تفسير سورة الزلزلة

فتح البيان
تفسير سورة سورة الزلزلة من كتاب فتح البيان في مقاصد القرآن المعروف بـفتح البيان .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ
سورة الزلزلة
هي ثمان أو تسع آيات، وهي مدنية في قول ابن عباس وقتادة، ومكية في قول ابن مسعود وعطاء وجابر.
عن عبد الله بن عمرو قال : أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :" أقرئني يا رسول الله. قال : اقرأ ثلاثا من ذوات الر. فقال الرجل : كبر سني، واشتد قلبي، وغلظ لساني، قال : اقرأ ثلاثا من ذوات حم. فقال مثل مقالته الأولى، فقال : اقرأ ثلاثا من المسبحات. فقال مثل مقالته الأولى، وقال : ولكن أقرئني يا رسول الله سورة جامعة، فأقرأه ( إذا زلزلت الأرض ) حتى فرغ منها، قال الرجل : والذي بعثك بالحق لا أزيد عليها. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" أفلح الرويجل، أفلح الرويجل ". أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر والحاكم - وصححه - والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من قرأ ( إذا زلزلت الأرض ) عدلت له بنصف القرآن. ومن قرأ ( قل هو الله أحد ) عدلت له بثلث القرآن، ومن قرأ ( قل يا أيها الكافرون ) عدلت له بربع القرآن، أخرجه الترمذي وابن مردويه والبيهقي.
وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( إذا زلزلت الأرض ) تعدل نصف القرآن. و( قل هو الله أحد ) تعدل ثلث القرآن، و( قل يا أيها الكافرون ) تعدل ربع القرآن، أخرجه الترمذي وابن الضريس ومحمد بن نصر والحاكم - وصححه - والبيهقي، قال الترمذي : غريب، لا نعرفه إلا من حديث يمان بن المغيرة.
وأخرج الترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه :" هل تزوجت يا فلان ؟ قال : لا، والله يا رسول الله، ولا عندي ما أتزوج به، قال : أليس معك ( قل هو الله أحد ) ؟ قال بلى، قال : ثلث القرآن. قال : أليس معك ( إذا جاء نصر الله والفتح ) ؟ قال : بلى، قال : ربع القرآن، قال : أليس معك ( قل يا أيها الكافرون ) ؟ قال : بلى. قال : ربع القرآن، قال : أليس معك ( إذا زلزلت الأرض ) ؟ قال : بلى. قال : ربع القرآن. تزوج ". قال الترمذي : هذا حديث حسن.
وعن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" من قرأ في ليلة ( إذا زلزلت ) كان له عدل نصف القرآن ". أخرجه ابن مردويه.

(إذا زلزلت الأرض زلزالها) أي إذا حركت حركة شديدة وجواب الشرط " تحدث " والمراد تحركها عند قيام الساعة فإنها تضطرب من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل شيء عليها، قال مجاهد وهي النفخة الأولى لقوله تعالى (يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة).
وفي الخازن في وقت هذه الزلزلة قولان:
(أحدهما) وهو قول الأكثرين أنها في الدنيا وهي من أشراط الساعة.
(والثاني) أنها زلزلة يوم القيامة انتهى.
ويؤيد القول الثاني قوله تعالى
(وأخرجت الأرض أثقالها) فإن الإخراج إنما هو في النفخة الثانية، وكذا شهادتها بما وقع عليها إنما هو بعد النفخة الثانية، وكذلك انصراف الناس من الموقف إنما يكون بعد الثانية تأمل.
وذكر المصدر للتأكيد ثم أضافه إلى الأرض فهو مصدر مضاف إلى فاعله والمعنى زلزالها المخصوص الذي يستحقه ويقتضيه جرمها وعظمها، قرأ الجمهور زلزالها بكسر الزاي، وقرىء بفتحها وهما مصدران بمعنى. وقيل الكسور مصدر. والمفتوح إسم قال القرطبي: والزلزال بالفتح مصدر كالوسواس والقلقال، قال ابن عباس في الآية أي تحركت من أسفلها.
341
" (وأخرجت الأرض أثقالها) " أي ما في جوفها من الأموات والدفائن، والأثقال جمع ثقل. قال أبو عبيدة والأخفش إذا كان الميت في بطن الأرض فهو ثقل لها، وإذا كان فوقها فهو ثقل عليها، قال مجاهد أثقالها موتاها تخرجهم في النفخة الثانية، وقد قيل للجن والإنس الثقلان، وإظهار الأرض في موضع الإضمار لزيادة التقرير قال ابن عباس: أثقالها الموتى والكنوز. وأخرج مسلم والترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " تقيء الأرض أفلاذ كبدها أمثال الأسطوان من الذهب والفضة فيجيء القاتل فيقول في هذا قتلت ويجيء القاطع فيقول في هذا قطعت رحمي. ويجيء السارق فيقول في هذا قطعت يدي. ثم يدعونه فلا يأخذون منه شيئاًً ".
342
(وقال الإنسان ما لها) أي قال كل فرد من أفراد الإنسان ما لها زلزلت، لما يدهمه من أمرها ويبهره من خطبها، وقيل المراد بالإنسان الكافر، وقوله ما لها مبتدأ وخبر، وفيه معنى التعجب أي أيّ شيء لها أو لأي شيء زلزلت وأخرجت أثقالها. قال ابن عباس الكافر يقول ما لها.
وقوله
(يومئذ) بدل من إذا والعامل فيهما قوله (تحدث أخبارها) ويجوز أن يكون العامل في إذا محذوفاً والعامل في يومئذ تحدث، والمعنى يوم إذا زلزلت وأخرجت تخبر بأخبارها وتحللهم بما عمل عليها من خير وشر، وذلك إما بلسان الحال حيث يدل على ذلك دلالة ظاهرة أو بلسان المقال بأن ينطقها الله سبحانه، وقيل هذا متصل بقوله (وقال الإنسان ما لها) أي قال ما لها تحدث أخبارها متعجباً من ذلك.
وقال يحيى بن سلام تحدث أخبارها بما أخرجت من أثقالها، وقيل تحدث بقيام الساعة وأنها قد أتت، وأن الدنيا قد انقضت، قال ابن جرير تبين أخبارها بالرجفة والزلزلة وإخراج الموتى، ومفعول تحدث الأول محذوف، والثاني هو أخبارها أي تحدث الخلق أخبارها.
342
عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله ﷺ (يومئذ تحدث أخبارها) قال " أتدرون ما أخبارها، قالوا الله ورسوله أعلم، قال فإن أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها، تقول عمل كذا وكذا فهذا أخبارها ". أخرجه أحمد والترمذي وصححه والنسائي وغيرهم (١).
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن الأرض لتجيء يوم القيامة بكل عمل عُمِلَ على ظهرها. وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (إذا زلزلت الأرض زلزالها) حتى بلغ (يومئذ تحدث أخبارها) أخرجه ابن مردويه والبيهقي.
وعن ربيعة الجرشي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " تحفظوا من الأرض فإنها أمكم وأنه ليس من أحد عامل عليها خيراً أو شراً إلا وهي مخبرة " أخرجه الطبراني.
_________
(١) الترمذي ٢/ ١٧١.
343
(بأن ربك أوحى لها) متعلق بتحدث أو بنفس أخبارها والباء زائدة، وقيل سببية أي بسبب إيحاء الله إليها، قال الفراء تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها، واللاء في لها بمعنى (إلى) وإنما أوثرت على (إلى) لموافقة الفواصل، والعرب تضع لام الصفة موضع إلى، كذا قال أبو عبيدة.
وقيل إن أوحى يتعدى باللام تارة وبإلى أخرى، وقيل إن اللام على بابها من كونها العلة والموحى إليه محذوف وهو الملائكة، والتقدير أوحى إلى الملائكة لأجل الأرض أي لأجل ما يفعلون فيها، والأول أولى.
وقوله
(يومئذ) إما بدل من يومئذ الذي قبله، وإما منصوب بمقدر هو أذكر، وإما منصوب بما بعده والمعنى يوم إذ يقع ما ذكر (يصدر الناس) من قبورهم إلى موقف الحساب (أشتاتاً) أي متفرقين، والصدر الرجوع، وهو ضد الورود، وقيل يصدرون من موضع الحساب إلى الجنة أو النار،
343
وانتصاب أشتاتاً على الحال والمعنى أن بعضهم آمن وبعضهم خائف، وبعضهم بلون أهل الجنة وهو البياض، وبعضهم بلون أهل النار وهو السواد، وبعضهم ينصرف إلى جهة اليمين وبعضهم إلى جهة الشمال مع تفرقهم في الأديان وإختلافهم في الأعمال.
(ليروا أعمالهم) متعلق بيصدر وقيل فيه تقديم وتأخير أي تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس أشتاتاً. قرأ الجمهور ليروا مبنياً للمفعول وهو من رؤية البصر أي ليريهم الله أعمالهم، وقرىء مبنياً للفاعل والمعنى ليروا جزاء أعمالهم.
344
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) أي وزن نملة وهي أصغر ما يكون من النمل. قرأ الجمهور يره في الموضعين بضم الهاء وصلاً وسكونها وقفاً وقرأ هشام بسكونها وصلاً ووقفاً.
وقرأ الجمهور أيضاًً مبنياً للفاعل في الموضعين، وقرىء على البناء للمفعول فيهما أي يريه الله إياه، وقرىء يراه على توهم أن من موصولة أو على تقدير الجزم بحذف الحركة المقدرة في الفعل.
قال مقاتل: فمن يعمل في الدنيا مثقال ذرة خيراً يره يوم القيامة في كتابه فيفرح به، وكذلك من يعمل مثقال ذرة في الدنيا شراً يره يوم القيامة فيسؤه، ومثل هذه الآية قوله (إن الله لا يظلم مثقال ذرة).
وقال بعض أهل اللغة أن الذرة هو أن يضرب الرجل بيده على الأرض فما علق من التراب فهو ذرة، وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء، والأول أولى.
و" من " الأولى عبارة عن السعداء، ومن الثانية عبارة عن الأشقياء، وقال محمد بن كعب فمن يعمل مثقال ذرة من خير من كافر فيرى ثوابه في الدنيا في نفسه وماله وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله خير، ومن يعمل مثقال ذرة من شر من مؤمن يرى عقوبته في الدنيا في نفسه وماله
344
وأهله وولده حتى يخرج من الدنيا وليس له عند الله شر، والأول أولى.
قال مقاتل نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة، وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير كالكذبة والغيبة والنظرة ويقول إنما أوعد الله النار على الكفارين.
قال ابن مسعود: هذه الآية أحكم آية في القرآن وأصدق، وقد اتفق العلماء على عموم هذه الآية.
قال كعب الأحبار لقد أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم آيتان أحصتا ما في التوراة والإنجيل والزبور والصحف (فمن يعمل) إلخ.
وروى محيي السنة: عن ابن عباس ليس من مؤمن ولا كافر عمل خيراً كان أو شراً إلا أراه الله تعالى: فأما المؤمن فيغفر له سيئاته ويثيبه بحسناته، وأما الكافر فترد حسناته تحسراً ويعذب بسيئاته، وهذا الإحتمال يساعده النظم والمعنى.
عن أنس قال بينما أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يأكل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ نزلت عليه (فمن يعمل) إلخ فرفع أبو بكر يده وقال يا رسول الله " إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر، فقال يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر، ويدخر لك ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة " أخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم في تاريخه وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
عن أبي أسماء قال بينما أبو بكر يتغدى مع رسول الله ﷺ إذ نزلت هذه الآية فأمسك أبو بكر وقال يا رسول الله ما عملنا من شر رأيناه فقال ما ترون مما تكرهون فذاك مما تجزون، ويؤخر الخير لأهله في الآخرة. أخرجه إسحق بن راهويه وعبد بن حميد والحاكم وابن مردويه.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص قال أنزلت إذا زلزلت وأبو بكر الصديق قاعد فبكى فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يبكيك يا
345
أبا بكر قال تبكيني هذه السورة فقال " لولا أنكم تخطئون وتذنبون فيغفر لكم لخلق الله قوماً يخطئون ويذنبون فيغفر لهم ". أخرجه ابن أبي الدنيا وابن جرير والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب.
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: " الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل ستر وعلى رجل وزر، الحديث قال.
وسئل عن الحمر (٢) فقال ما أنزل عليّ إلا هذه الآية الجامعة الفاذة، (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.
346
سورة العاديات
في إحدى عشرة آية وهي مكية في قول ابن مسعود وجابر والحسن وعكرمة وعطاء، ومدنية في قول ابن عباس وأنس بن مالك وقتادة.
وعن الحسن قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: " إذا زلزلت تعدل نصف القرآن والعاديات تعدل نصف القرآن " وهو مرسل. أخرجه أبو عبيدة في فضائله، وعن ابن عباس مرفوعاً مثله، أخرجه محمد بن نصر من طريق عطاء بن أبي رباح وزاد " وقل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن، وقل يا أيها الكافرون تعدل ربع القرآن ".
347

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢) فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥) إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)
349
Icon