تفسير سورة عبس

التفسير الشامل
تفسير سورة سورة عبس من كتاب التفسير الشامل .
لمؤلفه أمير عبد العزيز . المتوفي سنة 2005 هـ
بيان إجمالي للسورة
هذه السورة مكية وعدد آياتها ثنتان وأربعون. وهي يكشف عن عظيم مضمونها وروعة مدلولها تسميتها بهذا الإسم، ليتبين من ذلك أنه ما ينبغي لمسلم أن يعبس في وجه أخيه بسبب فقره أو ذله أو هوان حاله. وإنما يراعي فيه إيمانه وآدميته وصلوحه. وعلى هذا فإن السورة هنا مبدوءة بقصة ابن أم مكتوم الأعمى. هذا الذي عبس النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه لما جاءه يسترشده ويستهديه، وهو مشغول بالحديث إلى صناديد قريش المشركين رغبة في إسلامهم. لكن الله جل وعلا عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم عتابا شديدا لعبوسه في وجه المؤمن المستضعف الأعمى. فما كان بذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينشغل عن إرشاد مؤمن كريم على الله، فيتهلى عنه بمخاطبة المشركين. وفي ذلك بيان ظاهر ساطع للناس طيلة الزمن أن الإسلام لا يحابي أحدا لعلو جاهه أو سيادته أو غناه. لا يعبأ الإسلام باعتبارات الناس وموازينهم الخاطئة ومن جملتها تكريم الناس بالنظر إلى منازلهم الاجتماعية من المال أو الجاه أو الزعامة والرياسة. لا يعبأ الإسلام بشيء من ذلك البتة. إنما يراعي الإسلام مقادير الناس تبعا لتقواهم ﴿ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ ويضاف إلى هذه الحقيقة ظاهرة العلم. لا جرم أن العلم والتقوى معا، هما ميزان الإسلام الذي تعرف به مقادير الناس واعتباراتهم، سواء كانوا من العظماء أو الأغنياء أو الفقراء أو الأراذل، رجالا أو نساء.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ عبس وتولى ١ أن جاءه الأعمى ٢ وما يدريك لعله يزّكّى ٣ أو يذّكّر فتنفعه الذكرى ٤ أما من استغنى ٥ فأنت له تصدى ٦ وما عليك ألا يزّكّى ٧ وأما من جاءك يسعى ٨ وهو يخشى ٩ فأنت عنه تلهّى ١٠ كلا إنها تذكرة ١١ فمن شاء ذكره ١٢ في صحف مكرمة ١٣ مرفوعة مطهرة ١٤ بأيدي سفرة ١٥ كرام بررة ﴾.
وسبب نزول هذه الآيات هو ابن أم مكتوم الأعمى. فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وعباس بن عبد المطلب وأبيّا بن خلف وأمية ابن خلف، ويدعوهم إلى الله تعالى ويرجو إسلامهم. فقام ابن أم مكتوم وقال : يا رسول الله علّمني مما علمك الله. وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل مقبل على غيره حتى ظهرت الكراهية في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه. وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد إنما أتباعه العميان والسفلة والعبيد. فعبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه وأقبل على القوم الذين يكلمهم فأنزل الله تعالى هذه الآية. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يكرمه. وإذا رآه يقول : " مرحبا بمن عاتبني فيه ربي " ١.
قوله :﴿ عبس وتولى ﴾ عبس، أي كلح بوجهه أو قبضه تكرّها. من العبوس والتعبس وهو التجهم. ويوم عبوس أي شديد ٢ ﴿ وتولى ﴾ أي أعرض.
١ أسباب النزول للنيسابوري ص ٢٩٧..
٢ مختار الصحاح ص ٤٠٩..
قوله :﴿ أن جاءه الأعمى ﴾ أن جاء، في موضع نصب على أنه مفعول له. وتقديره : لأن جاءه١. فقد جاءه الأعمى ابن أم مكتوم مسترشدا والنبي صلى الله عليه وسلم منشغل بنفر من صناديد قريش، وهو يدعوهم إلى الإسلام مؤملا أن يسلم بإسلامهم غيرهم. لكن النبي صلى الله عليه وسلم عبس في وجهه وأعرض عنه. فالآية بذلك عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم في إعراضه وتولّيه عن عبد الله بن أم مكتوم. أما ما فعله ابن أم مكتوم فإنه غير مؤاخذ به، لأنه لم يبصر انشغال النبي صلى الله عليه وسلم بالحديث إلى المشركين. ولو كان ابن أم مكتوم عالما بانشغال النبي بالمشركين لكان ما فعله من سوء الأدب، فإنه ما ينبغي لامرئ أن يخاطب غيره وهو مشغول بأمر أو مسألة أو خطاب.
١ البيان لابن الأنباري جـ ٢ ص ٤٩٤..
قوله :﴿ وما يدريك لعله يزّكّى ﴾ وأي شيء يجعلك داريا بحال هذا الأعمى. أو ما يعلمك يا محمد لعله يتطهر من أوضار الإثم بما يتعلمه منك من أحكام.
قوله :﴿ أو يذّكّر فتنفعه الذكرى ﴾ فتنفعه، منصوب بأن المضمرة بعد الفاء. يعني لعله يتعظ أو يعتبر بما تقول فتنفعه هذه العظة أو العبرة.
قوله :﴿ أما من استغنى ﴾ يعني أما من كان موسرا مستغنيا بماله وثرائه فأنت تصغي له.
قوله :﴿ فأنت له تصدّى ﴾ وتصدى من التصدي وهو الإصغاء ١.
١ مختار الصحاح ص ٣٦٠..
قوله :﴿ وما عليك ألا يزّكّى ﴾ يعني ما عليك من بأس في أن لا يتطهر هذا الأعمى بالإسلام. فإنما عليك البلاغ فقط.
قوله :﴿ وأما من جاءك يسعى ﴾ أما من جاءك مبادرا مسرعا يطلب الخير والعظة والإرشاد وهو يخشى الله، أو يخشى المشركين وأذاهم بسبب إتيانك.
قوله :﴿ وهو يخشى ﴾ أما من جاءك مبادرا مسرعا يطلب الخير والعظة والإرشاد وهو يخشى الله، أو يخشى المشركين وأذاهم بسبب إتيانك.
قوله :﴿ فأنت عنه تلهّى ﴾ فأنت متشاغل عنه بصناديد المشركين. وما ينبغي أن يلهيك مثل ذلك عن إجابة المؤمنين المستضعفين الذين يأتونك مسترشدين.
قوله :﴿ كلا إنها تذكرة ﴾ كلا، كلمة ردع وزجر يعني ليس الأمر كما تفعل يا محمد، من أن تعبس في وجه المؤمن الأعمى باغي الخير والنصح، وتصغي للمشرك المستغني. أي لا تفعل بعذ ذلك مثله، من إقبالك على الغني وإدبارك عن المؤمن الفقير ﴿ إنها تذكرة ﴾ إن هذه السورة أو الآيات من القرآن موعظة لمن اعتبر أو تذكر.
قوله :﴿ فمن شاء ذكره ﴾ أي اتعظ بالقرآن.
قوله :﴿ في صحف مكرمة ﴾ يعني هذه الآيات أو هذا القرآن مثبت في صحف منتسخة من اللوح المحفوظ وهي مكرمة عند الله.
قوله :﴿ مرفوعة مطهرة ﴾ أي عالية القدر والشأن، منزهة عن الشياطين فلا تمسها إلا أيدي الملائكة الأبرار الأطهار.
قوله :﴿ بأيدي سفرة ﴾ وهم الملائكة الذين جعلهم الله سفراء بينه وبين رسله فهم أبرار مطهرون لم تدنسهم معصية ولا خطيئة. وقيل : سفرة، أي كتبة وهم الملائكة الكرام الذين يكتبون أعمال العباد في الأسفار وهي الكتب. والواحد سافر. والكتاب هو السّفر وجمعه أسفار. ومنه السفير الذي يسعى بين الناس مصلحا وجمعه سفراء١.
١ مختار الصحاح ص ٣٠٠..
قوله :﴿ كرام بررة ﴾ أي كرام على الله بحسن أخلاقهم وكريم فعالهم، كرام عن السيئات والذنوب ﴿ بررة ﴾ أطهار أبرار لم يتلبسوا بإثم ولم يتدنسوا بخطيئة. ومفرده بار١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٧١ والكشاف جـ ٤ ص ٢١٨ وتفسير الرازي جـ ٣١ ص ٥٨، ٥٩..
قوله تعالى :﴿ قتل الإنسان ما أكفره ١٧ من أي شيء خلقه ١٨ من نطفة خلقه فقدره ١٩ ثم السبيل يسّره ٢٠ ثم أماته فأقبره ٢١ ثم إذا شاء أنشره ٢٢ كلا لما يقض ما أمره ٢٣ فلينظر الإنسان إلى طعامه ٢٤ أنا صببنا الماء صبّا ٢٥ ثم شققنا الأرض شقا ٢٦ فأنبتنا فيها حبا ٢٧ وعنبا وقضبا ٢٨ وزيتونا ونخلا ٢٩ وحدائق غلبا ٣٠ وفاكهة وأبّا ٣١ متاعا لكم ولأنعامكم ﴾.
قوله :﴿ قتل الإنسان ما أكفره ﴾ يعني لعن الإنسان الجاحد المكذب ﴿ ما أكفره ﴾ ما، تحتمل وجهين. أحدهما : أنها التعجبية. فيكون المعنى : ما أشد كفره مع عظيم الإحسان إليه من الله وبالغ أياديه عنده. وثانيهما : أنها الاستفهامية. فيكون المعنى : ما الذي أكفره. أو أي شيء دعاه إلى الكفر والتكذيب.
قوله :﴿ من أي شيء خلقه ﴾ من أي شيء خلق الله هذا الإنسان الكافر المكذب حتى يتكبر ويستنكف عن طاعة الله والإقرار له بالوحدانية وقد شرع في ذكر ما منّ به عليه من نعمة الخلق، إذ جمعه في بطن أمه جنينا أطوارا ثم يسّر له الخروج إلى الدنيا في يسر ولين فسلك سبيله إلى الدنيا مكتمل البنية والتركيب، منسجم الهيئة والصورة إلى أن يفارق الحياة بالموت فقال سبحانه :﴿ من نطفة خلقه فقدّره ﴾.
قوله :﴿ من نطفة خلقه فقدّره ﴾ أي خلقه من ماء قليل مهين مستقذر فقدره أحوالا، إذ كان نطفة تارة، ثم علقة تارة ثانية، ثم مضغة تارة ثالثة. حتى إذا اكتمل بناؤه في رحم أمه يسّر الله له الخروج إلى الدنيا. وهو قوله :﴿ ثم السبيل يسّره ﴾.
قوله :﴿ ثم السبيل يسّره ﴾ ثم يسّره للسبيل أي الطريق. والمراد به خروجه من بطن أمه في يسر وسهولة.
قوله :﴿ ثم أماته فأقبره ﴾ قبضت الملائكة روحه فمات ثم صيّره الله ذا قبر. أي استكنّ ميتا في القبر. والقابر، هو الدافن. والمقبر هو الله. وأقبر الميت، إذا أمر غيره بأن يجعله في القبر.
قوله :﴿ ثم إذا شاء أنشره ﴾ إذا شاء الله أحياه للحشر والحساب من يوم القيامة بعد أن كان ميتا مقبورا.
قوله :﴿ كلا لما يقض ما أمره ﴾ كلا، ردع للإنسان عن كفره وتكبره وإنكاره البعث ليوم القيامة. أو ليس الأمر كما يقول الإنسان الجاحد من أنه أدى حق الله عليه ﴿ لما يقض ما أمره ﴾ أي لم يؤد هذا الإنسان ما فرض عليه من الفرائض وما ألزمه الله بفعله من الواجبات بل إنه جاحد مستكبر مفرّط.
قوله :﴿ فلينظر الإنسان إلى طعامه ﴾ يمنّ الله على عباده بما خوّلهم من نعمة الطعام والشراب وكل أسباب القرار والعيش في هذه الأرض. فقال سبحانه : فلينظر هذا الإنسان الجاحد إلى طعامه كيف خلقه الله ويسّره له تيسيرا.
قوله :﴿ أنّا صببنا الماء صبا ﴾ أي أنزلنا الغيث من السماء هاطلا مدرارا.
قوله :﴿ ثم شققنا الأرض شقا ﴾ شققناها بالنبات فانفتقت وانصدعت.
قوله :﴿ فأنبتنا فيها حبا ﴾ أي حب الزرع وهو كل ما أخرجته الأرض من الحبوب كالحنطة والشعير وغير ذلك مما يأكله الناس ويقتاتونه.
قوله :﴿ وعنبا وقضبا ﴾ العنب معناه الكرم. أما القضب فهو الرطبة وهي الفصفصة أو القتّ١.
١ المصباح المنير جـ ٢ ص ١٦٥..
قوله :﴿ وزيتونا ونخلا ﴾ الزيتون، الشجر الأخضر البهيج الذي يعتصر منه الزيت المبارك، هذا الغذاء النافع البديع ﴿ ونخلا ﴾ جمع نخلة وهي الشجرة الكريمة ذات الثمر العذب المرغوب.
قوله :﴿ وحدائق غلبا ﴾ أي بساتين ﴿ غلبا ﴾ عظيمة الأشجار.
قوله :﴿ وفاكهة وأبّا ﴾ الفاكهة، ما يأكله الناس من ثمار الأشجار كالعنب والتين والرمان وغير ذلك ﴿ وأبّا ﴾ ما تأكله البهائم من العشب. قال ابن عباس : الأبّ : كل ما أنبتت الأرض مما لا يأكله الناس.
قوله :﴿ متاعا لكم ولأنعامكم ﴾ متعا، منصوب على المصدر المؤكد. أي بينا لكم هذه الأشياء التي تأكلونها فتنتفعون وتتمتعون والتي تأكلها أنعامكم. أو متاعا لكم الفواكه والثمار، ولأنعامكم الكلأ والعشب، وفي ذلك تذكير من الله للعباد بإحياء الموتى. فإن الله الذي أنزل الغيث فأنبت به الزرع والثمر بعد قحط وقفر ويبس لقادر على بعث الموتى من قبورهم بعد أن أتى عليهم الدّثور والبلى١.
١ تفسير الطبري جـ ٣٠ ص ٣٥ – ٣٩ والكشاف جـ ٤ ص ٢٢٠..
قوله تعالى :﴿ فإذا جاءت الصاخّة ٣٣ يوم يفر المرء من أخيه ٣٤ وأمه وأبيه ٣٥ وصاحبته وبنيه ٣٦ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ٣٧ وجوه يومئذ مسفرة ٣٨ ضاحكة مستبشرة ٣٩ ووجوه يومئذ عليها غبرة ٤٠ ترهقها قترة ٤١ أولئك هم الكفرة الفجرة ﴾.
يبين الله في هذه الآيات المفزعة بعضا من أخبار القيامة وما يقع في هذا اليوم العصيب من أحداث عجاب وأهوال فظيعة مريعة يعجز عن شرحها القلم والبيان لدى الإنسان. لا جرم أن الساعة رهيبة مذهلة وفيها من جليل الخطوب وعظيم الدواهي ما تتزلزل منه القلوب، وتشخص من أجله الأبصار وتذل لهوله النواصي.
إن هذه الآيات العجيبة المذهلة من كتاب الله الحكيم لتبين للأذهان والأخيلة حقيقة الساعة تبيينا ظاهرا مشهودا، يعجز عن مثله النظم أو الكلم. إنها آيات مثيرة مريعة تضخّ الآذان وتشده الخيال والحس وتثير في النفس الخشية والارتياع والفزع. وهذه واحدة من ظواهر الإعجاز في القرآن الكريم.
قوله :﴿ فإذا جاءت الصاخّة ﴾ الصاخة من أسماء يوم القيامة. وهي صيحة القيامة عقب النفخة الأخيرة. وقد سميت بذلك لشدة صخها أو صخيخها. فهي تصخ الأسماع صخا فتبالغ في إسماعها حتى تكاد تصمها.
قوله :﴿ يوم يفر المرء من أخيه ﴾ ذلك يوم الفرار والرعب، إذ يفر كل إنسان من أقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه، وذلك لانشغاله بخاصة نفسه. والناس حينئذ يتراءون فيرى المرء أخاه وأمه وأباه وزوجته وبنيه، فما يلبث أن يفر منهم ويتبعّد عنهم، لأن الهول فظيع والخطب جسيم وجلل. وهو ما يدل عليه قوله :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾
قوله :﴿ وأمه وأبيه ﴾ ذلك يوم الفرار والرعب، إذ يفر كل إنسان من أقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه، وذلك لانشغاله بخاصة نفسه. والناس حينئذ يتراءون فيرى المرء أخاه وأمه وأباه وزوجته وبنيه، فما يلبث أن يفر منهم ويتبعّد عنهم، لأن الهول فظيع والخطب جسيم وجلل. وهو ما يدل عليه قوله :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾
قوله :﴿ وصاحبته وبنيه ﴾ ذلك يوم الفرار والرعب، إذ يفر كل إنسان من أقرب الناس إليه وأحبهم إلى قلبه، وذلك لانشغاله بخاصة نفسه. والناس حينئذ يتراءون فيرى المرء أخاه وأمه وأباه وزوجته وبنيه، فما يلبث أن يفر منهم ويتبعّد عنهم، لأن الهول فظيع والخطب جسيم وجلل. وهو ما يدل عليه قوله :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾
قوله :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾ كل إنسان يوم القيامة مشغول بأمره وهمه فما يعنيه أحد من الناس وإنما يعنيه نفسه دون سواها. وفي الحديث الصحيح في أمر الشفاعة : " أنه إذا طلب إلى كل من أولي العزم أن يشفع عند الله في الخلائق يقول : نفسي لا أسألك إلا نفسي، حتى أن عيسى ابن مريم يقول : لا أسأله اليوم إلا نفسي. لا أسأله مريم التي ولدتني ".
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحشرون حفاة عراة مشاة غرلا " فقالت زوجته ( عائشة ) : يا رسول الله ! ننظر أو يرى بعضنا عورة بعض ؟ قال :﴿ لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ﴾ – أو قال : " ما أشغله عن النظر ".
قوله :﴿ وجوه يومئذ مسفرة ﴾ من الإسفار وهو الإشراق والإضاءة. وأولئك هم المؤمنون الفائزون فإنهم يعلو وجوههم يوم القيامة الإشراق والبهاء والوضاءة لما تجده من عظيم البهجة والسرور.
قوله :﴿ ضاحكة مستبشرة ﴾ ضاحكة من حلاوة الإحساس بالنّجح والسعادة فهي بذلك فرحة ومحبورة. وهي مستبشرة بما ترجوه من الكرامة والسعادة. جعلنا الله في زمرتهم.
قوله :﴿ ووجوه يومئذ عليها غبرة ﴾ أي يغشى وجوههم الغبار من فظاعة الزحام وكثافة التراب المتناثر في أجواء المحشر.
قوله :﴿ ترهقها قترة ﴾ أي يغشى وجوههم السواد.
قوله :﴿ أولئك هم الكفرة الفجرة ﴾ فهم كفرة بجحودهم وتكذيبهم. وهم أيضا فجرة بفسقهم وكذبهم وميلهم عن الحق١.
١ تفسير ابن كثير جـ ٤ ص ٤٧٣، ٤٧٤ وتفسير الرازي جـ ٣١ ص ٦٤ وفتح القدير جـ ٥ ص ٣٨٦..
Icon