تفسير سورة الأحزاب

لطائف الإشارات
تفسير سورة سورة الأحزاب من كتاب تفسير القشيري المعروف بـلطائف الإشارات .
لمؤلفه القشيري . المتوفي سنة 465 هـ

سورة الأحزاب
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» بسم الله شهود وجوده يوجب لك تلفا في تلف، ووجود جوده يوجب لك شرفا فى شرف، ففى تلفك يكون (هو) «١» عنك الخلف، وفي شرفك تصل إلى كلّ لطف.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١)
يا أيها المشرّف حالا، المفخّم قدرا منّا، المعلّى رتبة من قبلنا.. يا أيها المرقّى إلى أعلى الرّتب بأسنى القرب.. يا أيها المخبّر عنا، المأمون على أسرارنا، المبلّغ خطابنا إلى أحبابنا...
اتق الله أن تلاحظ غيرا معنا، أو تساكن شيئا من دوننا، أو تثبت أحدا سوانا، أو تتوهّم شظية من الحدثان من سوانا. «وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ» إشفاقا منك عليهم، وطمعا في إيمانهم بنا لو وافقتهم في شىء أرادوه منك «٢».
والتقوى رقيب على قلوب أوليائه يمنعهم في أنفاسهم، وسكناتهم، وحركاتهم أن ينظروا إلى غيره- أو يثبتوا معه غيره- إلا منصوبا لقدرته، مصرّفا بمشيئته، نافذا فيه حكم قضيته.
(١) وضعنا (هو) من عندنا ليتضح المعنى كما نفهم من أسلوب القشيري في مثل هذا المجال.
(٢) يقال نزلت هذه الآية حينما دخل أبو سفيان وأبو جهل وأبو الأعور السلمى على النبي (ص) بعد قتال أحد، وطلبوا الأمان، وقالوا للرسول: «أرفض ذكر آلهتنا، وقل إن لها شفاعة ومنعة وندعك وربك» فشق على النبي (ص) قولهم، فقال عمر بن الخطاب- وكان بصحبة النبي: ائذن لى يا رسول الله في قتلهم، فقال النبي:
التقوى لجام يكبحك عمّا لا يجوز، زمام يقودك إلى ما تحب، سوط يسوقك إلى ما أمرت به، شاخص يحملك على القيام بحقّ الله، حرز يعصمك من توصل أعدائك إليك، عوذة تشفيك من داء الخطأ.
التقوى وسيلة إلى ساحات كرمه، ذريعة تتوسل بها إلى عقوة جوده.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢]
وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢)
اتبع ولا تبتدع، واقتد بما نأمرك به، ولا تهتد باختيارك غير ما نختار لك، ولا تعرّج في أوطان الكسل، ولا تجنحّ إلى ناحية التواني، وكن لنا لا لك، وقم بنا لا بك.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣]
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٣)
انسلخ عن إمابك، واصدق في إيابك إلينا، وتشاغل عن حسبانك معنا، واحذر ذهابك عنا، ولا تقصّر في خطابك معنا.
ويقال التوكل تحقّق ثم تخلّق ثم توثق ثم تملق تحقق في العقيدة، وتخلق بإقامة الشريعة، وتوثق بالمقسوم من القضية، وتملّق بين يديه بحسن العبودية.
ويقال التوكل تحقّق وتعلق وتخلق: تحقّق بالله وتعلّق بالله ثم تخلق بأوامر الله.
ويقال التوكل استواء القلب في العدم والوجود.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤]
ما جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤)
القلب إذا اشتغل بشىء شغل عما سواه، فالمشتغل بما من العدم منفصل عمن له القدم، وللتصل بقلبه بمن نعته القدم مشتغل عمّا من العدم.. والليل والنهار لا يجتمعان، والغيب والغير لا يلتقيان.
«وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ
مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ».
اللائي تظاهرتم «١» منهن لسن أمهاتكم، والذين تبنيتم ليسوا بأبنائكم، وإن الذي صرتم إليه من افترائكم، وما نسبتم إلينا من آرائكم فذلك مردود عليكم، غير مقبول منكم، وإن أمسكتم عنه بعد البيان نجوتم، وإن تماديتم بعد ما أعلمتم أطلت المحنة عليكم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥]
ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥)
راعوا أنسابهم، فإن أردتم غير النسبة فالأخوّة في الدّين تجمعكم، وقرابة الدّين والشكلية أولى من قرابة النّسب، كما قالوا:
وقالوا قريب من أب وعمومة... فقلت: وإخوان الصفاء الأقارب
إنى قد أعطيتهم الأمان وأمر بإخراجهم من المدينة. (الواحدي ص ٣٦).
نناسبهم شكلا وعلما وألفة وإن باعدتهم في الأصول المناسب
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٦]
النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦)
(١) يعنى أن يقول الرجل لامرأته: أنت عليّ كظهر أمي، وسيأتى تفصيل ذلك في سورة المجادلة (المجلد الثالث.)
الإشارة من هذا: تقديم سنته على هواك، والوقوف عند إشارته دون ما يتعلق به مناك، وإيثار من تتوسل به سببا ونسبا على أعزّتك ومن والاك.
«وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ» :
ليكن الأجانب منك على جانب، ولتكن صلتك بالأقارب. وصلة الرحم ليست بمقاربة الديار وتعاقب المزار، ولكن بموافقة القلوب، والمساعدة في حالتى المكروه والمحبوب:
أرواحنا في مكان واحد وغدت أشباحنا بشام «١» أو خراسان
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٧]
وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧)
أخذ ميثاق النبيين وقت استخراج الذرية من صلب آدم- فهو الميثاق الأول، وكذلك ميثاق الكلّ. ثم عند بعث كلّ رسول ونبوّة كلّ نبيّ أخذ ميثاقه، وذلك على لسان جبريل عليه السلام، وقد استخلص الله سبحانه نبيّنا عليه السلام، فأسمعه كلامه- بلا واسطة- ليلة المعراج. وكذلك موسى عليه السلام- أخذ الميثاق منه بلا واسطة ولكن كان لنبينا- صلى الله عليه وسلم- زيادة حال فقد كان له مع سماع الخطاب كشف الرؤية «٢».
ثم أخذ المواثيق من العبّاد بقلوبهم وأسرارهم بما يخصهم من خطابه، فلكلّ من الأنبياء والأولياء والأكابر على ما يؤهلهم له، قال ﷺ «لقد كان في الأمم
(١) هكذا في ص وهي في م (بعراق)
(٢) فى كتاب الرؤية الكبير يرى الأشعري جواز ذلك، أما القشيري: فبينما يشير هنا إلى ذلك إذ به كما سيأتى فى بسملة سورة البروج يقول: «بسم الله اسم لم يره بصر إلّا واحد، وهو أيضا مختلف فيه»
المجلد الثالث
محدّثون فإن يكن في أمتى فعمر» وغير عمر مشارك لعمر في خواص كثيرة، وذلك شىء يتمّ بينهم وبين ربّهم.
قوله جلّ ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٨]
لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً (٨)
يسألهم سؤال تشريف لا سؤال تعنيف، وسؤال إيجاب لا سؤال عتاب. والصدق ألّا يكون في أحوالك شوب ولا في اعتقادك ريب، ولا في أعمالك عيب. ويقال من أمارات الصدق في المعاملة وجود الإخلاص من غير ملاحظة مخلوق. والصدق في الأحوال تصفيتها من غير مداخلة إعجاب.
والصدق في الأقوال سلامتها من المعاريض فيما بينك وبين نفسك، وفيما بينك وبين الناس التباعد عن التلبيس، وفيما بينك وبين الله بإدامة التبرّى من الحول والقوة، ومواصلة الاستعانة «١»، وحفظ العهود معه على الدوام.
والصدق في التوكل عدم الانزعاج عند الفقد، وزوال الاستبشار بالوجود «٢».
والصدق في الأمر بالمعروف التحرّز من قليل المداهنة وكثيرها، وألا تترك ذلك لفزع أو لطمع، وأن تشرب مما تسفى، وتتصف بما تأمر، وتنهى (نفسك) «٣» عما تزجر.
ويقال الصدق أن يهتدى إليك كلّ أحد، ويكون عليك فيما تقول وتظهر اعتماد. ويقال الصدق ألا تجنح إلى التأويلات «٤».
(١) هكذا في ص وهي في م (الاستغاثة) وكلاهما مقبول في السياق.
(٢) هكذا في ص وم وربما كلتت (الموجود) إذ نحسب أن مقصد القشيري أن تكون راضيا إذا فقدت أو وجدت، وفي ذلك يقول عبد الله بن خفيف: القناعة ترك التشوف إلى المفقود والاستغناء (بالموجود) الرسالة ص ٨١ والشاكر الذي يشكر على (الموجود) والشكور الذي يشكر على المفقود (الرسالة ص ٨٩). ومع ذلك فقد وردت (الوجود) فى قول النوري: الصوفي نعته السكون عند العدم والإيثار عند الوجود... فالوجود بهذا المعنى ضد العدم أي وجود الأشياء وفقدانها. ولكننا نفضل أن يقتصر اصطلاح (الوجود) على الدرجة القصوى بعد التواجد والوجد، وهو للحق. (الرسالة ص ٣٦ و ٣٧) وأنظر أيضا تفسير القشيري للآية ٣٩ سورة سبأ (فى هذا المجلد)
(٣) وضعنا (نفسك) من عندنا ليتضح المعنى.
(٤) معروف أن القشيري يكره التأويلات المؤدية إلى الاسترخاص بالنسبة للصوفية. [.....]
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩)
ذكر نعمة الله مقابلتها بالشكر، ولو تذكرت ما دفع عنك فيما سلف لهانت عليك مقاساة البلاء في الحال، ولو تذكرت ما أولاك في الماضي لقربت من قلبك الثقة في إيصال ما تؤمّله في المستقبل.
ومن جملة ما ذكّرهم به: «١» «إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ... » كم بلاء صرفه عن العبد وهو لم يشعر! وكم شغل كان يقصده فصدّه عنه ولم يعلم! وكم أمر عوّقه والعبد يضجّ وهو-- (سبحانه) - يعلم أن في تيسيره له هلاك العبد فمنعه منه رحمة به، والعبد يتّهم ويضيق صدره بذلك! قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٠ الى ١١]
إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١)
أحاط بهم سرادق البلاء، وأحدق بهم عسكر العدوّ، واستسلموا للاجتياح، وبلغت القلوب الحناجر، وتقسّمت الظنون، وداخلتهم كوامن الارتياب، وبدا في سويدائهم جولان الشكّ.
«هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيداً» ثم أزال عنهم جملتها، وقشع عنهم شدّتها، فانجاب عنهم سحابها، وتفرّقت عن قلوبهم همومها، وتفجّرت ينابيع سكينتهم.
(١) يوضح القشيري هنا ما يسمى عنده (نعم المنع) وهي صنف آخر يختلف عن (نعم المنح)، والعبد- لقصر نظره- يشكر على هذه، وتخفى عليه تلك.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٢]
وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢)
صرّحوا بالتكذيب- لما انطوت عليه قلوبهم- حين وجدوا للمقال مجالا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٣]
وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣)
تواصوا فيما بينهم بالفرار عند ما سوّلت لهم شياطينهم من وشك ظفر الأعداء. قوله:
«وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ... » : يتعلّلون «١» بانكشاف بيوتهم وضياع مخلّفاتهم، ويكذبون فيما أظهروه عذرا، وهم لم يحملهم على فعلهم غير جبنهم وقلة يقينهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٥]
وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُلاً (١٥)
ولكن لما عزم الأمر، وظهر الجدّ لم يساعدهم الصدق، ولم يذكروا أنهم سيسألون عن عهدهم، ويعاقبون على ما أسلفوه من ذنبهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٦]
قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦)
لأنّ الآجال لا تأخير لها ولا تقديم عليها، وكما قالوا: «إنّ الهارب عمّا هو كائن في كفّ الطالب يتقلب».
«وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا» : فإنّ ما يدّخره العبد عن الله من مال أو جاه أو نفيس أو قريب لا يبارك له فيه، ولا يجد به منعة، ولا يرزق منة غبطة.
(١) يغمز القشيري هنا- من بعيد- بالمتعللين في الطريق بعلل الاسترخاص ودعاوى النفس.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٧]
قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧)
من الذي يحقق لكم من دونه مرجوّا؟ ومن الذي يصرف عنكم دونه عدوّا؟.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ١٨ الى ١٩]
قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩)
هم الذين كانوا يمتنعون بأنفسهم عن نصرة النبي عليه السلام، ويمنعون غيرهم ليكون جمعهم أكثر وكيدهم أخفى، وهم لا يعلمون أنّ الله يطلع رسوله عليه السلام عليهم ثم ذكر وصفهم فقال: - «أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ» إذا جاء الخوف طاشت من الرعب عقولهم، وطاحت بصائرهم، وتعطلت عن النصرة جميع أعضائهم. وإذا ذهب الخوف زيّنوا كلامهم، وقدّموا خداعهم، واحتالوا في أحقاد خستهم... أولئك هذه صفاتهم لم يباشر الإيمان قلوبهم، ولا صدقوا فيما أظهروا من ادعائهم واستسلامهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢٠]
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠)
يحسبون الأحزاب لم يذهبوا، ويخافون من عودهم، ويفزعون من ظلّ أنفسهم
إذا وقعوا على آثارهم، ولو اتفق هجوم الأعداء عليكم ما كانوا إلا في حرز سيوفهم ودرية «١» رماحهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢١]
لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١)
«كانَ» صلة ومعناها: لكم في رسول الله أسوة حسنة، به قدوتكم، ويجب عليكم متابعته فيما يرسمه لكم. وأقوال الرسول (ض) وأفعاله على الوجوب إلى أن يقوم دليل التخصيص، فأما أحواله فلا سبيل لأحد إلى الإشراف عليها، فإن ظهر شىء من ذلك بإخباره أو بدلالة أقواله وأفعاله عليه فإن كان ذلك مكتسبا من قبله فيلحق في الظاهر بالوجوب بأفعاله وأقواله، وإن كان غير مكتسب له فهى خصوصية له لا ينبغى لأحد أن يتعرّض لمقابلته لاختصاصه- صلى الله عليه وسلم- بعلوّ رتبته «٢».
قوله جلّ ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢٢]
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢)
كما أنّ المنافقين اضطربت عقائدهم عند رؤية الأعداء، فالمؤمنون وأهل اليقين ازدادوا ثقة، وعلى الأعداء جرأة، ولحكم الله استسلاما، ومن الله قوة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢٣]
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣)
شكر صنيعهم في المراس، ومدح يقينهم عند شهود البأس، وسماهم رجالا إثباتا
(١) الدرية ما يستتر به الصائد من الصيد فيرميه إذا أمكنه.
(٢) يفيد هذا الكلام في توضيح نظرة هذا الباحث إلى السنّة كمصدر أساسى من مصادر التشريع، فالسّنّة أقوال وأفعال وأحوال، منها ما يصلح العموم، ومنها ما يختص به الرسول نفسه.
لخصوصية رتبتهم «١»، وتمييزا لهم من بين أشكالهم بعلوّ الحالة والمنزلة، فمنهم من خرج من دنياه على صدقه «٢»، ومنهم من ينتظر حكم الله في الحياة والممات، ولم يزيغوا عن عهدهم، ولم يراوغوا في مراعاة حدّهم فحقيقة الصدق حفظ العهد وترك مجاوزة الحدّ.
ويقال: الصدق استواء الجهر والسّرّ.
ويقال: هو الثبات عند ما يكون الأمر جدّا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢٤]
لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤)
فى الدنيا يجزى الصادقين بالتمكين والنصرة على العدو وإعلاء الراية، وفي الآخرة بجميل الثواب وجزيل المآب والخلود في النعيم المقيم والتقديم على الأمثال بالتكريم والتعظيم..
«وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ» على الوجه الذي سبق به العلم، وتعلّقت به المشيئة.
ويقال: إذا لم يجزم بعقوبة المنافق وعلّق القول فيه بالرجاء فبالحريّ ألا يخيّب المؤمن فى رجائه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٢٥]
وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَكانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً (٢٥)
لم يشمت بالمسلمين عدوّا، ولم يوصّل إليهم من كيدهم سوءا، ووضع كيدهم في نحورهم، واجتثّهم من أصولهم، وبيّن بذلك جواهر صدقهم وغير صدقهم، وشكر من استوجب شكره من جملتهم، وفضح من استحقّ الذمّ من المدلسين منهم.
(١) «من المؤمنين رجال..» : عن أنس أنها نزلت في عمه أنس بن النضير الذي أبلى يوم أحد بلاء عظيما، حتى قتل وبه ثمانون جراحة بين ضربة بالسيف وطعنة بالرمح ورمية بالسهم.. رواه البخاري عن بندار، ومسلم عن محمد بن حاتم.
(٢) «فمنهم من قضى نحبه» نزلت في طلحة بن عبيد الذي ثبت بجانب الرسول يوم أحد حتى دعا له الرسول (ص) :
اللهم أوجب لطلحة الجنة. (الواحدي ص ٢٣٨).

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٦ الى ٢٧]

وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً (٢٧)
إنّ الحقّ- سبحانه- إذا أجمل أكمل، وإذا شفى كفى، وإذا وفي أوفى..
فأظفر المسلمين عليهم، وأورثهم معاقلهم، وأذلّ متعزّزهم، وكفاهم بكلّ وجه أمرهم، ومكّنهم من قتلهم وأسرهم ونهب أموالهم، وسبى ذراربهم.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٨ الى ٢٩]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٢٨) وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (٢٩)
لم يرد أن يكون قلب أحد من المؤمنين والمؤمنات منه في شغل، أو يعود إلى أحد منه أذى أو تعب، فخيّر- صلى الله عليه وسلم- نساءه «١»، ووفق الله سبحانه عائشة أمّ المؤمنين- رضى الله عنها- حتى أخبرت عن صدق «٢» قلبها، وكمال دينها ويقينها، (وبما هو المنتظر من أصلها وتربيتها) «٣»، والباقي جرين على منهاجها، ونسجن على منوالها.
قوله جلّ ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٣٠ الى ٣١]
يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (٣٠) وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً (٣١)
(١) يقال إنه قال لعائشة: إنى ذاكر لك أمرا ولا عليك أن لا تعجلى فيه حتى تستأمرى أبويك، ثم قرأ عليها القرآن، فقالت: أفي هذا أستأمر أبويّ؟ فإنى أريد الله ورسوله والدار الآخرة. فرؤى الفرح في وجهه صلى الله عليه وسلم.
(٢) هكذا في م وهي في ص (كذب) وهي خطا قطعا.
(٣) ما بين القوسين موجود في م وغير موجود في ص.
زيادة العقوبة على الجرم من أمارات الفضيلة، ولذا فضل حدّ الأحرار على العبيد وتقليل ذلك من أمارات النقص فلما كانت منزلتهن في الشرف تزيد على منزلة جميع النساء ضاعف عقوبتهن على أجرامهن، وضاعف ثوابهن على طاعاتهن. وقال:
«وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً».
ثم قال:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٢]
يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً (٣٢)
نهاهن عن التبذّل، وأمرهنّ بمراعاة حرمة الرسول (ص)، والتصاون عن تطمّع المنافقين في ملاينتهن.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٣]
وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (٣٣)
«الرِّجْسَ» : الأفعال الخبيثة والأخلاق الدنيئة فالأفعال الخبيثة الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وما قلّ وما جلّ. والأخلاق الدنيئة الأهواء والبدع كالبخل والشحّ
وقطع الرّحم، ويريد بهم الأخلاق الكريمة كالجود والإيثار والسخاء وصلة الرّحم، ويديم لهم التوفيق والعصمة والتسديد، ويطهرهم من الذنوب والعيوب.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٤]
وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (٣٤)
إذ كرن عظيم النعمة وجليل الحالة التي تجرى في بيوتكن من نزول الوحى ومجىء الملائكة، وحرمة الرسول- صلى الله عليه وسلم- والنور الذي يقتبس في الآفاق، ونور الشمس الذي ينبسط على العالم، فاعرفن «١» هذه النعمة، وارعين هذه الحرمة.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٥]
إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٣٥)
الإسلام هو الاستسلام، والإخلاص، والمبالغة في المجاهدة والمكابدة.
«وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ... »
الإيمان هو التصديق وهو مجمع الطاعات، ويقال هو التصديق والتحقيق، ويقال هو انتسام الحقيقة في القلب. ويقال هو حياة القلب أولا بالعقل، ولقوم بالعلم، ولآخرين، بالفهم عن الله، ولآخرين بالتوحيد، ولآخرين بالمعرفة، ولآخرين إيمانهم حياة قلوبهم بالله.
«وَالْقانِتِينَ وَالْقانِتاتِ... »
القنوت طول العبادة.
«وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقاتِ... »
فى عهودهم وعقودهم ورعاية حدودهم.
(١) عرف هنا بمعنى ذكر الفضل.. وبهذه المناسبة أكشف للقارىء عن شىء حيرنى دهرا طويلا حينما كنت أقرأ فائية ابن الفارض التي أولها:
قلبى يحدثنى بأنك متلغى... روحى فداك عرفت أم لم تعرف
فطالما أزعجنى الشطر التالي من هذا البيت لأنى كنت أربط بين عرف وبين علم. فكنت أسائل لغمى كيف يخاطب ابن الفارض ربه على هذا النحو؟ حق اهتديت الى أن المعنى: التي سأفتديك بروحى حتى ولو ثلفت فى ذلك، وسأبق عليه، سواء ذكرت لى ما أصنع، واحتسبته.. أم لم تفعل.
«وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِراتِ..»
على الخصال الحميدة، وعن الصفات الذميمة، وعند جريان مفاجآت القضية.
«وَالْخاشِعِينَ وَالْخاشِعاتِ..».
الخشوع إطراق السريرة عند بواده الحقيقة.
«وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقاتِ..»
بأموالهم وأنفسهم حتى لا يكون لهم مع أحد خصومة فيما نالوا منهم، أو قالوا فيهم «١» «وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِماتِ..»
المسكين عمّا لا يجوز في الشريعة والطريقة.
«وَالْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحافِظاتِ..»
فى الظاهر عن الحرام، وفي الإشارة عن جميع الآثام.
«وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ..»
بألسنتهم وقلوبهم وفي عموم أحوالهم لا يفترون، ولا يتداخلهم نسيان.
«أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً».
فهؤلاء لهم جميل الحسنى، وجزيل العقبى.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٦]
وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (٣٦)
الافتيات عليه في أمره والاعتراض عليه في حكمه وترك الانقياد لإشارته.. قرع لباب الشّرك فمن لم يمسك عنه سريعا وقع في وهدته.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٧]
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً (٣٧)
(١) وهذا من أمارات الفتوّة (أنظر الرسالة ص ١١٣)
162
أنعم الله عليه بأن ذكره وأفرده من بين الصحابة باسمه.
ويقال: أنعم الله عليه بإقبالك عليه وتبنّيك له. ويقال: بأن أعتقته، ويقال: بالإيمان والمعرفة. وأنعمت عليه بالعتق وبأن تبنّيته. «أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ» إقامة للشريعة مع علمك بأن الأمر في العاقبة إلى ماذا يئول فإنّ الله أطلعك عليه، وقلت له: «اتَّقِ..».
قوله: «وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ» : أي لم تظهر لهم أنّ الله عرّفك ما يكون من الأمر فى المستأنف.
«وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ..» من ميلك ومحبتك لها لا على وجه لا يحلّ. «وَتَخْشَى النَّاسَ..»
أي وتخشى عليهم أن يقعوا في الفتنة من قصة زيد، وكانت تلك الخشية إشفاقا منك عليهم، ورحمة بهم.
ويقال: وتستحى من الناس- والله أحقّ أن تستحى منه.
ويقال: تخشى الناس ألا يطيقوا سماع هذه الحالة ولا يقووا على تحمّلها، فربما يخطر ببالهم ما ينفى عنهم وسعهم..
«فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها..» لكى لا يكون عليك حرج، ولكى لا يكون على المؤمنين حرج في الزواج بزوجات أدعيائهم، فإنما ذلك يحرّم في الابن إذا كان من الصّلب.
163

[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٨]

ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً (٣٨)
لا يعارض ولا يناقض، ولا يردّ ولا يجحد. وما كان على النبيّ من حرج بوجه لكونه معصوما.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٣٩]
الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً (٣٩)
«وَيَخْشَوْنَهُ» : علما منهم بأنه لا يصيب أحدا ضرر ولا محذور ولا مكروه إلا بتقديره فيفردونه بالخشية إذ علموا أنه لا شىء لأحد من دونه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٠]
ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٤٠)
لم يكن مضافا إلى ولد فله عليكم شفقة الآباء.. ولكن ليس بأبيكم.
ويقال نسبه ظاهر.. ولكن إنما يعرف بي لا بنسبه فقلّما يقال: محمد بن عبد الله، ولكن إلى أبد الأبد يقال: محمد رسول الله. وشعار الإيمان وكلمة التوحيد- بعد لا إله إلا الله- محمد رسول الله.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤١ الى ٤٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (٤٢)
الإشارة فيه أحبّوا الله لأنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: «من أحبّ شيئا.
أكثر من ذكره»
فيجب أن تقول: الله، ثم لا تنس الله بعد ذكرك الله.
ويقال: اذكروا الله بقلوبكم فإنّ الذكر الذي تمكن استدامته ذكر القلب فأمّا ذكر اللسان فإدامته مسرمدا كالمتعذر.
«وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا» : التسبيح من قبيل الذكر، ولكنه ذكره بلفظين لئلا تعتريك سآمة «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٣]
هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (٤٣)
الصلاة في الأصل الدعاء «٢» فصلاته- سبحانه- دعاؤه لنا بالتقريب، وصلاة الملائكة دعاؤهم إليه لنا: بالغفران للعاصى، وبالإحسان للمطيع.
ويقال الصلاة من الله بمعنى الرحمة، ومن الملائكة بمعنى الشفاعة.
«لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ» : من الظلمات الكفر إلى نور الإيمان.
ويقال ليخرجكم من الظلمات إلى النور أي يعصمكم من الضلال بروح الوصال.
ويقال ليخرجكم من ظلمات التدبير إلى فضاء شهود التقدير.
ويقال ليخرجكم من ظلمات نفوسكم إلى أنوار البصائر في قلوبكم.
ويقال ليخرجكم من أسباب التفرقة إلى شهود عين التوفيق، والتحقق بأوصاف الجمع.
ويقال يصونكم من الشّرك، ويثبتكم بشواهد الإيمان.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٤]
تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً (٤٤)
التحية إذا قرنت بالرؤية، واللقاء إذا قرن بالتحية فلا يكون ذلك إلا بمعنى رؤية البصر.
والسلام خطاب يفاتح به الملوك إخبارا عن علوّ شأنهم ورتبتهم، فإلقاؤه حاصل وخطابه
(١) هذه لفتة هامة تهم البلاغيين.
(٢) يوضح القشيري هنا ما يسمى عنه (نعم المنع)، وهي صنف آخر يختلف عن (نعم المنح)، والعبد-- لقصر نظره- يشكر على هذه، وتخفى عليه تلك.
مسموع، ولا يكون ذلك إلا برؤية البصر «١».
«أَجْراً كَرِيماً» : الكرم نفى الدناءة، وكريما أي حسنا.
وفي الإشارة أجرهم موفور على عمل يسير فإنّ الكريم لا يستقصى عند البيع والشراء فى الأعداد، وذلك تعريف بالإحسان السابق في وقت غيبتك «٢».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً (٤٥) وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (٤٦) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً (٤٧)
يا أيها المشرّف من قبلنا إنّا أرسلناك شاهدا بوحدانيتنا، وشاهدا تبشّر بمتابعتنا، وتحذّر من مخالفة أمرنا، وتعلم الناس مواضع الخوف منّا، وداعيا إلينا بنا، وسراجا يستضيئون به، وشمسا بنبسط شعاعها على جميع من صدّقك، وآمن بك، فلا يصل إلينا إلّا من اتّبعك وخدمك، وصدّقك وقدّمك.
«وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ» بفضلنا معهم، ونيلهم طولنا عليهم، وإحساننا إليهم. ومن لم تؤثر فيه بركة إيمانه بك فلا قدر له عندنا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٨]
وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلاً (٤٨)
لا توافق من أعرضنا عنه، وأضللنا به من أهل الكفر والنفاق، وأهل البدع والشّقاق.
وتوكل على الله بدوام الانقطاع إليه، وكفى بالله وكيلا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٤٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً (٤٩)
(١) يضاف هذا الكلام إلى المبدأ الذي يتحمس له القشيري وهو الرؤية العيانية للحق في الآخرة. [.....]
(٢) يقصد القشيري: أولئك الذين أحسن الله إليهم في سابق علمه، وهم مازالوا في كتم العدم- على حد تعبيره في مواضع مناظرة.
إذا آثرتم فراقهنّ فتمتّعوهن ليكون لهن عنكم تذكرة في أيام الفرقة في أوائلها إلى أن تتوطّن نفوسهن على الفرقة.
«وَسَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلًا» : لا تذكروهن بعد الفراق إلا بخير، ولا تستردوا منهن شيئا تخلّفتم به معهن، فلا تجمعوا عليهن الفراق بالحال والإضرار من جهة المال.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٠ الى ٥١]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَما مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَناتِ عَمِّكَ وَبَناتِ عَمَّاتِكَ وَبَناتِ خالِكَ وَبَناتِ خالاتِكَ اللاَّتِي هاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَها خالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٠) تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً (٥١)
وسّعنا الأمر عليك في باب النكاح بكم شئت فإنك مأمون من عيب عدم التسوية بينهن وعدم مراعاة حقوقهن، ومن الحيف عليهن. والتّوسعة في باب النكاح تدلّ على الفضيلة كالحرّ والعبد.
«تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَلا يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ وَاللَّهُ يَعْلَمُ... »
«مَنْ تَشاءُ» : على ما تتعلّق به إرادتك، ويقع عليه اختيارك، فلا حرج عليك ولا جناح.

[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٢]

لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً (٥٢)
لما اخترتهنّ أثبت الله لهن حرمة، فقال: «لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ» فكما اخترنك فلا تختر عليهن امرأة أخرى تطبيبا لقلوبهن، ونوعا للمعادلة بينه وبينهن، وهذا يدل على كرمه- والحفاظ كرم ودين «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً (٥٣)
الآية.
أمرهم بحفظ الأدب في الاستئذان، ومراعاة الوقت، ووجوب الاحترام فإذا أذن لكم فادخلوا على وجه الأدب، وحفظ أحكام تلك الحضرة، وإذا انتهت حوائجكم فاخرجوا، ولا تتغافلوا عنكم، ولا يمنعنّكم حسن خلقه من حفظ الأدب، ولا يحملنّكم فرط احتشامه على إبرامه «٢».
«فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ» :
حسن خلقه- صلى الله عليه وسلم- جرّهم إلى المباسطة معه، حتى أنزل الله هذه الآية.
«وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ» : نقلهم عن مألوف العادة إلى معروف الشريعة ومفروض العبادة، وبيّن أن البشر بشر- وإن كانوا من الصحابة، فقال:
«ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ»
(١) ضبطناها هكذا (دين) بفتح الدال وتسكين الياء فبها يستقيم المعنى ويقوى السياق.
(٢) أي إضجاره وإملاله.
فلا ينبغى لأحد أن يأمن نفسه- ولهذا يشدّد الأمر في الشريعة بألا يخلو رجل بامرأة ليس بينهما محرمة.
«وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً» «١».
وهذا من خصائصه- صلى الله عليه وسلم، وفي هذا شبه رخصة لمن يلاحظ شيئا من هذا، فيهتم بالاتصال من له ميل إليهنّ بغيرهن بعد وفاته- وإن كان التحرّز عنه- وعن أمثال هذا من ترك الحظوظ- أتمّ وأعلى.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٤]
إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً (٥٤)
حفظ القلب مع الله، ومراعاة الأمر- بينه وبين الله- على الصّحة في دوام الأوقات لا يقوى عليه إلا الخواصّ من أهل الحضور.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٥]
لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً (٥٥)
الآية.
لما نزلت آية الحجاب شقّ عليهن وعلى النسوان وعلى الرجال في الاستتار، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية للرخصة في نظر هؤلاء إلى النساء، ورؤية النساء لهم على تفصيل الشريعة.
(١) يستند القرطبي إلى رواية نقلها أبو نصر عبد الرحمن القشيري- ابن القشيري صاحب هذا الكتاب- عن ابن عباس الذي يقول: قال رجل من سادات قريش من العشرة الذين كانوا مع الرسول على حراء- فى نفسه- لو توفى الرسول لتزوجت عائشة، وهي بنت عمى. قال مقاتل: هو طلحة بن عبيد الله. ولكن هذا الرجل ندم على ما حدثت به نفسه، فمشى إلى مكة على رجليه وكفّر بالتصدق وعتق الرقيق. (القرطبي ج ١٤ ص ٢٢٨).
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٥٦]
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٥٦)
أراد الله- سبحانه- أن تكون للأمة عنده- صلى الله عليه وسلّم- يد خدمة كما له بالشفاعة عليهم يد نعمة، فأمرهم بالصلاة عليه، ثم كافأ- سبحانه عنه فقال صلى الله عليه وسلم: من صلّى عليّ مرة صلى الله عليه عشر مرات. وفي هذا إشارة إلى أن العبد لا يستغنى عن الزيادة من الله في وقت من الأوقات إذ لا رتبة فوق رتبة الرسول، وقد احتاج إلى زيادة صلوات الأمّة عليه.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٧ الى ٥٨]
إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً (٥٧) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً (٥٨)
يؤذون الله ورسوله بعمل المعاصي التي يستحقون بها العقوبة، ويؤذون أولياءه. ولمّا قال:
من يطع الرسول فقد أطاع الله، فكذلك من آذى رسوله وأنبياءه عليهم السلام والمؤمنين فقد آذاه، ومعناه تخصيص حالتهم وإثبات رتبتهم.
ثم ذكر قوله: «وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ..» وذكر عقوبتهم، فجعل إيذاء الرسول مقرونا بما ذكر من إيذاء الله، ثم ذكر إيذاء المؤمنين، ويدلّ ذلك على أن رتبة المؤمنين دون رتبة الرسول ﷺ «١».
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٥٩ الى ٦٢]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥٩) لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاَّ قَلِيلاً (٦٠) مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً (٦١) سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً (٦٢)
(١) فى هذا رد ضمنى على من يدعى الوصول، ويجهر بأن لواء الأنبياء يعقد له في معاريجه، وأن الأنبياء أدنى من الأولياء.
هذا تنبيه لهن على حفظ الحرمة وإثبات الرّتبة، وصيانة لهن، وأمر لهن بالتصاون والتعفّف. وقرن بذلك تهديده للمنافقين في تعاطيهم ما كان يشغل قلب الرسول صلى الله عليه وسلّم من الإرجاف في المدينة: - «لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا».
إنهم لم يمتنعوا عن الإرجاف وأمثال ذلك لأجرينا معهم سنّتنا في التدمير على من سلف من الكفار «١».
ثم ذكر مسألة القوم عن قيام الساعة وتكذيبهم ذلك، ثم استعجالهم قيامها من غير استعداد لها، ثم أخبر بصعوبة العقوبة التي علم أنه يعذّبهم بها، وما يقع عليهم من الندامة على ما فرّطوا.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٦٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً (٦٩)
نسبوه إلى الأدرة «٢»، وأنّ به عيبا في الخلقة، ولكنه كان رجلا حييّا، وكان إذا اغتسل لا يتجرّد (من ثوبه) «٣»، فتوهموا به ذلك. وذات يوم خلا ليفسله، ووضع ثيابه
(١) هكذا في م وهى في ص (الكبائر).
(٢) الأدرة (على وزن الغرفة) - انتفاخ الخصية، والآدر- المصاب بذلك.
(٣) ما بين قوسين من عندنا ليتضح السياق.
على حجر فأمشى الله الحجر بثيابه، وموسى يعدو خلفه حتى توسّط بنى إسرائيل، وشاهدو خلقته سليمة، فوقف الحجر، وأخذ موسى ثيابه ولبسها «١»، وهذا معنى قوله: «فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً» فى القدر والمنزلة. والوجاهة النافعة ما كان عند الله لا عند الناس، فقبول الناس لا عبرة به ولا خطر له، ولا سيما العوام فإنهم يقبلون بلا شىء، ويردّون بلا شىء قال قائلهم:وقالوا:
إن كنت عندك يا مولاى مطرحا فعند غيرك محمول على الحدق
فإن أك في شراركم قليلا فإنى في خياركم كثير
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٧٠ الى ٧١]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (٧٠) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فازَ فَوْزاً عَظِيماً (٧١)
القول السديد كلمة الإخلاص، وهي الشهادتان عن ضمير صادق.
ويقال سداد أقوالكم سداد أعمالكم، ولقد هوّن عليكم الأمر فمن رضى بالقالة- وهي الشهادة بأن ترك الشّرك- وقالها بصدق أصلح الله له أعماله الدنيوية من الخلل، وغفر له في الآخرة الزّلل أي حصلت له سعادة الدارين.
ويقال ذكر «أَعْمالَكُمْ» بالجمع «٢»، وقدّمها على الغفران لأنه ما لم يصلح لك في حالك أعمالك وإن لم يكفك ما أهمّك من أشغالك.. لم تتفرغ إلى حديث آخرتك.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٧٢]
إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً (٧٢)
(١) هذه رواية ابن عباس.. وفي رواية أخرى: اتهم بقتل أخيه هارون.
(٢) أي أن الله بفضله ينظر منك إلى القليل فيعتبره كثيرا.
172
هنا إضمار أي: أهل السماوات والأرض والجبال.
وقيل أحياها وأعقلها، وهو كقوله: «ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ» «١».
«فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها» : أي أبين أن تخنّ فيها، «وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» : أي خان فيها.
وهم مراتب: فالكفار خانوا في الأصل الأمانة- وهي المعرفة- فكفروا. ومن دونهم خانوا بالمعاصي، وبعضهم أشدّ وبعضهم أهون، وكلّ احتقب من الوزر مقداره.
ويقال «فَأَبَيْنَ» إباء إشفاق لا إباء استكبار، واستعفين فعفا عنهن، وأعفاهن من حملها.
«وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ» : قبلها ثم ما رعوها حقّ رعايتها.. كلّ بقدره.
«إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا» بصعوبة حمل الأمانة في الحال، والعقوبة التي عليها في المآل. وقوم قالوا عرض الأمانة على السماوات والأرض وعرضها على الإنسان، فهن استعفين وهؤلاء «٢» لم يستعفوا ولم يراعوا.
ويقال: الأمانة القيام بالواجبات أصولها وفروعها.
ويقال: الأمانة التوحيد عقدا وحفظ الحدود جهدا.
ويقال: لمّا حمل آدم الأمانة وأولاده قال تعالى: «وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ» «٣».. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟
ويقال حمل الإنسان بالله لا بنفسه. ويقال ظلم نفسه حيث لم يشفق مما أشفقت منه السماوات والأرضون. والظلم وضع الشيء في غير موضعه.
ويقال كاشف السماوات والأرض بوصف الربوبية والعظمة فأشفقوا، وكاشف آدم
(١) آية ١١ سورة فصلت.
(٢) الإنسان هنا اسم جنس.
(٣) آية ٧٠ سورة الإسراء.
173
وذرّيته بوصف اللطف فقبلوا وحملوا، وفي حال بقاء العبد بالله يحمل السماوات والأرض بشعرة من جفنه. ويقال كانت السماوات والأرض أصحاب الجثت والمبانى فأشفقوا من حمل الأمانة.
والحمل إنما تحمله القلوب. وآدم كان صاحب معنى فحمل، وأنشدوا:
حملت جبال الحكم فوقى وإننى لأعجز عن حمل القميص وأضعف
ويقال لما عرض الحقّ الأمانة على الخلق علّق آدم بها همّته، فصرف بهمته جميع المخلوقات عنها، فلمّا أبوا وأشفقوا حملها الإنسان طوعا لا كرها.
قوله جل ذكره:
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ٧٣]
لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (٧٣)
اللام فى «لِيُعَذِّبَ» للصيرورة والعاقبة أي صارت عاقبة هذا الأمر عذاب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات، ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات بالمغفرة والتجاوز (تمّت السورة) «١» قد يقال: المنافقون والمنافقات والمشركون والمشركات والعاصون من المؤمنين والمؤمنات ورد ذكرهم.. فأين العابدون وذكرهم؟
ولكنهم في جملة من مضى ذكرهم، وليسوا في المشركين ولا في المنافقين، فلا محالة فى جملة العاصين الذين تاب عليهم.
فيا أيها العاصي، كنت تحذر أن يخرجك العابدون من جملتهم، فاشهد الجبّار- فى هذا الخطاب- كيف أدرجك في جملتهم «٢» ؟!
(١) هكذا في الأصل، وهذه أول مرة يستدرك بها المصنف شيئا عقب خاتمة سورة. [.....]
(٢) هذا الاستدراك لافت للنظر من حيث يدل على رحابة صدر الصوفية، وشدة حرصهم على فتح أبواب الأمل أمام العصاة الراغبين في التوبة، «لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً».
Icon