تفسير سورة يس

تفسير الخازن
تفسير سورة سورة يس من كتاب لباب التأويل في معاني التنزيل المعروف بـتفسير الخازن .
لمؤلفه الخازن . المتوفي سنة 741 هـ
مكية وهي ثلاث وثمانون آية وسبعمائة وتسع وعشرون كلمة وثلاثة آلاف حرف. عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات " أخرجه الترمذي، وقال حديث غريب وفي إسناده شيخ مجهول. وعن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" اقرؤوا على موتاكم يس " أخرجه أبو داود وغيره.

الجزء الرابع
سورة يس
مكية وهي ثلاث وثمانون آية وسبعمائة وتسع وعشرون كلمة وثلاثة آلاف حرف. عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات» أخرجه الترمذي، وقال حديث غريب وفي إسناده شيخ مجهول. وعن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «اقرءوا على موتاكم يس» أخرجه أبو داود وغيره.

بسم الله الرّحمن الرّحيم

[سورة يس (٣٦): الآيات ١ الى ٦]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يس (١) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (٣) عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤)
تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٥) لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ (٦)
قول عز وجل: يس قال ابن عباس: هو قسم، وعنه أن معناه يا إنسان بلغة طيئ يعني محمدا صلّى الله عليه وسلّم، وقيل يا سيد البشر وقيل هو اسم للقرآن وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ أي ذي الحكمة لأنه دليل ناطق بالحكمة وهو قسم وجوابه إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ أي أقسم بالقرآن أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم لمن المرسلين وهو رد على الكفار حيث قالوا لست مرسلا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ معناه وإنك على صراط مستقيم، وقيل معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على طريقة مستقيمة تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ يعني القرآن تنزيل العزيز في ملكه الرحيم بخلقه لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ يعني لم تنذر آباؤهم لأن قريشا لم يأتهم نبي قبل محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقيل معناه لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم من العذاب فَهُمْ غافِلُونَ أي عما يراد بهم من الإيمان والرشد.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٧ الى ١١]
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٧) إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ (١١)
لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ أي وجب العذاب. عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ فيه إشارة إلى إرادة الله تعالى السابقة فيهم فهم لا يؤمنون لما سبق لهم من القدر بذلك.
قوله عز وجل: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدا صلّى الله عليه وسلّم يصلي ليرضخن رأسه بالحجارة فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه انثنت يده إلى عنقه ولزق الحجر، بيده فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال له رجل من
﴿ والقرآن الحكيم ﴾ أي ذي الحكمة لأنه دليل ناطق بالحكمة وهو قسم وجوابه ﴿ إنك لمن المرسلين ﴾.
﴿ إنك لمن المرسلين ﴾ أي أقسم بالقرآن أن محمداً صلى الله عليه وسلم لمن المرسلين وهو رد على الكفار حيث قالوا لست مرسلاً.
﴿ على صراط مستقيم ﴾ معناه وإنك على صرط مستقيم، وقيل معناه إنك لمن المرسلين الذين هم على طريقة مستقيمة.
﴿ تنزيل العزيز الرحيم ﴾ يعني القرآن تنزيل العزيز في ملكه الرحيم بخلقه.
﴿ لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم ﴾ يعني لم تنذر آباؤهم لأن قريشاً لم يأتهم نبي قبل محمد صلى الله عليه وسلم وقيل معناه لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم من العذاب ﴿ فهم غافلون ﴾ أي عما يراد بهم من الإيمان والرشد.
﴿ لقد حق القول ﴾ أي وجب العذاب ﴿ على أكثرهم فهم لا يؤمنون ﴾ فيه إشارة إلى إرادة الله تعالى السابقة فيهم فهم لا يؤمنون لما سبق لهم من القدر بذلك.
قوله عز وجل :﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ﴾ نزلت في أبي جهل وصاحبيه المخزوميين وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمداً صلى الله عليه وسلم يصلي ليرضخن رأسه بالحجارة فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به فلما رفعه انثنت يده إلى عنقه ولزق الحجر، بيده فلما رجع إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر فقال له رجل من بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال : ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني. فأنزل الله تعالى ﴿ إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً ﴾ قيل هذا على وجه التمثيل، ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع فجعل الأغلال مثلاً لذلك وقيل حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال وقيل إنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل، وقيل إنها وصف في الحقيقة وهي ما سينزله الله عز وجل بهم في النار ﴿ فهي ﴾ يعني الأيدي ﴿ إلى الأذقان ﴾ جمع ذقن وهو أسفل اللحيين لأن الغل بجمع اليد إلى العنق ﴿ فهم مقمحون ﴾ يعني رافعو رؤوسهم مع غض البصر وقيل أراد أن الأغلال رفعت رؤوسهم فهم مرفعوا الرؤوس برفع الأغلال لها.
﴿ وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً ﴾ معناه منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد وقيل حجبناهم بالظلمة عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله تعالى :﴿ فأغشيناهم ﴾ يعني فأعميناهم ﴿ فهم لا يبصرون ﴾ يعني سبيل الهدى.
﴿ وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ﴾ يعني من يرد الله إضلاله لم ينفعه الإنذار.
﴿ إنما تنذر من اتبع الذكر ﴾ يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع القرآن فعمل بما فيه ﴿ وخشي الرحمن بالغيب ﴾ أي خافه في السر والعلن ﴿ فبشره بمغفرة ﴾ يعني لذنوبه ﴿ وأجر كريم ﴾ يعني الجنة.
بني مخزوم أنا أقتله بهذا الحجر فأتاه وهو يصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله تعالى بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه فقالوا له ما صنعت فقال: ما رأيته ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني. فأنزل الله تعالى إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا قيل هذا على وجه التمثيل، ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلا لذلك، وقيل حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال، وقيل إنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل، وقيل إنها وصف في الحقيقة وهي ما سينزله الله عز وجل بهم في النار فَهِيَ يعني الأيدي إِلَى الْأَذْقانِ جمع ذقن وهو أسفل اللحيين لأن الغل بجمع اليد إلى العنق فَهُمْ مُقْمَحُونَ يعني رافعو رؤوسهم مع غض البصر وقيل أراد أن الأغلال رفعت رؤوسهم فهم مرفعو الرؤوس برفع الأغلال لها وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا معناه منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد، وقيل حجبناهم بالظلمة عن أذى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ يعني فأعميناهم فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ يعني سبيل الهدى وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ يعني من يرد الله إضلاله لم ينفعه الإنذار إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع القرآن فعمل بما فيه وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ أي خافه في السر والعلن فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ يعني لذنوبه وَأَجْرٍ كَرِيمٍ يعني الجنة.
[سورة يس (٣٦): الآيات ١٢ الى ١٣]
إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (١٢) وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (١٣)
قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى يعني للبعث وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا أي من الأعمال من خير وشر وَآثارَهُمْ أي ونكتب ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة (م) عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» وقيل نكتب خطاهم إلى المسجد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال «كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب (خ) عن أنس رضي الله عنه قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن تعرى المدينة فقال: «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟» فأقاموا. قوله تعرى يعني تخلى فتترك عراء وهو الفضاء من الأرض الخالي الذي لا يستره شيء (م). عن جابر قال خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال لهم: «بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد» فقالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال: «بني سلمة دياركم تكتب آثاركم». فقالوا ما يسرنا إذا تحولنا. قوله بني سلمة أي يا بني سلمة وقوله: دياركم أي الزموا دياركم (ق). عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «أعظم الناس أجرا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرا من الذي يصلي ثم ينام».
قوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ أي حفظناه وعددناه وأثبتناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ يعني اللوح المحفوظ.
قوله عز وجل: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا يعني صف لهم شبها مثل حالهم من قصة أَصْحابَ الْقَرْيَةِ يعني أنطاكية إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ يعني رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
(ذكر القصة في ذلك) قال العلماء بأخبار الأنبياء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أهل
قوله عز وجل :﴿ واضرب لهم مثلاً ﴾ يعني صف لهم شبهاً مثل حالهم من قصة ﴿ أصحاب القرية ﴾ يعني أنطاكية ﴿ إذ جاءها المرسلون ﴾ يعني رسل عيسى عليه الصلاة والسلام.
( ذكر القصة في ذلك ) : قال العلماء بأخبار الأنبياء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أهل إنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخاً يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب ياسين فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال الشيخ لهما أمعكما آية قالا نعم نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله قال الشيخ إن لي ابناً مريضاً منذ سنين قالا : فانطلق بنا نطلع على حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحاً ففشا الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيراً من المرضى وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم فانتهى خبرهما إليه فدعا بهما، وقال : من أنتما قالا : رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام، قال : وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر فقال ولنا إله دون آلهتنا قالا نعم الذي أوجدك وآلهتك قال لهما : قوما حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما وقال وهب بعث عيسى عليه السلام هذين الرجلين إلى أنطاكية فأتياها فلم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله تعالى فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة فلما كذبا وضربا بعث عيسى عليه الصلاة والسلام رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما ليبصرهما فدخل شمعون البلد متنكراً فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه وأنس به وأكرمه ورضي عشرته فقال للملك ذات يوم : بلغني أنك حبست رجلين وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما، فقال : حال الغضب بيني وبين ذلك. قال : فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون : من أرسلكما إلى هاهنا ؟ قالا : الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال لهما شمعون : فصفاه وأوجزا، قالا : إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون : وما آيتكما ؟ قال : ما تتمناه فأمر الملك حتى جاؤوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زال يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذ بندقتين من طين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك إن أنت سألت إلهك حتى يصنع لك مثل هذا كان لك الشرف ولإلهك، فقال له الملك ليس لي عنك سر مكتوم فإن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم ويصلي ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما قالا إلهنا قادر على كل شيء فقال الملك إن هاهنا ميتا قد مات منذ سبعة أيام ابن دهقان وأنا أخرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا، فجاؤوا بالميت وقد تغير وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وشمعون يدعو ربه سرا فقام الميت وقال : إني ميت منذ سبعة أيام ووجدت مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم عليه فآمنوا بالله ثم قال فتحت أبواب السماء فنظرت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن الثلاثة قال شمعون وهذان وأشار بيده إلى صاحبيه فعجب الملك من ذلك فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن الملك وآمن معه قوم وكفر آخرون وقيل بل كفر الملك وأجمع على قتل الرسل هو وقومه فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين.
إنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب ياسين فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال الشيخ لهما أمعكما آية قالا نعم نشفي المريض ونبرئ الأكمه والأبرص بإذن الله قال الشيخ إن لي ابنا مريضا منذ سنين قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحا ففشا الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرا من المرضى، وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم فانتهى خبرهما إليه فدعا بهما، وقال: من أنتما قالا: رسولا عيسى عليه الصلاة والسلام، قال: وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر فقال ولنا إله دون آلهتنا قالا نعم الذي أوجدك وآلهتك قال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما وقال وهب بعث عيسى عليه السلام هذين الرجلين إلى أنطاكية فأتياها فلم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله تعالى فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة فلما كذبا وضربا بعث عيسى عليه الصلاة والسلام رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما ليبصرهما، فدخل شمعون البلد متنكرا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه وأنس به وأكرمه ورضي عشرته فقال للملك ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين في السجن وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما، فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك. قال: فإن رأى الملك دعاهما حتى نطلع على ما عندهما فدعاهما الملك فقال لهما شمعون: من أرسلكما إلى هاهنا؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال لهما شمعون: فصفاه وأوجزا، قالا: إنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، فقال شمعون: وما آيتكما؟ قال: ما تتمناه فأمر الملك حتى جاءوا بغلام مطموس العينين وموضع عينيه كالجبهة فما زالا يدعوان ربهما حتى انشق موضع البصر، فأخذ بندقتين من طين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين يبصر بهما فتعجب الملك فقال شمعون للملك إن أنت سألت إلهك حتى يصنع لك مثل هذا كان لك الشرف ولإلهك، فقال له الملك ليس لي عنك سر مكتوم فإن إلهنا الذي نعبده لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع وكان شمعون يدخل مع الملك على الصنم ويصلي ويتضرع حتى ظنوا أنه على ملتهم، فقال الملك للرسولين إن قدر إلهكما الذي تعبدانه على إحياء ميت آمنا به وبكما قالا إلهنا قادر على كل شيء فقال الملك إن هاهنا ميتا قد مات منذ سبعة أيام ابن دهقان وأنا أخّرته فلم أدفنه حتى يرجع أبوه وكان غائبا، فجاؤوا بالميت وقد تغيّر وأروح فجعلا يدعوان ربهما علانية وشمعون يدعو ربه سرا فقام الميت وقال: إني ميت منذ سبعة أيام ووجدت مشركا فأدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم عليه فآمنوا بالله ثم قال فتحت أبواب السماء فنظرت شابا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة قال الملك ومن الثلاثة قال شمعون وهذان وأشار بيده إلى صاحبيه فعجب الملك من ذلك فلما علم شمعون أن قوله قد أثر في الملك أخبره بالحال ودعاه فآمن الملك وآمن معه قوم وكفر آخرون وقيل بل كفر الملك وأجمع على قتل الرسل هو وقومه فبلغ ذلك حبيبا وهو على باب المدينة فجاء يسعى إليهم يذكرهم ويدعوهم إلى طاعة المرسلين فذلك قوله تعالى:
[سورة يس (٣٦): الآيات ١٤ الى ٢٠]
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ (١٤) قالُوا ما أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ (١٥) قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ (١٦) وَما عَلَيْنا إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ (١٧) قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨)
قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ (١٩) وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠)
فقالوا يعني لم يرسل رسولاً ﴿ إن أنتم إلا تكذبون ﴾ يعني فيما تزعمون.
﴿ قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون ﴾ يعني وإن كذبتمونا.
﴿ وما علينا إلا البلاغ المبين ﴾ أي بالآيات الدالة على صدقنا.
﴿ قالوا إنا تطيرنا بكم ﴾ أي تشاءمنا منكم وذلك لأن المطر حبس عنهم فقالوا أصابنا ذلك بشؤمكم ﴿ لئن لم تنتهوا ﴾ أي تسكتوا عنا ﴿ لنرجمنكم ﴾ يعني لنقتلنكم وقيل بالحجارة ﴿ وليمسنكم منا عذاب أليم ﴾.
﴿ قالوا طائركم معكم ﴾ يعني شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني أصابكم الشؤم من قبلكم وقال ابن عباس حظكم من الخير والشر ﴿ أئن ذكرتم ﴾ معناه اطيرتم لأن ذكرتم ووعظتم ﴿ بل أنتم قوم مسرفون ﴾ أي في ضلالكم وشرككم متمادون في غيكم.
قوله عز وجل :﴿ وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى ﴾ هو حبيب النجار وقيل كان قصاراً وقال وهب كان يعمل الحرير وكان سقيماً قد أسرع فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المسجد وكان مؤمناً ذا صدقة يجمع كسبه فإذا أمسى قسمه نصفين نصف لعياله ويتصدق بنصفه فلما بلغه أن قومه كذبوا الرسل وقصدوا قتلهم جاءهم ﴿ قال يا قوم اتبعوا المرسلين ﴾ وقيل كان في غار يعبد ربه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال لهم أتسألون على هذا أجراً قالوا لا فأقبل على قومه وقال يا قوم اتبعوا المرسلين.
إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما قال وهب اسمهما يوحنا وبولس وقال كعب صادق وصدوق فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ يعني قوينا برسول ثالث وهو شمعون وقيل شلوم وإنما أضاف الله تعالى الإرسال إليه لأن عيسى عليه الصلاة والسلام إنما بعثهم بإذن الله عز وجل فَقالُوا يعني الرسل جميعا لأهل أنطاكية إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ يعني لم يرسل رسولا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ يعني فيما تزعمون قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ يعني وإن كذبتمونا وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي بالآيات الدالة على صدقنا قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ أي تشاءمنا منكم وذلك لأن المطر حبس عنهم فقالوا أصابنا ذلك بشؤمكم لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا أي تسكتوا عنا لَنَرْجُمَنَّكُمْ يعني لنقتلنكم وقيل بالحجارة وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ يعني شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني أصابكم الشؤم من قبلكم وقال ابن عباس حظكم من الخير والشر أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ معناه اطيرتم لأن ذكرتم ووعظتم بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي في ضلالكم وشرككم متمادون في غيكم.
قوله عز وجل: وَجاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى هو حبيب النجار وقيل كان قصارا وقال وهب كان يعمل الحرير وكان سقيما قد أسرع فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المسجد وكان مؤمنا ذا صدقة يجمع كسبه فإذا أمسى قسمه نصفين نصف لعياله ويتصدق بنصفه فلما بلغه أن قومه كذبوا الرسل وقصدوا قتلهم جاءهم قالَ يا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ وقيل كان في غار يعبد ربه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال لهم أتسألون على هذا أجرا قالوا لا فأقبل على قومه وقال يا قوم اتبعوا المرسلين.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٢١ الى ٢٧]
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢٢) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونِ (٢٣) إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٤) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (٢٥)
قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (٢٧)
اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ أي لا تخسرون معهم شيئا من دنياكم وتربحون صحة دينكم فيحصل لكم خير الدنيا والآخرة فلما قال ذلك قالوا له أو أنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم فقال وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ قيل أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر والرجوع فيه معنى الزجر فكان بهم أليق وقيل معناه وأي شيء بي إذا لم أعبد خالقي وإليه تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً أي لا أتخذ من دونه آلهة إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمنُ بِضُرٍّ أي بسوء ومكروه لا تُغْنِ عَنِّي أي لا تدفع عني شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً أي لا شفاعة لها فتغني عني وَلا يُنْقِذُونِ أي من ذلك المكروه وقيل من العذاب إِنِّي إِذاً لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ أي خطأ ظاهر إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ أي فاشهدوا لي بذلك قيل هو خطاب للرسل وقيل هو خطاب لقومه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه. قال ابن مسعود ووطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقيل كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي حتى أهلكوه وقبره بأنطاكية فلما لقي الله تعالى: قِيلَ له ادْخُلِ الْجَنَّةَ فلما أفضى إلى الجنة ورأى نعيمها قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ تمنى أن يعلم قومه أن الله تعالى غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل غضب الله عز وجل له فعجّل لهم العقوبة فأمر جبريل عليه الصلاة والسلام فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم فذلك قوله تعالى:
قال ﴿ ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ﴾ قيل أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر والرجوع فيه معنى الزجر فكان بهم أليق وقيل معناه وأي شيء بي إذا لم أعبد خالقي وإليه تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم.
﴿ أأتخذ من دونه آلهة ﴾ أي لا أتخذ من دونه آلهة ﴿ إن يردن الرحمن بضر ﴾ أي بسوء ومكروه ﴿ لا تغن عني ﴾ أي لا تدفع عني ﴿ شفاعتهم شيئاً ﴾ أي لا شفاعة لها فتغني عني ﴿ ولا ينقذون ﴾ أي من ذلك المكروه وقيل من العذاب.
﴿ إني إذاً لفي ضلال مبين ﴾ أي خطأ ظاهر.
﴿ إني آمنت بربكم فاسمعون ﴾ أي فاشهدوا لي بذلك قيل هو خطاب للرسل وقيل هو خطاب لقومه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه. قال ابن مسعود ووطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقيل كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي حتى أهلكوه وقبره بأنطاكية.
فلما لقي الله تعالى :﴿ قيل ﴾ له ﴿ ادخل الجنة ﴾ فلما أفضى إلى الجنة ورأى نعيمها ﴿ قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ﴾ تمنى أن يعلم قومه أن الله تعالى غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل غضب الله عز وجل له فعجَّل لهم العقوبة فأمر جبريل عليه الصلاة والسلام فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٦:فلما لقي الله تعالى :﴿ قيل ﴾ له ﴿ ادخل الجنة ﴾ فلما أفضى إلى الجنة ورأى نعيمها ﴿ قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ﴾ تمنى أن يعلم قومه أن الله تعالى غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل غضب الله عز وجل له فعجَّل لهم العقوبة فأمر جبريل عليه الصلاة والسلام فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم.

[سورة يس (٣٦): الآيات ٢٨ الى ٣٢]

وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ (٢٨) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ (٢٩) يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٠) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (٣١) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٣٢)
وَما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ يعني الملائكة وَما كُنَّا مُنْزِلِينَ أي ما كنا لنفعل هذا بل الأمر في إهلاكهم كان أيسر مما تظنون ثم بيّن عقوبتهم فقال تعالى: إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً قال المفسرون أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة فَإِذا هُمْ خامِدُونَ أي ميتون يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يعني يا لها حسرة وندامة وكآبة على العباد والحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له حتى يبقى قلبه حسيرا، قيل تحسروا على أنفسهم لما عاينوا من العذاب حيث لم يؤمنوا بالرسل الثلاثة فتمنوا الإيمان حيث لم ينفعهم وقيل تتحسر عليهم الملائكة حيث لم يؤمنوا بالرسل وقيل يقول الله تعالى يا حسرة على العباد يوم القيامة حيث لم يؤمنوا بالرسل ثم بين سبب تلك الحسرة فقال تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ قوله تعالى: أَلَمْ يَرَوْا أي ألم يخبروا خطاب لأهل مكة كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أي من الأمم الخالية من أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ أي لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يعني أن جميع الأمم يحضرون يوم القيامة.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٣٣ الى ٤٢]
وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (٣٤) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٣٥) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (٣٦) وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٣٨) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (٤٠) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (٤١) وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ ما يَرْكَبُونَ (٤٢)
وَآيَةٌ لَهُمُ يعني تدلهم على كمال قدرتنا على إحياء الموتى الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها أي بالمطر وَأَخْرَجْنا مِنْها أي من الأرض حَبًّا يعني الحنطة والشعير وما أشبههما فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ أي من الحب وَجَعَلْنا فِيها يعني في الأرض جَنَّاتٍ يعني بساتين مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ يعني من الثمر الحاصل بالماء وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ يعني من الزرع والغرس الذي تعبوا فيه وقرئ عملت بغير هاء، وقيل ما للنفي والمعنى ولم تعمله أيديهم وليس من صنيعهم بل وجدوها معمولة وقيل أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد خلق مثل النيل والفرات ودجلة أَفَلا يَشْكُرُونَ يعني نعمة الله تعالى سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها يعني الأصناف كلها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ أي من الأشجار والثمار والحبوب وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ يعني الذكر والأنثى وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ يعني مما خلق الله تعالى من الأشياء في البر والبحر من الدواب.
قوله عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمُ يعني تدلهم على قدرتنا اللَّيْلُ نَسْلَخُ أي ننزع ونكشط مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ يعني فإذا هم في الظلمة وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها يعني إلى مستقر لها قيل إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة وقيل تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها، الذي لا تجاوزه ثم ترجع إلى أول
7
منازلها وهو أنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها ثم ترجع فذلك مستقرها وقيل مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء. وقرأ ابن مسعود والشمس تجري لا مستقر لها أي لا قرار ولا وقوف فهي جارية أبدا إلى يوم القيامة وقد صح عن النبي صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه أبو ذر قال «سألت النبي صلّى الله عليه وسلّم عن قوله والشمس تجري لمستقر لها قال مستقرها تحت العرش» وفي رواية قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لأبي ذر حين غربت الشمس «أتدري أين تذهب الشمس» قال الله ورسوله أعلم قال «إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها» فذلك قوله تعالى:
وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ أخرجاه في الصحيحين، قال الشيخ محيي الدين النووي اختلف المفسرون فيه فقال جماعة بظاهر الحديث. قال الواحدي فعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع، وقيل تجري إلى وقت لها وأصل لا تتعداه وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها والله أعلم ذلِكَ يعني الذي ذكر من جرى الشمس على ذلك التقدير والحساب الذي يكل النظر عن استخراجه وتتحير الأفهام عن استنباطه تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ يعني الغالب بقدرته على كل شيء مقدور الْعَلِيمِ يعني المحيط علما بكل شيء.
قوله تعالى: وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ يعني قدرنا له منازل وهي ثمانية وعشرون منزلا ينزل كل ليلة في منزل منها لا يتعداه يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص فإذا كان في آخر منازله رقّ وتقوس فذلك قوله تعالى: حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ وهو العود الذي عليه شماريخ العذق إلى منبته من النخلة والقديم الذي أتى عليه الحول فإذا قدم عتق ويبس وتقوس واصفر فشبه القمر به عند انتهائه إلى آخر منازله لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يعني لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه وهو قوله تعالى: وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ يعني هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته. وقيل لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر فلا تطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء فإذا اجتمعا وأدرك أحدهما صاحبه قامت القيامة. وقيل معناه أن الشمس لا تجتمع مع القمر في فلك واحد ولا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ أي والشمس والقمر في فلك يسيرون.
قوله عز وجل: وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ يعني أولادهم فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ يعني المملوء وَخَلَقْنا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ يعني مثل الفلك ما يَرْكَبُونَ يعني من الإبل، وهي سفائن البر. وقيل أراد بالفلك المشحون سفينة نوح عليه الصلاة والسلام ومعنى الآية أن الله عز وجل حمل آباءهم الأقدمين في أصلاب الذين كانوا في السفينة فكانوا ذرية لهم ومنه قول العباس:
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسرا وأهله الغرق
وإنما ذكر ذريتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم وأبلغ في التعجب من قدرته فعلى هذا القول يكون قوله من مثله أي من مثل ذلك الفلك ما يركبون أي من السفن والزوارق في الأنهار الكبار والصغار
8
ثم بيَّن عقوبتهم فقال تعالى :﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة ﴾ قال المفسرون : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة وصاح بهم صيحة واحدة، ﴿ فإذا هم خامدون ﴾ أي : ميتون.
﴿ يا حسرة على العباد ﴾ يعني : يا لها حسرة وندامة وكآبة على العباد والحسرة أن يركب الإنسان من شدة الندم ما لا نهاية له حتى يبقى قلبه حسيراًّ، قيل تحسروا على أنفسهم لما عاينوا من العذاب حيث لم يؤمنوا بالرسل الثلاثة فتمنوا الإيمان حيث لم ينفعهم وقيل تتحسر عليهم الملائكة حيث لم يؤمنوا بالرسل، وقيل يقول الله تعالى يا حسرة على العباد يوم القيامة حيث لم يؤمنوا بالرسل ثم بين سبب تلك الحسرة فقال تعالى :﴿ ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ﴾.
قوله تعالى :﴿ ألم يروا ﴾ أي : ألم يخبروا خطاب لأهل مكة ﴿ كم أهلكنا قبلهم من القرون ﴾ أي : من الأمم الخالية من أهل كل عصر، سموا بذلك لاقترانهم في الوجود ﴿ أنهم إليهم لا يرجعون ﴾ أي : لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون بهم.
﴿ وإن كل لما جميع لدينا محضرون ﴾ يعني : أن جميع الأمم يحضرون يوم القيامة.
﴿ وآية لهم ﴾ يعني : تدلهم على كمال قدرتنا على إحياء الموتى ﴿ الأرض الميتة أحييناها ﴾ أي : بالمطر ﴿ وأخرجنا منها ﴾ أي : من الأرض ﴿ حباً ﴾ يعني : الحنطة والشعير وما أشبههما ﴿ فمنه يأكلون ﴾ أي : من الحب.
﴿ وجعلنا فيها ﴾ يعني : في الأرض ﴿ جنات ﴾ يعني : بساتين ﴿ من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون ﴾.
﴿ ليأكلوا من ثمره ﴾ يعني : من الثمر الحاصل بالماء ﴿ وما عملته أيديهم ﴾ يعني : من الزرع والغرس الذي تعبوا فيه وقرئ :﴿ عملت ﴾ بغير هاء، وقيل :﴿ ما ﴾للنفي والمعنى : ولم تعمله أيديهم وليس من صنيعهم بل وجدوها معمولة وقيل : أراد العيون والأنهار، التي لم تعملها يد خلق مثل النيل والفرات ودجلة ﴿ أفلا يشكرون ﴾ يعني : نعمة الله تعالى.
﴿ سبحان الذي خلق الأزواج كلها ﴾ يعني : الأصناف كلها ﴿ مما تنبت الأرض ﴾ أي : من الأشجار والثمار والحبوب ﴿ ومن أنفسهم ﴾ يعني : الذكر والأنثى ﴿ ومما لا يعلمون ﴾ يعني : مما خلق الله تعالى من الأشياء في البر والبحر من الدواب.
قوله عز وجل :﴿ وآية لهم ﴾ يعني : تدلهم على قدرتنا ﴿ الليل نسلخ ﴾ أي : ننزع ونكشط ﴿ منه النهار فإذا هم مظلمون ﴾ يعني : فإذا هم في الظلمة وذلك أن الأصل هي الظلمة والنهار داخل عليها فإذا غربت الشمس سلخ النهار من الليل فتظهر الظلمة.
﴿ والشمس تجري لمستقر لها ﴾ يعني : إلى مستقر لها قيل إلى انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا وقيام الساعة. وقيل تسير في منازلها حتى تنتهي إلى مستقرها، الذي لا تجاوزه ثم ترجع إلى أول منازلها وهو أنها تسير حتى تنتهي إلى أبعد مغاربها، ثم ترجع فذلك مستقرها وقيل مستقرها نهاية ارتفاعها في السماء في الصيف ونهاية هبوطها في الشتاء. وقرأ ابن مسعود : ّ﴿ والشمس تجري لا مستقر لها ﴾ أي : لا قرار ولا وقوف، فهي جارية أبداً إلى يوم القيامة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو ذر قال «سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله﴿ والشمس تجري لمستقر لها ﴾ قال : مستقرها تحت العرش » وفي رواية قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر حين غربت الشمس :«أتدري أين تذهب الشمس » قال : الله ورسوله أعلم قال :«إنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها فيقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها » فذلك قوله تعالى :﴿ والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ﴾ أخرجاه في الصحيحين، قال الشيخ محيي الدين النووي اختلف المفسرون فيه فقال جماعة بظاهر الحديث. قال الواحدي : فعلى هذا القول إذا غربت الشمس كل يوم استقرت تحت العرش إلى أن تطلع. وقيل : تجري إلى وقت لها وأصل لا تتعداه، وعلى هذا مستقرها انتهاء سيرها عند انقضاء الدنيا، وأما سجود الشمس فهو تمييز وإدراك يخلقه الله تعالى فيها والله أعلم، ﴿ ذلك ﴾ يعني : الذي ذكر من جرى الشمس على ذلك التقدير والحساب الذي يكل النظر عن استخراجه وتتحير الأفهام عن استنباطه ﴿ تقدير العزيز ﴾ يعني : الغالب بقدرته على كل شيء مقدور ﴿ العليم ﴾ يعني : المحيط علماً بكل شيء.
قوله تعالى :﴿ والقمر قدرناه منازل ﴾ يعني قدرنا له منازل وهي ثمانية وعشرون منزلاً ينزل كل ليلة في منزل منها لا يتعداه يسير فيها من ليلة المستهل إلى الثامنة والعشرين ثم يستتر ليلتين أو ليلة إذا نقص فإذا كان في آخر منازله رقّ وتقوس فذلك قوله تعالى :﴿ حتى عاد كالعرجون القديم ﴾ وهو العود الذي عليه شماريخ العذق إلى منبته من النخلة والقديم الذي أتى عليه الحول فإذا قدم عتق ويبس وتقوس واصفر فشبه القمر به عند انتهائه إلى آخر منازله.
﴿ لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ﴾ يعني لا يدخل النهار على الليل قبل انقضائه ولا يدخل الليل على النهار قبل انقضائه وهو قوله تعالى :﴿ ولا الليل سابق النهار ﴾ يعني هما يتعاقبان بحساب معلوم لا يجيء أحدهما قبل وقته. وقيل لا يدخل أحدهما في سلطان الآخر فلا تطلع الشمس بالليل ولا يطلع القمر بالنهار وله ضوء فإذا اجتمعا وأدرك أحدهما صاحبه قامت القيامة. وقيل معناه أن الشمس لا تجتمع مع القمر في فلك واحد ولا يتصل ليل بليل لا يكون بينهما نهار فاصل ﴿ وكل في فلك يسبحون ﴾ أي الشمس والقمر في فلك يسيرون.
قوله عز وجل :﴿ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم ﴾ يعني أولادهم ﴿ في الفلك المشحون ﴾ يعني المملوء.
﴿ وخلقنا لهم من مثله ﴾ يعني مثل الفلك ﴿ ما يركبون ﴾ يعني من الإبل، وهي سفائن البر. وقيل أراد بالفلك المشحون سفينة نوح عليه الصلاة والسلام ومعنى الآية أن الله عز وجل حمل آباءهم الأقدمين في أصلاب الذين كانوا في السفينة فكانوا ذرية لهم ومنه قول العباس :
بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسراً وأهله الغرق
وإنما ذكر ذريتهم دونهم لأنه أبلغ في الامتنان عليهم وأبلغ في التعجب من قدرته فعلى هذا القول يكون قوله من مثله أي من مثل ذلك الفلك ما يركبون أي من السفن والزوارق في الأنهار الكبار والصغار.

[سورة يس (٣٦): الآيات ٤٣ الى ٤٩]

وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ (٤٣) إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ (٤٤) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٤٥) وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤٦) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٧)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٨) ما يَنْظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩)
وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ يعني لا مغيث لهم وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ يعني ينجون من الغرق قال ابن عباس ولا أحد ينقذهم من عذابي إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتاعاً إِلى حِينٍ يعني إلا أن يرحمهم الله ويمتعهم إلى انقضاء آجالهم وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَما خَلْفَكُمْ قال ابن عباس ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يعني الآخرة فاعملوا لها وَما خَلْفَكُمْ يعني الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها.
وقيل ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ يعني وقائع الله تعالى بمن كان قبلكم من الأمم وَما خَلْفَكُمْ يعني الآخرة لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ أي لتكونوا على رجاء الرحمة وجواب إذا محذوف تقديره وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا ويدل على الحذف قوله تعالى: وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ أي دلالة على صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ قوله عز وجل: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ أي مما أعطاكم اللَّهُ نزلت في كفار قريش وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله تعالى من أموالكم وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ أي أنرزق مَنْ لَوْ يَشاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ أي رزقه قيل كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين قال له اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك، ويقول قد منعه أفأطعمه أنا ومعنى الآية أنهم قالوا لو أراد الله أن يرزقهم لرزقهم فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نطعم من لم يطعمه وهذا مما يتمسك به البخلاء، يقولون لا نعطي من حرمه الله وهذا الذي يزعمون باطل لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلا وأعطى الدنيا الغني لا استحقاقا وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له من مال الغني ولا اعتراض لأخذ في مشيئة الله وحكمته في خلقه والمؤمن يوافق أمر الله تعالى وقيل قالوا هذا على سبيل الاستهزاء إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ قيل هو من قول الكفار للمؤمنين ومعناه ما أنتم إلا في خطأ بيّن باتباعكم محمدا وترك ما نحن عليه. وقيل هو من قول الله تعالى للكفار لما ردوا من جواب المؤمنين وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ يعني يوم القيامة والبعث إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قال الله تعالى: ما يَنْظُرُونَ أي ينتظرون إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يريد النفخة الأولى تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ أي في أمر الدنيا من البيع والشراء ويتكلمون في الأسواق والمجالس وفي متصرفاتهم فتأتيهم الساعة أغفل ما كانوا عنها، وقد صح في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال «ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها» أخرجه البخاري وهو طرف من حديث. ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال «ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس» اللقحة بفتح اللام وكسرها الناقة القريبة العهد من النتاج وقوله وهو يليط حوضه يعني يطينه ويصلحه، وكذلك يلوط حوض إبله وأصله من اللوط. وقوله أصغى ليتا الليت صفحة العنق وأصغى يعني أمال عنقه يسمع.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٥٠ الى ٥٥]
فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ (٥٠) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (٥١) قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) إِنْ كانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (٥٣) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤)
إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (٥٥)
قوله تعالى: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً أي لا يقدرون على الإيصاء بل أعجلوا عن الوصية فماتوا وَلا إِلى
﴿ إلا رحمة منا ومتاعاً إلى حين ﴾ يعني : إلا أن يرحمهم الله ويمتعهم إلى انقضاء آجالهم.
﴿ وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم ﴾ قال ابن عباس :﴿ ما بين أيديكم ﴾ يعني الآخرة فاعملوا لها ﴿ وما خلفكم ﴾ يعني : الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها.
وقيل :﴿ ما بين أيديكم ﴾ يعني : وقائع الله تعالى بمن كان من قبلكم من الأمم ﴿ وما خلفكم ﴾ يعني : الآخرة ﴿ لعلكم ترحمون ﴾ أي : لتكونوا على رجاء الرحمة وجواب إذا محذوف تقديره وإذا قيل لهم اتقوا أعرضوا.
ويدل على الحذف قوله تعالى :﴿ وما تأتيهم من آية من آيات ربهم ﴾ أي : دلالة على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ﴿ إلا كانوا عنها معرضين ﴾.
قوله عز وجل :﴿ وإذا قيل لهم أنفقوا مما رزقكم ﴾ أي : مما أعطاكم ﴿ الله ﴾ نزلت في كفار قريش وذلك أن المؤمنين قالوا لكفار مكة أنفقوا على المساكين مما زعمتم أنه لله تعالى من أموالكم وهو ما جعلوه لله من حروثهم وأنعامهم ﴿ قال الذين كفروا للذين آمنوا أنطعم ﴾ أي : أنرزق
﴿ من لو يشاء الله أطعمه ﴾ أي : رزقه قيل كان العاص بن وائل السهمي إذا سأله المسكين قال له اذهب إلى ربك فهو أولى مني بك ويقول قد منعه أفأطعمه أنا. ومعنى الآية أنهم قالوا لو أراد الله أن يرزقهم لرزقهم فنحن نوافق مشيئة الله فيهم فلا نطعم من لم يطعمه وهذا مما يتمسك به البخلاء يقولون لا نعطي من حرمه الله، وهذا الذي يزعمون باطل لأن الله تعالى أغنى بعض الخلق وأفقر بعضهم ابتلاء فمنع الدنيا من الفقير لا بخلاً وأعطى الدنيا الغني لا استحقاقاً وأمر الغني بالإنفاق لا حاجة إلى ماله، ولكن ليبلو الغني بالفقير فيما فرض له من مال الغني ولا اعتراض لأخذ في مشيئة الله وحكمته في خلقه والمؤمن يوافق أمر الله تعالى وقيل قالوا هذا على سبيل الاستهزاء ﴿ إن أنتم إلا في ضلال مبين ﴾ قيل هو من قول الكفار للمؤمنين ومعناه ما أنتم إلا في خطأ بيِّن باتباعكم محمداً وترك ما نحن عليه. وقيل هو من قول الله تعالى للكفار لما ردوا من جواب المؤمنين.
﴿ ويقولون متى هذا الوعد ﴾ يعني : يوم القيامة والبعث ﴿ إن كنتم صادقين ﴾.
قال الله تعالى :﴿ ما ينظرون ﴾ أي : ينتظرون ﴿ إلا صيحة واحدة ﴾ قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : يريد النفخة الأولى ﴿ تأخذهم وهم يخصمون ﴾ أي : في أمر الدنيا من البيع والشراء ويتكلمون في الأسواق والمجالس وفي متصرفاتهم فتأتيهم الساعة أغفل ما كانوا عنها، وقد صح في حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوباً بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقى فيه ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها " أخرجه البخاري وهو طرف من حديث. ولمسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس " اللقحة بفتح اللام وكسرها الناقة القريبة العهد من النتاج وقوله وهو يليط حوضه يعني يطينه ويصلحه، وكذلك يلوط حوض إبله وأصله من اللوط. وقوله أصغى ليتاً الليت صفحة العنق وأصغى يعني أمال عنقه يسمع.
قوله تعالى :﴿ فلا يستطيعون توصية ﴾ أي لا يقدرون على الإيصاء بل أعجلوا عن الوصية فماتوا ﴿ ولا إلى أهلهم يرجعون ﴾ يعني لا يقدرون على الرجوع إلى أهلهم لأن الساعة لا تمهلهم بشيء.
﴿ ونفخ في الصور ﴾ هذه النفخة الثانية وهي نفخة البعث وبين النفختين أربعون سنة ( ق ) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما بين النفختين أربعون، قالوا يا أبا هريرة أربعين يوماً قال أبيت، قالوا أربعين شهراً قال أبيت، قالوا أربعين سنة قال أبيت ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظماً واحداً وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة » ﴿ فإذا هم من الأجداث ﴾ أي القبور ﴿ إلى ربهم ينسلون ﴾ أي : يخرجون منها أحياء.
﴿ قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ﴾ قال ابن عباس إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد الثانية وعاينوا أهوال القيامة دعوا بالويل. وقيل إذا عاين الكفار جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم فقالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا ﴿ هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون ﴾ أقروا حين لا ينفعهم الإقرار. وقيل قالت لهم الملائكة ذلك وقيل يقول الكفار من بعثنا من مرقدنا فيقول المؤمنون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
﴿ إن كانت إلا صيحة واحدة ﴾ يعني النفخة الأخيرة ﴿ فإذا هم جميع لدينا محضرون ﴾ أي للحساب.
قوله تعالى :﴿ إن أصحاب الجنة اليوم في شغل ﴾ قال ابن عباس في افتضاض الأبكار وقيل في زيارة بعضهم بعضاً وقيل في ضيافة الله تعالى وقيل في السماع وقيل شغلوا بما في الجنة من النعيم عما فيه أهل النار من العذاب الأليم ﴿ فاكهون ﴾ قال ابن عباس فرحون وقيل ناعمون وقيل معجبون بما هم فيه.
أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ
يعني لا يقدرون على الرجوع إلى أهلهم لأن الساعة لا تمهلهم بشيء وَنُفِخَ فِي الصُّورِ هذه النفخة الثانية وهي نفخة البعث وبين النفختين أربعون سنة (ق) عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «ما بين النفختين أربعون، قالوا يا أبا هريرة أربعين يوما قال أبيت، قالوا أربعين شهرا قال أبيت، قالوا أربعين سنة قال أبيت ثم ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظما واحدا وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة» فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ أي القبور إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ أي يخرجون منها أحياء قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا قال ابن عباس إنما يقولون هذا لأن الله تعالى يرفع عنهم العذاب بين النفختين فيرقدون فإذا بعثوا بعد الثانية وعاينوا أهوال القيامة دعوا بالويل. وقيل إذا عاين الكفار جهنم وأنواع عذابها صار عذاب القبر في جنبها كالنوم فقالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ أقروا حين لا ينفعهم الإقرار. وقيل قالت لهم الملائكة ذلك، وقيل يقول الكفار من بعثنا من مرقدنا فيقول المؤمنون هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون إِنْ كانَتْ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً يعني النفخة الأخيرة فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ أي للحساب فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلا تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ قوله تعالى: إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ قال ابن عباس في افتضاض الأبكار وقيل في زيارة بعضهم بعضا وقيل في ضيافة الله تعالى، وقيل في السماع وقيل شغلوا بما في الجنة من النعيم عما فيه أهل النار من العذاب الأليم فاكِهُونَ قال ابن عباس فرحون وقيل ناعمون وقيل معجبون بما هم فيه.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٥٦ الى ٦٠]
هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ (٥٦) لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (٥٧) سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨) وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (٥٩) أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠)
هُمْ وَأَزْواجُهُمْ فِي ظِلالٍ يعني أكنان القصور عَلَى الْأَرائِكِ يعني السرر في الحجال مُتَّكِؤُنَ يعني ذوو اتكاء تحت تلك الظلال لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ أي في الجنة وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ يعني ما يتمنون ويشتهون والمعنى أن كل ما يدعون أي أهل الجنة يأتيهم سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ يعني يسلم الله عز وجل عليهم روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله عز وجل سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم» وقيل تسلم الملائكة عليهم من ربهم وقيل تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون سلام عليكم من ربكم الرحيم وقيل يعطيهم السلامة يقول اسلموا السلام الأبدية وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يعني اعتزلوا وانفردوا وتميزوا اليوم من المؤمنين الصالحين وكونوا على حدة، وقيل إن لكل كافر في النار بيتا فيدخل ذلك البيت ويردم بابه فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى فعلى هذا القول يمتاز بعضهم عن بعض.
قوله عز وجل: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أي ألم آمركم وأوصيكم يا بني آدم أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ يعني لا تطيعوه فيما يوسوس ويزين لكم من معصية الله إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ أي ظاهر العداوة.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (٦٢) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٦٣) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٦٤) الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)
﴿ لهم فيها فاكهة ﴾ أي في الجنة ﴿ ولهم ما يدعون ﴾ يعني ما يتمنون ويشتهون والمعنى أن كل ما يدعون أي أهل الجنة يأتيهم.
﴿ سلام قولاً من رب رحيم ﴾ يعني يسلم الله عز وجل عليهم روى البغوي بإسناد الثعلبي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «بينا أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فرفعوا رؤوسهم فإذا الرب عز وجل قد أشرف عليهم من فوقهم فقال السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله عز وجل ﴿ سلام قولاً من رب رحيم ﴾ ينظر إليهم وينظرون إليه فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم فيبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم » وقيل تسلم الملائكة عليهم من ربهم وقيل تدخل الملائكة على أهل الجنة من كل باب يقولون سلام عليكم من ربكم الرحيم وقيل يعطيهم السلامة يقول اسلموا السلام الأبدية.
﴿ وامتازوا اليوم أيها المجرمون ﴾ يعني اعتزلوا وانفردوا وتميزوا اليوم من المؤمنين الصالحين وكونوا على حدة، وقيل إن لكل كافر في النار بيتاً فيدخل ذلك البيت ويردم بابه فيكون فيه أبد الآبدين لا يرى ولا يرى فعلى هذا القول يمتاز بعضهم عن بعض.
قوله عز وجل :﴿ ألم أعهد إليكم يا بني آدم ﴾ أي ألم آمركم وأوصيكم يا بني آدم ﴿ أن لا تعبدوا الشيطان ﴾ يعني لا تطيعوه فيما يوسوس ويزين لكم من معصية الله ﴿ إنه لكم عدو مبين ﴾ أي ظاهر العداوة.
﴿ وأن اعبدوني ﴾ أي أطيعوني ووحدوني ﴿ هذا صراط مستقيم ﴾ أي لا صراط أقوم منه.
قوله تعالى :﴿ ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً ﴾ أي خلقاً كثيراً ﴿ أفلم تكونوا تعقلون ﴾ يعني ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس ويقال لهم لما دنوا من النار.
﴿ هذه جهنم التي كنتم توعدون ﴾ يعني بها في الدنيا.
﴿ اصلوها ﴾ يعني ادخلوها ﴿ اليوم بما كنتم تكفرون ﴾.
قوله تعالى :﴿ اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ﴾ معنى الآية أن الكفار ينكرون ويجحدون كفرهم وتكذيبهم الرسل، ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على أفواههم وتنطق جوارحهم ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت عوناً لهم على المعاصي صارت شاهدة عليهم وذلك أن إقرار الجوارح أبلغ من إقرار اللسان.
فإن قلت ما الحكمة في تسمية نطق اليد كلاماً ونطق الرجل شهادة ؟
قلت إن اليد مباشرة والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى وقول الفاعل إقرار على نفسه بما فعل ( م ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال : هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا يا رسول الله قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة قالوا لا قال فوالذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما قال فيلقى العبد ربه فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب، فيقول أفظننت أنك ملاقي، فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا قال ثم يقول له الآن نبعث شاهدنا عليك فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليَّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك الذي يسخط الله عليه » قوله أي فل يعني يا فلان قوله وأسودك أي أجعلك سيداً قوله وأذرك ترأس أي تتقدم على القوم بأن تصير رئيسهم وتربع أي تأخذ المرباع وهو ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه من الغنائم وهو ربعها، وروى ترتع بتاءين أي تتنعم وتنبسط من الرتع قوله وذلك ليعذر من نفسه أي ليقيم الحجة عليها بشهادة أعضائه عليه ( م ) عن أنس بن مالك قال " كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فضحك فقال هل تدرون مم أضحك، قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيداً وبالكرام الكاتبين شهوداً قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعداً لكن وسحقاً فعنكن كنت أناضل " قوله لا أجيز أي لا أقبل شاهداً على قوله بعداً لكن وسحقاً أي هلاكاً، قوله فعنكن كنت أناضل أي أجادل وأخاصم.
وَأَنِ اعْبُدُونِي أي أطيعوني ووحدوني هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ أي لا صراط أقوم منه قوله تعالى: وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيراً أي خلقا كثيرا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ يعني ما أتاكم من هلاك الأمم الخالية بطاعة إبليس ويقال لهم لما دنوا من النار هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يعني بها في الدنيا اصْلَوْهَا يعني ادخلوها الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ قوله تعالى: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ معنى الآية أن الكفار ينكرون ويجحدون كفرهم وتكذيبهم الرسل، ويقولون والله ربنا ما كنا مشركين فيختم الله على أفواههم وتنطق جوارحهم ليعلموا أن أعضاءهم التي كانت عونا لهم على المعاصي صارت شاهدة عليهم وذلك أن إقرار الجوارح أبلغ من إقرار اللسان.
فإن قلت ما الحكمة في تسمية نطق اليد كلاما ونطق الرجل شهادة؟
قلت إن اليد مباشرة والرجل حاضرة وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى وقول الفاعل إقرار على نفسه بما فعل (م) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال «سأل الناس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة قال: هل تضارون في رؤية الشمس في الظهيرة ليست في سحابة قالوا لا يا رسول الله قال فهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر ليس في سحابة قالوا لا قال فو الذي نفسي بيده لا تضارون في رؤية ربكم إلا كما تضارون في رؤية أحدهما قال فيلقى العبد ربه فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب، فيقول أفظننت أنك ملاقي، فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثاني فيقول أي فل ألم أكرمك وأسودك وأزوجك وأسخر لك الخيل والإبل وأذرك ترأس وتربع فيقول بلى يا رب فيقول أفظننت أنك ملاقي فيقول لا فيقول اليوم أنساك كما نسيتني، ثم يلقى الثالث فيقول له مثل ذلك فيقول يا رب آمنت بك وبكتابك وبرسلك وصليت وصمت وتصدقت ويثني بخير ما استطاع فيقول هاهنا إذا قال ثم يقول له الآن نبعث شاهدنا عليك فيتفكر في نفسه من ذا الذي يشهد عليّ فيختم على فيه ويقال لفخذه ولحمه وعظامه انطقي فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بعمله وذلك الذي يسخط الله عليه» قوله أي فل يعني يا فلان قوله وأسودك أي أجعلك سيدا قوله وأذرك ترأس أي تتقدم على القوم بأن تصير رئيسهم وتربع أي تأخذ المرباع وهو ما يأخذه رئيس الجيش لنفسه من الغنائم وهو ربعها، وروى ترتع بتاءين أي تتنعم وتنبسط من الرتع قوله وذلك ليعذر من نفسه أي ليقيم الحجة عليها بشهادة أعضائه عليه (م) عن أنس بن مالك قال «كنا عند رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فضحك فقال هل تدرون مم أضحك، قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه فيقول يا رب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول فإني لا أجيز على نفسي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه ويقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل» قوله لا أجيز أي لا أقبل شاهدا على قوله بعدا لكن وسحقا أي هلاكا، قوله فعنكن كنت أناضل أي أجادل وأخاصم قوله تعالى:
[سورة يس (٣٦): الآيات ٦٦ الى ٦٩]
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ (٦٦) وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ (٦٧) وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)
وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ أي أذهبنا أعينهم الظاهرة بحيث لا يبدو لها جفن ولا شق والمعنى ولو
11
نشاء لأعمينا أعينهم الظاهرة كما أعمينا قلوبهم فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ أي فبادروا إلى الطريق فَأَنَّى يُبْصِرُونَ أي كيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم والمعنى ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى وتركناهم عميا يترددون فكيف يبصرون الطريق حينئذ وقال ابن عباس يعني لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم فأعميناهم عن غيهم وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى فأبصروا رشدهم فأنى يبصرون ولم نفعل ذلك بهم وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ يعني ولو نشاء لجعلناهم قردة وخنازير في منازلهم وقيل لجعلناهم حجارة لا أرواح فيها فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا أي لا يقدرون أن يبرحوا وَلا يَرْجِعُونَ أي إلى ما كانوا عليه وقيل لا يقدرون على الذهاب ولا الرجوع وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أي نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق وقيل نضعف جوارحه بعد قوتها وننقصها بعد زيادتها وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان في ضعف من جسده وخلو من عقل وعلم في حال صغره ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال إلى أن بلغ أشده واستكمل قوته وعقله وعلم ما له وما عليه فإذا انتهى إلى الغاية واستكمل النهاية رجع ينقص حتى يرد إلى ضعفه الأول فذلك نكسه في الخلق أَفَلا يَعْقِلُونَ أي فيعتبرون ويعلمون أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان قادر على البعث بعد الموت قوله عز وجل: وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ قيل إن كفار قريش قالوا إن محمدا شاعر وما يقوله شعر فأنزل الله تعالى تكذيبا لهم وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي ما يسهل له ذلك وما يصلح منه بحيث لو أراد نظم شعر لم يتأت له ذلك كما جعلناه أميا لا يكتب ولا يحسب لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض قال العلماء ما كان يتزن له بيت شعر وإن تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرا كما روي عن الحسن أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يتمثل بهذا البيت: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا نبي الله إنما قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا: أشهد أنك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وما علمناه الشعر وما ينبغي له» هذا حديث مرسل وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقد قيل لها «هل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان يتمثل بشعر ابن رواحة ويقول:
ويأتيك بالأخبار من لم تزود»
.
أخرجه الترمذي وفي رواية لغيره «أن عائشة رضي الله عنها سئلت هل كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان الشعر أبغض الحديث إليه ولم يتمثل إلا بيت أخي بني قيس طرفة:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا... ويأتيك بالأخبار من لم يزود
فجعل يقول ويأتيك من لم تزود بالأخبار فقال أبو بكر رضي الله عنه ليس هكذا يا رسول الله فقال: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي»
.
فإن قلت قد صح من حديث جندب بن عبد الله قال «بينما نحن مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذ أصابه حجر فدمت إصبعه فقال:
هل أنت إلا إصبع دميت... وفي سبيل الله ما لقيت»

أخرجاه في الصحيحين ولهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«اللهم إن العيش عيش الآخره... فأكرم الأنصار والمهاجرة»
وروي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
«أنا النبي لا كذب... أنا ابن عبد المطلب»
قلت ما هذا إلا من كلامه الذي يرمي به من غير صنعة فيه ولا تكلف له إلا أن اتفق كذلك من غير قصد إليه وإن جاء موزونا كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم كلام موزون يدخل في
12
﴿ ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم ﴾ يعني ولو نشاء لجعلناهم قردة وخنازير في منازلهم وقيل لجعلناهم حجارة لا أرواح فيها ﴿ فما استطاعوا مضياً ﴾ أي لا يقدرون أن يبرحوا ﴿ ولا يرجعون ﴾ أي إلى ما كانوا عليه وقيل لا يقدرون على الذهاب ولا الرجوع.
﴿ ومن نعمره ننكسه في الخلق ﴾ أي نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق وقيل نضعف جوارحه بعد قوتها وننقصها بعد زيادتها وذلك أن الله تعالى خلق الإنسان في ضعف من جسده وخلو من عقل وعلم في حال صغره ثم جعله يتزايد وينتقل من حال إلى حال إلى أن بلغ أشده واستكمل قوته وعقله وعلم ما له وما عليه فإذا انتهى إلى الغاية واستكمل النهاية رجع ينقص حتى يرد إلى ضعفه الأول فذلك نكسه في الخلق ﴿ أفلا يعقلون ﴾ أي فيعتبرون ويعلمون أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان قادر على البعث بعد الموت.
قوله عز وجل :﴿ وما علمناه الشعر وما ينبغي له ﴾ قيل إن كفار قريش قالوا إن محمداً شاعر وما يقوله شعر فأنزل الله تعالى تكذيباً لهم وما علمناه الشعر وما ينبغي له أي ما يسهل له ذلك وما يصلح منه بحيث لو أراد نظم شعر لم يتأت له ذلك كما جعلناه أمياً لا يكتب ولا يحسب لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض قال العلماء ما كان يتزن له بيت شعر وإن تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسراً كما روي عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت : كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهياً، فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه يا نبي الله إنما قال الشاعر : كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً : أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم وما علمناه الشعر وما ينبغي له «هذا حديث مرسل وروي عن عائشة رضي الله تعالى عنها وقد قيل لها » هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان يتمثل بشعر ابن رواحة ويقول : ويأتيك بالأخبار من لم تزود. «أخرجه الترمذي وفي رواية لغيره » أن عائشة رضي الله تعالى عنها سئلت هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بشيء من الشعر قالت كان الشعر أبغض الحديث إليه ولم يتمثل إلا بيت أخي بني قيس طرفة :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً *** ويأتيك بالأخبار من لم يزود
فجعل يقول ويأتيك من لم تزود بالأخبار فقال أبو بكر رضي الله عنه ليس هكذا يا رسول الله فقال :" إني لست بشاعر ولا ينبغي لي ".
فإن قلت قد صح من حديث جندب بن عبد الله قال " بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أصابه حجر فدمت أصبعه فقال :
هل أنت إلا أصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت
أخرجاه في الصحيحين ولهما من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
اللهم إن العيش عيش الآخره *** فأكرم الأنصار والمهاجره
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أنا النبي لا كذب *** أنا ابن عبد المطلب
قلت ما هذا إلا من كلامه الذي يرمي به من غير صنعة فيه ولا تكلف له إلا أن اتفق كذلك من غير قصد إليه وإن جاء موزوناً كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم كلام موزون يدخل في وزن البحور، ومع ذلك فإن الخليل لم يعدّ المشطور من الرجز شعراً ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال تعالى :﴿ إن هو إلا ذكر ﴾ يعني ما هو إلا ذكر من الله تعالى يعظ به الإنس والجن ليس بشعر لأنه ليس على أساليب الشعر ولا يدخل في بحوره ﴿ وقرآن مبين ﴾ أي إنه كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته الثواب والدرجات، وفيه بيان الحدود والأحكام وبيان الحلال والحرام فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين وأقاويل الشعراء الكاذبين.
وزن البحور، ومع ذلك فإن الخليل لم يعدّ المشطور من الرجز شعرا ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال تعالى: إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ يعني ما هو إلا ذكر من الله تعالى يعظ به الإنس والجن ليس بشعر لأنه ليس على أساليب الشعر ولا يدخل في بحوره وَقُرْآنٌ مُبِينٌ أي إنه كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته الثواب والدرجات، وفيه بيان الحدود والأحكام وبيان الحلال والحرام فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين وأقاويل الشعراء الكاذبين.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٧٠ الى ٧٨]
لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤)
لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨)
لِيُنْذِرَ أي يا محمد وقرئ بالياء أي القرآن مَنْ كانَ حَيًّا يعني مؤمنا حي القلب لأن الكافر كالميت الذي لا يتدبر ولا يتفكر وَيَحِقَّ الْقَوْلُ أي وتجب حجة العذاب عَلَى الْكافِرِينَ قوله عز وجل: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أي تولينا خلقه بإبداعنا له من غير إعانة أحد في إنشائه كقول القائل عملت هذا بيدي إذا تفرد به ولم يشاركه فيه أحد وقيل عملناه بقوتنا وقدرتنا وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة التي لا يقدر عليها إلا هو أَنْعاماً إنما خص الأنعام بالذكر وإن كانت الأشياء كلها من خلق الله تعالى وإيجاده لأن النعم أكثر أموال العرب والنفع بها أعم فَهُمْ لَها مالِكُونَ أي خلقناها لأجلهم فملكناهم إياها يتصرفون فيها تصرف الملاك.
وقيل معناه فهم لها ضابطون قاهرون ومنه قول بعضهم:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
أي لا أضبط رأس البعير والمعنى لم تخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة مسخرة لهم وهو قوله تعالى: وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ أي الإبل وَمِنْها يَأْكُلُونَ أي الغنم وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها ونسلها وَمَشارِبُ أي من ألبانها أَفَلا يَشْكُرُونَ أي رب هذه النعم وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً يعني الأصنام لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ أي لتمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك قط لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ قال ابن عباس لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ أي الكفار جند الأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تستطيع لهم نصرا وقيل هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه أتباعه الذين عبدوه في الدنيا كأنهم جند محضرون في النار فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يعني قول كفار مكة في تكذيبك يا محمد إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ أي في ضمائرهم من التكذيب وَما يُعْلِنُونَ أي من عبادة الأصنام وقيل ما يعلنون بألسنتهم من الأذى.
قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ أي من نطفة قذرة خسيسة فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ أي جدل بالباطل بين الخصومة والمعنى العجب من جهل هذا المخاصم مع مهانة أصله كيف يتصدى لمخاصمة الجبار ويبرز لمجادلته في إنكاره البعث، وكيف لا يتفكر في بدء خلقه وأنه من نطفة قذرة ويدع الخصومة، نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلّى الله عليه وسلّم في إنكار البعث وأتاه بعظم قد رم وبلي ففتته بيده وقال أترى يحيي الله هذا بعد ما رم فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم نعم ويبعثك ويدخلك النار فأنزل الله تعالى هذه الآيات وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ
قوله عز وجل :﴿ أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا ﴾ أي تولينا خلقه بإبداعنا له من غير إعانة أحد في إنشائه كقول القائل عملت هذا بيدي إذا تفرد به ولم يشاركه فيه أحد وقيل عملناه بقوتنا وقدرتنا وإنما قال ذلك لبدائع الفطرة التي لا يقدر عليها إلا هو ﴿ أنعاماً ﴾ إنما خص الأنعام بالذكر وإن كانت الأشياء كلها من خلق الله تعالى وإيجاده لأن النعم أكثر أموال العرب والنفع بها أعم ﴿ فهم لها مالكون ﴾ أي خلقناها لأجلهم فملكناهم إياها يتصرفون فيها تصرف الملاك.
وقيل معناه فهم لها ضابطون قاهرون ومنه قول بعضهم :
أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك رأس البعير إن نفرا
أي لا أضبط رأس البعير والمعنى لم تخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة مسخرة لهم.
قوله تعالى :﴿ وذللناها لهم فمنها ركوبهم ﴾ أي الإبل ﴿ ومنها يأكلون ﴾ أي الغنم.
﴿ ولهم فيها منافع ﴾ أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها ونسلها ﴿ ومشارب ﴾ أي من ألبانها ﴿ أفلا يشكرون ﴾ أي رب هذه النعم.
﴿ واتخذوا من دون الله آلهة ﴾ يعني الأصنام ﴿ لعلهم ينصرون ﴾ أي لتمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك قط.
﴿ لا يستطيعون نصرهم ﴾ قال ابن عباس لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب ﴿ وهم لهم جند محضرون ﴾ أي الكفار جند الأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيراً ولا تستطيع لهم نصراً وقيل هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه أتباعه الذين عبدوه في الدنيا كأنهم جند محضرون في النار.
﴿ فلا يحزنك قولهم ﴾ يعني قول كفار مكة في تكذيبك يا محمد ﴿ إنا نعلم ما يسرون ﴾ أي في ضمائرهم من التكذيب ﴿ وما يعلنون ﴾ أي من عبادة الأصنام وقيل ما يعلنون بألسنتهم من الأذى.
قوله تعالى :﴿ أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة ﴾ أي من نطفة قذرة خسيسة ﴿ فإذا هو خصيم مبين ﴾ أي جدل بالباطل بين الخصومة والمعنى العجب من جهل هذا المخاصم مع مهانة أصله كيف يتصدى لمخاصمة الجبار ويبرز لمجادلته في إنكاره البعث، وكيف لا يتفكر في بدء خلقه وأنه من نطفة قذرة ويدع الخصومة، نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث وأتاه بعظم قد رم وبلي ففتته بيده وقال أترى يحيي الله هذا بعد ما رم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نعم ويبعثك ويدخلك النار ».
فأنزل الله تعالى هذه الآيات ﴿ وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه ﴾ أي بدأ أمره ﴿ قال من يحيي العظام وهي رميم ﴾ أي بالية والمعنى وضرب لنا مثلاً في إنكار البعث بالعظم البالي حين فتته بيده وتعجب ممن يقول إن الله تعالى يحييه ونسي أول خلقه وأنه مخلوق من نطفة.
خَلْقَهُ
أي بدأ أمره قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ أي بالية والمعنى وضرب لنا مثلا في إنكار البعث بالعظم البالي حين فتته بيده وتعجب ممن يقول إن الله تعالى يحييه ونسي أول خلقه وأنه مخلوق من نطفة.
[سورة يس (٣٦): الآيات ٧٩ الى ٨٣]
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)
قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ أي خلقها أول مرة وابتدأ خلقها وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ أي من الابتداء والإعادة عَلِيمٌ أي يعلم كيف يخلق لا يتعاظمه شيء من خلق المبدأ أو المعاد الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً قال ابن عباس رضي الله عنهما هما شجرتان يقال لإحداهما المرخ بالراء والخاء المعجمة والأخرى العفار بالعين المهملة فمن أراد النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فتخرج منهما النار بإذن الله تعالى، تقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثر منها وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر نارا وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ أي تقدحون فتوقدون النار من ذلك الشجر ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال تعالى:
أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى أي هو القادر على ذلك وَهُوَ الْخَلَّاقُ يعني يخلق خلقا بعد خلق الْعَلِيمُ أي بجميع ما خلق إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أي إحداث شيء وتكوينه أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ أن يكونه من غير توقف فَيَكُونُ فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ أي هو مالك كل شيء والمتصرف فيه وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أي تردون بعد الموت والله أعلم.
﴿ الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما هما شجرتان يقال لإحداهما المرخ بالراء والخاء المعجمة والأخرى العفار بالعين المهملة فمن أراد النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فتخرج منهما النار بإذن الله تعالى، تقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثر منها وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر ناراً وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب ﴿ فإذا أنتم منه توقدون ﴾ أي تقدحون فتوقدون النار من ذلك الشجر.
ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال تعالى :﴿ أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى ﴾ أي هو القادر على ذلك ﴿ وهو الخلاق ﴾ يعني يخلق خلقاً بعد خلق ﴿ العليم ﴾ أي بجميع ما خلق.
﴿ إنما أمره إذا أراد شيئاً ﴾ أي إحداث شيء وتكوينه ﴿ أن يقول له كن ﴾ أن يكونه من غير توقف ﴿ فيكون ﴾ أي فيحدث ويوجد لا محالة.
﴿ فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء ﴾ أي هو مالك كل شيء والمتصرف فيه ﴿ وإليه ترجعون ﴾ أي تردون بعد الموت والله أعلم.
Icon