تفسير سورة فصّلت

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد
تفسير سورة سورة فصلت من كتاب البحر المديد في تفسير القرآن المجيد .
لمؤلفه ابن عجيبة . المتوفي سنة 1224 هـ
سورة فصلت
وهي ثلاث وخمسون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ [ غافر : ٨٣ ] مع قوله :﴿ تنزيل من الرحمان الرحيم ﴾، فكانت قريش من جملة المستهزئين بالقرآن، وتقول ﴿ والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].

فبين أنه منزل من الرحمان الرحيم، كما قال تعالى :
بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ حم ﴾ * ﴿ تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ ﴾ * ﴿ كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾ * ﴿ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ * ﴿ وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ ﴾ * ﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَآ إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُواْ إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ﴾ * ﴿ الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴾ * ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾.
قلت :﴿ تنزيل ﴾ : خبر عن مضمر، أي : هذا تنزيل. و﴿ كتاب ﴾. بدل من ﴿ تنزيل ﴾، أو : خبر بعد خبر، و﴿ تنزيل ﴾ : مبتدأ. و﴿ من الرحمان ﴾ : صفة، و﴿ كتاب ﴾. خبره، و﴿ قرآناً ﴾ : منصوب على الاختصاص والمدح، أو : حال، أي : فُصِّلت آياته في حال كونه قرآناً. و﴿ لقوم ﴾ : متعلق بفُصِّلت، أو : صفة، مثل ما قبله وما بعده، أي : قرآناً عربياً كائناً لقوم يعلمون. و﴿ بشيراً ونذيراً ﴾ : صفتان لـ " قرآناً ".
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ حم ﴾ ؛ يا محمد هذا ﴿ تنزيلٌ من الرحمان الرحيم ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
قلت :﴿ تنزيل ﴾ : خبر عن مضمر، أي : هذا تنزيل. و﴿ كتاب ﴾. بدل من ﴿ تنزيل ﴾، أو : خبر بعد خبر، و﴿ تنزيل ﴾ : مبتدأ. و﴿ من الرحمان ﴾ : صفة، و﴿ كتاب ﴾. خبره، و﴿ قرآناً ﴾ : منصوب على الاختصاص والمدح، أو : حال، أي : فُصِّلت آياته في حال كونه قرآناً. و﴿ لقوم ﴾ : متعلق بفُصِّلت، أو : صفة، مثل ما قبله وما بعده، أي : قرآناً عربياً كائناً لقوم يعلمون. و﴿ بشيراً ونذيراً ﴾ : صفتان لـ " قرآناً ".
﴿ تنزيلٌ ﴾، قاله القشيري : أي : بحقي وحياتي ومجدي في ذاتي وصفاتي، هذا تنزيلٌ ﴿ من الرحمان الرحيم ﴾. ونسبة التنزيل إلى الرحمان الرحيم للإيذان بأنه نزل للمصالح الدينية والدنيوية، واقع بمقتضى الرحمة الربانية، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى :﴿ وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ الأنبياء : ١٠٧ ].
سورة فصلت
وهي ثلاث وخمسون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ [ غافر : ٨٣ ] مع قوله :﴿ تنزيل من الرحمان الرحيم ﴾، فكانت قريش من جملة المستهزئين بالقرآن، وتقول ﴿ والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].
سورة فصلت
وهي ثلاث وخمسون آية. ومناسبتها لما قبلها : قوله :﴿ وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ﴾ [ غافر : ٨٣ ] مع قوله :﴿ تنزيل من الرحمان الرحيم ﴾، فكانت قريش من جملة المستهزئين بالقرآن، وتقول ﴿ والغوا فيه لعلكم تغلبون ﴾ [ فصلت : ٢٦ ].
﴿ كتاب فُصّلت آياتُه ﴾ ؛ مُيزت وجُعلت تفاصيل في أساليب مختلفة، ومعانٍ متغايرة ؛ من أحكام، وتوحيد، وقصص، ومواعظ، ووعد، ووعيد وغير ذلك، ﴿ قرآناً عربياً ﴾ أي : أعني قرآناً بلسان العرب كائناً ﴿ لقوم يعلمون ﴾ معانيه، ويتدبّرون في آياته ؛ لكونه على لسانهم، أو : لأهل العلم والنظر ؛ لأنهم المنتفعون به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
﴿ بشيراً ونذيراً ﴾ ؛ بشيراً لأهل الطاعة، ونذيراً لأهل المعصية، ﴿ فأعْرَض أكثرُهم ﴾ عن الإيمان به والتدبُّر في معانيه مع كونه على لغتهم، ﴿ فهم لا يسمعون ﴾ سماع تفكُّر وتأمُّل، حتى يفهموا جلالة قدره ؛ فيؤمنوا به.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
﴿ وقالوا ﴾ للرسول عليه الصلاة والسلام عند دعوته إياهم إلى الإيمان والعمل بما في القرآن :﴿ قلوبنا في أَكِنَّةٍ ﴾ أي : أغطية متكاثفة، ﴿ وفي آذاننا وَقْر ﴾ ؛ صمم وثِقَل يمنعنا من استماع قولك، ﴿ ومن بيننا وبينك حجاب ﴾ غليظ، وستر مانع يمنعنا من التواصل إليك. و( من ) للدلالة على أن الحجاب مبتدى منهم ومنه بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة، ولم يبق ثمَّ فراغ أصلاً. وهذه تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله، ومج أسماعهم له، كأنَّ بها صمماً وثِقلاً منعهم من موافقتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قالوا :﴿ فاعمل ﴾ على دينك وإبطال ديننا، ﴿ إِننا عاملون ﴾ على ديننا، لا نفارقه أبداً.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
﴿ قُلْ إِنما أنا بشر مثلُكم يُوحَى إِليَّ أَنَّما إِلهكُم إِله واحد ﴾، هذا تلقين للجواب عنه، أي : لستُ من جنسٍ مباينٍ لكم حتى يكون بيني وبينكم حجاب، وتباين مصحح لتباين الأعمال والأديان، كما ينبئ عنه قوله :﴿ فاعلم إننا عاملون ﴾، بل إنما أنا بشر مثلكم، مأمور بما أُمرتم به من التوحيد، حيث أخبرنا جميعاً بأن إلهنا واحد، فالخطاب في " إلهكم " محكي منتظم للكل، لا أنه خطاب منه عليه الصلاة والسلام للكفرة. وقيل : لمّا دعاهم إلى الإيمان، قالوا : إنا نراك مثلنا، تأكل وتشرب، فلو كنتَ رسولاً لاستغنيت عن ذلك، فأنزل :﴿ قل إنما أنا بشر. . . ﴾ الآية.
﴿ فاستقيموا إِليه ﴾ بالتوحيد وإخلاص العبادة، غير ذاهبين يميناً وشمالاً، ولا ملتفتين إلى ما يُسوّل لكم الشيطانُ من عبادة الأصنام. . . قال تعالى :﴿ واستغفروه ﴾ مما كنتم عليه من سوء العقيدة. والفاء لترتيب ما قبلها من إيحاء التوحيد على ما بعدها من الاستقامة، ﴿ وويل للمشركين ﴾، وهو ترهيب وتنفير لهم عن الشرك إثر ترغيبهم في التوحيد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
ووصفهم بقوله :﴿ الذين لا يؤتون الزكاة ﴾ أي : لا يؤمنون بوجوب الزكاة ولا يُعطونها، وهو إخبار بما سيقع، إذ لم تكن الزكاة حينئذ مفروضة، أو : لا يفعلون ما يكونون به أزكياء، وهو الإيمان. وفيه تحذير من منع الزكاة، حيث جعله من أوصاف المشركين. ﴿ وهم بالآخرة هم كافرون ﴾ أي : وهم بالبعث والثواب والعقاب كافرون. والجملة : عطف على ( يؤتون ) داخل في الصلة. وإنما جعل منع الزكاة مقروناً بالكفر بالآخرة لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على استقامته، وصدق نيته، وخلوص طويته، وما ارتدت العرب إلا بمنعها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
﴿ إِن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجرٌ غيرُ ممنونٍ ﴾ ؛ غير مقطوع، من : مننت الحبل : قطعته، أو : غير ممنون به عليهم. وقيل : نزلت في المرضى والهَرْمَى، إذا عجزوا عن الطاعة كتب لهم الأجر كأصح ما كانوا يعملون.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كان الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ يدعو إلى الإيمان بالقرآن والعمل به، وخلفاؤه من مشايخ التربية يدعون إلى تصفية البواطن، لتتهيأ لفهمه والغوص عن أسراره، وحضور القلب عند تلاوته، فأعرض أكثرُ الناس عن صُحبتهم، ﴿ وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه... ﴾ إلى تمام الآية. فبقيت قلوبهم مغلفة بسبب الهوى، ألسنتهم تتلو وقلوبهم تجول في أودية الدنيا، فلا حضور ولا تدبُّر، فلا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا طلَبوا من المشايخ ـ الذين هم أطبّة القلوب ـ الكرامة، يقولون ما قالت الرسل : إنما نحن بشر يُوحى إلينا وحي إلهام بوحدانية الحق، وانفراده بالوجود، فاستقيموا إليه بتصفية بواطنكم، واستغفروه من سالف زلاتكم، فإن بقيتم على ما أنتم عليه من الشرك ورؤية السِّوى، فويل للمشركين الذين لا يُزكُّون أنفسهم، وهم بالآخرة ـ حيث لم يتأهّبوا لها كلَّ التأهُّب ـ هم الكافرون. إن الذين آمنوا إيمان الخصوص، بصحبة الخصوص، لهم أجر غير ممنون، وهو شهود الحق على الدوام. والله تعالى أعلم.
ثم وبخهم على الكفر بعد بيان بطلانه، فقال :
﴿ قُلْ أَئنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ * ﴿ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ ﴾ * ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ ﴾ * ﴿ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَآءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ﴾.
قلت :﴿ وتجعلون ﴾ : عطف على ﴿ تكفرون ﴾. و﴿ جَعَلَ ﴾ : عطف على ﴿ خَلَقَ ﴾ داخل في حيز الصلة، و﴿ سواء ﴾ : مَن نَصَبَه فمصدر أي : استوت سواء. ومَن جَرَّه فصفة لأيام، ومَن رفعه فخبر هي سواء. و﴿ للسائلين ﴾ : متعلق بقدّر، أو : بمحذوف، أي : هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ قل أَئِنَّكم لتكفرون بالذي خلقَ الأرضَ في يومين ﴾ وهما الأحد والاثنين، تعليماً للتأني، ولو أراد أن يخلقها في لحظة لفعل. ﴿ وتجعلون له أنداداً ﴾ ؛ شركاء وأشباهاً. والحال أنه لا يمكن أن يكون له ند واحد، فضلاً عن التعدُّد، وكيف يكون الحادث المعدوم ندّاً للقديم ؟ ! ﴿ ذلك ﴾ الذي خلق ما سبق. وما في الإشارة من معنى البُعد مع قرب العهد بالمشار إليه لبُعد منزلته في العظمة، أي : ذلك العظيم الشأن هو ﴿ ربُّ العالمين ﴾ أي : خالق جميع الموجودات ومُربِّيها، فكيف يتصور أن يكون أخس الخلق نِدّاً له ؟ !
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : خلق الحق ـ تعالى ـ أرض النفوس محلاًّ للعبودية، وأرساها بجبال العقل، لئلا تميل إلى بحر الهوى، وبارك فيها، بأن جعل فيها صالحين وأبراراً، وعباداً وزهاداً، وعُلماء أتقياء، وقدّر لها أقواتها الحسية والمعنوية، فجعل الحسية سواء للسائلين، أي : مستوية لا يزيد بالطلب ولا بالتعب، ولا ينقص، ففيه تأديب لمَن لم يرضَ بقسمته، والأرزاق المعنوية : أرزاق القلوب من اليقين والمعرفة، يزيد بالطلب والتعب، وينقص بنقصانه، حكمة من الحكيم العليم، ثم استوى إلى سماء الأرواح، أي : قصدها بالدعاء إليه، وهي لطائف، فقال لها ولأرض النفوس : ائتيا إلى حضرتي، طوعاً أو كرهاً، قالتا : أتينا طائعين، فقضاهن سبع طبقات، وهي دوائر الأولياء، دائرة الغوث، ثم دائرة الأقطاب، ثم الأوتاد، ثم النقباء، ثم النجباء، ثم الأبرار، ثم الصالحين. وأوحى في كل سماء، أي : في كل دائرة ما يليق بها من العبادة، فمنهم مَن عبادته الشهود والعيان، ومنهم مَن عبادته الفكرة، ومنهم الركوع والسجود، ومنهم التلاوة والذكر... إلى غير ذلك من أنواع الأعمال.
قال القشيري : وجعل نفوسَ العابدين، أرضاً لطاعته وعبادته، وجعل قلوبهم فَلَكاً لنجوم علمه، وشموس معرفته، فأوتاد النفوس الخوفُ والرجاءُ، والرغبةُ والرهبة، وفي القلوب ضياءُ العرفان، وشموس التوحيد، ونجوم العلوم والعقول، والنفوس والقلوب، بيده يُصَرِّفُها على ما أراد من أحكامه. وقال في قوله :﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾ : الجبالُ أوتادُ الأرض، في الصورة، والأولياءُ رواسي الأرض في الحقيقة، بهم تنزل البركة والأمطار، وبهم يُدفع البلاء. ثم قال : قوله تعالى :﴿ وزيَّنا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ وزيَّن وجه الأرض بمصابيح، وهي قلوب الأحباب، فأهلُ السماء إذا نظروا إلى قلوب أولياء الله بالليل، فذلك متنزهُهُم، كما أن أهل الأرض إذا نظروا إلى السماء تأنّسوا برؤية الكواكب. هـ.

قلت :﴿ وتجعلون ﴾ : عطف على ﴿ تكفرون ﴾. و﴿ جَعَلَ ﴾ : عطف على ﴿ خَلَقَ ﴾ داخل في حيز الصلة، و﴿ سواء ﴾ : مَن نَصَبَه فمصدر أي : استوت سواء. ومَن جَرَّه فصفة لأيام، ومَن رفعه فخبر هي سواء. و﴿ للسائلين ﴾ : متعلق بقدّر، أو : بمحذوف، أي : هذا الحصر للسائلين عن مدة خلق الأرض.
﴿ وجعل فيها رواسي ﴾ ؛ جبالاً ثوابت كائنة ﴿ من فوقها ﴾، وإنما اختار إرساءها من فوق الأرض لتكون منافع الجبال مُعرَضة لأهلها، ويظهر للناظرين ما فيها من مراصد الاعتبار، ومطارح الأفكار، فإن الأرض والجبال أثقال على أثقال، كلها ممسَكة بقدرة الله عزّ وجل. ﴿ وباركَ فيها ﴾ أي : قدّر بأن يكثر خيرها بما يخلق فيها من منافع، ويجعل فيها من المصالح، وما ينبت فيها من الطيبات والأطعمة وأصناف النعم. ﴿ وقدّر فيها أقواتَها ﴾ أي : حكم أن يوجد فيها لأهلها ما يحتاجون إليه من الأقوات المختلفة المناسبة لهم على مقدار مُعين، تقتضيه الحكمة والمشيئة، وما يصلح بمعايشهم من الثمار والأنهار والأشجار، وجعل الأقوات مختلفة في الطعم والصورة والمقدار، وقيل : خصابها التي قسمها في البلاد. جعل ذلك ﴿ في أربعةِ أيام ﴾ أي : تتمة أربعة أيام، يومين للخلق، ويومين لتقدير الأقوات، كما تقول : سِرت إلى البصرة في عشرة، وإلى الكوفة في خمسة عشر، أي : في تتمة خمسة عشر، ولو أجري الكلام على ظاهرة لكانت ثمانية أيام ؛ يومين للخلق ؛ وأربعة للتقدير، ويومين لخلق السماء، وهو مناقض لقوله :﴿ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ﴾ [ الأعراف : ٥٤ ].
وقوله :﴿ سواء ﴾ راجع للأربعة، أي : في أربعة أيام مستويات تامات، أو : استوت سواء ﴿ للسائلين ﴾ أي : قدَّر فيها الأقوات للطالبين لها والمحتاجين إليها، لأن كلاًّ يطلب القوت ويسأله، أو هذا الحصر في هذه الأيام لأجل مَن سأل : في كم خلقت الأرض وما فيها ؟
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : خلق الحق ـ تعالى ـ أرض النفوس محلاًّ للعبودية، وأرساها بجبال العقل، لئلا تميل إلى بحر الهوى، وبارك فيها، بأن جعل فيها صالحين وأبراراً، وعباداً وزهاداً، وعُلماء أتقياء، وقدّر لها أقواتها الحسية والمعنوية، فجعل الحسية سواء للسائلين، أي : مستوية لا يزيد بالطلب ولا بالتعب، ولا ينقص، ففيه تأديب لمَن لم يرضَ بقسمته، والأرزاق المعنوية : أرزاق القلوب من اليقين والمعرفة، يزيد بالطلب والتعب، وينقص بنقصانه، حكمة من الحكيم العليم، ثم استوى إلى سماء الأرواح، أي : قصدها بالدعاء إليه، وهي لطائف، فقال لها ولأرض النفوس : ائتيا إلى حضرتي، طوعاً أو كرهاً، قالتا : أتينا طائعين، فقضاهن سبع طبقات، وهي دوائر الأولياء، دائرة الغوث، ثم دائرة الأقطاب، ثم الأوتاد، ثم النقباء، ثم النجباء، ثم الأبرار، ثم الصالحين. وأوحى في كل سماء، أي : في كل دائرة ما يليق بها من العبادة، فمنهم مَن عبادته الشهود والعيان، ومنهم مَن عبادته الفكرة، ومنهم الركوع والسجود، ومنهم التلاوة والذكر... إلى غير ذلك من أنواع الأعمال.
قال القشيري : وجعل نفوسَ العابدين، أرضاً لطاعته وعبادته، وجعل قلوبهم فَلَكاً لنجوم علمه، وشموس معرفته، فأوتاد النفوس الخوفُ والرجاءُ، والرغبةُ والرهبة، وفي القلوب ضياءُ العرفان، وشموس التوحيد، ونجوم العلوم والعقول، والنفوس والقلوب، بيده يُصَرِّفُها على ما أراد من أحكامه. وقال في قوله :﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾ : الجبالُ أوتادُ الأرض، في الصورة، والأولياءُ رواسي الأرض في الحقيقة، بهم تنزل البركة والأمطار، وبهم يُدفع البلاء. ثم قال : قوله تعالى :﴿ وزيَّنا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ وزيَّن وجه الأرض بمصابيح، وهي قلوب الأحباب، فأهلُ السماء إذا نظروا إلى قلوب أولياء الله بالليل، فذلك متنزهُهُم، كما أن أهل الأرض إذا نظروا إلى السماء تأنّسوا برؤية الكواكب. هـ.

﴿ ثم استوى إِلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طَوعاً أو كَرهاً قالتا أتينا طائعين ﴾، الاستواء مجاز عن إيجاد الله تعالى السماء على ما أراد، تقول العرب : فعل فلان كذا ثم استوى إلى عمل كذا، يريدون أنه أكمل الأول وابتدأ الثاني، أو قصد وانتهى. فالاستواء إذا عدي ب " إلى " فهو بمعنى الانتهاء إليه بالذات أو بالتدبير، وإذا عدّي ب " على " فبمعنى الاستعلاء، ويفهم منه أن خلق السماء بعد الأرض، وهو كذلك، وأما دحو الأرض وتقدير أقواتها فمؤخر عن السماء، كما صرح في قوله :﴿ وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَآ ﴾ [ النازعات : ٣٠ ]، والترتيب في الخارج : أنه خلق الأرض، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض في يومين، ف " ثم " للتفاوت بين الخلقين لا للترتيب، أو : للتفاوت في المرتبة، ترقياً من الأدنى إلى الأعلى، كقول القائل١ :
إِنْ مَنْ ساد ثم ساد أبوه ثم [ قد٢ ] ساد بعد ذلك جَدُّه
وفي بعض الأحاديث :" إن الله خلق الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والعُمران والخراب، فتلك أربعة أيام، وخلق يوم الخميس السماء، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة، وخلق آدم عليه السلام في آخر ساعة من يوم الجمعة٣ " وهي الساعة التي تقوم فيها الساعة. قاله النسفي، وفي حديث مسلم ما يخالفه٤.
قال ابن عباس رضي الله عنه : أول ما خلق الله أي : بعد العرش جوهرة طُولها وعرضها ألف سنة، فنظر إليها بالهيبة، فذابت وصارت ماء، فكان العرش على الماء، فاضطرب الماء، فثار منه دخان، فارتفع إلى الجو، واجتمع زيد، فقام فوق الماء، فجعل الزبد أرضاً، ثم فتقها سبعاً، والدخان سماء، فسوّاهن سبع سماوات.
ومعنى أمر السماء والأرض بالإتيان طوعاً أو كرهاً وامتثالهما ؛ أنه أراد أن يُكوّنهما، فلم يمتنعا عليه، ووجدتَا كما أراد، وكانتا في ذلك كالمأمور والمطيع، وإنما ذكر الأرض مع السماء في الأمر بالإتيان، مع أن الأرض مخلوقة قبل السماء بيومين ؛ لأن المعنى : ائتيا على ما ينبغي أن تأتيا عليه من الشكل والوصف، أي : ائتي يا أرض مدحوة قراراً ومهاداً لأهلك، وائتي يا سماء مبنية سقفاً لهم، ومعنى الإتيان : الحصول والوقوع.
وقوله :﴿ طوعاً أو كَرهاً ﴾ لبيان تأثير قدرته فيهما، وأن امتناعهما عن قدرته مُحال ؛ كما تقول لمَن تحت يدك : لتفعلن هذا شئت أو أبيت، طوعاً أو كرهاً. وقال ابن عطية : الأمر بالإتيان بعد اختراعهما، قال : وهنا حذف، أي : ثم استوى إلى السماء فأوجدها، وأتقنها، وأكمل أمرها، وحينئذ قال لها وللأرض : ائتيا لأمري وإرادتي فيكما، والمراد : تنجيزهما لما أراده منهما، وما قدر من أعمالهما. ه. حُكي أن بعض الأنبياء قال : يا رب لو أن السماوات والأرض حين قلت لهما : ائتيا طوعاً أو كرهاً عصتاك، ما كنت صانعاً بهما ؟ قال : كنتُ آمر دابة من دوابي فتبتلعهما، قال : وأين تلك الدابة ؟ قال : في مرج من مروجي، قال : وأين ذلك المرج ؟ قال : في علم من علومي.
وانتصاب ﴿ طوعاً أو كرهاً ﴾ على الحال، أي : طائعين أو مكرهين. ولم يقل " طائعتين " ؛ لأن المراد الجنس، أي : السماوات والأرضين، وجمع جمع العقلاء لوصفهما بالطوع والكره، اللذين من وصف العقلاء، وقال : طائعين في موضع طائعات ؛ تغليباً للتذكير ؛ لشرفه، كقوله :﴿ سَاجِدِينَ ﴾ [ يوسف : ٤ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : خلق الحق ـ تعالى ـ أرض النفوس محلاًّ للعبودية، وأرساها بجبال العقل، لئلا تميل إلى بحر الهوى، وبارك فيها، بأن جعل فيها صالحين وأبراراً، وعباداً وزهاداً، وعُلماء أتقياء، وقدّر لها أقواتها الحسية والمعنوية، فجعل الحسية سواء للسائلين، أي : مستوية لا يزيد بالطلب ولا بالتعب، ولا ينقص، ففيه تأديب لمَن لم يرضَ بقسمته، والأرزاق المعنوية : أرزاق القلوب من اليقين والمعرفة، يزيد بالطلب والتعب، وينقص بنقصانه، حكمة من الحكيم العليم، ثم استوى إلى سماء الأرواح، أي : قصدها بالدعاء إليه، وهي لطائف، فقال لها ولأرض النفوس : ائتيا إلى حضرتي، طوعاً أو كرهاً، قالتا : أتينا طائعين، فقضاهن سبع طبقات، وهي دوائر الأولياء، دائرة الغوث، ثم دائرة الأقطاب، ثم الأوتاد، ثم النقباء، ثم النجباء، ثم الأبرار، ثم الصالحين. وأوحى في كل سماء، أي : في كل دائرة ما يليق بها من العبادة، فمنهم مَن عبادته الشهود والعيان، ومنهم مَن عبادته الفكرة، ومنهم الركوع والسجود، ومنهم التلاوة والذكر... إلى غير ذلك من أنواع الأعمال.
قال القشيري : وجعل نفوسَ العابدين، أرضاً لطاعته وعبادته، وجعل قلوبهم فَلَكاً لنجوم علمه، وشموس معرفته، فأوتاد النفوس الخوفُ والرجاءُ، والرغبةُ والرهبة، وفي القلوب ضياءُ العرفان، وشموس التوحيد، ونجوم العلوم والعقول، والنفوس والقلوب، بيده يُصَرِّفُها على ما أراد من أحكامه. وقال في قوله :﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾ : الجبالُ أوتادُ الأرض، في الصورة، والأولياءُ رواسي الأرض في الحقيقة، بهم تنزل البركة والأمطار، وبهم يُدفع البلاء. ثم قال : قوله تعالى :﴿ وزيَّنا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ وزيَّن وجه الأرض بمصابيح، وهي قلوب الأحباب، فأهلُ السماء إذا نظروا إلى قلوب أولياء الله بالليل، فذلك متنزهُهُم، كما أن أهل الأرض إذا نظروا إلى السماء تأنّسوا برؤية الكواكب. هـ.


١ البيت لأبي نواس في ديوانه ١/٣٥٥، وخزانة الأدب ١١/٣٧، والدرر ٦/٩٣، وبلا نسبة في الجنى الداني ص ٤٢٨ ومغني اللبيب ١/١١٧..
٢ ما بين معقوفين زيادة من ديوان أبي نواس وهي ضرورية ليستقيم الوزن..
٣ أخرجه الطبري في تفسيره ٢٤/٩٤..
٤ لفظ الحديث عند مسلم في المنافقين حديث ٢٧: "خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة، في آخر الخلق، في آخر ساعة من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى الليل"..
﴿ فقضاهنّ سبعَ سماواتٍ ﴾ أي : فأحكم خلقهن، وأتقن أمرهن سبعاً، حسبما تقتضيه الحكمة، فالضمير راجع إلى السماء، لأنه جنس، يجوز أن يكون الضمير مبهماً مفسراً بقوله :﴿ سبع سماوات ﴾، فينتصب سبع على الأول حالاً، وعلى الثاني تمييزاً. حصل ذلك القضاء ﴿ في يومين ﴾ ؛ الخميس والجمعة، أي : في وقتين قدر يومين، فكان المجموع ستة أيام، ﴿ وأَوحى في كلِّ سماءٍ أمرها ﴾ أي : أوحى إلى ساكنها وعُمّارها من الملائكة في كل سماء ما شاء الله من الأمور، التي تليق بهم، كالخدمة وأنواع العبادة، وإلى السماء في نفسها ما شاء الله من الأمور التي بها قوامها وصلاحها.
﴿ وزيّنا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ ؛ كالشمس والقمر والنجوم، وهي زينة السماء الدنيا، سواء كانت فيها أو فيما فوقها ؛ لأنها تُرى متلألأة عليها كأنها فيها، والالتفات إلى نون العظمة لإبراز مزيد العناية بأمرها، ﴿ وحفظاً ﴾ أي : حفظناها حفظاً من المسترقة، أو من الآفات، فهو مصدر لمحذوف، وقيل : مفعول لأجله على المعنى، أي : وجعلنا المصابيح للزينة والحفظ. ﴿ ذلك تقديرُ العزيز العليم ﴾ أي : ذلك الذي ذكر تفصيله تقدير البالغ في القدرة والعلم، أو : الغالب العليم بمواقع الأمور.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : خلق الحق ـ تعالى ـ أرض النفوس محلاًّ للعبودية، وأرساها بجبال العقل، لئلا تميل إلى بحر الهوى، وبارك فيها، بأن جعل فيها صالحين وأبراراً، وعباداً وزهاداً، وعُلماء أتقياء، وقدّر لها أقواتها الحسية والمعنوية، فجعل الحسية سواء للسائلين، أي : مستوية لا يزيد بالطلب ولا بالتعب، ولا ينقص، ففيه تأديب لمَن لم يرضَ بقسمته، والأرزاق المعنوية : أرزاق القلوب من اليقين والمعرفة، يزيد بالطلب والتعب، وينقص بنقصانه، حكمة من الحكيم العليم، ثم استوى إلى سماء الأرواح، أي : قصدها بالدعاء إليه، وهي لطائف، فقال لها ولأرض النفوس : ائتيا إلى حضرتي، طوعاً أو كرهاً، قالتا : أتينا طائعين، فقضاهن سبع طبقات، وهي دوائر الأولياء، دائرة الغوث، ثم دائرة الأقطاب، ثم الأوتاد، ثم النقباء، ثم النجباء، ثم الأبرار، ثم الصالحين. وأوحى في كل سماء، أي : في كل دائرة ما يليق بها من العبادة، فمنهم مَن عبادته الشهود والعيان، ومنهم مَن عبادته الفكرة، ومنهم الركوع والسجود، ومنهم التلاوة والذكر... إلى غير ذلك من أنواع الأعمال.
قال القشيري : وجعل نفوسَ العابدين، أرضاً لطاعته وعبادته، وجعل قلوبهم فَلَكاً لنجوم علمه، وشموس معرفته، فأوتاد النفوس الخوفُ والرجاءُ، والرغبةُ والرهبة، وفي القلوب ضياءُ العرفان، وشموس التوحيد، ونجوم العلوم والعقول، والنفوس والقلوب، بيده يُصَرِّفُها على ما أراد من أحكامه. وقال في قوله :﴿ وجعل فيها رواسي من فوقها ﴾ : الجبالُ أوتادُ الأرض، في الصورة، والأولياءُ رواسي الأرض في الحقيقة، بهم تنزل البركة والأمطار، وبهم يُدفع البلاء. ثم قال : قوله تعالى :﴿ وزيَّنا السماء الدنيا بمصابيح ﴾ وزيَّن وجه الأرض بمصابيح، وهي قلوب الأحباب، فأهلُ السماء إذا نظروا إلى قلوب أولياء الله بالليل، فذلك متنزهُهُم، كما أن أهل الأرض إذا نظروا إلى السماء تأنّسوا برؤية الكواكب. هـ.

ثم هدد أهل الكفر، فقال :
﴿ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ﴾ * ﴿ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ ﴾ * ﴿ فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُواْ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾ * ﴿ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيا أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ ﴾ * ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّواْ الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ * ﴿ وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ فإِن أعرضُوا ﴾ عن الإيمان بعد هذا البيان ؛ ﴿ فقلْ ﴾ لهم :﴿ أنذرتُكمْ ﴾ ؛ خوَّفتكم. وعبّر بالماضي للدلالة على تحقُّق الإنذار المنبئ عن تحقُّق الوقوع، ﴿ صاعقةً ﴾ أي : عذاباً شديداً لو وقع كان كأنه صاعقة، وأصلها : رعد معه نار تحرق. تكون ﴿ مثلَ صاعقةِ عادٍ وثمودَ ﴾ وقد تقدّم عذابهما١.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا... ﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى :﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه١، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما امْتُحِشُوا٢ فصاروا حُمَماً. هـ منه.


١ انظر تفسير الآيات ٦٥ – ٧٩ من سورة الأعراف..
﴿ إِذ جاءتْهُمُ ﴾ : ظرف لمحذوف، أي : أنزلناها بهم حين جاءتهم ﴿ الرسلُ من بين أيديهم ومن خلفِهِم ﴾ أي : أتوهم من كل جانب، وعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا الإعراض، أو : جاءتهم الرسل قبلهم لآبائهم، وبعدَهم لِمَن خلفهم، أي : تواردت عليهم الرسل قديماً وحديثاً، والمعهود إنما هو هود وصالح عليهما السلام وعن الحسن : أنذروهم من وقائع الله بمَنْ قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة، ﴿ ألاَّ تعبدوا إِلا اللهَ ﴾ أي : بأن لا تعبدوا إلا الله، على أنها مصدرية، أو : لا تعبدوا، على أنها مفسرة، وقيل : مخففة، أي : أنه لا تعبدوا إلا الله. ﴿ قالوا لو شاء ربُّنا لأنزل ملائكةً ﴾ أي : لو شاء إرسال الرسل لأرسل ملائكة، ولَمَّا كان إرسالهم بطريق الإنزال عبَّر به، ﴿ فإِنا بما أُرسلتُم به كافرون ﴾ أي : فحيث كنتم بشراً مثلنا، ولم تكونوا ملائكة، ولم يكن لكم فضل علينا، فإنا لا نؤمن بكم، ولا بما جئتم به، وقولهم :﴿ أُرسلتم به ﴾ ليس بإقرار بالإرسال، وإنما هو على كلام الرسل، وفيه تهكُّم، كما قاله فرعون :﴿ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ ﴾ [ الشعراء : ٢٧ ] وقولهم :﴿ بما أرسلتم به كافرون ﴾ خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء، الذين دعوا للإيمان.
رُوي أن أبا جهل قال في ملأ من قريش : قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلاً عالماً بالشعر والكهانة، فكَلَّمه، ثم أتانا بالبيان من أمره، فقال عُتبة بن ربيعة : والله لقد سمعتُ الشعر والكهانة والسحر، وعلمتُ من ذلك علماً ما يخفى عليَّ، فأتاه، فقال : أنت يا محمد خير أم هاشم ؟ أنت يا محمد خير أم عبد المطلب ؟ أنت خير أم عبد الله ؟ فبمَ تشتم آلهتنا وتضللنا ؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء، فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوةٍ من أيّ بنات قريش شئتَ، وإن كان بك المال، جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك. والنبي صلى الله عليه وسلم ساكت، فلما فرغ عتبةُ، قال صلى الله عليه وسلم :" ﴿ بسم الله الرحمان الرحيم حم تنزيل من الرحمان الرحيم. . . ﴾ إلى قوله تعالى :﴿ مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ "، فأمسك عتبة على فِيه النبيّ صلى الله عليه وسلم وناشده بالرحم، فرجع عتبةُ إلى أهله، ولم يخرج إلى قريش، فلما احتبس عنهم، قالوا : ما نرى عتبة إلا صبأ، فانطلقوا، وقالوا : يا عتبة ؛ ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد، أم أنك أعجبك طعامه ؟ فغضب، ثم قال لهم : لقد كلمته فأجابني بشيء، والله ما هو شعر، ولا كهانة، ولا سحر، ثم تلى عليهم ما سمع منه إلى قوله :﴿ مثل صاعقة عاد وثمود ﴾ فأمسكتُ بفيه، وناشدته بالرحم أن يكف، وقد علمتم أن محمداً إذا قال شيئاً لم يكذب، فخفتُ أن ينزل بكم العذاب. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا... ﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى :﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه١، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما امْتُحِشُوا٢ فصاروا حُمَماً. هـ منه.

ثم بيَّن ما ذكره من صاعقة عاد وثمود، فقال :﴿ فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق ﴾ أي : تعاظموا فيها على أهلها بما لا يستحقون به التعظيم، وهو القوة، وعظم الأجرام، واستولوا على الأرض بغير استحقاق للولاية، ﴿ وقالوا مَن أشدُّ منا قوةً ﴾، كانوا ذوي أجسام طوال، وخلْق عظيم، بلغ من قوتهم أن الرجل كان يقلع الصخرة من الجبل بيده، ويلوي الحديد بيده، ﴿ أوَلَمْ يَرَوا ﴾ أي : أَوَلَم يعلموا علم عيان ﴿ أن الله الذي خلقهم هو أشَدُّ منهم قوةً ﴾ ؟ أوسعُ منهم قدرة ؛ لأنه قادر على كل شيء، وهم قادرون على بعض الأشياء بإقداره، ﴿ وكانوا بآياتنا ﴾ المنزلة على رسلهم ﴿ يجحدون ﴾ أي : ينكرونها وهم يعرفون حقِيتها، كما يجحد المودَعُ الوديعة. و( هم ) : عطف على ( فاستكبروا )، وما بينها اعتراض، للرد على كلمتهم الشنعاء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا... ﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى :﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه١، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما امْتُحِشُوا٢ فصاروا حُمَماً. هـ منه.

﴿ فأرسلنا عليهم ريحاً صَرْصَراً ﴾ أي : بارداً تهلك وتُحرق ؛ لشدة بردها، من : الصر، وهو البرد، الذي يجمع ويقبض، أو : عاصفة تصوّت في هبوبها، من الصرير، فضوعف، كما يقال : نهنهت وكفكفت. ﴿ في أيام نَّحِساتٍ ﴾ ؛ مشؤومات عليهم، من : نَحِس نحساً، نقيض : سعد سعداً، وكانت من الأربعاء آخر شوال إلى الأربعاء، وما عُذِّب قوم إلا في الأربعاء. قيل : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، ودامت الرياح عليهم من غير مطر. قيل : إذا أراد الله بقوم خيراً، أرسل عليهم المطر، وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد الله بقوم شرّاً، حبس عنهم المطر، وأرسل عليهم كثرة الرياح. ه.
﴿ لنُذيقَهُمْ عذابَ الخزي في الحياة الدنيا ﴾، أضاف العذاب إلى الخزي، وهو الذل، على أنه وصف للعذاب، كأنه قال : عذاب خزي، ويدل عليه قوله :﴿ ولعذابُ الآخرة أخزى ﴾ أي : أذل لصاحبه، وهو في الحقيقة وصف للمعذَّب، وُصف به العذاب للمبالغة، كقولك : له شعر شاعر. ﴿ وهم لا يُنصَرُون ﴾ برفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا... ﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى :﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه١، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما امْتُحِشُوا٢ فصاروا حُمَماً. هـ منه.

قلت :﴿ وأما ثمود ﴾، قراءة الجماعة بالرفع، غير مصروف، إرادة القبيلة، وقراءة الأعمش ويحيى بن وثاب مصروفاً، إرادة الحي، وقراءة ابن أبي إسحاق : بالنصب، من باب الاشتغال، وأصل الكلام : مهما يكن من شيء فثمود هديناهم، فحُذف الملزوم الذي هو الشرط، وأُقيم مقامه لازمه، وهو الجزاء، وأبقيت الفاء المؤذنة بأن ما بعدها لازم لما قبلها، وإلا فليس هذا موضع الفاء ؛ لأن موضعه صدر الجزاء. انظر المُطوّل.
﴿ وأما ثمودُ فهديناهمْ ﴾ ؛ دللناهم على الرشد، بنصب الآيات التكوينية، وإرسال الرسل، وإنزال الآيات التشريعية، ﴿ فاستحبُّوا العَمَى على الهُدى ﴾ أي : اختاروا الضلالة على الهداية، ﴿ فأخذتهم صاعقةُ العذابِ الهُون ﴾ أي : داهية العذاب الذي يهين صاحبه ويخزيه، وهي الصيحة والرجفة، والهُون : الهوان، وصف به للمبالغة، ﴿ بما كانوا يكسبون ﴾ أي : بكسبهم الخبيث من الشرك والمعاصي.
قال الشيخ أبو منصور : يحتمل قوله :﴿ فهديناهم ﴾ : بيَّنا لهم، كما تقدّم، ويحتمل : خلق الهداية في قلوبهم، فصاروا مهتدين، ثم كفروا بعد ذلك، وعقروا الناقة، لأن الهدي المضاف إلى الخالق يكون بمعنى البيان، ويكون بخلق فعل الاهتداء، وأما الهدي المضاف إلى الخلق فيكون بمعنى البيان، لا غير. ه.
وقال الطيبي : قوله تعالى :﴿ فهديناهم ﴾ هو كقوله تعالى :﴿ إِذْ جَآءَتْهُمُ الرُّسُلُ ﴾ [ فصلت : ١٤ ]. وقوله :﴿ فاستحبوا العمى على الهدى ﴾ هو كقوله :﴿ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا. . . ﴾ [ فصلت : ١٤ ] الآية. وكذا في قوله :﴿ فأما عاد فاستكبروا في الأرض ﴾، فإن الفاء في " فاستكبروا " فصيحة، تُفصح عن محذوف، أي : فهديناهم فاستكبروا بدلالة ما قيل في ثمود. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا... ﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى :﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه١، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما امْتُحِشُوا٢ فصاروا حُمَماً. هـ منه.

﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : اختاروا الهدى على العمى، من تلك الصاعقة، ﴿ وكانوا يتقون ﴾ الضلالة والتقليد.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : كل مَن أعرض عن الوعظ والتذكار، ونأى عن صُحبة الأبرار ؛ فالصعقة لاحقة به، إما في الدنيا أو في الآخرة. وقوله تعالى :﴿ فأما عاد فاستكبروا... ﴾ الآية : أوصاف العبودية أربعة : الضعف، والذل، والفقر، والعجز، فمَن خرج عن واحد منها، فقد تعدّى طوره، واستحقّ الهلاك والهوان، ورمته رياح الأقدار في مهاوي النيران.
وقوله :﴿ وأما ثمود فهديناهم ﴾ أي : بيَّنا لهم طريق السير إلينا، على ألسنة الوسائط، فحادُوا عنها، واستحبُّوا العمى على الهدى ؛ حيث لم يسبق لهم الهداية في الأزل، فالسوابق تُؤثر في العواقب، والعواقب لا تؤثر في السوابق، فكأن جبلة القوم الضلالة، فمالوا إلى ما جبلوا عليه من قبول الضلالة.
وقوله تعالى :﴿ ونجينا الذين آمنوا ﴾ أي : في الدنيا من الصاعقة، وفي الآخرة من السقوط في الهاوية. قال القشيري : منهم مَن نجَّاهم من غير أن رأوا النار، عَبَروا القنطرةَ ولم يعلموا، وقومٌ كالبرق الخاطف، وهم أعلاهم ـ قلت : بل أعلاهم كالطرف ـ ثم قال : وقوم كالرواكض، وهم أيضاً الأكابر، وقوم على الصراط يسقطون وتردُّهم الملائكة على الصراط، فبَعُدوا. ثم قال : وقومٌ بعدما دخلوا النار، فمنهم مَن تأخذه إلى كعبيه، ثم إلى ركبتيه، ثم إلى حَقْوَيْه١، فإذا بلغ القلب قال الحقُّ للنار : لا تحرقي قلبه، فإنه محترقُ بي. وقوم يخرجون من النار بعدما امْتُحِشُوا٢ فصاروا حُمَماً. هـ منه.

ثم ذكر وعيد أهل الشرك، فقال :
﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَآءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ * ﴿ حَتَّى إِذَا مَا جَآءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُواْ أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ * ﴿ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الُخَاسِرِينَ ﴾ * ﴿ فَإِن يَصْبِرُواْ فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾.
يقول الحق جلَ جلاله :﴿ و ﴾ اذكر ﴿ يوم نَحْشُرُ أعداء الله ﴾ من كفار المتقدمين والمتأخرين ﴿ إِلى النارِ فهم يُوزَعون ﴾ ؛ يُضمون ويُساقون إلى النار، ويُحبس أولهم على أخرهم، فيستوقف سوابقهم حتى تلحق بهم تواليهم، وهي عبارةٌ عن كثرة أهل النار، وأصله : من وزَعته، أي : كففته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة : إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه : أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل١ " وقال أيضاً :" يقول الله عزّ وجل : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي٢... " الحديث فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرّاً. وبالله التوفيق.

﴿ حتى إِذا ما جاؤوها ﴾ أي : حضروها، و " حتى " : غاية للحشر، أو : ليوزعون، و " ما " : مزيدة ؛ لتأكيد اتصال الشهادة بالحضور، فبمجرد حضورهم ﴿ شَهِدَ عليهم سمعُهُم وأبصارُهم وجلودُهم ﴾ أي : بَشَراتهم ﴿ بما كانوا يعملون ﴾ في الدنيا، من فنون الكفر والمعاصي، بأن ينطقها الله تعالى، ويظهر عليها آثار ما اقترفوا بها. وعن ابن عباس رضي الله عنه : أن المراد بشهادة الجلود : شهادة الفروج، كقول الشاعر١ :
أوَ سالم مَنْ قد تث نَّى جِلْدُه وابْيَضَّ رَأسُه
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة : إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه : أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل١ " وقال أيضاً :" يقول الله عزّ وجل : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي٢... " الحديث فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرّاً. وبالله التوفيق.


١ البيت لعامر بن جؤية في تفسير القرطبي ٧/٥٩٧٠..
فكنَّى بجلده عن فرحه، وهو الأنسب ؛ لتخصيص السؤال بها في قوله تعالى :﴿ وقالوا لجلودهم لمَ شهدتم علينا ﴾، فإن ما تشهد به من الزنا أعظم جناية وقُبحاً، وأجلب للحزن والعقوبة، مما تشهد به السمع والأبصار من الجنايات المكتسبة بتوسطها. روي : أن العبد يقول يوم القيامة : يا رب، أليس قد وعدتني ألا تظلمني ؟ فيقول تعالى : فإن لك ذلك، قال : فإني لا أقبل عليّ شاهداً إلا من نفسي، قال تعالى : أوَ ليس كفى بي شهيداً، وبالملائكة الكرام الكاتبين ؟ قال : فيُختم على فِيهِ، وتتكلم أركانُه بما كان يعمل، فيقول لهن : بُعْداً لكُنَّ وسُحْقاً، عنكُنَّ كنتُ أُجادل١ ".
﴿ قالوا ﴾ في جوابهم :﴿ وأنطقَنا اللهُ الذي أنطق كلَّ شيءٍ ﴾ من الحيوانات، وأقدرنا على بيان الواقع، فشهدنا عليكم بما عملتم من القبائح، وما كتمناها. أو : ما نطقنا باختيارنا، بل أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء. وقيل : سألوها سؤال تعجُّب، فالمعنى حينئذ : وليس نطقنا بعجب من قدرة الله تعالى الذي أنطق كل شيء، ﴿ وهو خلقكم أولَ مرةٍ وإليه تُرجعون ﴾ ؛ فإنَّ مَن قدر على خلقكم أول مرة، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه، لا يتعجب من إنطاقه جوارحكم. ولعل صيغة المضارع، مع أن هذه المحاورة بعد البعث والرجع، كما أن المراد بالرجوع ليس مجرد الرد إلى الحياة بالعبث، بل ما يعمه، وما يترتب عليه من العذاب الخالد الترقب عند التخاطب، على تغليب المتوقع على الواقع، مع ما فيه من مراعاة الفواصل، فهذا على أنه من تتمة كلام الجلود، وقيل : هو من كلام الحق تعالى لهم، فيُوقف على " شيء " وهو ضعيف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة : إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه : أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل١ " وقال أيضاً :" يقول الله عزّ وجل : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي٢... " الحديث فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرّاً. وبالله التوفيق.


١ أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٧..
وكذا قوله :﴿ وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعُكم ولا أبصارُكم ولا جلودُكم ﴾، يحتمل أن يكون من كلام الجلود، أو : من كلام الله عزّ وجل وهو الظاهر، أي : وما كنتم تستترون في الدنيا عند مباشرتكم الفواحش مخافة أن تشهد عليكم جوارحكم، ولو خفتم من ذلك ما استترتم بها، ﴿ ولكن ظننتم أنَّ الله لا يعلمُ كثيراً مما تعملون ﴾ من القبائح الخفية، فلا يظهرها في الآخرة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه : كنت مستتراً بأستار الكعبة، فدخل ثلاثة نفر ؛ وثقفيان وقرشي، أو : قرشيان وثَقَفي، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول ؟ قال الآخر : سمع جهرنا ولا يسمع ما أخفينا، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى :﴿ وما كنتم تستترون. . . ﴾ الآية١، فالحُكم المحكي حينئذ يكون خاصّاً بمَن كان على ذلك الاعتقاد من الكفرة، انظر أبا السعود.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة : إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه : أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل١ " وقال أيضاً :" يقول الله عزّ وجل : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي٢... " الحديث فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرّاً. وبالله التوفيق.


١ أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٢، حديث ٤٨١٦، ومسلم في المنافقين حديث ٥..
﴿ وذلكم ظنُّكم الذي ظننتم بربكم أرداكم ﴾ ؛ أهلككم، ف " ذلك " : مبتدأ، و " ظنكم " : خبر، و " الذي ظننتم بربكم " : صفة، و " أرداكم " : خبر ثان، أو : ظنكم : بدل من " ذلك " و " أرداكم " : خبر، ﴿ فأصبحتم ﴾ بسبب الظن السوء ﴿ من الخاسرين ﴾ إذ صار ما منحوا لسعادة الدارين سبباً لشقاء النشأتين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة : إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه : أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل١ " وقال أيضاً :" يقول الله عزّ وجل : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي٢... " الحديث فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرّاً. وبالله التوفيق.

﴿ فإِن يصبروا فالنارُ مثوىً ﴾ ؛ مقام ﴿ لهم ﴾ أي : فإن يصبروا لم ينفعهم الصبر، ولم ينفكوا به من الثوى في النار، ﴿ وإِن يستعينوا ﴾ أي : يسألُوا العتبى ؛ وهو الاسترضاء ﴿ فما هم من المُعتَبين ﴾ ؛ المجابين إليها، أي : وإن يطلبوا الاسترضاء من الله تعالى ليرضى عنهم، فما هم من المرضين ؛ لما تحتّم عليهم واستوجبوه من السخط، قال الجوهري : أعتبني فلان : إذا عاد إلى مسرتي، راجعاً عن الإساءة، والاسم منه : العتبى، يقال ؛ استعتبته فأعتبني، أي : استرضيته فأرضاني. وقال الهروي : إن يستقيلوا ربهم لم يقلهم، أي : لم يردهم إلى الدنيا، أو : إن أقالهم وردهم لم يعملوا بطاعته، كقوله :﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام : ٢٨ ].
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : أعداء الله هم الجاحدون لوحدانيته ولرسالة رسله، وهم الذين تشهد عليهم جوارحهم، وأما المؤمن فلا، نعم إن مات عاصياً شهدت عليه البقع أو الحفظة، فإن تاب أنسى الله حفظته ومعالمه في الأرض ذنوبه. قال في التذكرة : إن العبد إذا صدق في توبته أنسى اللهُ ذنوبه لحافظيه، وأوحى إلى بقع الأرض وإلى جميع جوارحه : أن اكتموا مساوئ عبدي، ولا تظهروها، فإنه تاب إليَّ توبة صادقة، بنية مخلصة، فقبلته وتبتُ عليه، وأنا التوّاب الرحيم.
وفي الآية حث على حسن الظن بالله، وفي الحديث :" لا يموتن أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عزّ وجل١ " وقال أيضاً :" يقول الله عزّ وجل : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي٢... " الحديث فمَن ظنَّ خيراً لقي خيراً، ومَن ظنّ شرّاً لقي شرّاً. وبالله التوفيق.

ثم إن سبب الغواية أو الهداية هي الصحبة، كما قال تعالى :
﴿ وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وقيّضنا ﴾ أي : سيَرنا، أو : قدّرنا، ﴿ لهم ﴾ أي : كفار مكة في الدنيا ﴿ قُرَناء ﴾ سواء من الجن والإنس، أو : سلطنا عليهم نظراء لهم من الشياطين يستولون عليهم، كقوله :﴿ وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ ﴾ [ الزخرف : ٣٦ ]، ﴿ فَزَيَّنوا لهم ما بين أيديهم ﴾ من أمور الدنيا، واتباع الشهوات، والتقليد لأسلافهم، حتى حادوا عن الحق، ﴿ وما خَلْفَهم ﴾ من أمور الآخرة، حيث ألقوا إليهم : ألا بعث ولا حساب. أو : ما تقدّم من أعمالهم وما هم عازمون عليها، ﴿ وحقّ عليهم القولُ ﴾ أي : ثبت وتقرّر عليهم كلمة العذاب، أو : تحقق موجبها ومصداقها، وهي قوله تعالى لإبليس :﴿ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [ ص : ٨٥ ]، حال كونهم ﴿ في ﴾ جملة ﴿ أمم قد خلت مِن قبلهم ﴾ أي : قبل أهل مكة ﴿ من الجن والإِنس ﴾ كانوا مُصرّين على الكفر والعصيان، ﴿ إِنهم كانوا خاسرين ﴾ حيث آثروا الباطل على الحق، وهو تعليل لاستحقاقهم العذاب. والضمير لهم وللأمم.
الإشارة : قال القشيري : إذا أراد الله بعبده سوء، قيّض له إخوان سوء وقرناء شر، هم الأضداد له فيما راموا، وإذا أراد الله بعبد خيراً قيّض له قرناء خير، يُعِينونه على الطاعة، ويَحْمِلونه عليها، ويدعونه إليها، وإذا كانوا إخوانَ سوءٍ يحملونه على المخالفات، ويدعونه إليها، ومن ذلك الشيطانُ. ثم قال : وشرُّ قرين للمرء نفسُه، ثم الشيطان، ثم شياطين الإنسِ، فزيّنوا لهم ما بين أيديهم من طول الأمل، وما خلفهم من نسيان الزَّلَلِ، والتسويف في التوبة، والتقصير في الطاعة. ه.
قلت : والله ما رأينا الفلاح والخسران إلا من الخلطة. قال بعضهم : والله ما أفلح مَن أفلح إلا بصحبة مَن أفلح، ولاسيما صحبة العارفين ؛ فساعة معهم تعدل عبادة سنين بالصيام والقيام وأنواع المجاهدة، ولله در الجيلاني١ رضي الله عنه حيث قال :
فَشمرْ ولذْ بالأَولياءِ فإِنّهم لَهُمْ مِنْ كِتَاب الله تلْكَ الوَقَائعُ
هُمُ الذُّخْرُ للْملهوف والكَنزُ للرَّجا ومنهم يَنَالُ الصَّبُّ مَا هو طامِعُ
بهم يُهتدى للْعَيْنِ مَنْ ضَلَّ في العَمَى بهمْ يُجْذب العُشَّاقُ والرَّبْع شَاسِعُ
هُمُ النّاسُ فالزَمْ إِنْ عَرفْت جَنَابَهم ففيهم لِضُرّ العالمين مَنَافِعُ
١ الجيلاني: هو عبد الكريم بن إبراهيم بن عبد الكريم الجيلي القادري الصوفي الحنبلي، ولد سنة ٧٦٧، وتوفي سنة ٨٢٠ هـ (انظر كشف الظنون ٥/٦١٠)..
ثم ذكر بعض ما زينوا لهم، فقال :
﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْاْ فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ ﴾ * ﴿ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ * ﴿ ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ جَزَآءً بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وقال الذين كفروا ﴾ من رؤساء المشركين لأتباعهم، أو : بعضهم لبعض :﴿ لا تسمعوا لهذا القرآنِ ﴾ إذا قُرئ، أي : لا تنصتوا له ؛ لأنه يقلب القلوب، ويسبي العقول، وكل مَن استمع إليه صبا إليه، ﴿ والْغَوْا فيه لعلكم تَغْلِبون ﴾ أي : عارضوه بكلام غير مفهوم، أو : بالخرافات ؛ من الرّجَز والشعر والتصدية، وارفعوا أصواتكم بها ﴿ لعلكم تغلبون ﴾ أي : تغلبونه على قراءته، وشوِّشوا عليه فيقع في الغلط، أو : لا يسمعه منه أحد. واللغو : الساقط من الكلام الذي لا طائلَ تحته.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الآية تنسحب على مَن يرفع صوته بمحضر مجلس الوعظ والذكر، أو العلم النافع، أو صفوف الصلاة، فهذه المجالس يجب صونها من اللغو والصخب، ويجب الاستماع لها، والإنصات، والتوقير، والتعظيم، لأنها موروثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهَمْ لِلتَّقْوَى ﴾ [ الحجرات : ٣ ]، ومَن فعل شيئاً من ذلك فالوعيد بقوله تعالى :﴿ فلنذيقن الذين كفروا... ﴾ الآية ـ منه بالمرصاد. والله تعالى أعلم.
﴿ فلنذيقنَّ الذين كفروا ﴾ أي فوالله لنذيقن هؤلاء اللاغين والقائلين، أو : جميع الكفار، وهم داخلون فيهم دخولاً أولياً. ﴿ عذاباً شديداً ﴾ لا يُقادر قدره، ﴿ ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعملون ﴾ أي : أعظم عقوبة على أسوأ أعمالهم، وهو الكفر، وقيل : إنه لا يجازيهم بمحاسن أعمالهم، كإغاثة الملهوفين، وصلة الأرحام، وقِرى الضيف ؛ لأنها محبطة بالكفر، وإنما يجازيهم على أسوئها. عن ابن عباس :﴿ عذاباً شديداً ﴾ : يوم بدر، و﴿ أسوأ الذي كانوا يعملون ﴾ : ما يُجزون في الآخرة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الآية تنسحب على مَن يرفع صوته بمحضر مجلس الوعظ والذكر، أو العلم النافع، أو صفوف الصلاة، فهذه المجالس يجب صونها من اللغو والصخب، ويجب الاستماع لها، والإنصات، والتوقير، والتعظيم، لأنها موروثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهَمْ لِلتَّقْوَى ﴾ [ الحجرات : ٣ ]، ومَن فعل شيئاً من ذلك فالوعيد بقوله تعالى :﴿ فلنذيقن الذين كفروا... ﴾ الآية ـ منه بالمرصاد. والله تعالى أعلم.
﴿ ذلك جزاءُ أعداء الله النارُ ﴾ أي : ذلك الأسوأ من الجزاء هو جزاء أعداء الله، وهو النار. فالنار : خبر عن مضمر، أو : عطف بيان للجزاء، والنار : مبتدأ. و﴿ لهم فيها دارُ الخلد ﴾ : خبر، أي : النار في نفسها دار الخلد، كما تقول : لك في هذه الدار السرور، وأنت تعني الدار بعينها، ويسمى في علم البلاغة : التجريد، وهو أن ينتزع من ذي صفة أمراً آخر مثله، مبالغةً، لكمالٍ فيه. تقول : لقيت من زيد أسداً. وقيل : هي على معناها، والمراد : أن لهم في النار المشتملة على الدركات دار مخصوصة، هم فيها خالدون، ﴿ جزاء بما كانوا بآياتنا يجحدون ﴾ أي : جُوزوا بذلك جزاء بسبب ما كانوا يجحدون بآياتنا ويلغون فيها.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الآية تنسحب على مَن يرفع صوته بمحضر مجلس الوعظ والذكر، أو العلم النافع، أو صفوف الصلاة، فهذه المجالس يجب صونها من اللغو والصخب، ويجب الاستماع لها، والإنصات، والتوقير، والتعظيم، لأنها موروثة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهَمْ لِلتَّقْوَى ﴾ [ الحجرات : ٣ ]، ومَن فعل شيئاً من ذلك فالوعيد بقوله تعالى :﴿ فلنذيقن الذين كفروا... ﴾ الآية ـ منه بالمرصاد. والله تعالى أعلم.
ثم ذكر مقالتهم بعد دخول النار، فقال :
﴿ وَقَال الَّذِينَ كَفَرُواْ رَبَّنَآ أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ وقال الذين كفروا ﴾ وهم متقلبون فيما ذكر من العذاب :﴿ ربنا أَرِنَا اللذَيْنِ أَضَلاَّنا من الجن والإنس ﴾، يعنون الفريقين الحاملين على الضلال، من شياطين الجن والإنس، بالتسويل والتزيين، وقيل : هما إبليس وقابيل، فإنهما سنّا الكفر والقتل، وقرئ بسكون الراء تخفيفاً، كفَخِذ وفخْذ، وبالاختلاس، أي : أبصرناهما، ﴿ نَجْعَلْهُما تحت أقدامنا ﴾ أي : ندسهما تحت أرجلنا، انتقاماً منهما، أو : نجعلهما في الدرك الأسفل ﴿ ليكونا من الأسفلين ﴾ ذلاًّ ومهانةً، أو : مكاناً، جزاء إضلالهم إيانا.
الإشارة : كل مَن سقط عن درجة المقربين العارفين، وتعوّق عن صحبتهم، بسبب تعويق أحد، تمنى يوم القيامة أن يكون تحت قدمه، ليكون أسفل منه، غيظاً وندماً، ولا ينفع التمني والندم في ذلك اليوم. وبالله التوفيق.
ثم ذكر أهل القرب والعناية، بعد ذكر أهل البعد والغواية، فقال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلاَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ * ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَآؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ﴾ * ﴿ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِن الذين قالوا ربُّنا الله ﴾ أي : نطقوا بالتوحيد واعتقدوا، ﴿ ثم استقاموا ﴾ أي : ثبتوا على الإقرار ومقتضياته من حسن الأعمال، وعن الصدّيق رضي الله عنه : استقاموا فعلاً، كما استقاموا قولاً. وعنه : أنه تلاها ثم قال : ما تقولون فيها ؟ قالوا : لم يذنبوا، قال : حملتم الأمر على أشده، قالوا : فما تقول ؟ قال : لم يرجعوا إلى عبادة الأوثان. وعن عمر رضي الله عنه : لم يَرُوغوا رَوَغان الثعالب، أي : لم ينافقوا. وعن عثمان رضي الله عنه : أحكموا العمل، وعن عليّ رضي الله عنه : أدُّوا الفرائض. وعن الفُضيل : زهدوا في الفانية، ورغبوا في الباقية. قلت : ويجمعها الإقرار بالربوبية، والقيام بوصائف العبودية.
﴿ تَتَنزَّلُ عليهم الملائكةُ ﴾ عند الموت، وفي القبر، وعند البعث، أو : في الدنيا بإلهام الخير وشرح الصدر، وإعانتهم على الأمور الدينية، كما أن الكفرة تقويهم ما قُيض لهم في قرناء السوء. والأظهر : العموم. ﴿ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا ﴾ ف " أن " مخففة، أو : تفسيرية، أي : لا تخافوا ما تٌقدمون عليه، ولا تحزنوا على ما خلفتم، فالخوف : غم يلحق لتوقع مكروه، والحزن : غم يلحق لفوات نافع، أو حضور ضارٍّ. والمعنى : أن الله تعالى كتب لكم الأمنَ من كل غم، فلن تذوقوه أبداً. ﴿ وأبْشِروا بالجنة التي كنتم تُوعدون ﴾ في الدنيا على ألسنة الرسل. وقال محمد بن علي الترمذي : تتنزل عليهم ملائكة الرحمة، عند مفارقة الأرواح الأبدان، ألا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان، التي تُوعدون في سالف الأزمان.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن الذين أقرُّوا بقهرية الربوبية، وقاموا بوظائف العبودية، تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة الأبدية. قال القشيري : فأما الاستقامة فهي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها، من غير إخلالٍ بشيء من أقسامها.
ثم قال : مَن كان له أصل الاستقامة، وهي التوحيد، أَمِنَ من الخلود في النار، ومَن كان له كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد، من غير أن يلحقه سوء بحالٍ. ويقال : استقاموا على دوام الشهود، وانفراد القلب بالمعبود، أو : استقاموا في تصفية العقد، ثم في توفية العهد، ثم في صحة القصد، بدوام الوجد، أو : استقاموا بأقوالهم، ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم، في وقتهم وفي مآلهم، أو : داموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محبته، وقاموا بشرائط خدمته.
واستقامة العابد : ألا يعود إلى الفترة واتباع الشهوة، ولا يدخله رياء ولا تصنُّع، واستقامةُ العارف : ألا يشوب معرفته حظ في الدارين، فيحجب به عن مولاه، واستقامةُ المحبين : ألا يكون لهم أرب من غير محبوبهم ؛ يكتفون من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده. هـ.
وقوله تعالى :﴿ تتنزل عليهم الملائكة ﴾ أي : تمدهم بالاهتداء والأنوار، وتلهمهم العلوم والأسرار، في مقابلة تقييض الغافل بالقرناء الأشرار، فكما أن الغافل يخذل بتسليط الغواة في الدارين، كذلك العارف يُمد ويُنصر من قِبل الملائكة في الدارين.
وقوله تعالى :﴿ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا ﴾ أي : حيث وجدتم الله لا تخافوا من شيء، ولا تحزنوا على فوات شيء، إذ لم يفتكم شيء، وماذا فقط من وجده ؟
قال القشيري : لا تخافوا من عزلة الولاية، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الجناية، وأبشروا بحسن العناية، أو : لا تخافوا مما أسلفتم، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم، وأبشروا بالجنة التي وعدتم. أو : لا تخافوا المذلَّة، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الزلَّة، وأبشروا بدوام الوصلة. هـ.
ثم قال في قوله تعالى :﴿ نحن أولياؤكم ﴾ : الولاية من الله تعالى بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة، وهذا الخطاب بقوله :﴿ نحن أولياؤكم ﴾، يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة، الذين يتنزلون عليهم، ويحتمل أن يكون ابتداء خطابٍ من الله تعالى، والنصرة تصدر من المحبة، ولو لم تكن المحبة الأزلية لم تكن تحصل النصرة في الحال. هـ. وكونه من الملائكة أظهر، كما تقدّم. والله تعالى أعلم.

﴿ نحن أولياؤُكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾، كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم، فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين. ﴿ ولكم فيها ما تشتهي أنفسُكم ﴾ من فنون الطيبات، ﴿ ولكم فيها ما تَدَّعون ﴾ ؛ ما تتمنون، افتعال من الدعاء، بمعنى الطلب، ﴿ نُزُلا ﴾ : حال من مفعول " تَدّعون " المحذوف، أو : من " ما "، والنُزُل : ما يقدم للنزيل، وفيه تنبيه على أن ما يتمنونه بالنسبة إلى ما يعطون من عظائم النعيم كالنُزُل للضيف. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن الذين أقرُّوا بقهرية الربوبية، وقاموا بوظائف العبودية، تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة الأبدية. قال القشيري : فأما الاستقامة فهي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها، من غير إخلالٍ بشيء من أقسامها.
ثم قال : مَن كان له أصل الاستقامة، وهي التوحيد، أَمِنَ من الخلود في النار، ومَن كان له كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد، من غير أن يلحقه سوء بحالٍ. ويقال : استقاموا على دوام الشهود، وانفراد القلب بالمعبود، أو : استقاموا في تصفية العقد، ثم في توفية العهد، ثم في صحة القصد، بدوام الوجد، أو : استقاموا بأقوالهم، ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم، في وقتهم وفي مآلهم، أو : داموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محبته، وقاموا بشرائط خدمته.
واستقامة العابد : ألا يعود إلى الفترة واتباع الشهوة، ولا يدخله رياء ولا تصنُّع، واستقامةُ العارف : ألا يشوب معرفته حظ في الدارين، فيحجب به عن مولاه، واستقامةُ المحبين : ألا يكون لهم أرب من غير محبوبهم ؛ يكتفون من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده. هـ.
وقوله تعالى :﴿ تتنزل عليهم الملائكة ﴾ أي : تمدهم بالاهتداء والأنوار، وتلهمهم العلوم والأسرار، في مقابلة تقييض الغافل بالقرناء الأشرار، فكما أن الغافل يخذل بتسليط الغواة في الدارين، كذلك العارف يُمد ويُنصر من قِبل الملائكة في الدارين.
وقوله تعالى :﴿ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا ﴾ أي : حيث وجدتم الله لا تخافوا من شيء، ولا تحزنوا على فوات شيء، إذ لم يفتكم شيء، وماذا فقط من وجده ؟
قال القشيري : لا تخافوا من عزلة الولاية، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الجناية، وأبشروا بحسن العناية، أو : لا تخافوا مما أسلفتم، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم، وأبشروا بالجنة التي وعدتم. أو : لا تخافوا المذلَّة، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الزلَّة، وأبشروا بدوام الوصلة. هـ.
ثم قال في قوله تعالى :﴿ نحن أولياؤكم ﴾ : الولاية من الله تعالى بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة، وهذا الخطاب بقوله :﴿ نحن أولياؤكم ﴾، يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة، الذين يتنزلون عليهم، ويحتمل أن يكون ابتداء خطابٍ من الله تعالى، والنصرة تصدر من المحبة، ولو لم تكن المحبة الأزلية لم تكن تحصل النصرة في الحال. هـ. وكونه من الملائكة أظهر، كما تقدّم. والله تعالى أعلم.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣١:﴿ نحن أولياؤُكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ﴾، كما أن الشياطين قرناء العصاة وإخوانهم، فكذلك الملائكة أولياء المتقين وأحباؤهم في الدارين. ﴿ ولكم فيها ما تشتهي أنفسُكم ﴾ من فنون الطيبات، ﴿ ولكم فيها ما تَدَّعون ﴾ ؛ ما تتمنون، افتعال من الدعاء، بمعنى الطلب، ﴿ نُزُلا ﴾ : حال من مفعول " تَدّعون " المحذوف، أو : من " ما "، والنُزُل : ما يقدم للنزيل، وفيه تنبيه على أن ما يتمنونه بالنسبة إلى ما يعطون من عظائم النعيم كالنُزُل للضيف. والله تعالى أعلم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن الذين أقرُّوا بقهرية الربوبية، وقاموا بوظائف العبودية، تتنزل عليهم الملائكة بالبشارة الأبدية. قال القشيري : فأما الاستقامة فهي الثباتُ على شرائط الإيمان بجملتها، من غير إخلالٍ بشيء من أقسامها.
ثم قال : مَن كان له أصل الاستقامة، وهي التوحيد، أَمِنَ من الخلود في النار، ومَن كان له كمال الاستقامة أَمِنَ من الوعيد، من غير أن يلحقه سوء بحالٍ. ويقال : استقاموا على دوام الشهود، وانفراد القلب بالمعبود، أو : استقاموا في تصفية العقد، ثم في توفية العهد، ثم في صحة القصد، بدوام الوجد، أو : استقاموا بأقوالهم، ثم بأعمالهم، ثم بصفاء أحوالهم، في وقتهم وفي مآلهم، أو : داموا على طاعته، واستقاموا في معرفته، وهاموا في محبته، وقاموا بشرائط خدمته.
واستقامة العابد : ألا يعود إلى الفترة واتباع الشهوة، ولا يدخله رياء ولا تصنُّع، واستقامةُ العارف : ألا يشوب معرفته حظ في الدارين، فيحجب به عن مولاه، واستقامةُ المحبين : ألا يكون لهم أرب من غير محبوبهم ؛ يكتفون من عطائه ببقائه، ومن مقتضى جوده بدوام عِزِّه ووجوده. هـ.
وقوله تعالى :﴿ تتنزل عليهم الملائكة ﴾ أي : تمدهم بالاهتداء والأنوار، وتلهمهم العلوم والأسرار، في مقابلة تقييض الغافل بالقرناء الأشرار، فكما أن الغافل يخذل بتسليط الغواة في الدارين، كذلك العارف يُمد ويُنصر من قِبل الملائكة في الدارين.
وقوله تعالى :﴿ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا ﴾ أي : حيث وجدتم الله لا تخافوا من شيء، ولا تحزنوا على فوات شيء، إذ لم يفتكم شيء، وماذا فقط من وجده ؟
قال القشيري : لا تخافوا من عزلة الولاية، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الجناية، وأبشروا بحسن العناية، أو : لا تخافوا مما أسلفتم، ولا تحزنوا على ما خلَّفتم، وأبشروا بالجنة التي وعدتم. أو : لا تخافوا المذلَّة، ولا تحزنوا على ما أسلفتم من الزلَّة، وأبشروا بدوام الوصلة. هـ.
ثم قال في قوله تعالى :﴿ نحن أولياؤكم ﴾ : الولاية من الله تعالى بمعنى المحبة، وتكون بمعنى النصرة، وهذا الخطاب بقوله :﴿ نحن أولياؤكم ﴾، يحتمل أن يكون من قِبَلِ الملائكة، الذين يتنزلون عليهم، ويحتمل أن يكون ابتداء خطابٍ من الله تعالى، والنصرة تصدر من المحبة، ولو لم تكن المحبة الأزلية لم تكن تحصل النصرة في الحال. هـ. وكونه من الملائكة أظهر، كما تقدّم. والله تعالى أعلم.


ولما ذكر حال أهل الاستقامة، ذكر حال من دعا إليها، أو : تقول : لما ذكر حال أهل الكمال فقط، ذكر أهل الكمال والتكميل، فقال :
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ * ﴿ وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ * ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾ * ﴿ وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ومَن أحسنُ قولاً ممن دعا إِلى اللهِ ﴾ أي : إلى الإقرار بربوبيته، والاستقامة على عبوديته، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من أمته، الدعاة إلى الله في كل عصر، أي : لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى معرفة الله، ﴿ وعَمِل صالحاً ﴾ فيما بينه وبين ربه، بأن عمل أولاً بما دعا إليه، ﴿ وقال إِنني من المسلمين ﴾ تفاخراً بالإسلام، وابتهاجاً بأنه منهم، واتخاذ الإسلام ديناً، من قولهم : هذا قول فلان، أي : مذهبه ؛ لأنه يتكلم بذلك، أو : يقوله تواضعاً، أي : من جملة عامة المسلمين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : قيل : الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاء بالله، وتَرْكِ طلب العِوَض من الله، بل يَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله. ثم قال :﴿ وعَمِلَ صالحاً ﴾ كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه، ويقال : هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم دعوا ـ بعدما عرفوا الطريقَ إلى الله ـ الخلقَ إلى الله، ﴿ وقال إِنني من المسلمين ﴾ لحكمه، الراضين بقضائه وتدبيره. هـ.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : عليك برفض الناس جملة، إلا مَن يدلك على الله، بإشارةٍ صادقة، وأعمال ثابتة، لا ينقضها كتاب ولا سُنَّة. هـ. وشروط الداعي إلى الله على طريق المشيخة أربعة : علم صحيح، وذوق صريح، وهمّة عالية، وحالة مرضية، كما قال زروق رضي الله عنه. وقال الشريشي في رائيته :
وللشيخ آياتٌ إذا لَن تَكنّ له فما هُو إلا في ليالي الْهَوَى يَسْرِي
إذا لَمْ يكن عِلْم لَديْهِ بِظَاهرٍ ولاَ باطنٍ فاضْرِبْ بِهِ لُجَجَ الْبَحْرِ
أما العلم الظاهر فإنما يشترط منه ما يحتاج إليه في خاصة نفسه، ويحتاج إليه المريد في حال سفره إلى ربه، وهو القَدْر الذي لا بُد منه، من أحكام الطهارة والصلاة ونحو ذلك، ولا يشترط التبحُّر في علم الشريعة. قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه : صحبت أبا علي المسندي، فكنت أُلقنه ما يُقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صِرفاً. هـ. ومن المعلوم أن الشيخ ابن عباد لم يُفتح عليه إلا على يد رجل عامي، وقد تحققت تربية كثير من الأولياء، كانوا أميين في علم الظاهر. وأما علم الباطن فالمطلوب فيه التبحُّر التام ؛ إذ المقصود بالذات في الشيخ المصطلح عليه عند القوم هو هذا العلم ؛ لأن المريد إنما يطلب الشيخَ ليسلكه ويعلمه علم الطريقة والحقيقة ؛ فيكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقاً وكشفاً، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس، والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافاً لمَن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم.
وفي الإحياء : المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا مَن يُظهر خلاف ما هو عليه ليُقتدى به، فإنه مُلَبِّس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره ؟. هـ.
قال الورتجبي : ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، أي : ممن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصَدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدَم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويُحبب اللهَ في قلوبهم، وهذا عمله الصالح، ثم يقول بعد كماله وتمكنه : إنني واحد من المسلمين، مِن تواضعه ولطفِ حاله خلقاً وظرافةً، وإن كان إسلامه من قُصارى ـ أي : غاية ـ أحوال المستقيمين. قال سهل : أي ممن دلّ على الله، وعلى عبادة الله وسُنَّة رسوله، واجتناب المناهي، وإدامة الاستقامة مع الله، ثم قال :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ﴾ بيَّن اللهُ هنا أن الخُلق الحسن ليس كالخُلق السيء، وأمر بتبديل الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة، وأحسن الأخلاق : الحلم ؛ إذ يكون به العدو صديقاً، والبعيد قريباً، حين دفع غضبه بحلمه، وظلمَه بعفوه، وسوءَ جانبه بكرمه، وفي مظنة الخطاب : أن مَن كان متخلقاً بخلقه، متصفاً بصفاته، مستقيماً في خدمته، صادقاً في محبته، عارفاً بذاته وصفاته، ليس كالمدعي الذي ليس في دعواه معنى.
ثم قال :﴿ وما يُلقاها إِلا الذين صبروا ﴾، بيَّن الله سبحانه ألا يبلغ أحد درجة الخلق الحسن، وحسنات الأعمال وسُنِيَّات الأفعال، إلا مَن تصبّر في بلاء الله، وامتحانه، بالوسائط وغير الوسائط، ولا يتحمّل هذه البليات إلا ذو حظ عظيم من مشاهدته، وذو نصيب من قربه ووصاله، صاحب معرفة كاملة، ومحبة شاملة : وكمال هذا الصبر الاتصاف بصبر الله، ثم الصبر في مشاهدة الأزل، فبالصبر الاتصافي ومشاهدة الأبدي، والحظ الجمالي، يوازي طوارق صدمات الألوهية، وغلبات القهّارية. ثم قال : عن الجنيد : ما يوفق لهذا المقام إلا ذو حظ عظيم من عناية الحق فيه. هـ.

﴿ ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ ﴾، هذا بيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد، إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب عزّ وجل ترغيباً للدعاة إلى الله في الصبر على إذاية الخلق، لأن كل مَن يأمر بالحق يُؤذَى، فأُمروا بمقابلة الإساءة بالإحسان، أي : لا تستوي الخصلة الحسنة والخصلة السيئة، و( لا ) : مزيدة، لتأكيد النفي، ﴿ ادفع بالتي هي أحسنُ ﴾ أي : ادفع السيئة التي اعترضتك من بعض أعدائك بالتي هي أحسن منها، وهي : أن تُحسن إليه في مقابلة إساءته، فالحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها، وادفع بها السيئة، كما لو أساء إليك رجل، فالحسنة : أن تعفو عنه، والتي هي أحسن : أن تُحسن إليه مكان إساءته، مثل أن يذمك فتمدحه، ويحرمك فتعطيه، ويقطعك فتصله. وعن ابن عباس رضي الله عنه : التي هي أحسن : الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة. ه.
﴿ فإِذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم ﴾ أي : فإنك إن فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقق مثل وليك الحميم الشفيق، مصافاة لك، وهذا صعب على النفوس، ولذلك قال :﴿ وما يُلقاها إلا الذين صبروا ﴾.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : قيل : الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاء بالله، وتَرْكِ طلب العِوَض من الله، بل يَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله. ثم قال :﴿ وعَمِلَ صالحاً ﴾ كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه، ويقال : هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم دعوا ـ بعدما عرفوا الطريقَ إلى الله ـ الخلقَ إلى الله، ﴿ وقال إِنني من المسلمين ﴾ لحكمه، الراضين بقضائه وتدبيره. هـ.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : عليك برفض الناس جملة، إلا مَن يدلك على الله، بإشارةٍ صادقة، وأعمال ثابتة، لا ينقضها كتاب ولا سُنَّة. هـ. وشروط الداعي إلى الله على طريق المشيخة أربعة : علم صحيح، وذوق صريح، وهمّة عالية، وحالة مرضية، كما قال زروق رضي الله عنه. وقال الشريشي في رائيته :
وللشيخ آياتٌ إذا لَن تَكنّ له فما هُو إلا في ليالي الْهَوَى يَسْرِي
إذا لَمْ يكن عِلْم لَديْهِ بِظَاهرٍ ولاَ باطنٍ فاضْرِبْ بِهِ لُجَجَ الْبَحْرِ
أما العلم الظاهر فإنما يشترط منه ما يحتاج إليه في خاصة نفسه، ويحتاج إليه المريد في حال سفره إلى ربه، وهو القَدْر الذي لا بُد منه، من أحكام الطهارة والصلاة ونحو ذلك، ولا يشترط التبحُّر في علم الشريعة. قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه : صحبت أبا علي المسندي، فكنت أُلقنه ما يُقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صِرفاً. هـ. ومن المعلوم أن الشيخ ابن عباد لم يُفتح عليه إلا على يد رجل عامي، وقد تحققت تربية كثير من الأولياء، كانوا أميين في علم الظاهر. وأما علم الباطن فالمطلوب فيه التبحُّر التام ؛ إذ المقصود بالذات في الشيخ المصطلح عليه عند القوم هو هذا العلم ؛ لأن المريد إنما يطلب الشيخَ ليسلكه ويعلمه علم الطريقة والحقيقة ؛ فيكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقاً وكشفاً، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس، والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافاً لمَن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم.
وفي الإحياء : المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا مَن يُظهر خلاف ما هو عليه ليُقتدى به، فإنه مُلَبِّس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره ؟. هـ.
قال الورتجبي : ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، أي : ممن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصَدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدَم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويُحبب اللهَ في قلوبهم، وهذا عمله الصالح، ثم يقول بعد كماله وتمكنه : إنني واحد من المسلمين، مِن تواضعه ولطفِ حاله خلقاً وظرافةً، وإن كان إسلامه من قُصارى ـ أي : غاية ـ أحوال المستقيمين. قال سهل : أي ممن دلّ على الله، وعلى عبادة الله وسُنَّة رسوله، واجتناب المناهي، وإدامة الاستقامة مع الله، ثم قال :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ﴾ بيَّن اللهُ هنا أن الخُلق الحسن ليس كالخُلق السيء، وأمر بتبديل الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة، وأحسن الأخلاق : الحلم ؛ إذ يكون به العدو صديقاً، والبعيد قريباً، حين دفع غضبه بحلمه، وظلمَه بعفوه، وسوءَ جانبه بكرمه، وفي مظنة الخطاب : أن مَن كان متخلقاً بخلقه، متصفاً بصفاته، مستقيماً في خدمته، صادقاً في محبته، عارفاً بذاته وصفاته، ليس كالمدعي الذي ليس في دعواه معنى.
ثم قال :﴿ وما يُلقاها إِلا الذين صبروا ﴾، بيَّن الله سبحانه ألا يبلغ أحد درجة الخلق الحسن، وحسنات الأعمال وسُنِيَّات الأفعال، إلا مَن تصبّر في بلاء الله، وامتحانه، بالوسائط وغير الوسائط، ولا يتحمّل هذه البليات إلا ذو حظ عظيم من مشاهدته، وذو نصيب من قربه ووصاله، صاحب معرفة كاملة، ومحبة شاملة : وكمال هذا الصبر الاتصاف بصبر الله، ثم الصبر في مشاهدة الأزل، فبالصبر الاتصافي ومشاهدة الأبدي، والحظ الجمالي، يوازي طوارق صدمات الألوهية، وغلبات القهّارية. ثم قال : عن الجنيد : ما يوفق لهذا المقام إلا ذو حظ عظيم من عناية الحق فيه. هـ.

﴿ وما يُلقاها إلا الذين صبروا ﴾ أي : ما يلقى هذه الخصلة التي في مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، ﴿ وما يُلقاها إِلا ذو حظ عظيم ﴾ من الله تعالى وسبق عنايته بكمال النفس وتهذيبها. وعن ابن عباس رضي الله عنه : الحظ العظيم : الثواب، وعن الحسن : والله ما عظم حظ دون الجنة. وقيل : نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان عدوّاً مؤذياً للنبي صلى الله عليه وسلم فصار وليّاً مصافياً له، وبقيت عامة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : قيل : الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاء بالله، وتَرْكِ طلب العِوَض من الله، بل يَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله. ثم قال :﴿ وعَمِلَ صالحاً ﴾ كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه، ويقال : هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم دعوا ـ بعدما عرفوا الطريقَ إلى الله ـ الخلقَ إلى الله، ﴿ وقال إِنني من المسلمين ﴾ لحكمه، الراضين بقضائه وتدبيره. هـ.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : عليك برفض الناس جملة، إلا مَن يدلك على الله، بإشارةٍ صادقة، وأعمال ثابتة، لا ينقضها كتاب ولا سُنَّة. هـ. وشروط الداعي إلى الله على طريق المشيخة أربعة : علم صحيح، وذوق صريح، وهمّة عالية، وحالة مرضية، كما قال زروق رضي الله عنه. وقال الشريشي في رائيته :
وللشيخ آياتٌ إذا لَن تَكنّ له فما هُو إلا في ليالي الْهَوَى يَسْرِي
إذا لَمْ يكن عِلْم لَديْهِ بِظَاهرٍ ولاَ باطنٍ فاضْرِبْ بِهِ لُجَجَ الْبَحْرِ
أما العلم الظاهر فإنما يشترط منه ما يحتاج إليه في خاصة نفسه، ويحتاج إليه المريد في حال سفره إلى ربه، وهو القَدْر الذي لا بُد منه، من أحكام الطهارة والصلاة ونحو ذلك، ولا يشترط التبحُّر في علم الشريعة. قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه : صحبت أبا علي المسندي، فكنت أُلقنه ما يُقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صِرفاً. هـ. ومن المعلوم أن الشيخ ابن عباد لم يُفتح عليه إلا على يد رجل عامي، وقد تحققت تربية كثير من الأولياء، كانوا أميين في علم الظاهر. وأما علم الباطن فالمطلوب فيه التبحُّر التام ؛ إذ المقصود بالذات في الشيخ المصطلح عليه عند القوم هو هذا العلم ؛ لأن المريد إنما يطلب الشيخَ ليسلكه ويعلمه علم الطريقة والحقيقة ؛ فيكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقاً وكشفاً، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس، والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافاً لمَن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم.
وفي الإحياء : المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا مَن يُظهر خلاف ما هو عليه ليُقتدى به، فإنه مُلَبِّس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره ؟. هـ.
قال الورتجبي : ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، أي : ممن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصَدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدَم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويُحبب اللهَ في قلوبهم، وهذا عمله الصالح، ثم يقول بعد كماله وتمكنه : إنني واحد من المسلمين، مِن تواضعه ولطفِ حاله خلقاً وظرافةً، وإن كان إسلامه من قُصارى ـ أي : غاية ـ أحوال المستقيمين. قال سهل : أي ممن دلّ على الله، وعلى عبادة الله وسُنَّة رسوله، واجتناب المناهي، وإدامة الاستقامة مع الله، ثم قال :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ﴾ بيَّن اللهُ هنا أن الخُلق الحسن ليس كالخُلق السيء، وأمر بتبديل الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة، وأحسن الأخلاق : الحلم ؛ إذ يكون به العدو صديقاً، والبعيد قريباً، حين دفع غضبه بحلمه، وظلمَه بعفوه، وسوءَ جانبه بكرمه، وفي مظنة الخطاب : أن مَن كان متخلقاً بخلقه، متصفاً بصفاته، مستقيماً في خدمته، صادقاً في محبته، عارفاً بذاته وصفاته، ليس كالمدعي الذي ليس في دعواه معنى.
ثم قال :﴿ وما يُلقاها إِلا الذين صبروا ﴾، بيَّن الله سبحانه ألا يبلغ أحد درجة الخلق الحسن، وحسنات الأعمال وسُنِيَّات الأفعال، إلا مَن تصبّر في بلاء الله، وامتحانه، بالوسائط وغير الوسائط، ولا يتحمّل هذه البليات إلا ذو حظ عظيم من مشاهدته، وذو نصيب من قربه ووصاله، صاحب معرفة كاملة، ومحبة شاملة : وكمال هذا الصبر الاتصاف بصبر الله، ثم الصبر في مشاهدة الأزل، فبالصبر الاتصافي ومشاهدة الأبدي، والحظ الجمالي، يوازي طوارق صدمات الألوهية، وغلبات القهّارية. ثم قال : عن الجنيد : ما يوفق لهذا المقام إلا ذو حظ عظيم من عناية الحق فيه. هـ.

﴿ وإِما يَنزغنَّك من الشيطان نزغٌ ﴾، النزغ : شِبه النخس، والشيطان ينزغ الإنسان، كأنه ينخسه، يبعثه على ما لا ينبغي، وجعل النزغ نازغاً مجاز، كجدّ جدّه، والمعنى : وإن طرقك الشيطان على ترك ما وُصِّيْتَ به من الدفع بالتي هي أحسن، ﴿ فاستعِذْ بالله ﴾ من شرِّه، وامضِ على حلمك ولا تُطعه، ﴿ إِنه هو السميعُ ﴾ لاستعاذتك، ﴿ العليمُ ﴾ بنيتك وتعلقك به، أو : بنزغ الشيطان ووسوسته. وهو تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم إذ كان شيطانه أسلم على يده.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قال القشيري : قيل : الداعي إلى الله هو الذي يدعو الناس إلى الاكتفاء بالله، وتَرْكِ طلب العِوَض من الله، بل يَكِلُ أمره إلى الله، ويرضى من الله بقسمة الله. ثم قال :﴿ وعَمِلَ صالحاً ﴾ كما يدعو الخلق إلى الله يأتي بما يدعوهم إليه، ويقال : هم الذين عرفوا طريقَ الله، ثم دعوا ـ بعدما عرفوا الطريقَ إلى الله ـ الخلقَ إلى الله، ﴿ وقال إِنني من المسلمين ﴾ لحكمه، الراضين بقضائه وتدبيره. هـ.
وقال الشاذلي رضي الله عنه : عليك برفض الناس جملة، إلا مَن يدلك على الله، بإشارةٍ صادقة، وأعمال ثابتة، لا ينقضها كتاب ولا سُنَّة. هـ. وشروط الداعي إلى الله على طريق المشيخة أربعة : علم صحيح، وذوق صريح، وهمّة عالية، وحالة مرضية، كما قال زروق رضي الله عنه. وقال الشريشي في رائيته :
وللشيخ آياتٌ إذا لَن تَكنّ له فما هُو إلا في ليالي الْهَوَى يَسْرِي
إذا لَمْ يكن عِلْم لَديْهِ بِظَاهرٍ ولاَ باطنٍ فاضْرِبْ بِهِ لُجَجَ الْبَحْرِ
أما العلم الظاهر فإنما يشترط منه ما يحتاج إليه في خاصة نفسه، ويحتاج إليه المريد في حال سفره إلى ربه، وهو القَدْر الذي لا بُد منه، من أحكام الطهارة والصلاة ونحو ذلك، ولا يشترط التبحُّر في علم الشريعة. قال الشيخ أبو يزيد رضي الله عنه : صحبت أبا علي المسندي، فكنت أُلقنه ما يُقيم به فرضه، وكان يعلمني التوحيد والحقائق صِرفاً. هـ. ومن المعلوم أن الشيخ ابن عباد لم يُفتح عليه إلا على يد رجل عامي، وقد تحققت تربية كثير من الأولياء، كانوا أميين في علم الظاهر. وأما علم الباطن فالمطلوب فيه التبحُّر التام ؛ إذ المقصود بالذات في الشيخ المصطلح عليه عند القوم هو هذا العلم ؛ لأن المريد إنما يطلب الشيخَ ليسلكه ويعلمه علم الطريقة والحقيقة ؛ فيكون عنده علم تام بالله وصفاته وأسمائه، ذوقاً وكشفاً، وعلم بآفات الطريق، ومكائد النفس، والشيطان، وطرق المواجيد، وتحقيق المقامات، كما هو مقرر في فنه، وهذا الداعي لا تخلو الأرض منه على الكمال، خلافاً لمَن حكم بانقطاعه. والله تعالى أعلم.
وفي الإحياء : المقتدى به هو الذي استقام في نفسه، واستنار قلبه فانتشر نوره إلى غيره، لا مَن يُظهر خلاف ما هو عليه ليُقتدى به، فإنه مُلَبِّس، لم ينصح لنفسه، فكيف بغيره ؟. هـ.
قال الورتجبي : ومَن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله، أي : ممن عرف الله بعد أن رآه وأحبّه واشتاق إليه، ودعا الخلق إليه، من حيث هو فيه وصَدقه في حاله، يدعو الخلق إلى الله بلسان الأفعال، وصدق المقال، وحلاوة الأحوال، ويذكر لهم شمائل القِدَم وحق الربوبية، ويُعرفهم صفات الحق وجلال ذاته، ويُحبب اللهَ في قلوبهم، وهذا عمله الصالح، ثم يقول بعد كماله وتمكنه : إنني واحد من المسلمين، مِن تواضعه ولطفِ حاله خلقاً وظرافةً، وإن كان إسلامه من قُصارى ـ أي : غاية ـ أحوال المستقيمين. قال سهل : أي ممن دلّ على الله، وعلى عبادة الله وسُنَّة رسوله، واجتناب المناهي، وإدامة الاستقامة مع الله، ثم قال :﴿ ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ﴾ بيَّن اللهُ هنا أن الخُلق الحسن ليس كالخُلق السيء، وأمر بتبديل الأخلاق المذمومة بالأخلاق المحمودة، وأحسن الأخلاق : الحلم ؛ إذ يكون به العدو صديقاً، والبعيد قريباً، حين دفع غضبه بحلمه، وظلمَه بعفوه، وسوءَ جانبه بكرمه، وفي مظنة الخطاب : أن مَن كان متخلقاً بخلقه، متصفاً بصفاته، مستقيماً في خدمته، صادقاً في محبته، عارفاً بذاته وصفاته، ليس كالمدعي الذي ليس في دعواه معنى.
ثم قال :﴿ وما يُلقاها إِلا الذين صبروا ﴾، بيَّن الله سبحانه ألا يبلغ أحد درجة الخلق الحسن، وحسنات الأعمال وسُنِيَّات الأفعال، إلا مَن تصبّر في بلاء الله، وامتحانه، بالوسائط وغير الوسائط، ولا يتحمّل هذه البليات إلا ذو حظ عظيم من مشاهدته، وذو نصيب من قربه ووصاله، صاحب معرفة كاملة، ومحبة شاملة : وكمال هذا الصبر الاتصاف بصبر الله، ثم الصبر في مشاهدة الأزل، فبالصبر الاتصافي ومشاهدة الأبدي، والحظ الجمالي، يوازي طوارق صدمات الألوهية، وغلبات القهّارية. ثم قال : عن الجنيد : ما يوفق لهذا المقام إلا ذو حظ عظيم من عناية الحق فيه. هـ.

ثم بين دلائل توحيده، فقال :
﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ وَلاَ لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُواْ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ﴾ * ﴿ فَإِنِ اسْتَكْبَرُواْ فَالَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لاَ يَسْأَمُونَ ﴾ * ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ومن آياته ﴾ الدالة على وحدانيته :﴿ الليلُ والنهارُ ﴾ في تعاقبهما على حدِّ معلوم، وتناوبهما على قدرٍ مقسوم، ﴿ والشمسُ والقمرُ ﴾ في اختصاصهما بسير مقدّر، ونورٍ مقرّر ؛ إذ لا يصدر ذلك إلا من واحد قهّار. ﴿ لا تسجدوا للشمسِ ولا للقمر ﴾ ؛ فإنها مخلوقان مثلكم، وإن كثرت منافعهما، ﴿ واسجُدُوا لله الذي خلقهنَّ ﴾ أي : الليل والنهار والشمس والقمر. وحكم جماعة ما لا يعقل حكم الأنثى أو الإناث في الضمير، تقول : الأقلام بريتها وبريتهنّ. ولعلّ ناساً من المشركين كانوا يسجدون للشمس والقمر، تبعاً للصّابئين من المجوس في عبادتهم الكواكب، ويزعمون أنهم يقصدون بالسجود لها السجود لله تعالى فنُهوا عن هذه الواسطة، وأُمِرُوا أن يقصدوا بسجودهم وَجْهَ الله وحده، إن كانوا موحدين، ولذلك قال :﴿ إِن كنتم إِياه تعبدون ﴾ فإن السجود أقصى مراتب العبادة، فلا بد من تخصيصه به سبحانه، وهذا موضع السجدة عند مالك والشافعي، وعند أبي حنيفة :( لا يسأمون ).
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الليل والنهار والشمس والقمر خَلَقَهن من أجلك، فعارٌ عليك أن تخضع لِمَا خُلق لك، وتترك المنعِّم بها عليك. قال القشيري : الحق ـ سبحانه ـ يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر مع علوهما، وأنت لأجلِ حظِّ خِسِيسٍ تنقل قَدَمك إلى كلّ أحدٍ، وتذل وجهك لكل أحد. هـ. وأما الخضوع لمَن أمر الله بالخضوع له من الدعاة إلى الله فهو من الخضوع لله، كأمر الملائكة بالسجود لآدم، وكأمره بالخضوع للأنبياء والأولياء، فكان مآل مَن سجد وخضع التقريب، ومآل مَن استكبر وأنف الطرد والبُعد، والله تعالى غني عن الكل، ولذلك قال :﴿ فإن استكبروا... ﴾ الآية.
قوله تعالى :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرضَ خاشعةً... ﴾ الآية، وكذلك أرض النفوس تراها يابسة بالغفلة والقسوة والجهل، فإذا أنزل عليها ماء الحياة، وهي خمرة المحبة، هاجت وارتفعت، وحييت بذكر الله ومعرفته، إن الذي أحيا الأرض الحسية قادر على إحياء النفوس الميتة بالغفلة، وانظر القشيري.

﴿ فإِن استكبروا ﴾ عن الامتثال، ﴿ فالذين عند ربك ﴾ من الملائكة ﴿ يُسبّحون له بالليل والنهار ﴾ أي : دائماً، ﴿ وهم لا يسأمون ﴾ ؛ لا يملُّون ولا يَفْتُرون، والمعنى : فإن استكبر هؤلاء وأَبوا إلا الواسطة، فدعْهم وشأنَهم، فإن الله غني عنهم، وقد عمّر سماواته بمَن يعبده، وينزهه بالليل والنهار عن الأنداد. والعندية عبارة عن الزلفى والكرامة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الليل والنهار والشمس والقمر خَلَقَهن من أجلك، فعارٌ عليك أن تخضع لِمَا خُلق لك، وتترك المنعِّم بها عليك. قال القشيري : الحق ـ سبحانه ـ يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر مع علوهما، وأنت لأجلِ حظِّ خِسِيسٍ تنقل قَدَمك إلى كلّ أحدٍ، وتذل وجهك لكل أحد. هـ. وأما الخضوع لمَن أمر الله بالخضوع له من الدعاة إلى الله فهو من الخضوع لله، كأمر الملائكة بالسجود لآدم، وكأمره بالخضوع للأنبياء والأولياء، فكان مآل مَن سجد وخضع التقريب، ومآل مَن استكبر وأنف الطرد والبُعد، والله تعالى غني عن الكل، ولذلك قال :﴿ فإن استكبروا... ﴾ الآية.
قوله تعالى :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرضَ خاشعةً... ﴾ الآية، وكذلك أرض النفوس تراها يابسة بالغفلة والقسوة والجهل، فإذا أنزل عليها ماء الحياة، وهي خمرة المحبة، هاجت وارتفعت، وحييت بذكر الله ومعرفته، إن الذي أحيا الأرض الحسية قادر على إحياء النفوس الميتة بالغفلة، وانظر القشيري.

﴿ ومن آياته ﴾ أيضاً ﴿ أنك ترى الأرضَ خاشعةً ﴾ ؛ يابسةً مغبرة. والخشوع : التذلُّل، فاستعير للأرض إذا كانت قحطة لا نبات فيها، ﴿ فإِذا أنزلنا عليها الماء ﴾ ؛ المطر ﴿ اهتزّتْ ﴾ أي : تحركت ﴿ ورَبَتْ ﴾ ؛ انتفخت ؛ لأن النبات إذا دنا أن يظهر ارتفعت به وانتفخت، ثم تصدّعت عن النبات، وقيل : تزخرفت وارتفعت بارتفاع نباتها، ﴿ إِنَّ الذي أحياها لمحيي الموتَى ﴾ بالبعث، ﴿ إِنه على كل شيءٍ قديرٌ ﴾، ومن جملة الأشياء : البعث والحساب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الليل والنهار والشمس والقمر خَلَقَهن من أجلك، فعارٌ عليك أن تخضع لِمَا خُلق لك، وتترك المنعِّم بها عليك. قال القشيري : الحق ـ سبحانه ـ يأمرك بصيانة وجهك عن الشمس والقمر مع علوهما، وأنت لأجلِ حظِّ خِسِيسٍ تنقل قَدَمك إلى كلّ أحدٍ، وتذل وجهك لكل أحد. هـ. وأما الخضوع لمَن أمر الله بالخضوع له من الدعاة إلى الله فهو من الخضوع لله، كأمر الملائكة بالسجود لآدم، وكأمره بالخضوع للأنبياء والأولياء، فكان مآل مَن سجد وخضع التقريب، ومآل مَن استكبر وأنف الطرد والبُعد، والله تعالى غني عن الكل، ولذلك قال :﴿ فإن استكبروا... ﴾ الآية.
قوله تعالى :﴿ ومن آياته أنك ترى الأرضَ خاشعةً... ﴾ الآية، وكذلك أرض النفوس تراها يابسة بالغفلة والقسوة والجهل، فإذا أنزل عليها ماء الحياة، وهي خمرة المحبة، هاجت وارتفعت، وحييت بذكر الله ومعرفته، إن الذي أحيا الأرض الحسية قادر على إحياء النفوس الميتة بالغفلة، وانظر القشيري.

ثم ذكر حال من أعرض عن الآيات، فقال :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُواْ مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ * ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِالذِّكْرِ لَمَّا جَآءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ﴾ * ﴿ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِن الذين يُلحدون في آياتنا ﴾ أي : يميلون عن الحق في أدلتنا التكوينية، الدالة على وحدانيتنا، فلا ينظرون فيها، أو : يُلحدون في آياتنا التنزيلية، بالطعن فيها، وتحريفها، بحملها على المحامل الباطلة، ﴿ لا يَخْفَونَ علينا ﴾، بل نجازيهم على ذلك. يقال : ألحد الكافر ولحدَ : إذا مال عن الاستقامة عن الحق.
ثم ذكر جزاءهم فقال :﴿ أفمن يُلقى في النار خيرٌ أم من يأتي آمناً يومَ القيامةِ ﴾ قيل : نزلت في أبي جهل وعثمان، وهي عامة، ﴿ اعملوا ما شئتم ﴾ من الأعمال المؤدية إلى ما ذكر من الإبقاء في النار، والإتيان آمناً، وفيه تهديد وتنديد. ﴿ إِنه بما تعملون بصيرٌ ﴾ فيجازيكم بحسب أعمالكم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن الذين يُلحدون في آياتنا، فيطعنون في أوليائنا، الدالين علينا، لا يخفون علينا، وسيُلقون في نار القطيعة والبُعد مع عموم الخوف من هول المطَّلع، أفمن يُلقى في النار خير أم مَن يأتي آمناً يوم القيامة ؟ اعملوا ما شئتم من التسليم أو الانتقاد، وكل مَن لا يصحب الرجال لا يخلو خاطره من شك أو وَهْم في مواعيد القرآن، كالرزق وغيره، ينسحب عليه قوله :﴿ إِن الذين كفروا بالذكر... ﴾ الآية، من طريق الإشارة. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وإِنه لكتابٌ عزيز ﴾ قال الشيخ عبد الرحمان اللجاي في كتاب " قطب العارفين " : الكتاب عزيز، وعلم الكتاب أعز، والعلم عزيز، والعمل به أعز، والعمل عزيز، والذوق أعز، والذوق عزيز، والمشاهدة في الذوق أعز، والمشاهدة عزيزة، والموافقة في المشاهدة أعز، والموافقة عزيزة، والأنفس في الموافقة أعز، والأنس عزيز، وآداب الأنس أعز. ثم قال : لكن لا يستنشق رائحة هذه المقامات مَن غلب جهلُه على علمه، وهواه على عقله، وسفهُه على حلمه. هـ.

﴿ إِن الذين كفروا بالذِكْرِ ﴾ ؛ القرآن ﴿ لمَّا ﴾ حين ﴿ جاءهم ﴾ مخلَّدون في النار، أو : هالكون، أو : معاندون، فخبر " إن " محذوف، دلَّ عليه ما قبله. وقيل : بدل من قوله :﴿ إِن الذين يُلحدون في آياتنا ﴾ فخبر " إن " هو الخبر السابق، وقال عمرو بن العلاء : الخبر :﴿ أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ ﴾ [ فصلت : ٤٤ ]، ورُدّ بكثرة الفصل.
ثم فسّر الذكر المذكور بقوله :﴿ وإِنه لكتابٌ عزيز ﴾، منيع، محميّ بحماية الله، لا تتأتى معارضته بحال، أو : كثير المنافع، عديم النظير.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن الذين يُلحدون في آياتنا، فيطعنون في أوليائنا، الدالين علينا، لا يخفون علينا، وسيُلقون في نار القطيعة والبُعد مع عموم الخوف من هول المطَّلع، أفمن يُلقى في النار خير أم مَن يأتي آمناً يوم القيامة ؟ اعملوا ما شئتم من التسليم أو الانتقاد، وكل مَن لا يصحب الرجال لا يخلو خاطره من شك أو وَهْم في مواعيد القرآن، كالرزق وغيره، ينسحب عليه قوله :﴿ إِن الذين كفروا بالذكر... ﴾ الآية، من طريق الإشارة. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وإِنه لكتابٌ عزيز ﴾ قال الشيخ عبد الرحمان اللجاي في كتاب " قطب العارفين " : الكتاب عزيز، وعلم الكتاب أعز، والعلم عزيز، والعمل به أعز، والعمل عزيز، والذوق أعز، والذوق عزيز، والمشاهدة في الذوق أعز، والمشاهدة عزيزة، والموافقة في المشاهدة أعز، والموافقة عزيزة، والأنفس في الموافقة أعز، والأنس عزيز، وآداب الأنس أعز. ثم قال : لكن لا يستنشق رائحة هذه المقامات مَن غلب جهلُه على علمه، وهواه على عقله، وسفهُه على حلمه. هـ.

﴿ لا يأتيه الباطلُ مِن بين يديه ولا مِن خلفه ﴾ أي : لا يتطرقه الباطل من جهة من الجهات، أو : لا يأتيه التبديل والتحريف، أو : التناقض بوجه من الوجوه، وأما النسخ فليس بمبطل للمنسوخ، بل هو : انتهاء حكم إلى مدة وابتداء حكم آخر، خلافاً لمَن احتجّ بالآية على عدم النسخ في القرآن، انظر ابن عرفة. ﴿ تنزيلٌ من حكيم حميدٍ ﴾ أي : تنزيل من حكيم محمود، ف " تنزيل " : خبر عن مضمر، أو : صفة أخرى لكتاب، مفيدة لفخامته الإضافية، كما أن الصلتين السابقتين، مفيدتان لفخامته الذاتية، كل ذلك لتأكيد بطلان الكفر به وبشاعة قُبحه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إن الذين يُلحدون في آياتنا، فيطعنون في أوليائنا، الدالين علينا، لا يخفون علينا، وسيُلقون في نار القطيعة والبُعد مع عموم الخوف من هول المطَّلع، أفمن يُلقى في النار خير أم مَن يأتي آمناً يوم القيامة ؟ اعملوا ما شئتم من التسليم أو الانتقاد، وكل مَن لا يصحب الرجال لا يخلو خاطره من شك أو وَهْم في مواعيد القرآن، كالرزق وغيره، ينسحب عليه قوله :﴿ إِن الذين كفروا بالذكر... ﴾ الآية، من طريق الإشارة. والله تعالى أعلم.
وقوله تعالى :﴿ وإِنه لكتابٌ عزيز ﴾ قال الشيخ عبد الرحمان اللجاي في كتاب " قطب العارفين " : الكتاب عزيز، وعلم الكتاب أعز، والعلم عزيز، والعمل به أعز، والعمل عزيز، والذوق أعز، والذوق عزيز، والمشاهدة في الذوق أعز، والمشاهدة عزيزة، والموافقة في المشاهدة أعز، والموافقة عزيزة، والأنفس في الموافقة أعز، والأنس عزيز، وآداب الأنس أعز. ثم قال : لكن لا يستنشق رائحة هذه المقامات مَن غلب جهلُه على علمه، وهواه على عقله، وسفهُه على حلمه. هـ.

ثم سلى نبيه من تكذيب قومه، فقال :
﴿ مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ ﴾ * ﴿ وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ هُدًى وَشِفَآءٌ وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ فِيا آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ما يُقال لك ﴾ أي : ما يقول لك كفار قومك ﴿ إِلا ما قدْ قيلَ للرسل مِن قبلك ﴾ ؛ إلا مثل ما قال للرسل كفارُ قومهم، من الكلمات المؤذية، والمطاعن في الكتب المنزلة، فاصبر كما صبروا، ﴿ إِن ربك لذو مغفرةٍ ﴾ ورحمة لأنبيائه ﴿ وذو عقابٍ أليمٍ ﴾ لأعدائهم، وقد نصر مَن قبلك مِن الرسل، وانتقم مِن أعدائهم، وسيفعل مثل ذلك بك وبأعدائك، و :﴿ ما يُقال لك ﴾ من الوحي وتخاطب به من جهته تعالى، ﴿ إِلا ما قد قيل للرسل ﴾ وأوحي إليهم، فلست ببدع منهم ﴿ إِن ربك لذو مغفرة ﴾ لمَن صدق وحيه، ﴿ وذو عقاب أليم ﴾ لمَن كذب.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما يُقال لك أيها المتوجه أو الوليّ، إلا ما قد قيل لِمن قبلك من المنتسبين، فقد أُوذِي مَن قبلك من أهل النسبة بأنواع الإذايات ؛ من ضربٍ وقتلٍ وسجنٍ، وغير ذلك، ففيهم أُسوة لمن بَعدهم، ﴿ إِن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ﴾.
ومما جرت عادة الله في خلقه ألا يُسَلِّموا لأحياء عصرهم ما نطقوا به من حِكَم، وأَتَوا به من علوم، ولو بلغت من البلاغة ما بلغت، كما وقع مِن طعن الكفرة في القرآن، على أيّ وجه جاء، وهي نزعة جاهلية.
وقوله تعالى :﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ﴾، قال الورتجبي : هُدىً، لقلوب العارفين إلى معدنه، وهو الذات القديم، وشفاء لقلوب العاشقين، وأرواح مرضى المحبة وسُقمى الصبابة، فلأنه خطاب حبيبهم، وكتاب مشوقهم، يستلذُّونه من حيث العبارات، ويعرفونه من حيث الإشارات. هـ. وقوله تعالى :﴿ في آذانهم وقر ﴾ قال ذو النون : من وُقِر سمعُه وأصم عن نداء الحق في الأزل، لا يسمع نداءه عند الإيجاد، وإن سمعه كان ذلك عليه عمىً، ويكون عن دقائقه بعيداً، وذلك أنهم نُودوا عن بُعد، ولم يكونوا بالقرب. هـ. فكل مَن قرأه ذاهلاً عن تدبُّره بوساوس نفسه، فهو ممن نُودي في الأزل عن بُعد. وبالله التوفيق.

﴿ ولو جعلناه ﴾ أي : الذكر ﴿ قرآناً أعجمياً لقالوا لولا فُصِّلتْ آياتهُ ﴾ أي : هلاَّ بُيّنت بلسان العرب حتى نفهمها، كانوا يقولون : لتعنتِهم : هلاّ نزل القرآن بلغة العجم ! فقيل لهم : لو كان كما تقترحون لقلتم : هلاّ بُيّنت آياته بلغتنا لنفهمه، ﴿ أأعجميٌّ وعربيٌّ ﴾، بهمزتين الأولى للإنكار، يعني : لو نزل بلغة العجم لأنكروا وقالوا : أقرآن أعجمي ورسول عربي ؟ والأعجمي : الذي لا يفصح ولا يُفهم كلامه، سواء كان من العجم أو من العرب، والعجمي : منسوب إلى أمة العجم، فصيحاً كان أو غير فصيح، ومَن قرأ بهمزة واحدة، فالمعنى : هلاَّ فُصّلت آياته فيجعل بعضها أعجمياً لإفهام العجم، وبعضها عربيّاً لإفهام العرب، فيكون معنى " فُصِّلت " : نُوِّعَت.
وقُرئ " أعجمي " بفتح العين، ويتجه على كونهم طعنوا فيه من أجل ما فيه من الكلمة العجمية، ك ﴿ سِجِّينٍ ﴾ [ المطفِفين : ٧ ] و﴿ إِسْتَبْرَقٍ ﴾ [ الكهف : ٣١ ]، فقالوا : فيه أعجمي وعربي، مخلط من كلام العرب وكلام العجم، وأيّاً ما كان فالمقصود : أن آيات الله عزّ وجل على أيِّ طريق جاءتهم وجدوا متعنتاً يتعلّلون به ؛ لأنهم غير طالبين للحقِّ، وإنما يتعبون أهواءهم. ﴿ قل هو للذين آمنوا هُدًى ﴾ يهديهم إلى الحق، ﴿ وشفاءٌ ﴾ لما في الصدور من شك وشبهة ؛ إذ الشك مرض.
﴿ والذين لا يؤمنون ﴾ به ﴿ في آذانهم وَقْرٌ ﴾ أي : صمم، فالموصول : مبتدأ، والجار : خبره، وقيل : في موضع الجر، بدل من ( الذين آمنوا ) أي : هو للذين آمنوا هُدىً وللذين لا يؤمنون في آذانهم وقر، إلا أن فيه عطفاً على عاملين، وهو جائز عند الأخفش. ﴿ وهو ﴾ أي : القرآن ﴿ عليهم عَمىً ﴾ ظلمة وشبهة، ﴿ أولئك ﴾ البعداء الموصوفون بما ذكر من التعامي عن الحق الذي يسمعونه، والتعامي عن الآيات الظاهرة التي يشاهدونها، ﴿ يُنادَوْنَ من مكان بعيدٍ ﴾ يعني : أنهم لعدم قبولهم وانتفاعهم، كأنهم يُنادون إلى الإيمان بالقرآن من حيث لا يسمعون، لبُعد المسافة، وهو تمثيل لحالهم بحال مَن يُنادي من مسافة بعيدة ؛ لا يكاد يسمع من مسافتها الأصوات، وقيل : ينادون في القيامة من مكان بعيد بأقبح الأسماء.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : ما يُقال لك أيها المتوجه أو الوليّ، إلا ما قد قيل لِمن قبلك من المنتسبين، فقد أُوذِي مَن قبلك من أهل النسبة بأنواع الإذايات ؛ من ضربٍ وقتلٍ وسجنٍ، وغير ذلك، ففيهم أُسوة لمن بَعدهم، ﴿ إِن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ﴾.
ومما جرت عادة الله في خلقه ألا يُسَلِّموا لأحياء عصرهم ما نطقوا به من حِكَم، وأَتَوا به من علوم، ولو بلغت من البلاغة ما بلغت، كما وقع مِن طعن الكفرة في القرآن، على أيّ وجه جاء، وهي نزعة جاهلية.
وقوله تعالى :﴿ قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء ﴾، قال الورتجبي : هُدىً، لقلوب العارفين إلى معدنه، وهو الذات القديم، وشفاء لقلوب العاشقين، وأرواح مرضى المحبة وسُقمى الصبابة، فلأنه خطاب حبيبهم، وكتاب مشوقهم، يستلذُّونه من حيث العبارات، ويعرفونه من حيث الإشارات. هـ. وقوله تعالى :﴿ في آذانهم وقر ﴾ قال ذو النون : من وُقِر سمعُه وأصم عن نداء الحق في الأزل، لا يسمع نداءه عند الإيجاد، وإن سمعه كان ذلك عليه عمىً، ويكون عن دقائقه بعيداً، وذلك أنهم نُودوا عن بُعد، ولم يكونوا بالقرب. هـ. فكل مَن قرأه ذاهلاً عن تدبُّره بوساوس نفسه، فهو ممن نُودي في الأزل عن بُعد. وبالله التوفيق.

ولما ذكر بيان القرآن ؛ أتبعه بذكر التوراة، تسلية أيضا، فقال :
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴾ * ﴿ مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَآءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ ولقد آتينا موسى الكتابَ ﴾ ؛ التوراة ﴿ فاختُلف فيه ﴾ فقال بعضهم : حق، وقال بعضهم : كتبه بيده في الجبل، كما اختلف قومك في كتابك القرآن، فمِن مؤمن به وكافر، ﴿ ولولا كلمةٌ سبقتْ من ربك ﴾ في حق أمتك بتأخير العذاب، ﴿ لقُضِيَ بينهم ﴾ ؛ لأهلكهم إهلاك استئصال. وقيل : الكلمة السابقة هو العدة بالقيامة لقوله :﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ ﴾ [ القمر : ٤٦ ]، وأن الخصومات تُفصل في ذلك اليوم، ولولا ذلك لقُضي بينهم في الدنيا. ﴿ وإِنهم ﴾ أي : كفار قومك ﴿ لفي شكٍّ منه ﴾ من أجل القرآن ﴿ مُرِيبٍ ﴾ ؛ موقع للريبة، وقيل : الضمير في ( بينهم ) و( إنهم ) لليهود، وفي ( منه ) لموسى، أو : لكتابه، وهو ضعيف.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الاختلاف على أهل الخصوصية سُنَّة ماضية، ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلاً ﴾، فمَن رام الاتفاق على خصوصيته، فهو كاذب في دعوى الخصوصية، وفي الحِكَم :" استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك ".
﴿ مَن عَمِلَ صالحاً ﴾ بأن آمن بالكُتب وعمل بوحيها، ﴿ فلنفسه ﴾ نفع، لا غيره، ﴿ ومَن أساء فعليها ﴾ ضرره، لا على غيره، ﴿ وما ربك بظلاّمٍ للعبيد ﴾، فيعذب غير المسيء، أو يُنقص من إحسان المحسن.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : الاختلاف على أهل الخصوصية سُنَّة ماضية، ﴿ ولن تجد لسنة الله تبديلاً ﴾، فمَن رام الاتفاق على خصوصيته، فهو كاذب في دعوى الخصوصية، وفي الحِكَم :" استشرافك أن يعلم الخلق بخصوصيتك دليل على عدم صدقك في عبوديتك ".
ثم ذكر بيان الساعة الموعودة بها في قوله :﴿ ولولا كلمة سبقت من ربك ﴾ ؛ لأنها محل القضاء بين العباد، فكأن قائلا قال : متى ذلك ؟ فقال :
﴿ إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِن ثَمَرَاتٍ مِّنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي قَالُواْ آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ ﴾ * ﴿ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ إِليه يُرَدُّ عِلْمُ الساعةِ ﴾ أي : إذا سُئل عنها يجب أن يقال : الله أعلم بوقت مجيئها، أو : لا يعلمها إلا الله، ﴿ وما تَخْرُجُ من ثمراتٍ من أكمامها ﴾ ؛ من أوعيتها، جمع " كِمَ " بكسر الكاف ؛ وهو وعاء الثمرة قبل أن تنشق، أي : لا يعلم كيفية خروجها ومآلها إلا الله. ﴿ وما تحمل من أُنثى ﴾ أي : تعلقُ النطفة في رحمها، وما ينشأ عنها من ذكورة وأنوثة وأوصاف الخلقة ؛ تامة أو ناقصة، ﴿ ولا تضع ﴾ حَملها ﴿ إِلا بعلمه ﴾ ؛ استثناء مفرغ من أعم الأحوال، أي : ما يحدث شيء من خروج ثمرة، ولا حمل حامل، ولا وضع واضع، ملابساً بشيء من الأشياء إلا ملابساً بعلمه المحيط.
﴿ و ﴾ اذكر ﴿ يومَ يُناديهم ﴾ فيقولُ :﴿ أين شركائي ﴾ بزعمكم، أضافهم إليه على زعمهم، وفيه تهكم بهم وتقريع، ﴿ قالوا آذَنَّاك ما مِنَّا من شهيدٍ ﴾ أي : من أحد يشهد لهم بالشركة، إذ تبرأنا منهم، لما عاينا حقيقة الحال، وتفسير " آذن " هنا بالإخبار، أحسن من تفسيره بالإعلام ؛ لأن الله تعالى كان عالماً بذلك، وإعلام العالم محال ؛ أما الإخبار للعالم بالشيء ليتحقق بما علم به فجائز، إلا أن يكون المعنى : إنك علمت من قلوبنا الآن : أنَّا لا نشهد تلك الشهادة الباطلة ؛ لأنه إذا علمه من نفوسهم، فكأنهم أعلموه، أي : أخبرناك بأنَّا ما منا أحد اليوم يشهد بأنّ لك شريكاً، وما منا إلا مَن هو مُوَحَّد. أو :( ما منا من ) أحد يشاهدهم، لأنهم ضلُّوا عنهم في ساعة التوبيخ، وقيل : هو من كلام الشركاء، أي : ما منا شهيد يشهد بما أضافوا لنا من الشركة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إليه تعالى يُرَدُّ علمُ الساعة، التي يقع الفتح فيها على المتوجه، بكشف الحجاب بينه وبين حبيبه، وما تخرج من ثمرات العلوم والحِكَم من أكمام قلبه، وما تحمل نفس من اليقين والمعرفة، إلا بعلمه. ثم ذمَّ مَن مال إلى غيره بالركون والمحبة، وذكر أنه يتبرأ منه في حال ضيقه، فلا ينبغي التعلُّق إلا به، ولا ميل القصد والمحبة إلا له ـ سبحانه ـ وبالله التوفيق.
﴿ وضلّ عنهم ما كانوا يَدْعُون ﴾ ؛ يعبدون ﴿ من قَبْلُ ﴾ في الدنيا ﴿ وظنوا ﴾ ؛ وأيقنوا ﴿ ما لهم من محيصٍ ﴾ ؛ من مهرب، والظن معلق عنهم بحرف النفي عن المفعولين.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : إليه تعالى يُرَدُّ علمُ الساعة، التي يقع الفتح فيها على المتوجه، بكشف الحجاب بينه وبين حبيبه، وما تخرج من ثمرات العلوم والحِكَم من أكمام قلبه، وما تحمل نفس من اليقين والمعرفة، إلا بعلمه. ثم ذمَّ مَن مال إلى غيره بالركون والمحبة، وذكر أنه يتبرأ منه في حال ضيقه، فلا ينبغي التعلُّق إلا به، ولا ميل القصد والمحبة إلا له ـ سبحانه ـ وبالله التوفيق.
ثم ذكر ما جبل عليه طبع الإنسان من الجزع والهلع، فقال :
﴿ لاَّ يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِن دُعَآءِ الْخَيْرِ وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ﴾ * ﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِندَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ * ﴿ وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ لا يسأمُ الإِنسانُ ﴾ أي : جنسه، أو : الكافر، بدليل قوله :﴿ وَمَآ أَظُنُّ السَّاعَةَ قَآئِمَةً ﴾ [ الكهف : ٣٦ ]، أي : لا يملّ ﴿ من دعاءِ الخيرِ ﴾ ؛ من طلب السعة في المال والنعمة، ولا يملّ عن إرادة النفع والسلامة، والتقدير : من دعائه الخير، فحذف الفاعل وأضيف إلى المفعول، ﴿ وإِن مسَّه الشرُّ ﴾ ؛ الفقر والضيق، ﴿ فَيَؤُوسٌ ﴾ من الخير ﴿ قنوطٌ ﴾ من الرحمة، أي : لا يرجو زواله ؛ لعدم علمه بربه، وانسداد الطريق على قلبه في الرجوع إلى ربه، بُولغ فيه من طريقين : من طريق بناء فَعول، ومن طريق التكرير ؛ لأن اليأس هو القنط، والقنوط : أن يظهر أثر اليأس فيتضاءل وينكسر، ويظهرَ الجزع، وهذا صفة الكافر لقوله :﴿ إِنَّه لاَ يَايْئَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [ يوسف : ٨٧ ]. وقال الإمام الفخر : اليأس على أمر الدنيا من صفة القلب، والقنوط : إظهار آثاره على الظاهر. ه.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه، راضياً بقلبه، إن أجابه شكر، وإن منعه انتظر وصبر، ولا ييأس ولا يقنط، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه، دون شيء من الوسائط العادية، هذا ما يُفهم من الآية، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود١. وبالله التوفيق.
﴿ ولئن أذقناه رحمةً من بعد ضراء مَسَّتْهُ ليقولَنَّ هذا لِي ﴾ أي : وإذا فرجنا عنه بصحّة بعد مرض، أو : سعة بعد ضيق، قال :﴿ هذا لي ﴾ أي : هذا قد وصل إليّ لأني استوجبته بما عندي من خير، وفضل، وأعمال برّ، أو : هذا لي لا يزول عني أبداً، ﴿ وما أظنُّ الساعةَ قائمةً ﴾ أي : ما أظنها تقوم فيما سيأتي، ﴿ ولئن رُّجِعْتُ إِلى ربي ﴾ كما يقول المسلمون، ﴿ إِنَّ لي عنده لَلْحُسْنَى ﴾ أي : الحالة الحسنى من الكرامة والنعمة، أو : الجنة. قاس أمر الآخرة على أمر الدنيا ؛ لأن ما أصابه من نِعَمِ الدنيا، زعم أنه لاستحقاقه إياها، وأن نِعَم الآخرة كذلك. وهذا غرور وحمق، الرجاء ما قارنه عمل، وإلا فهو أُمنية، " الجاهل مَن أَتْبَعَ نَفْسه هواها، وتمنّى على الله، والكيِّسُ مَن دَانَ نفسه، وعَمِلَ لما بعد الموتِ١ ".
﴿ فلننبئَنَّ الذين كفروا بما عَمِلُوا ﴾ أي : فلنخبرنهم بحقيقة ما عملوا من الأعمال الموجبة للعذاب، ﴿ ولَنُذِيقَنَّهم من عذابٍ غليظٍ ﴾ ؛ شديد، لا يفتر عنهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه، راضياً بقلبه، إن أجابه شكر، وإن منعه انتظر وصبر، ولا ييأس ولا يقنط، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه، دون شيء من الوسائط العادية، هذا ما يُفهم من الآية، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود١. وبالله التوفيق.

١ أخرجه الترمذي في صفة القيامة حديث ٢٤٥٩، وابن ماجه في الزهد حديث ٤٢٦٠..
﴿ وإِذا أنعمنا على الإِنسان أعْرَضَ ﴾، هذا ضرب آخر من طغيان الإنسان ؛ إذا أصابه الله بنعمته، أبطرته النعمة، وأعجب بنفسه، فنسي المنعِّم، وأعرض عن شكره، ﴿ ونأى بجانبهِ ﴾ ؛ وتباعد عن ذكر الله ودعائه وطاعته، أو : ذهب بنفسه وتكبّر وتعاظم، والتحقيق : أن المراد بالجانب النفس، فكأنه قال : وتباعد بنفسه عن شكر ربه، ﴿ وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ ﴾ ؛ الفقر والضر، ﴿ فذو دعاءٍ عريضٍ ﴾ أي : تضرُّع كثير، أي : أقبل على دوام الدعاء والابتهال. ولا منافاة بين قوله :﴿ فَيؤوس قنوط ﴾ وبين قوله :﴿ فذو دعاء عريض ﴾ ؛ لأن الأول في قوم، والثاني في قوم، أو : قَنوط في البَر، وذو دعاء عريض في البحر، أو : قَنُوط بالقلب، وذو دعاء باللسان، أو : قَنُوط من الصنم، وذو دعاء لله تعالى.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : اللائق بالأدب أن يكون العبد عند الشدة داعياً بلسانه، راضياً بقلبه، إن أجابه شكر، وإن منعه انتظر وصبر، ولا ييأس ولا يقنط، فإنه ضَمِنَ الإجابة فيما يريد، لا فيما تريد، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد، وإن فرّج عنك نسبتَ النعمةَ إليه، دون شيء من الوسائط العادية، هذا ما يُفهم من الآية، وتقدّم الكلام عليها في سورة هود١. وبالله التوفيق.
ثم وبخ من أعرض عن النظر، فقال :
﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ﴾ * ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ * ﴿ أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ﴾.
يقول الحق جلّ جلاله :﴿ قل أرأيتم ﴾ ؛ أخبروني ﴿ إِن كان ﴾ القرآن ﴿ من عندِ اللهِ ثم كفرتُمْ به ﴾ ؛ جحدتم أنه من عند الله، مع تعاضد موجبات الإيمان به، ﴿ مَنْ أَضلُّ ﴾ منكم ؟ فوضع قوله :﴿ ممن هو في شقاق بعيد ﴾ موضعه، شرحاً لحالهم، وتعليلاً لمزيد ضلالهم.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت الآية على مقام الاستدلال في مقام الإيمان، وعلى مقام العيان في مقام الإحسان، أي : سنُريهم آياتنا الدالة على وجودنا في الآفاق، وفي أنفسهم، أي : في العوالم المنفصلة والمتصلة، حتى يتبين لهم أنه الحق، أي : وجوده حق، لأن الصنعة قطعاً تحتاج إلى صانع، ثم رقَّاهم إلى مقام المراقبة بقوله :﴿ أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾، ثم زاد إلى المشاهدة بقوله :﴿ ألا إِنهم ﴾ أي : أهل الجهل بالله، ﴿ في مرية من لقاء ربهم ﴾ في الدنيا، بحصول الفناء، فيفنى وجود العبد في وجود الحق، ألا إنه بكل شيء محيط، فبحر العظمة أحاط بكل شيء، وأفنى كل شيء، ولم يبقَ مع وجوده شيء.
وفي الحِكَم :" ما حجبك عن الله وجود موجود معه ؛ إذ لا شيء معه، وإنما حجبك توهُّم موجود معه " وقال أيضاً :" الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فأحدية الذات محت وجودَ الأشياء كلها، ولم يبقَ إلا القديم الأزلي.
وقال القطب ابن مشيش لأبي الحسن رضي الله عنه : يا أبا الحسن، حدّد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء، وعند كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، وفوق كل شيء، وتحت كل شيء، وقريباً من كل شيء، ومحيطاً بكل شيء، بقُرب هو وصفه، وبحيطة هي نعته، وعَد عن الظرفية والحدود، وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب في المسافات، وعن الدور بالمخلوقات، وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو هو هو، كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. هـ.
وقوله : وعد عن الجهات، جاوز عن اعتقادها ؛ إذ لا ظرف، ولا حد، ولا مكان، ولا جهة، إذ الكل عظمة ذاته، وأنوار صفاته، والحد إنما يتصور في المحدود، ولا حد لعظمة ذاته ولا نهاية، ولا يحصرها مكان، ولا جهة ؛ إذ الكل منه وإليه. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، عين بحر التحقيق، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً.

﴿ سَنُريهِمْ آياتنا ﴾ الأدلة على حقيَّتِه وكونه من عند الله، ﴿ في الآفاق ﴾ من فتح البلاد، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوادث الآتية، وآثار النوازل الماضية، وما يسَّر الله تعالى له ولخلفائه من الفتوحات، والظهور على آفاق الدنيا، والاستيلاء على بلاد المشارق والمغارب، على وجه خرق العادة، ﴿ و ﴾ نريهم ﴿ في أنفسهم ﴾ ؛ ما ظهر من فتح مكة وما حلّ بهم.
وقال ابن عباس : في الآفاق : منازل الأمم الخالية وآثارهم، وفي أنفسهم : يوم بدر. وقال مجاهد وغيره : في الآفاق : ما يفتح الله من القرى على نبيه صلى الله عليه وسلم والمسلمين، وفي أنفسهم : فتح مكة. وقيل : الآفاق : في أقطار السماوات والأرض، من الشمس، والقمر، والنجوم، وما يترتب عليها من الليل، والنهار، والأضواء، والظلال، والظلمات، ومن النبات، والأشجار، والأنهار، ﴿ وفي أنفسهم ﴾ : من لطيف الصنعة وبديع الحكمة، من تكوين النطفة في ظلمات الأرحام، وحدوث الأعضاء العجيبة، والتركيبات الغريبة، كقوله تعالى :﴿ وَفِى أَنفُسِكُمْ. . . ﴾ [ الذاريات : ٢١ ].
وعبّر بالسين مع أن إراءة تلك الآيات قد حصلت قبل ذلك، بمعنى أن الله تعالى سيُطلعهم على تلك الآيات زماناً فزماناً، ويَزيدهم وقوفاً على حقائقها يوماً فيوماً، ﴿ حتى يتبين لهم ﴾ بذلك ﴿ أنه الحقُّ ﴾ أي : القرآن، أو : الإسلام، أو : التوحيد، ﴿ أوَلَمْ يكف بربك أنه على كل شيءٍ شهيدٌ ﴾، توبيخ على تردُّدهم في شأن القرآن، وعنادهم المحوج إلى إراءة الآيات، وعدم اكتفائهم بإخباره تعالى. والهمزة للإنكار، والواو للعطف على مقدّر يقتضيه المقام، أي : أَلَمْ يُغن ولم يكف ربك. والباء : مزيدة للتأكيد، ولا تكاد تزاد إلا مع " كفى ".
و( أنه. . . ) الخ : بدل منه، أي : ألم يُغنهم عن إراءة الآيات المبنية لحقيّة القرآن ولم يكفهم في ذلك أنه تعالى شهيد على كل شيء، وقد أخبر أنه من عنده. وقيل : معناه : إن هذا الموعود من إظهار آيات الله في الآفاق وفي أنفسهم سيرونه ويشاهدونه فيتيقنون عند ذلك أن القرآن تنزيل من عالم الغيب ؛ الذي هو على كل شيء شهيدٌ.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت الآية على مقام الاستدلال في مقام الإيمان، وعلى مقام العيان في مقام الإحسان، أي : سنُريهم آياتنا الدالة على وجودنا في الآفاق، وفي أنفسهم، أي : في العوالم المنفصلة والمتصلة، حتى يتبين لهم أنه الحق، أي : وجوده حق، لأن الصنعة قطعاً تحتاج إلى صانع، ثم رقَّاهم إلى مقام المراقبة بقوله :﴿ أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾، ثم زاد إلى المشاهدة بقوله :﴿ ألا إِنهم ﴾ أي : أهل الجهل بالله، ﴿ في مرية من لقاء ربهم ﴾ في الدنيا، بحصول الفناء، فيفنى وجود العبد في وجود الحق، ألا إنه بكل شيء محيط، فبحر العظمة أحاط بكل شيء، وأفنى كل شيء، ولم يبقَ مع وجوده شيء.
وفي الحِكَم :" ما حجبك عن الله وجود موجود معه ؛ إذ لا شيء معه، وإنما حجبك توهُّم موجود معه " وقال أيضاً :" الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فأحدية الذات محت وجودَ الأشياء كلها، ولم يبقَ إلا القديم الأزلي.
وقال القطب ابن مشيش لأبي الحسن رضي الله عنه : يا أبا الحسن، حدّد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء، وعند كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، وفوق كل شيء، وتحت كل شيء، وقريباً من كل شيء، ومحيطاً بكل شيء، بقُرب هو وصفه، وبحيطة هي نعته، وعَد عن الظرفية والحدود، وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب في المسافات، وعن الدور بالمخلوقات، وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو هو هو، كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. هـ.
وقوله : وعد عن الجهات، جاوز عن اعتقادها ؛ إذ لا ظرف، ولا حد، ولا مكان، ولا جهة، إذ الكل عظمة ذاته، وأنوار صفاته، والحد إنما يتصور في المحدود، ولا حد لعظمة ذاته ولا نهاية، ولا يحصرها مكان، ولا جهة ؛ إذ الكل منه وإليه. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، عين بحر التحقيق، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً.

﴿ أَلا إِنهم في مِريةٍ ﴾ ؛ شك عظيم ﴿ من لقاءِ ربهم ﴾ فلذلك أنكروا القرآن، ﴿ ألا إِنه بكل شيءٍ محيط ﴾ ؛ عالم بجميع الأشياء وتفاصيلها، وظواهرها، وبواطنها، فلا يخفى عليه خافية منهم، وهو مجازيهم على كفرهم وشكهم، لا محالة.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:الإشارة : قد اشتملت الآية على مقام الاستدلال في مقام الإيمان، وعلى مقام العيان في مقام الإحسان، أي : سنُريهم آياتنا الدالة على وجودنا في الآفاق، وفي أنفسهم، أي : في العوالم المنفصلة والمتصلة، حتى يتبين لهم أنه الحق، أي : وجوده حق، لأن الصنعة قطعاً تحتاج إلى صانع، ثم رقَّاهم إلى مقام المراقبة بقوله :﴿ أوَلم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ﴾، ثم زاد إلى المشاهدة بقوله :﴿ ألا إِنهم ﴾ أي : أهل الجهل بالله، ﴿ في مرية من لقاء ربهم ﴾ في الدنيا، بحصول الفناء، فيفنى وجود العبد في وجود الحق، ألا إنه بكل شيء محيط، فبحر العظمة أحاط بكل شيء، وأفنى كل شيء، ولم يبقَ مع وجوده شيء.
وفي الحِكَم :" ما حجبك عن الله وجود موجود معه ؛ إذ لا شيء معه، وإنما حجبك توهُّم موجود معه " وقال أيضاً :" الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته، فأحدية الذات محت وجودَ الأشياء كلها، ولم يبقَ إلا القديم الأزلي.
وقال القطب ابن مشيش لأبي الحسن رضي الله عنه : يا أبا الحسن، حدّد بصر الإيمان تجد الله في كل شيء، وعند كل شيء، ومع كل شيء، وقبل كل شيء، وبعد كل شيء، وفوق كل شيء، وتحت كل شيء، وقريباً من كل شيء، ومحيطاً بكل شيء، بقُرب هو وصفه، وبحيطة هي نعته، وعَد عن الظرفية والحدود، وعن الأماكن والجهات، وعن الصحبة والقرب في المسافات، وعن الدور بالمخلوقات، وأمحق الكل بوصفه الأول والآخر والظاهر والباطن، وهو هو هو، كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان. هـ.
وقوله : وعد عن الجهات، جاوز عن اعتقادها ؛ إذ لا ظرف، ولا حد، ولا مكان، ولا جهة، إذ الكل عظمة ذاته، وأنوار صفاته، والحد إنما يتصور في المحدود، ولا حد لعظمة ذاته ولا نهاية، ولا يحصرها مكان، ولا جهة ؛ إذ الكل منه وإليه. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد، عين بحر التحقيق، وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليماً.

Icon