ﰡ
﴿ص﴾ ذكر هذا الحرف من حروف المعجم على سبيل التحدي والتنبيه على الإعجاز ثم أتبعه القسم محذوف الجواب لدلالة التحدي عليه كأنه قال ﴿والقرآن ذِى الذكر﴾ أي ذي الشرف إنه لكلام معجز ويجوز أن يكون ص خبر مبتدأ محذوف على أنه اسم للسورة كأنه قال هذه ص أي هذه السورة التي أعجزت العرب والقرآن ذي الذكر كما تقول هذا حاتم والله تريد هذا المشهور بالسخاء والله وكذلك إذا أقسم بها كأنه قال أقسمت بص والقرآن ذِى الذكر إنه لمعجز ثم قال
﴿بَلِ الذين كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ﴾ تكبر عن الاذعان لذلك والاعتراف بالحق ﴿وشقاق﴾ خلاف الله ولرسوله والتنكير في عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ للدلالة على شدتهما وتفاقمهما وقرىء فى عزة أي في غفلة عما يجب عليهم من النظر واتباع الحق
﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ وعيد لذوي العزة والشقاق ﴿مِن قَبْلِهِمُ﴾ من قبل قومك ﴿مِّن قَرْنٍ﴾ من أمة ﴿فَنَادَوْاْ﴾ فدعوا واستغاثوا حين رأوا العذاب ﴿ولات﴾ هى
﴿وَعَجِبُواْ أَن جَآءَهُم﴾ من أن جاءهم ﴿مُّنذِرٌ منهم﴾ رسول من أنفسهم بنذرهم يعني استبعدوا أن يكون النبي من البشر ﴿وَقَالَ الكافرون هذا ساحر كَذَّابٌ أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا إِنَّ هذا لَشَىْءٌ عُجَابٌ﴾ ولم يقل وقالوا إظهار للغضب عليهم ودلالة على أن هذا القول لا يجسر عليه إلا الكافرون المتوغلون في الكفر المنهمكون في الغي إذ لا كفر أبلغ من أن يسموا من صدّقه الله كاذباً ساحراً ويتعجبوا من التوحيد وهو الحق الأبلج ولا يتعجبوا من الشرك وهو باطل لجلج وروى أن عمر رضى الله عنه لما أسلم فرح به المؤمنون وشق على قريش فاجتمع خمسة وعشرون نفساً من صناديدهم ومشوا إلى أبي طالب وقالوا أنت كبيرنا وقد علمت ما فعل هؤلاء السفهاء يريدون الذين دخلوا في الإسلام وجئناك لتقضي بيننا وبين ابن أخيك فاستحضر أبو طالب رسول الله ﷺ فقال يا ابن أخي هؤلاء قومك يسألونك
ص (١٠ - ٦)
السواء فلا تمل كل الميل على قومك فقال عليه السلام ماذا يسألونني فقالوا ارفضنا وارفض ذكر آلهتنا وندعك وإلهك فقال عليه السلام أتعطوني كلمة واحدة تملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم قالوا نعم وعشراً أي نعطيكها وعشر كلمات معها فقال قولوا لا إله إلا الله فقاموا وقالوا أَجَعَلَ الآلهة إلها واحدا أي أصيّر إِنَّ هذا الشىء عُجَابٌ أي
﴿وانطلق الملأ مِنْهُمْ أَنِ امشوا﴾ وانطلق أشراف قريش عن مجلس أبي طالب بعد ما بكتهم رسول الله ﷺ بالجواب العتيد قائلين بعضهم لبعض أَنِ امشوا وأن بمعنى أي لأن المنطلقين عن مجلس التقاول لابد لهم من أن يتكلموا ويتفاوضوا فيما جرى لهم فكان انطلاقهم متضمناً معنى القول ﴿وَاْصْبِرُواْ على﴾ عبادة ﴿آلهتكم إِنَّ هذا﴾ الأمر ﴿لَشَىْءٌ يُرَادُ﴾ أي يريده الله تعالى ويحكم بإمضائه فلا مرد له ولا ينفع فيه إلا الصبر أو إن هذا الأمر لشيء من نوائب الدهر يراد بنا فلا انفكاك لنا منه
﴿ما سمعنا بهذا﴾ التوحيد ﴿فِى الملة الآخرة﴾ في ملة عيسى التي هي آخر الملل لأن النصارى مثلثه غير موحدة أو في ملة قريش التي أدركنا عليها آباءنا ﴿إن هذا﴾ ماهذا ﴿إِلاَّ اختلاق﴾ كذب اختلقه محمد من تلقاء نفسه
﴿أأنزل عَلَيْهِ الذكر﴾ القرآن ﴿مِّن بَيْنِنَا﴾ أنكروا أن يختص بالشرف من بين أشرافهم وينزل عليه الكتاب من بينهم حسداً ﴿بْل هُمْ فَى شَكٍّ مِّن ذِكْرِى﴾ من القرآن ﴿بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ﴾ بل لم يذوقوا عذابي بعد فإذا ذاقوه زال عنهم مابهم من الشك والحسد حينئذ أي أنهم لا يصدقون به إلا أن يمسهم العذاب فيصدقون حينئذ
﴿أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ العزيز الوهاب﴾ يعنى ماهم بمالكي خزائن الرحمة حتى يصيبوا بها من شاءوا ويصرفوها عمن شاءوا ويتخيروا للنبوة بعض صناديدهم ويترفعوا بها عن محمد وإنما الذي يملك الرحمة وخزائنها العزيز القاهر على خلقه الوهاب الكثير المواهب المصيب بها مواقعها الذي يقسمها على ما تقتضيه حكمته ثم رشح هذا المعنى فقال
﴿أَمْ لَهُم مٌّلْكُ السماوات والارض وَمَا بَيَنَهُمَا﴾ حتى يتكلموا في الأمور الربانية
﴿جُندٌ﴾ مبتدأ ﴿مَّا﴾ صلة مقوية للنكرة المبتدأة ﴿هُنَالِكَ﴾ إشارة إلى بدر ومصارعهم أو إلى حيث وضعوا فيه
ص (١٧ - ١١)
أنفسهم من الانتداب لئل ذلك القول العظيم من قولهم لمن ينتدب لأمر ليس من أهله لست هُنَالِكَ خبر المبتدأ ﴿مهزوم﴾ مكسور ﴿من الأحزاب﴾ متعلق بجند أو بمهزوم يريد ماهم إلا جند من الكفار المتحزبين على رسول الله مهزوم عما قريب فلا تبال بما يقولون ولا تكترث لما به يهذون
﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ﴾ قبل أهل مكة ﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ نوحاً ﴿وَعَادٌ﴾ هوداً ﴿وَفِرْعَوْن﴾ موسى ﴿ذُو الأوتاد﴾ قيل كانت له أوتاد وحبال يلعب بها بين يديه وقيل يوتد من يعذب بأربعة أوتاد في يديه ورجليه
﴿وَثَمُودُ﴾ وهم قوم صالح صالحاً ﴿وَقَوْمُ لُوطٍ﴾ لوطا ﴿وأصحاب الأيكة﴾ الغيضة شعيباً ﴿أُوْلَئِكَ الأحزاب﴾ أراد بهذه الإشارة الإعلام بأن الأحزاب الذين جعل الجند المهزوم منهم هم هم وأنهم الذين وجد منهم التكذيب
﴿إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرسل﴾ ذكر تكذيبهم أولاً في الجملة الخبرية على وجه الإبهام حيث لم يبين المكذب ثم جاء بالجملة الاستثنائية فأوضحه فيها وبيّن المكذَّب وهم الرسل وذكر أن كل واحد من الأحزاب كذب جميع
﴿وَمَا يَنظُرُ هَؤُلآءِ﴾ وما ينتظر أهل مكة ويجوز أن يكون إشارة إلى جميع الأحزاب ﴿إِلاَّ صَيْحَةً واحدة﴾ أي النفخة الأولى وهي الفزع الأكبر ﴿مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ﴾ وبالضم حمزة وعلى أى مالها من توقف مقدار فواق وهو ما بين حلبتي الحالب أي إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان وعن ابن عباس رضى الله عنهما مالها من رجوع وترداد من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة وفواق الناقة ساعة يرجع الدر إلى ضرعها يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد
﴿وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا﴾ حظنا من الجنة لأنه عليه السلام ذكر وعد الله المؤمنين الجنة فقالوا على سبيل الهزء عجل لنا نصيبنا منها أو نصيبنا من العذاب الذى وعدته كقوله ويستعجلونك بالعذاب وأصل القط القسط من الشيء لأنه قطعة منه من قطه إذا قطعه ويقال لصحيفة الجائزة قط لأنها قطعة من القرطاس ﴿قَبْلَ يوم الحساب﴾
﴿اصبر على مَا يَقُولُونَ﴾ فيك وصن نفسك أن تزلّ فيما كلفت من مصابرتهم وتحمل أذاهم ﴿واذكر عبدنا داود﴾ وكرامته على الله كيف زل تلك الزلة اليسيرة فلقى من عقاب الله ما لقي ﴿ذَا الأيد﴾ ذا القوة فى الدين مما يدل على أن الأيد القوة في الدين قوله ﴿إنه أواب﴾ أى
ص (٢٢ - ١٨)
رجاح إلى مرضاة الله تعالى وهو تعليل لذي الأيد رُوي أنه كان يصوم يوماً ويفطر يوماً وهو أشد الصوم ويقوم نصف الليل
﴿إنّا سخّرنا﴾ ذللنا ﴿الجبال مَعَهُ﴾ قيل كان تسخيرها أنها تسير معه
﴿والطير مَحْشُورَةً﴾ وسخرنا الطير مجموعة من كل ناحية وعن ابن عباس رضى الله عنهما كان إذا سبح جاوبته الجبال بالتسبيح واجتمعت إليه الطير فسبحت فذلك حشرها ﴿كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ﴾ كل واحد من الجبال والطير لأجل داود أي لأجل تسبيحه مسبح لأنها كانت تسبح لتسبيحه ووضع الأواب موضع المسبح لأن الأواب وهو التواب الكثير الرجوع إلى الله وطلب مرضاته من عادته أن يكثر ذكر الله ويديم تسبيحه وتقديسه وقيل الضمير لله أي كل من داود والجبال والطير لله أواب أي مسبح مرجّع للتسبيح
﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ﴾ قويناه قيل كان يبيت حول محرابه ثلاثة وثلاثون ألف رجل يحرسونه ﴿وآتيناه الحكمة﴾ الزبور وعلم الشرائع وقيل كل كلام وافق الحق فهو حكمة ﴿وَفَصْلَ الخطاب﴾ علم القضاء وقطع الخصام والفصل بين الحق والباطل والفصل هوالتمييز بين الشيئين وقيل للكلام البين فصل بمعنى المفصول كضرب الأمير وفصل الخطاب البين من الكلام الملخص الذي يتبينه من يخاطب به لا يلتبس عليه وجاز أن يكون الفصل بمعنى الفاصل كالصوم والزور والمراد بفصل الخطاب الفاصل من الخطاب الذي يفصل بين الصحيح والفاسد والحق والباطل وهو كلامه في القضايا والحكومات وتدابير الملك والمشورات وعن على رضى الله
﴿وهل أتاك نبأ الخصم﴾ ظاهره الاستفهام ومعناه الدلالة على أنه من الأنباء العجيبة والخصم الخصماء وهو يقع على الواحد والجمع لأنه مصدر في الأصل تقول خصمه خصماً وانتصاب ﴿إِذْ﴾ بمحذوف تقديره وهل أتاك نبأ تحاكم الخصم أو بالخصم لما فيه من معنى الفعل ﴿تَسَوَّرُواْ المحراب﴾ تصعدوا سوره ونزلوا إليه والسور الحائط المرتفع والمحراب الغرفة أو المسجد أو صدر المسجد
﴿إِذْ﴾ بدل من الأولى ﴿دَخَلُواْ على دَاوُدَ ففزع منهم﴾ روى أن الله
ص (٢٣ - ٢٢)
تعالى بعث إليه ملكين في صورة إنسانين فطلبا أن يدخلا عليه فوجداه في يوم عبادته فمنعهما الحرس فتسورا عليه المحراب فلم يشعر إلا وهما بين يديه جالسان ففزع منهم لأنهم دخلوا عليه المحراب في غير يوم القضاء ولأنهم نزلوا عليه من فوق وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه ﴿قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ﴾ خبر مبتدأ محذوف أي نحن خصمان ﴿بغى بَعْضُنَا على بَعْضٍ﴾ تعدى وظلم ﴿فاحكم بَيْنَنَا بالحق وَلاَ تُشْطِطْ﴾ ولا تجر من الشطط وهو مجاوزة الحد وتخطى الحق ﴿واهدنا إلى سواء الصراط﴾ وارشدنا الا وسط الطريق ومحجته والمراد عين الحق ومحضه رُوي أن أهل زمان داود عليه السلام كان يسأل بعضهم بعضاً أن ينزل له عن امرأته فيتزوجها إذا أعجبته وكان لهم عادة في المواساة بذلك وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك فاتفق أن داود عليه السلام وقعت عينه على امرأة
﴿إِنَّ هَذَا أَخِى﴾ هو بدل من هذا او خبر لان والمراد أخوة الدين أو إخوة الصداقة والألفة أو أخوة الشركة والخلطة لقوله وَإِنَّ كَثِيراً مّنَ
ص (٢٦ - ٢٤)
بالخطاب ممخاطبة المحاج المجادل أو أراد خطبت المرأة وخطبها هو فخاطبني خطاباً أي غالبني في الخطبة فغلبني حيث زوجها دوني ووجه التمثيل أن مثلت قصة أوريا مع داود بقصة رجل له نعجة واحدة ولخليطه تسع وتسعون فأراد صاحبه تتمة المائة فطمع في نعجة خليطة وأراد على الخروج من ملكها إليه وحاجّة في ذلك محاجة حريص على بلوغ مراده وإنما كان ذلك على وجه التحاكم إليه ليحكم بما حكم به من قوله
﴿قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ﴾ حتى يكون محجوجاً بحكمه وهذا جواب قسم محذوف وفي ذلك استنكار لفعل خليطه والسؤال مصدر مضاف إلى المفعول وقد ضمن معنى الإضافة فعدي تعديتها كأنه قيل بإضافة نعجتك إلى نعاجه على وجه السؤال والطلب وإنما ظلم الآخر بعد ما اعترف به خصمه ولكنه لم يحك في القرآن لأنه معلوم ويُروى أنه قال أنا أريد أن آخذها منه وأكمل نعاجي مائة فقال داود إن رمت ذلك ضربنا
﴿فَغَفَرْنَا لَهُ ذلك﴾ أي زلته ﴿وَإِنَّ لَهُ عندنا لزلفى﴾ لقربة ﴿وحسن مآب﴾ مرجع وهو الجنة
﴿يا داود إِنَّا جعلناك خَلِيفَةً فِى الأرض﴾ أي استخلفناك على الملك في الأرض أو جعلناك خليفة ممن كان قبلك من الأنبياء القائمين بالحق وفيه دليل على أن حاله بعد التوبة بقيت على ما كانت عليه لم تتغير ﴿فاحكم بَيْنَ الناس بالحق﴾ أي بحكم الله ان كنت خليفته أو بالعدل ﴿وَلاَ تَتَّبِعِ الهوى﴾ أى هوى النفس فى قضائك
ص (٣١ - ٢٦)
﴿فَيُضِلَّكَ﴾ الهوى ﴿عَن سَبِيلِ الله إِنَّ الذين يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ دينه ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ الحساب﴾ أي بنسيانهم يوم الحساب
﴿وَمَا خَلَقْنَا السمآء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ من الخلق باطلا خلقا باطلا لا لحمة بالغة أو مبطلين عابثين كقوله وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ وتقديره ذوي باطل أو عبثاً فوضع باطلا موضعه أي ما خلقناهما وما بينهما للعبث واللعب ولكن للحق المبين وهو أنا خلقنا نفوساً أودعناها العقل ومنحناها التمكين وأزحنا عللها ثم عرضناها للمنافع العظيمة بالتكليف وأعددنا لها عاقبة وجزاءً على حسب أعمالهم ﴿ذلك﴾ إشارة إلى خلقها باطلاً ﴿ظَنُّ الذين كَفَرُواْ﴾ الظن بمعنى المظنون أي خلقها للعبث لا للحكمة هو مظنون الذين كفروا وإنما جعلوا ظانين أنه خلقها للعبث لا للحكمة مع إقرارهم بأنه خالق السموات والأرض وما بينهما لقوله وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خلق السموات والأرض ليقولن الله لأنه لما كان إنكارهم للبعث والحساب والثواب والعقاب مؤدياً إلى أن خلقها عبث وباطل جعلوا كأنهم يظنون ذلك ويقولونه لأن الجزاء هو الذي سبقت إليه الحكمة في خلق العالم فمن جحده فقد جحد الحكمة في خلق العالم ﴿فَوَيْلٌ لّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار﴾
﴿أم نجعل الذين آمنوا وَعَمِلُواْ الصالحات كالمفسدين فِى الأرض أَمْ نَجْعَلُ المتقين كالفجار﴾ أم منقطعة ومعنى الاستفهام فيها الإنكار والمراد أنه لو بطل الجزاء كما يقول الكفار لاستوت أحوال من أصلح وأفسد واتقى وفجر ومن سوّى بينهم كان سفيهاً ولم يكن حكيماً
﴿كِتَابٌ﴾ أي هذا كتاب ﴿أنزلناه إِلَيْكَ﴾ يعني القرآن ﴿مبارك﴾ صفة أخرى ﴿ليدبروا آياته﴾ وأصله ليتدبروا قرىء به ومعناه ليتفكروا فيها فيقفوا على ما فيه ويعملوا به وعن الحسن قد قرأ هذا القرآن عبيد وصبيان لا علم لهم بتأويله حفظوا حروفه وضيعوا حدوده لتدبروا
﴿ووهبنا لداود سليمان نِعْمَ العبد﴾ أي سليمان وقيل داود وليس بالوجه فالمخصوص بالمدح محذوف ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ وعلل كونه ممدوحاً بكونه أواباً أي كثير الرجوع إلى الله تعالى
﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ﴾ على سليمان ﴿بالعشى﴾ بعد الظهر ﴿الصافنات﴾ الخيول القائمة على ثلاث قوائم وقد أقامت الأخرى على طرف حافر ﴿الجياد﴾ السراع جمع جواد لأنه يجود بالركض وصفها بالصفون لأنه لا يكون فى الهجان
ص (٣٥ - ٣٢)
إنما هو فى العراب وقيل وصفها بالصفون والجودة ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة وجارية يعني إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنة في مواقفها وإذا جرت كانت سراعاً خفافاً في جريها وقيل الجياد الطوال الأعناق من الجيد ورُوي أن سليمان عليه السلام غزا أهل دمشق ونصيبين فأصاب ألف فرس وقيل ورثها من أبيه وأصابها أبوه من العمالقة وقيل خرجت من البحر لها أجنحة فقعد يوما بعد ما صلى الظهر على كرسيه واستعرضها فلم تزل تعرض عليه حتى غربت الشمس وغفل عن العصر وكانت فرضاً عليه فاغتم لما فاته فاستردها وعقرها تقربا لله فبقى مائة فما في أيدي الناس من الجياد فمن نسلها وقيل لما عقرها أبدله الله خيراً منها وهي الريح تجري بأمره
﴿فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الخير عَن ذِكْرِ رَبِىِّ﴾ أي آثرت حب الخيل عن ذكر ربي كذا عن الزجاج فأحببت بمعنى آثرت كقوله تعالى فاستحبوا العمى على الهدى وعن بمعنى على وسمى الخيل خيراً كأنها نفس الخير لتعلق الخير بها كما قال عليه السلام الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة وقال أبو علي أحببت بمعنى
﴿رُدُّوهَا عَلَىَّ﴾ أي قال للملائكة ردوا الشمس علي لأصلي العصر فردت الشمس له وصلى العصر أو ردوا الصافنات ﴿فَطَفِقَ مَسْحاً بالسوق والأعناق﴾ فجعل يمسح مسحاً أي يمسح السيف بسوقها وهي جمع ساق كدار ودور وأعناقها يعني يقطعها لأنها منعته عن الصلاة تقول مسح علاوته إذا ضرب عنقه ومسح السفر الكتاب إذا قطع أطرافه بسيفه وقيل إنما فعل ذلك كفارة لها أو شكراً لرد الشمس وكانت الخيل مأكولة في شريعته فلم يكن إتلافاً وقيل مسحها بيده استحساناً لها وإعجابا بها
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سليمان﴾ ابتليناه ﴿وَأَلْقَيْنَا على كُرْسِيِّهِ﴾ سرير ملكه جسدا ثم أناب رجع الله قيل فتن سليمان بعد ما مالك عشرين سنة وملك بعد الفتنة عشرين سنة وكان من فتنة أنه ولد له ابن فقالت الشياطين إن عاش لم ننفك من السخرة فسبيلنا أن نقتله أو نخله فعلم ذلك سليمان عليه السلام فكان يغذوه في السحابة خوفا من مضرة الشياطين فألقى ولده ميتاً على كرسيه فتنبه على زلته في أن لم يتوكل فيه على ربه وروى عن النبى ﷺ قال سليمان لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة منهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل إن شاء الله فطاف عليهن فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل فجيء به على كرسيه
﴿قَالَ رَبِّ اغفر لِى وَهَبْ لِى مُلْكاً﴾ قدم الاستغفار على استيهاب الملك جرياً على عادة الأنبياء
عليهم السلام والصالحين في تقديم الاستغفار على السؤال لاَّ يَنبَغِى لا يتسهل ولا يكون لأَِحَدٍ مّن بَعْدِى أي دوني وبفتح الياء مدنى وأبو عمر وإنما سأل بهذه الصفة ليكون معجزة له لأحسدا وكان قبل ذلك لم يسخر له الريح والشياطين فلما دعا بذلك سخرت له الريح والشياطين ولن يكون معجزة حتى يخرق العادات ﴿إِنَّكَ أَنتَ الوهاب﴾
﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح﴾ الرياح أبو جعفر تَجْرِى حال من الريح بأمره سليمان رُخَآءَ لينة طيبة لا تزعزع وهو حال من ضمير تَجْرِى حَيْثُ ظرف تَجْرِى أصاب قصد وأرد والعرب تقول أصاب الصواب فاخطأ الجواب
﴿والشياطين﴾ عطف على الريح أي سخرنا له الشياطين ﴿كُلَّ بَنَّآءٍ﴾ بدل من الشياطين كانوا يبنون له ما شاء من الأبنية وَغَوَّاصٍ أى ويغصون له في البحر لإخراج اللؤلؤ وهو أول من استخرج اللؤلو من البحر والمعنى وسخرنا له كل بناء وغواص من الشياطين
﴿وآخرين﴾ عطف على كُلَّ بَنَّاء داخل في حكم البدل ﴿مُّقَرَّنِينَ فِى الأصفاد﴾ وكان يقرن مردة الشياطين بعضهم مع بعض في القيود والسلاسل للتأديب والكف عن الفساد والصفد القيد وسمي به العطاء لأنه ارتباط للمنعم عليه ومنه قول على رضى الله عنه من برك فقد أسرك ومن جفاك فقد أطلقك
﴿هذا﴾ الذي أعطيناك من الملك والمال والبسطة عَطَآؤُنَا فامنن فأعط منه ما شئت من المنة وهي العطاء أَوْ أَمْسِكْ عن العطاء وكان إذا أعطى أجر وإن منع لم يأثم بخلاف غيره بغير حساب متعلق بعطاؤنا وقيل هو حال أي هذا عطاؤنا جماً كثيراً لا يكاد يقدر على حصره أو هذا التسخير عطاؤنا فامنن على ما شئت من الشياطين بالإطلاق أو أمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب أي لاحساب عليك في ذلك
﴿وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب﴾ لزلفى اسم إن والخبر لَهُ والعامل في عند الخبر
﴿واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ﴾ هو بدل من عَبْدَنَا أو عطف بيان ﴿إِذْ﴾ بدل اشتمال منه ﴿نادى ربه﴾ دعاه ﴿أني مسني﴾ بأبي مسني حكاية لكلامة الذي ناداه بسببه ولو لم يحك لقال بأنه مسه لأنه غائب ﴿الشيطان بِنُصْبٍ﴾ قراءة العامة بِنُصُب يزيد تثقيل نصب ينصب كرشد ورشد يعقوب بِنصب على أصل المصدر هبيرة والمعنى واحد وهو التعب والمشقة ﴿وَعَذَابٍ﴾ يريد مرضه وما كان يقاسي فيه من أنواع الوصب وقيل أراد ما كان يوسوس به إليه فى مرضه من تعظيم مانزل به من البلاء ويغريه على الكراهة والجزع فالتجأ إلى الله في أن يكفيه ذلك بكشف البلاء أو بالتوفيق في دفعه ورده بالصبر الجميل ورُوي أنه كان يعوده ثلاثة من المؤمنين فارتد أحدهم فسأل عنه فقيل ألقى إليه الشيطان أن الله لا يبتلي الأنبياء والصالحين وذكر في سبب بلائه أنه ذبح شاة فأكلها وجاره جائع أو رأى منكراً فسكت عنه أو ابتلاه الله لرفع الدراجات بلا زلة سبقت منه
﴿اركض برجلك﴾
حكاية ما أجيب به أيوب عليه السلام أي أرسلنا
﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَّعَهُمْ﴾ قيل أحياهم الله تعالى بأعيانهم وزاده مثلهم ﴿رَحْمَةً مّنَّا وذكرى لأُِوْلِى الألباب﴾ مفعول لهما أي الهبة كانت للرحمة له ولتذكير أولى الألباب لأنهم إذا سمعوا بما أنعمنا به عليه لصبره رغبهم في الصبر على البلاء
﴿وَخُذْ﴾ معطوف على اركض ﴿بِيَدِكَ ضِغْثاً﴾ حزمة صغيرة من حشيش أو ريحان أو غير ذلك وعن ابن عباس رضى الله عنهما قبضة من الشجر ﴿فاضرب بِهِ وَلاَ تَحْنَثْ﴾ وكان حلف في مرضه ليضربن امرأته مائة إذا برأ فحلل الله يمينه بأهون شيء عليه وعليها لحسن خدمتها إياه وهذه الرخصة باقية ويجب أن يصيب المضروب كل واحدة من المائة والسبب في يمينه أنها أبطأت عليه ذاهبة فى حاجة فخرج صدره وقيل باعت ذؤابتيها برغيفين وكانتا متعلق أيوب عليه السلام إذا قام ﴿إِنَّا وجدناه﴾ علمناه ﴿صَابِراً﴾ على البلاء نعم قد شكا إلى الله مابه واسترحمه لكن الشكوى إلى الله لا تسمى جزعاً فقد قال يعقوب عليه السلام إِنَّمَا أشكو بني وحزنى إلى الله على أنه عليه السلام كان يطلب الشفاء خيفة على قومه من الفتنة حيث كان الشيطان يوسوس إليهم أنه لو كان نبياً لما ابتلي بمثل ما ابتلي به وإرادة القوة على الطاعة فقد بلغ أمره إلى أن لم يبق منه إلا القلب واللسان ﴿نِعْمَ العبد﴾ أيوب ﴿إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾
﴿واذكر عِبَادَنَا﴾ عَبْدَنَا مكي ﴿إبراهيم وإسحاق وَيَعْقُوبَ﴾ فمن جمع فإبراهيم ومن بعده عطف بيان على عِبَادِنَا ومن وحد فإبراهيم وحده عطف بيان له ثم عطف ذريته على عَبْدَنَا ولما كانت أكثر الأعمال تباشر بالأيدي غلبت فقيل في كل عمل هذا مما عملت أيديهم وإن كان عملاً لا تتأتى فيه المباشرة بالأيدي أو كان العمال جذماء لا أيدي لهم وعلى هذا ورد قوله ﴿أُوْلِى الأيدى والأبصار﴾ أي أولي الأعمال الظاهرة والفكر الباطنة كأن الذين لا يعملون أعمال الآخرة ولا يجاهدون في الله ولا يتفكرون أفكار ذوى الديات في حكم الزمني الذين لا يقدرون على إعمال جوارحهم والمسلوبي العقول الذين لا استبصار لهم وفيه تعريض بكل من لم يكن من عمال الله ولا من المستبصرين في دين الله وتوبيخ على تركهم المجاهدة والتأمل مع كونهم متمكنين منهما
﴿إِنَّا أخلصناهم﴾ جعلناهم لنا خالصين ﴿بِخَالِصَةٍ﴾ بخصلة خالصة لا شوب فيها ﴿ذِكْرَى الدار﴾ ذِكْرِى فى محل النصب
ص (٥٤ - ٤٧)
أو الرفع بإضمار أعني أو هي أو الجر على البدل من خَالِصَة والمعنى إنا أخلصناهم بذكرى الدار والدار هنا الدار الآخرة يعني جعلناهم لنا خالصين بأن جعلناهم يذكرون الناس الدار الآخرة ويزهدونهم فى الدنيا كما هو دين الأنبياء عليهم السلام أو معناه أنهم يكثرون ذكر الآخرة والرجوع إلى الله وينسون ذكر الدنيا بخالصة ذكرى الدار على الإضافة مدني ونافع وهى من إضافة الشىء إلى مايبينه لأن الخالصة تكون ذكرى وغير ذكرى وذكرى مصدر مضاف إلى المفعول أي بإخلاصهم ذكرى الدار وقيل خالصة بمعنى خلوص فهي مضافة إلى الفاعل أي بأن خلصت لهم ذكرى الدار على أنهم لا يشوبون ذكرى الدار بِهمٍ آخر إنما همهم ذكرى الدار لا غير وقيل ذكرى الدار الثناء الجميل في الدنيا وهذا شيء قد أخلصهم به فليس يذكر غيرهم في الدنيا بمثل ما يذكرون به يقويه قوله وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عليا
﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ المصطفين﴾ المختارين من بين أبناء جنسهم ﴿الأخيار﴾ جمع خير أو خير على التخفيف كأموات في جمع ميت أو ميت
﴿واذكر إسماعيل واليسع﴾ كأن حرف التعريف دخل على يسع ﴿وَذَا الكفل وَكُلٌّ﴾ التنوين عوض عن المضاف إليه أي وكلهم ﴿مِّنَ الأخيار﴾
﴿هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب﴾ أي هذا شرف وذكر جميل يذكرون به أبداً وإن لهم مع ذلك لحسن مرجع يعني يذكرون في الدنيا بالجميل ويرجعون في الآخرة إلى مغفرة رب جليل ثم بين كيفية حسن ذلك المرجع فقال
﴿جنات عدن﴾ بدل من حسن مآب ﴿مُّفَتَّحَةً﴾ حال من جنات لأنها معرفة لإضافتها إلى عَدْنٍ وهو علم والعامل فيها ما في لّلْمُتَّقِينَ من معنى الفعل ﴿لَّهُمُ الأبواب﴾ ارتفاع الأبواب بأنها فاعل مُّفَتَّحَةً والعائد محذوف أي مفتحة لهم الأبواب منها فحذف كما حذف في قوله فَإِنَّ الجحيم هِىَ المأوى أي لهم أو أبوابها إلا أن الأول أجود أو هي بدل من الضمير في مُّفَتَّحَةً وهو ضمير الجنات تقديره مفتحة هي الأبواب وهو من بدل الاشتمال
﴿متكئين﴾ حال من المحرور في لَهُمْ والعامل مُّفَتَّحَةً ﴿فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بفاكهة كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ﴾ أي وشراب كثير فحذف اكتفاء بالأول
﴿وَعِندَهُمْ قاصرات الطرف﴾ أي قصرن طرفهن على أزواجهن ﴿أتراب﴾ لذات أسنانهن كأسنانهم لأن التحاب بين الأقران أثبت كأن اللذات سمين أتراباً لأن التراب مسهن في وقت واحد
﴿هذا ما توعدون﴾ وبالياء مكى وأبو عمرو ﴿لِيَوْمِ الحساب﴾ أي ليوم تجزى كل نفس بما عملت
﴿إِنَّ هذا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ﴾ من انقطاع والجملة حال من الرزق والعامل الاشارة
﴿هذا﴾ خبر والمبتدأ محذوف أي الأمر هذا أو هذا كما ذكر
ص (٦٣ - ٥٥)
﴿وَإِنَّ للطاغين لَشَرَّ مَأَبٍ﴾ مرجع
﴿جَهَنَّمَ﴾ بدل منه ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ يدخلونها ﴿فَبِئْسَ المهاد﴾ شبه ما تحتهم من النار بالمهاد الذي يفترشه النائم
﴿هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ أي هذا حميم وغساق فليذوقوه فهذا مبتدأ وحميم خبره وغساق عطف على الخبر فليذوقوه اعتراض أو العذاب هذا فليذوقوه ثم ابتدأ فقال هو حميم وَغَسَّاقٌ بالتشديد حمزة وعلي وحفص والغساق بالتشديد والتخفيف ما يغسق من صديد أهل النار يقال غسقت العين إذا سال دمعها وقيل الحميم يحرق بحره والغساق يحرق ببرده
﴿وآخر﴾ أي وعذاب آخر أو مذوق آخر ﴿مِن شَكْلِهِ﴾ من مثل العذاب المذكور وأَخر بصري أي ومذوقات أخر من شكل هذا المذوق فى الشدة والفظاعة ﴿أزواج﴾ صفة لآخر لأنه يجوز أن يكون ضروباً
﴿هذا فَوْجٌ مُّقْتَحِمٌ مَّعَكُمْ﴾ هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار أي دخل النار في صحبتكم والاقتحام الدخول في الشيء بشدة والقحمة الشدة وهذه حكاية كلام الطاغين بعضهم مع بعض أي يقولون هذا والمراد بالفوج اتباعهم الذين اقتحموا معهم الضلالة فيقتحمون معهم العذاب ﴿لاَ مَرْحَباً بِهِمْ﴾ دعاء منهم على أتباعهم تقول لمن تدعو له مرحباً أي أتيت رحباً من البلاد لا ضيقا أو رحبت بلادك رحبائم تدخل عليه لا في
﴿قَالُواْ﴾ أي الأتباع ﴿بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ﴾ أي الدعاء الذي دعوتم به علينا أنتم أحق به وعللوا ذلك بقوله ﴿أَنتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا﴾ والضمير للعذاب أو لصليهم أي انكم دعوتمونا إليه فكفرنا باتباعكم ﴿فَبِئْسَ القرار﴾ أى النار
﴿قَالُواْ﴾ أي الأتباع ﴿رَبَّنَا مَن قَدَّمَ لَنَا هذا فَزِدْهُ عَذَاباً ضِعْفاً﴾ أي مضاعفاً ﴿فِى النار﴾ ومعناه ذا ضعف ونحوه قوله رَبَّنَا هؤلاء أضلونا فآتهم عَذَابًا ضِعْفًا وهو أن يزيد على عذابه مثله
﴿وَقَالُواْ﴾ الضمير لرؤساء الكفرة ﴿مَا لَنَا لاَ نرى رِجَالاً﴾ يعنون فقراء المسلمين ﴿كُنَّا نَعُدُّهُمْ﴾ في الدنيا ﴿مِّنَ الأشرار﴾ من الأرذال الذين لا خير فيهم ولاجدوى
﴿اتخذناهم سِخْرِيّاً﴾ بلفظ الإخبار عراقي غير عاصم على أنه صفة لرجالا مثل كُنَّا نَعُدُّهُمْ مّنَ الأشرار وبهمزة الاستفهام غيرهم على أنه إنكار على أنفسهم في الاستسخار منهم سُخرِياً مدني وحمزة وعلي وخلف والمفضل ﴿أَمْ زَاغَتْ﴾ مالت ﴿عَنْهُمُ الأبصار﴾ هو متصل بقوله
ص (٧٢ - ٦٤)
مالنا أي ما لنا لا نراهم في النار كأنهم ليسوا فيها بل أزاغت عنهم
﴿إِنَّ ذلك﴾ الذي حكينا عنهم ﴿لَحَقٌّ﴾ لصدق كائن لا محالة لا بد أن يتكلموا به ثم بين ماهو فقال هو تَخَاصُمُ أَهْلِ النار ولما شبه تقاولهم ومايجرى بينهم من السؤال والجواب بما يجري بين المتخاصمين سماه تخاصماً ولأن قول الرؤساء لاَ مَرْحَباً بِهِمْ وقول أتباعهم بَلْ أَنتُمْ لاَ مَرْحَباً بِكُمْ من باب الخصومة فسمى التقاول كله تخاصماً لاشتماله على ذلك
﴿قُلْ﴾ يا محمد لمشركي مكة ﴿إِنَّمَا أَنَاْ مُنذِرٌ﴾ ما أنا إلا رسول منذر أنذركم عذاب الله تعالى ﴿وَمَا مِنْ إله إِلاَّ الله﴾ وأقول لكم إن دين الحق توحيد الله وأن تعتقدوا أن لا إله إلا الله ﴿الواحد﴾ بلا ند ولاشريك ﴿القهار﴾ لكل شيء
﴿رَّبُّ السماوات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ له الملك والربوبية في العالم كله ﴿العزيز﴾ الذي لا يغلب إذا عاقب ﴿الغفار﴾ لذنوب من التجأ إليه
﴿قُلْ هُوَ﴾ أي هذا الذي أنبأتكم به من كوني رسولاً منذراً وأن الله واحد لا شريك له ﴿نبأ عظِيمٌ﴾ لا يعرض عن مثله إلا غافل شديد الغفلة ثم
﴿أَنتُمْ عَنْهُ مُعْرِضُونَ﴾ غافلون
﴿مَا كَانَ لِىَ﴾ حفص ﴿مِنْ عِلْمٍ بالملإ الأعلى إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ احتج لصحة نبوته بأن ما ينبىء به عن الملإ الأعلى واختصامهم أمر ما كان له به من علم قط ثم علمه ولم يسلك الطريق الذي يسلكه الناس فى علم مالم يعلموا وهو الأخذ من أهل العلم وقراءة الكتب فعلم أن ذلك لم يحصل له إلا بالوحي من الله تعالى
﴿إِن يوحى إِلَىَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ أي لأنما أنا نذير مبين ومعناه
﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ﴾ بدل من إِذْ يَخْتَصِمُونَ أي في شأن آدم حين قال تعالى على لسان ملك ﴿للملائكة إِنِّى خالق بَشَراً مِّن طِينٍ﴾ وقال إِنّي جَاعِلٌ فِى الأرض خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا
﴿فإذا سويته﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ فإذا أتممت خلقته وعدلته ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾
الذي خلقته وأضافه إليه تخصيصاً كبيت الله وناقة الله والمعنى أحييته وجعلته حساساً متنفساً ﴿فَقَعُواْ﴾ أمر من وقع يقع أي اسقطوا على الأرض والمعنى اسجدوا ﴿لَهُ ساجدين﴾ قيل كان انحناء يدل على التواضع وقيل كان سجدة لله أو كان سجدة التحية
﴿فَسَجَدَ الملائكة كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ﴾ كل للإحاطة وأجمعون للاجتماع فأفاد أنهم سجدوا عن آخرهم جميعهم في وقت واحد غير متفرقين في أوقات
﴿إلا إبليس استكبر﴾ تعظيم عن السجود وَكَانَ مِنَ الكافرين وصار من الكافرين بإباء الأمر
﴿قال يا إبليس مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ﴾ ما منعك عن السجود ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَىَّ﴾
﴿قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ﴾ يعني لو كان مخلوقاً من نار لما سجدت له لأنه مخلوق مثلي فكيف أسجد لمن هو دوني لأنه من طين والنار تغلب الطين وتأكله وقد جرت الجملة الثانية من الأولى وهى خلقتي مِن نَّارٍ مجرى المعطوف عطف البيان والإيضاح
﴿قَالَ فاخرج مِنْهَا﴾ من الجنة أو من السموات أو من الخلقة التي أنت فيها لأنه كان يفتخر بخلقته فغير الله خلقته واسود بعد ما كان أبيض وقبح بعد ما كان حسنا واظلم بعد ما كان نورانياً ﴿فَإِنَّكَ رَجِيمٌ﴾ مرجوم أي مطرود تكبر إبليس أن يسجد لمن خلق من طين وزل عنه أن الله أمر به ملائكته واتبعوا أمره إجلالاً لخطابه وتعظيماً لأمره فصار مرجوماً ملعوناً بترك أمره
﴿وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِى﴾ بفتح الياء مدني أي إبعادي من كل الخير ﴿إلى يَوْمِ الدين﴾ أي يوم الجزاء ولا يظن أن لعنته غايتها يوم الدين ثم تنقطع لأن معناه أن عليه اللعنة في الدنيا وحدها فإذا كان يوم الدين اقترن بها العذاب فينقطع الانفراد أو لما كان عليه اللعنة في أوان الرحمة فأولى أن تكون عليه في غير أوانها وكيف تنقطع وقد قال الله تعالى فَأَذَّنَ مُؤَذّنٌ بَيْنَهُمْ أَن
﴿قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِى﴾ فأمهلني ﴿إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾
﴿قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ المنظرين﴾
﴿إلى يَوْمِ الوقت المعلوم﴾ الوقت المعلوم الوقت الذي تقع فيه النفخة الأولى ويومه اليوم الذى هو وقت النفخة جزء من أجزائه ومعنى
ص (٨٨ - ٨٢)
الزمر (٢ - ١)
المعلوم أنه معلوم عند الله معين لا يتقدم ولا يتأخر
﴿قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أي أقسم بعزة الله وهي سلطانه وقهره
﴿إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين﴾ وبكسر اللام مكي وبصرى وشامى
﴿قَالَ فالحق﴾ بالرفع كوفي غير عليّ على الابتداء أى الحق منى أو على الخبر أي أنا الحق وغيرهم بالنصب على أنه مقسم به كقوله الله لأفعلن كذا يعني حذف عنه الباء فانتصب وجوابه لأَمْلاَنَّ ﴿والحق أَقُولُ﴾ اعتراض بين المقسم به والمقسم عليه وهو منصوب بأقول ومعناه ولاأقول إلا الحق والمراد بالحق اما اسمه عز وجل الذي في قوله أَنَّ الله هُوَ الحق أو الحق الذي هو نقيض الباطل عظمه الله بإقسامه به
﴿لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ﴾ من جنسك وهم الشياطين ﴿وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ من ذرية آدم ﴿أَجْمَعِينَ﴾ أي لأملأن جهنم من المتبوعين والتابعين أجمعين لا أترك منهم أحدا
﴿قل ما أسألكم عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ﴾ الضمير للقرآن أو للوحي ﴿وَمَا أَنَا مِنَ المتكلفين﴾ من الذين يتصنعون ويتحللون بما ليسوا من أهله وما عرفتموني قط متصنعاً ولا مدعياً بما ليس عندي حتى أنتحل النبوة وأتقول القرآن
﴿إِنْ هُوَ﴾ ما القرآن ﴿إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ من الله ﴿للعالمين﴾ للثقلين أوحى إليّ فأنا أبلغه
﴿ولتعلمن نبأه﴾ نبأ القرآن ومافيه من الوعد والوعيد وذكر البعث والنشور ﴿بَعْدَ حِينِ﴾ بعد الموت أو يوم بدر أو يوم القيامة ختم السورة بالذكر كما افتتحها بالذكر والله الموفق
بسم الله الرحمن الرحيم