ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١ الى ٣]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)١- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ:
الْأَنْفالِ الغنائم، لأنها من فضل الله وعطائه، الواحد: نفل، وهو ما ينفله الغازي أي يعطاه زائدا على سهمه من المغنم.
قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ان حكمها مختص بالله ورسوله، يأمر الله بقسمتها على ما تقتضيه حكمته ويمتثل الرسول أمر الله فيها.
فَاتَّقُوا اللَّهَ فى الاختلاف والتخاصم.
وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وتآسوا وتساعدوا فيما رزقكم الله وتفضل به عليكم.
إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ان كنتم كاملى الايمان.
٢- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ اشارة إليهم، أي انما كاملو الايمان.
وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ فزعت.
زادَتْهُمْ إِيماناً ازدادوا بها يقينا وطمأنينة.
وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ولا يفوضون أمورهم الى غير ربهم، لا يخشون ولا يرجون الا إياه.
٣- الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ:
يُقِيمُونَ الصَّلاةَ يؤدونها مستوفية الأركان.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤ الى ٥]
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٤) كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ (٥)
٤- أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:
حَقًّا صفة للمصدر المحذوف، أي أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا.
دَرَجاتٌ شرف وكرامة وعلو منزلة.
وَمَغْفِرَةٌ وتجاوز لسيئاتهم.
وَرِزْقٌ كَرِيمٌ نعيم الجنة.
٥- كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ:
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ محل الكاف محل رفع خبر مبتدأ محذوف، تقديره: هذه الحال كحال اخراجك، أي ان حالهم فى كراهة ما رأيت من تنفيل الغزاة، مثل حالهم فى كراهة خروجك للحرب.
ويجوز أن ينتصب على أنه صفة مصدر الفعل المقدر فى قوله الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ أي الأنفال استقرت لله والرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، وثبت مع كراهتهم ثباتا مثل ثبات إخراج ربك إياك من بيتك وهم كارهون.
مِنْ بَيْتِكَ أي بيته بالمدينة، أو المدينة نفسها، لأنها مهاجره ومسكنه.
بِالْحَقِّ أي إخراجا ملتبسا بالحكمة والصواب الذي لا محيد عنه.
وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ فى موضع الحال. أي أخرجك فى حال كراهتهم وذلك أن عير قريش أقبلت من الشام فيها تجارة عظيمة، ومعها أربعون راكبا وانتهى خبر هذه العير الى الرسول والى المسلمين فحفزهم هذا الى تلقى العير وبلغ أهل مكة خروج المسلمين
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦ الى ٧]
يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٦) وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ (٧)
٦- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ:
يُجادِلُونَكَ يعنى قولهم: ما كان خروجنا الا للعير.
فِي الْحَقِّ أي تلقى النفير.
بَعْدَ ما تَبَيَّنَ بعد إعلان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم بأنهم ينصرون.
٧- وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَيَقْطَعَ دابِرَ الْكافِرِينَ:
وَإِذْ إذ، منصوب بإضمار: اذكر.
إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أي العير أو النفير.
أَنَّها لَكُمْ بدل من قوله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ.
غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ أي العير، لأنها لم يكن فيها الا أربعون فارسا. والشوكة: الحدة.
أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ أن يثبته ويعليه.
بِكَلِماتِهِ بآياته المنزلة فى محاربة ذات الشوكة.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٨ الى ٩]
لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ (٩)٨- لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْباطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ:
لِيُحِقَّ الْحَقَّ متعلق بمحذوف تقديره: ليحق الحق ويبطل الباطل فعل ذلك ما فعله الا لهما، وهو اثبات الإسلام وإظهاره، وابطال الكفر ومحقه.
٩- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ:
إِذْ تَسْتَغِيثُونَ بدل من قوله إِذْ يَعِدُكُمُ. وقيل هو متعلق بقوله لِيُحِقَّ الْحَقَّ.
واستغاثتهم أنهم لما علموا أنه لا بد من القتال طفقوا يدعون الله، ويقولون: ربنا انصرنا على عدوك.
ويروى أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم لما نظر الى المشركين وهم ألف، والى أصحابه وهم ثلاثمائة استقبل القبلة ومد يديه يدعو ويسأله النصر.
أَنِّي مُمِدُّكُمْ أصله: بأنى ممدكم، فخذف الجار وسلط عليه فَاسْتَجابَ فنصب محله.
مُرْدِفِينَ بكسر الدال وفتحها، من قولك: ردفه، إذا اتبعه، وأردفته إياه، إذا أتبعته.
[سورة الأنفال (٨) : آية ١٠]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (١٠)
١٠- وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
وَما جَعَلَهُ الضمير يرجع الى قوله أَنِّي مُمِدُّكُمْ إذ المعنى:
فاستجاب لكم بامدادكم.
إِلَّا بُشْرى الا بشارة لكم بالنصر.
وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي ولا تحسبوا النصر من الملائكة، فان الناصر هو الله لكم وللملائكة.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١١ الى ١٣]
إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (١١) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (١٢) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (١٣)
١١- إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ:
إِذْ يُغَشِّيكُمُ بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ، أو منصوب بالنصر، أو بما فى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ من معنى الفعل، أو بما جعله الله، أو بإضمار: اذكر.
أَمَنَةً مفعول له.
مِنْهُ صفة، أي أمنة حاصلة لكم من الله عز وجل.
رِجْزَ الشَّيْطانِ وسوسته إليهم، وتخويفه إياهم من العطش.
١٢- إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ:
إِذْ يُوحِي بدل من إِذْ يَعِدُكُمُ.
أَنِّي مَعَكُمْ مفعول يُوحِي.
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا تلقينا للملائكة ما يثبتونهم به.
فَوْقَ الْأَعْناقِ أي أعالى الأعناق التي هى المذابح.
١٣-لِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
ِكَ
اشارة الى ما أصابهم من الضرب والقتل والعقاب العاجل.
ومحله الرفع على الابتداء.
َنَّهُمْ
خبر المبتدأ، أي ذلك العقاب وقع عليهم بسبب مشاقتهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٤ الى ١٧]
ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ (١٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ (١٥) وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦) فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧)١٤- ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عَذابَ النَّارِ:
ذلِكُمْ للكفرة على طريقة الالتفات. ومحله الرفع على: ذلكم العقاب، أو: العقاب ذلكم فذوقوه.
وَأَنَّ لِلْكافِرِينَ عطف على ذلِكُمْ، أو نصب على أن (الواو) بمعنى: مع.
والمعنى: ذوقوا هذا العذاب العاجل مع الآجل الذي لكم فى الآخرة، فوضع الظاهر موضع الضمير.
١٥- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ:
زَحْفاً حال من الَّذِينَ كَفَرُوا.
فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ أي لا تنقلبوا مدبرين.
١٦- وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ:
وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ومن لا يلاقيهم وجها لوجه فارامنهم.
إِلَّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ هو الكر بعد الفر، يخيل عدوه أنه منهزم ثم يعطف عليه.
أَوْ مُتَحَيِّزاً أو منحازا.
إِلى فِئَةٍ الى جماعة أخرى من المسلمين سوى الفئة التي هو فيها.
١٧- فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ لأنه هو الذي أنزل الملائكة وألقى الرعب فى قلوبهم.
إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى يعنى أن الرمية التي رميتها لم ترمها أنت على الحقيقة لأنك لو رميتها لما بلغ أثرها الا ما يبلغه أثر رمى البشر، ولكنها كانت رمية الله حيث أثرت ذلك الأثر العظيم.
وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ وليعطيهم.
بَلاءً حَسَناً عطاء جميلا.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٨ الى ١٩]
ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩)
١٨- ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ:
ذلِكُمْ اشارة الى البلاء الحسن، ومحله الرفع، أي الغرض ذلكم.
وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ معطوف على ذلِكُمْ يعنى أن الغرض إبلاء المؤمنين وتوهين كيد الكافرين.
١٩- إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ:
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ خطاب لأهل مكة على سبيل التهكم، وذلك أنهم حين أرادوا أن ينفروا تعلقوا بأستار الكعبة وسألوا ربهم النصر.
وقيل إِنْ تَسْتَفْتِحُوا خطاب للمؤمنين.
وَإِنْ تَنْتَهُوا خطاب للكافرين. يعنى وان تنتهوا عن عداوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَإِنْ تَعُودُوا لمحاربته.
نَعُدْ لنصرته عليكم.
وَأَنَّ اللَّهَ بالفتح على: ولأن الله معين المؤمنين كان ذلك.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٠ الى ٢٣]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣)
٢٠- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ:
وَلا تَوَلَّوْا قرىء بطرح احدى التاءين وادغامها.
عَنْهُ الضمير لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ أي تصدقون لأنكم مؤمنون لستم كالصم المكذبين من الكفرة.
٢١- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ:
وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا أي ادعوا السماع.
وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ لأنهم ليسوا بمصدقين فكأنهم غير سامعين.
٢٢- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ أي ان شر من يدب على وجه الأرض.
٢٣- وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ:
وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ فى هؤلاء الصم البكم.
خَيْراً أي انتفاعا بهدى الله.
لَأَسْمَعَهُمْ لوفقهم الى أن يستمعوا ويستجيبوا.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٥) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٢٦)
٢٤- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ:
لِما يُحْيِيكُمْ من علوم الديانات والشرائع، لأن العلم حياة والجهل موت.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ أي مرد الأمور كلها اليه.
٢٥- وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ:
فِتْنَةً عذابا.
لا تُصِيبَنَّ جواب للأمر، أي ان أصابتكم لا تصيب الظالمين منكم خاصة، ولكنها تعمكم.
ويصح أن تكون نهيا بعد أمر، فكأنه قيل: واحذروا ذنبا أو عقابا، ثم قيل: لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب ووباله من ظلم منكم خاصة.
ويجوز أن تكون صفة لقوله فِتْنَةً على إرادة القول، كأنه قيل: واتقوا فتنة مقولا فيها: لا تصيبن.
الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ من، للتبعيض، أو للتبيين.
٢٦- وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ:
إِذْ أَنْتُمْ إذ، مفعول به مذكور لا ظرف، أي اذكروا وقت كونكم أقلة أذلة مستضعفين.
تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ لأن الناس كانوا جميعا لهم أعداء.
فَآواكُمْ الى المدينة.
وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ بمظاهرة الأنصار، وبامداد الملائكة يوم بدر.
وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من الغنائم.
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ إرادة أن تشكروا هذه النعم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢٧ الى ٢٩]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٢٧) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٢٩)
٢٧- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ:
لا تَخُونُوا اللَّهَ فتعطلوا فرائضه.
وَالرَّسُولَ صلى الله عليه وآله وسلم فلا تستنوا به.
أَماناتِكُمْ فيما بينكم بأن لا تحفظوها.
وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ تبعة ذلك ووباله. أو وأنتم تعلمون أنكم تخونون.
٢٨- وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ: فِتْنَةٌ محنة من الله ليبلوكم كيف تحافظون فيهم على حدوده.
أو أنهم سبب الوقوع فى الفتنة، وهى الإثم أو العذاب.
وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ
ترغيب فى ثواب الله، وتزهيد لهم فى متاع الحياة من مال وولد.
٢٩- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ:
فُرْقاناً نصرا، لأنه يفرق بين الحق والباطل، وبين الكفر بإذلال حزبه، والإسلام بإعزاز أهله.
أو تفرقة بينكم وبين غيركم، وفضلا ومزية فى الدنيا والآخرة.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٠ الى ٣٣]
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٣١) وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٣٢) وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)
٣٠- وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ:
لِيُثْبِتُوكَ ليسجنوك، أو يوثقوك، أو يثخنوك بالضرب والجرح.
وَيَمْكُرُونَ ويخفون المكايد له.
وَيَمْكُرُ اللَّهُ ويخفى الله ما أعد لهم حتى تأتيهم بغتة.
وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ أي مكره أنفذ من مكر غيره وأبلغ تأثيرا.
٣١- وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا قَدْ سَمِعْنا لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ:
أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ما سطره الأولون من قصص.
٣٢- وَإِذْ قالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ:
إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ أي ان كان القرآن.
فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ فعاقبنا على إنكاره بالسجيل كما فعلت بأصحاب الفيل.
أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أو بعذاب آخر أشد ايلاما.
والمراد نفى كونه حقا، وإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا، فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاده أنه ليس بحق، كتعليقه بالمحال.
٣٣- وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ:
وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ أي وفيهم من يستغفر.
وقيل: وهم يستغفرون فى موضع الحال. والمعنى: نفى الاستغفار عنهم، أي ولو كانوا ممن يؤمن ويستغفر من الكفر لما عذبهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٤ الى ٣٥]
وَما لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٤) وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٥)
٣٤- وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ:
وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ أي: وأي شىء لهم فى انتفاء العذاب عنهم. يعنى: لاحظ لهم فى ذلك وهم معذبون لا محالة.
وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي كيف لا يعذبون وحالهم أنهم يصدون عن المسجد الحرام، كما صدوا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية.
وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ وما استحقوا مع اشراكهم وعداوتهم للدين أن يكونوا ولاة أمره وأربابه.
إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ من المسلمين، ليس كل مسلم أيضا ممن يصلح لأن يلى أمره، انما يستأهل ولايته من كان برا تقيا، فكيف بالكفرة عبدة الأصنام.
وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ كأنه استثنى من كان يعلم وهو يعاند ويطلب الرياسة. أو أراد بالأكثر الجميع، كما يراد بالقلة العدم.
٣٥- وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ:
إِلَّا مُكاءً الا صفيرا.
وَتَصْدِيَةً وتصفيفا.
فَذُوقُوا الْعَذابَ عذاب القتل والأسر يوم بدر.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٦ الى ٣٧]
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٣٧)
٣٦- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ:
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ قيل نزلت فى المطعمين يوم بدر، كان الواحد منهم يطعم كل يوم عشر جزائر.
وقيل: قالوا لكل من كانت له تجارة فى العير: أعينوا بهذا المال على حرب محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، لعلنا ندرك منه ثأرنا بما أصيب منا ببدر.
وقيل: نزلت فى أبى سفيان، وقد استأجر يوم أحد ألفين من الأحابيش، سوى من استجاش من العرب وأنفق عليهم الكثير.
لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أي كان غرضهم فى الانفاق الصد عن أتباع محمد صلّى الله عليه وآله وسلم، وهو سبيل الله، وان لم يكن عندهم كذلك.
ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً أي تكون عاقبة إنفاقها ندما وحسرة، فكأن ذاتها تصير ندما وتنقلب حسرة.
ثُمَّ يُغْلَبُونَ آخر الأمر.
وَالَّذِينَ كَفَرُوا والكافرون منهم، لأن منهم من أسلم وحسن إسلامه.
٣٧- لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ:
الْخَبِيثَ الفريق الخبيث من الكفار.
مِنَ الطَّيِّبِ من الفريق الطيب من المؤمنين.
بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ عبارة عن الجمع والضم.
فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً حتى يتراكبوا لفرط ازدحامهم.
أُولئِكَ اشارة الى الفريق الخبيث.
وقيل: ليميز المال الخبيث الذي أنفقه المشركون فى عداوة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، من المال الطيب الذي أنفقه المسلمون، كأبى بكر وعثمان، فى نصرته، فيجعله فى جهنم فى جملة ما يعذبون به.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ (٣٨) وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩)
٣٨- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ:
قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا أي قل لأجل هذا القول، وهو: ان ينتهوا، ولو كان بمعنى خاطبهم به لقيل: ان تنتهوا.
يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ لهم من العداوة.
وَإِنْ يَعُودُوا لقتاله.
فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ منهم الذين حاق بهم مكروه يوم بدر.
أو قد مضت سنة الذين تحزبوا على أنبيائهم من الأمم فدمروا.
فليتوقعوا مثل ذلك ان لم يفقهوا.
وقيل: معناه: ان الكفار إذا انتهوا عن الكفر وأسلموا غفر لهم ما قد سلف لهم من الكفر والمعاصي.
وَإِنْ يَعُودُوا بالارتداد.
٣٩- وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ويبقى دين الإسلام وحده.
فَإِنِ انْتَهَوْا عن الكفر وأسلموا.
فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ يثيبهم على توبتهم وإسلامهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٠ الى ٤١]
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (٤٠) وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١)
٤٠- وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ:
وَإِنْ تَوَلَّوْا ولم ينتهوا.
فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ ناصركم ومعينكم، فثقوا بولايته ونصرته.
٤١- وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ:
أَنَّما غَنِمْتُمْ ما، موصولة.
مِنْ شَيْءٍ بيانه.
فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ مبتدأ خبره محذوف، تقديره: فحق، أو فواجب أن لله خمسه، أي من حق الخمس أن يكون متقربا به إليه لا غير.
وَلِلرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم منفعة فى مصالح المسلمين.
وَلِذِي الْقُرْبى من قرابة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم.
وَالْيَتامى من أطفال المسلمين الذين مات آباؤهم وهم فقراء.
وَالْمَساكِينِ وهم ذوو الحاجة من المسلمين.
وَابْنِ السَّبِيلِ وهو المنقطع فى سفره المباح.
إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ حقا.
يَوْمَ الْفُرْقانِ الذي فرقنا فيه بين الكفر والإيمان، وهو اليوم الذي التقى فيه جمعكم وجمع الكافرين ببدر.
[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٢]
إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢)
٤٢- إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ:
إِذْ بدل من يوم الفرقان.
بِالْعُدْوَةِ بشط الوادي.
وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ يعنى الركب الأربعين الذين كانوا يقودون العير أسفل منكم بالساحل.
وَلَوْ تَواعَدْتُمْ أنتم وأهل مكة وتواضعتم بينكم على موعد تلتقون فيه للقتال.
لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ فخالف بعضكم بعضا فثبطكم قلتكم وكثرتهم عن الوفاء بالموعد وثبطهم ما فى قلوبهم من تهيب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم والمسلمين، فلم يتفق لكم من التلاقي فيما وفقه الله وسبب له.
لِيَقْضِيَ متعلق بمحذوف، أي ليقضى أمرا كان واجبا أن يفعل، وهو نصر أوليائه وقهر أعدائه، دبر ذلك.
لِيَهْلِكَ بدل منه. واستعير الهلاك والحياة للكفر والإسلام.
عَنْ بَيِّنَةٍ أي ليصدر كفر من كفر عن وضوح بينة، لا عن مخالجة شبهة، حتى لا تبقى له على الله حجة ويصدر اسلام من أسلم أيضا عن يقين بأنه دين الحق الذي يجب الدخول فيه والتمسك به.
أو لسميع عليم بكفر من كفر وعقابه، وبايمان من آمن وثوابه.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٣ الى ٤٤]
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٤٣) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٤٤)
٤٣- إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ:
إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ إذ، نصب بإضمار: اذكر.
أو هو بدل ثان من يَوْمَ الْفُرْقانِ.
أو متعلق بقوله لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ أي يعلم المصالح إذ يقللهم فى عينك.
فِي مَنامِكَ فى رؤياك.
لَفَشِلْتُمْ لجبنتم وهبتم الإقدام.
وَلَتَنازَعْتُمْ فى الرأى، وتفرقت فيما تصنعون كلمتكم، وترجحتم بين الثبات والفرار.
وَلكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ أي عصم وأنعم بالسلامة من الفشل والتنازع.
إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ يعلم ما سيكون من الجراءة والجبن والصبر والجزع.
٤٤- وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ:
وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ الضميران مفعولان، والمعنى: وإذ يبصركم إياهم.
قَلِيلًا نصب على الحال.
وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ حتى قال قائل منهم: انما هم أكلة جزور.
والغرض فى تقليل الكفار فى أعين المؤمنين ظاهر، أما الغرض فى
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٥ الى ٤٧]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٤٥) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (٤٦) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٤٧)
٤٥- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ:
إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً إذا حاربتم جماعة من الكفار. وترك وصفها لأن المؤمنين ما كانوا يلقون الا الكفار.
فَاثْبُتُوا لقتالهم ولا تفروا.
وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً فى موطن الحرب مستظهرين بذكره مستنصرين به.
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ لعلكم تظفرون بمرادكم من النصرة والمثوبة.
٤٦- وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ:
فَتَفْشَلُوا منصوب بإضمار (أن) أو مجزوم لدخوله فى حكم النهى.
وَتَذْهَبَ بالنصب. وقرىء: ويذهب، بالياء والجزم.
رِيحُكُمْ الريح: الدولة، شبهت فى نفوذ أمرها وتمشيه بالريح وهبوبها.
٤٧- وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ:
كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ يعنى أهل مكة حين خرجوا لحماية العير، فأتاهم رسول أبى سفيان، وهم بالجحفة: أن ارجعوا، فقد سلمت العير، فأبى أبو جهل وقال: حتى نقدم بدرا فنشرب بها الخمور،
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٤٨ الى ٥٠]
وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩) وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠)
٤٨- وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ:
وَإِذْ واذكر إذ.
أَعْمالَهُمْ التي عملوها فى معاداة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم، ووسوس إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون.
فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ فلما تلاقى الفريقان.
نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ نكص الشيطان.
وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ وتبرأ منهم.
٤٩- إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ بالمدينة.
وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يجوز أن يكون من صفة (المنافقين)، وأن يراد الذين على حرف ليسوا بثابتى الأقدام فى الإسلام. وقيل:
هم المشركون.
غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ يعنون أن المسلمين اغتروا بدينهم، وأنهم يتقون وينصرون من أجله، فخرجوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر الى زهاء ألف.
فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ غالب يسلط القليل الضعيف على الكثير القوى.
٥٠- وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ:
إِذْ نصب على الظرف.
الْمَلائِكَةُ فاعل الفعل يَتَوَفَّى.
يَضْرِبُونَ فى محل نصب حال.
ويجوز أن يكون فى يَتَوَفَّى ضمير الله عز وجل. والملائكة، مرفوعة بالابتداء. ويضربون، خبر.
وَأَدْبارَهُمْ وأستاههم.
وَذُوقُوا معطوف على يَضْرِبُونَ على إرادة القول، أي ويقولون ذوقوا عذاب الحريق.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥١ الى ٥٢]
ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢)
٥١- ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ:
ذلِكَ رفع بالابتداء.
بِما قَدَّمَتْ خبر المبتدأ.
وَأَنَّ اللَّهَ عطف على الخبر.
أي ذلك العذاب بسببين:
بسبب كفركم ومعاصيكم.
وأن الله ليس بظلام للعبيد.
لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ظلام، للتكثير.
٥٢- كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ:
كَدَأْبِ فى محل الرفع، أي دأب هؤلاء مثل دأب آل فرعون.
ودأبهم: عادتهم وعملهم الذي دأبوا فيه، أي داوموا عليه وواظبوا.
كَفَرُوا تفسير لدأب آل فرعون.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٣ الى ٥٧]
ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧)٥٣- ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ:
ذلِكَ اشارة الى ما حل بهم، يعنى ذلك العذاب.
حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ ما بهم من الحال.
وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لما يقول مكذبو الرسل.
عَلِيمٌ بما يفعلون.
٥٤- كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ:
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ تكرير للتأكيد.
كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ زيادة دلالة على كفران النعم وجحود الحق.
وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ وكلهم كانوا ظالمين أنفسهم بالكفر والمعاصي.
٥٥- إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ:
إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ما يدب على وجه الأرض.
عِنْدَ اللَّهِ فى حكمه وعدله.
الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ أي أصروا على الكفر ولجوا فيه فلا يتوقع منهم ايمان.
٥٦- الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ:
الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ بدل من الَّذِينَ كَفَرُوا أي الذين عاهدتهم من الذين كفروا، جعلهم شر الدواب، لأن شر الناس الكفار، وشر الكفار المصرون منهم، وشر المصرين الناكثون للعهود.
وَهُمْ لا يَتَّقُونَ لا يخافون عاقبة الغدر، ولا يبالون ما فيه من العار.
٥٧- فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ:
فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ ففرق عن محاربتك ومناصبتك بقتلهم، من وراءهم من الكفرة، حتى لا يجسر عليك بعدهم أحد، اعتبارا بهم واتعاظا بحالهم.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٥٨ الى ٦٠]
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠)
٥٨- وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ:
وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ معاهدين.
خِيانَةً نكثا بأمارات تلوح لك.
فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ فاطرح إليهم العهد.
عَلى سَواءٍ على طريق مستو قصد.
وذلك أن تظهر لهم نبذ العهد وتخبرهم إخبارا مكشوفا بينا أنك قطعت ما بينك وبينهم، ولا تناجزهم الحرب، وهم على توهم بقاء العهد، فيكون ذلك خيانة منك.
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ فلا يكن منك نكث العهد.
٥٩- وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ:
سَبَقُوا أفلتوا وفاتوا من أن يظفر بهم.
إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ انهم لا يفوتون ولا يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم.
٦٠- وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ:
مِنْ قُوَّةٍ من كل ما يتقوى به فى الحرب من عددها.
وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تخصيصا للخيل من بين ما يتقوى به، لما كان لها من شأن فى الحرب.
بِهِ الضمير الى قوله مَا اسْتَطَعْتُمْ.
عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ هم أهل مكة.
وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ هم اليهود، وقيل: المنافقون.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦١ الى ٦٥]
وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٦٤) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (٦٥)
٦١- وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ:
لِلسَّلْمِ السلم، نقيض الحرب.
وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ولا تخف من إبطانهم المكر فى جنوحهم الى السلم، فان الله كافيك وعاصمك من مكرهم وخديعتهم.
٦٢- وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ:
فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ فإن محسبك الله وكافيك أمرهم.
٦٣- وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ جمعهم على الإسلام، وأصبحوا يرمون عن قوس واحدة.
٦٤- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ:
وَمَنِ اتَّبَعَكَ الواو بمعنى: مع، وما بعده منصوب، والمعنى:
كفاك وكفى أتباعك من المؤمنين الله ناصرا.
أو يكون فى محل الرفع، أي كفاك الله وكفاك المؤمنون.
٦٥- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ:
بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ أي بسبب أن الكفار قوم جهلة يقاتلون على غير احتساب وطلب ثواب فيقل ثباتهم، ولا يعدمون لجهلهم بالله نصرته، خلاف من يقاتل على بصيرة ومعه ما يستوجب به النصر من الله تعالى.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٦ الى ٦٨]
الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٧) لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (٦٨)
٦٦- الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ:
وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً يقتضى التيسير عليكم.
فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ مجاهد.
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ بنصره وتأييده.
٦٧- ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ:
ما كانَ ما صح له وما استقام.
عَرَضَ الدُّنْيا حطامها.
وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ يعنى ما هو سبب الجنة من إعزاز الإسلام.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ يقلب أولياءه على أعدائه ويتمكنون منهم قتلا وأسرا ويطلق لهم الفداء.
حَكِيمٌ يؤخر ذلك الى أن يكثروا ويعزوا.
٦٨- لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ:
لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لولا حكم منه سبق إثباته فى اللوح، وهو أنه لا يعاقب أحد بخطأ، وكان هذا خطأ فى الاجتهاد، لأنّهم نظروا فى أن استبقاء أسرى بدر ربما كان سببا فى إسلامهم وتوبتهم، وأن
وقيل: كتابه: أنه سيحل لهم الفدية التي أخذوها.
وقيل: ان أهل بدر مغفور لهم.
وقيل: انه لا يعذب قوما الا بعد تأكيد الحجة وتقديم النهى، ولم يتقدم نهى عن ذلك.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٦٩ الى ٧١]
فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٦٩) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧٠) وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٧١)
٦٩- فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
فَكُلُوا الفاء للتسبيب والسبب محذوف. ومعناه: قد أبحث لكم الغنائم فكلوا مما غنمتم.
حَلالًا نصب على الحال من المغنوم، أو صفة للمصدر، أي أكلا حلالا.
إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ أي انكم إذا اتقيتموه بعد ما فرط منكم من استباحة الفداء قبل أن يؤذن لكم فيه، غفر لكم ورحمكم وتاب عليكم.
٧٠- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:
فِي أَيْدِيكُمْ فى ملكتكم، كأن أيديكم قابضة عليهم.
فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً خلوص ايمان وصحة نية.
يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ من الفداء، اما أن يخلفكم فى الدنيا أضعافه أو يثيبكم فى الآخرة.
٧١- وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ فَقَدْ خانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ:
وَإِنْ يُرِيدُوا خِيانَتَكَ نكث ما بايعوك عليه من الإسلام والردة واستجاب دين آبائهم.
فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ كما رأيتهم يوم بدر فسيمكن منهم ان أعادوا الخيانة.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧٢ الى ٧٣]
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٧٢) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣)
٧٢- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ:
وَهاجَرُوا وفارقوا أوطانهم وقومهم حبا لله ورسوله، وهم المهاجرون.
وَالَّذِينَ آوَوْا الى ديارهم.
وَنَصَرُوا ونصروهم على أعدائهم، وهم الأنصار.
بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ أي يتولى بعضهم بعضا فى الميراث. وكان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة والنصرة دون ذوى القرابات حتى نسخ ذلك بعد.
فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ فواجب عليكم أن تنصروهم على المشركين.
إِلَّا عَلى قَوْمٍ منهم.
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ عهد، فانه لا يجوز لكم نصرهم لأنهم لا يبتدئون القتال، إذا الميثاق مانع من ذلك.
٧٣- وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ ظاهره اثبات الموالاة بينهم.
إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي إلا تفعلوا ما أمرتكم به من تواصل المسلمين وتولى بعضهم بعضا حتى فى التوارث، تفضيلا لنسبة الإسلام على نسبة القرابة، ولم تقطعوا العلائق بينكم وبين الكفار، ولم تجعلوا قرابتهم كلا قرابة.
تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ تحصل فتنة فى الأرض.
وَفَسادٌ كَبِيرٌ ومفسدة عظيمة، لأن المسلمين ما لم يصيروا يدا واحدة على الشرك، كان الشرك ظاهرا والفساد زائدا.
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧٤ الى ٧٥]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤) وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٧٥)
٧٤- وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:
أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لأنهم صدقوا ايمانهم وحققوه بتحصيل مقتضياته من هجرة الوطن ومفارقة الأهل والانسلاخ من المال لأجل الدين.
وليس بتكرار، لأن هذه الآية واردة للثناء عليهم والشهادة لهم، مع الوعد الكريم، والأولى للأمر بالتواصل.
٧٥- وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ:
وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ يريد اللاحقين بعد السابقين للهجرة.
وَأُولُوا الْأَرْحامِ أولوا القرابات.
بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ أولى بالتوارث.
فِي كِتابِ اللَّهِ تعالى فى حكمه وقسمته، وقيل فى القرآن، وهو آية المواريث.