ﰡ
وتسمى عروس القرآن مكية، سبع وسبعون آية، ثلاثمائة وإحدى وخمسون كلمة، ألف وستمائة وستة وثلاثون حرفا
الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) أي علم الإنسان القرآن، فإن الله بعث جبريل بالقرآن إلى محمد صلّى الله عليه وسلّم، وبعث محمدا إلى أمته. خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) أي أنشأه على ما هو عليه من القوى الظاهرة والباطنة. عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤) أي النطق. فيمتاز الإنسان به عن غيره من سائر الحيوانات وألهمه الله أسماء كل شيء وكل دابة تكون على وجه الأرض. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥) أي الشمس والقمر يجريان بحساب مقدر في بروجها بحيث ينتظم بذلك أمور الكائنات السفلية، وتختلف الفصول، وتعلم السنون والأوقات. وَالنَّجْمُ وهو كل نبت لا يقوم على الساق.
وَالشَّجَرُ وهو ما يقوم على الساق يَسْجُدانِ (٦) أي يخضعان الله تعالى، ويخرجان من الأرض، ويثبتان عليها بإذن الله تعالى فشبه الثبات في المكان بالسجود، لأن الساجد يثبت.
وَالسَّماءَ رَفَعَها فوق كل شيء وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧)، أي وضع آلة الوزن في الأرض وبين العدل أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨)، أي لئلا تتجاوزوا الإنصاف في الوزن وفي إعطاء المستحقين حقوقهم.
وقرئ «لا تطغوا» بدون «أن» على إرادة القول، وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ أي بالعدل وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩) أي ولا تنقصوا الموزون، فالطغيان في الوزن أخذ الزائد والإخسار إعطاء الناقص والقسط المتوسط بين الطرفين، وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) أي بسطها على الماء لمنافع الإنس والجن
فِيها أي الأرض، فاكِهَةٌ أي أنواع كثيرة مما تطيب به النفس وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١)، وهي أوعية الثمر، وهي جمع «كم» بكسر الكاف، أو هي كل ما يغطى من ليف وسعف وكفرى، فإنه مما ينتفع به كالمكموم من ثمره وجماره وجذوعه، وهي جمع «كم» بضم الكاف، وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢).
قرأ ابن عامر بنصب الثلاثة بخلق مضمرا، أي وخلق الحبوب كالحنطة والأرز ذا الأوراق
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١) فهلا اعتبرتم بأنواع الموجودات يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢)، فاللؤلؤ الدر، والمرجان الخرز الأحمر.
وقيل: اللؤلؤ كبار الدر، والمرجان شغاره. قيل: إن اللؤلؤ يتولد في ملتقى الملح والعذب، ثم يدخل الصدف في المالح عند انعقاد الدر فيه فيثقل هناك فلا يمكنه الدخول في العذب. وقيل: هما يخرجان من الملح في الموضع الذي يقع فيه العذب: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣) أبكثرة النعم من خلق المنافع في البحر، وإخراج الحلي العجيبة أم بغيرها، وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤). وقرأ حمزة وأبو بكر بكسر الشين، أي وله تعالى السفن الرافعات الشراع في البحر كالجبال. والباقون بالفتح أي المرفوعات القلع. وقرأ ابن أبي عبلة بتشديد الشين. وقرأ يعقوب «الجواري» بإثبات الياء في الوقف. وقرأ عبد الله والحسن «الجوار»
وقال صلّى الله عليه وسلّم: «الظوا بيا ذا الجلال والإكرام»
. أي الزموا في الدعاء ذلك.
وروي أنه صلّى الله عليه وسلّم مر برجل وهو يصلي ويقول: يا ذا الجلال والإكرام فقال: «قد استجيب لك»
، والعامة على «ذو» بالواو صفة لوجه. وقرأ أبي وعبد الله «ذي» بالياء صفة ل «رب» فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨) أي أبتلك النعم من دفع البلاء، وإبقاء ما هو مخلوق إلى وقت فنائه أم بغيرها يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فيسأله كل أحد ما يحتاج إليه في دينه فكل أحد عاجز عن تحصيل ما يحتاج إليه ويسأله كل أحد عن عاقبة أمره، وعما فيه صلاحه وفساده فكل أحد جاهل بما عند الله من المعلومات، فالوجه الأول إشارة إلى كمال القدرة. والوجه الثاني إشارة إلى كمال العلم كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) أي كل وقت من الأوقات هو تعالى في شأن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء كما هو مروي عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. ويقال: يحتمل أن يكون هو عائدا إلى يوم و «كل يوم» ظرف ليسأله، أي يقع سؤالهم كل يوم هو في شأن يتعلق بهم فيطلبون ما يحتاجون إليه أو يستخرجون أمره بما يفعلون فيه، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠) مع مشاهدتكم لإحسانه تعالى، أبتلك النعم أم بغيرها،
سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) ؟ أي سنقصد لحسابكم وجزائكم أيها الجن والإنس، أي سندبر لكم أمر الآخرة من الأخذ في الجزاء وإيصال الثواب والعقاب إليكم بعد تدبيرنا لأمر الدنيا بالأمر والنهي، والإماتة والإحياء، والمنع والإعطاء.
وقرأ حمزة والكسائي «سيفرغ» بالياء على الغيبة. وقرئ بالبناء للمفعول. وقرئ «سنفرغ إليكم» وترسم «أيه» بغير ألف. وقرأ أبو عمرو والكسائي بالألف في الوقف. والباقون بتسكين الهاء. وقرأ ابن عامر برفع الهاء في الوصل والباقون بالفتح، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢) أبتلك النعم من التنبيه على ما سيلقونه يوم القيامة للتحذير عما يؤدي إلى سوء الحساب أم بغيرها.
يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا أي يا جماعة الجن والإنس إن قدرتم أن تخرجوا من أطراف السموات والأرض، وأن تهربوا من قضائي وملكي، فاخرجوا منها، وخلّصوا أنفسكم من عقابي لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ (٣٣) أي ما تنفذون إلّا ومعكم سلطان الله، أي فلا مهرب لكم ولا مخرج عن ملك الله تعالى، وأينما توليتم فثمّ ملك الله وأينما أتاكم حكم الله فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤) أبتلك النعم من دفع البلاء وتأخير العذاب عن العصاة أم بغيرها، يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ أي لهب خالص لا دخان فيه مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ أي دخان لا لهب معه يسوقانكما إلى المحشر.
وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهم: إذا خرجوا من قبورهم ساقهم شواظ إلى المحشر.
وقرئ «نحاس» بكسر النون. وقرئ «نرسل» بنون العظمة، ونصب «شواظا» و «نحاسا». وقرئ نحس بضمتين جمع نحاس فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) أي فلا ينتصر أحدكما بالآخر ولا أنتما بغيركما فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦) أبتلك النعم من بيان عاقبة الكفر والمعاصي أم بغيرها، فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧)، أي فإذا انصدعت السماء وخربت يوم القيامة فصارت حمراء كالأديم المغربي، وهو ما فيه حمرة مع السواد يكون الأمر عسيرا في غاية العسر، أو يلقى المرء فعله ويحاسب حسابه، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨) مع عظم شأنها، فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) أي فالمذنب يوم إذ تنشق السماء وذلك أول ما يخرجون من القبور، ويحشرون إلى الموقف ذودا ذودا على اختلاف مراتبهم لا يسأل عن ذنبه إنسي ولا جني، لأنهم يعرفون بسيماهم فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) أبتلك النعم من الأخبار بما يزجر عن الشر أم بغيرها
يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ أي بسواد وجوههم وزرقة أعينهم، فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) أي يجمع نواصيهم وأقدامهم في سلسلة من وراء ظهورهم فيطرحون في النار، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢) أي تجحدون والوقف هنا تام، هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣). وهذه إشارة إلى قربها أي جهنم التي يكذب بها المشركون هذه قريبة غير بعيدة عنهم، يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) أي يترددون بين النار وماء حار قد انتهى حره، فيحرقون بها، فيستغيثون منها، فيسعى بهم إلى الحميم، ويظهر لهم شيء مانع هو صديدهم المغلي، فيظنونه ماء، فيسقون منه ويصب فوق رؤوسهم، فإذا استغاثوا منه يسعى بهم إلى النار وهكذا، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥) مما أشرنا إليه من أول السورة، فتستحقان العذاب وتحرمان الثواب.
وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) أي ولمن خاف المقام الذي يقوم هو فيه بين يدي ربه، وهو مقام عبادته، والمقام الذي اطلع الله على عباده، فانتهى عن المعصية جنتان، جنة لفعل الطاعات، وجنة لترك المعاصي، لأن التكليف لهذين النوعين. وقيل: هي جنة جزاء وجنة أخرى زيادة على الجزاء فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧) أبتلك النعم أم بغيرها ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) أي صاحبتا أغصان، فإن الجنات ذوات أشجار، والأشجار ذوات أغصان، والأغصان ذوات أزهار، وأثمار وهي لتنزه الناظر وتنكير أفنان للتعجب، أي على الأفنان أوراق عجيبة، وثمار طيبة من غير سوق غلاظ، فالجنة ذات فنن غير كائن على أصل وعرق بل هي واقفة في الجو وأهلها تحتها، فَبِأَيِّ
(٤٩) أبتلك النعم من وصف الجنة أم بغيرها، فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) أي في كل واحدة منهما عين جارية كيف يشاء صاحبها في الأعالي والأسافل،
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) أبتلك النعم التي ذكرها أم بغيرها؟ فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) أي في كل واحدة من الجنتين نوعان من الفواكه معروف وغريب، أو رطب ويابس وكلاهما حلو يستلذ به فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣) أي بتلك النعم أم بغيرها، مُتَّكِئِينَ حال من فاعل «خاف» الذي هو عامل للحال، أو كان عامله وصاحبه ما تدل عليه «فاكهة»، أي يتفكه المتفكون حال كونهم جالسين جلوس المتمكن المتربع، عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها أي التي تلي الأرض مِنْ إِسْتَبْرَقٍ أي ديباج ثخين، وكذا ظهائرها بخلاف أهل الدنيا فلا يجعلون البطائن كالظواهر، لأن غرضهم إظهار الزينة، والبطائن لا تظهر. أما في الآخرة فالأمر مبني على الإكرام والتنعيم فتكون البطائن كالظواهر. وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) أي ثمر الجنتين قريب يناله القاعد والقائم في وقت واحد ومكان واحد، فإن العجائب كلها من خواص الجنة، فكان أشجارها دائرة عليهم سائرة إليهم وهم ساكنون على خلاف ما كان في جنات الدنيا، فإن الإنسان فيها متحرك ومطلوبه ساكن، والولي قد تصير الدنيا له أنموذجا من الجنة، فإنه يكون ساكنا في بيته ويأتيه الرزق متحركا إليه دائرا حواليه، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) أبقدرته على ثني الأغصان وتقريب الثمار أم بغيرها فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ أي في الجنان نساء مانعات أعينهن من النظر إلى غير بعلهن، وللجنة اعتبارات ثلاثة، فلاتصال أشجارها وعدم الأراضي الغامرة كأنها جنة واحدة ولاشتمالها على النوعين ما في الدنيا، وما ليس فيها وما يعرف وما لا يعرف، وما يقدر على وصفه، وما لا يقدر، ولذات جسمانية، ولذات روحانية، كأنها جنتان ولسعتها، وكثرة أماكنها، وأشجارها وأنهارها، كأنها جنات كثيرة، فالضمير هنا عائد إلى الجنتين لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦)، أي لم يجامع الإنسيات أحد من الإنس ولا الجنيات أحد من الجن قبل أزواجهن والمشهور أن الحور العين لسن من نساء أهل الدنيا، وإنما هن مخلوقات في الجنة، فإن أكثر نساء أهل الدنيا مطموثات فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُما تُكَذِّبانِ
(٥٧) أي بأي نوع من أنواع هذا الإحسان تنكران كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨) أي مشبهات بالياقوت في حمرة الوجنة وبالمرجان بمعنى صغار الدر في بياض البشرة وصفائها، فإن صغار الدر أنصع بياضا من كباره. قيل: إن الحوراء تلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البيضاء، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) أي بما جعله مثالا لوصفهن أم بغيره، هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ (٦٠) ؟ أي ما جزاء الإحسان في العمل إلّا الإحسان في الثواب فجزاء كل من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضا.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) أبشيء من هذه النعم الجليلة أم بغيرها وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢) أي ومن دون تينك الجنتين الموعودتين للخائفين المقربين جنتان أخريان لمن دونهم من أصحاب اليمين فَبِأَيِّ
(٦٣)، أبشيء مما تفضل به عليكم من الجنات أم بغيره. مُدْهامَّتانِ (٦٤) أي سودا، وإن من شدة الخضرة من الري، وهذه صفة لجنتان. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) أبشيء من تلك النعم الجليلة أم بغيرهايهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ
(٦٦) أي فوارتان أي ماؤهما متحرك إلى جهة فوق فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧) أبتلك النعم أم بغيرها فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) وأفردهما بالذكر مع دخولهما في الفاكهة بيانا لفضلهما، فإن ثمرة النخل فاكهة وغذاء، والرمان فاكهة ودواء، فيحنث بأكل أحدهما من حلف لا يأكل فاكهة، كما قاله الشافعي وأكثر العلماء خلافا لأبي حنيفة، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) أبتلك النعم أم بغيرها؟ فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) أي في الجنتين نساء في باطنهن خير وفي ظاهرهن حسن.
روى الحسن عن أمه عن أم سلمة قالت: قلت لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا رسول الله، أخبرني عن قوله تعالى: خَيْراتٌ حِسانٌ قال: «خيّرات الأخلاق حسان الوجوه»
. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١) أبنعمة الحور أم بغيرها، حُورٌ مَقْصُوراتٌ أي محبوسات على أزواجهن فِي الْخِيامِ (٧٢)، أي في خيام الدر المجوف، وهي فرسخ في فرسخ، لها أربعة آلاف مصراع من ذهب، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) أبهذه النعم أم بغيرها؟ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) أي لم يصبهن بالجماع قبل أزواجهن أحد، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥) أبهذه النعم أم بغيرها؟
مُتَّكِئِينَ حال مما دل عليه «لم يطمثهن» إلخ فأزواجهم لم يطمثن حال كونهم متكئين عَلى رَفْرَفٍ أي رياض أو بسط، خُضْرٍ فالأخضر حصل فيه الألوان الثلاثة الأبيض والأسود والأحمر، فالأبيض: يفرق البصر والأسود: يجمع البصر كالأحمر، فلما اجتمع في الأخضر الأمور الثلاثة دفع بعضها أذى بعض ولما كان ميل النفس في الدنيا إلى الأخضر أكثر ذكره الله تعالى، وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فالثياب المعمولة عملا جيدا يسمونها عبقريات مبالغة في حسنها، كأنها ليست من عمل الإنس، لأن العبقري منسوب إلى عبقر وهو موضع من مواضع الجن، فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) أبشيء من هذه النعم أم بغيرها؟ تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨) أي تعالى اسمه الجليل وارتفع عما لا يليق بشأنه.
قرأ ابن عامر ذو الجلال بالواو. والباقون «ذي» بالياء صفة لرب. وهذا إشارة إلى أن أتم النعم عند الله تعالى وأكمل اللذات ذكر الله تعالى.