلمين ولا رغبة عن ارض الى ارض ولا لحدث أحدثته ولا التماس
263
للدنيا ولاخرجت الا رغبة فى الإسلام وحبا لله ولرسوله - ﷺ - فاستحلفها رسول الله - ﷺ - على ذلك فحلفت فلم يردها واعطى زوجها مهرها وما أنفق عليها فتزوجها عمر وكان يرد من جاءه من الرجال ويحبس من جاءه من النساء بعد الامتحان ويعطى أزواجهن مهورهن واخرج الطبراني بسند ضعيف عن عبد الله بن ابى احمد قال هاجرت أم كلثوم بنت عقبة بن ابى معيط فى الهدنة فخرج أخواها عمارة والوليد بن عقبة حتى قد ما رسول الله - ﷺ - وكلماه فى أم كلثوم ان يردها إليهم فنقض الله العهد بينه وبين المشركين فى النساء خاصة ومنع ان يردون الى المشركين فانزل الله اية الامتحان واخرج ابن ابى حاتم عن يزيد بن ابى حبيب انه بلغه انها نزلت فى اميمة بنت بشر او امرأة ابى حسان بن الدحداحة واخرج عن مقاتل ان امرأة تسمى سعيدة كانت تحت صيفى بن الراهب وهو مشرك جاءت زمن الهدنة فقالوا ردها علينا واخرج ابن جرير عن الزهري انها نزلت عليه وهو بأسفل الحديبية كان صالحهم انه من أتاه منهم رد إليهم فلما جاءت النساء نزلت هذه الاية وَآتُوهُمْ الضمير عايد الى الكفار والمراد أزواجهن ما أَنْفَقُوا عليهن يعنى المهور التي دفعوا إليهن وذلك لان الصلح كان جرى على ردهن فلما تعذر ردهن لو رود النهى عنه لزم رد مهورهن فلو راى الامام مصلحة على صلح مثل ما صالح النبي - ﷺ - بالحديبية وجب رد مهر مهاجرة جاءت من الكفار قال البغوي قال الزهري ولولا الهدنة والعهد الذي كان بين رسول الله - ﷺ - وبين قريش يوم الحديبية لامسك النساء لم يرد الصداق وكذلك كان يصنع بمن جاءه من المسلمات قبل العهد والله تعالى اعلم وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ ايها المؤمنون أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ اى المهاجرات وان كان لهن ازواج فى دار الحرب لوقوع الفرقة بينهم وبينهن والاية تدل على عدم اشتراط مضى العدة كما هو فى مذهب ابى حنيفة رح خلافا لصاحبه إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ اى مهورهن شرط إيتاء المهر فى نكاحهن إيذانا بان اعطى أزواجهن الكفار لا يقوم مقام المهر
اخرج ابن ابى منيع من طريق الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس قال اسلم عمر بن الخطاب وتأخرت امرأته فى المشركين فانزل الله تعالى وَلا تُمْسِكُوا قرأ ابو عمر ويعقوب بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال بِعِصَمِ جمع عصمة وهو ما اعتصم به من عقد الموالات والنكاح ونحو ذلك الْكَوافِرِ جمع الكافرة نهى الله سبحانه عن المقام على نكاح المشركات قال البغوي قال الزهري فلما نزلت هذه الاية طلق عمر بن الخطاب امرأتين بمكة مشركتين قرينة بنت ابى امية بن المغيرة فتزوجها بعده معاوية بن ابى سفيان وهما
264
على شركهما بمكة والاخرى أم كلثوم بنت عمرو بن جردل الخزاعية أم عبد الله بن عمر فتزوجها ابو جهيم بن حذافة ابن غانم وهما على شركهما وكانت اروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب تحت طلحة بن عبيد الله فهاجر طلحة وهى على دين قومها ففرق الإسلام بينهما فتزوجها فى الإسلام خالد بن سعد بن العاص بن امية قال الشعبي وكانت زينب بنت رسول الله - ﷺ - امرأة ابى العاص بن الربيع أسلمت ولحقت بالنبي - ﷺ - واقام ابو العاص بمكة مشركا ثم اتى المدينة واسلم فردها على رسول الله - ﷺ - وَسْئَلُوا ايها المسلمون ما أَنْفَقْتُمْ من مهر امرأة منكم لحقت بالمشركين مرتدة إذا منعوها ممن تزوجها منهم وَلْيَسْئَلُوا اى الكفار من مهور أزواجهم المهاجرات ما أَنْفَقُوا ط ممن تزوجها منكم ذلِكُمْ اى جميع ما ذكر فى الاية حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ استيناف او حال من الحكم على حذف الضمير او جعل الحكم حاكما على المبالغة والضمير فى يحكم عايد اليه وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يشرع ما يعلم خيرا لكم وما تقتضيه الحكمة قال البغوي فى قول الزهري فلما نزلت هذه الاية أقر المؤمنون بحكم الله عز وجل وادوا ما أمروا به من نفقات المشركين على نسائهم وابى المشركون ان يقروا بحكم الله فبما أمروا من أداء نفقات المسلمين فانزل الله.
وَإِنْ فاتَكُمْ اى ان سبقكم وانفلت منكم شَيْءٌ اى أحد مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فلحقت بهم مرتدة وإيقاع شىء موقع أحد للتحقير والمبالغة فى التعميم او المعنى شىء من مهور أزواجكم الى الكفار فلم يودوها اخرج ابن ابى حاتم عن الحسن قال نزلت هذه الاية فى أم الحكم بنت ابى سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفى ولم ترتد امرأة من قريش غيرها فَعاقَبْتُمْ قال البغوي قال المفسرون معناه غنمتم فاصبتم من الكفار عقبى وهى الغنيمة وقيل معناه ظفرتم وكانت العاقبة لكم وقيل معناه اجتمعوهم فى القتال بعقوبة حتى غنمتم فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مرتدات الى الكفار منكم من الغنائم التي صارت فى ايديكم من الكفار مِثْلَ ما أَنْفَقُوا اى مثل ما أنفق المؤمنون الذين ذهب أزواجهم مرتدات عليهن قال البغوي روى ابن عباس انه قال لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة رجعن الى الإسلام فاعطى رسول الله - ﷺ - أزواجهن مهورهن من الغنيمة أم الحكم بنت ابى سفيان كانت تحت عياض بن شداد الفهري وفاطمة بنت ابى امية بن المغيرة اخت أم سلمة كانت تحت عمر بن الخطاب فلما أراد عمر ان يهاجر أبت وارتدت وبروع بنت عقبة كانت تحت شماس بن عثمان وعزة بنت عبد العزى بن فضلة وتزوجها عمر بن عبد ود وهندة بنت ابى جهل بن هشام كانت تحت هشام بن العاص بن وائل وأم كلثوم بنت خردل كانت تحت
عمر بن الخطاب وقال البيضاوي وفى تفسير الاية فعاقبتم اى فجاءت عقبتكم اى نوبتكم لاداء المهر شبه الحكم بأداء هؤلاء مهور نساء أولئك تارة وأداء أولئك مهور نساء هؤلاء اخرى بامر يتعاقبون فيه كما يتعاقب فى الركوب وغيره فاتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من المهر المهاجرة ولا توتوا زوجها الكافر قلت والصحيح هو التفسير الاول قال البغوي اختلف القول فى ان أداء مهر من أسلمت أزواجهن هل كان واجبا او مندوبا وأصله ان الصلح هل كان وقع على رد النساء اولا فيه قولان أحدهما انه وقع على رد الرجال والنساء جميعا لما روى انه لا يأتيك منا أحد إلا رددته ثم صار الحكم فى رد النساء منسوخا بقوله تعالى فلا ترجعوهن الى الكفار فعلى هذا كان رد المهر واجبا عوضا عن المرأة ثانيهما ان الصلح لم يقع على رد النساء لما روى انه لا يأتيك منا رجل وان كان على دينك إلا رددته ذلك لان الرجل لا يخشى عليه من الفتنة فى الرد ما يخشى على المرأة من إصابة المشرك إياها وانه لا يؤمن عليها الردة إذا خوفت وأكرهت عليها لضعف قلبها وقلة هدايتها الى المخرج فيه بإظهار كلمة الكفر تقية مع إخفاء الايمان فعلى هذا كان الرد مندوبا قلت والظاهر ان الصلح على رد الرجال والنساء جميعا ومن ثم إذا هاجرت نساء مؤمنات نزل قوله تعالى لا ترجعوهن الى الكفار ولولا ذلك فلم يكن وجه لارجاعهن الى الكفار ولا لنزول الحكم وان رد المهر كان واجبا كما يدل عليه صيغ الأمر وقوله تعالى ذلك حكم الله الاية وقوله تعالى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فان الايمان يقتضى إتيان ما امر الله به فان قيل فعلى هذا يلزم نقض العهد وهو حرام وقلنا نسخت حرمة نقض العهد فى مادة مخصوصة بقوله تعالى لا ترجعوهن الى الكفار او تقول هذا من قبيل نبذ العهد على السؤال قال البغوي واختلفوا فى انه هل يجب العمل به اليوم فى رد المهور إذا شرط رد النساء فى معاقدة الكفار فقال يوم لا يجب وزعموا ان الاية منسوخة وهو قول عطاء ومجاهد وقتادة قلت لا وجه لهذا القول ما لم يثبت بهذا الحكم ناسخ مثله فى القوة وقال قوم غير منسوخة ويرد إليهم ما أنفقوا.
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ حال من المؤمنات عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً متعلق بيبايعنك وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ على عادة الجاهلية فانهم كانوا يوادون البنات وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ اى بكذب يبهت السامع يَفْتَرِينَهُ اى يختلقته بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ يعنى لا يكون له مصداق تختلقه من عند أنفسها قبل قيد بهذا توبيخا وتخويفا بان الأيدي والأرجل يشهدون يوم القيامة بما صدر من اللسان من المعاصي
266
فلا تفترين بين الشهود قيل المراد به ان تلتقط ولدا وتقول لزوجها هذا ولدي منك فهو البهتان بين الأيدي والأرجل لان الولد تحمله أمها فى بطنها بين يديها وتضعه من فرجها بين رجليها وصفه بصفة الولد الحقيقي واللفظ يعم كل بهتان وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ يعنى فى إتيان حسنة فامرهن بها او لانتهاء عن سيئة تنهاهن والتقييد بالمعروف مع ان الرسول - ﷺ - لا يأمر بالمعروف تنبيها على انه لا يجوز طاعة المخلوق فى معصية الخالق قال مجاهد المراد بالمعروف ان لا يخلو المرأة بالرجال وقال سعيد بن المسيب والكلبي وعبد الرحمان بن زيد هو النهى عن النوح والدعاء بالويل وتحريق الثياب وحلق الشعر ونتفه وخمش الوجه عند المصيبة ولا تحدث المرأة الرجال الا ذا محرم ولا تخلوا برجل غير ذى محرم ولا تسافر الا مع ذى محرم واخرج ابن الجرير والترمذي وحسنه وابن ماجة عن أم سلمة ولا يعصينك فى معروف قال النوح روى البخاري عن أم عطية قالت بايعنا رسول الله - ﷺ - فقرأ علينا لا تشركن بالله شيئا ونهانا عن النياحة فقبضت امرأة يدها فقالت أسعدتني فلانة أريد ان اجزيها فما قال لها النبي - ﷺ - شيئا فانطلقت ورجعت وبايعها وروى مسلم عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله - ﷺ - اربع من أمتي من امر الجاهلية لا يتركونهن الفخر فى الاحساب والطعن فى الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة وقال النياحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال قطران ودرع من جرب وفى الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله - ﷺ - ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعى بدعاء الجاهلية وروى ابو داود عن ابى سعيد الخدري قال لعن رسول الله - ﷺ - النائحة والمستمعة فَبايِعْهُنَّ بضمان الثواب على الوفاء بهذه الشروط جزاء لقوله إذا جاءك المؤمنات وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ عما مضى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ يمحق ما سلف من العبد عصيانه رَحِيمٌ يوفق فيما يأتي روى البخاري عن عائشة قالت كان النبي - ﷺ - يبايع النساء بالكلام بهذه الاية لا يشركن بالله شيئا قالت وما مست يد رسول الله - ﷺ - يد امرأة الا امرأة يملكها وروى البغوي بسنده عن محمد بن المنكدر انه سمع اميمة بنت رقيقة تقول بايعت رسول الله - ﷺ - فى نسوة فقال فيما استطعتن واطقتن فقلت رسول الله - ﷺ - ارحم بنا من أنفسنا قلت يا رسول الله صافحنا فقال انى لا أصافح النساء انما قولى لامرأة كقوله لمائة امرأة قيل نزلت هذه الاية يوم الفتح وليس كك لما ذكرنا فى تفسير اية الامتحان حديث عائشة ان رسول الله - ﷺ - كان يمتحنهن
267
بهذه الاية يا ايها النبي إذا جاءك المؤمنات الى قوله غفور رحيم واية الامتحان قد نزلت بعد صلح الحديبية ولكن النبي - ﷺ - يوم فتح مكة فرغ من بيعة الرجال وهو على الصفاء بايع النساء وعمر بن الخطاب أسفل منه وهو يبايع النساء بامر رسول الله - ﷺ - يبلغهن عنه وهند بنت عتبة امرأة ابى سفيان مقنعة متنكرة مع النساء خوفا من رسول الله - ﷺ - ان يعرفها فقال رسول الله - ﷺ - أبايعكن على ان تشركن بالله شيئا فرفعت هند راسها فقالت والله انك لتاخذ امرا ما رايناك أخذته على الرجال وبايع الرجال يومئذ على الإسلام والجهاد فقط فقال النبي - ﷺ - ولا يسرقن فقالت هند ان أبا سفيان رجل شحيح وانى أصبت من ماله هناة فلا أدرى أتحل لى أم لا فقال ابو سفيان ما أصبت من شىء فيما مضى وفيما غبر فهو لك حلال فضحك رسول الله - ﷺ - فقال لها وانك لهند بنت عتبة قالت نعم فاعف عما سلف عفا الله عنك فقال ولا تزنين فقالت هند او تزنى الحرة فقال ولا تقتلن أولادهن فقالت هند ربيناهم صغارا وقتلتموهم كبارا فانتم وهم اعلم وكان ابنها حنظلة بن
ابى سفيان قد قتل يوم بدر فضحك فضحك عمر حتى استلقى وتبسم رسول الله - ﷺ - فقال ولا تأتين ببهتان يغترينه بين أيديهن وأرجلهن فقالت هند والله ان البهتان قبيح وما تأمرنا الا بالرشد ومكارم الأخلاق فقال ولا يعصينك فى معروف قالت هند ما جلنا مجلسنا هذا ولى أنفسنا ان تعصينك فى شىء فاقر النسوة بما أخذ عليهن وانما خصت النساء فى البيعة بهذا التفصيل مع ان بيعة الرجال على الإسلام يشتمل انقياد رسول الله - ﷺ - فى جميع ما امر به لضعف عقلهن وقلة تفقههن لاستنباط التفصيل من الإجمال ولكثرة وقوع الأمور المذكورة من النساء الا ترى الى كثير من النساء المسلمات يعتقدن ما يستلزم الشرك ويسرقن كثيرا من اموال الأزواج ويقتلن أولادهن بالواد والزنا من النساء أقبح من الرجال غالبا لان فيه تفويت حق الزوج مع حق الله تعالى ونسبة أولاد الغير الى أزواجهن وايراثهن إياهم اموال الأزواج وانهن تأتين كثيرا بالبهتان والكذب ويكثرن اللعن ويكفرن العشير ويكثرن النياحة الدعاء بالويل وضرب الخدود وشق الجيوب ونحو ذلك مالا يفعله الرجال غالبا فلذا خصهن بتفصيل هذه الشروط كما خص الرجال بشرط الجهاد الذي يختص به والله تعالى اعلم اخرج ابن المنذر من طريق ابن إسحاق عن محمد عن عكرمة او سعيد عن ابن عباس قال كان عبد الله بن عمرو زيد بن الحارث يوادون رجالا من يهود فانزل الله تعالى.
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ يعنى اليهود كما يدل عليه
268
قول ابن عباس المذكور وكذا قال البغوي ان ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود اخبار المسلمين يتواصلونهم فيصيبون من ثمارهم فنهاهم الله تعالى عن ذلك وقيل المراد به عامة الكفار قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ ان كان المراد بهم اليهود فهم ليعلمهم يكون محمد - ﷺ - نبيا حقا مؤيدا بالمعجزات مكتوبا عندهم فى التورية وكفرهم به - ﷺ - عنادا وحسدا بتسلط الشيطان وما كتب الله عليهم الشقاوة يئسوا من نعماء الاخرة وعلموا يقينا انه لا حظ لهم فى الاخرة مع اعتقادهم بالاخرة ونعمائها فما أصبرهم على النار أعوذ بالله منها وان كان المراد به عامة الكفار فهم يئسوا من الاخرة بعدم ايمانهم بالغيب والثواب والعذاب كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ اى المشركين مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ ان يبعثوا ويثابوا او ينالهم خيرا بينهم وعلى تقدير كون المراد بقوم غضب الله عليهم عامة الكفار وضع الظاهر موضع الضمير للدلالة على ان الكفرا يسهم فالجار والمجرور ظرف لغو متعلق بيئس وقيل هو ظرف مستقر بيان للكفار حال منه والمعنى كما يئس الكفار الذين صاروا فى القبور من ان يكون لهم حظ وثواب فى الاخرة كذلك يئس اليهود من الاخرة حيا فى الدنيا كذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والله تعالى اعلم.
269
Icon