تفسير سورة الغاشية

فتح الرحمن في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الغاشية من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن .
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُورَةُ الغَاشِيَة
مكية، وآيها: ست وعشرون آية، وحروفها: ثلاث مئة وأحد وسبعون حرفًا، وكلمها: اثنتان وتسعون كلمة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ (١)﴾.
[١] ﴿هَلْ﴾ أي: قد ﴿أَتَاكَ﴾ وقيل: (هل) على بابها توقيف، فائدتُها تحريك نفس السامع إلى تلقي الخبر، وقيل: المعنى: هل كان هذا من علمك لولا ما علمناك؟ ففي هذا التأويل تعديد النعمة.
﴿حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ القيامة؛ لأنها تغشى العالم كله بهولها وتغييرها لبنيته.
* * *
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ (٢)﴾.
[٢] ﴿وُجُوهٌ﴾ مبتدأ ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ظرف الخبر، وهو ﴿خَاشِعَةٌ﴾ ذليلة متغيرة بالعذاب، نعت الخبر:
* * *
﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ (٣)﴾.
[٣] ﴿عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ﴾ تعمل في النار عملًا تتعب فيه؛ لأنها تكبرت عن العمل لله في الدنيا، فأعملَها في الآخرة في ناره.
روي أنها نزلت في القسيسين، وعبَّادِ الأوثان، وكلِّ مجتهدٍ في كفر (١)، وإليه ذهب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في تأويلها.
* * *
﴿تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً (٤)﴾.
[٤] ﴿تَصْلَى﴾ قرأ أبو عمرو، ويعقوب، وأبو بكر عن عاصم: بضم التاء مجهولًا، وقرأ الباقون: بفتحها معلومًا (٢)؛ أي: تدخل ﴿نَارًا حَامِيَةً﴾ شديدة الحر.
* * *
﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)﴾.
[٥] ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ قد انتهى حرها. قرأ هشام: (آنِيَةٍ) بإمالة فتحة الهمزة (٣).
* * *
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٦٠٣)، و"المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٤٧٢)، و"تفسير الثعالبي" (٤/ ٤٠٨).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٨١)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢١)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٦٠٣)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٢٧ - ١٢٨).
(٣) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٥٢)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٣٧)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٢٩).
﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ (٦)﴾.
[٦] ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ هو نبت ذو شوك يقال لرطبه: الشبرق، وهو مرعى سوء لا تعقد السائمة عليه شحمًا ولا لحمًا، فإذا يبس، سموه ضريعًا؛ أي: مضعِفًا للبدن مُهْزِلًا.
* * *
﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧)﴾.
[٧] ﴿لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ والمقصودُ من الطعام أحدُ الأمرين.
* * *
﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ (٨)﴾.
[٨] ولما ذكر تعالى وجوه أهل النار، عقب ذلك بذكر وجوه أهل الجنة؛ ليبين الفرق، فقال: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ﴾ أي: ذات حسن وبهجة.
* * *
﴿لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ (٩)﴾.
[٩] ﴿لِسَعْيِهَا﴾ لعملها في الدنيا ﴿رَاضِيَةٌ﴾ لما رأت ثوابه في الآخرة.
* * *
﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ علية المحل.
* * *
﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً (١١)﴾.
[١١] ﴿لَا تَسْمَعُ فِيهَا﴾ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وورش: (يُسْمَعُ) بياء مضمومة على التذكير مجهولًا فاعله (لاَغِيَةٌ) بالرفع، وذكَّر الفعل؛ للفصل، ولأن لاغية ولغوًا واحد، وهو ساقط الكلام وهذيانه، وقرأ نافع كذلك، إلا أنه بالتاء على التأنيث، وقرأ الباقون: بالتاء مفتوحة معلومًا خطابًا للنبي - ﷺ - ونصب ﴿لَاغِيَةً﴾ مفعولًا به (١).
* * *
﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿فِيهَا عَيْنٌ﴾ أي: عيون ﴿جَارِيَةٌ﴾ بالماء لا تنقطع، والتنكير للتعظيم.
* * *
﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣)﴾.
[١٣] ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ﴾ ذاتًا وقدرًا.
* * *
﴿وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤)﴾.
[١٤] ﴿وَأَكوَابٌ﴾ هي أوانٍ كالأباريق، لا عرا لها ولا آذان ولا خراطيم.
﴿مَّوضُوعَةٌ﴾ بأشربتها مُعَدَّة.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٨١)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٢)، و"تفسير البغوي" (٤/ ٦٠٥)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٢٩ - ١٣٠).
﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَنمَاَرِقُ﴾ وسائدُ ﴿مَصْفُوفَةٌ﴾ بعضُها إلى بعض.
* * *
﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿وَزَرَابِيُّ﴾ بُسُطٌ عِراضٌ ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾ مبسوطة.
* * *
﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)﴾.
[١٧] ثم أقام تعالى الحجة على منكري قدرته على بعث الأجساد؛ بأن وقفهم على مواضع العبرة في مخلوقاته، فقال: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ﴾ نظرَ اعتبار ﴿كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ والمراد: الجمال المعروفة؛ فإنها مع عِظَم خلقها طَيِّعة منقادة لما يراد منها، ويحمل عليها، وتنهض به، ولم يذكر الفيل؛ لأنه لم يكن بأرض العرب، فلم (١) تعرفه، ولا يحمل عليه عادة، ولا يُحْلب دَرُّه، ولا يؤمَن ضرُّه.
* * *
﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨)﴾.
[١٨] ﴿وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ﴾ بلا عَمَد.
* * *
﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩)﴾.
[١٩] ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ فهي راسخة لا تزول.
(١) "فلم" ساقطة من "ت".
﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾ بُسطت للسير فيها، والاستقرار عليها، وقرنت الإبل مع السماء والجبال والأرض؛ لأن الآية نزلت استدلالًا على مخلوقات الله تعالى، وهم كانوا أشد ملابسة لهذه الأشياء من غيرها.
* * *
﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ﴾ ليس عليك إلا البلاغ.
* * *
﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ﴾ بمسلَّط تُكرِههم على الإيمان، ونسخت بآية السيف. قرأ هشام: (بِمُسَيْطِرٍ) بالسين، وحمزة: بين الصاد والزاي؛ بخلاف عن رواية خلاد، والباقون: بالصاد (١).
* * *
﴿إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣)﴾.
[٢٣] ﴿إِلًاَ﴾ استثناء منقطع، أي: لكن ﴿مَنْ تَوَلَّى﴾ عن الإيمان ﴿وَكَفَرَ﴾ بالقرآن.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٨٢)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٣٢).
﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)﴾.
[٢٤] ﴿فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ﴾ عذابَ جهنم، والأصغرُ: ما عُذِّبوا به في الدنيا من الجوع والقتل والأسر.
* * *
﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ﴾ رجوعَهم. قرأ أبو جعفر: (إِيَّابَهُمْ) بتشديد الياء، مصدر أيَّبَ، وأصله أَوَّاب فَعّال، ثم قيل: أَيْواب، ثم قلبت الواو ياء، ثم أدغمت في الياء، وقرأ الباقون: بتخفيفها (١)، أصله إِواب، قلبت الواو ياء؛ لانكسار ما قبلها.
* * *
﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (٢٦)﴾.
[٢٦] ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ جزاءَهم على أعمالهم، والحساب: المكافأة، والله أعلم.
* * *
(١) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٦٠٦)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٤٠٠)، و "معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٣٣).
Icon