ﰡ
وقوله تعالى :﴿ خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ ﴾ يعني يوم الأحد ويوم الأثنين، ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا ﴾ أي جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس، وقدر فيها أقواتها، وهو ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس يعني يوم الثلاثةء والأربعاء، فهما مع اليومين السابقين أربعة ولهذا قال :﴿ في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ أي لمن أراد السؤال، عن ذل ليعلمه. وقال عكرمة ومجاهد في قوله عزّ وجلّ ﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا ﴾ جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها، ومنه العصب باليمن، والسابوري بسابور، والطيالسة بالري. وقال ابن عباس وقتادة والسدي في قوله تعالى :﴿ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ أي لمن أراد السؤال عن ذلك، وقال ابن زيد :﴿ وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا ﴾ أي على وفق مراده، من له حاجة إلى رزق أو حاجة، فإن الله تعالى قدر له ما هو محتاج إليه، وهذا القول يشبه قوله تعالى :﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ] والله أعلم. وقوله تبارك وتعالى :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ ﴾ وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض، ﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين، قال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ قال الله تبارك وتعالى للسماوات أطلعي شمسي وقمري ونجومي، وقال للأرض : شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، ﴿ قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ واختاره ابن جرير. وقيل : تنزيلاً لهن معالمة من يقعل بكلامهما، وقال الحسن البصري : لو أبيا عليه أمره لعذبهما عذاباً يجدان ألمه ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات فِي يَوْمَيْنِ ﴾ أي ففرغ في تسويتهن سبع سماوات ﴿ فِي يَوْمَيْنِ ﴾ أي آخرين وهما يوم الخميس ويوم الجمعة، ﴿ وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا ﴾ أي ورتب مقرراً في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو، ﴿ وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ ﴾ وهي الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، ﴿ وَحِفْظاً ﴾ أي حرساً من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى، - ﴿ ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم ﴾ أي العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره، ﴿ العليم ﴾ بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم. روي « أن اليهود أتت النبي ﷺ، فسألته عن خلق السماوات والأرض، فقال ﷺ : خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء المدائن والعمران والخراب، فهذه أربعة ﴿ قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ العالمين * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ لمن سأله، قال : وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس، وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة »، ثم قالت اليهود : ثم ماذا يا محمد؟ قال :« ثم استوى على العرش »، قالوا قد أصبت لو أتممت، قالوا : ثم استراح، - فغضب النبي ﷺ غضباً شديداً «
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون، وحتى يؤذن لهم، فيختصمون، فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى، فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم، جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ويختم على أفواههم، ثم يفتح لهم الأفواه، فتخاصم الجوارح، فتقول :﴿ أَنطَقَنَا الله الذي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ فتقر الألسنة بعد الجحود.
وقوله تعالى :﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة ﴾ قال مجاهد والسدي : يعني عند الموت قائلين :﴿ أَلاَّ تَخَافُواْ ﴾ أي ما تقدمون عليه من أمر الآخرة ﴿ وَلاَ تَحْزَنُواْ ﴾ على ما خلفتموه من أمر الدنيا من ولد وأهل ومال أو دين، فإنا نخلفكم فيه، ﴿ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ فيبشرونهم بذهاب الشر وحصول الخير، وهذا كما جاء في حديث البراء رضي الله عنه قال :« إن الملائكة تقول لروح المؤمن : اخرجي أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان ورب غير غضبان »، وقيل : إن الملائكة تتنزل عليهم يوم خروجهم من قبورهم، وقال زيد بن أسلم : يبشرونه عند موته وفي قبره وحين يبعث، وهذا القول يجمع الأقوال كلها وهو حسن جداً، وقوله تبارك وتعالى :﴿ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الحياة الدنيا وَفِي الآخرة ﴾ أي تقول الملائكة للمؤمنين عند الاحتضار : نحن كنا أوليائكم، أي قرنائكم في الحياة الدنيا، نسددكم ونوفقكم ونحفظكم بأمر الله، وكذلك نكون معكم في الآخرة نؤنس منكم الوحشة في القبور، وعند النفخة في الصور، ونؤمنكم يوم البعث والنشرو، ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تشتهي أَنفُسُكُمْ ﴾ أي في الجنة من جميع ما تختارون مما تشتهيه النفوس وتقر به العيون ﴿ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ أي مهما طلبتم وجدتم وحضر بين أيديكم كما اخترتم ﴿ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾ أي ضيافة وعطاء ﴿ مِّنْ غَفُورٍ ﴾ لذنوبكم ﴿ رَّحِيمٍ ﴾ بكم حيث غفر وستر، ورحم ولطف، وفي الحديث :
وقوله عزَّ وجلَّ :﴿ فَإِذَا الذي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ وهو الصديق أي إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته الحسنة إليه إلى مصافاتك ومحبتك والحنو عليك حتى يصير ﴿ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك، ثم قال عزَّ جلَّ :﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الذين صَبَرُواْ ﴾ أي وما يقبل هذه الوصية ويعمل بها إلا من صبر على ذلك، فإنه يشق على النفوس، ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ أي ذو نصيب وافر من السعادة في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس في تفسير هذه الآية : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، تفسير هذه الآية : أمر الله المؤمنين بالصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة، فإذا فعلوا ذلك عصمهم من الشيطان، وخضع لهم عدوهم كأنه ولي حميم، وقوله تعالى :﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله ﴾ أي أن شيطان الإنس ربما ينخدع بالإحسان إليه، فأما شيطان الجن فإنه لا حلية فيه إذا وسوس، إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلطه عليك، فإذا استعذت بالله والْتَجَأْت إليه، كفه عنك، ورَدّ كيده، وقد كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة يقول :« أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزة ونفخة ونفثه ».
وقوله تعالى :﴿ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحق أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ على كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ ؟ أي كفى بالله شهيداً على أفعال عباده وأقوالهم، وهو يشهد أن محمداً ﷺ صادق فيما أخبر به عنه، كما قال :﴿ لكن الله يَشْهَدُ بِمَآ أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ ﴾ [ النساء : ١٦٦ ] الآية. وقوله تعالى :﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ ﴾ أي في شك من قيام الساعة، ولهذا لا يتفكرون فيه ولا يعملون له وهو كائن لا محالة وواقع لا ريب فيه، ثم قال تعالى مقرراً على كل شيء قدير ﴿ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ﴾ أي المخلوقات كلها تحت قهره وفي قبضته، وهو المتصرف فيها كلها بحكمه فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن.