تفسير سورة إبراهيم

تفسير الثعالبي
تفسير سورة سورة إبراهيم من كتاب الجواهر الحسان في تفسير القرآن المعروف بـتفسير الثعالبي .
لمؤلفه الثعالبي . المتوفي سنة 875 هـ
سورة إبراهيم
مكية وآياتها ٥٢
هذه السورة مكية إلا آيتين، وهما قوله عز وجل { ألم ترى إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا إلى آخر الآيتين ذكره مكي والنقاش.

تفسير سورة إبراهيم
هذه السورة مكّيّة إلا آيتين، وهما قوله عزّ وجلّ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً... [إبراهيم: ٢٨] إلى آخر الآيتين، ذكره مكّيّ والنّقّاش.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٣)
قوله عزَّ وجلَّ: الر كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ قال القاضِي ابنُ الطَّيب، وأبو المعالى وغيرهما: إِن الإِنزال لم يتعلَّق بالكلامِ القَدِيمِ الذي هو صفةُ الذاتِ، لكَنْ بالمعاني التي أفْهَمَهَا اللَّهُ تعالَى جِبْرِيلِ عليه السلام من الكَلاَم.
وقوله: لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ: في هذه اللفظة تشريف للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعَمَّ الناس إِذ هو مبعوثٌ إِلى جميعِ الخَلْق، وقرأ نافعٌ وابن عامرٍ «١» :«اللَّهُ الَّذِي له ما في السموات وما في الأرض» برفع اسم اللَّه على القطْعِ والابتداءِ، وقرأ الباقون بخَفْضِ الهَاء، وَوَيْلٌ: معناه: وشدَّةٌ وبَلاَءٌ، وباقي الآية بيّن.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤ الى ٦]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦)
(١) ينظر: «الحجة» (٥/ ٢٥)، و «إعراب القراءات السبع» (١/ ٣٣٤)، و «حجة القراءات» (٣٧٦)، و «الإتحاف» (٢/ ١٦٦)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٢٢)، و «البحر المحيط» (٥/ ٣٩٣)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٥٠)، و «السبعة» (٣٦٢)، و «معاني القراءات» (٢/ ٦١)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٣٩٦)، و «العنوان» (١١٥)، و «شرح شعلة» (٤٤٩- ٤٥٠).
وقوله سبحانه:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ الآية، هذه الآيةُ طعن وردّ على المستغربين أمر محمّد صلّى الله عليه وسلّم، وباقي الآية بيِّن.
وقوله سبحانه لموسَى: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ: أي: عظْهم بالتهديدِ بِنِقَمِ اللَّهِ التي/ أحلَّها بالأمم الكَافرة قَبْلهم، وبالتَّعْديدِ لنعمه علَيْهم، وعَبَّرَ عن النعم وَالنِّقَمِ ب «الأَيَّامِ» إِذ هي في أيامٍ، وفي هذه العبارةِ تعظيمُ هذه الكوائنِ المذكَّر بها، وفي الحديثِ الصحيحِ:
«بَيْنَمَا مُوسَى فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ أيَّامَ اللَّهِ » الحديث، في قصة موسَى مع الخَضِرِ.
قال عياضٌ في «الإِكمال» :«أَيَّامِ الله» : نَعْمَاؤه وبلاؤه، انتهى. وقال الداوديّ: وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ: قال: بِنِعَمِ اللَّهِ» وعن قتادة: لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ: قال: نعْمَ، واللَّهِ، العبدُ إِذا ابتلي صَبَرَ، وإِذا أُعْطِيَ شَكَرَ. انتهى «١».
وقال ابنُ العربيِّ في «أَحكامه» : وفي بِأَيَّامِ اللَّهِ قولان: أحدهما: نعمه. والثاني:
نقمه. انتهى.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٧ الى ٩]
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩)
وقوله: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ... الآية: «تأَذَّن» : بمعنى آذَنَ، أي: أعلم.
قال بعضُ العلماء: الزيادةُ على الشُّكر ليستْ في الدنيا، وإِنما هي مِنْ نعم الآخرةِ، والدنيا أهْوَنُ من ذلك.
قال ع «٢» : وجائزٌ أن يزيدَ اللَّه المؤمِنَ علَى شُكْره من نعمِ الدنيا والآخرةِ، «والكُفْرِ» هنا: يحتمل أن يكون على بابه، ويحتملُ أنْ يكون كفرَ النِّعَمِ، لا كفر الجحد،
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤١٨) برقم: (٢٠٥٨١)، وذكره ابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٣٢)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٢٥).
وفي الآية ترجيةٌ وتخويفٌ، وحكى الطبريُّ «١» عن سفيان وعن الحسن أنهما قَالاَ: معنى الآية: لَئِنْ شكرتم لأَزيدنكم مِنْ طاعتي.
قال ع «٢» : وضعَّفه الطبريُّ، وليس كما قال، بل هو قويٌّ حَسَنٌ، فتأمَّلَهُ.
ت: وتضعيفُ الطبريِّ بيِّن من حيثُ التخصيصُ، والأصلُ التعميمُ «٣».
وقوله: أَلَمْ يَأْتِكُمْ: هذا أيضاً من التذْكير بأيام اللَّه، وقوله سبحانه: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ: قيل: معناه: رَدُّوا أيدي أنفسهم في أفواه أنفسهم إِشارةً على الأنبياء بالسُّكوت، وقال الحسن: رَدُّوا أيدي أنفسهم في أفواه الرسُل تسكيتاً لهم، وهذا أشنع في الرّدّ «٤».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٠ الى ١٤]
قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَما لَنا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذلِكَ لِمَنْ خافَ مَقامِي وَخافَ وَعِيدِ (١٤)
وقوله عز وجل: قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ: التقدير: أفي إِلاهية اللَّه شَكٌّ أو:
أفي وحدانيَّة اللَّهِ شكّ، و «ما» في قوله ما آذَيْتُمُونا مصدريَّة، ويحتملُ أنْ تَكُونَ موصولةً بمعنى «الذي»، قال الداودي: عن أبي عُبَيْدةً لِمَنْ خافَ مَقامِي: مجازه حيثُ أَقيمُهُ بَيْنَ يَدَيَّ للحسابِ انتهى «٥». قال عبد الحقِّ في «العاقبة» قال الربيع بن خَيْثَمٍ: مَنْ خافَ الوعيدَ، قَرُبَ عليه البعيد، ومَنْ طال أمله، ساء عمله. انتهى، وباقي الآية بيّن.
(١) ينظر: «تفسير الطبري» (٧/ ٤٢٠) برقم: (٢٠٥٨٥- ٢٠٥٨٦).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٢٥).
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٤٢٠) برقم: (٢٠٥٨٧- ٢٠٥٨٨)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٢٥)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٣٣)، وعزاه لابن جرير.
(٤) ذكره البغوي (٣/ ٢٧)، وابن عطية (٣/ ٣٢٦).
(٥) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٠).

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٥ الى ١٦]

وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ (١٦)
وقوله سبحانه: وَاسْتَفْتَحُوا وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ: اسْتَفْتَحُوا: أي: طلبوا الحُكْم، و «الفَتَّاح» الحاكم، والمعنَى: أنَّ الرسل استفتحوا، أيْ: سألوا اللَّه تبارَكَ وتعالَى إِنفاذَ الحُكْمِ بنصرهم.
وقيل: بلِ استفتح الكفَّارُ على نحو قولِ قريشٍ: عَجِّلْ لَنا قِطَّنا... [ص: ١٦] وعلى نحو قول أبي جَهْل يوم بَدْرٍ: اللَّهم، أقطعنا للرَّحِمِ، وأتيانا بمَا لاَ نَعْرِفُ، فاحنه الغَدَاةَ، وهذا قولُ ابنِ زيدٍ «١»، وقرأَتْ فرقةٌ: «واستفتحوا» «٢» - بكسر التاء- على معنى الأمر للرسُلِ، وهي قراءَة ابن عبَّاس ومجاهدٍ وابن مُحَيْصِنٍ: وَخابَ: معناه: خسر ولم ينجح، والجبار: المتعظّم في نفسه، والعنيد: الذي يعاند ولا يناقد.
وقوله: مِنْ وَرائِهِ: قال الطبري «٣» وغيره: مِنْ أمامه، وعلى ذلك حملوا قوله تعالى: وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ [الكهف: ٧٩]، وليس الأمر كما ذكروا، بل الوَرَاءُ هنا وهنَاكَ على بابه، أي: هو/ ما يأتي بَعْدُ في الزمان، وذلك أن التقدير في هذه الحَوَادِثِ بالأَمَامِ والوراءِ، إِنما هو بالزَّمَانِ، وما تقدَّم فهو أمام، وهو بَيْن اليد كما نقول في التوراة والإِنجيل: إنهما بيْنَ يدَي القرآن، والقرآنُ وراءهم، وعلَى هذا فما تأخَّر في الزمَانِ فهو وراء المتقدِّم، وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ: «الصديد» : القَيْح والدمُ، وهو ما يسيلُ من أجْسَادِ أهْلِ النَّار قاله مجاهد «٤» والضّحّاك.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ١٧ الى ٢١]
يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَما هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَما ذلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ (٢١)
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٢٨) برقم: (٢٠٦٢٦) بنحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٦) بنحوه.
(٢) وقرأ بها ابن عباس، ومجاهد، وابن محيصن.
قال أبو الفتح: هو معطوف على ما سبق من قوله تعالى: فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ، أي: قال لهم:
استفتحوا.
ينظر: «المحتسب» (١/ ٣٦٠)، و «الشواذ» ص: (٧٢)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٣٠)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤١٠)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٥٦).
(٣) ينظر: «تفسير الطبري» (٧/ ٤٢٨- ٤٢٩).
(٤) أخرجه الطبري (٧/ ٤٢٩) برقم: (٢٠٦٢٧)، وبرقم: (٢٠٦٣١) بنحوه، وذكر ابن عطية (٣/ ٣٣١)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٣٨)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي في «البعث والنشور». [.....]
377
وقوله: يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ: عبارةٌ عن صعوبة أمره عليهم، وروي أنَّ الكافر يؤتَى بالشَّرْبة من شراب أهْل النَّار، فيتكَّرهها، فإِذا أدنيَتْ منه، شَوَتْ وجهه، وسقَطَتْ فيها فروة رأسِهِ، فإِذا شربها، قَطَّعت أمعاءه، وهذا الخبر مفرَّق في آيات من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ، أي: مِنْ كل شعرة في بَدَنِهِ قاله إِبراهيمُ التَّيْمِيُّ «١»، وقيل: مِنْ جميع جهاته السِّتِّ، وَما هُوَ بِمَيِّتٍ: لا يراحُ بالموت، وَمِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ قال الفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: العذابُ الغليظ: حَبْسُ الأنفاسِ في الأجسادِ، وفي الحديث: «تَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ تَكَلَّمُ بِلَسَانٍ طَلِقٍ ذَلِقٍ لَهَا عَيْنَانِ تُبْصِرُ بِهِمَا، وَلَهَا لِسَانٌ تَكَلَّمُ بِهِ، فَتَقُولُ: إِنِّي أُمِرْتُ بِمَنْ جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إلها آخَرَ، وبِكُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ، وبِمَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ، فَتَنْطَلِقُ بِهِمْ قَبْلَ سَائِرِ النَّاسِ بِخَمْسِمِائَةِ عَامٍ، فتنطوي علَيْهم، فتقذفُهُمْ في جهنَّم»، خرَّجه البزَّار «٢»، انتهى من «الكوكب الدري».
وقوله: فِي يَوْمٍ عاصِفٍ وصف اليوم بالعُصُوفِ، وهي من صفات الريحِ بالحقيقة لما كانت في اليوم، كقول الشاعر: [الطويل]
............................ وَنِمْت وَمَا لَيْلُ المَطِيِّ بِنَائِمِ «٣»
وباقي الآية بيّن.
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٣٠) برقم (٢٠٦٣٦)، وذكره البغوي (٣/ ٢٩)، وابن عطية (٣/ ٣٣١)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٦)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ١٣٩) وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الترمذي (٤/ ٧٠١) كتاب «صفة جهنم» باب: ما جاء في صفة النار، حديث (٢٥٧٤) بنحوه، وقال الترمذي: حسن غريب صحيح.
(٣) عجز بيت وصدره:
لقد لمتنا يا أم عيلان في السرى...........................
والبيت لجرير في «ديوانه» ص: (٩٩٣)، و «خزانة الأدب» (١/ ٤٦٥)، (٨/ ٢٠٢)، و «الكتاب» (١/ ١٦٠)، و «لسان العرب» (٢/ ٤٤٢) (ربح)، وبلا نسبة في «الأشباه والنظائر» (٨/ ٦٠)، و «الإنصاف» (١/ ٢٤٣)، و «تخليص الشواهد» ص: (٤٣٩)، والصاحبي في «فقه اللغة» (٢٢٢)، و «المحتسب» (٢/ ١٨٤)، و «المقتضب» (٣/ ١٠٥)، (٤/ ٣٣١).
378
وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعاً: معناه: صاروا في البِرَازِ، وهي الأرضُ المتَّسِعَة، فَقالَ الضُّعَفاءُ، وهم الأتْبَاعُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا، وهم القادة وأهْلُ الرأْي، وقولهم: سَواءٌ عَلَيْنا أَجَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ: «المحيصُ» : المفرُّ وَالمَلْجَأَ مأخوذٌ منِ حَاصَ يَحيصُ إِذا نفر وفر ومنه في حديث هِرَقْلَ: «فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إِلى الأَبْوَابِ» وروي عن ابن زيدٍ، وعن محمد بن كَعْب أن أهْلَ النار يقولُونَ: إِنما نال أَهْلُ الجَنَّةِ الرحْمَةَ بالصبر على طاعة اللَّه، فتعالَوْا فَلْنَصْبِرْ، فَيَصْبِرُونَ خَمْسَمِائَةِ سَنَةٍ، فلا ينتفعونَ، فيقولُون:
هلمَّ فَلْنَجْزَعْ، فَيَضِجُّونَ ويَصِيحُونَ ويَبْكُونَ خَمْسَمِائَةِ سنة أُخرَى، فحينئذٍ يقولُونَ هذه المقَالَةَ سَواءٌ عَلَيْنا الآية، وظاهر الآية أنهم إِنما يقولونها في مَوْقِفِ العرْض وقْتَ البروز بين يدي الله عزّ وجلّ «١».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٢ الى ٢٣]
وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ (٢٣)
وقوله عزَّ وجلَّ: وَقالَ الشَّيْطانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ: المراد هنا ب «الشَّيْطَان» إِبليسُ الأَقْدَمُ، وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم من طريق عُقْبَة بنِ عَامِرٍ، أَنه قال: يقوم يومَ القيَامَةِ خَطيبَان أَحدهما: إِبليسْ يقوم في الكَفَرة بهذه الأَلْفَاظِ، والثاني: عيسَى ابنُ مَرْيَمَ يقومُ بقوله: مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ... الآية [المائدة: ١١٧]، وروي في حديث أنَّ إِبليس إِنما يقوم بهذه الألفاظ في النَّار علَى أهلها عند قولهم: مَا لَنا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم: ٢١] في الآية المتقدِّمة فعلى هذه الرواية، يكون معنى قوله: قُضِيَ الْأَمْرُ، أي: حصل أهْلُ/ النار في النَّار، وأهْلُ الجنة في الجنة، وهو تأويلُ الطبريِّ «٢».
وقوله: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ: أي: من حجة بيّنة، وإِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ استثناء منقطعٌ، ويحتملُ أنْ يريد ب «السُّلْطان» في هذه الآية: الغلبة والقُدْرة والمُلْك، أي: ما اضطررتكم، ولا خوَّفتكم بقُوَّة منِّي، بلْ عرضْتُ عليكم شيئاً فأَتَى رأْيُكُمْ عليه.
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٣٣) برقم: (٢٠٦٤٠)، وبرقم: (٢٠٦٤١)، وذكره البغوي (٣/ ٣٠)، وابن عطية (٣/ ٣٣٣)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٢٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٤٠)، وعزاه لابن جرير.
(٢) ينظر: «الطبري» (٧/ ٤٣٣).
وقوله: فَلا تَلُومُونِي: يريد: بزعمه إِذ لا ذَنْبَ لي، وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، أي:
في سوء نَظَركم في اتباعي، وقلَّةِ تثبُّتكم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ: «المُصْرِخُ» : المغيث، والصَّارِخُ: المستغيث، وأما الصَّريخ، فهو مصدَرٌ بمنزلة البَريح، وقوله: إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ: «ما» مصدريةٌ، وكأنه يقول: إِني الآن كافرٌ بإِشراككم إِيَّايَ مع اللَّه قَبْلَ هذا الوَقْتِ، فهذا تَبَرٍّ منه، وقد قال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ [فاطر: ١٤].
وقوله عزَّ وجلَّ: وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ: «الإِذن» هنا: عبارةٌ عن القضاء والإمضاء.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ (٢٦)
وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً: أَلَمْ تَرَ: بمعنى: ألم تعلَمْ، قال ابنُ عَبَّاس وغيره: الكلمة الطَّيِّبة: هي لا إله إِلا اللَّه «١»، مَثَّلها اللَّه سبحانه بالشَّجَرة الطَّيِّبة، وهي النَّخْلة في قول أكثر المتأوِّلين، فكأنَّ هذه الكلمة أصلها ثابتٌ في قلوبِ المؤمنين، وفَضْلُها وما يَصْدُرُ عنها من الأفعال الزكيَّة وأنواعِ الحسناتِ هو فَرْعُها يَصْعُد إِلى السماء مِنْ قِبَلِ العبدِ، والحِين: القطعةُ من الزمان غيرُ مَحْدُودةٍ كقوله تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ [ص: ٨٨]، وقد تقتضي لفظة «الحِينِ» بقرينتها تحديداً كهذه الآية، و «الكلمةُ الخبيثةُ» : هي كلمة الكفر، وما قاربها مِنْ كلامِ السوءِ في الظلمِ ونحوه، و «الشجرة الخبيثة» : قال أكثر المفسِّرين: هي شجرة الحنظل ورواه أنس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم «٢» وهذا عندي عَلَى جهة المَثَلِ، «اجتثت» : أي: اقتلعت جثتها بنزع الأصولِ، وبقيَتْ في غاية الوهَنِ والضَّعْفِ، فتقلبها أقلُّ ريحٍ، فالكافر يَرَى أنَّ بيده شيئاً، وهو لا يستقرُّ ولا يُغْنِي عنه كهذه الشجرة الذي يُظَنُّ بها عَلَى بُعْدِ أو للجَهْلِ بها أنها شيءٌ نافع، وهي خبيثة الجني غير باقية.
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٣٧) برقم: (٢٠٦٥٩)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٣٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٤٢)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٢) أخرجه الترمذي (٥/ ٢٩٥) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة إبراهيم عليه السلام، حديث (٣١١٩)، والطبري (١٣/ ٢٠٥)، وأبو يعلى (٧/ ١٨٢- ١٨٣) برقم: (٤١٦٥)، والحاكم (٣/ ٣٥٢)، وابن حبان (٤٦٨) من حديث أنس مرفوعا به، وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان.

[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]

يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ (٢٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠)
وقوله سبحانه: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ:
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: كلمةُ الإِخلاصِ والنجاةِ من النَّار: «لا إله إِلا اللَّه»، والإِقرارُ بالنبوَّة، وهذه الآية تعمُّ العالَمَ مِنْ لدنْ آدم عليه السلام إِلى يوم القيامةِ. قال طَاوُسٌ، وقتادة، وجمهور من العلماء: الْحَياةِ الدُّنْيا هي مدَّة حياةِ الإِنسان، وَفِي الْآخِرَةِ وَقْتُ سؤاله في قَبْرِهِ «١»، وقال البَرَاء بنَ عَازِبٍ وجماعة: فِي الْحَياةِ الدُّنْيا: هي وقتُ سؤاله في قبره، ورواه البراء عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في لفظ متأوَّلٍ، وفي الآخرة: هو يوم القيامة عندَ العَرْض، والأولُ أحسن، ورجَّحه الطبريُّ.
ت «٢» : ولفظ البخاريِّ عن البراءِ بْنِ عازِبٍ/ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قَالَ: «المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ فِي القَبْرِ، يَشْهَدُ أَنْ لاَ إله إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ». انتهى، وحديثُ البَرَاءِ خَرَّجه البخاريُّ ومسلم وأبو داود والنسائيُّ وابنُ ماجه «٣»، قال صاحب «التذكرة» «٤» : وقد رَوَى هذا الحديثَ أبو هريرة وابن مسعود وابنُ عباس وأبو سَعِيدٍ الخدريُّ قال أبو سعيد
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٥١) برقم: (٢٠٧٧٦) بنحوه، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٧)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٣٥)، والسيوطي في «الدر المنثور»، وعزاه لعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٤٤٩) برقم: (٢٠٧٦٣) بنحوه، وذكره البغوي (٣/ ٣٤)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٧)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٣٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٤٨)، وعزاه لابن أبي شيبة.
(٣) أخرجه البخاري (٣/ ٢٧٤) كتاب «الجنائز» باب: ما جاء في عذاب القبر، حديث (١٣٦٩)، وفي (٨/ ٢٢٩) كتاب «التفسير» باب: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، حديث (٤٦٩٩)، ومسلم (٤/ ٢٢٠١) كتاب «الجنة» باب: عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه، حديث (٧٣/ ٢٨٧١)، وأبو داود (٢/ ٦٥١) كتاب «السنة» باب: في المسألة في القبر وعذاب القبر، حديث (٤٧٥٠)، والترمذي (٥/ ٢٩٥- ٢٩٦)، كتاب «التفسير» باب: ومن سورة إبراهيم، حديث (٣١٢٠)، والنسائي (٤/ ١٠١) كتاب «الجنائز» باب: عذاب القبر، حديث (٢٠٥٧)، وابن ماجه (٢/ ١٤٢٧) كتاب «الزهد» باب: ذكر القبر والبلى برقم: (٤٢٦٩)، والطيالسي (٢/ ٢٠- منحة) برقم: (١٩٥٩). كلهم من طريق سعد بن عبيدة، عن البراء بن عازب به، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٤٦)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
(٤) ينظر: «التذكرة» للقرطبي (١/ ١٦٦).
381
الخدريّ: كنّا في جنازة مع النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: «يا أيّها النَّاسُ إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ تُبْتَلَى في قُبُورِهَا فإِذَا الإِنْسَانُ دُفِنَ وَتَفَرَّقَ عَنْهُ أَصْحَابُهُ، جَاءَهُ مَلَكٌ بِيَدِهِ مِطْرَاقٌ، فَأَقْعَدَهُ، فَقَالَ: مَا تَقُولُ في هَذَا الرَّجُلِ... » الحديثَ، وفيه: فَقَالَ بَعْضُ أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: مَا أَحَدٌ يَقُومُ عَلَى رَأْسِهِ مَلَكٌ بِيَدِهِ مطراق إلّا هبل، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ «١» انتهى.
قال أبو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ البِرِّ: وُروِّينا من طرق أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قَالَ لِعُمَرَ: كَيْفَ بِكَ يَا عُمَرُ، إِذَا جَاءَكَ مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، إِذَا مُتَّ، وانطلق بِكَ قَوْمُكَ، فَقَاسُوا ثَلاَثَةَ أَذْرُعٍ وشِبْراً في ذِرَاعٍ وَشِبْرٍ، ثُمَّ غَسَّلُوكَ، وَكَفَّنُوكَ، وَحَنَّطُوكَ، ثُمَّ احتملوك، فَوَضَعُوكَ فِيهِ، ثُمَّ أَهَالُوا عَلَيْكَ التُّرَابَ، فَإِذَا انصرفوا عَنْكَ أَتَاكَ فَتَّانَا الْقَبْرِ: مُنْكَرٌ وَنَكِيرٌ، أَصْواتُهُمَا كَالرَّعْدِ القَاصِفِ، وَأَبْصَارُهُمَا كَالبَرْقِ الخَاطِفِ يَجُرَّانِ شُعُورَهُمَا، مَعَهُمَا مِرْزَبَةٌ، لَوْ اجتمع عَلَيْهَا أَهْلُ الأَرْضِ لَمْ يَقْلِبُوهَا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِن فَرِقْنَا فَحَقٌّ لَنَا أَنْ نَفْرَقَ أَنُبْعَثُ عَلَى مَا نَحْنُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: إِذَنْ أَكْفِيَكَهُمَا»، انتهى «٢»، و «الظالمون» في هذه الآية: الكافرون، وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشاءُ، أي: بحقِّ الملك فلا رادَّ لأَمره، ولا معقِّب لِحُكْمه، وجاءتْ أحاديثٌ صحيحةٌ في مُسَاءلة العبد في قبره، وجماعة السُّنَّة تقولُ: إِنَّ اللَّه سبْحَانه يَخْلُقُ للعَبْدِ في قَبْرِهِ إِدراكاتٍ وتحصيلاً: إِما بحياةٍ كالمتعارفة، وإِما بحضورِ النَّفْس، وإِن لم تتلبَّس بالجَسَدِ كالعُرْف، كلُّ هذا جائزٌ في قُدْرة اللَّه تَبَارَكَ وتعالى غير أنَّ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ «أَنَّهُ يَسْمَعُ خَفْقَ النِّعَالِ»، ومنها: أنه يرى الضوء كَأَنَّ الشمْسَ دَنَتْ للغروب، وفيها أنه يُرَاجَعُ، وفيها: «فَيُعَادُ رُوحُهُ إِلَى جَسَدِهِ»، وهذا كلُّه يتضمَّن الحياةَ، فسُبْحَانَ مَنْ له هذه القدرة العظيمة، وقوله سبحانه: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً: المراد ب الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ: كَفَرَةُ قُريشٍ، وقد خرَّجه البخاريُّ وغيره مسنداً عن ابن عباس «٣» انتهى، والتقديرُ: بدَّلوا شُكْرَ نِعْمَةِ اللَّهِ كُفْراً، ونِعْمَةُ اللَّه تعالى في
(١) أخرجه أحمد (٣/ ٢٣٣)، وابن أبي عاصم في «السنة» (٢/ ٤١٧- ٤١٨) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعا، وذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٣/ ٥١)، وقال: رواه أحمد، والبزار، ورجاله رجال الصحيح، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٤٩)، وزاد نسبته إلى ابن أبي الدنيا في ذكر الموت، وابن مردويه، والبيهقي في «عذاب القبر»، وقال السيوطي: سنده صحيح.
(٢) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٥٣)، وعزاه إلى ابن أبي داود في «البعث»، والحاكم في «التاريخ»، والبيهقي في «عذاب القبر».
(٣) أخرجه البخاري (٤٧٠٠)، والطبري (٧/ ٤٥٤) برقم: (٢٠٧٩٦)، وذكره البغوي (٣/ ٣٥)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٣٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٥٦)، وعزاه لعبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في «الدلائل». [.....]
382
هذه الآية: هو محمّد صلّى الله عليه وسلّم ودِينُهُ، وَأَحَلُّوا/ قَوْمَهُمْ، أي: مَنْ أطاعهم، وكأنَّ الإشارة والتعنيف إنما هو للرؤوس والأعلام، والْبَوارِ: الهلاك، قال عطاءُ بنُ يَسَارٍ: نَزَلَتْ هذه الآيةُ في قَتْلَى «١» بدْر، و «الأنداد» : جمع نِدٍّ، وهو المثيلُ، والمرادُ: الأصنام، واللام في قوله:
لِيُضِلُّوا- بضم الياء-: لام كَيْ، وبفتحها: لام عاقبة وصيرورة، والقراءتان «٢» سبعيّتان.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣١ الى ٣٤]
قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ (٣١) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤)
وقوله سبحانه: قُلْ لِعِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ... الآية: «العباد» : جمع عبدٍ، وعُرْفُه في التكرمة بخلاف العبيد، و «السر» : صدقة التنفّل، و «العلانية» : المفروضةُ هذا هو مقتضى الأحاديثِ، وفسر ابن عباس هذه الآية بزكَاةِ الأَموالِ مجملاً، وكذلك فسَّر الصلاة بأَنها الخَمْسُ وهذا عندي منه تقريبٌ للمخاطَب «٣». و «الخلال» : مصدرٌ من «خَالَلَ»، إِذا وادَّ وصافَى ومنه الخُلَّة والخَلِيلَ، والمراد بهذا اليومِ يَوْمُ القيامة.
وقوله سبحانه: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ: هذه الآيةُ تذكيرٌ بآلائه سُبْحانه، وتنبيهٌ على قدرته التي فيها إِحْسَان إِلى البَشَر لتقوم الحُجَّة عليهم، وقوله: بِأَمْرِهِ: مصدر أَمَرَ يَأْمُرُ، وهذا راجعٌ إِلى الكلام القديم القائم بالذات، ودائِبَيْنِ: معناه: متماديين، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم لصاحب الجمل
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٥٥) برقم: (٢٠٨١٣)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦/ ١٥٧)، وعزاه لابن جرير.
(٢) وتفصيل هذه القراءة على ما يلي: قرأ أبو كثير وأبو عمرو: «ليضلوا» بفتح الياء، أي: ليصيروا هم ضلّالا.
وحجتهما: قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ [النحل: ٣٠].
وقرأ الباقون: «ليضلوا» بضم الياء، أي: ليضلوا غيرهم، وحجتهم: أن الله سبحانه وصفهم قبل بأنهم ضالون في أنفسهم، فقال: وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً، فكان الحال يقتضي زيادة معنى، وهو: أنهم لم يتوقفوا عن ضلالهم هم، بل عدوه إلى غيرهم.
ينظر: «شرح الطيبة» (٤/ ٣٩٦)، و «العنوان» (١١٥)، و «حجة القراءات» (٣٧٨)، و «إتحاف فضلاء البشر» (٢/ ١٦٩).
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٤٥٧) برقم: (٢٠٨٢٣)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٣٩).
383
الذي بَكَى وأَجْهَش «١» إِليه: «إِنَّ هَذَا الجمَلَ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبَه» «٢»، أي: تديمه في الخِدْمَة والعَمَل، وظاهرُ الآية أنَّ معناه: دائبَيْن في الطلوع والغروبِ وما بينهما من المَنَافِعِ للناسِ التي لا تحصَى كثرةً، وعن ابن عباس أَنَّه قال: معناه: دائِبَيْنِ في طاعة اللَّه «٣»، وقوله سبحانه: وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ المعنى: أنَّ جنس الإِنسان بجملته قد أوتي من كلِّ ما شأنه أنْ يسأل وينتفع به، وقرأ ابن عباس «٤» وغيره: «مِنْ كُلٍّ مَّا سَأَلْتُمُوهُ» - بتنوين كُلٍّ-، وروِيت عن نافع، وقوله تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوها، أي: لكثرتها وعِظَمها في الحَوَاس والقُوَى، والإِيجادِ بعد العَدَمِ والهدايةِ للإِيمان وغيرِ ذلك، وقال طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ: إِنَّ حقَّ اللَّه تعالى: أَثْقَلُ من أَنْ يَقُومَ به العُبَّادُ، ونِعْمَهُ أَكثر مِنْ أَنْ يحصيها العبَادُ، ولكنْ أصْبِحُوا توَّابين، وأمْسُوا تَوَّابِين.
ت «٥» : وَمِنْ «الكَلِمِ الفارقيَّة» : أيها الحَرِيصُ على نيلِ عَاجِلِ حظِّه ومراده الغافلُ عن الاستعداد لمعاده تنبَّه لعظمة مَنْ وجودُكَ بإِيجادِهِ وبقاؤك بإِرْفاده ودوامك بإِمداده، وأنْتَ طفلٌ في حَجْر لُطْفه ومهد عَطْفه وحضانة حفظه، يغذِّك بلِبَانِ بِرِّهِ ويقلِّبك بأيدي أياديه وفضله وأنتَ غافلٌ عن تعظيم أمره جاهلٌ بما أولاَكَ من لَطِيف سِرِّه وفضَّلك به على كثيرٍ من خَلْقه، واذكر عهد الإِيجاد، ودوام الإِمْدَاد والإِرفاد وحالَتَيِ الإِصْدَار والإِيراد وفاتحة المبدأ وخاتمةَ المَعَاد. انتهى.
وقوله سبحانه: إِنَّ الْإِنْسانَ: يُريدُ به النوَعَ والجنس، المعنى: توجد فيه هذه
(١) الجهش والإجهاش: أن يفزع الإنسان إلى غيره، وهو مع ذلك كأنه يريد البكاء، كالصبي يفزع إلى أمه وأبيه وقد تهيأ للبكاء.
ينظر: «النهاية» (١/ ٣٢٢) و «لسان العرب» (٧١٣).
(٢) ذكره السيوطي في «الخصائص الكبرى» (٢/ ٩٥)، وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وأبي نعيم، والبيهقي كلاهما في «الدلائل».
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٤٥٨) برقم: (٢٠٨٢٦)، وذكره البغوي (٤/ ٣٦)، وابن عطية (٣/ ٣٣٩)، والسيوطي في «الدر المنثور»، وعزاه لابن جرير.
(٤) وقرأ بها الحسن، وجعفر بن محمد، وسلام بن منذر، والضحاك، ومحمد بن علي، وعمرو بن فائد، ويعقوب، قال أبو الفتح: أما على هذه القراءة فالمفعول ملفوظ به، أي: وآتاكم ما سألتموه أن يؤتيكم منه، وأما قراءة الجماعة... على الإضافة، فالمفعول محذوف: أي: وآتاكم سؤلكم من كل شيء.
ينظر: «المحتسب» (١/ ٣٦٣)، و «الشواذ» ص: (٧٣)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤٠)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤١٦)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٧٢).
(٥) أخرجه الطبري (٧/ ٤٥٩) برقم: (٢٠٨٣٥)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٠)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٤٠)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٥٨)، وعزاه لابن أبي شيبة، وابن جرير، والبيهقي في «الشعب».
384
الخِلاَلُ، وهي الظُّلْم والكُفْر، فإِن كانَتْ هذه الخِلاَلُ من جاحِدٍ، فهي بصفةٍ، / وإِن كانَتْ من عاص فهي بصفة أخرى.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٣٥ الى ٣٩]
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩)
وقوله سبحانه: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً تقدَّم تفسيره.
وقوله: وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ: واجْنُبْنِي: معناه: امنعني، يقال:
جَنَبَهُ كَذَا، وأَجْنَبَهُ إِذا مَنَعَهُ من الأمْر وحَمَاهُ منْه.
ت: وكذا قال ص: و «اجنبني» : معناه: امنعني، أصله من الجَانِبِ، وعبارةُ المَهْدَوِيِّ: أي: اجعلني جانباً من عبادتها.
وقال الثعلبيُّ: وَاجْنُبْنِي، أي: بعّدني واجعلني منْها على جانِبٍ بعيدٍ. انتهى، وهذه الألفاظ كلُّها متقاربة المعاني، وأراد إبراهيم عليه السلام بَنِيَّ صُلْبه، وأما باقي نَسْله، فمنهم مَنْ عبد الأصنام، وهذا الدعاء من الخليل عليه السلام يقتضي إِفراطَ خَوْفه علَى نفسه ومَنْ حصل في رتبته، فكيف يَخَافُ أنْ يعبد صَنَماً، لكن هذه الآية ينبغي أنْ يُقْتَدَى بها في الخَوْفِ، وطَلَبِ حُسْنِ الخاتمة، والْأَصْنامَ: هي المنحوتةُ على خَلْقَة البَشَر، وما كان منحوتاً على غَيْرِ خلْقَة البَشَرِ، فهي أوثانٌ، قاله الطبريُّ عن مجاهد «١»، ونسب إِلى الأصنام أنها أضَلَّتْ كثيراً من الناس تجوُّزاً، وحقيقةُ الإِضلال إِنما هي لمخترعها سبحانه، وقيل:
أراد ب الْأَصْنامَ هنا: الدنانيرُ والدَّرَاهم.
وقوله: وَمَنْ عَصانِي: ظاهره بالكُفْر لمعادلة قوله: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي، وإِذا كان ذلك كذلك، فقوله: فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ: معناه: بتوبَتِكَ على الكَفَرَةِ حتى يؤمنوا لا أنَّه أراد أنَّ اللَّه يغفر لكَافِرٍ، وحمله على هذه العبارة ما كَانَ يأخذ نَفْسَهُ به من القَوْلِ الجميلِ، والنّطق الحسن، وجميل الأدب صلّى الله عليه وسلّم، قال قتادة: اسمعوا قول الخليل صلّى الله عليه وسلّم:
واللَّه ما كانُوا طَعَّانين ولا لَعَّانِينِ، وكذلك قول نبيّ الله عيسى عليه السلام:
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٦٠) برقم: (٢٠٨٣٦)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٤١).
385
وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ «١» [المائدة: ١١٨]، وأسند الطبريُّ «٢» عن عبد اللَّهِ بْن عمرو حديثا: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، تلا هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، ثم دعا لأمته فبَشَّرَ فيهم «٣»، وكان إِبراهيمُ التَّيْمِيُّ يقول: مَنْ يأمن على نفْسه بَعْدَ خوف إِبراهيمَ الخليل على نفسه من عبادة الأصنام.
وقوله: ومِنْ ذُرِّيَّتِي: يريد: إِسماعيل عليه السلام، وذلك أَنَّ سارَّة لمَّا غارَتْ بهاجَرَ بَعْدَ أَنْ ولدَتْ إِسماعيل، تشوَّش قلبُ إِبراهيم مِنْهُما، فروي أنَّه رَكِبَ البُرَاقَ هو وهَاجَر، والطفلُ، فجاء في يَوْمٍ واحدٍ من الشامِ إِلى بَطْنِ مَكَّة، فتركَهُما هناك، ورَكِبَ منصرفاً من يومه ذلك، وكان ذلك كلُّه بوحْيٍ من اللَّه تعالى، فلمَّا ولى، دعا بمضمَّن هذه الآية، وأمَّا كيفيَّة بقاء هَاجَرَ، وما صَنَعَتْ، وسائرُ خَبَر إِسماعيل، ففي كتابِ البخاريِّ وغيره، وفي السير، ذُكِرَ ذلك كلُّه مستَوْعَباً.
ت: وفي «صحيح البخاري» من حديثه الطويل في قصَّة إِبراهِيمَ مع هَاجَرَ وولدِهَا، لما حَمَلَهُما إِلى مكَّة، قال: ولَيْسَ/ بمكَّة يَومَئِذٍ أَحَدٌ، وليس فيها ماءٌ، فوضعهما هنالِكَ، ووضَعَ عندهما جراباً فيه تمْر، وسقاءً فيه ماءٌ، ثم قَفَّى إِبراهيم منطلقاً، فتبعْتهُ أمُّ إِسماعيل، فقالَتْ: يا إِبراهيم، أيْنَ تَذْهَبُ، وتَتْرُكُنَا بهذا الوادِي الذي لَيْسَ فيهِ أَنِيسٌ، ولا شَيْء، فقالَتْ له ذلك مِرَاراً، وجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِليها، فقالَتْ لَهُ: آللَّه أمَرَكَ بهذا، قال: نعمْ، قالتْ: إِذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا، ثم رَجَعَتْ، فانطلق إِبراهيمُ حتى إِذا كان عند الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ، استقبل بوجهه الْبَيْتَ، ثم دعا بهؤلاءِ الدعَواتِ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ، فقال: «رَبِّ إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ، حتى بَلَغَ: يَشْكُرُونَ... » الحديثَ بطوله «٤» وفي طريق: «قالت: يا إبراهيم إِلى مَنْ تَتْرُكُنَا، قال: إِلى اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، قَالَتْ:
رَضِيتُ. انتهى. وفي هذا الحديثِ مِنَ الفوائِدِ لأرباب القلوبِ والمتوكِّلين وأهْلِ الثقة باللَّه سُبْحَانه ما يَطُولُ بنا سرْدُهَا، فإِليك استخراجها، ولما انقطعَتْ هاجَرُ وابنها إِلى اللَّه تعالى، آواهما اللَّه، وأنْبَعَ لهما ماءَ زَمْزَمَ المبارَكَ الذي جَعَله غذاءً، قال ابنُ العربي: وقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ»
«٥».
قال ابن العربيِّ: ولقد كُنْتُ مقيماً بمكَّة سنَةَ سَبْعٍ وثمانين وأربعمائة، وكنت أشرب
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٦١) برقم: (٢٠٨٤٠)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٤١)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٦٠)، وعزاه لعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٢) ينظر: «الطبري» (٧/ ٤٦١).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧/ ٤٦١) برقم: (٢٠٨٤١).
(٤) أخرجه البخاري (٦/ ٤٥٦، ٤٥٨) كتاب «أحاديث الأنبياء» باب: يزفون، حديث (٣٣٦٤).
(٥) ينظر: «أحكام القرآن» (٣/ ١١٢٤). [.....]
386
مَاءَ زَمْزَمَ كثيراً، وكلَّما شرِبْتُ، نَوَيْتُ بِهِ العِلْمَ والإِيمانَ، ونَسِيتُ أنْ أشربه للعَمَلِ، ففتح لي في العِلْمِ، ويا لَيْتَنِي شربْتُه لهما معاً حتى يُفْتَحَ لي فيهما، ولم يُقَدَّر، فكان صَغْوِي إِلى العلْمِ أَكْثَرَ منه إِلى العمل، انتهى من «الأحكام».
و «من» في قوله: ومِنْ ذُرِّيَّتِي للتبعيضِ لأن إِسحاق كان بالشَّام، و «الوادِي» :
ما بين الجبَلَيْن، وليس مِنْ شرطه أَنْ يكون فيه ماءٌ، وجَمْعُه الضميرَ في قوله: لِيُقِيمُوا:
يدلُّ على أن اللَّه قد أعلمه أنَّ ذلك الطِّفْلَ سَيُعْقِبُ هناك، ويكونُ له نسلٌ، واللام في لِيُقِيمُوا: لامُ كي هذا هو الظاهر، ويصحُّ أَنْ تكون لام الأمر كأنه رَغِبَ إِلى اللَّه سبحانه أَنْ يوفِّقهم لإِقامة الصلاة، و «الأفئدة» القلوبُ جمْع فؤادٍ، سمِّي بذلك، لاتِّقَادِهِ، مأخوذ من «فَأَد»، ومنه: «المُفْتَأَدُ»، وهو مستوقَدُ النَّار حيث يُشْوَى اللحْمُ.
وقوله: مِنَ النَّاسِ: تبعيضٌ، ومراده المؤمنون، وباقي الآية بيّن.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١)
وقوله: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ: دعاء إِبراهيمُ عليه السلام في أمْر كان مثابراً عليه، متمسكاً به، ومتى دعا الإِنسان في مثْل هذا، فإِنما المَقْصِدُ إِدامةُ ذلك الأمْر، واستمراره، قال السُّهَيْلِيُّ: قوله تعالى: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي بحرف التبعيض، ولذلك أسلم بَعْضُ ذريته دُونَ بعضٍ، انتهى، وفاقاً لما تقدَّم الآن.
وقوله: رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ: اختلف في تأويل ذلكَ، فقالَتْ فرقة: كان ذلك قَبْل يأسه من إِيمان أبيه، وتبيُّنه أنه عدُوٌّ للَّه، فأراد أباه وأُمَّه لأنَّها كانت مؤمنة، وقيل: أراد آدم/ ونوحاً عليهما السلام، وقرأ الزُّهْرِيُّ «١» وغيره: «وَلِوَلَدَيَّ» على أنه دعاءٌ لإِسماعيل وإِسحاق، وأنكرها عاصِمٌ الجَحْدَرِيُّ، وقال: «إِن في مُصْحَفِ أَبيِّ بنِ كَعْبٍ وَلأَبَوَيَّ» «٢».
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٢ الى ٤٤]
وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤)
(١) وقرأ بها الحسين بن علي، وإبراهيم النخعي، وأبو جعفر محمد بن علي.
ينظر: «المحتسب» (١/ ٣٦٥)، و «الكشاف» (٢/ ٥٦٢)، وفيه الحسن بن علي بدلا من الحسين، وينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤٣)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤٢٣)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٧٦).
(٢) ينظر: «مختصر الشواذ» ص: (٧٣)، و «الكشاف» (٢/ ٥٦٢)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤٣)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤٢٣)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٧٦).
387
وقوله عز وجل: وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ...
الآية: هذه الآية بجملتها فيها وعيدٌ للظالمين، وتسليةٌ للمظلومين، والخطابُ بقوله:
تَحْسَبَنَّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وتَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ، معناه: تُحِدُّ النظرَ، لفرط الفَزَعِ ولفرط ذلك يشخص المحتضر، و «المُهْطِع» المسرع في مَشْيه قاله ابنُ جُبَيْر وغيره «١»، وذلك بِذِلَّة واستكانة، كإِسراع الأسير ونحوه، وهذا أرجحُ الأقوال، وقال ابن عباس وغيره: الإِهطاع شدَّة النظر من غير أنْ يَطْرِفَ «٢»، وقال ابنُ زَيْدٍ: «المُهْطِع» : الذي لا يرفع رأسَهُ «٣»، قال أبو عُبَيْدة: قد يكون: الإِهْطَاعُ للوجْهَيْنِ جميعاً: الإِسراع، وإِدَامَةُ النَّظَر «٤»، و «المُقْنِعُ» : هو الذي يَرْفَعُ رأْسَه قدُماً بوَجْهِهِ نحو الشيْءِ، ومِنْ ذلك قولُ الشاعر: [الوافر]
يُبَاكِرْنَ الْعِضَاهَ بِمُقْنَعَاتٍ نَوَاجِذُهُنَّ كَالْحَدَإِ الوَقِيعِ «٥»
يصفُ الإِبلَ عند رعْيها أَعاليَ الشَّجَر، وقال الحسن في تفسير هذه الآية: وجوهُ الناسِ يوم القيامَةِ إِلى السماء لا يَنْظُرُ أَحدٌ إِلى أحد «٦»، وذكر المبرِّد فيما حَكَى عنه مكِّيٌّ:
أن الإِقناع يوجَدُ في كلامِ العَرب بمعنَى: خَفْضِ الرأسِ من الذِّلَّة.
قال ع «٧» : والأول أشهر.
وقوله سبحانه: لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ أي: لا يَطْرِفُونَ من الحَذَرِ والجزعِ وشدَّة الحال.
وقوله: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ: تشبيه محضٌ، وَجِهَةُ التشبيه يحتملُ أنْ تكون في فراغِ الأَفئدة من الخَيْرِ والرَّجاء والطمعِ في الرحمة، فهي متخرِّقة مُشَبِهَةٌ الهواءَ في تَفرُّغه من الأشياء،
(١) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٤).
(٢) أخرجه الطبري (٧/ ٤٦٨) برقم: (٢٠٨٧١)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٤)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٦٣)، وعزاه لابن جرير، وابن أبي حاتم.
(٣) أخرجه الطبري (٧/ ٤٦٩) برقم: (٢٠٨٧٩)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٤).
(٤) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٤).
(٥) البيت للشماخ ينظر: «ديوانه» ص: (٢٢٠)، و «اللسان» [قنع]، و «المخصص» (١/ ١٤٦)، و «التاج» حدأ، نجذ، قنع. والحدأة: بفتح الحاء: الفأس لها رأسان، و «مجاز القرآن» (١/ ٣٤٣)، والطبري (١٣/ ١٤٢).
(٦) ذكره البغوي (٣/ ٣٩)، وابن عطية (٣/ ٣٤٤).
(٧) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤٤).
388
وانخراقه، ويحتمل أنْ تكون في اضطراب أفئدتهم وجيشانها في صُدُورهم، وأنها تذهب وتجيءُ وتبلُغُ علَى ما رُوِيَ حناجرهم، فهي في ذلك كالهَوَاءِ الذي هو أبداً في اضطراب.
وقوله سبحانه: وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ: المراد باليَوْمِ: يومُ القيامةِ، ونصبُهُ على أنه مفعولٌ ب «أَنْذِر»، ولا يجوزُ أن يكون ظرفاً، لأن القيامة ليْسَتْ بموطنِ إِنذار، قال الشيخُ العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة: يجبُ التصْدِيقُ بكُلِّ ما أخبر اللَّه ورسُولُهُ به، ولا يتعرَّض إِلى الكيفيَّة في كلِّ ما جاء من أمْرِ الساعة وأَحْوَالِ يومِ القيامةِ، فإِنه أمْرٌ لا تسعه العُقُولُ، وطَلَبُ الكيفيَّة فيه ضعْفٌ في الإِيمانِ، وإِنما يجبُ الجَزْم بالتصديقِ بجميعِ مَا أخبر اللَّه بهِ، انتهى.
قال الغَزَّالِيُّ: فَأَعلمُ العلماءِ وأعْرَفُ الحكماءِ ينكشفُ له عَقِيبَ المَوْت مِنَ العجائبِ والآياتِ ما لَمْ يَخْطُرْ قَطُّ بباله، ولا اختلج به ضميره، فلو لم يكُنْ للعاقلَ هَمٌّ ولا غَمٌّ، إِلا التفكُّر في خَطَر تلك الأحوال، وما الذي ينكشفُ عَنْه الغِطَاء من شقاوةٍ لازمةٍ، أو سعادة دائمةٍ/ لكان ذلك كافياً في استغراق جميع العُمُر، والعَجَبُ من غَفْلتنا، وهذه العظائِمُ بَيْنَ أيدينا. انتهى من «الإِحياء».
وقوله: أَوَلَمْ تَكُونُوا... الآية: معناه: يقال لهم، وقوله: مَا لَكُمْ مِنْ زَوالٍ: هو المُقْسَمُ عليه، وهذه الآية ناظرةٌ إِلى ما حَكَى اللَّه سبحانه عنهم في قوله:
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ [النحل: ٣٨].
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧)
وقوله سبحانه: وَسَكَنْتُمْ... الآية: المعنَى: بقول اللَّه عزَّ وجلَّ: وسكَنْتُم أيها المُعْرِضُون عَنْ آيات اللَّه مِنْ جميعِ العالمِ في مَسَاكِن الذين ظَلَمُوا أنفسهم بالكُفْر من الأمم السَّالفة، فنزلَتْ بهم المثلات، فكان حَقُّكُم الاعتبار والاتعاظ. وقوله: وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ: أي: جزاء مكرهم، وقرأ السبعة سوى الكسائي «١» :«وإن كان مكرهم لتزول»
(١) ومعنى قراءة الكسائي حينئذ: وقد كان مكرهم يبلغ في المكيدة إلى إزالة الجبال، غير أن الله ناصر دينه، ومزيل مكر الكفار وماحقه، وحجته قراءة علي وابن مسعود: «وإن كاد مكرهم لتزول»، بالدال، واللام في قراءة الجمهور لام الجحود، والمعنى: ما كان مكرهم ليزول به أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمر دين الإسلام.
وحجتهم ما روي عن الحسن: «كان مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال».
ينظر: «السبعة» (٣٦٣)، و «الحجة» (٥/ ٣١)، و «معاني القراءات» (٢/ ٦٥)، و «إعراب القراءات» (١/
- بكسر اللام من «لِتَزُولَ» وفتح الأخيرة- وهذا على أن تكون «إِنْ» نافيةً بمعنى «مَا»، ومعنى الآية تحقيرُ مَكْرِهم، وأنه مَا كَانَ لِتَزُولَ منه الشرائعُ والنبوَّاتُ وإِقدارُ اللَّه بها التي هي كالْجِبَالِ في ثبوتها وقوَّتها، هذا تأويلُ الحَسَن وجماعة المفسِّرين «١» وتحتملُ عندي هذه القراءةُ أنْ تكونَ بمعنى تَعْظِيمِ مَكْرهم، أي: وإِن كان شديداً، وقرأ الكسائيّ: «وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لَتَزُولُ مِنْهُ الجِبَالُ» - بفتح اللام الأولَى من لَتَزُولُ، وضمِّ الأخيرة-، وهي قراءة ابن عبَّاس «٢» وغيره، ومعنى الآية: تعظيمُ مكرِهِمْ وشدَّتُه، أي: أنه مما يشقى به، ويزيلُ الجبالَ عن مستقرَّاتها، لقوَّته، ولكنَّ اللَّه تعالى أبطله ونَصَرَ أولياءه، وهذا أشَدُّ في العبرة، وقرأ علي وابن مسعود وعمر بن الخطاب وأبيٌّ: «وإِنْ كَادَ مَكْرُهُمْ»، وذكر أبو حاتم أنَّ في قراءة أبيٍّ: «وَلَوْلاَ كَلِمَةُ اللَّهِ لَزَالَ مِنْ مَكْرِهِمُ الجِبَالُ».
وقوله سبحان: فَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ... الآية: تثبيت للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم ولغيره من أمَّته، ولم يكُنِ النبيُّ عليه السلام ممَّن يَحْسَبَنَّ مثْلَ هذا، ولكنْ خَرجَتِ العبارةُ هكذا، والمراد بما فيها من الزجْرِ غَيْرُهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ: لا يمتنعُ منْه شيء، ذُو انتِقامٍ: من الكفرة.
[سورة إبراهيم (١٤) : الآيات ٤٨ الى ٥٢]
يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢)
وقوله سبحانه: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ... ، الآية: يَوْمَ ظِرفٌ للانتقامِ المذْكُورِ قبله، وروي في تَبْدِيلِ الأرض أَخْبَارٌ منها في الصَّحِيحِ: «يُبَدِّلُ اللَّهُ هَذِهِ الأَرْضَ بأَرْضٍ عَفْرَاءَ بَيْضَاءَ كَأَنَّهَا قرصة نَقي»، وفي الصحيح: «إِنَّ اللَّهَ يُبَدِّلُهَا خُبْزَةً يأكل المؤمن منها من
٣٣٦)، و «شرح الطيبة» (٤/ ٤٠٢)، و «العنوان» (١١٥)، و «حجة القراءات» (٣٧٩)، و «شرح شعلة» (٤٥٢)، و «النشر» (٢/ ٣٠٠)، و «الشواذ» (٦٩)، و «إتحاف» (٢/ ١٧١).
(١) أخرجه الطبري (٧/ ٤٧٧) برقم: (٢٠٩٣٧)، وذكره البغوي (٣/ ٤٠)، وابن عطية (٣/ ٣٤٦)، وابن كثير في «تفسيره» (٢/ ٥٤٢)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٦٥)، وعزاه لابن جرير.
(٢) نعم، قرأها هكذا ابن عباس، وابن مسعود، وعلي، وعمر، وأبيّ، وأبو إسحاق السبيعي، ولكن بإبدال «كاد» مكان «كان».
ينظر: «الشواذ» ص: (٧٤)، و «المحتسب» (١/ ٣٦٥)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤٦)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤٢٦)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٨٠).
390
تَحْتِ قَدَمَيْهِ» «١» وروي أنها تبدَّلُ أَرضاً من فِضَّةٍ، وروي أنها أرض كالفضَّة مِنْ بياضها، وروي أنها تبدَّل من نارٍ.
قال ع «٢» : وسمعتُ من أبي رحمه اللَّه أنه روي أنَّ التبديل يَقَعُ في الأرضِ، ولكنْ يبدَّل لكلِّ فريقٍ بما يقتضيه حالُهُ، فالمُؤْمِنُ يكُونُ على خُبْزٍ يأكُلُ منه بحَسَبِ حاجته إِليه، وفريقٌ يكونُ على فضَّة، إِن صحَّ السند بها، وفريقُ الكَفَرَةِ يَكُونُونَ على نارٍ، ونحو هذا ممَّا كله واقِعٌ تحْتَ قدرةِ اللَّهِ عَزَّ وجلَّ، وأكثر المفسِّرين على أنَّ التبديلَ يكونُ بأرضٍ بَيْضَاءَ عَفْرَاءَ لَمْ يُعْصَ اللَّهُ فيها، ولا سُفِكَ فِيهَا دَمٌ، وَلَيْسَ فِيهَا معلم لأحد، وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «المؤمنون وقْتَ التبديل في ظلِّ العرش»، وروي عنه أنه قال: «النَّاسُ وقْتَ التبديل/ على الصِّراط»، ورُوِيَ أنه قال: الناسُ حينئذٍ أضْيَافُ اللَّهِ، فلا يُعْجِزُهُم ما لَدَيْهِ» «٣» وفي «صحيح مسلم» من حديث ثَوْبَان في سؤال الحَبْرِ، وقوله: يا مُحَمَّدُ، أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسموات؟ فقال صلّى الله عليه وسلّم: «هُمْ فِي الظُلْمَةِ دُونَ الجسر» «٤» الحديثَ بطوله، وخرَّجه مسلمٌ وابنُ مَاجَه جميعاً، قالا: حدَّثنا أبو بكر بن أبي شَيْبَةَ، ثم أسنَدَا عن عائشة، قالت: «سئل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ فَأَيْنَ يَكُونُ النَّاسِ؟ قَالَ: عَلَى الصِّرَاطِ» «٥»، وخرَّجه الترمذيُّ من حديث عائشة، قالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ
(١) أخرجه البخاري (١١/ ٣٧٩) كتاب «الرقاق» باب: يقبض الله الأرض يوم القيامة، حديث (٦٥١٩) من حديث أبي سعيد الخدري. [.....]
(٢) ينظر: «المحرر» (٣/ ٣٤٧).
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٧/ ٤٨٣) برقم: (٢٠٩٧٦)، عن أبي أيوب الأنصاري به، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٦٩)، وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم، وأبي نعيم في «الدلائل».
(٤) أخرجه مسلم (٢/ ٢٣٠- ٢٣١- نووي)، كتاب «الحيض» باب: بيان صفة مني الرجل والمرأة، حديث (٣٤/ ٣١٥)، والبيهقي (١/ ١٦٩) من حديث ثوبان به.
(٥) أخرجه مسلم (٤/ ٢١٥٠) كتاب «صفات المنافقين» باب: في البعث والنشور، حديث (٢٩/ ٢٧٩)، والترمذي (٥/ ٢٩٦) كتاب «التفسير» باب: ومن سورة إبراهيم، حديث (٣١٢١)، وابن ماجه (٢/ ١٤٣٠) كتاب «الزهد» باب: ذكر البعث، حديث (٤٢٧٩)، وأحمد (٦/ ٣٥، ٢١٨)، والدارمي (٢/ ٣٢٨)، وابن حبان (٣٣١)، والحاكم (٢/ ٣٥٢) من حديث عائشة به، وقال الحاكم: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قلت: وقد وهما في ذلك فقد أخرجه مسلم.
وقال الترمذي: حديث حسن صحيح، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٦٧)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه.
391
مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: ٦٧]، فَأَيْنَ يَكُونُ المُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: «عَلَى الصِّرَاطِ يَا عَائِشَةُ» «١»، قال أبو عيسَى: هذا حديثٌ حسن صحيح. انتهى من «التذكرة» «٢».
وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ: أي الكفّار، ومُقَرَّنِينَ: أي: مربوطين في قَرْنٍ، وهو الحَبْلُ الذي تشدّ به رؤوس الإبل والبقر، والْأَصْفادِ: هي الأغلال، واحِدُها صَفَد، والسَّرابيل:
القُمُصُ، وال قَطِرانٍ: هو الذي تهنأ به الإِبل، وللنار فيه اشتعال شديدٌ، فلذلك جعل اللَّهُ قُمُصَ أهْلِ النارِ منه، وقرأ عمر بن الخطاب وعليٌّ وأبو هريرة وابنُ عبَّاس وغيرهم «٣» :
«مِنْ قِطْرٍ آنٍ»، والقِطْر: القَصْدِير، وقيل: النُّحَاس، وروي عن عمر أنَّه قال: ليس بالقَطِرَانِ، ولكنَّه النُّحَاس يسر بلونه «٤»، و «آن» : صفة، وهو الذائبُ الحارُّ الذي تناهَى حَرُّه قال الحَسَن: قد سُعِّرَتْ عليه جهنَّم منْذُ خُلِقَتْ، فتناهَى حَرُّه «٥».
وقوله سبحانه: لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ... الآية: جاء من لفظة الكَسْب بما يعم المُسِيءَ والمُحْسِنَ لينبِّه على أنَّ المحسن أيضاً يجازَى بإِحسانه خيراً.
وقوله سبحانه: هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ... الآية: إِشارةٌ إِلى القرآن والوعيدِ الذي تضمنَّه، والمعنى: هذا بلاغٌ للناس، وهو لينذروا به وليذَّكَّر أولو الألباب، وصلَّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
(١) انظر الحديث السابق.
(٢) ينظر: «التذكرة» (١/ ٢٦٣).
(٣) وقرأ بها عكرمة، وعلقمة، وسعيد بن جبير، وابن سيرين، والحسن، وسنان بن سلمة بن المحبّق، وعمرو بن عبيد، والكلبي، وأبو صالح، وعيسى بن عمر الهمداني، وقتادة، والربيع بن أنس، وعمرو بن فائد.
ينظر: «الشواذ» ص: (٧٤)، و «المحتسب» (١/ ٣٦٦)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ٣٤٨)، و «البحر المحيط» (٥/ ٤٢٨)، و «الدر المصون» (٤/ ٢٨٣).
(٤) ذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٨)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٤/ ١٧٠)، وعزاه لابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٥) أخرجه الطبري (٧/ ٤٨٦) برقم: (٢٠٩٩٣)، وذكره ابن عطية (٣/ ٣٤٨).
392
Icon