تفسير سورة عبس

تفسير النسفي
تفسير سورة سورة عبس من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي .
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
سورة عبس مكية وهى اثنتان واربعون آية

عَبَسَ وَتَوَلَّى (١)
﴿عبس﴾ كلح أى النبى ﷺ ﴿وتولى﴾ اعرض
أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى (٢)
﴿أن جَاءَهُ﴾ لأن جاءه ومحله نصب لأنه مفعول له والعامل فيه عبس أو تولى على اختلاف المذهبين ﴿الأعمى﴾ عبد الله بن ام مكتوم وام مكتوم أم
﴿وما﴾
ابيه وأبو شريح بن مالك أتى النبى ﷺ وهو يدعو أشراف قريش إلى الإسلام فقال يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم فكره رسول الله ﷺ قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت فكان رسول الله ﷺ يكرمه بعدها ويقول مرحباً بمن عاتبني فيه ربى واستخلفه على على المدينة مرتين
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣)
﴿وما يدريك﴾ وأي شيء يجعلك دارياً بحال هذا الأعمى ﴿لعلّه يزكى﴾ لعل الأعمى يتطهر بما يسمع منك من دنس الجهل وأصله يتزكى فأدغمت التاء في الزاي وكذا
أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (٤)
﴿أو يَذَّكَّرُ﴾ يتعظ ﴿فَتَنفَعَهُ﴾ نصبه عاصم غير الاعشى جوابا للعل وغيره رفعه عطفاً على يذكر ﴿الذكرى﴾ ذكراك اى
601
موعظتك اى انك لا تدى ما هو مترقب منه من تزك أو تذكر ولو دريت لما فرط ذلك منك
602
أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى (٥)
﴿أما من استغنى﴾ أى منكان غنيا بالمال
فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦)
﴿فأَنتَ لَهُ تصدى﴾ تتعرض بالإقبال عليه حرصاً على إيمانه تصدى بإدغام التاء في الصاد حجازى
وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى (٧)
﴿وما عليك ألاّ يزّكّى﴾ وليس عليك بأس فى أن يتزكى بالإسلام إن عليك إلا البلاغ
وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (٨)
﴿وأمّا من جاءَكَ يسعى﴾ يسرع في طلب الخير
وَهُوَ يَخْشَى (٩)
﴿وهو يخشى﴾ الله أو الكفار أي أذاهم في إتيانك أو الكبوة كعادة العميان
فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠)
﴿فأنت عنه تلهّى﴾ تتشاغل وأصله تتلهى ورُوي أنه ما عبس بعدها في وجه فقير قط ولا تصدى لغني ورُوي أن الفقراء في مجلس الشورى كانوا أمراء
كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ (١١)
﴿كَلاَّ﴾ ردع أي لا تعد إلى مثله ﴿إنَّها﴾ إن السورة أو الآيات ﴿تذكرةٌ﴾ موعظة يجب الاتعاظ بها والعمل بموجبها
فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (١٢)
﴿فمن شاء ذكره﴾ فمن شاء ذكره وذكر الضمير لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ والمعنى فمن شاء الذكر ألهمه الله تعالى اياه
فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ (١٣)
﴿في صحف﴾ صفة لتذكرة أي أنها مثبتة في صحف منتسخة من اللوح أو خبر مبتدأ محذوف أي هي فى صحف ﴿مكرمة﴾ عنه الله
مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ (١٤)
﴿مَّرْفُوعَةٍ﴾ في السماء أو مرفوعة القدر والمنزلة ﴿مطهرة﴾ عن مس غير الملائكة أوعما ليس من كلام الله تعالى
بِأَيْدِي سَفَرَةٍ (١٥)
﴿بأيدي سفرةٍ﴾ كتبة جمع سافر أي الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح
كِرَامٍ بَرَرَةٍ (١٦)
﴿كِرَامٍ﴾ على الله أو عن المعاصي ﴿بررةٍ﴾ اتقياء جمع بار
قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (١٧)
﴿قتل الإنسان﴾ لعن الكافر أو هو أمية أو عتبة ﴿ما أكفره﴾ استفهام توبيخ أى أى شىء جمله على الكفر أوهو تعجب أي ما أشد كفره
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨)
﴿مِنْ أيِّ شيءٍ خَلَقَهُ﴾ من أي حقير خلقه وهو استفهام ومعناه التقرير ثم بين ذلك الشيء فقال
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩)
﴿مِن نُّطفةٍ خلقه فَقَدَّرَهُ﴾ على ما يشاء من خلقه
ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (٢٠)
﴿ثمّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ نصب السبيل بإضمار يسر أى ثم سهل
﴿ثم﴾
له سبيل الخروج من بطن أمه أو بين له سبيل الخير والشر
ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (٢١)
﴿ثمّ أمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ﴾ جعله ذا قبر يواري فيه لا كالبهائم كرامة له قبر الميت دفنه وأقبر الميت أمره بأن يقبره ومكنه منه
ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (٢٢)
﴿ثمّ إذا شاء أنشره﴾ أحياه بعد موته
كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (٢٣)
﴿كَلاَّ﴾ ردع للإنسان عن الكفر ﴿لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ﴾ لم يفعل هذا الكافر ما أمره الله به من الإيمان ولما عدد النعم في نفسه من ابتداء حدوثه إلى أن اتهامه أتبعه ذكر النعم فيما يحتاج إليه فقال
فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤)
﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾ الذي يأكله ويحيا به كيف دبرنا أمره
أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥)
﴿أَنَّا﴾ بالفتح كوفي على أنه بدل اشتمال من الطعام وبالكسر على الاستئناف غيرهم ﴿صَبَبْنَا الماءَ صبًّا﴾ يعني المطر من السحاب
ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)
﴿ثمّ شققنا الأرض شقًّا﴾ بالنبات
فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧)
﴿فأنبتنا فيها حبًّا﴾ كالبر والشعير وغيرهما مما يتغذى به
وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨)
﴿وعنباً﴾ ثمرة الكرم أي الطعام والفاكهة ﴿وَقَضْباً﴾ رطبة سمي بمصدر قضبه أي قطعه لأنه يقصب مرة بعد مرة
وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (٢٩)
﴿وزيتونا ونخلا﴾
وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠)
﴿وحدائق﴾ وبساتين ﴿غُلْباً﴾ غلاظ الأشجار جمع غلباء
وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)
﴿وفاكهةً﴾ لكم ﴿وأبًّا﴾ مرعى لدوابكم
مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (٣٢)
﴿مَّتَاعاً﴾ مصدر أي منفعة ﴿لّكم ولأنعامكم﴾
فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ (٣٣)
﴿فإذا جاءت الصاخة﴾ صيحة القيامة لأنها تصح الآذان أي
603
تصمها وجوابه محذوف لظهوره
604
يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥)
﴿يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وأُمِّهِ وأَبِيهِ﴾ لتبعات بينه وبينهم أو لاشتغاله بنفسه
وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦)
﴿وصاحِبَتِهِ﴾ وزوجته ﴿وَبَنِيهِ﴾ بدأ بالأخ ثم بالأبوين لأنهما أقرب منه ثم بالصاحبة ووالبنين لأنهم أحب قيل أول من يفر منأخيه هابيل ومن أبويه إبراهيم ومن صاحبته نوح ولوط ومن ابنه نوح
لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧)
﴿لكل امرئ مِّنهُمْ يَوْمَئذٍ شَأْنٌ﴾ في نفسه ﴿يُغنِيهِ﴾ يكفيه في الاهتمام به ويشغله عن غيره
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨)
﴿وجوهٌ يومئذٍ مُّسْفِرَةٌ﴾ مضيئة من قيام الليل أو من آثار الوضوء
ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩)
﴿ضَاحِكَةٌ مُّسْتَبْشِرَةٌ﴾ أي أصحاب هذه الوجوه وهم المؤمنون ضاحكون مسرورون
وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (٤٠)
﴿ووجوهٌ يومئذٍ عليها غبرةٌ﴾ غبار
تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (٤١)
﴿ترهقها قترة﴾ يعلو الغبار سواد كالدخان ولا ترى أوحش من اجتماع الغبرة والسواد في الوجه
أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (٤٢)
﴿أولئك﴾ أهل هذه الحالة ﴿هُمُ الْكَفَرَةُ﴾ في حقوق الله ﴿الفَجَرَةُ﴾ في حقوق العباد ولما جمعوا الفجور إلى الكفر جمع إلى سواد وجوههم الغبرة والله أعلم
604
سورة التكوير مكية وهي تسع وعشرون آية

بسم الله الرحمن الرحيم

605
Icon