تفسير سورة الذاريات

تفسير الماوردي
تفسير سورة سورة الذاريات من كتاب النكت والعيون المعروف بـتفسير الماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ
سورة الذاريات
مكية في قول الجميع
بسم الله الرحمان الرحيم

﴿والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسألون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون﴾ قوله تعالى: ﴿وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً﴾ الذاريات: الرياح، واحدتها ذارية لأنها تذرو التراب والتبن أي تفرقه في الهواء، كما قال تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ﴾ وفي قوله ﴿ذَرْواً﴾ وجهان: أحدهما: مصدر. الثاني: أنه بمعنى ما ذرت، قاله الكلبي. فكأنما أقسم بالرياح وما ذرت الرياح. ويحتمل قولاً ثالثاً: أن الذاريات النساء الولودات لأن في ترائبهن ذرو الخلق، لأنهن يذرين الأولاد فصرن ذاريات، وأقسم بهن لما في ترائبهن من خيرة عباده
360
الصالحين، وخص النساء بذلك دون الرجال وإن كان كل واحد منهما ذارياً لأمرين. أحدهما: لأنهن اوعية دون الرجال فلاجتماع الذروين خصصن بالذكر. الثاني: أن الذرو فيهن أطول زماناً وهن بالمباشرة أقرب عهداً. ﴿فَالْحَامِلاَتِ وِقْراً﴾ فيها قولان: أحدهما: أنها السحب [يحملن] وِقْراً بالمطر. الثاني أنها الرياح [يحملن] وِقْراً بالسحاب، فتكون الريح الأولى مقدمة السحاب لأن أمام كل سحابة ريحاً، والريح الثانية حاملة السحاب. لأن السحاب لا يستقل ولا يسير إلا بريح. وتكون الريح الثانية تابعة للريح الأولى من غير توسط، قاله ابن بحر. ويجري فيه احتمال قول: ثالث: أنهن الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل، والوقر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن، وبالفتح ثقل الأذن. ﴿فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً﴾ فيها قولان: أحدهما: السفن تجري بالريح يسراً إلى حيث سيرت. الثاني: أنه السحاب، وفي جريها يسراً على هذا القول وجهان: أحدهما: إلى حيث يسيرها الله تعالى من البقاع والبلاد. الثاني: هو سهولة تسييرها، وذلك معروف عند العرب كما قال الأعشى:
(كأن مشيتها من بيت جارتها مشي السحابة ولا ريث لا عجل)
﴿فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه السحاب يقسم الله به الحظوظ بين الناس. الثاني: الملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه، قاله الكلبي. وهم: جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل وهو صاحب الصور واللوح، وعزرائيل وهو ملك الموت وقابض الأرواح، عليهم السلام.
361
والواو التي فيها واو القسم، أقسم الله بها لما فيها من الآيات والمنافع. ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: إن يوم القيامة لكائن، قاله مجاهد. الثاني: ما توعدون من الجزاء بالثواب والعقاب حق، وهذا جواب القسم. ﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ فيه وجهان: أحدهما: إن الحساب لواجب، قاله مجاهد. الثاني: [أن] الدين الجزاء ومعناه أن جزاء أعمالكم بالثواب والعقاب لكائن، وهو معنى قول قتادة، ومنه قول لبيد.
(قوم يدينون بالنوعين مثلهما بالسوء سوء وبالإحسان إحسانا)
﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الْحُبُكِ﴾ في السماء ها هنا وجهان: أحدهما: أنها السحاب الذي يظل الأرض. الثاني: وهو المشهور أنها السماء المرفوعة، قال عبد الله بن عمر: هي السماء السابعة. وفي ﴿الْحُبُكِ﴾ سبعة أقاويل: أحدها: أن الحبك الاستواء، وهو مروي عن ابن عباس على اختلاف. الثاني: أنها الشدة، وهو قول أبي صالح. الثالث: الصفاقة، قاله خصيف. الرابع: أنها الطرق، مأخوذ من حبك الحمام طرائق على جناحه، قاله الأخفش، وأبو عبيدة. الخامس: أنه الحسن والزينة، قاله علي وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير ومنه قول الراجز:
362
السادس: أنه مثل حبك الماء إذا ضربته الريح، قاله الضحاك. قال زهير:
(كأنما جللها الحواك كنقشة في وشيها حباك)
(مكلل بأصول النجم تنسجه ريح الشمال لضاحي مائة حبك)
السابع: لأنها حبكت بالنجوم، قاله الحسن. وهذا قسم ثان. ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: يعني في أمر مختلف، فمطيع وعاص، ومؤمن وكافر، قاله السدي. الثاني: أنه القرآن فمصدق له ومكذب به، قاله قتادة. الثالث: انهم أهل الشرك مختلف عليهم بالباطل، قاله ابن جريج. ويحتمل رابعاً: أنهم عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره. وهذا جواب القسم الثاني. ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ فيه ستة تأويلات: أحدها: يضل عنه من ضل، قاله ابن عباس. الثاني: يصرف عنه من صرف، قاله الحسن. الثالث: يؤفن عنه من أفن، قاله مجاهد، والأفن فساد العقل. الرابع: يخدع عنه من خدع، قاله قطرب. الخامس: يكذب فيه من كذب، قاله مقاتل. السادس: يدفع عنه من دفع، قاله اليزيدي. ﴿قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ﴾ فيه أربعة تأويلات: أحدها: لعن المرتابون، قاله ابن عباس. الثاني: لعن الكذابون، قاله الحسن. الثالث: أنهم أهل الظنون والفرية، قاله قتادة. الرابع: أنهم المنهمكون، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. وقوله: ﴿قُتِلَ﴾ ها هنا، بمعنى لعن، والقتل اللعن. وأما الخراصون فهو جمع خارص. وفي الخرص ها هنا وجهان:
363
أحدهما: أنه تعمد الكذب، قاله الأصم. الثاني: ظن الكذب، لأن الخرص حزر وظن، ومنه أخذ خرص الثمار. وفيما يخرصونه وجهان: أحدهما: تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم. الثاني: التكذيب بالبعث. وفي معنى الأربع تأويلات وقد تقدم ذكرها في أولها ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: في غفلة لاهون، قاله ابن عباس. الثاني: في ضلالاتهم متمادون، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. الثالث: في عمى وشبهة يترددون، قاله قتادة. ويحتمل رابعاً: الذين هم في مأثم المعاصي ساهون عن أداء الفرائض. ﴿يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ﴾ أي متى يوم الجزاء. وقيل: إن أيان كلمة مركبة من أي وآن. ﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ﴾ في ﴿يُفْتَنُونَ﴾ ثلاثة أوجه: أحدها: أي يعذبون، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر:
(كل امرىء من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور مفتون)
الثاني: يطبخون ويحرقون، كما يفتن الذهب بالنار، وهو معنى قول عكرمة والضحاك. الثالث: يكذبون توبيخاً وتقريعاً زيادة في عذابهم. ﴿ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ﴾ الآية. فيه ثلاثة أوجه: أحدها: معنى فتنتكم أي عذابكم، قاله ابن زيد. الثاني: حريقكم، قاله مجاهد. الثالث: تكذبيكم، قاله ابن عباس.
364
﴿ فَالحَامِلاَتِ وِقْراً١ فيها قولان :
أحدهما : أنها السحب [ يحملن ] وِقْراً بالمطر.
الثاني أنها الرياح [ يحملن ] وِقْراً بالسحاب، فتكون الريح الأولى مقدمة السحاب لأن أمام كل سحابة ريحاً، والريح الثانية حاملة السحاب. لأن السحاب لا يستقل ولا يسير إلا بريح. وتكون الريح الثانية تابعة للريح الأولى من غير توسط، قاله ابن بحر.
ويجري فيه احتمال قول :
ثالث : أنهن الحاملات من النساء إذا ثقلن بالحمل، والوقر ثقل الحمل على ظهر أو في بطن، وبالفتح ثقل الأذن.
١ المراد ثقل السمع ومنه قوله تعالى: ﴿وفي آذانهم وقر﴾ آية ٢٥ الأنعام وغيرها..
﴿ فَالجَارِيَاتِ يُسْراً ﴾ فيها قولان :
أحدهما : السفن تجري بالريح يسراً إلى حيث سيرت.
الثاني : أنه السحاب، وفي جريها يسراً على هذا القول وجهان :
أحدهما : إلى حيث يسيرها الله تعالى من البقاع والبلاد.
الثاني : هو سهولة تسييرها، وذلك معروف عند العرب كما قال الأعشى :
كأن مشيتها من بيت جارتها مشي السحابة ولا ريث لا عجل
﴿ فَالمُقَسِّمَاتِ أَمْراً ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه السحاب يقسم الله به الحظوظ بين الناس.
الثاني : الملائكة التي تقسم أمر الله في خلقه، قاله الكلبي. وهم : جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة، وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة، وإسرافيل وهو صاحب الصور واللوح، وعزرائيل وهو ملك الموت وقابض الأرواح، عليهم السلام.
والواو١ التي فيها واو القسم أقسم الله بها لما فيها من الآيات والمنافع.
١ يريد الواو في قوله تعالى "والذاريات" والتي أقسم الله بها هي الذاريات وما بعدها..
﴿ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إن يوم القيامة لكائن، قاله مجاهد.
الثاني : ما توعدون من الجزاء بالثواب والعقاب حق، وهذا جواب القسم.
﴿ وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ ﴾ فيه وجهان : أحدهما : إن الحساب لواجب، قاله مجاهد. الثاني :[ أن ] الدين الجزاء ومعناه أن جزاء أعمالكم بالثواب والعقاب لكائن، وهو معنى قول قتادة، ومنه قول لبيد.
قوم يدينون بالنوعين مثلهما بالسوء سوءا وبالإحسان إحسانا
﴿ وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الحُبُكِ ﴾ في السماء ها هنا وجهان :
أحدهما : أنها السحاب الذي يظل الأرض.
الثاني : وهو المشهور أنها السماء المرفوعة، قال عبد الله بن عمر : هي السماء السابعة.
وفي ﴿ الحُبُكِ ﴾ سبعة أقاويل :
أحدها : أن الحبك الاستواء، وهو مروي عن ابن عباس على اختلاف.
الثاني : أنها الشدة، وهو قول أبي صالح.
الثالث : الصفاقة، قاله خصيف.
الرابع : أنها الطرق، مأخوذ من حبك الحمام طرائق على جناحه، قاله الأخفش، وأبو عبيدة.
الخامس : أنه الحسن والزينة، قاله علي وقتادة ومجاهد وسعيد بن جبير ومنه قول الراجز :
كأنما جللها الحواك *** كنقشة١ في وشيها حباك
السادس : أنه مثل حبك الماء إذا ضربته الريح، قاله الضحاك. قال زهير :
مكلل بأصول النجم تنسجه *** ريح الشمال لضاحي مائة حبك
السابع : لأنها حبكت بالنجوم، قاله الحسن. وهذا قسم ثان.
١ في تفسير القرطبي: طنفسة..
﴿ إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : يعني في أمر مختلف، فمطيع وعاص، ومؤمن وكافر، قاله السدي.
الثاني : أنه القرآن فمصدق له ومكذب به، قاله قتادة.
الثالث : أنهم أهل الشرك مختلف عليهم بالباطل، قاله ابن جريج.
ويحتمل رابعاً : أنهم عبدة الأوثان والأصنام يقرون بأن الله خالقهم ويعبدون غيره. وهذا جواب القسم الثاني.
﴿ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : يضل عنه من ضل، قاله ابن عباس.
الثاني : يصرف عنه من صرف، قاله الحسن.
الثالث : يؤفن عنه من أفن، قاله مجاهد، والأفن فساد العقل.
الرابع : يخدع عنه من خدع، قاله قطرب.
الخامس : يكذب فيه من كذب، قاله مقاتل.
السادس : يدفع عنه من دفع، قاله اليزيدي.
﴿ قُتِلَ الخَرَّاصُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : لعن المرتابون، قاله ابن عباس.
الثاني : لعن الكذابون، قاله الحسن.
الثالث : أنهم أهل الظنون والفرية، قاله قتادة.
الرابع : أنهم المنهمكون١، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
وقوله :﴿ قُتِلَ ﴾ ها هنا، بمعنى لعن، والقتل اللعن. وأما الخراصون فهو جمع خارص. وفي الخرص ها هنا وجهان :
أحدهما : أنه تعمد الكذب، قاله الأصم.
الثاني : ظن الكذب، لأن الخرص حزر وظن، ومنه أخذ خرص الثمار.
وفيما يخرصونه وجهان :
أحدهما : تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني : التكذيب بالبعث. وفي معنى الأربع تأويلات٢ وقد تقدم ذكرها في أولها.
١ نقل القرطبي عن ابن عباس أنهم المقتسمون اقتسموا القول في النبي صلى الله عليه وسلم ليصرفوا الناس عن الإيمان به. تفسير القرطبي ١٧/ ٣٤..
٢ الأربع: الوجهان في معنى الخرص، والوجهان في معنى ما يخرصونه التي ذكرها..
﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : في غفلة لاهون، قاله ابن عباس.
الثاني : في ضلالاتهم متمادون، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
الثالث : في عمى وشبهة يترددون، قاله قتادة.
ويحتمل رابعاً : الذين هم في مأثم المعاصي ساهون عن أداء الفرائض.
﴿ يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ ﴾ أي متى يوم الجزاء. وقيل : إن أيان كلمة مركبة من أي وآن.
﴿ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ ﴾ في ﴿ يُفْتَنُونَ ﴾ ثلاثة أوجه :
أحدها : أي يعذبون، قاله ابن عباس، ومنه قول الشاعر :
كل امرئ من عباد الله مضطهد ببطن مكة مقهور ومفتون
الثاني : يطبخون ويحرقون، كما يفتن الذهب بالنار، وهو معنى قول عكرمة والضحاك.
الثالث : يكذبون توبيخاً وتقريعاً زيادة في عذابهم.
﴿ ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ﴾ الآية. فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : معنى فتنتكم أي عذابكم، قاله ابن زيد.
الثاني : حريقكم، قاله مجاهد.
الثالث : تكذيبكم، قاله ابن عباس.
{إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم
364
حق للسائل والمحروم وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون} ﴿ءَآخِذِينَ مَآ َاتَاهُمْ رَبُّهُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: من الفرائض، قاله ابن عباس. الثاني: من الثواب، قاله الضحاك. ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذلِكَ مُحسِنِينَ﴾ أي قبل الفرائض محسنين بالإجابة، قاله ابن عباس. الثاني: قبل يوم القيامة محسنين بالفرائض، قاله الضحاك. ﴿كَانُواْ قَلْيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: راجع على ما تقدم من قوله ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً﴾ بمعنى أن المحسنين كانوا قليلاً، ثم استأنف: من الليل ما يهجعون، قاله الضحاك. الثاني: أنه خطاب مستأنف بعد تمام ما تقدمه، ابتداؤه كانوا قليلاً، الآية. والهجوع: النوم، قال الشاعر:
(أزالكم الوسمي أحدث روضه بليل وأحداق الأنام هجوع)
وفي تأويل ذلك أربعة أوجه: أحدها ﴿كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون﴾ أي يستيقظون فيه فيصلون ولا ينامون إلا قليلاً، قاله الحسن. الثاني: أن منهم قليلاً ما يهجعون للصلاة في الليل وإن كان أكثرهم هجوعاً، قاله الضحاك. الثالث: أنهم كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى يصلوا صلاة المغرب وعشاء الآخرة، قاله أبو مالك. الرابع: أنهم كانوا قليلاً يهجعون، وما: صلة زائدة، وهذا لما كان قيام الليل
365
فرضاً. وكان أبو ذر يحتجن يأخذ العصا فيعتمد عليها حتى نزلت الرخصة ﴿قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾. ﴿وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: وبالأسحار هم يصلون، قاله الضحاك. الثاني: أنهم كانوا يؤخرون الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر ليستغفروا فيه، قاله الحسن. قال ابن زيد: وهو الوقت الذي أخر يعقوب الاستغفار لبنيه حتى استغفر لهم فيه حين قال لهم ﴿سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي﴾ [يوسف: ٩٨]. قال ابن زيد: والسحر السدس الأخير من الليل. وقيل إنما سمي سحراً لاشتباهه بين النور والظلمة. ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنها الزكاة، قاله ابن سيرين وقتادة وابن أبي مريم. الثاني: أنه حق سوى الزكاة تصل له رحماً أو تقري به ضيفاً أو تحمل به كلاًّ أو تغني به محروماً، قاله ابن عباس. ﴿لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾ أما السائل فهو مَن يسأل الناس لفاقته، وأما المحروم، ففيه ثمانية أقوال: أحدها: المتعفف الذي يسأل الناس شيئاً ولا يعلم بحاجته، قاله قتادة. الثاني: أنه الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم، قاله الحسن ومحمد بن الحنفية. وروي أن النبي ﷺ بعث سرية فأصابوا وغنموا، فجاء قوم بعدما فرغوا فنزلت الآية. الثالث: أنه من ليس له سهم في الإسلام، قاله ابن عباس. الرابع: المحارف الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه، وهذا قول عائشة. الخامس: أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً. السادس: أنه المصاب بثمره وزرعه يعينه من لم يصب، قاله ابن زيد: السابع: أنه المملوك، قاله عبد الرحمن بن حميد.
366
الثامن: أنه الكلب، روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة فجاء كلب فاحتز عمر كتف شاة فرمى بها إليه وقال: يقولون إنه المحروم. ويحتمل تاسعاً: أنه من وجبت نفقته من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه، حتى وجبت نفقته في مال غيره. ﴿وَفِي الأَرْضِءَآيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ﴾ يعني عظات للمعتبرين من أهل اليقين وفيها وجهان: أحدهما: ما فيها من الجبال والبحار والأنهار، قاله مقاتل. الثاني: من أهلك من الأمم السالفة وأباد من القرون الخالية، قاله الكلبي. ﴿وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: أنه سبيل الغائط والبول، قاله ابن الزبير ومجاهد. الثاني: تسوية مفاصل أيديكم وأرجلكم وجوارحكم دليل على أنكم خلقتم لعبادته، قاله قتادة. الثالث: في خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون، قاله ابن زيد. الرابع: في حياتكم وموتكم وفيما يدخل ويخرج من طعامكم، قاله السدي. الخامس: في الكبر بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والشيب بعد السواد، قاله الحسن. ويحتمل سادساً: أنه نجح العاجز وحرمان الحازم. ﴿وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾: ﴿وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ﴾ فيه تأويلان: أحدهما: ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق فهو رزق لهم من السماء، قاله سعيد بن جبير والضحاك. الثاني: يعني أن من عند الله الذي في السماء رزقكم.
367
ويحتمل وجهاً ثالثاً: وفي السماء تقدير رزقكم وما قسمه لكم مكتوب في أم الكتاب. وأما قوله ﴿وَمَا تُوعَدُونَ﴾ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: من خير وشر، قاله مجاهد. الثاني: من جنة ونار، قاله الضحاك. الثالث: من أمر الساعة، قاله الربيع. ﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: ما جاء به الرسول من دين وبلغه من رسالة. الثاني: ما عد الله عليهم في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته. قال الحسن: بلغني أن رسول الله ﷺ قال: (قَاتَلَ اللَّهُ أَقْوَاماً أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [بِنَفْسِهِ] ثُمَّ لَمْ يُصَدِّقُوهُ). وقد كان قس بن ساعدة في جاهليته ينبه بعقله على هذه العبر فاتعظ واعتبر، فروي عن النبي ﷺ أنه قال: (رَأَيتُهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ بِعُكَاظَ وَهُوَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُواْ وَعُوا، مِنْ عَاشَ مَاتَ، وَمَن مَّاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَاءَآتٍ ءآتٍ، مَا لِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلاَ يَرْجِعُونَ؟ أَرَضُواْ بِالإِقَامَةِ فَأَقَامُواْ؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَاموا؟ إِنَّ فِي السَّمَآءِ لَخَبَراً، وَإِنَّ فِي الأَرْضِ لَعِبَراً، سَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَلَيلٌ مَوضُوعٌ، وَبِحَارٌ تَثُورٌ، وَنُجُومٌ تَحُورُ ثُمَّ تَغُورُ، أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً مَاءَاثَمُ فِيهِ، إِنَّ للهِ دِيناً هُوَ أَرْضَى مِن دِينٍ أَنتُم عَلَيهِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ مَأ أَدْرِي مَا هِيَ) فقال أبو بكر: كنت حاضراً إذ ذاك والأبيات عندي وأنشد:
(في الذاهبين الأولين... من القرون لنا بصائر)
(لما رأيت موارداً... للموت ليس لها مصادر)
(ورأيت قومي نحوها... يمضي الأكابر والأصاغر)
(لا يرجع الماضي إليَّ... ولا من الباقين غابر)
(أيقنت أني لامحا... له حيث صار القوم صائر)
368
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ). ونحن نسأل الله تعالى مع زاجر العقل ورادع السمع أن يصرف نوازع الهوى ومواقع البلوى. فلا عذر مع الإنذار، ولا دالة مع الاعتبار، وأن تفقهن الرشد تدرك فوزاً منه وتكرمة.
369
﴿ ءَآخِذِينَ مَآ َاتَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من الفرائض١، قاله ابن عباس.
الثاني : من الثواب، قاله الضحاك.
﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحسِنِينَ ﴾ أي قبل الفرائض محسنين بالإجابة، قاله ابن عباس.
الثاني : قبل يوم القيامة محسنين بالفرائض، قاله الضحاك.
١ أي عاملين بالفرائض كما ذكر القرطبي..
﴿ كَانُوا قَليلاً منَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : راجع على ما تقدم من قوله ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُوا قَلِيلاً ﴾ بمعنى أن المحسنين كانوا قليلاً، ثم استأنف : من الليل ما يهجعون، قاله الضحاك.
الثاني : أنه خطاب مستأنف بعد تمام ما تقدمه، ابتداؤه كانوا قليلاً، الآية. والهجوع : النوم، قال الشاعر :
أزالكم الوسمي أحدث روضه بليل وأحداق الأنام هجوع
وفي تأويل ذلك أربعة أوجه :
أحدها ﴿ كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ﴾ أي يستيقظون فيه فيصلون ولا ينامون إلا قليلاً، قاله الحسن.
الثاني : أن منهم قليلاً ما يهجعون للصلاة في الليل وإن كان أكثرهم هجوعاً، قاله الضحاك.
الثالث : أنهم كانوا في قليل من الليل ما يهجعون حتى يصلوا صلاة المغرب وعشاء الآخرة، قاله أبو مالك.
الرابع : أنهم كانوا قليلاً يهجعون، وما : صلة زائدة، وهذا لما كان قيام الليل فرضاً. وكان أبو ذر يحتجن يأخذ العصا فيعتمد عليها حتى نزلت الرخصة ﴿ قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾.
﴿ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وبالأسحار هم يصلون، قاله الضحاك.
الثاني : أنهم كانوا يؤخرون الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر ليستغفروا فيه، قاله الحسن.
قال ابن زيد : وهو الوقت الذي أخر يعقوب الاستغفار لبنيه حتى استغفر لهم فيه حين قال لهم ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾
[ يوسف : ٩٨ ]. قال ابن زيد : والسحر السدس الأخير من الليل. وقيل إنما سمي سحراً لاشتباهه بين النور والظلمة.
﴿ وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنها الزكاة، قاله ابن سيرين وقتادة وابن أبي مريم.
الثاني : أنه حق سوى الزكاة تصل له رحماً أو تقري به ضيفاً أو تحمل به كلاًّ أو تغني به محروماً، قاله ابن عباس.
﴿ لِلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ ﴾ أما السائل فهو الذي يسأل الناس لفاقته، وأما المحروم، ففيه ثمانية أقوال :
أحدها : المتعفف الذي يسأل الناس شيئاً ولا يعلم بحاجته، قاله قتادة.
الثاني : أنه الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم، قاله الحسن ومحمد بن الحنفية. وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث سرية فأصابوا وغنموا، فجاء قوم١ بعدما فرغوا فنزلت الآية.
الثالث : أنه من ليس له سهم في الإسلام، قاله ابن عباس.
الرابع : المحارف٢ الذي لا يكاد يتيسر له مكسبه، وهذا قول عائشة.
الخامس : أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً.
السادس : أنه المصاب بثمره وزرعه يعينه من لم يصب، قاله ابن زيد :
السابع : أنه المملوك، قاله عبد الرحمن بن حميد.
الثامن : أنه الكلب، روي أن عمر بن عبد العزيز كان في طريق مكة فجاء كلب فاحتز عمر كتف شاة فرمى بها إليه وقال : يقولون إنه المحروم.
ويحتمل تاسعاً : أنه من وجبت نفقته من ذوي الأنساب لأنه قد حرم كسب نفسه، حتى وجبت نفقته في مال غيره.
١ أخرجه ابن جرير وابن حاتم..
٢ المحارف: اسم فاعل من حارف وهو صاحب الحرفة..
﴿ وَفِي الأَرْضِ ءَآيَاتٌ لِلمُوقِنِينَ ﴾ يعني عظات للمعتبرين من أهل اليقين.
وفيها وجهان :
أحدهما : ما فيها من الجبال والبحار والأنهار، قاله مقاتل.
الثاني : من أهلك من الأمم السالفة وأباد من القرون الخالية، قاله الكلبي.
﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : أنه سبيل الغائط والبول، قاله ابن الزبير ومجاهد.
الثاني : تسوية مفاصل أيديكم وأرجلكم وجوارحكم دليل على أنكم خلقتم لعبادته، قاله قتادة.
الثالث : في خلقكم من تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون، قاله ابن زيد.
الرابع : في حياتكم وموتكم وفيما يدخل ويخرج من طعامكم، قاله السدي.
الخامس : في الكبر بعد الشباب، والضعف بعد القوة، والشيب بعد السواد، قاله الحسن.
ويحتمل سادساً : أنه نجح العاجز وحرمان الحازم.
﴿ وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ :﴿ وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما : ما ينزل من السماء من مطر وثلج ينبت به الزرع ويحيا به الخلق فهو رزق لهم من السماء، قاله سعيد بن جبير والضحاك.
الثاني : يعني أن من عند الله الذي في السماء رزقكم.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : وفي السماء تقدير رزقكم وما قسمه لكم مكتوب في أم الكتاب.
وأما قوله ﴿ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ ففيه ثلاثة أوجه :
أحدها : من خير وشر، قاله مجاهد.
الثاني : من جنة ونار، قاله الضحاك.
الثالث : من أمر الساعة، قاله الربيع.
﴿ فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ما جاء به الرسول من دين وبلغه من رسالة.
الثاني : ما عد الله عليهم في هذه السورة من آياته وذكره من عظاته. قال الحسن : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" قَاتَلَ اللَّهُ أَقْوَاماً أَقْسَمَ لَهُمْ رَبُّهُمْ [ بِنَفْسِهِ ] ثُمَّ لَمْ يُصَدِّقُوهُ ".
وقد كان قس بن ساعدة في جاهليته ينبه بعقله على هذه العبر فاتعظ واعتبر، فروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" رَأَيتُهُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ بِعُكَاظَ وَهُوَ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ اسْمَعُوا وَعُوا، منْ عَاشَ مَاتَ، وَمَن مَّاتَ فَاتَ، وَكُلُّ مَا هُوَا ءَآتٍ ءآتٍ، مَالِي أَرَى النَّاسَ يَذْهَبُونَ فَلاَ يَرْجِعُونَ ؟ أَرَضُوا بِالإِقَامَةِ فَأَقَامُوا ؟ أَمْ تُرِكُوا فَنَاموا ؟ إِنَّ فِي السَّمَآءِ لَخَبَراً، وَإِنَّ فِي الأَرْضِ لَعِبَراً، سَقْفٌ مَرْفُوعٌ، وَلَيلٌ مَوضُوعٌ، وَبِحَارٌ تَثُورٌ، وَنُجُومٌ تَحُورُ ثُمَّ تَغُورُ، أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَماً مَا ءَاثَمُ فِيهِ، إِنَّ للهِ دِيناً هُوَ أَرْضَى مِن دِينٍ أَنتُم عَلَيهِ. ثُمَّ تَكَلَّمَ بِأَبْيَاتِ شِعْرٍ مَأ أَدْرِي مَا هِيَ "
فقال أبو بكر : كنت حاضراً إذ ذاك والأبيات عندي وأنشد :
في الذاهبين الأولين *** من القرون لنا بصائر
لما رأيت موارداً *** للموت ليس لها مصادر
ورأيت قومي نحوها *** يمضي الأكابر والأصاغر
لا يرجع الماضي إليَّ *** ولا من الباقين غابر
أيقنت أني لامحا *** له حيث صار القوم صائر
فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ أُمَّةً وَحْدَهُ ". ونحن نسأل الله تعالى مع زاجر العقل ورادع السمع أن يصرف نوازع الهوى ومواقع البلوى. فلا عذر مع الإنذار، ولا دالة مع الاعتبار، وأن تفقهن الرشد تدرك به فوزاً منه وتكرمه ( ؟ ).
﴿هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم﴾ ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ﴾ قال عثمان بن محسن: كانوا أربعة من الملائكة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل. وفي قوله ﴿الْمُكْرَمِينَ﴾ وجهان: أحدهما: أنهم عند الله المعظمون. الثاني: مكرمون لإكرام إبراهيم لهم حين خدمهم بنفسه، قاله مجاهد. قال عطاء: وكان إبراهيم إذا أراد أن يتغذى، أو يتعشى خرج الميل والميلين والثلاثة، فيطلب من يأكل معه. قال عكرمة: وكان إبراهيم يكنى أبا الضيفان، وكان لقصره أربعة أبواب لكي لا يفوته أحد. وسمي الضيف ضيفاً، لإضافته إليك وإنزاله عليك. ﴿إِذْ دَخَلُواْ عَلَيهِ فَقَالُواْ سَلاَماً﴾ فيه وجهان: أحدهما: قاله الأخفش، أي مسالمين غير محاربين لتسكن نفسه.
369
الثاني: أنه دعا لهم بالسلامة، وهو قول الجمهور، لأن التحية بالسلام تقتضي السكون والأمان، قال الشاعر:
(أظلوم إن مصابكم رجلاً أهدى السلام تحية ظلم)
فأجابهم إبراهيم عن سلامتهم بمثله: ﴿قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مَنكَرُونَ﴾ لأنه رآهم على غير صورة البشر وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم، فنكرهم وقال ﴿قَوْمٌ مَنكَرُونَ﴾ وفيه وجهان: أحدهما: أي قوم لا يعرفون. الثاني: أي قوم يخافون، يقال أنكرته إذا خفته، قال الشاعر:
(فأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا)
﴿فَرَاغَ إِلى أَهْلِهِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: فعدل إلى أهله، قاله الزجاج. الثاني: أنه أخفى ميله إلى أهله. ﴿فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ أما العجل ففي تسميته بذلك وجهان: أحدهما: لأن بني إسرائيل عجلوا بعبادته. الثاني: لأنه عجل في اتباع أمه. قال قتادة: جاءهم بعجل لأن كان عامة مال إبراهيم البقر، واختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم، وجاء به مشوياً، وهو محذوف من الكلام لما فيه من الدليل عليه. فروى عون ابن أبي شداد أن جبريل مسح العجل بجناحه فقام يدرج، حتى لحق بأمه، وأم العجل في الدار. ﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيهِم قَالَ أَلاَ تَأَْكُلُونَ﴾ لأنهم امتنعوا من الأكل لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، فروى مكحول أنهم قالوا لا نأكله إلا بثمن، قال كلوا فإن له ثمناً، قالوا وما ثمنه؟ قال: إذا وضعتم أيديكم أن تقولوا: بسم الله، وإذا فرغتم أن تقولوا: الحمد لله، قالوا: بهذا اختارك الله يا إبراهيم.
370
﴿فَأوْجَسَ مِنهُمْ خِيفَةً﴾ لأنهم لم يأكلوا، خاف أن يكون مجيئهم إليه لشر يريدونه به. ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ﴾ فيه قولان: أحدهما: أنه إسحاق من سارة، استشهاداً بقوله تعالى في آية أخرى ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ﴾ [الصافات: ١١٢]. الثاني: أنه إسماعيل من هاجر، قاله مجاهد. ﴿عَلِيمٍ﴾ أي يرزقه الله علماً إذا كبر. ﴿فَأَقْبَلَتِ امْرَأتُهُ فِي صَرَّةٍ﴾ فيها ثلاثة أقاويل: أحدها: الرنة والتأوه، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر:
(وشربة من شراب غير ذي نفس في صرة من تخوم الصيف وهاج)
الثاني: أنها الصيحة، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه أخذ صرير الباب، ومنه قول امرىء القيس:
(فألحقه بالهاديات ودونه جواحرها في صرة لم تزيل)
الثالث: أنها الجماعة، قاله ابن بحر، ومنه المصراة من الغنم لجمع اللبن في ضرعها. وسميت صرة الدراهم فيها، قال الشاعر:
(رب غلام قد صرى في فقرته ماء الشباب عنفوان سنبته)
وأما قوله ﴿فَصَكَّتْ وَجْهَهَا﴾ ففيه قولان: أحدهما: معناه لطخت وجهها، قاله ابن عباس. الثاني: أنها ضربت جبينها تعجباً. ﴿وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ﴾ أي، أتلد عجوز عقيم؟ قاله مجاهد والسدي.
371
﴿ إِذْ دَخَلُوا عَلَيهِ فَقَالُوا سَلاَماً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : سلما قاله الأخفش، أي مسالمين غير محاربين لتسكن نفسه.
الثاني : أنه دعا لهم بالسلامة، وهو قول الجمهور، لأن التحية بالسلام تقتضي السكون والأمان، قال الشاعر١ :
أظلوم إن مصابكم رجلاً أهدى السلام تحية ظلم٢
فأجابهم إبراهيم عن سلامهم بمثله :
﴿ قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مَنكَرُونَ ﴾ لأنه رآهم على غير صورة البشر وعلى غير صورة الملائكة الذين كان يعرفهم، فنكرهم وقال ﴿ قَوْمٌ مَنكَرُونَ ﴾ وفيه وجهان :
أحدهما : أي قوم لا يعرفون.
الثاني : أي قوم يخافون، يقال أنكرته إذا خفته، قال الشاعر٣ :
فأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
١ هو العرجي..
٢ أمر الخليفة الواثق بإحضار أبي عثمان المازني من البصرة لإعراب هذا البيت فأوجب نصب "رجلا" وشرحه بأن مصابكم بمعنى أصابتكم، ورجلا مفعوله، وظلم خبر إن، وهو كقولك أن ضربك زيدا ظلم. فاستحسنه الواثق وأمر له بألف دينار ورده مكرما وأنظر مغنى اللبيب ٢/ ٥٣٩..
٣ هو الأعشى..
﴿ فَرَاغَ إِلى أَهْلِهِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فعدل إلى أهله، قاله الزجاج.
الثاني : أنه أخفى ميله إلى أهله.
﴿ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ﴾ أما العجل ففي تسميته بذلك وجهان :
أحدهما : لأن بني إسرائيل عجلوا بعبادته.
الثاني : لأنه عجل في اتباع أمه.
قال قتادة : جاءهم بعجل لأنه كان عامة مال إبراهيم البقر، واختاره لهم سميناً زيادة في إكرامهم، وجاء به مشوياً، وهو محذوف من الكلام لما فيه من الدليل عليه.
فروى عون ابن أبي شداد أن جبريل مسح العجل بجناحه فقام يدرج، حتى لحق بأمه، وأم العجل في الدار.
﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيهِم قَالَ أَلاَ تَاكُلُونَ ﴾ لأنهم امتنعوا من الأكل لأن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون، فروى مكحول أنهم قالوا لا نأكله إلا بثمن، قال كلوا فإن له ثمناً، قالوا وما ثمنه ؟ قال : إذا وضعتم أيديكم أن تقولوا : بسم الله، وإذا فرغتم أن تقولوا : الحمد لله، قالوا : بهذا اختارك الله يا إبراهيم [ خليلا ].
﴿ فَأوْجَسَ مِنهُمْ خِيفَةً ﴾ لأنهم لم يأكلوا، خاف أن يكون مجيئهم إليه لشر يريدونه به.
﴿ قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ ﴾ فيه قولان :
أحدهما : أنه إسحاق١ من سارة، استشهاداً بقوله تعالى في آية أخرى ﴿ فبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ ﴾ [ الصافات : ١١٢ ].
الثاني : أنه إسماعيل من هاجر، قاله مجاهد.
﴿ عَلِيمٍ ﴾ أي يرزقه الله علماً إذا كبر.
١ وهو الراجح بدليل الآية المستشهد بها..
﴿ فَأَقْبَلَتِ امْرَأتُهُ فِي صَرَّةٍ ﴾ فيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : الرنة والتأوه، قاله قتادة، ومنه قول الشاعر :
وشربة من شراب غير ذي نفس في صرة من تخوم الصيف وهاج
الثاني : أنها الصيحة، قاله ابن عباس ومجاهد، ومنه أخذ صرير الباب، ومنه قول امرىء القيس :
فألحقه بالهاديات ودونه جواحرها في صرة لم تزيل١
الثالث : أنها الجماعة، قاله ابن بحر، ومنه المصراة من الغنم لجمع اللبن في ضرعها. وسميت صرة الدراهم فيها، قال الشاعر :
رب غلام قد صرى في فقرته ماء الشباب عنفوان سنبته٢
وأما قوله ﴿ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا ﴾ ففيه قولان :
أحدهما : معناه لطمت وجهها، قاله ابن عباس.
الثاني : أنها ضربت جبينها تعجباً.
﴿ وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ﴾ أي، أتلد عجوز عقيم ؟ قاله مجاهد والسدي.
١ البيت من معلقة امرئ القيس. والهاديات أوائل بقر الوحش. وجوارحها المتخلفات منها. ولم تزيل أي لم تتفرق. والمعنى لما لحق هذا الفرس أوائل بقر بقيت أواخرها في جماعة لم تتفرق. انظر شرح المعلقات ٩٥ لأبي بكر الأنباري..
٢ للأغلب العجلي، كما في اللسان (صرى)..
{قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل
371
عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوما فاسقين} ﴿فَتَوَلَّى﴾ يعني فرعون، وفي توليه وجهان: أحدهما: أدبر. الثاني: أقبل، وهو من الأضداد. ﴿بِرُكْنِهِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: بجموعه وأجناده، قاله ابن زيد. الثاني: بقوته، قاله ابن عباس، ومنه قول عنترة:
(فما أوهى مراس الحرب ركني ولكن ما تقادم من زماني.)
الثالث: بجانبه، قاله الأخفش. الرابع: بميله عن الحق وعناده بالكفر، قاله مقاتل. ويحتمل خامساً بماله لأنه يركن إليه ويتقوى به. ﴿وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: أن العقيم هي الريح التي لا تلقح، قاله ابن عباس. الثاني: هي التي لا تنبث، قاله قتادة. الثالث: هي التي ليس فيها رحمة، قاله مجاهد.
372
الرابع: هي التي ليس فيها منفعة، قاله ابن عباس. وفي الريح التي هي عقيم ثلاثة أقاويل: أحدها: الجنوب، روى ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أن النبي ﷺ قال: (الريح العقيم الجنوب). الثاني الدبور، قاله مقاتل. قال عليه السلام: (نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) الثالث: هي ريح الصبا، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. ﴿إِلاَّ جَعَلْتْهُ كَالرَّمِيمِ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: أن الرميم التراب، قاله السدي. الثاني: أنه الذي ديس من يابس النبات، وهذا معنى قول قتادة. الثالث أن الرميم: الرماد، قاله قطرب. الرابع: أنه الشيء البالي الهالك، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر:
373
﴿ فَتَوَلَّى ﴾ يعني فرعون، وفي توليه وجهان :
أحدهما : أدبر.
الثاني : أقبل، وهو من الأضداد.
﴿ بِرُكْنِهِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : بجموعه وأجناده، قاله ابن زيد.
الثاني : بقوته، قاله ابن عباس، ومنه قول عنترة :
(تركتني حين كف الدهر من بصري وإذ بقيت كعظم الرمة البالي)
فما أوهى مراس الحرب ركني ولكن ما تقادم من زماني١.
الثالث : بجانبه، قاله الأخفش.
الرابع : بميله عن الحق وعناده بالكفر، قاله مقاتل.
ويحتمل خامساً بماله لأنه يركن إليه ويتقوى به.
١ في ك من عهودي..
﴿ وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ العَقِيمَ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن العقيم هي الريح التي لا تلقح، قاله ابن عباس.
الثاني : هي التي لا تنبث، قاله قتادة.
الثالث : هي التي ليس فيها رحمة، قاله مجاهد.
الرابع : هي التي ليس فيها منفعة، قاله ابن عباس.
وفي الريح التي هي عقيم ثلاثة أقاويل :
أحدها : الجنوب، روى ابن أبي ذئب عن الحارث بن عبد الرحمن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" الريح العقيم الجنوب ".
الثاني الدبور، قاله مقاتل. قال عليه السلام :" نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور "
الثالث : هي ريح الصبا، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد.
﴿ إِلاَّ جَعَلتْهُ كَالرَّمِيمِ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : أن الرميم التراب، قاله السدي.
الثاني : أنه الذي ديس من يابس النبات، وهذا معنى قول قتادة.
الثالث أن الرميم : الرماد، قاله قطرب.
الرابع : أنه الشيء البالي الهالك، قاله مجاهد، ومنه قول الشاعر :
تركتني حين كف الدهر من بصري وإذ بقيت كعظم الرمة البالي١
١ لجرير، قاله في رثاء ابنه..
﴿والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين﴾ ﴿وَالسَّمَآءِ بَنَيْنَاهَا بِأيْدٍ﴾ أي بقوة. ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ فيه خمسة أوجه: أحدها: لموسعون في الرزق بالمطر، قاله الحسن. الثاني: لموسعون السماء، قاله ابن زيد. الثالث: لقادرون على الاتساع بأكثر من اتساع السماء.
373
الرابع: لموسعون بخلق سماء ملثها، قاله مجاهد. الخامس: لذوو سعة لا يضيق علينا شيء نريده. ﴿وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه خلق كل جنس نوعين. الثاني: أنه قضى أمر خلقه ضدين صحة وسقم، وغنى وفقر، وموت وحياة، وفرح وحزن، وضحك وبكاء. وإنما جعل بينكم ما خلق وقضى زوجين ليكون بالوحدانية متفرداً. ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ يحتمل وجهين: أحدهما: تعلمون بأنه واحد. الثاني: تعلمون أنه خالق. ﴿فَفِرُّوْا إِلّى اللَّهِ﴾ أي فتوبوا إلى الله.
374
﴿ وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أنه خلق كل جنس نوعين.
الثاني : أنه قضى أمر خلقه ضدين صحة وسقم، وغنى وفقر، وموت وحياة، وفرح وحزن، وضحك وبكاء. وإنما جعل جميع ما خلق وقضى زوجين ليكون بالوحدانية متفرداً.
﴿ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : تعلمون بأنه واحد.
الثاني : تعلمون أنه خالق.
﴿ فَفِرُّوْا إِلّى اللَّهِ ﴾ أي فتوبوا إلى الله.
﴿كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون﴾ ﴿وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه وجهان: أحدهما: فذكر بالقرآن، قاله قتادة. الثاني: فذكر بالعظة فإن الوعظ ينفع المؤمنين، قاله مجاهد. ويحتمل ثالثاً: وذكر بالثواب والعقاب فإن الرغبة والرهبة تنفع المؤمنين. ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ﴾ فيه خمسة تأويلات: أحدها: إلا ليقروا بالعبودية طوعاً أو كرهاً، قاله ابن عباس. الثاني: إلا لآمرهم وأنهاهم، قاله مجاهد.
374
الثالث: إلا لأجبلهم على الشقاء والسعادة، قاله زيد بن أسلم. الرابع: إلا ليعرفوني، قاله الضحاك. الخامس: إلا للعبادة، وهو الظاهر، وبه قال الربيع بن انس. ﴿مَآ أُرِيدُ مِنْهُمْ مَّنْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ﴾ فيه ثلاثة أوجه: أحدها: ما أريد أن يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم. الثاني: ما أنفسهم، قاله أبو الجوزاء. الثالث: ما أريد منهم معونة ولا فضلاً. ﴿فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذَنُوباً مِّثلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ﴾ فيه أربعة أوجه: أحدها: عذاباً مثل عذاب أصحابهم، قاله عطاء. الثاني: يعني سبيلاً، قاله مجاهد. الثالث: يعني بالذنوب الدلو، قاله ابن عباس، قال الشاعر:
(لنا ذنوب ولكم ذنوب فإن أبيتم فلنا القليب)
ولا يسمى الذنوب دلواً حتى يكون فيه ماء. الرابع: يعني بالذنوب النصيب، قال الشاعر:
(وفي كل يوم قد خبطت بنعمة فحق لشاس من نداك ذنوب)
ويعني بأصحابهم من كذب بالرسل من الأمم السالفة ليعتبروا بهلاكهم. ﴿فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ﴾ أي فلا يستعجلوا نزول العذاب بهم لأنهم قالوا: ﴿يا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا﴾ الآية، فنزل بهم يوم بدر، ما حقق الله وعده، وعجل به انتقامه.
375
سورة الطور

بسم الله الرحمن الرحيم

376
﴿ وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنفَعُ المُؤْمِنِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فذكر بالقرآن، قاله قتادة.
الثاني : فذكر بالعظة فإن الوعظ ينفع المؤمنين، قاله مجاهد.
ويحتمل ثالثاً : وذكر بالثواب والعقاب فإن الرغبة والرهبة تنفع المؤمنين.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إلاَّ لَيَعْبُدُونِ ﴾ فيه خمسة تأويلات :
أحدها : إلا ليقروا بالعبودية طوعاً أو كرهاً، قاله ابن عباس.
الثاني : إلا لآمرهم وأنهاهم، قاله مجاهد.
الثالث : إلا لأجبلهم على الشقاء والسعادة، قاله زيد بن أسلم.
الرابع : إلا ليعرفوني، قاله الضحاك.
الخامس : إلا للعبادة، وهو الظاهر، وبه قال الربيع بن أنس.
﴿ مَآ أُرِيدُ مِنْهُمْ منْ رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : ما أريد أن يرزقوا عبادي ولا أن يطعموهم.
الثاني : ما أريد أن يرزقوا أنفسهم ولا أن يطعموا أنفسهم، قاله أبو الجوزاء.
الثالث : ما أريد منهم معونة ولا فضلاً.
﴿ فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مثلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : عذاباً مثل عذاب أصحابهم، قاله عطاء.
الثاني : يعني سبيلاً، قاله مجاهد.
الثالث : يعني بالذنوب الدلو، قاله ابن عباس، قال الشاعر :
لنا ذنوب ولكم ذنوب *** فإن أبيتم فلنا القليب
ولا يسمى الذنوب دلواً حتى يكون فيه ماء.
الرابع : يعني بالذنوب النصيب، قال الشاعر١ :
وفي كل يوم قد خبطت بنعمة *** فحق لشاس من نداك ذنوب
ويعني بأصحابهم من كذب بالرسل من الأمم السالفة ليعتبروا بهلاكهم.
﴿ فَلاَ يَسْتَعْجِلُونِ ﴾ أي فلا يستعجلوا نزول العذاب بهم لأنهم قالوا :﴿ يا مُحَمَّدُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا ﴾ الآية، فنزل بهم يوم بدر، ما حقق الله وعده، وعجل به انتقامه.
١ هو علقمة بن عبدة المشهور بعلقمة الفحل. انظر ديوانه ١٣..
Icon