تفسير سورة يس

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة يس من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة يس
في السورة توكيد لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم وصدقها وتنويه بالقرآن. وتقريع للكفار وتنديد بعقائدهم وشدّة غفلتهم وعنادهم. وفيها قصة من القصص المسيحية كما فيها تنويه بنعم الله وبعض مشاهد الكون، وإنذار وتبشير بيوم القيامة وبعض مشاهده ومصائر المؤمنين والكافرين فيه.
وفصول السورة منسجمة ومترابطة تسوغ القول : إنها نزلت جملة واحدة أو متلاحقة، وقد روي أن الآية [ ٤٥ ] مدنية وانسجامها في سياقها يحمل على التوقف في الرواية.
ولقد روى الترمذي والبيهقي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أنّ لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات " ١. وروى الإمام أحمد عن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قلب القرآن يس، لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلاّ غفر الله له، اقرؤوها على موتاكم " ٢. وروى الإمام مالك والبيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من قرأ يس في ليلة ابتغاء وجه الله غفر له " ٣. حيث ينطوي في الأحاديث تنويه نبوي بهذه السورة لعلّ من حكمته ما فيها من مواعظ وأمثال.
وفي الأحاديث دلالة على أن السور القرآنية كانت مرتّبة معروفة بأسمائها المتواترة تواترا لا ينقطع في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
١ التاج ج ٤ ص ١٨..
٢ المصدر نفسه..
٣ المصدر نفسه..

﴿ يس ١ والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( ١ ) ٢ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٣ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ٦ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ( ٢ ) ٨ وجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ( ٣ ) فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ٩ وسَواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ( ٤ ) وخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( ٥ ) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ ( ٦ ) وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( ٧ ) ١٢ ﴾ [ ١ ـ ١٢ ].
تعددت الأقوال المروية عن التابعين في تأويل معنى ﴿ يس ١ ﴾١ فقيل : إنها اسم من أسماء الله أو اسم من أسماء القرآن أو اسم من أسماء النبي. وقيل : إنها من اللغة الحبشية بمعنى يا إنسان أو إنها كذلك في لهجة طي. وإنها في أصلها انيسين ثم صارت ياسين. وقيل : إنها من نوع الحروف المنفردة التي جاءت في مطالع السور العديدة الأخرى. وهذا ما نرجحه بدليل أنه أعقب الحرفين قسم بالقرآن. وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم السور بدأت بالحروف المنفردة. وتكون والحالة هذه مثلها للتنبيه والاسترعاء. والله أعلم.
أما الآيات فقد احتوت :
١ ـ توكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق رسالته وصحة نسبة التنزيل القرآني إلى الله وقوة إحكامه، وكونه على الطريق القويم لينذر قوما غافلين لم ينذر آباؤهم.
٢ ـ وحملة شديدة على معظم القوم الذين لم ينتفعوا بالإنذار ووقفوا من الدعوة موقف الجحود والعناد حتى كأنما ضرب عليهم سدّ حجب عنهم رؤية الحق. وكأنما قيّدت رؤوسهم بالأغلال فعجزوا عن تحريكها يمنة أو يسرة لاستبانة طريق الهدى.
٣ ـ وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو إنما أرسل لينذر الناس وينتفع بإنذاره الذين حسنت نياتهم وصدقت رغباتهم في الحق، واستشعروا بخوف ربهم فآمنوا به واتبعوا قرآنه ورسوله فاستحقوا مغفرته وأجره الكريم.
٤ ـ وتقريرا ربانيا بأن الله سوف يحيي الناس بعد موتهم وأنه يسجل عليهم جميع ما فعلوه في حياتهم وخلفوه من تبعات بعد موتهم تسجيلا دقيقا وواضحا.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري : أن الآية الأخيرة نزلت في بني سلمة من الأنصار الذين كانت محلتهم بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا الانتقال إلى قرية فنزلت لتبشرهم وتطمئنهم بأن خطاهم تحسب لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :" إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا " ٢ حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.
وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يُغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.
وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.
تعليق على آيات
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... ﴾ الخ
والآيات [ ٧ ـ ٩ ] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [ ١٠ ] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمان وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في إتباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم و﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في الآية [ ٢٦ ] من سورة البقرة و﴿ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ﴾ في الآية [ ١٥٥ ] من سورة النساء و﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ في الآية [ ٣٥ ] من سورة غافر. وهذا التأويل هو الأكثر انسجاما مع حكمة الله تعالى في إرسال الرسل ودعوة الناس وإنذارهم وتبشيرهم وبيان طرق الهدى والضلال لهم وتعيين مصائرهم الأخروية وفق سلوكهم. وهو الأكثر اتساقا مع الحملة الشديدة التي احتوتها الآيات على الكفار والمناوئين على ما شرحناه في مناسبات سابقة. وهذا التأويل المستلهم من العبارة القرآنية وسياقها وروحها هنا وفي المواضع المماثلة يجعل التشاد الكلامي بين أصحاب المذاهب الكلامية الجبريين والقدريين حول هذه العبارة وأمثالها ويجعل الاتكاء عليها بسبيل تأييد مذهب على مذهب في غير محله كما هو المتبادر.
وإلى هذا، فإنه يتبادر لنا أن أسلوب الآيات قد جاء أيضا بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها وحسب وليس على سبيل تأييد عدم إيمانهم سواء أنذروا أم لم ينذروا بدليل يقيني هو أن كثيرا منهم قد آمنوا فيما بعد وحسن إيمانهم ونالوا رضاء الله على ما نبهنا عليه في التعليق الذي كتبناه على موضوع التوبة في سورة البروج والتعليق الذي كتبناه على الآية [ ١٠١ ] من سورة الأعراف المشابهة للآيات التي نحن في صددها.
وفي الآية [ ٦ ] إشارة صريحة إلى مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإنذار كما فيها تعليل لموقفهم وغفلتهم. وهذا مما يوثق التأويل، كما أن الآية [ ١٢ ] التي تنسب الأعمال إلى أصحابها وتنذر بإحصاء الله لها لمحاسبتهم عليها من الدلائل القريبة الموثقة.
ولقد قلنا : إن المتبادر أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه وخمّنّا أن ذلك قد كان لحادث آلم نفسه وأثارها. فالآيات قد وردت بهذا الأسلوب لتكون أبلغ في التطمين والتثبيت. وفي توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي قبلها وما فيها من عطف وتأييد وثناء وما في الآية التي بعدها من إيعاز له بأنه إنما ينذر ذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء ـ قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ يس ١ والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( ١ ) ٢ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٣ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ٦ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ( ٢ ) ٨ وجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ( ٣ ) فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ٩ وسَواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ( ٤ ) وخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( ٥ ) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ ( ٦ ) وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( ٧ ) ١٢ ﴾ [ ١ ـ ١٢ ].
تعددت الأقوال المروية عن التابعين في تأويل معنى ﴿ يس ١ ﴾١ فقيل : إنها اسم من أسماء الله أو اسم من أسماء القرآن أو اسم من أسماء النبي. وقيل : إنها من اللغة الحبشية بمعنى يا إنسان أو إنها كذلك في لهجة طي. وإنها في أصلها انيسين ثم صارت ياسين. وقيل : إنها من نوع الحروف المنفردة التي جاءت في مطالع السور العديدة الأخرى. وهذا ما نرجحه بدليل أنه أعقب الحرفين قسم بالقرآن. وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم السور بدأت بالحروف المنفردة. وتكون والحالة هذه مثلها للتنبيه والاسترعاء. والله أعلم.

أما الآيات فقد احتوت :

١ ـ توكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق رسالته وصحة نسبة التنزيل القرآني إلى الله وقوة إحكامه، وكونه على الطريق القويم لينذر قوما غافلين لم ينذر آباؤهم.
٢ ـ وحملة شديدة على معظم القوم الذين لم ينتفعوا بالإنذار ووقفوا من الدعوة موقف الجحود والعناد حتى كأنما ضرب عليهم سدّ حجب عنهم رؤية الحق. وكأنما قيّدت رؤوسهم بالأغلال فعجزوا عن تحريكها يمنة أو يسرة لاستبانة طريق الهدى.
٣ ـ وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو إنما أرسل لينذر الناس وينتفع بإنذاره الذين حسنت نياتهم وصدقت رغباتهم في الحق، واستشعروا بخوف ربهم فآمنوا به واتبعوا قرآنه ورسوله فاستحقوا مغفرته وأجره الكريم.
٤ ـ وتقريرا ربانيا بأن الله سوف يحيي الناس بعد موتهم وأنه يسجل عليهم جميع ما فعلوه في حياتهم وخلفوه من تبعات بعد موتهم تسجيلا دقيقا وواضحا.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري : أن الآية الأخيرة نزلت في بني سلمة من الأنصار الذين كانت محلتهم بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا الانتقال إلى قرية فنزلت لتبشرهم وتطمئنهم بأن خطاهم تحسب لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :" إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا " ٢ حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.
وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يُغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.
وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.
تعليق على آيات
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... ﴾ الخ
والآيات [ ٧ ـ ٩ ] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [ ١٠ ] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمان وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في إتباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم و﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في الآية [ ٢٦ ] من سورة البقرة و﴿ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ﴾ في الآية [ ١٥٥ ] من سورة النساء و﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ في الآية [ ٣٥ ] من سورة غافر. وهذا التأويل هو الأكثر انسجاما مع حكمة الله تعالى في إرسال الرسل ودعوة الناس وإنذارهم وتبشيرهم وبيان طرق الهدى والضلال لهم وتعيين مصائرهم الأخروية وفق سلوكهم. وهو الأكثر اتساقا مع الحملة الشديدة التي احتوتها الآيات على الكفار والمناوئين على ما شرحناه في مناسبات سابقة. وهذا التأويل المستلهم من العبارة القرآنية وسياقها وروحها هنا وفي المواضع المماثلة يجعل التشاد الكلامي بين أصحاب المذاهب الكلامية الجبريين والقدريين حول هذه العبارة وأمثالها ويجعل الاتكاء عليها بسبيل تأييد مذهب على مذهب في غير محله كما هو المتبادر.
وإلى هذا، فإنه يتبادر لنا أن أسلوب الآيات قد جاء أيضا بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها وحسب وليس على سبيل تأييد عدم إيمانهم سواء أنذروا أم لم ينذروا بدليل يقيني هو أن كثيرا منهم قد آمنوا فيما بعد وحسن إيمانهم ونالوا رضاء الله على ما نبهنا عليه في التعليق الذي كتبناه على موضوع التوبة في سورة البروج والتعليق الذي كتبناه على الآية [ ١٠١ ] من سورة الأعراف المشابهة للآيات التي نحن في صددها.
وفي الآية [ ٦ ] إشارة صريحة إلى مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإنذار كما فيها تعليل لموقفهم وغفلتهم. وهذا مما يوثق التأويل، كما أن الآية [ ١٢ ] التي تنسب الأعمال إلى أصحابها وتنذر بإحصاء الله لها لمحاسبتهم عليها من الدلائل القريبة الموثقة.
ولقد قلنا : إن المتبادر أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه وخمّنّا أن ذلك قد كان لحادث آلم نفسه وأثارها. فالآيات قد وردت بهذا الأسلوب لتكون أبلغ في التطمين والتثبيت. وفي توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي قبلها وما فيها من عطف وتأييد وثناء وما في الآية التي بعدها من إيعاز له بأنه إنما ينذر ذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء ـ قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.


الحكيم : المحكم الذي لا يأتيه باطل، أو الذي ليس فيه باطل.
مقمحون : من الإقماح، وهو : رفع الرأس. ومعنى الآية التي جاءت فيها : أنهم رافعو رؤوسهم لا يستطيعون تحريك أعناقهم من الأغلال التي فيها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ يس ١ والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( ١ ) ٢ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٣ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ٦ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ( ٢ ) ٨ وجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ( ٣ ) فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ٩ وسَواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ( ٤ ) وخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( ٥ ) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ ( ٦ ) وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( ٧ ) ١٢ ﴾ [ ١ ـ ١٢ ].
تعددت الأقوال المروية عن التابعين في تأويل معنى ﴿ يس ١ ﴾١ فقيل : إنها اسم من أسماء الله أو اسم من أسماء القرآن أو اسم من أسماء النبي. وقيل : إنها من اللغة الحبشية بمعنى يا إنسان أو إنها كذلك في لهجة طي. وإنها في أصلها انيسين ثم صارت ياسين. وقيل : إنها من نوع الحروف المنفردة التي جاءت في مطالع السور العديدة الأخرى. وهذا ما نرجحه بدليل أنه أعقب الحرفين قسم بالقرآن. وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم السور بدأت بالحروف المنفردة. وتكون والحالة هذه مثلها للتنبيه والاسترعاء. والله أعلم.

أما الآيات فقد احتوت :

١ ـ توكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق رسالته وصحة نسبة التنزيل القرآني إلى الله وقوة إحكامه، وكونه على الطريق القويم لينذر قوما غافلين لم ينذر آباؤهم.
٢ ـ وحملة شديدة على معظم القوم الذين لم ينتفعوا بالإنذار ووقفوا من الدعوة موقف الجحود والعناد حتى كأنما ضرب عليهم سدّ حجب عنهم رؤية الحق. وكأنما قيّدت رؤوسهم بالأغلال فعجزوا عن تحريكها يمنة أو يسرة لاستبانة طريق الهدى.
٣ ـ وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو إنما أرسل لينذر الناس وينتفع بإنذاره الذين حسنت نياتهم وصدقت رغباتهم في الحق، واستشعروا بخوف ربهم فآمنوا به واتبعوا قرآنه ورسوله فاستحقوا مغفرته وأجره الكريم.
٤ ـ وتقريرا ربانيا بأن الله سوف يحيي الناس بعد موتهم وأنه يسجل عليهم جميع ما فعلوه في حياتهم وخلفوه من تبعات بعد موتهم تسجيلا دقيقا وواضحا.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري : أن الآية الأخيرة نزلت في بني سلمة من الأنصار الذين كانت محلتهم بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا الانتقال إلى قرية فنزلت لتبشرهم وتطمئنهم بأن خطاهم تحسب لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :" إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا " ٢ حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.
وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يُغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.
وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.
تعليق على آيات
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... ﴾ الخ
والآيات [ ٧ ـ ٩ ] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [ ١٠ ] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمان وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في إتباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم و﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في الآية [ ٢٦ ] من سورة البقرة و﴿ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ﴾ في الآية [ ١٥٥ ] من سورة النساء و﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ في الآية [ ٣٥ ] من سورة غافر. وهذا التأويل هو الأكثر انسجاما مع حكمة الله تعالى في إرسال الرسل ودعوة الناس وإنذارهم وتبشيرهم وبيان طرق الهدى والضلال لهم وتعيين مصائرهم الأخروية وفق سلوكهم. وهو الأكثر اتساقا مع الحملة الشديدة التي احتوتها الآيات على الكفار والمناوئين على ما شرحناه في مناسبات سابقة. وهذا التأويل المستلهم من العبارة القرآنية وسياقها وروحها هنا وفي المواضع المماثلة يجعل التشاد الكلامي بين أصحاب المذاهب الكلامية الجبريين والقدريين حول هذه العبارة وأمثالها ويجعل الاتكاء عليها بسبيل تأييد مذهب على مذهب في غير محله كما هو المتبادر.
وإلى هذا، فإنه يتبادر لنا أن أسلوب الآيات قد جاء أيضا بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها وحسب وليس على سبيل تأييد عدم إيمانهم سواء أنذروا أم لم ينذروا بدليل يقيني هو أن كثيرا منهم قد آمنوا فيما بعد وحسن إيمانهم ونالوا رضاء الله على ما نبهنا عليه في التعليق الذي كتبناه على موضوع التوبة في سورة البروج والتعليق الذي كتبناه على الآية [ ١٠١ ] من سورة الأعراف المشابهة للآيات التي نحن في صددها.
وفي الآية [ ٦ ] إشارة صريحة إلى مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإنذار كما فيها تعليل لموقفهم وغفلتهم. وهذا مما يوثق التأويل، كما أن الآية [ ١٢ ] التي تنسب الأعمال إلى أصحابها وتنذر بإحصاء الله لها لمحاسبتهم عليها من الدلائل القريبة الموثقة.
ولقد قلنا : إن المتبادر أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه وخمّنّا أن ذلك قد كان لحادث آلم نفسه وأثارها. فالآيات قد وردت بهذا الأسلوب لتكون أبلغ في التطمين والتثبيت. وفي توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي قبلها وما فيها من عطف وتأييد وثناء وما في الآية التي بعدها من إيعاز له بأنه إنما ينذر ذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء ـ قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.

أغشيناهم : حجبنا عنهم أو غطينا على أبصارهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ يس ١ والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( ١ ) ٢ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٣ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ٦ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ( ٢ ) ٨ وجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ( ٣ ) فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ٩ وسَواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ( ٤ ) وخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( ٥ ) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ ( ٦ ) وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( ٧ ) ١٢ ﴾ [ ١ ـ ١٢ ].
تعددت الأقوال المروية عن التابعين في تأويل معنى ﴿ يس ١ ﴾١ فقيل : إنها اسم من أسماء الله أو اسم من أسماء القرآن أو اسم من أسماء النبي. وقيل : إنها من اللغة الحبشية بمعنى يا إنسان أو إنها كذلك في لهجة طي. وإنها في أصلها انيسين ثم صارت ياسين. وقيل : إنها من نوع الحروف المنفردة التي جاءت في مطالع السور العديدة الأخرى. وهذا ما نرجحه بدليل أنه أعقب الحرفين قسم بالقرآن. وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم السور بدأت بالحروف المنفردة. وتكون والحالة هذه مثلها للتنبيه والاسترعاء. والله أعلم.

أما الآيات فقد احتوت :

١ ـ توكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق رسالته وصحة نسبة التنزيل القرآني إلى الله وقوة إحكامه، وكونه على الطريق القويم لينذر قوما غافلين لم ينذر آباؤهم.
٢ ـ وحملة شديدة على معظم القوم الذين لم ينتفعوا بالإنذار ووقفوا من الدعوة موقف الجحود والعناد حتى كأنما ضرب عليهم سدّ حجب عنهم رؤية الحق. وكأنما قيّدت رؤوسهم بالأغلال فعجزوا عن تحريكها يمنة أو يسرة لاستبانة طريق الهدى.
٣ ـ وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو إنما أرسل لينذر الناس وينتفع بإنذاره الذين حسنت نياتهم وصدقت رغباتهم في الحق، واستشعروا بخوف ربهم فآمنوا به واتبعوا قرآنه ورسوله فاستحقوا مغفرته وأجره الكريم.
٤ ـ وتقريرا ربانيا بأن الله سوف يحيي الناس بعد موتهم وأنه يسجل عليهم جميع ما فعلوه في حياتهم وخلفوه من تبعات بعد موتهم تسجيلا دقيقا وواضحا.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري : أن الآية الأخيرة نزلت في بني سلمة من الأنصار الذين كانت محلتهم بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا الانتقال إلى قرية فنزلت لتبشرهم وتطمئنهم بأن خطاهم تحسب لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :" إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا " ٢ حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.
وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يُغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.
وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.
تعليق على آيات
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... ﴾ الخ
والآيات [ ٧ ـ ٩ ] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [ ١٠ ] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمان وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في إتباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم و﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في الآية [ ٢٦ ] من سورة البقرة و﴿ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ﴾ في الآية [ ١٥٥ ] من سورة النساء و﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ في الآية [ ٣٥ ] من سورة غافر. وهذا التأويل هو الأكثر انسجاما مع حكمة الله تعالى في إرسال الرسل ودعوة الناس وإنذارهم وتبشيرهم وبيان طرق الهدى والضلال لهم وتعيين مصائرهم الأخروية وفق سلوكهم. وهو الأكثر اتساقا مع الحملة الشديدة التي احتوتها الآيات على الكفار والمناوئين على ما شرحناه في مناسبات سابقة. وهذا التأويل المستلهم من العبارة القرآنية وسياقها وروحها هنا وفي المواضع المماثلة يجعل التشاد الكلامي بين أصحاب المذاهب الكلامية الجبريين والقدريين حول هذه العبارة وأمثالها ويجعل الاتكاء عليها بسبيل تأييد مذهب على مذهب في غير محله كما هو المتبادر.
وإلى هذا، فإنه يتبادر لنا أن أسلوب الآيات قد جاء أيضا بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها وحسب وليس على سبيل تأييد عدم إيمانهم سواء أنذروا أم لم ينذروا بدليل يقيني هو أن كثيرا منهم قد آمنوا فيما بعد وحسن إيمانهم ونالوا رضاء الله على ما نبهنا عليه في التعليق الذي كتبناه على موضوع التوبة في سورة البروج والتعليق الذي كتبناه على الآية [ ١٠١ ] من سورة الأعراف المشابهة للآيات التي نحن في صددها.
وفي الآية [ ٦ ] إشارة صريحة إلى مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإنذار كما فيها تعليل لموقفهم وغفلتهم. وهذا مما يوثق التأويل، كما أن الآية [ ١٢ ] التي تنسب الأعمال إلى أصحابها وتنذر بإحصاء الله لها لمحاسبتهم عليها من الدلائل القريبة الموثقة.
ولقد قلنا : إن المتبادر أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه وخمّنّا أن ذلك قد كان لحادث آلم نفسه وأثارها. فالآيات قد وردت بهذا الأسلوب لتكون أبلغ في التطمين والتثبيت. وفي توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي قبلها وما فيها من عطف وتأييد وثناء وما في الآية التي بعدها من إيعاز له بأنه إنما ينذر ذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء ـ قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.

اتّبع الذكر : صدق بالقرآن وآمن به واتبعه.
خشي الرحمان بالغيب : خاف الله مما أنذر به من المصير الأخروي المغيّب أو خاف الله الذي آمن به والحقائق المغيبة التي لا تدركها حواسه أو خاف الله حينما يخلو لنفسه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ يس ١ والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( ١ ) ٢ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٣ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ٦ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ( ٢ ) ٨ وجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ( ٣ ) فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ٩ وسَواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ( ٤ ) وخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( ٥ ) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ ( ٦ ) وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( ٧ ) ١٢ ﴾ [ ١ ـ ١٢ ].
تعددت الأقوال المروية عن التابعين في تأويل معنى ﴿ يس ١ ﴾١ فقيل : إنها اسم من أسماء الله أو اسم من أسماء القرآن أو اسم من أسماء النبي. وقيل : إنها من اللغة الحبشية بمعنى يا إنسان أو إنها كذلك في لهجة طي. وإنها في أصلها انيسين ثم صارت ياسين. وقيل : إنها من نوع الحروف المنفردة التي جاءت في مطالع السور العديدة الأخرى. وهذا ما نرجحه بدليل أنه أعقب الحرفين قسم بالقرآن. وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم السور بدأت بالحروف المنفردة. وتكون والحالة هذه مثلها للتنبيه والاسترعاء. والله أعلم.

أما الآيات فقد احتوت :

١ ـ توكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق رسالته وصحة نسبة التنزيل القرآني إلى الله وقوة إحكامه، وكونه على الطريق القويم لينذر قوما غافلين لم ينذر آباؤهم.
٢ ـ وحملة شديدة على معظم القوم الذين لم ينتفعوا بالإنذار ووقفوا من الدعوة موقف الجحود والعناد حتى كأنما ضرب عليهم سدّ حجب عنهم رؤية الحق. وكأنما قيّدت رؤوسهم بالأغلال فعجزوا عن تحريكها يمنة أو يسرة لاستبانة طريق الهدى.
٣ ـ وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو إنما أرسل لينذر الناس وينتفع بإنذاره الذين حسنت نياتهم وصدقت رغباتهم في الحق، واستشعروا بخوف ربهم فآمنوا به واتبعوا قرآنه ورسوله فاستحقوا مغفرته وأجره الكريم.
٤ ـ وتقريرا ربانيا بأن الله سوف يحيي الناس بعد موتهم وأنه يسجل عليهم جميع ما فعلوه في حياتهم وخلفوه من تبعات بعد موتهم تسجيلا دقيقا وواضحا.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري : أن الآية الأخيرة نزلت في بني سلمة من الأنصار الذين كانت محلتهم بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا الانتقال إلى قرية فنزلت لتبشرهم وتطمئنهم بأن خطاهم تحسب لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :" إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا " ٢ حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.
وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يُغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.
وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.
تعليق على آيات
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... ﴾ الخ
والآيات [ ٧ ـ ٩ ] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [ ١٠ ] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمان وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في إتباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم و﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في الآية [ ٢٦ ] من سورة البقرة و﴿ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ﴾ في الآية [ ١٥٥ ] من سورة النساء و﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ في الآية [ ٣٥ ] من سورة غافر. وهذا التأويل هو الأكثر انسجاما مع حكمة الله تعالى في إرسال الرسل ودعوة الناس وإنذارهم وتبشيرهم وبيان طرق الهدى والضلال لهم وتعيين مصائرهم الأخروية وفق سلوكهم. وهو الأكثر اتساقا مع الحملة الشديدة التي احتوتها الآيات على الكفار والمناوئين على ما شرحناه في مناسبات سابقة. وهذا التأويل المستلهم من العبارة القرآنية وسياقها وروحها هنا وفي المواضع المماثلة يجعل التشاد الكلامي بين أصحاب المذاهب الكلامية الجبريين والقدريين حول هذه العبارة وأمثالها ويجعل الاتكاء عليها بسبيل تأييد مذهب على مذهب في غير محله كما هو المتبادر.
وإلى هذا، فإنه يتبادر لنا أن أسلوب الآيات قد جاء أيضا بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها وحسب وليس على سبيل تأييد عدم إيمانهم سواء أنذروا أم لم ينذروا بدليل يقيني هو أن كثيرا منهم قد آمنوا فيما بعد وحسن إيمانهم ونالوا رضاء الله على ما نبهنا عليه في التعليق الذي كتبناه على موضوع التوبة في سورة البروج والتعليق الذي كتبناه على الآية [ ١٠١ ] من سورة الأعراف المشابهة للآيات التي نحن في صددها.
وفي الآية [ ٦ ] إشارة صريحة إلى مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإنذار كما فيها تعليل لموقفهم وغفلتهم. وهذا مما يوثق التأويل، كما أن الآية [ ١٢ ] التي تنسب الأعمال إلى أصحابها وتنذر بإحصاء الله لها لمحاسبتهم عليها من الدلائل القريبة الموثقة.
ولقد قلنا : إن المتبادر أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه وخمّنّا أن ذلك قد كان لحادث آلم نفسه وأثارها. فالآيات قد وردت بهذا الأسلوب لتكون أبلغ في التطمين والتثبيت. وفي توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي قبلها وما فيها من عطف وتأييد وثناء وما في الآية التي بعدها من إيعاز له بأنه إنما ينذر ذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء ـ قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.

ونكتب ما قدموا وآثارهم : نكتب ما فعلوه في حياتهم وما تركوه بعدهم من سنن وتقاليد وتبعات أو تحصى أعمالهم حتى آثارهم خطاهم.
إمام مبين : قيل : إن الجملة تعني ( أمّ الكتاب ) الذي سجل فيه أعمال الناس. ويتبادر لنا من روح الجملة والسياق أنها كناية عن علم الله الشامل الذي يحصي على الناس أعمالهم إحصاء دقيقا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ يس ١ والْقُرْآنِ الْحَكِيمِ ( ١ ) ٢ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ٣ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ٤ تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ٥ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ ٦ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ٧ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ( ٢ ) ٨ وجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ( ٣ ) فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ٩ وسَواء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ١٠ إِنَّمَا تُنذِر مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ( ٤ ) وخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ( ٥ ) فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وأَجْرٍ كَرِيمٍ ١١ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وآثَارَهُمْ ( ٦ ) وكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ( ٧ ) ١٢ ﴾ [ ١ ـ ١٢ ].
تعددت الأقوال المروية عن التابعين في تأويل معنى ﴿ يس ١ ﴾١ فقيل : إنها اسم من أسماء الله أو اسم من أسماء القرآن أو اسم من أسماء النبي. وقيل : إنها من اللغة الحبشية بمعنى يا إنسان أو إنها كذلك في لهجة طي. وإنها في أصلها انيسين ثم صارت ياسين. وقيل : إنها من نوع الحروف المنفردة التي جاءت في مطالع السور العديدة الأخرى. وهذا ما نرجحه بدليل أنه أعقب الحرفين قسم بالقرآن. وهو الأسلوب الذي جرى عليه النظم القرآني في معظم السور بدأت بالحروف المنفردة. وتكون والحالة هذه مثلها للتنبيه والاسترعاء. والله أعلم.

أما الآيات فقد احتوت :

١ ـ توكيدا للنبي صلى الله عليه وسلم بصدق رسالته وصحة نسبة التنزيل القرآني إلى الله وقوة إحكامه، وكونه على الطريق القويم لينذر قوما غافلين لم ينذر آباؤهم.
٢ ـ وحملة شديدة على معظم القوم الذين لم ينتفعوا بالإنذار ووقفوا من الدعوة موقف الجحود والعناد حتى كأنما ضرب عليهم سدّ حجب عنهم رؤية الحق. وكأنما قيّدت رؤوسهم بالأغلال فعجزوا عن تحريكها يمنة أو يسرة لاستبانة طريق الهدى.
٣ ـ وتسلية للنبي صلى الله عليه وسلم. فهو إنما أرسل لينذر الناس وينتفع بإنذاره الذين حسنت نياتهم وصدقت رغباتهم في الحق، واستشعروا بخوف ربهم فآمنوا به واتبعوا قرآنه ورسوله فاستحقوا مغفرته وأجره الكريم.
٤ ـ وتقريرا ربانيا بأن الله سوف يحيي الناس بعد موتهم وأنه يسجل عليهم جميع ما فعلوه في حياتهم وخلفوه من تبعات بعد موتهم تسجيلا دقيقا وواضحا.
ولقد روى الطبري والبغوي عن ابن عباس وأبي سعيد الخدري : أن الآية الأخيرة نزلت في بني سلمة من الأنصار الذين كانت محلتهم بعيدة عن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، فأرادوا الانتقال إلى قرية فنزلت لتبشرهم وتطمئنهم بأن خطاهم تحسب لهم فثبتوا في محلّتهم. ومقتضى الرواية أن تكون الآية مدنية دون غيرها مع أنها منسجمة مع السياق ولم يرو أحد أنها مدنيّة. ولقد روى الحديث الشيخان والترمذي دون ذكر كون الآية نزلت بسبب رغبة بني سلمة في الانتقال إلى قرب المسجد وجاء في صيغة الشيخين والترمذي : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم :" إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا " ٢ حيث ينطوي في هذا إيعاز تطبيقي وتطميني وحسب.
وروى ابن كثير والطبرسي أن الآيات نزلت في مناسبة محاولة أبي جهل وبعض قومه البطش بالنبي صلى الله عليه وسلم ونثره التراب عليهم أو رؤيتهم مشهدا مفزعا جعلهم ينكصون أو يُغشى على أبصارهم. ولقد أوردنا رواية فيها شيء من مثل ذلك عن أبي جهل في سياق سورة العلق.
وعلى كل حال فالآيات بسبيل تطمين النبي صلى الله عليه وسلم وتثبيته إزاء ما كان يلقاه من قومه من عناد وجحود ومناوأة. وأسلوبها قوي نافذ. والراجح أنها نزلت في ظرف كان لهم أو لبعضهم موقف شديد من ذلك أثار النبي صلى الله عليه وسلم وآلمه فاقتضت حكمة التنزيل الإيحاء بها للتطمين والتثبيت من جهة والتنديد والتقريع والإنذار من جهة أخرى.
تعليق على آيات
﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا... ﴾ الخ
والآيات [ ٧ ـ ٩ ] قد توهم أن الكفار قد وقفوا موقف الجحود والعناد بتحتيم رباني لم يكن لهم منه مناص. غير أن التروّي فيها وفيما قبلها وما بعدها يؤيد التأويل الذي أوّلناها به. فالآية [ ١٠ ] تذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما عليه إنذار من اتّبع الذكر وخشي الرحمان وبعبارة أخرى من صدقت رغبته في إتباع الحق. وهذا يعني أيضا أن الكفار إنما وقفوا موقفهم لخبث نيّتهم وعزوفهم عن الحق فحقّ عليهم القول. فهي من باب ﴿ ويضل الله الظالمين ﴾ في الآية [ ٢٧ ] من سورة إبراهيم و﴿ وما يضل به إلا الفاسقين ﴾ في الآية [ ٢٦ ] من سورة البقرة و﴿ وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم ﴾ في الآية [ ١٥٥ ] من سورة النساء و﴿ كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار ﴾ في الآية [ ٣٥ ] من سورة غافر. وهذا التأويل هو الأكثر انسجاما مع حكمة الله تعالى في إرسال الرسل ودعوة الناس وإنذارهم وتبشيرهم وبيان طرق الهدى والضلال لهم وتعيين مصائرهم الأخروية وفق سلوكهم. وهو الأكثر اتساقا مع الحملة الشديدة التي احتوتها الآيات على الكفار والمناوئين على ما شرحناه في مناسبات سابقة. وهذا التأويل المستلهم من العبارة القرآنية وسياقها وروحها هنا وفي المواضع المماثلة يجعل التشاد الكلامي بين أصحاب المذاهب الكلامية الجبريين والقدريين حول هذه العبارة وأمثالها ويجعل الاتكاء عليها بسبيل تأييد مذهب على مذهب في غير محله كما هو المتبادر.
وإلى هذا، فإنه يتبادر لنا أن أسلوب الآيات قد جاء أيضا بسبيل تسجيل واقع أمر الكفار حين نزولها وحسب وليس على سبيل تأييد عدم إيمانهم سواء أنذروا أم لم ينذروا بدليل يقيني هو أن كثيرا منهم قد آمنوا فيما بعد وحسن إيمانهم ونالوا رضاء الله على ما نبهنا عليه في التعليق الذي كتبناه على موضوع التوبة في سورة البروج والتعليق الذي كتبناه على الآية [ ١٠١ ] من سورة الأعراف المشابهة للآيات التي نحن في صددها.
وفي الآية [ ٦ ] إشارة صريحة إلى مهمة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي الإنذار كما فيها تعليل لموقفهم وغفلتهم. وهذا مما يوثق التأويل، كما أن الآية [ ١٢ ] التي تنسب الأعمال إلى أصحابها وتنذر بإحصاء الله لها لمحاسبتهم عليها من الدلائل القريبة الموثقة.
ولقد قلنا : إن المتبادر أن الآيات نزلت بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتطمينه وخمّنّا أن ذلك قد كان لحادث آلم نفسه وأثارها. فالآيات قد وردت بهذا الأسلوب لتكون أبلغ في التطمين والتثبيت. وفي توجيه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم في الآيات التي قبلها وما فيها من عطف وتأييد وثناء وما في الآية التي بعدها من إيعاز له بأنه إنما ينذر ذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة، وأن له فيهم الغناء والعزاء ـ قرائن قوية على ذلك أيضا.
تلقين الآيات الأولى من السورة
والآيات مصدر إلهام وتلقين مستمر المدى. سواء أفيما احتوته من ثناء وبشرى لذوي النفوس الطيبة والرغبات الصادقة أم في ما احتوته من حملة تنديدية شديدة على ذوي السرائر الخبيثة الذين يكون ديدنهم المكابرة في الحق والإيغال في الباطل أم في ما احتوته من تثبيت وتطمين يلهمان الدعاة والقادة والزعماء والمصلحين قوة يتغلبون بها على ما يلقونه في طريقهم من عقبات ومصاعب.

﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..
عززنا : أيدنا.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

أئن ذكرتم : سؤال استنكاري فيه ردّ على قولهم إنّا تطيرنا أي تشاءمنا بكم وبسبيل نفي كون التذكير بالله هو الذي جاء إليهم بالشؤم والنحس.
مسرفون : متجاوزو الحد في البغي والعناد.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

فطرني : تكررت اشتقاقات فطر كثيرا في القرآن. وأكثر ما جاءت في معنى الإيجاد والخلق بدءا ولأول مرة. وهي هنا بهذا المعنى. وأصل معناها اللغوي : شقّ جاء بعض اشتقاقاتها بمعنى التشقق والتصدّع والشقوق. ومعنى شقّ لا يبعد كثيرا عن معنى الخلق والإيجاد لأول مرة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٣:﴿ واضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ ١٣ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا( ١ ) بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ١٤ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ومَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ ١٥ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ١٦ ومَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ ١٧ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ ولَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ١٨ قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم ( ٢ ) بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ( ٣ ) ١٩ وجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ٢٠اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وهُم مُّهْتَدُونَ ٢١ ومَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي( ٤ ) وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٢٢ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا ولاَ يُنقِذُونِ ٢٣ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ٢٤ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ٢٥ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ٢٦ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ٢٧* ومَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء ومَا كُنَّا مُنزِلِينَ ٢٨ إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ٢٩ ﴾ [ ١٣ ٢٩ ]
الآيات معطوفة على سابقاتها والضمير في ﴿ واضرب لهم ﴾ عائد إلى الكفار الذين حكت الآيات السابقة موقفهم من الدعوة كما المتبادر. وهكذا يكون هذا الفصل قد جاء معقبا على سابقه تعقيب تمثيل وتذكير، وفيه توثيق للتأويل الذي أوّلناه للآيات التي حكت موقف الجاحدين والتخمين الذي خمّنّاه بنزول الفصل السابق في ظرف أزمة من أزمات النبي صلى الله عليه وسلم النفسية لموقف مثير وقفه الكفار.
وعبارة الآيات واضحة لا تقتضي أداء آخر. وقد احتوت قصة رسل أرسلهم الله إلى إحدى المدن وموقف أهلها الجحودي منهم، سيقت لسامعي القرآن أو الكافرين منهم على ما هو المتبادر للتمثيل والتذكير.
ومما رواه المفسرون عزوا إلى علماء التابعين في صدد قصة الرسل التي حكتها الآيات : أن المدينة التي أشير إليها باسم القرية هي أنطاكية الثغر الشامي في شمال سورية، وأن الرسل هم يوحنا وبولس وشمعون من حواريي عيسى عليه السلام أرسلهم للدعوة والتبشير، وأن الرجل المؤمن هو حبيب النجار. وقد أوردوا بيانات كثيرة عن رسالة الرسل ومحاولاتهم مع الوثنيين في المدينة ومعجزاتهم في إحياء الموتى وخلق الطير من الطين وإبراء الأكمة والأبرص، وقتل الوثنيين حبيبا وعنادهم مع الرسل الخ١.
وأسلوب الآية الأولى وفحواها يلهمان أن المثل الذي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بضربه ليس غريبا عن السامعين وأنهم أو أن منهم من كان يعرف القصة المذكورة فيه.
ولقد ورد في سفر أعمال الرسل من الأسفار الملحقة بالأناجيل أشياء كثيرة عن نشاط تلامذة المسيح عليه السلام وحوارييه من بعده في أنطاكية وغيرها. فمن المحتمل جدّا أن تكون القصة مما كان يتداوله النصارى الذين كان منهم أفراد كثيرون في مكة، ولعلها كانت مكتوبة في أسفار عندهم فعرفها العرب منهم.
وأسلوب الآيات صريح في أن المقصود منها المثل والتذكير والعبرة وهذا هو الهدف العام لكل القصص القرآنية الذي يكون محكما مؤثرا حينما تكون القصة المساقة مما يعرفه السامعون. وفيما أورده المفسرون دلالة على ذلك كما هو المتبادر.
تلقينات ودلالة مثل أصحاب القرية وآياته
ومما يلحظ أن في حكاية الحوار بين رسل الله وأهل القرية، ثم بين أهل القرية والمؤمن تشابها مع حالة الكفار العرب سواء أفي ما كان من سخفهم وضلالهم في اتخاذ آلهة غير الله أم في موقفهم من النبي صلى الله عليه وسلم وأقوالهم له في معرض التكذيب والجحود، أم في تهديدهم لرسلهم بالعذاب والأذى إذا لم يكفوا عن دعوتهم بحيث تبدو في هذه الملحوظات حكمة المثل وهدفه وهو تذكير الكفار العرب بأنهم ليسوا المتفردين في مواقفهم وأقوالهم وباطل عقائدهم، وتبكيتهم على ما هم فيه من سخف وضلال وعناد، وإنذارهم بعذاب الله الذي أصاب أمثالهم فجعلهم خامدين دون ما حاجة إلى جنود تنزل وحرب تنشب، وتطمين النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس المتفرّد فيما لقي من كفار قومه، وأن له الأسوة بمن تقدمه من الرسل في الأزمنة القديمة أو الحديثة بالنسبة لزمنه فلا يحزن ولا يغتمّ وأنه ليس عليه إلاّ التبليغ والتذكير مثلهم.
وأسلوب حكاية موقف المؤمن وأقواله لقومه قوي أخاذ. سواء أفي تبكيته وتسفيهه للمعاندين أم في إغرائه وتشويقه على الإيمان بالله وتصديق رسله ومن شأن ذلك أن يحدث أثرا نافذا في السامعين. وهذا ما استهدفته الحكاية على ما هو المتبادر. ولعلّ من أثرها ما روته روايات السيرة من تفاني الرعيل الأول من المسلمين في مكة في نصرة وتأييد النبي صلى الله عليه وسلم والذبّ عنه والتعرّض بسبب ذلك لصنوف الأذى. وفيها أسوة وحافز على نصرة الحق والداعين إليه في كل موقف وزمان.
١ انظر تفسير الآيات في كتب تفسير الطبري وابن كثير والطبرسي والزمخشري والخازن مثلا..

﴿ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ٣٠ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ٣١ وإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ٣٢ ﴾ [ ٣٠ ٣٢ ].
الآيات متصلة بالسياق السابق اتصالا تعقيبيا كما هو المتبادر. وهو ما جرى عليه النظم القرآني عقب القصص. وقد احتوت تنديدا بالناس الذين لا تؤثر فيهم المواعظ والأمثال وما كان من إهلاك الله للأقوام السابقة، فيقفون من رسل الله كلما جاء رسول موقف الاستهزاء والتكذيب. وتوكيدا بأن الناس جميعهم محضرون أمام الله ومجزيون عن أعمالهم.
والتعقيب مؤثر نافذ كما هو واضح.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:﴿ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ٣٠ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ٣١ وإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ٣٢ ﴾ [ ٣٠ ٣٢ ].
الآيات متصلة بالسياق السابق اتصالا تعقيبيا كما هو المتبادر. وهو ما جرى عليه النظم القرآني عقب القصص. وقد احتوت تنديدا بالناس الذين لا تؤثر فيهم المواعظ والأمثال وما كان من إهلاك الله للأقوام السابقة، فيقفون من رسل الله كلما جاء رسول موقف الاستهزاء والتكذيب. وتوكيدا بأن الناس جميعهم محضرون أمام الله ومجزيون عن أعمالهم.
والتعقيب مؤثر نافذ كما هو واضح.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٠:﴿ يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ٣٠ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنْ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ ٣١ وإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ٣٢ ﴾ [ ٣٠ ٣٢ ].
الآيات متصلة بالسياق السابق اتصالا تعقيبيا كما هو المتبادر. وهو ما جرى عليه النظم القرآني عقب القصص. وقد احتوت تنديدا بالناس الذين لا تؤثر فيهم المواعظ والأمثال وما كان من إهلاك الله للأقوام السابقة، فيقفون من رسل الله كلما جاء رسول موقف الاستهزاء والتكذيب. وتوكيدا بأن الناس جميعهم محضرون أمام الله ومجزيون عن أعمالهم.
والتعقيب مؤثر نافذ كما هو واضح.

﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال : " كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.
نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :
لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


وما عملته أيديهم : ولم تعمله أيديهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


الأزواج : الأنواع المتشاكلة من النبات والحيوانات ومنها الإنسان.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


﴿ نسلخ ﴾ : ننزع أو نخرج.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


لمستقر لها : إلى أن يحين وقت استقرارها ووقوفها وقرئت الكلمة بلفظ " لا مستقر لها " بمعنى أنها دائمة الجري. ومعنى التأويلين للكلمة متساوق.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


العرجون : هو عرق النخلة فإذا قدم رقّ وتقوّس واصفر. والكلمة في معرض تشبيه القمر في أواخر الشهر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


تدرك : تلحق.
الفلك : الأولى بفتح الفاء واللام بمعنى مدار السماء حيث تجري الشمس والقمر والنجوم، وأصل معناه : الشكل الدائري. والثانية بضم الفاء واللام وهو مركب البحر.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


حملنا ذريتهم في الفلك المشحون : قال المفسرون : إن المقصود بذلك الإشارة إلى سفينة نوح وآباء البشر الذين ركبوها١.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.



١ انظر تفسير ابن كثير مثلا..
من مثله : من مثل ذلك الفلك المشحون.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


فلا صريخ لهم : لا ناصر ولا مغيث لهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٣:﴿ وآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ ٣٣ وجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وأَعْنَابٍ وفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ ٣٤ لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ ( ١ ) أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٣٥ سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ( ٢ ) كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ ومِنْ أَنفُسِهِمْ ومِمَّا لَا يَعْلَمُونَ ٣٦ وآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ ( ٣ ) مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ ٣٧ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ( ٤ ) لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ٣٨ والْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ ( ٥ ) الْقَدِيمِ ٣٩ لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ ( ٦ ) الْقَمَرَ ولَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ ( ٧ ) يَسْبَحُونَ ٤٠ وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ( ٨ ) ٤١ وخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ ( ٩ ) مَا يَرْكَبُونَ ٤٢ وإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ ( ١٠ ) ولَا هُمْ يُنقَذُونَ ٤٣ إِلَّا رَحْمَةً مِّنَّا ومَتَاعًا إِلَى حِينٍ ٤٤ ﴾ [ ٣٣ ٤٤ ].
والآيات استمرار للسياق أيضا. وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ موصلة بين الفصل الأول السابق للقصة وبين هذا الفصل كما هو المتبادر. وقد احتوت تنبيها إلى مشاهد كون الله ونواميسه ونعمه على خلقه، وتنديدا بالذين لا يشكرون ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة.
وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد جاءت كما يلهمه أسلوبها وفحواها في معرض البرهنة على قدرة الله على ما يعد الناس ويتوعدهم والتنبيه على أفضال الله عليهم ورحمته بهم، في الأرض والسماء والبحار، والتنديد بالذين لا يشكرونه ولا يرتدعون عن مواقف المكابرة والجحود، وإنذارهم بأنه لو شاء لأهلكهم ومنع عنهم خيره وبرّه فلا يجدون لهم مغيثا ولا ناصرا، وبأنه إذا لم يفعل ذلك فلا يكون إلاّ من قبيل الإمهال إلى حين ؛ كأنما يهيب بهم إلى اغتنام الفرصة السائحة قبل نفاد صبره وإنزال عذابه فيهم.
والآيات قوية نافذة. موجهة إلى القلب والعقل بسبيل ما جاءت من أجله من التذكير والعظة والبرهنة والإنذار.
ومع وجوب الإيمان بحقيقة ما احتوته الآيات من تقريرات متنوعة فإن أسلوبها وفحواها وجملة ﴿ وآية لهم ﴾ التي بدأت بها وتكررت في مقاطعها قد يفيد أن السامعين كانوا يعرفون ويحسون ويتصورون ما احتوته من مشاهد كونية وأرضية وسماوية وفق ما ذكر فيها. وبهذا تبدو الحكمة في ذلك وتكون الحجة القرآنية مستحكمة في السامعين.
ولقد روى الطبري والبغوي في سياق جملة ﴿ والشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ﴾ حديثا عن أبي ذرّ الغفاري قال :" كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد، فلما غربت الشمس قال : يا أبا ذرّ هل تدري أين تذهب الشمس ؟ قلت : الله ورسوله أعلم قال : فإنها تذهب فتسجد بين يدي ربّها، ثم تستأذن بالرجوع فيؤذن لها وكأنّها قد قيل لها : ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مكانها وذلك مستقرّها ".
وما جاء في الحديث أمر مغيّب فيجب الوقوف عنده إذا صحّ١ مع وجوب الإيمان بأنه لا بدّ من أن يكون لصدوره من النبي صلى الله عليه وسلم حكمة كشأن حكمة الله في الآيات. ولعلّ من هذه الحكمة قصد التنبيه على إحاطة الله تعالى وتصرفه المطلق في الكون وفي الشمس التي هي من أعظم مشاهد هذا الكون. والله تعالى أعلم.
تعليق آخر على ما اعتاده بعضهم من محاولة استنباط النظريات العلمية من آيات القرآن.
لقد علّقنا في سياق تفسير سورة القيامة على ربط بعضهم بين الآية ﴿ بلى قادرين على أن نسوي بنانه ٤ ﴾ وبين فنّ بصمات الأصابع الحديث. ونعود إلى التعليق مرة ثانية بمناسبة الآيات التي نحن في صددها والتي يقف بعضهم عندها وعند أمثالها لاستنباط قواعد فنية كونية منها أو تطبيق نظريات علمية عليها، وبخاصة في صدد حركات الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار، والإدلاء بآراء متنوعة هي أدخل في نطاق التكلّف والتزيد، بل والغلوّ أكثر منها في نطاق الحقيقة في حين أن الآيات في مجموعها وأسلوبها وروحها تحمل الدليل على أن القصد منها هو لفت نظر الناس جميعا بأسلوب يفهمونه إلى ما يشاهدونه من مظاهر قدرة الله، وكونه بقطع النظر عما أقام الله سبحانه الكون عليه من نواميس ونسب وقواعد دقيقة محكمة النظام مطردة السير والجريان. ونحن نرى في مثل هذه المحاولات إخراجا للقرآن الكريم عن هدفه الوعظي والتذكيري وتعريضا له للتعديل والجرح اللذين يرافقان عادة الأبحاث العلمية على غير طائل ولا ضرورة.
ولقد جاء في( سورة يونس ) في صدد منازل القمر آية تفيد أن الله قدّر القمر منازل ليعلم الناس عدد السنين والحساب وهي :﴿ هُو الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء والْقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ والْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ٥ ﴾ فإذا لحظنا أن منازل القمر أو دوراته اليومية التي تتبدّل بها صوره كانت هي الوسيلة الممكنة المشاهدة لمعرفة حساب الأيام والأشهر والسنين بالنسبة للسامعين رغم كونها ليست دقيقة، تبين لنا أن حكمة التنزيل إنما اقتضت أن يكون الخطاب كما جاء بسبيل تنبيه السامعين إلى نواميس كون الله وإثبات وجوده وقدرته على ما هو ملموح بقوة من فحوى السلسلة التي نحن في صددها، وسياق آية( سورة يونس ) المذكورة وأمثالها ؛ لأنه كان هو المفهوم من قبل السامعين بمداه ومعناه. وتبين لنا مدى ما في تجاوز هذا النطاق إلى استخراج النظريات الفنية من القرآن أو تطبيقها على الآيات القرآنية من تجوّز وتمحّل وخروج بالقرآن عن نطاق حكمة تنزيله.
ونعود إلى التنبيه مرة أخرى في هذه المناسبة إلى أن ما قلناه لا يعني حظر دراسة أسرار الكون على المسلمين بمختلف الوسائل وعلى مختلف المستويات. فهذا شيء وذاك شيء آخر. بل إن إيذان الله تعالى للبشر ومن جملتهم المسلمين أن الله سخّر لهم ما في السماوات وما في الأرض ليوجب عليهم لأن الانتفاع بما سخّره لهم الله لا يتمّ إلاّ به. والله تعالى أعلم.
تعليق على تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم... ﴾
وبمناسبة ورود تعبير :﴿ ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ نقول : إن كثيرا من المسلمين يسوقون هذا التعبير في معرض عقيدة القضاء والقدر وكمستند لها به ؛ في حين أنه قد جاء في معرض بيان أن الشمس والقمر وتعاقب الليل والنهار كل ذلك يجري ضمن حساب رباني مقدّر على أحسن أسلوب وأدق ترتيب. وبكلمة أخرى إن كلمة " تقدير " هنا تعني : الحساب الدقيق، وليس لها صلة بعقيدة القدر ولا يصحّ سوقها في معرض ذلك.

نموذج آخر للتفسيرات الصوفية :

لقد قلنا في تعليقنا على هذه التفسيرات في سياق سورة الفجر : إن منها ما ليس فيه شذوذ فاحش. وهذا نموذج من ذلك حيث يفسر التستري الآية الأولى من هذه السلسلة بقوله : القلوب الميتة بالغفلة أحييناها بالتيقّظ والاعتبار والموعظة، وأخرجنا منها حبا : معرفة صافية يضيء أنوارها على الظاهر والباطن٢.
١ في التاج نصّ آخر فيه زيادة رواه البخاري والترمذي عن أبي ذرّ وهو: "قال أبو ذرّ كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذرّ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها. ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله: ﴿وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾" (التاج ج ٤ ص ١٩٤) والزيادة متصلة بآية من آيات قيام الساعة وهي طلوع الشمس من مغربها حيث جاء في حديث رواه مسلم والترمذي وأبو داود عن حذيفة الغفاري عن النبي صلى الله عليه وسلم في علامات الساعة ومنها طلوع الشمس من مغربها (التاج ج ٥ ص ٣٠٤) ونرجّح أن حديث أبي ذرّ واحد روى بعضه راو وروى جميعه راو آخر. وطلوع الشمس من مغربها كعلامة من علامات الساعة مماثل لما ذكرته آيات عديدة في سور المزمل والتكوير والقيامة والمرسلات =من تبدّل مشاهد الكون عندما تأزفّ الساعة وتخرب الدنيا. وكل هذا مغيّب يجب الإيمان به والوقوف عنده وإيكال حكمته إلى الله تعالى. وليس معرفة كنهه والمماراة فيه من ضروريات الدين. والله تعالى أعلم.
.

٢ التفسير والمفسرون للذهبي ج ٣ ص ٣١.
.


﴿ اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون ﴾ : اتقوا غضب الله في حياتكم وبعد مماتكم لعلّ الله يرحمكم، ويلحظ أن الجواب على هذا غير موجود في الآيات. وقد قال المفسرون : إنه محذوف مقدّر وهو الإعراض وعدم الاستماع. والآية التالية تحتوي جوابا غير مباشر أيضا مما يوثق وجاهة القول.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ومَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١ ) ٤٥ ومَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤٦ وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ٤٧ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ مَا يَنظُرُونَ ( ٢ ) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٣ ) ٤٩ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠ ﴾ [ ٤٥ ـ ٥٠ ].
الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. وفي ضمير ﴿ لهم ﴾ هنا دلالة على هذا الاتصال والترابط كما هو كذلك في الآيات السابقة. وعبارتها واضحة. وقد احتوت الآيات الأولى تقريرات عن واقع أمر الكفار ومبلغ مكابرتهم وجحودهم وغلظ قلوبهم. فهم يؤمرون باتقاء غضب الله في الدنيا والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم : أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين : إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ؛ ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا. وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء
وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [ ٤٧ ] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون، وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في حملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده، وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها، ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها. وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير ﴿ أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ وننبه على أن هذا قد تكرر كثيرا في سور مكية ومدنية بأساليب متنوعة. وجاء في بعضها بقوة وصراحة أكثر، حيث يبدو من هذا حكمة التنزيل في التوكيد عليه لإقراره في الأذهان. من ذلك آية سورة الرعد هذه :﴿ و الَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وجْهِ رَبِّهِمْ وأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلاَنِيَةً ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ٢٢ ﴾ وآية سورة إبراهيم هذه :﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ويُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ولاَ خِلاَلٌ ٣١ ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ ﴾ وآية آل عمران هذه :﴿ ولاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُو خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُو شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [ ١٨٠ ] وآية سورة النساء هذه :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ٣٧ ﴾ وآية سورة النور هذه :
﴿ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ... ﴾ [ ٣٣ ] وآية سورة الحديد هذه :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ٧ ﴾.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٤٥ ] مدنية في حين أنها منسجمة في السياق ونظمه انسجاما تاما وليس لها خصوصية مدنية. والخطاب فيها في صدد الذين سبق الكلام عنهم حيث عبّر عنهم بكلمة ﴿ لهم ﴾ مما تكرر في السياق ؛ ولذلك فإننا نشك في صحة الرواية.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ومَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١ ) ٤٥ ومَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤٦ وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ٤٧ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ مَا يَنظُرُونَ ( ٢ ) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٣ ) ٤٩ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠ ﴾ [ ٤٥ ـ ٥٠ ].
الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. وفي ضمير ﴿ لهم ﴾ هنا دلالة على هذا الاتصال والترابط كما هو كذلك في الآيات السابقة. وعبارتها واضحة. وقد احتوت الآيات الأولى تقريرات عن واقع أمر الكفار ومبلغ مكابرتهم وجحودهم وغلظ قلوبهم. فهم يؤمرون باتقاء غضب الله في الدنيا والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم : أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين : إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ؛ ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا. وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء
وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [ ٤٧ ] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون، وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في حملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده، وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها، ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها. وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير ﴿ أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ وننبه على أن هذا قد تكرر كثيرا في سور مكية ومدنية بأساليب متنوعة. وجاء في بعضها بقوة وصراحة أكثر، حيث يبدو من هذا حكمة التنزيل في التوكيد عليه لإقراره في الأذهان. من ذلك آية سورة الرعد هذه :﴿ و الَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وجْهِ رَبِّهِمْ وأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلاَنِيَةً ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ٢٢ ﴾ وآية سورة إبراهيم هذه :﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ويُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ولاَ خِلاَلٌ ٣١ ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ ﴾ وآية آل عمران هذه :﴿ ولاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُو خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُو شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [ ١٨٠ ] وآية سورة النساء هذه :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ٣٧ ﴾ وآية سورة النور هذه :
﴿ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ... ﴾ [ ٣٣ ] وآية سورة الحديد هذه :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ٧ ﴾.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٤٥ ] مدنية في حين أنها منسجمة في السياق ونظمه انسجاما تاما وليس لها خصوصية مدنية. والخطاب فيها في صدد الذين سبق الكلام عنهم حيث عبّر عنهم بكلمة ﴿ لهم ﴾ مما تكرر في السياق ؛ ولذلك فإننا نشك في صحة الرواية.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ومَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١ ) ٤٥ ومَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤٦ وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ٤٧ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ مَا يَنظُرُونَ ( ٢ ) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٣ ) ٤٩ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠ ﴾ [ ٤٥ ـ ٥٠ ].
الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. وفي ضمير ﴿ لهم ﴾ هنا دلالة على هذا الاتصال والترابط كما هو كذلك في الآيات السابقة. وعبارتها واضحة. وقد احتوت الآيات الأولى تقريرات عن واقع أمر الكفار ومبلغ مكابرتهم وجحودهم وغلظ قلوبهم. فهم يؤمرون باتقاء غضب الله في الدنيا والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم : أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين : إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ؛ ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا. وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء
وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [ ٤٧ ] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون، وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في حملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده، وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها، ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها. وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير ﴿ أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ وننبه على أن هذا قد تكرر كثيرا في سور مكية ومدنية بأساليب متنوعة. وجاء في بعضها بقوة وصراحة أكثر، حيث يبدو من هذا حكمة التنزيل في التوكيد عليه لإقراره في الأذهان. من ذلك آية سورة الرعد هذه :﴿ و الَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وجْهِ رَبِّهِمْ وأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلاَنِيَةً ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ٢٢ ﴾ وآية سورة إبراهيم هذه :﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ويُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ولاَ خِلاَلٌ ٣١ ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ ﴾ وآية آل عمران هذه :﴿ ولاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُو خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُو شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [ ١٨٠ ] وآية سورة النساء هذه :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ٣٧ ﴾ وآية سورة النور هذه :
﴿ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ... ﴾ [ ٣٣ ] وآية سورة الحديد هذه :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ٧ ﴾.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٤٥ ] مدنية في حين أنها منسجمة في السياق ونظمه انسجاما تاما وليس لها خصوصية مدنية. والخطاب فيها في صدد الذين سبق الكلام عنهم حيث عبّر عنهم بكلمة ﴿ لهم ﴾ مما تكرر في السياق ؛ ولذلك فإننا نشك في صحة الرواية.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ومَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١ ) ٤٥ ومَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤٦ وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ٤٧ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ مَا يَنظُرُونَ ( ٢ ) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٣ ) ٤٩ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠ ﴾ [ ٤٥ ـ ٥٠ ].
الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. وفي ضمير ﴿ لهم ﴾ هنا دلالة على هذا الاتصال والترابط كما هو كذلك في الآيات السابقة. وعبارتها واضحة. وقد احتوت الآيات الأولى تقريرات عن واقع أمر الكفار ومبلغ مكابرتهم وجحودهم وغلظ قلوبهم. فهم يؤمرون باتقاء غضب الله في الدنيا والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم : أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين : إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ؛ ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا. وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء
وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [ ٤٧ ] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون، وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في حملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده، وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها، ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها. وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير ﴿ أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ وننبه على أن هذا قد تكرر كثيرا في سور مكية ومدنية بأساليب متنوعة. وجاء في بعضها بقوة وصراحة أكثر، حيث يبدو من هذا حكمة التنزيل في التوكيد عليه لإقراره في الأذهان. من ذلك آية سورة الرعد هذه :﴿ و الَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وجْهِ رَبِّهِمْ وأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلاَنِيَةً ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ٢٢ ﴾ وآية سورة إبراهيم هذه :﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ويُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ولاَ خِلاَلٌ ٣١ ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ ﴾ وآية آل عمران هذه :﴿ ولاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُو خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُو شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [ ١٨٠ ] وآية سورة النساء هذه :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ٣٧ ﴾ وآية سورة النور هذه :
﴿ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ... ﴾ [ ٣٣ ] وآية سورة الحديد هذه :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ٧ ﴾.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٤٥ ] مدنية في حين أنها منسجمة في السياق ونظمه انسجاما تاما وليس لها خصوصية مدنية. والخطاب فيها في صدد الذين سبق الكلام عنهم حيث عبّر عنهم بكلمة ﴿ لهم ﴾ مما تكرر في السياق ؛ ولذلك فإننا نشك في صحة الرواية.

ينظرون : ينتظرون.
يخصمون : يختصمون أي تأخذهم الصيحة بغتة أثناء استغراقهم في أشغالهم ولهوهم وخصوماتهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ومَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١ ) ٤٥ ومَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤٦ وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ٤٧ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ مَا يَنظُرُونَ ( ٢ ) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٣ ) ٤٩ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠ ﴾ [ ٤٥ ـ ٥٠ ].
الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. وفي ضمير ﴿ لهم ﴾ هنا دلالة على هذا الاتصال والترابط كما هو كذلك في الآيات السابقة. وعبارتها واضحة. وقد احتوت الآيات الأولى تقريرات عن واقع أمر الكفار ومبلغ مكابرتهم وجحودهم وغلظ قلوبهم. فهم يؤمرون باتقاء غضب الله في الدنيا والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم : أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين : إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ؛ ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا. وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء
وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [ ٤٧ ] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون، وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في حملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده، وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها، ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها. وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير ﴿ أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ وننبه على أن هذا قد تكرر كثيرا في سور مكية ومدنية بأساليب متنوعة. وجاء في بعضها بقوة وصراحة أكثر، حيث يبدو من هذا حكمة التنزيل في التوكيد عليه لإقراره في الأذهان. من ذلك آية سورة الرعد هذه :﴿ و الَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وجْهِ رَبِّهِمْ وأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلاَنِيَةً ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ٢٢ ﴾ وآية سورة إبراهيم هذه :﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ويُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ولاَ خِلاَلٌ ٣١ ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ ﴾ وآية آل عمران هذه :﴿ ولاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُو خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُو شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [ ١٨٠ ] وآية سورة النساء هذه :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ٣٧ ﴾ وآية سورة النور هذه :
﴿ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ... ﴾ [ ٣٣ ] وآية سورة الحديد هذه :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ٧ ﴾.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٤٥ ] مدنية في حين أنها منسجمة في السياق ونظمه انسجاما تاما وليس لها خصوصية مدنية. والخطاب فيها في صدد الذين سبق الكلام عنهم حيث عبّر عنهم بكلمة ﴿ لهم ﴾ مما تكرر في السياق ؛ ولذلك فإننا نشك في صحة الرواية.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ وإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ ومَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ( ١ ) ٤٥ ومَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ ٤٦ وإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ٤٧ ويَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ٤٨ مَا يَنظُرُونَ ( ٢ ) إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وهُمْ يَخِصِّمُونَ ( ٣ ) ٤٩ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً ولَا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ ٥٠ ﴾ [ ٤٥ ـ ٥٠ ].
الآيات متصلة بالسياق واستمرار له كما هو المتبادر. وفي ضمير ﴿ لهم ﴾ هنا دلالة على هذا الاتصال والترابط كما هو كذلك في الآيات السابقة. وعبارتها واضحة. وقد احتوت الآيات الأولى تقريرات عن واقع أمر الكفار ومبلغ مكابرتهم وجحودهم وغلظ قلوبهم. فهم يؤمرون باتقاء غضب الله في الدنيا والآخرة فلا يبالون. وتأتيهم آيات الله فيعرضون عنها. ويقال لهم : أنفقوا مما رزقكم الله فيجيبون ساخرين : إن الله لو شاء أن يرزق الفقراء ويطعمهم لما قتّر عليهم وحرمهم، وإنكم في طلبكم هذا منّا في ضلال مبين ؛ ثم يتساءلون تساؤل الساخر المتحدي عن موعد العذاب الذي يوعدون به إن كان ذلك صدقا وحقا. وقد احتوت الآيتان الأخيرتان ردّا إنذاريا. فالموعد آت لا ريب فيه. وستأتيهم الصيحة بغتة وهم لاهون في أشغالهم وخصوماتهم فيهلكون حيث هم فلا يرجعون إلى أهلهم ولا يجدون الفرصة لوصية يوصون بها.
تعليق على حثّ القرآن على البرّ بالفقراء
وموقف الأغنياء من ذلك وآثاره
والآيات قوية التقرير والتنديد والإنذار. وقد احتوت صورا متنوعة لمواقف الكفار من دعوة الله وآياته ونبيه. والآية [ ٤٧ ] بخاصة تدلّ على أنه كان يقع جدل بين المؤمنين والكفّار في صدد المبادئ التي بشّرت بها الدعوة وآمن بها المؤمنون، وأن هؤلاء كانوا يدعون أولئك في حملة ما يدعونهم إليه ويحاجونهم فيه إلى البرّ بالفقراء ويذكرونهم بأن ما في أيديهم من مال إنما هو من رزق الله فلا يجوز أن يضنّوا به على المحتاجين من عباده، وأن الكفار كانوا يجيبونهم على هذا بخاصة بجواب حجاجي ساخر وطريف يتهربون به مما يطلب منهم. وفي هذا صورة لما كان من تأثر المؤمنين بالدعوة ومبادئها وخاصة البرّ بالفقراء والمعوزين والجهد في نشرها والدعوة إليها، ثم صورة لما كان من تأثير ذلك في أغنياء الكفار، وقد كان هذا الموضوع من أبكر ما بشّر به القرآن ومن أبكر ما أثار حقد الأغنياء والزعماء وحفّزهم إلى التكتل والمعارضة وظلّ كذلك قويا إلى أن أدخله القرآن في نظام الدولة وميزانيتها على ما تلهم آيات أخرى بالإضافة إلى تكراره وتوكيده في مختلف المناسبات والأساليب. وقد مرّ بعض الأمثلة من ذلك وعلقنا عليها. وستأتي تعليقات متنوعة أخرى في صدده في مناسبات آتية.
غير أننا نرى هنا أن ننوّه بالمعنى الجليل الذي انطوى في تعبير ﴿ أنفقوا مما رزقكم الله ﴾ وننبه على أن هذا قد تكرر كثيرا في سور مكية ومدنية بأساليب متنوعة. وجاء في بعضها بقوة وصراحة أكثر، حيث يبدو من هذا حكمة التنزيل في التوكيد عليه لإقراره في الأذهان. من ذلك آية سورة الرعد هذه :﴿ و الَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وجْهِ رَبِّهِمْ وأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلاَنِيَةً ويَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ٢٢ ﴾ وآية سورة إبراهيم هذه :﴿ قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ويُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ ولاَ خِلاَلٌ ٣١ ﴾ وآية سورة البقرة هذه :﴿ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ويُقِيمُونَ الصَّلاةَ ومِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ٣ ﴾ وآية آل عمران هذه :﴿ ولاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُو خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُو شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ... ﴾ [ ١٨٠ ] وآية سورة النساء هذه :﴿ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ ويَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا ٣٧ ﴾ وآية سورة النور هذه :
﴿ والَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ... ﴾ [ ٣٣ ] وآية سورة الحديد هذه :﴿ آمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ ٧ ﴾.
ولقد ذكر المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآية [ ٤٥ ] مدنية في حين أنها منسجمة في السياق ونظمه انسجاما تاما وليس لها خصوصية مدنية. والخطاب فيها في صدد الذين سبق الكلام عنهم حيث عبّر عنهم بكلمة ﴿ لهم ﴾ مما تكرر في السياق ؛ ولذلك فإننا نشك في صحة الرواية.

الأجداث : القبور.
ينسلون : يسرعون في الخروج.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

مرقدنا : منامنا ومضجعنا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

فاكهون : فرحون أو متلذذون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

الأرائك : السرر والمقاعد العالية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

يدّعون : يطلبون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

امتازوا : تميزوا وانفصلوا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

ألم أعهد : ألم آخذ عليكم عهدا أو ألم أنبهكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جبلا : خلقا أو أجيالا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

اصلوها : اكتووا بنارها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:{ ونُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ الْأَجْدَاثِ ( ١ ) إِلَى رَبِّهِمْ
يَنسِلُونَ ( ٢ ) ٥١ قَالُوا يَا ويْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا ( ٣ ) هَذَا مَا وعَدَ الرَّحْمَنُ وصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ ٥٢ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ٥٣ فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ولَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ٥٤ إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ ( ٤ ) ٥٥ هُمْ وأَزْواجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ( ٥ ) مُتَّكِئُونَ ٥٦ لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ ولَهُم مَّا يَدَّعُونَ ( ٦ ) ٥٧ سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ ٥٨ وامْتَازُوا ( ٧ ) الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ ٥٩* أَلَمْ أَعْهَدْ ( ٨ ) إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ٦٠ وأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ٦١ ولَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا( ٩ ) كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ ٦٢ هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ٦٣ اصْلَوْهَا ( ١٠ ) الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ ٦٤ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٦٥ }[ ٥١ ـ ٦٥ ].
الآيات استمرار للسياق السابق كما هو المتبادر، حيث جاءت لتصوير الحالة في اليوم الموعود الذي حكت الآيات السابقة سؤال الكفار عنه وردّت عليهم مؤكدة منذرة، وعبارتها واضحة لا تحتاج إلى أداء آخر. وقد احتوت صورة للبعث الأخروي وما يكون فيه من مصير المؤمنين والكفار جزاء لما كسبه كل منهم في الحياة الدنيا، وما سوف يشعر الكفّار به من حقيقة ما وعدوا وصدق الرسل الذين أنذروا به وما سوف يخاطب الله به المجرمين من خطاب فيه تنديد وتبكيت.
وأسلوب الآيات قوي أخّاذ كسابقاتها، من شأنه إثارة الخوف والرعب في الكفار وبعث الطمأنينة والرضى في المؤمنين، وهو مما استهدفته من دون ريب.
ولقد أورد ابن كثير في سياق جملة ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْواهِهِمْ وتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ حديثا أخرجه ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال :" كنّا عند النبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذُه ثم قال : أتدرون مم أضحك ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم، قال : من مجادلة العبد ربّه يوم القيامة، يقول : ربّ ألم تجرني من الظلم ؟ فيقول : بلى، فيقول : لا أجيز عليّ إلاّ شاهدا من نفسي فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا وبالكرام الكاتبين شهودا. فيختم على فيه ويقال لأركانه : انطقي فتنطقُ بعمله ثم يخلّي بينه وبين الكلام فيقول : بعدا لكنّ وسحقا فعنكنّ كنت أناضلُ " ثم قال ابن كثير : إن مسلما والنسائي رويا هذا الحديث أيضا.
وفي الحديث تفسير توضيحي للصورة التي احتوتها الآية قد يزول به ما يكمن أن يقوم من وهم التناقض بينها وبين آيات أخرى حكيت فيها أقوال يقولها الكفار يوم القيامة من قبيل الاعتذار مثل آية سورة المؤمنون هذه :﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوتُنَا وكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ ١٠٧ ﴾. وآية سورة السجدة هذه :﴿ ولَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ١٢ ﴾.
وليس في الحديث بعد ما يخلّ بما قلناه من استهداف الآيات لإثارة الخوف والرعب في الكفّار كما هو واضح.

طمسنا : مسحنا وغطينا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا ( ١ ) عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ٦٦ ولَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ( ٢ ) فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا ولَا يَرْجِعُونَ ٦٧ ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ( ٣ ) فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ٦٨ ﴾ [ ٦٦ ـ ٦٨ ].
الآيات على ما هو ظاهر متصلة بالسياق اتصال تعقيب وتنديد وتنبيه، ولعلها انطوت على تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أيضا. حيث احتوت تقريرات ربانية بأن الله لو شاء لطمس على أعين الكفار، فلا يستطيعون أن يبصروا الصراط المستقيم ويسيروا فيه، أو لو شاء لمسخهم فبدّل من صورهم وأفقدهم قابلية الحركة والنشاط المعتادة ؛ وأن في ما يرونه من آثار قدرة الله وناموسه في تبديل خلق الإنسان وقواه وإرجاعه حين شيخوخته إلى الضعف وسوء الحال لدليلا على ذلك لو عقلوا.
وقد قال بعض المفسرين١ : إن ما احتوته الآيات هو من صور الحياة الأخروية والبرهنة على قدرة الله على البعث. ولكن روحها بل ومضمونها يلهمان وجاهة التأويل الذي أوّلناها به والذي قال به غير واحد من المفسرين أيضا٢.
والمتبادر لنا أنه أريد بما قررته الآيات تقرير كون الله لم يفعل بهم ذلك إلا ليكون لهم من مواهبهم وحواسهم المعتادة التي زودهم بها وسيلة للإدراك والتمييز والحركة والنشاط حتى لا تضيع الفرصة عليهم ويستحقوا ما يستحقونه من المصير عدلا وحقا إذ عطلوا ما زودهم الله به وأضاعوا الفرصة ولم يسيروا في طريق الهدى والحق.
وينطوي في هذا إعذار وإنذار ربانيان للكفار، وحكمة ربانية سامية مستمرة الإلهام والتلقين وهي الدعوة إلى الانتفاع بالمواهب التي أودعها الله في الناس بالاستدلال على سبيل الحق والهدى والخير والسير فيها وعدم تعطيلها.

مسخناهم على مكانتهم : غيرنا خلقتهم أو شوهناها حتى يتعذّر عليهم استخدام أعضائهم وحواسّهم كما يستخدمونها في حالتهم العادية.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا ( ١ ) عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ٦٦ ولَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ( ٢ ) فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا ولَا يَرْجِعُونَ ٦٧ ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ( ٣ ) فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ٦٨ ﴾ [ ٦٦ ـ ٦٨ ].
الآيات على ما هو ظاهر متصلة بالسياق اتصال تعقيب وتنديد وتنبيه، ولعلها انطوت على تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أيضا. حيث احتوت تقريرات ربانية بأن الله لو شاء لطمس على أعين الكفار، فلا يستطيعون أن يبصروا الصراط المستقيم ويسيروا فيه، أو لو شاء لمسخهم فبدّل من صورهم وأفقدهم قابلية الحركة والنشاط المعتادة ؛ وأن في ما يرونه من آثار قدرة الله وناموسه في تبديل خلق الإنسان وقواه وإرجاعه حين شيخوخته إلى الضعف وسوء الحال لدليلا على ذلك لو عقلوا.
وقد قال بعض المفسرين١ : إن ما احتوته الآيات هو من صور الحياة الأخروية والبرهنة على قدرة الله على البعث. ولكن روحها بل ومضمونها يلهمان وجاهة التأويل الذي أوّلناها به والذي قال به غير واحد من المفسرين أيضا٢.
والمتبادر لنا أنه أريد بما قررته الآيات تقرير كون الله لم يفعل بهم ذلك إلا ليكون لهم من مواهبهم وحواسهم المعتادة التي زودهم بها وسيلة للإدراك والتمييز والحركة والنشاط حتى لا تضيع الفرصة عليهم ويستحقوا ما يستحقونه من المصير عدلا وحقا إذ عطلوا ما زودهم الله به وأضاعوا الفرصة ولم يسيروا في طريق الهدى والحق.
وينطوي في هذا إعذار وإنذار ربانيان للكفار، وحكمة ربانية سامية مستمرة الإلهام والتلقين وهي الدعوة إلى الانتفاع بالمواهب التي أودعها الله في الناس بالاستدلال على سبيل الحق والهدى والخير والسير فيها وعدم تعطيلها.

ننكسه : ننتقص من قوته ونرجعه إلى الوراء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ ولَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا ( ١ ) عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ ٦٦ ولَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ ( ٢ ) فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيًّا ولَا يَرْجِعُونَ ٦٧ ومَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ( ٣ ) فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ ٦٨ ﴾ [ ٦٦ ـ ٦٨ ].
الآيات على ما هو ظاهر متصلة بالسياق اتصال تعقيب وتنديد وتنبيه، ولعلها انطوت على تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أيضا. حيث احتوت تقريرات ربانية بأن الله لو شاء لطمس على أعين الكفار، فلا يستطيعون أن يبصروا الصراط المستقيم ويسيروا فيه، أو لو شاء لمسخهم فبدّل من صورهم وأفقدهم قابلية الحركة والنشاط المعتادة ؛ وأن في ما يرونه من آثار قدرة الله وناموسه في تبديل خلق الإنسان وقواه وإرجاعه حين شيخوخته إلى الضعف وسوء الحال لدليلا على ذلك لو عقلوا.
وقد قال بعض المفسرين١ : إن ما احتوته الآيات هو من صور الحياة الأخروية والبرهنة على قدرة الله على البعث. ولكن روحها بل ومضمونها يلهمان وجاهة التأويل الذي أوّلناها به والذي قال به غير واحد من المفسرين أيضا٢.
والمتبادر لنا أنه أريد بما قررته الآيات تقرير كون الله لم يفعل بهم ذلك إلا ليكون لهم من مواهبهم وحواسهم المعتادة التي زودهم بها وسيلة للإدراك والتمييز والحركة والنشاط حتى لا تضيع الفرصة عليهم ويستحقوا ما يستحقونه من المصير عدلا وحقا إذ عطلوا ما زودهم الله به وأضاعوا الفرصة ولم يسيروا في طريق الهدى والحق.
وينطوي في هذا إعذار وإنذار ربانيان للكفار، وحكمة ربانية سامية مستمرة الإلهام والتلقين وهي الدعوة إلى الانتفاع بالمواهب التي أودعها الله في الناس بالاستدلال على سبيل الحق والهدى والخير والسير فيها وعدم تعطيلها.

﴿ ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ومَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُو إِلَّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُّبِينٌ ٦٩ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا ( ١ ) ويَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ٧٠ ﴾ [ ٦٩ ٧٠ ].
والآية الأولى تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الشاعرية علما وترفعا وتقرر أن القرآن ليس إلاّ تذكيرا للناس وقرآنا مبينا واضحا.
والآية الثانية تعلن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل وأنزل عليه القرآن لينذر الناس فينتفع بذلك من كان ذا عقل متأمل وقلب حيّ سليم ويحق القول وتقوم الحجة على الجاحدين.
وبرغم ما يبدو من استقلال الآيتين بموضوع منفصل عما قبلهما، فإن ما جاء بعدهما هو استمرار للسياق الأول في التنديد بالكفار وحكاية أقوالهم ومواقفهم بحيث يمكن أن يقال : إنهما متصلتان بالسياق السابق واللاحق أيضا، وإنهما جاءتا بمثابة تقرير لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهدف ما يوحيه الله إليه من قرآن. وهذا الأسلوب النظمي قد تكرر في القرآن. ويبدو أن حكمة هذا الأسلوب هنا هي تقرير أن ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات الإنذار والوعيد والتقريرات عن عظمة الله ووصف مشاهد الآخرة ومصائر الناس فيها ليس من قبيل الشعر وإنما هو قرآن رباني فيه كل الحق والحقيقة.
تعليق على نسبة العرب
الشعر والشاعرية للنبي والقرآن
على أن الآيتين احتوتا موضوعا جديدا ذاتيا أيضا. وهو نفي شاعرية النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن. فلقد رأى الكفار النبي صلى الله عليه وسلم يتلو الآيات البليغة القوية النافذة إلى أعماق النفوس والمؤثرة في العواطف والمشاعر فظنوا ذلك من قبيل الشعر البليغ الذي اعتادوا سماعه والتأثّر به والتحمس له.
ولم يرد في السور السابقة حكاية عن نسبة الشعر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الكفار. غير أن الآيتين تلهمان بقوة أن هذا مما كانوا يقولونه قبل نزولهما. ولقد حكته عنهم آيات عديدة في سور أخرى بعد هذه السورة حيث اقتضت حكمة التنزيل ذلك. منها آية سورة الأنبياء هذه :﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُو شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَولُونَ ٥ ﴾ وآية سورة الطور هذه :﴿ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ٣٠ ﴾.
وفي نفي شاعرية النبي صلى الله عليه وسلم وتقرير خطورة مهمته في عبارة ﴿ وما ينبغي له ﴾ وكذلك في تقرير كون القرآن ذكرا وإنذارا قصد آخر على ما يتبادر لنا، وهو توكيد سمو المصدر القرآني وعلوّ أهدافه وتجرّده عن المبالغات والأكاذيب والاندفاع في العاطفة والخيال، شأن الشعراء وما يصدر عنهم، ولفت نظر السامعين إلى أن ما يتلوه هو ذكر وقرآن رباني فيه الصدق والحقيقة وفيه الهدى والموعظة وفيه الدعوة الخالصة إلى الله وصراطه المستقيم، وفيه أسمى مبادئ الخير والصلاح وفضائل الأخلاق والنظم وفيه الإنذار والتبشير والحرص على هداية الناس وتحرير نفوسهم وقواهم وعقولهم والتسامي بها إلى مراتب الكمال الخلقي والاجتماعي والإنساني. وكل هذا هو من مهمات النبوّة وأعلامها ومظاهرها وليس فيه شيء يمتّ إلى الشعر والشعراء. ولقد زعم الكفار بالإضافة إلى أنه شاعر أنه يتلقى شعره من شياطين الجنّ على ما كانوا يعتقدونه بالنسبة لنوابغ الشعراء وعباقرتهم فأنزل الله آيات عديدة في سورة الشعراء في هذا الصدد منها :﴿ وإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ١٩٣ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ١٩٥ وإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَولِينَ ١٩٦{ ومنها :{ ومَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ٢١٠ ومَا يَنبَغِي لَهُمْ ومَا يَسْتَطِيعُونَ ٢١١ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ٢١٢ ﴾ ومنها :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ٢٢١ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ٢٢٢ يُلْقُونَ السَّمْعَ وأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ٢٢٣ والشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ٢٢٤ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ٢٢٦ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ٢٢٧ ﴾ حيث انطوى في هذه الآيات تقرير قوي في تزييف الشعر والشعراء ونفي لشاعرية النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ومقارنة رائعة بين الشعر والقرآن وبين الشعراء والنبي صلى الله عليه وسلم. فالشياطين إنما تنزل بالشعر على الشعراء لا على الأنبياء، ومعظم الشعراء كاذبون أفّاكون أثيمون وفي كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون ولا يتبعهم إلاّ الغاوون الضالون في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم معروف بكل خلق كريم ويدعو إلى الله وحده وإلى مكارم الأخلاق وفضائل الآداب والحقّ والهدى وينهى عن الشرك والإثم والفواحش. ويتبعه طائفة عرفت بكرم الأخلاق والصفات، فلا يمكن أن يكون النبي شاعرا ولا يمكن أن يكون القرآن شعرا من نوع الشعر الذي يقوله الشعراء وتتنزل به الشياطين. وإنما أنزله الله عزّ وجلّ، ودليل ذلك أنه متسق مع كتب الله الأولى التي أنزلها على أنبيائه الأولين والتي يعرف العرب السامعون خبرها من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم.
هذا، ومن الممكن أن يستدلّ من الآيات على أن العرب كانوا يرون في القرآن نمطا من أنماط الشعر، وأن الشعر عندهم لم يكن محصور المفهوم في ما يكون منظوما موزونا مقفّى، فقد قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، في حين أن القرآن ليس شعرا حسب تعريف الشعر العربي المعتاد. ولو لم يسمعوا ما يصح أن يطلق عليه في نظرهم اسم الشعر لما قالوا إنه شاعر، ولعلّهم رأوا في السور والفصول القرآنية المتوازنة المقفّاة مثل النجم والأعلى والليل والشمس والقارعة إلخ ما برّر لهم إطلاق الشعر على القرآن والشاعر على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد أوّل البغوي جملة ﴿ وما ينبغي له ﴾ بمعنى لا يتسهّل له. واستدلّ على صحة التأويل بما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تمثّل ببيت شعر جرى على لسانه مكسورا. ومن ذلك أنه كان يقول :( كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا ) في مقام شطر من بيت صحيحه ( كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ) ويقول :( ويأتيك من لم تزود بالأخبار ) في مقام شطر من بيت صحيحه :( ويأتيك بالأخبار من لم تزود ) وإن أبا بكر راجعه فقال له :( إني لست بشاعر ولا ينبغي لي ).
وهذه الأحاديث لم ترد في مساند الأحاديث الصحيحة في حين أن هناك حديثا صحيحا رواه الترمذي في سياق تفسير سورة النجم عن ابن عباس فيه بيت من الشعر صحيح قاله النبي صلى الله عليه وسلم في سياق آية سورة النجم :﴿ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ﴾ [ ٣٢ ] وهو :
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا وأيّ عبد لك لا ألمّا١
وحديثين صحيحين آخرين رواهما الشيخان في سياق وقعة الخندق أو الأحزاب جاء في أحدهما عن أنس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلمّا رأى ما بهم من النّصب والجوع قال :
اللهمّ إنّ العيش عيش الآخرهْ فاغفرْ للأنصار والمهاجرهْ " ٢
وجاء في ثانيهما للبراء : " إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ينقل معنا التراب ولقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول :
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لا قينا
إن الأُلى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته : أبينا... أبينا " ٣
وإن كتب السيرة القديمة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتجز يوم حنين وهو على بغلته قائلا :
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلّب٤
وإن ابن كثير روى في سياق الآيات التي نحن في صددها حديثا جاء فيه :
" أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جرحت يده فقال :
هل أنت إلاّ إصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت.
وكل هذا شعر موزون على نمط الشعر العربي المتواتر.
والذي يتبادر لنا أنه لا منافاة بين أن يتمثّل النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الشعر بوزنه الصحيح، بل وأن يحفظ أكثر من بيت من شعر شعراء العرب الذي يجري على لسانه بعض أبيات على نمط الشعر المتواتر وبين مدى الجملة القرآنية، وأن نفي ذلك عنه غير متّسق مع طبيعة الأشياء من حيث إن النبي كان يعيش حياة العرب التي كان للشعر فيها حيّز كبير. وإن المدى الأوجه والأصح للجملة على ضوء ما تلهمه آيات سورة الشعراء التي أوردناها وشرحناها قبل قليل هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف عن معاطاة الشعر، وأن ذلك لا يتناسب مع مهمة وجلال النبوّة.
ولقد أورد البغوي في سياق تفسير آيات سورة الشعراء [ ٢٢١ ٢٢٧ ] حديثا رواه بطرقه عن أبي هريرة جاء فيه : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا ". وإذا صحّ هذا الحديث فهو متّصل بما يتصف به شعر معظم الشعراء من كذب وبُعد عن محجة العقل والحق فيما هو المتبادر.
١ التاج ح ٤ ص ٢٢٢..
٢ التاج ح ٤ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥..
٣ انظر المصدر نفسه..
٤ طبقات بن سعد ج ٣ ص ٢٠١..
حيّا : هنا بمعنى العاقل المتأمل الحي البصيرة والقلب.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٦٩:﴿ ومَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ ومَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُو إِلَّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُّبِينٌ ٦٩ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا ( ١ ) ويَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ٧٠ ﴾ [ ٦٩ ٧٠ ].
والآية الأولى تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم الشاعرية علما وترفعا وتقرر أن القرآن ليس إلاّ تذكيرا للناس وقرآنا مبينا واضحا.
والآية الثانية تعلن أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أرسل وأنزل عليه القرآن لينذر الناس فينتفع بذلك من كان ذا عقل متأمل وقلب حيّ سليم ويحق القول وتقوم الحجة على الجاحدين.
وبرغم ما يبدو من استقلال الآيتين بموضوع منفصل عما قبلهما، فإن ما جاء بعدهما هو استمرار للسياق الأول في التنديد بالكفار وحكاية أقوالهم ومواقفهم بحيث يمكن أن يقال : إنهما متصلتان بالسياق السابق واللاحق أيضا، وإنهما جاءتا بمثابة تقرير لمهمة النبي صلى الله عليه وسلم وهدف ما يوحيه الله إليه من قرآن. وهذا الأسلوب النظمي قد تكرر في القرآن. ويبدو أن حكمة هذا الأسلوب هنا هي تقرير أن ما يتلوه النبي صلى الله عليه وسلم من آيات الإنذار والوعيد والتقريرات عن عظمة الله ووصف مشاهد الآخرة ومصائر الناس فيها ليس من قبيل الشعر وإنما هو قرآن رباني فيه كل الحق والحقيقة.
تعليق على نسبة العرب
الشعر والشاعرية للنبي والقرآن
على أن الآيتين احتوتا موضوعا جديدا ذاتيا أيضا. وهو نفي شاعرية النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن. فلقد رأى الكفار النبي صلى الله عليه وسلم يتلو الآيات البليغة القوية النافذة إلى أعماق النفوس والمؤثرة في العواطف والمشاعر فظنوا ذلك من قبيل الشعر البليغ الذي اعتادوا سماعه والتأثّر به والتحمس له.
ولم يرد في السور السابقة حكاية عن نسبة الشعر إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الكفار. غير أن الآيتين تلهمان بقوة أن هذا مما كانوا يقولونه قبل نزولهما. ولقد حكته عنهم آيات عديدة في سور أخرى بعد هذه السورة حيث اقتضت حكمة التنزيل ذلك. منها آية سورة الأنبياء هذه :﴿ بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُو شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَولُونَ ٥ ﴾ وآية سورة الطور هذه :﴿ أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ٣٠ ﴾.
وفي نفي شاعرية النبي صلى الله عليه وسلم وتقرير خطورة مهمته في عبارة ﴿ وما ينبغي له ﴾ وكذلك في تقرير كون القرآن ذكرا وإنذارا قصد آخر على ما يتبادر لنا، وهو توكيد سمو المصدر القرآني وعلوّ أهدافه وتجرّده عن المبالغات والأكاذيب والاندفاع في العاطفة والخيال، شأن الشعراء وما يصدر عنهم، ولفت نظر السامعين إلى أن ما يتلوه هو ذكر وقرآن رباني فيه الصدق والحقيقة وفيه الهدى والموعظة وفيه الدعوة الخالصة إلى الله وصراطه المستقيم، وفيه أسمى مبادئ الخير والصلاح وفضائل الأخلاق والنظم وفيه الإنذار والتبشير والحرص على هداية الناس وتحرير نفوسهم وقواهم وعقولهم والتسامي بها إلى مراتب الكمال الخلقي والاجتماعي والإنساني. وكل هذا هو من مهمات النبوّة وأعلامها ومظاهرها وليس فيه شيء يمتّ إلى الشعر والشعراء. ولقد زعم الكفار بالإضافة إلى أنه شاعر أنه يتلقى شعره من شياطين الجنّ على ما كانوا يعتقدونه بالنسبة لنوابغ الشعراء وعباقرتهم فأنزل الله آيات عديدة في سورة الشعراء في هذا الصدد منها :﴿ وإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٩٢ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ١٩٣ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ١٩٤ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ١٩٥ وإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَولِينَ ١٩٦{ ومنها :{ ومَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ ٢١٠ ومَا يَنبَغِي لَهُمْ ومَا يَسْتَطِيعُونَ ٢١١ إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ ٢١٢ ﴾ ومنها :﴿ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ٢٢١ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ٢٢٢ يُلْقُونَ السَّمْعَ وأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ ٢٢٣ والشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ٢٢٤ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ٢٢٦ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ٢٢٧ ﴾ حيث انطوى في هذه الآيات تقرير قوي في تزييف الشعر والشعراء ونفي لشاعرية النبي صلى الله عليه وسلم والقرآن ومقارنة رائعة بين الشعر والقرآن وبين الشعراء والنبي صلى الله عليه وسلم. فالشياطين إنما تنزل بالشعر على الشعراء لا على الأنبياء، ومعظم الشعراء كاذبون أفّاكون أثيمون وفي كل واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون ولا يتبعهم إلاّ الغاوون الضالون في حين أن النبي صلى الله عليه وسلم معروف بكل خلق كريم ويدعو إلى الله وحده وإلى مكارم الأخلاق وفضائل الآداب والحقّ والهدى وينهى عن الشرك والإثم والفواحش. ويتبعه طائفة عرفت بكرم الأخلاق والصفات، فلا يمكن أن يكون النبي شاعرا ولا يمكن أن يكون القرآن شعرا من نوع الشعر الذي يقوله الشعراء وتتنزل به الشياطين. وإنما أنزله الله عزّ وجلّ، ودليل ذلك أنه متسق مع كتب الله الأولى التي أنزلها على أنبيائه الأولين والتي يعرف العرب السامعون خبرها من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم.
هذا، ومن الممكن أن يستدلّ من الآيات على أن العرب كانوا يرون في القرآن نمطا من أنماط الشعر، وأن الشعر عندهم لم يكن محصور المفهوم في ما يكون منظوما موزونا مقفّى، فقد قالوا إن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر، في حين أن القرآن ليس شعرا حسب تعريف الشعر العربي المعتاد. ولو لم يسمعوا ما يصح أن يطلق عليه في نظرهم اسم الشعر لما قالوا إنه شاعر، ولعلّهم رأوا في السور والفصول القرآنية المتوازنة المقفّاة مثل النجم والأعلى والليل والشمس والقارعة إلخ ما برّر لهم إطلاق الشعر على القرآن والشاعر على النبي صلى الله عليه وسلم.
ولقد أوّل البغوي جملة ﴿ وما ينبغي له ﴾ بمعنى لا يتسهّل له. واستدلّ على صحة التأويل بما روي من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تمثّل ببيت شعر جرى على لسانه مكسورا. ومن ذلك أنه كان يقول :( كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا ) في مقام شطر من بيت صحيحه ( كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا ) ويقول :( ويأتيك من لم تزود بالأخبار ) في مقام شطر من بيت صحيحه :( ويأتيك بالأخبار من لم تزود ) وإن أبا بكر راجعه فقال له :( إني لست بشاعر ولا ينبغي لي ).
وهذه الأحاديث لم ترد في مساند الأحاديث الصحيحة في حين أن هناك حديثا صحيحا رواه الترمذي في سياق تفسير سورة النجم عن ابن عباس فيه بيت من الشعر صحيح قاله النبي صلى الله عليه وسلم في سياق آية سورة النجم :﴿ الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم ﴾ [ ٣٢ ] وهو :
إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا وأيّ عبد لك لا ألمّا١
وحديثين صحيحين آخرين رواهما الشيخان في سياق وقعة الخندق أو الأحزاب جاء في أحدهما عن أنس :" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الخندق فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم فلمّا رأى ما بهم من النّصب والجوع قال :
اللهمّ إنّ العيش عيش الآخرهْ فاغفرْ للأنصار والمهاجرهْ " ٢
وجاء في ثانيهما للبراء :" إنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان ينقل معنا التراب ولقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول :
والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لا قينا
إن الأُلى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا
ورفع بها صوته : أبينا... أبينا " ٣
وإن كتب السيرة القديمة روت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرتجز يوم حنين وهو على بغلته قائلا :
أنا النبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطلّب٤
وإن ابن كثير روى في سياق الآيات التي نحن في صددها حديثا جاء فيه :
" أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم جرحت يده فقال :
هل أنت إلاّ إصبع دميت وفي سبيل اللّه ما لقيت.
وكل هذا شعر موزون على نمط الشعر العربي المتواتر.
والذي يتبادر لنا أنه لا منافاة بين أن يتمثّل النبي صلى الله عليه وسلم ببعض الشعر بوزنه الصحيح، بل وأن يحفظ أكثر من بيت من شعر شعراء العرب الذي يجري على لسانه بعض أبيات على نمط الشعر المتواتر وبين مدى الجملة القرآنية، وأن نفي ذلك عنه غير متّسق مع طبيعة الأشياء من حيث إن النبي كان يعيش حياة العرب التي كان للشعر فيها حيّز كبير. وإن المدى الأوجه والأصح للجملة على ضوء ما تلهمه آيات سورة الشعراء التي أوردناها وشرحناها قبل قليل هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صرف عن معاطاة الشعر، وأن ذلك لا يتناسب مع مهمة وجلال النبوّة.
ولقد أورد البغوي في سياق تفسير آيات سورة الشعراء [ ٢٢١ ٢٢٧ ] حديثا رواه بطرقه عن أبي هريرة جاء فيه :" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا ". وإذا صحّ هذا الحديث فهو متّصل بما يتصف به شعر معظم الشعراء من كذب وبُعد عن محجة العقل والحق فيما هو المتبادر.
١ التاج ح ٤ ص ٢٢٢..
٢ التاج ح ٤ ص ٣٧٤ ـ ٣٧٥..
٣ انظر المصدر نفسه..
٤ طبقات بن سعد ج ٣ ص ٢٠١..

الأنعام : تطلق على الإبل والبقر والغنم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا( ١ ) فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وذَلَّلْنَاهَا ( ٢ ) لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ومِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ ولَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ومَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٧٣ ﴾[ ٧١ـ ٧٣ ].
( ٢ ) ذلّلناها : سخرناها أو أخضعناها.
في الآيات تذكير استنكاري للسامعين بالأنعام التي سخّرها الله لهم لينتفعوا بها في مختلف وجوه النفع من ركوب وأكل وشرب ولبس، وتنديد بهم لعدم شكرهم على نعمه والاعتراف بفضله وربوبيته.
وفي الآيات عود على بدء في التنديد بالكافرين والمكذّبين وربط للسياق، كأنما فصول مشهد الآخرة وما بعدها جاءت استطرادية. وهكذا تتصل فصول السورة ببعضها وتبدو صورة رائعة من صور التساوق في النظم القرآني.
ولقد كانت الأنعام من أهمّ ما ينتفع به العرب. فجاء التذكير بنعمة الله عليهم بها قوي الاستحكام. وفي هذا مظهر من مظاهر التساوق بين الأساليب القرآنية وأذهان السامعين مما تكرر كثيرا في مناسبات وصيغ متنوعة.
وقد يقال : إن الله خلق الأنعام كما خلق غيرها من الدواب النافعة والمؤذية بمقتضى الناموس العام. وإن في القول بأن الله قد خلقها للناس إشكالا، والذي يتبادر لنا أن المقصد من ما جاء في الآيات وأمثالها المتكررة في القرآن هو تذكير السامعين بما أقدرهم الله عليه من تسخير الأنعام والانتفاع بها شتى المنافع التي فيها قوام حياتهم وبما يوجبه ذلك عليهم من الإخلاص له وشكره وبما في الاتجاه نحو غيره أو إشراك غيره معه انحراف وشذوذ. وفي الآيات نفسها وما يليها من الآيات ما يؤيد هذا التوجيه.

ذلّلناها : سخرناها أو أخضعناها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا( ١ ) فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وذَلَّلْنَاهَا ( ٢ ) لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ومِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ ولَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ومَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٧٣ ﴾[ ٧١ـ ٧٣ ].
( ٢ ) ذلّلناها : سخرناها أو أخضعناها.
في الآيات تذكير استنكاري للسامعين بالأنعام التي سخّرها الله لهم لينتفعوا بها في مختلف وجوه النفع من ركوب وأكل وشرب ولبس، وتنديد بهم لعدم شكرهم على نعمه والاعتراف بفضله وربوبيته.
وفي الآيات عود على بدء في التنديد بالكافرين والمكذّبين وربط للسياق، كأنما فصول مشهد الآخرة وما بعدها جاءت استطرادية. وهكذا تتصل فصول السورة ببعضها وتبدو صورة رائعة من صور التساوق في النظم القرآني.
ولقد كانت الأنعام من أهمّ ما ينتفع به العرب. فجاء التذكير بنعمة الله عليهم بها قوي الاستحكام. وفي هذا مظهر من مظاهر التساوق بين الأساليب القرآنية وأذهان السامعين مما تكرر كثيرا في مناسبات وصيغ متنوعة.
وقد يقال : إن الله خلق الأنعام كما خلق غيرها من الدواب النافعة والمؤذية بمقتضى الناموس العام. وإن في القول بأن الله قد خلقها للناس إشكالا، والذي يتبادر لنا أن المقصد من ما جاء في الآيات وأمثالها المتكررة في القرآن هو تذكير السامعين بما أقدرهم الله عليه من تسخير الأنعام والانتفاع بها شتى المنافع التي فيها قوام حياتهم وبما يوجبه ذلك عليهم من الإخلاص له وشكره وبما في الاتجاه نحو غيره أو إشراك غيره معه انحراف وشذوذ. وفي الآيات نفسها وما يليها من الآيات ما يؤيد هذا التوجيه.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا( ١ ) فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ ٧١ وذَلَّلْنَاهَا ( ٢ ) لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ ومِنْهَا يَأْكُلُونَ ٧٢ ولَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ ومَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ٧٣ ﴾[ ٧١ـ ٧٣ ].
( ٢ ) ذلّلناها : سخرناها أو أخضعناها.
في الآيات تذكير استنكاري للسامعين بالأنعام التي سخّرها الله لهم لينتفعوا بها في مختلف وجوه النفع من ركوب وأكل وشرب ولبس، وتنديد بهم لعدم شكرهم على نعمه والاعتراف بفضله وربوبيته.
وفي الآيات عود على بدء في التنديد بالكافرين والمكذّبين وربط للسياق، كأنما فصول مشهد الآخرة وما بعدها جاءت استطرادية. وهكذا تتصل فصول السورة ببعضها وتبدو صورة رائعة من صور التساوق في النظم القرآني.
ولقد كانت الأنعام من أهمّ ما ينتفع به العرب. فجاء التذكير بنعمة الله عليهم بها قوي الاستحكام. وفي هذا مظهر من مظاهر التساوق بين الأساليب القرآنية وأذهان السامعين مما تكرر كثيرا في مناسبات وصيغ متنوعة.
وقد يقال : إن الله خلق الأنعام كما خلق غيرها من الدواب النافعة والمؤذية بمقتضى الناموس العام. وإن في القول بأن الله قد خلقها للناس إشكالا، والذي يتبادر لنا أن المقصد من ما جاء في الآيات وأمثالها المتكررة في القرآن هو تذكير السامعين بما أقدرهم الله عليه من تسخير الأنعام والانتفاع بها شتى المنافع التي فيها قوام حياتهم وبما يوجبه ذلك عليهم من الإخلاص له وشكره وبما في الاتجاه نحو غيره أو إشراك غيره معه انحراف وشذوذ. وفي الآيات نفسها وما يليها من الآيات ما يؤيد هذا التوجيه.

﴿ واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ٧٤ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ٧٥ ﴾ [ ٧٤ ٧٥ ].
والآيتان استمرار في السياق والتنديد بالكافرين على اتخاذهم آلهة غير الله رجاء أن ينصروهم في حين أنهم عاجزون عن ذلك.
وقد أوّل المفسرون١ الفقرة الأخيرة من الآية الثانية تأويلات متعددة. منها : أن الكفّار يتخذون الأصنام آلهة لهم مع أنهم هم جند لهم يحمونهم ويدفعون عنهم الأذى والعدوان. ومنها : أن الآلهة سوف يكونون مع الكفار يوم القيامة جندا واحدا، ولكنهم لن يستطيعوا لهم نصرا حيث يطرحون جميعا في النار. وكلا التأويلين وجيه وإن كنا نرجح الأول. وكلاهما منطو على السخرية بالكافرين والتسفيه لعقولهم وبقصد الإقحام والتدعيم كما هو المتبادر.
١ انظر الطبري وابن كثير والطبرسي مثلا..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٧٤:﴿ واتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ ٧٤ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ ٧٥ ﴾ [ ٧٤ ٧٥ ].
والآيتان استمرار في السياق والتنديد بالكافرين على اتخاذهم آلهة غير الله رجاء أن ينصروهم في حين أنهم عاجزون عن ذلك.
وقد أوّل المفسرون١ الفقرة الأخيرة من الآية الثانية تأويلات متعددة. منها : أن الكفّار يتخذون الأصنام آلهة لهم مع أنهم هم جند لهم يحمونهم ويدفعون عنهم الأذى والعدوان. ومنها : أن الآلهة سوف يكونون مع الكفار يوم القيامة جندا واحدا، ولكنهم لن يستطيعوا لهم نصرا حيث يطرحون جميعا في النار. وكلا التأويلين وجيه وإن كنا نرجح الأول. وكلاهما منطو على السخرية بالكافرين والتسفيه لعقولهم وبقصد الإقحام والتدعيم كما هو المتبادر.
١ انظر الطبري وابن كثير والطبرسي مثلا..

﴿ فَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُم إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ ومَا يُعْلِنُونَ ٧٦ ﴾ [ ٧٦ ].
يسرون : يكتمون ويخفون.
في الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وقد جاءت معترضة في السياق. وقد أوردناها لحدتها ؛ لأن من المحتمل أن تكون التسلية في صدد ما يثير نفس النبي صلى الله عليه وسلم من اتخاذ الكفار آلهة لهم غير الله والاستنصار بهم، أو في صدد نعتهم إياه بالشاعرية وتكذيبهم القرآن أو في صدد ما حكته الآيات التالية من تحدي بعض زعماء الكفار ومكابرتهم وتكذيبهم البعث الأخروي بعد أن يصبحوا رميما.
وقد تكرر مثل ذلك حيث اقتضته حكمة التنزيل بسبيل تثبيت النبي صلى الله عليه وسلم وتقويته إزاء ما كان يلقاه من قومه من مواقف ويسمعه من نعوت كانت تثيره وتحزنه.
خصيم مبين : مجادل عنيد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

رميم : بال.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

يقول له كن فيكون : هذا التعبير أسلوبي أو مجازي بمعنى : أن الله فيما يريد أن يتمّ ظهور شيء يتمّ فورا بمجرد تعلق إرادته به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

ملكوت : بمعنى الملك المطلق التام.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:﴿ أَولَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُو خَصِيمٌ مُّبِينٌ ( ١ ) ٧٧ وضَرَبَ لَنَا مَثَلًا ونَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ ( ٢ ) ٧٨ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَولَ مَرَّةٍ وهُو بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ٧٩ الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ٨٠ أَولَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاواتِ والْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وهُو الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ٨١ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ( ٣ )٨٢ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ( ٤ ) كُلِّ شَيْءٍ وإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ٨٣ ﴾ [ ٧٧ ـ ٨٣ ].
تساءلت الآية الأولى تساءل المستنكر المندد عما إذا كان الإنسان لم يعرف أن الله إنما خلقه من نطفة حتى ينقلب خصما عنيدا له. وحكت الثانية موقف هذا الإنسان الذي نسي كيفية نشوئه وخلقه المذكورة فتساءل عمن يمكن أن يحيى العظام بعد أن تصبح رميما فتاتا متحدّيا بذلك ربّه العظيم الذي خلقه من تلك النطفة ومتجاهلا قدرته، واحتوت الآيات التالية أمرا ربانيا للنبي بالردّ على هذا الإنسان السائل المتحدي المتجاهل ردّا قويا فيه تنديد لاذع بعبارة واضحة موجهة إلى العقل والقلب وفيه تدليل هنا على قدرة الله على إعادة الخلق وعظمته بما لا يمكن المكابرة فيه مما يقع تحت المشاهدة.
وقد روى المفسرون١ أن أبيّ بن خلف أو العاص بن وائل من زعماء الكفار أخذ في موقف جدل بينه بين النبي صلى الله عليه وسلم عظمة بالية وفتتها، ثم قال له : كيف تزعم أن ربّك يبعث الناس وقد صارت عظامهم رميما !.
والرواية محتملة الصحة. غير أننا نلاحظ أن السياق كله أي هذه الآيات وما قبلها منسجم يدلّ على الوحدة التقريرية والإلزامية والتنديدية. والذي يتبادر لنا من ذلك أن حكاية هذا الموقف قد جاءت كإشارة عرضية إلى بعض أسئلة الكفار ومواقفهم الساخرة بسبيل الردّ والتنديد مما تكرر كثيرا في النظم القرآني.
وأسلوب الآيات قويّ من شأنه أن يفحم المجادل المكابر وأن يقطع عليه نفس الكلام والمكابرة. وفيه من الإقحام ما يظلّ مستمد إلهام وقوة في صدد التدليل على قدرة الله عزّ وجلّ وعظمته كما هو المتبادر. ولقد كان السائلون يعترفون بالله عزّ وجلّ وكونه خالق الأكوان ومدبّرها ومالك كل شيء ومرجع كل شيء على ما نبهنا عليه وأوردنا شواهده القرآنية في مناسبات سابقة ومن هنا يأتي الإفحام لهم قويا ملزما. غير أن هذا يظلّ كذلك دائما لأن دلائل وجود الله وقدرته ماثلة في كل شيء لا يكابر فيها إلا مكابر أو جاهل.

Icon