ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ) : هُوَ مِثْلُ أَوَّلِ السَّجْدَةِ. كِتَابٌ؛ أَيْ هُوَ كِتَابٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْفُوعًا بِتَنْزِيلٍ؛ أَيْ نُزِّلَ كِتَابٌ؛ وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ، أَوْ بَدَلًا. وَ (قُرْآنًا) : حَالٌ مُوَطِّئَةٌ مِنْ «آيَاتِهِ». وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ «كِتَابٍ» لِأَنَّهُ قَدْ وُصِفَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ (٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِمَّا تَدْعُونَا) : هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْنَى؛ لِأَنَّ مَعْنَى «فِي أَكِنَّةٍ» : مَحْجُوبَةٌ عَنْ سَمَاعِ مَا تَدْعُونَا إِلَيْهِ. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَعْتًا لِأَكِنَّةٍ لِأَنَّ الْأَكِنَّةَ: الْأَغْشِيَةُ، وَلَيْسَتِ الْأَغْشِيَةُ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨)).
وَ (مَمْنُونٍ) : مَفْعُولٌ، مَنْ مَنَنْتُ الْحَبْلَ؛ أَيْ قَطَعْتُهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَجَعَلَ فِيهَا) : هُوَ مُسْتَأْنَفٌ غَيْرُ مَعْطُوفٍ عَلَى «خَلَقَ» لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَيْهِ لَكَانَ دَاخِلًا فِي الصِّلَةِ؛ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَتَجْعَلُونَ...) إِلَى آخَرِ الْآيَةِ؛ وَلَيْسَ مِنَ الصِّلَةِ فِي شَيْءٍ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) : أَيْ فِي تَمَامِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَوْلَا هَذَا التَّقْدِيرُ: لَكَانَتِ الْأَيَّامُ ثَمَانِيَةً: يَوْمَانِ فِي الْأَوَّلِ؛ وَهُوَ قَوْلُهُ: (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) [فُصِّلَتْ: ٩] وَيَوْمَانِ فِي الْآخَرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فُصِّلَتْ: ١٢].
قَالَ تَعَالَى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اِئْتِيَا) : أَيْ تَعَالَيَا. وَ (طَوْعًا) وَ (كَرْهًا) : مَصْدَرَانِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ.
وَ (أَتَيْنَا) بِالْقَصْرِ؛ أَيْ جِئْنَا، وَبِالْمَدِّ؛ أَيْ أَعْطَيْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا الطَّاعَةَ.
وَ (طَائِعِينَ) : حَالٌ؛ وَجَمْعٌ، لِأَنَّهُ قَدْ وَصَفَهَا بِصِفَاتِ مَنْ يَعْقِلُ، أَوِ التَّقْدِيرُ: أَتَيْنَا بِمَنْ فِينَا؛ فَلِذَلِكَ جَمَعَ.
وَقِيلَ: جَمَعَ عَلَى حَسَبِ تَعَدُّدِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)) (وَحِفْظًا) أَيْ وَحَفِظْنَاهَا حِفْظًا، أَوْ لِلْحِفْظِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِذْ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (١٤)).
(إِذْ جَاءَتْهُمُ) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِأَنْذَرْتُكُمْ، كَمَا تَقُولُ: لَقِيتُكَ إِذْ كَانَ كَذَا؛ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِصَاعِقَةٍ، أَوْ حَالًا مِنْ «صَاعِقَةً» الثَّانِيَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ (١٦)).
أَحَدُهُمَا: هُوَ اسْمُ فَاعِلٍ، مِثْلُ نَصِبٍ وَنَصِبَاتٍ. وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَصْدَرًا فِي الْأَصْلِ مِثْلَ الْكَلِمَةِ. وَيُقْرَأُ بِالسُّكُونِ؛ وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هِيَ بِمَعْنَى الْمَكْسُورَةِ؛ وَإِنَّمَا سُكِّنَ لِعَارِضٍ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اسْمَ فَاعِلٍ فِي الْأَصْلِ، وَسُكِّنَ تَخْفِيفًا.
قَالَ تَعَالَى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (١٧))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَمَّا ثَمُودُ) : هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَ «فَهَدَيْنَاهُمْ» الْخَبَرُ. وَبِالنَّصْبِ عَلَى فِعْلٍ مَحْذُوفٍ؛ تَقْدِيرُهُ: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَا، فَسَّرَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَهَدَيْنَاهُمْ».
قَالَ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَيَوْمَ يُحْشَرُ) : هُوَ ظَرْفٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ
قَوْلُهُ تَعَالَى: «فَهُمْ يُوزَعُونَ» كَأَنَّهُ قَالَ: يُمْنَعُونَ يَوْمَ نَحْشُرُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ يَشْهَدَ) أَيْ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ؛ لِأَنَّ تَسْتَتِرُ لَا يَتَعَدَّى نَفْسَهُ.
قَالَ تَعَالَى: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَذَلِكُمْ) : هُوَ مُبْتَدَأٌ، وَ «ظَنُّكُمْ» : خَبَرُهُ، وَ «الَّذِي» : نَعْتٌ لِلْخَبَرِ، أَوْ خَبَرٌ بَعْدَ خَبَرٍ. وَ «أَرْدَاكُمْ» : خَبَرٌ آخَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ صِفَةً، أَوْ بَدَلًا، وَ «أَرْدَاكُمْ» : الْخَبَرُ.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ «أَرْدَاكُمْ» حَالًا، وَ «قَدْ» مَعَهُ مُرَادَةٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَسْتَعْتِبُوا) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ التَّاءِ الثَّانِيَةِ؛ أَيْ أَنْ يَطْلُبُوا زَوَالَ مَا يَعْتِبُونَ مِنْهُ. (فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) : بِفَتْحِ التَّاءِ؛ أَيْ مِنَ الْمُجَابِينَ إِلَى إِزَالَةِ الْعَتَبِ.
وَيُقْرَأُ «يُسْتَعْتَبُوا» بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ التَّاءِ؛ أَيْ يُطْلَبُ مِنْهُمْ مَا لَا يُعْتَبُونَ عَلَيْهِ؛ فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتِبِينَ بِكَسْرِ التَّاءِ؛ أَيْ مِمَّنْ يُزِيلُ الْعَتَبَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالْغَوْا فِيهِ) : يُقْرَأُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مِنْ لَغَا يَلْغَى، وَبِضَمِّهَا مَنْ لَغَا يَلْغُو، وَالْمَعْنَى سَوَاءٌ.
قَالَ تَعَالَى: (ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (النَّارُ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ جَزَاءٍ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ مُبْتَدَأٌ وَمَا بَعْدَهُ الْخَبَرُ. وَ (جَزَاءُ) مَصْدَرٌ؛ أَيْ جُوزُوا بِذَلِكَ جَزَاءً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنُصْوبًا بِجَزَاءِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَأَنْ يَكُونَ حَالًا.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَّا تَخَافُوا) : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ: بِأَنْ لَا تَخَافُوا، أَوْ قَائِلِينَ لَا تَخَافُوا؛ [فَعَلَى الْأَوَّلِ: هُوَ حَالٌ؛ أَيْ تَتَنَزَّلُ بِقَوْلِهِمْ لَا تَخَافُوا، وَعَلَى الثَّانِي الْحَالُ مَحْذُوفَةٌ].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (نُزُلًا) : فِيهِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: هُوَ مَصْدَرٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ الْمَحْذُوفَةِ، أَوْ مِنْ مَا؛ أَيْ لَكُمُ الَّذِي تَدَّعُونَهُ مُعَدًّا، وَمَا أَشْبَهَهُ. وَ «مِنْ» : نَعْتٌ لَهُ. وَالثَّانِي: هُوَ جَمْعُ نَازِلٍ، مِثْلُ صَابِرٍ وَصُبُرٍ؛ فَيَكُونُ حَالًا مِنَ الْوَاوِ فِي «تَدَّعُونَ» أَوْ مِنَ الْكَافِ وَالْمِيمِ فِي «لَكُمْ» فَعَلَى هَذَا يَتَعَلَّقُ مِنْ بِتَدَّعُونَ؛ أَيْ يَطْلُبُوهُ مِنْ غَفُورٍ؛ أَوْ بِالظَّرْفِ؛ أَيِ اسْتَقَرَّ ذَلِكَ مِنْ غَفُورٍ؛ فَيَكُونُ حَالًا مِنْ «مَا».
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ) : فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: هُوَ حَالٌ مِنَ «الَّذِي» بِصِلَتِهِ وَ «الَّذِي» مُبْتَدَأٌ؛ وَإِذَا لِلْمُفَاجَأَةِ، وَ «هِيَ» خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ؛ أَيْ فَبِالْحَضْرَةِ الْمُعَادِي مُشْبِهًا لِلْوَلِيِّ، وَالْفَائِدَةُ تَحْصُلُ مِنَ الْحَالِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَبَرَا لمُبْتَدَأِ، وَ «إِذَا» ظَرْفٌ لِمَعْنَى التَّشْبِيهِ، وَالظَّرْفُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْعَامِلِ الْمَعْنَوِيِّ.
وَالضَّمِيرُ فِي «يُلَقَّاهَا» لِلْخَصْلَةِ أَوِ الْكَلِمَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (خَلَقَهُنَّ) : الضَّمِيرُ لِلْآيَاتِ، وَهِيَ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ، وَالشَّمْسُ، وَالْقَمَرُ.
قَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (٤١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) : خَبَرُ «إِنَّ» مَحْذُوفٌ؛ أَيْ مُعَانِدُونَ. أَوْ هَالِكُونَ. وَقِيلَ: هُوَ: (أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ) [فُصِّلَتْ: ٤٤].
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَأَعْجَمِيٌّ) : عَلَى الِاسْتِفْهَامِ.
وَيُقْرَأُ بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَتْحِ الْعَيْنِ عَلَى النَّسَبِ إِلَى عَجَمٍ.
وَ (عَمًي) : مَصْدَرُ عَمِيَ، مِثْلُ صَدِيَ صَدًى، وَيُقْرَأُ بِكَسْرِ الْمِيمِ؛ أَيْ مُشْكِلٍ فَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ. وَيُقْرَأُ عَمِيَ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ مَاضٍ، فَعَلَى يَتَعَلَّقُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ أَوْ بِالْفِعْلِ.
وَأَمَّا الْمَصْدَرُ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِتَقَدُّمِهَا عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَى التَّبْيِينِ، أَوْ حَالًا مِنْهُ.
قَالَ تَعَالَى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَلِنَفْسِهِ) : هُوَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ أَيْ فَهُوَ لِنَفْسِهِ.
قَالَ تَعَالَى: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا تَحْمِلُ) :«مَا» نَافِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهَا «وَلَا تَضَعُ» ثُمَّ نُقِضَ النَّفْيُ بِإِلَّا وَلَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى الَّذِي مَعْطُوفَةً عَلَى السَّاعَةِ لَمْ يَسْتَقِمْ ذَلِكَ؛ فَأَمَّا
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ) فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ بِمَعْنَى الَّذِي، وَالْأَقْوَى أَنْ تَكُونَ نَافِيَةً.
قَوْلُهُ تَعَالَى: (آذَنَّاكَ) : هَذَا الْفِعْلُ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولٍ بِنَفْسِهِ، وَإِلَى آخَرَ بِحَرْفِ جَرٍّ، وَقَدْ وَقَعَ النَّفْيُ وَمَا فِي حَيِّزِهِ مَوْقِعَ الْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: يُوقَفُ عَلَى آذَنَّاكَ، ثُمَّ يُبْتَدَأُ؛ فَلَا مَوْضِعَ لِلنَّفْي.
قَالَ تَعَالَى: (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٠)).
وَ (دُعَاءِ الْخَيْرِ) : مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى الْمَفْعُولِ، وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ. وَ (لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي) : جَوَابُ الشَّرْطِ، وَالْفَاءُ مَحْذُوفَةٌ.
وَقِيلَ: هُوَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ.
قَالَ تَعَالَى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِرَبِّكَ) : الْبَاءُ زَائِدَةٌ، وَهُوَ فَاعِلُ يَكْفِي، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ أَلَمْ يَكْفِكَ رَبُّكَ. فَعَلَى هَذَا «أَنَّهُ» فِي مَوْضِعِ الْبَدَلِ مِنَ الْفَاعِلِ، إِمَّا عَلَى اللَّفْظِ، أَوْ عَلَى الْمَوْضِعِ؛ أَيْ أَلَمْ يَكْفِكَ رَبُّكَ شَهَادَتَهُ.
وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ [أَوْ جَرٍّ عَلَى تَقْدِيرِ بِأَنَّهُ. وَقِيلَ: «بِرَبِّكَ» فِي مَوْضِعِ نَصْبِ] مَفْعُولِ يَكْفِي؛ أَيْ أَلَمْ يَكْفِ رَبَّكَ شَهَادَتُهُ.