ﰡ
مكيّة وهى مائة وخمس او ست وستون اية وعشرون ركوعا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ تعليم للعباد بالتحميد فى ضمن الاخبار بثبوت جميع المحامد له تعالى والتعريض بانه سبحانه مستغن عن تحميد العباد فله الحمد وان لم يحمد الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ يعنى قدرهما وأوجدهما من غير مثال سبق وفى التوصيف به تنبيه على ظهور ثبوت الحمد لله تعالى من غير احتياج الى الاستدلال خص الله سبحانه السموات والأرض بالذكر لانهما أعظم المخلوقات فيما يرى العباد وفيهما العبر والمنافع للناس ولان خلق غيرهما وحدوثهما مما يراه الناس من الحوادث اليومية ظاهر ومن ثم زعم بعض الجهلة قدمهما بالزمان وذكر السموات بلفظ الجمع دون الأرض وهى مثلهن اشعارا باختلاف ماهيات السموات وأشكالها دون الأرضين قال كعب الأحبار هذه الاية اوّل اية فى التورية واخر اية فى التورية قل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الاية قال ابن عباس فتح الله الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وختمهم بالحمد فقال وقضى بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العلمين وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ فى القاموس الجعل بمعنى الخلق وقال البيضاوي الفرق بينهما ان الخلق بمعنى التقدير والجعل فيه معنى التضمين اى جعل الشيء فى ضمن الشيء اى تحصيل منه او تصير إياه او ينقل منه اليه بالجملة فيه اعتبار الشيئين وارتباط بينهما ولذلك عبر عن احداث النور والظلمة بالجعل تنبيها على انهما لا يقومان بانفسهما كما زعمت الثنوية قلت ولاجل عدم قيامهما
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعنى ابتدأ خلقكم منه حيث خلق منه أصلكم آدم عليه السّلام او المعنى خلق أباكم آدم بحذف المضاف قال السدى بعث الله تعالى جبرئيل الى الأرض لياتيه طائفة منها فقالت الأرض انى أعوذ بالله منك ان تنقص منى فرجع ولم يأخذ وقال يا رب انها عاذت بك فبعث ميكائيل فاستعاذت فرجع فبعث ملك الموت فعاذت منه بالله فقال وانا أعوذ بالله ان أخالف امره فاخذ من وجه الأرض فخلط الحمراء والسوداء والبيضاء فلذلك اختلف ألوان بنى آدم ثم عجنها بالماء العذب والملح والمر كذلك
وَهُوَ اللَّهُ الضمير راجع الى الله الموصوف بما ذكروا الله خبره او بدل منه وجاز ان يكون الضمير للشان والله مبتدا نظيره قوله تعالى قل هو الله أحد فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ متعلق باسم الله على تقدير كونه مشتقا بمعنى المعبود يعنى هو المعبود على الاستحقاق فيهما لا غيره نظيره قوله تعالى وهو الذي فى السماء اله وفى الأرض اله او على تاويل المشتق يعنى هو المعرف بذلك الاسم او المذكور به فيهما او ظرف مستقر وقع خبرا على التجوز فان الخلائق كلها مظاهر صفاته ومجالى كمالاته وقال البيضاوي انه تعالى لكمال علمه بما فيهما كانه فيهما وقوله تعالى يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ الجملة خبر ثان او هى الخبر والظرف متعلق به ويكفى لصحة الظرفية كون المعلوم فيهما يقال رميت الصيد فى المفازة من العمران والمعنى يعلم ما تكتمون فى أنفسكم وما تبدون منها وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ بالجوارح من خيرا وشر فيجازيكم عليها وجاز ان يكون المعنى يعلم ما أسررتم من افعال القلوب
وَما تَأْتِيهِمْ يعنى اهل مكة مِنْ آيَةٍ من زايدة للاستغراق مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ مثل انشقاق القمر ونطق الحصيات وغير ذلك وقال عطاء من آيات القران ومن للتبعيض إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ تاركين النظر فيه.
فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ بالقران وقيل بمحمد عليه السّلام لَمَّا جاءَهُمْ الفاء للتفريع على ما سبق فانهم لما اعرضوا عن الآيات كلها كذبوا بالحق الذي جاءهم فانه من الآيات او للسببية يعنى انهم لما كذبوا بالقران الذي هو أعظم المعجزات باهر الاعجاز لفظا ومعنى فى كل حين وزمان وكذبوا محمدا ﷺ مع ظهور اعجاز وجوده الشريف حيث كان مولودا فيهم اميا لم يقرء ولم يكتب فى زمان الجاهلية وفترة العلم والحكمة وقد تفجر منه ينابيع العلم والحكمة والآداب على ما تساعده الكتب القيمة المتقدمة وأقر بنبوته القسيسين والأحبار والرهبان فكيف لا يعرضون عن افراد المعجزات فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ يوم القيمة او عند ظهور الإسلام وارتفاع امره أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يعنى يظهر لهم قبحه عند نزول العذاب بهم فى الاخرة او فى الدنيا.
أَلَمْ يَرَوْا فى أسفارهم الى الشام كَمْ خبرية بمعنى كثيرا أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ من زائدة وكذا فى قوله تعالى مِنْ قَرْنٍ القرن القوم المقترنون فى زمان واحد وجمعه قرون ومنه قوله ﷺ خير القرون قرنى يعنى من اقترن معى او طائفة من الزمان يقترن فيها الناس فقيل هو أربعون سنة او عشرة او عشرون او ثلثون او خمسون او ستون او سبعون او ثمانون او مائة او مائة وعشرون والأصح انه مائة سنة لانه ﷺ قال لعبد الله بن بشر المازني انك تعيش قرنا فعاش مائة سنة كذا ذكر البغوي وفى نهاية الجزري انه ﷺ مسح راس غلام وقال عش قرنا فعاش مائة سنة وعلى تقدير كونه للزمان معناه اهل قرن مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ يعنى قررناهم فيها وأعطيناهم من القوى والأسباب والعدد ما تمكنوا بها على ما أرادوا والجملة فى موضع الجر صفة لقرن وجمع نظرا للمعنى ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ ما لم نعطكم من القوى والمال والأسباب والعدد ما موصوفة بمعنى شيئا منصوب اما على انه مفعول ثان
وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً مكتوبا فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ اى مسوا ذلك القرطاس بِأَيْدِيهِمْ بحيث لا يحتمل التزوير بوجه فان السحر لا يجرى فى الملموس فلا يمكنهم ان يقولوا سكرت أبصارنا لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا تعنتا وعنادا إِنْ هذا المكتوب إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ لانه سبق علمه تعالى فيهم انهم لا يؤمنون.
وَقالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ يعنى على محمد اى معه مَلَكٌ يكلمنا انه نبى كما فى قوله تعالى لولا انزل معه ملك فيكون معه نذيرا وَلَوْ أَنْزَلْنا معه مَلَكاً كما اقترحوا لَقُضِيَ الْأَمْرُ باهلاكهم بجريان سنة الله تعالى باهلاك الأمم عند نزول الآيات على اقتراحهم ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ اى لا يهملون بعد نزوله طرفة عين وقال مجاهد لقضى الأمر اى لقامت القيامة وقال الضحاك لو أتاهم ملك فى صورته لماتوا من هوله وكلمة ثم لبعد ما بين الامرين قضاء الأمر وعدم الانظار فان عدم الانظار بمعنى فجاءد العذاب أشد من نفس العذاب.
وَلَوْ جَعَلْناهُ الضمير للمطلوب او للرسول مَلَكاً يعنى لو جعلنا
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ كما استهزئك يا محمد فلا تهتم فَحاقَ قال الضحاك أحاط وكذا فى القاموس وقال الربيع بن انس نزل وقال عطاء حل بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فكذا يحيق بهؤلاء ما يستهزءون بك وما موصولة او مصدرية والمضاف على التقديرين محذوف يعنى أحاط بهم وبال الذي كانوا يستهزءون به او وبال كونهم مستهزئين.
قُلْ يا محمد سِيرُوا فِي الْأَرْضِ بالاقدام او بالعقول والقوى الفكرية معتبرين ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ اى جزاء أمرهم وكيف أورثهم الكفر والتكذيب الهلاك والخسران فان قيل جاء فى موضع اخر قل سيروا فى الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين بكلمة الفاء وهاهنا بكلمة ثم والفاء للتعقيب بلا مهلة وثم للتراخى فكيف التوفيق قلنا السير ممتد والنظر على مساكن المكذبين من الأمم السابقة يقع متراخيا بالنسبة الى ابتداء السير غالبا ويترتب على بعض اجزاء السير بلا مهلة فايراد الفاء نظرا الى بعض اجزاء
السير مطلقا والنظر فى اثار الهالكين غير ان هذا الاية بكلمة ثم لا يفيد سببية أحدهما للاخر وتلك الاية تفيدها وسياق كلتا الآيتين يقتضى ان المأمور به قصدا انما هو النظر والسير انما امر به لكونه وسيلة الى النظر وكانّ فى كلمة ثم اشارة الى التباعد بين ما هو المطلوب قصدا وبالذات وما هو المطلوب ليكون وسيلة الى غيره وعلى هذا التحقيق لا حاجة فى التوفيق بين الآيتين الواردتين إحداهما بالفاء والاخرى بثم الى ملاحظة بداية السير ونهايته.
قُلْ يا محمد تبكيت للخصم لِمَنْ من استفهامية والظرف خبر والمبتدأ ما يعنى الأشياء التي هى كائنة فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعم العقلاء وغيرهم ولذلك أورد بكلمة ما قُلْ لِلَّهِ تقرير لهم اى هو الله لا خلاف بيننا وبينكم فيه وتنبيه على انه لا يمكن لاحد ان يجيب بغيره كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ يعنى التزم ووعد وعدا مؤكدا لا يمكن خلفه الرَّحْمَةَ قال رسول الله ﷺ لما قضى الله الخلق كتب كتابا فهو عنده فوق العرش ان رحمتى غلبت غضبى وفى رواية بلفظ ان رحمتى سبقت غضبى رواه البغوي من حديث ابى هريرة وعنه قال قال رسول الله ﷺ ان لله مائة رحمة انزل منها رحمة واحدة بين الجن والانس والبهائم والهوام فبها يتعاطفون وبها يتراحمون وبها يتعاطف الوحوش على أولادها واخّر تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيمة رواه مسلم قلت لعل المراد بعدد المائة تمثيل التكثير دون تعيين العدد فان ما عندكم ينفد وما عند الله باق كيف وصفات الممكنات متناهية وصفاته تعالى غير متناهية وما انزل الله من الرحمة فى خلقه وخلقها فى قلوبهم انما هى ظل من ظلال رحمة الله تعالى وعن عمر بن الخطاب قال قدم على النبي ﷺ سبى فاذا امراة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذا وجدت صبيا فى السبي
وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ من السكنى
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا ناصرا ومعبودا استفهام لانكار اتخاذ غير الله وليالا لاتخاذ الولي ولذلك قدم المفعول الاول لاتخذ عليه وذكره متصلا بالهمزة فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى خالقهما ومبدعهما والاضافة معنوية لان فاطر بمعنى فطر ولذلك قرأ فطر فهو مجرور صفة لله وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ اى يرزق المرزوقين ولا يرزق وتخصيص الطعام لشدة احتياج الناس اليه والجملة حال من الله والاية نزلت حين دعى رسول الله ﷺ الى دين ابائه قُلْ إِنِّي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بالإسكان أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ لان النبي ﷺ سابق أمته فى الدين وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ معطوف على قل او على أمرت بتقدير وقيل لى ان لا تكونن من المشركين قُلْ إِنِّي قرأ نافع وابن كثير وابو عمرو بفتح الياء والباقون بالإسكان.
أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي بان عبدت غيره عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ مبالغة فى قطع اطماعهم وتعريض بهم باستيجابهم العذاب بالكفر والعصيان اعترض الشرط بين الفعل والمفعول به وحذف جزاء الشرط لدلالة الجملة عليه يعنى انى أخاف عذاب يوم عظيم اى يوم القيمة ان عصيت ربى عذبنى يومئذ.
مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ قرأ حمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم ويعقوب يصرف بفتح الياء وكسر الراء على البناء للفاعل والضمير عائد الى ربى والمفعول به محذوف او يومئذ بحذف المضاف واقامة المضاف اليه مقامه يعنى من يصرف ربى العذاب يومئذ او عذاب يومئذ يعنى يوم القيامة والباقون بضم الياء وفتح الراء على البناء للمفعول والضمير عائد الى العذاب يعنى من يصرف عنه العذاب يومئذ او يكون مسندا الى يومئذ بحذف المضاف اى عذاب يومئذ وحينئذ ويومئيذ «١» مبنى على الفتح فَقَدْ رَحِمَهُ الله حيث نجاه من العذاب
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ بشدة كفقر او مرض او عذاب فَلا كاشِفَ لَهُ يعنى لا قادر على كشفه أحد إِلَّا هُوَ والا يلزم عجزه تعالى وهو محال مناف للالوهية ووجوب الوجود وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ بعافية ونعمة من صحة وغنى وغيرهما فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فكان قادرا على ادامته وحفظه وكذا على إزالته ولا يستطيع أحد غيره إزالته روى البغوي بسنده عن ابن عباس رض قال اهدى للنبى ﷺ بغلة اهديها له كسرى فركبها بحبل من شعر ثم أردفني خلفه ثم سار بي مليا ثم التفت الى فقال يا غلام قلت لبيك يا رسول الله قال احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده امامك تعرف الله فى الرخاء يعرفك فى الشدة فاذا سالت فاسال الله وإذا استعنت فاستعن بالله قد مضى القلم بما هو كائن فلو جهد الخلائق ان ينفعوك بما لم يقضه الله تبارك وتعالى لك لم يقدروا عليه ولو جهدوا ان يضروك بما لم يكتبه الله سبحانه وتعالى عليك ما قدروا عليه فان استطعت ان تعمل بالصبر مع اليقين فافعل فان لم تستطع فاصبر فان فى الصبر على ما تكره خيرا كثيرا واعلم ان النصر مع الصبر وان مع الكرب الفرج وان مع العسر يسرا وروى احمد والترمذي نحوه وقال الترمذي حديث حسن صحيح وليس فى روايتهما من قوله فان استطعت ان تعمل بالصبر إلخ.
وَهُوَ الْقاهِرُ مبتدأ وخبر والقهر الغلبة والتذليل معا وفيه زيادة معنى على القدرة وهى منع غيره عن بلوغ المراد من غير إرادته فَوْقَ عِبادِهِ خبر بعد خبر تصوير لقهره وعلوه وَهُوَ الْحَكِيمُ فى امره الْخَبِيرُ بكل شىء لا يخفى عليه شى قال الكلبي اتى اهل مكة رسول الله ﷺ فقالوا أرنا من يشهد انك رسول الله فانا لا نرى أحدا يصدقك ولقد سالنا عنك اليهود والنصارى فزعموا انه ليس لك عندهم ذكر فانزل الله تعالى.
قُلْ أَيُّ شَيْءٍ الشيء يقع
الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ يعنى محمدا ﷺ موصوفا بالرسالة من الله تعالى لتطابق حليته وأخلاقه وأوصافه بما نعت فى التورية والإنجيل كَما يَعْرِفُونَ اى معرفة كمعرفة أَبْناءَهُمُ من بين الصبيان بحلاهم الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ من اهل الكتاب بكتمان نعته ﷺ حيث قدر الله تعالى عليهم بالخسران فى علمه القديم فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ بالنبي ﷺ ويجحدون بنبوته بعد ما استيقنت به أنفسهم ظلما وعلوا وتعنتا وعنادا هذه الاية جواب لقولهم لقد سالنا عنك اليهود والنصارى
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعنى ادعى الرسالة كاذبا وقال اوحى الى ولم يوح اليه شىء أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ المنزلة فى القران والمعجزات الدالة على التوحيد وصدق الرسول يعنى لا أحد اظلم منه فهذه الاية بهذا التأويل لتنزيه النبي ﷺ عن الكذب وتنبيه الكافرين على كونهم اظلم الناس وجاز ان يكون المعنى من اظلم ممن افترى على الله كذبا وقال فيه ما لا يليق به من نسبة الولد او الشريك وقال للحجارة هؤلاء شفعاءنا عند الله او كذب باياته وكان المناسب على هذا التأويل العطف بالواو مكان او لانهم قد جمعوا بين الامرين لكن ذكر كلمة او تنبيها على ان كل واحد من الامرين بالغ غاية الافراط فى الظلم فكيف إذا اجتمعا وجاز ان يكون فى كلمة او اشعارا بكون الامرين متناقضين مع كونهما قبيحا ومع ذلك جمع الكفار بين الامرين المتناقضين لفرط حماقتهم وجه التناقض ان الافتراء على الله ودعوى انه تعالى حرم كذا وأحل كذا واتخذ صاحبة وولدا ويقبل شفاعة الأصنام مثل دعوى الرسالة يزعمون وجوب قبوله بلا دليل وتكذيبهم الآيات والمعجزات وقولهم الرسول لا يكون بشرا بل لا بد ان يكون ملكا يشعر وجوب عدم قبول دعوى الرسالة مع قيام الادلة القاطعة إِنَّهُ اى الشان لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ فضلا عمن هو اظلم الناس لا أحد اظلم منه «١».
وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ يعنى الكفار وما عبدوه جَمِيعاً يعنى يوم القيمة قرأ يعقوب بالياء على الغيبة والضمير عائد الى الله تعالى ووافقه حفص فى سبا والباقون بالنون على التكلم فى الموضعين والظرف معمول بفعل
واى بر قومى كه بت را سجده بي حجت كنند | با رسل گويند ايتونا بسلطن مبين |
ثُمَّ لَمْ تَكُنْ قرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالياء على التذكير وفِتْنَتُهُمْ بالنصب على انه خبر كان واسمها إِلَّا أَنْ قالُوا وقرأ نافع وابو عمرو وابو بكر وابو جعفر لم تكن بالتاء على التأنيث لتانيث الخبر وفتنتهم بالنصب وابن كثير وابن عامر وحفص لم تكن بالتاء على التأنيث وفتنتهم بالرفع على انه اسم كان والمستثنى حبره وكلمة ثم تدل على طول التأمل فى الجواب والمراد بالفتنة الكفر يعنى يكون عاقبة كفرهم هذا القول بعد طول التأمل والندامة وقال ابن عباس وقتادة معذرتهم وانما سمى المعذرة فتنة لانهم يتوهمون بها خلاص أنفسهم من فتنت الذهب إذا أخلصته وقيل معنى فتنتهم جوابهم وانما سماه فتنة لانه كذبا ولانهم قصدوا بها الخلاص وقيل معناه التجربة ولما كان سوالهم تجربة لاظهار ما فى قلوبهم سمى الجواب فتنة قال الرجاج فى قوله تعالى ثم لم تكن فتنتهم معنى لطيف وذلك مثل الرجل يفتن بحبوب ثم يصيبه فيه محنة فيتبرأ من محبوبه فيقال لم تكن فتنة الا هذا كذلك الكفار فتنوا بمحبة الأصنام قلت بل بتقليد الآباء ثم لما رأوا العذاب تبرأوا منها وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ مقولة قالوا قرأ حمزة ربنا بالنصب على النداء او المدح والباقون بالجر على انه نعت لله روى البخاري وغيره عن ابن عباس فى قوله تعالى ولا يكتمون الله حديثا وقوله تعالى والله ربنا ما كنا مشركين انه قال ان المشركين لما راوا يوم القيامة ان الله يغفر لاهل الإسلام ويغفر الذنوب و
انْظُرْ ايها المخاطب كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ اى زال وذهب عنهم افترائهم بان الله حرم هذا وهؤلاء شفعاءنا عند الله عطف على كذبوا وكيف حال من فاعل كذبوا قدم لاقتضاء الاستفهام الصدارة ومضمون الجملة مفعول انظر يعنى انظر كذبهم على أنفسهم متكيفين باى كيفية حيث لا يفيدهم قال الكلبي اجتمع ابو سفيان بن حرب وابو جهل بن هشام والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعه وامية وابى ابنا خلف والحرث بن عامر يستمعون القران فقالوا للنضر يا با قتيلة ما يقول محمد قال ما أدرى ما يقول الا انه يحرك لسانه ويقول أساطير الأولين مثل ما أحدثكم عن القرون الماضية وكان النضر كثير الحديث عن القرون واخبارها فقال ابو سفيان انى ارى بعض ما يقول حقا فقال ابو جهل كلا لا تقر بشئ من هذا وفى رواية الموت أهون علينا من هذا فانزل الله تعالى.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حين تتلو القران وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً جمع كنان وهو ما يستر الشيء أَنْ يَفْقَهُوهُ اى لئلا يفقهوه او كراهة ان يفقهوه وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً صمما وثقلا يمنع أسماعهم وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ من المعجزات لا يُؤْمِنُوا بِها لانه تعالى جعل على أبصارهم غشاوة وعلى قلوبهم اكنة وتلك الاكنة موجبة لفرط عنادهم بالنبي ﷺ واستحكام تقليدهم بالآباء حيث لا يرون الحسن حسنا ولا القبيح قبيحا حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا حتى عاطفة تدخل على الجمل عطف على لا يؤمنون وإذا ظرف تضمن معنى الشرط جوابه يجادلونك ويقول تفسير له او يقال يجادلونك منصوب المحل على انه حال من فاعل جاؤا وجواب الشرط يقول والمعنى بلغ عدم ايمانهم وتكذيبهم الى مرتبة المجادلة وجعل اصدق الحديث خرافات الأولين والمجيء لاجل المجادلة وهذا غاية التكذيب وجاز ان يكون حتى جارة وإذا فى محل الجر متعلقا بقوله تعالى لا يؤمنون على مذهب سيبويه حيث يقول بجواز وقوع إذا غير ظرف خلافا لجمهور النحاة وعلى هذا التأويل
وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ قال ابن عباس نزلت الاية فى ابى طالب كان ينهى المشركين ان يؤذوا رسول الله ﷺ ويتباعد عما جاء به فلا يؤمن به كذا اخرج الحاكم وغيره عنه وعلى هذا ضمير الجمع راجع الى ابى طالب ومن يساعده وكذا اخرج ابن ابى حاتم عن سعيد بن ابى هلال حيث قال نزلت فى عمومة النبي ﷺ وكانوا عشرة فكانوا أشد الناس معه فى العلانية وأشد الناس عليه فى السر فمعنى الاية ينهون الناس عن إيذائه ﷺ وينئون اى يتباعدون عن اتباعه قال البغوي انه روى انه اجتمع رؤس المشركين الى ابى طالب وقالوا خذ شابا من أصبحنا وجها وادفع إلينا محمدا ﷺ فقال ابو طالب ما أنصفتموني ادفع إليكم ولدي لتقتلوه واربى ولدكم وروى ان النبي ﷺ دعاه الى الإسلام فقال لولا ان يعيرنى قريش لا قررت به عينك ولكن أذب عنك ما حييت وقال فيه أبياتا شعر
والله لن يصلوا إليك بجمعهم | حتى اوسّد فى التراب دفينا |
فاصدع بامرك ما عليك غضاضة | وابشر وقر بذاك عنك عيونا |
دعوتنى وعرفت انك ناصحى | ولقد صدقت وكنت ثم أمينا |
وعرضت دينا قد علمت بانه | من خير أديان البرية دينا |
لولا الملامة او حذار مسبة | لوجدتنى سمحا بذاك مبينا |
وَلَوْ تَرى الكفار إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ يعنى حين يوقفون على النار حتى يعاينوها ويطلعوا عليها او يدخلوها فيعرفوا عذابها وجواب لو محذوف يعنى لرايت امرا عجيبا فزيعا فَقالُوا عطف على وقفوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ الى الدنيا دار العمل وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قرأ حفص وحمزة الفعلين منصوبين على جواب التمني بإضمار ان بعد الواو وقرأ ابن عامر برفع الاول عطفا على نرد او حالا من الضمير فيه ونصب الثاني على الجواب والباقون بالرفع فيهما عطفا على نرد او حالا من فاعله او استينافا وقال المحقق التفتازانيّ هو عطف الخبر على الإنشاء وهو جائز إذا اقتضاه المقام.
بَلْ إعجاب عن ارادة الايمان والعزم عليه المفهوم من التمني يعنى انما قالوا ذلك ضجرا على كفرهم لا عزما على الايمان بَدا لَهُمْ اى ظهر لهم ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ فى الدنيا من النفاق او ما كان اهل الكتاب يخفون نعت النبي ﷺ وقد كانوا يعرفون النبي ﷺ كما يعرفون أبناءهم او ما كانوا يخفون فى الاخرة من الشرك حين قالوا والله ربنا ما كنا مشركين قال النضر بن شميل معناه بدا عنهم وقال المبرد بدا لهم جزاء ما كانوا يخفون وَلَوْ رُدُّوا الى الدنيا فرضا بعد ما عاينوا نار جهنم لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ من الكفر والمعاصي لان مبادى تعيناتهم ظلال اسم الله المضل لا يحتمل صدور الايمان منهم وان كانوا على يقين من حقية الايمان وبطلان الكفر كما ان اليهود كانوا ينكرون ويبغضون محمدا عليه السلام وهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ويجحدون بما استيقنت به أنفسهم ظلما وعلوا وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما وعدوه بعدم التكذيب والايمان على قراءة الرفع او فيما يفهم من الوعد من التمني او المعنى انهم معتادون بالكذب لا يتكلمون بمقتضى الآيات من التوحيد وغير ذلك عوض العايضين اخرج الطبراني فى الأوسط عن ابى هريرة قال سمعت رسول الله ﷺ يقول ليعذرن الله الى آدم يوم القيمة ثلثة معاذير يقول يا آدم لولا انى لعنت الكاذبين وأبغضت الكذب والخلف وواعدت عليه لرحمتك اليوم ولدك أجمعين
وَقالُوا عطف على لعادوا يعنى لوردوا قالوا او على انهم لكاذبون يعنى وهم الذين قالوا ذلك فى الدنيا او على نهوا يعنى لو ردوا لعادوا لما نهوا ولما قالوا او استيناف بذكر ما قالوه فى الدنيا إِنْ هِيَ الضمير للحيوة إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا اى القربى مؤنث ادنى من الدنو وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ وَلَوْ تَرى يا محمد إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ مجاز عن الحبس للسوال والتوبيخ وقيل معناه على قضاء ربهم او جزائه او عرفوه حق التعريف وجواب لو محذوف مثل ما تقدم قالَ الله او خزنة النار بإذن الله كانه جواب قائل قال ماذا قال ربهم حينئذ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ المشار اليه البعث وما ترتب عليه من الثواب والعقاب استفهام للتفريع والتعيير على التكذيب قالُوا بَلى وَرَبِّنا أقروا مؤكدا باليمين لظهور الأمر كل الظهور وللتبرى عن الشرك والتكذيب وقال ابن عباس هذا فى موقف وللقيامة مواقف ففى موقف يقرون وفى موقف ينكرون قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ ع اى بسبب كفركم او يبدله.
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللَّهِ اى بالبعث بعد الموت المفضى الى روية الله خسر الكافرون حيث أنكروا البعث والجنة والنار ففاتهم النعيم المقيم واستبدلوا بها العذاب الأليم وخسر المعتزلة حيث أنكروا روية الله تعالى فيحرمون عنها وأنكروا الشفاعة والمغفرة فيحرمون عنهما قال الله تعالى انا عند ظن عبدى بي متفق عليه عن ابى هريرة مرفوعا وعند الطبراني والحاكم بسند صحيح عن واثلة واخرج اللالكائى عن ابراهيم الصائغ قال ما يسرنى ان لى نصف الجنة بالروية ثم تلى كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم انهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون قال بالروية حَتَّى إِذا جاءَتْهُمُ السَّاعَةُ قال البيضاوي غاية لكذبوا لا لخسروا فان خسرانهم لا غاية له فان قيل تكذيبهم منته الى الموت لا الى قيام
وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ جواب لقولهم ان هى الا حيوتنا الدنيا واللعب فعل لا يكون له غرض صحيح ولا يترتب عليه منفعة واللهو ما يشغله عما ينفعه يعنى ما الأعمال التي يقصد بها معيشة الدنيا ولذاتها من غير ان يبتغى بها وجه الله تعالى الا باطلا لا ينفع منفعة معتدة بها لسرعة زوالها فكانها لا منفعة فيها أصلا وهى شاغلة عما يفيده فى الحيوة الابدية وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ قرأ ابن عامر ولدار الاخرة بالاضافة بتأويل ولدار الساعة الاخرة كصلوة الوسطى ومسجد الجامع والباقون بالتوصيف خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ عن الشرك والمعاصي لدوامها وخلوص منافعها ولذاتها وتخصيص الخيرية بالمتقين لانها شر للمشركين حيث يعذبون فيها وفيه اشارة الى انه ما ليس من اعمال المتقين لعب ولهو فان اعمال المتقين فى مقابلة اعمال الدنيا أَفَلا تَعْقِلُونَ قرأ نافع وابن عامر وحفص بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة يعنى أفلا يعقلون اى الامرين من اعمال الدنيا والاخرة خير فان خير ما يكون منفعته قوية خالصة ابدية على ما هى ضعيفة مشوبة بالمضرات على شرف الزوال بديهية روى الترمذي والحاكم عن على ان أبا جهل قال للنبى ﷺ انا لا نكذبك ولكن نكذب بما جئت به فانزل الله تعالى.
قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ الاية قال البيضاوي قد لزيادة الفعل وكثرته كما فى قوله ولكنه قد يهلك المال نايله وضمير انه للشان قال السدى التقى الأخنس بن شريف وابو جهل ابن هشام فقال الأخنس لابى جهل يا أبا الحكم أخبرني عن محمد بن عبد الله اصادق هو أم كاذب فانه ليس هاهنا أحد يسمع كلامك غيرى فقال ابو جهل والله ان محمد الصادق وما كذب محمد قط لكن إذا ذهب بنو قصى باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لساير قريش فانزل الله عز وجل فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ قرأ نافع والكسائي بالتخفيف من الافعال من أكذبه إذا وجده كاذبا والباقون بالتشديد من التفعيل بمعنى نسبته الى الكذب وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ قال ناجية بن كعب قال ابو جهل للنبى ﷺ لا نتهمك ولا نكذبك ولكنا نكذب التي جئت به وضع الظالمين موضع الضمير للدلالة على انهم ظلموا لجحودهم او جحدوا لتمرنهم على الظلم والباء لتضمين الجحود معنى التكذيب يعنى ان تكذيبهم
وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ تسلية لرسول الله ﷺ يعنى كذّبهم قومهم كما كذبك قومك وفيه دليل على ان قوله لا يكذبونك ليس على حقيقة بل المراد منه ان تكذيبه ﷺ راجع الى تكذيب الله سبحانه قال رسول الله ﷺ من آذاني فقد أذى الله فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وَأُوذُوا يعنى على تكذيبهم وإيذائهم حَتَّى أَتاهُمْ نَصْرُنا جعل غاية الصبر النصر فاصبر أنت ايضا كما صبروا حتى يأتيك النصر ففيه وعد بالنصر وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ اى لمواعيده بالنصرة لانبيائه قال الله تعالى ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين انهم لهم المنصورون وان جندنا لهم الغالبون وقال انا لننصر رسلنا وقال كتب الله لاغلبن انا ورسلى وجاز ان يكون المعنى لا مبدل لقضائه وكلماته التكوينية يعنى متى لم يأت وقت النصر لا فائدة للاضطراب بل لا بد من الصبر وإذا جاء وقت النصر لا مرد له وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ من زائدة عند الأخفش وتبعيضية عند سيبويه حيث لا يجوز زيادة من فى الكلام الموجب يعنى جاءك ما يكفيك للتسلية من نبأ المرسلين ولما كان رسول الله ﷺ حريصا أشد الحرص على ايمان قومه وكان يشق عليه اعراضهم من الايمان وكان إذا سئلوا اية أحب ان يريهم الله تعالى طمعا فى ايمانهم انزل الله تعالى.
وَإِنْ كانَ كَبُرَ اى شق عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ عن الايمان بما جئت به فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ تطلب نَفَقاً سريا فِي الْأَرْضِ صفة لنفقا يعنى تطلب منفذا تنفذ الى جوف الأرض فتطلع لهم اية أَوْ سُلَّماً يعنى مصعدا فِي السَّماءِ صفة سلما يعنى تطلب مصعدا جانب العلو تصعد منه الى السماء فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ فتنزل منها اية وجواب الشرط الثاني محذوف يعنى فافعل والجملة جواب للشرط الاول والحاصل انك لا تقدر على إتيان اية فلا تتعب وان كبر عليك اعراضهم بل تصبر وَلَوْ شاءَ اللَّهُ هدايتهم أجمعين لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فان مشية العباد مخلوقة لله تعالى تابع للمشية لكنه لم يشأ لحكمة لا يعلمها الا الله ولا تتمالك أنت فلا تتعب واصبر فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ فان اتعاب النفس فيما لا يفيد والجزع
إِنَّما يَسْتَجِيبُ دعوتك من أمتك الَّذِينَ يَسْمَعُونَ يعنى الذين يخلق الله تعالى فى قلوبهم علما بحقية المسموع اطلق السمع وأريد به العلم الحاصل بعد ذلك جريا على عادة الله تعالى وَالْمَوْتى يعنى الكافر عبر الله تعالى الكافر بالموتى لان الله تعالى لما طبع على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم فلا يخلق فى قلوبهم العلم بحقية ما هو حق وبطلان ما هو باطل فلا ينتفعون بالأسماع والابصار كانوا كالموتى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ يوم القيامة ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ فيجازيهم على كفرهم ولا يسمعون الحق ولا يبصرونه قبل ذلك او المعنى والموتى من المؤمن والكافر يبعثهم الله ثم اليه يرجعون بعد البعث فيجازيهم على حسب أعمالهم.
وَقالُوا يعنى روساء قريش لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعنى اية مما اقترحوه او اية اخرى سوى ما انزل عليه من الآيات المتكثرة لعدم اعتدادهم بها عنادا قُلْ إِنَّ اللَّهَ قادِرٌ عَلى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً مما اقترحوه او اية يضطرهم الى الايمان كنتق الجبل او اية ان جحدوا بعدها هلكوا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ان الله قادر على انزالها او ما عليهم فى انزالها من الاستيصال بعد تكذيب اية ينزل باقتراحهم كما هو عادة الله تعالى.
وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ تدب عليها وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ فى الهواء وضعه به تأكيدا وقطعا لاحتمال مجاز السرعة ونحوها الّا امم أَمْثالُكُمْ فى الخلق والموت والبعث وفى الغذاء وابتغاء الرزق والعافية وإصابة البلاء لا مزية لكم عليها الا بمعرفة الله تعالى ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ يعنى فى اللوح المحفوظ مِنْ شَيْءٍ من زائد وشىء فى موضع المصدر اى شيئا من التفريط وليس بمفعول به فان فرط لا يتعدى بنفسه يعنى علم الله تعالى شامل لكل شىء خفى وجلى ولم يهمل فى اللوح المحفوظ امر حيوان ولا جماد او المراد بالكتاب القران فانه قد دون فيه ما يحتاج اليه من امر الدين مفصلا او مجملا ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعنى الأمم كلها المشبه والمشبه به فصح الجمع بالواو قال ابن عباس والضحاك حشرها موتها وروى ابن جرير وابن ابى حاتم والبيهقي عن ابى هريرة قال يحشر الخلق كلهم يوم القيامة البهائم و
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ لا يسمعون مثل هذه الآيات المنبهة خبر للموصول وَبُكْمٌ لا ينطقون بالحق معطوف على صم فِي الظُّلُماتِ خبر بعد خبر والمراد بالظلمات ظلمة الكفر والجهل والعناد وتقليد الآباء وجاز ان يكون حالا من المستكن فى الخبر ثم قال إيذانا بان الاهتداء بالآيات وعدمه يتوقف على مشية الله تعالى وانه تعالى يفعل ما يريد مَنْ يَشَأِ اللَّهُ ضلاله يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ هدايته يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ موصل الى ما هو حق فى نفس الأمر.
قُلْ يا محمد لهؤلاء المشركين أَرَأَيْتَكُمْ قرأ نافع ارايتكم وارايتم وأ فرأيت وشبهه إذا كان قبل الراء همزة بتسهيل الهمزة والتي بعد الراء والكسائي يسقطها أصلا وحمزة يوافق نافعا فى الوقف فقط والباقون يحققونها فى الحالين استفهام تعجيب والكاف حرف خطاب أكد به الضمير المرفوع المفرد بناء على شمول الجمع المفرد ولا محل له من الاعراب ومفعولاه محذوفان تقديره ارايتكم الهتكم تنفعكم إذ تدعونها يدل عليهما ما بعده او الفعل فى المعنى متعلق بغير الله تدعون لكنه معلق لان الروية تعلق قبل الاستفهام كما عرف فى موضعه قال البيضاوي الاستفهام للتعجيب فانهم لما عاملوا معاملة من يعلم انه يدعو غير الله فى الابتلاء الشديد نزلهم منزلتهم وتعجيب عن هذا العلم وقال الفراء يقولون ارايتك وهم يريدون أخبرنا قال المحقق التفتازانيّ انما وضع الاستفهام عن العلم او عن روية البصر عن الاستخبار لان الروية بالبصر سبب للعلم والعلم سبب للاخبار فوضع السبب موضع المسبب إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ فى الدنيا كما اتى الأمم الماضية أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ باهوالها أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ بصرف
بَلْ إِيَّاهُ يعنى الله تعالى تَدْعُونَ قدم المفعول للحصر يعنى لا تدعون فى الشدائد الا الله سبحانه لا غير فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ اى ما تدعونه الى كشفه إِنْ شاءَ كشفه ذلك فى الدنيا دون الاخرة وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ع يعنى تتركون الهتكم فى ذلك الوقت لما تقرر فى العقول ان القادر على كشف الضر هو الله تعالى لا غير.
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ من زائدة فكذبوهم فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ بالشدة والفقر وَالضَّرَّاءِ المرض والآفات لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ اى يتوبون بالتضرع والخشوع عن ذنوبهم التضرع السؤال بالتذلل.
فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا يعنى فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا وانما عدل عن نفى التضرع الى صيغة التنديم ليفيد ان ترك التضرع منهم لم تكن من عذر بل كان مع قيام ما يدعوهم اليه وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ فلم ينتبهوا بما ابتلوا به وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فاستحسنوا سيئات أعمالهم استدراك على المعنى وبيان للصارف لهم عن التضرع وانه لا مانع لهم الا قساوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم بتزيين الشيطان.
فَلَمَّا نَسُوا تركوا ما ذُكِّرُوا بِهِ ما وعظوا وأمروا به ولم ينتبهوا بالبأساء والضراء ولم يتضرعوا فَتَحْنا قرأ ابن عامر هاهنا وفى الأعراف والقمر وفتحت فى الأنبياء بتشديد التاء فى الاربعة من التفعيل للتكثير وقرأ ابو جعفر فى كل القران بالتشديد والباقون بالتخفيف فى الكل عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ من انواع النعم استدراجا ومكرا بهم عن عقبة بن عامر مرفوعا إذا رايت يعطى العبد فى الدنيا وهو مقيم على معاصيه ما يجب فانما هو استدراج ثم تلى رسول الله ﷺ فلما نسوا ما ذكروا به الاية والتي بعدها حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا فرح بطر اى بطروا ولم يتوجهوا الى المنعم شكرا كما لم يتضرعوا اليه فى الضراء وقام عليهم حجة بامتخانهم بالسراء والضراء ولم يبق بهم معذرة أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً أخذا فجاة اعجب ما كانت الدنيا لهم فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ آيسون من كل خير.
فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا فى القاموس الدابر التابع واخر كل شىء
قُلْ يا محمد أَرَأَيْتُمْ ايها المشركون إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ بان اصمكم واعميكم وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ بان يغشها بما يزول به عقولكم وجواب الشرط محذوف يدل عليه قوله مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ يعنى لا يأتكم به أحد والجملة الشرطية فى موضع المفعولين لرايتم والاستفهام للتقرير يعنى قد علمتم انه لا يأتيكم أحد بشئ مما ذكره ان اخذه الله انْظُرْ يا محمد كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ فى القاموس صرف الآيات تبيينها كذا قال البغوي يعنى نبيّن العلامات الدالة على التوحيد وقال البيضاوي معناه نكررها تارة من جهة المقدمات العقلية وتارة من حيث الترغيب والترهيب وتارة بالتنبيه والتذكير بأحوال المتقدمين ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ اى يعرضون عنها وثم لاستبعاد الاعراض بعد تصريف الآيات وظهورها.
قُلْ يا محمد أَرَأَيْتَكُمْ ايها المشركون إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً منصوبان على المصدرية او على الحالية يعنى اتيانا بغتة فجاة من غير تقدم امارة إتيانه او اتيانا جهرة اى ظاهرة قبل إتيانه بتقدم اماراته او المعنى أتاكم عذابه حال كونه مباغتا اى مفاجيا او مجاهرا وقال ابن عباس والحسن معناه ليلا او نهارا هَلْ يُهْلَكُ استفهام انكار ومعناه النفي ومن ثم جاز الاستثناء المفرغ فالتقدير ما يهلك إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ على أنفسهم بالكفر.
وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ المؤمنين بالجنة وَمُنْذِرِينَ الكافرين بالنار يعنى ما نرسلهم قادرين على إتيان الآيات المقترحة وهداية من لم يشأ الله هدايته ولا على شىء اخر من الأحوال التي يتوقعها الكفار الا حال كونهم مبشرين ومنذرين فَمَنْ
بما جاؤا به وَأَصْلَحَ عمله طمعا فيما بشروا به وخوفا مما حذروه من النار فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من العذاب وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ بفوات الثواب.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا المبشرة والمنذرة يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ جعل العذاب ما سالهم كانه حى يفعل بهم ما يريد بِما كانُوا يَفْسُقُونَ اى بسبب خروجهم عن الايمان والطاعة.
قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ اى مقدوراته او خزائن رزقه وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ عطف على عندى خزائن الله ولا زائدة يعنى لا أقول لكم اعلم الغيب ما لم يوح الىّ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ من الملئكة حتى ينافى دعوى الاكل والشرب والنكاح يعنى لا أقول لكم شيئا يجب إنكاره عقلا او يستدعى اقتراح الآيات إِنْ أَتَّبِعُ فى تعليم العلوم وتبليغ الاحكام شيئا إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعنى انما ادعى النبوة واتصدى بما يتصدى له الأنبياء ولا استحالة فيه بل هو جائز عقلا واقع تواتر به الاخبار عن الأنبياء الماضين فيه رد على استبعادهم دعواه وجزمهم على فساد مدعاه وقال البغوي هذه الاية نزلت حين اقترحوا الآيات يعنى قل لهم لا أقول لكم عندى خزائن الله حتى اجعل لكم الصفا ذهبا وأعطيكم ما تريدون ولا اعلم الغيب حتى أخبركم بما مضى وما سيكون من غير وحي من الله ولا أقول لكم انى ملك حتى لا احتاج الى الاكل والشرب والنكاح ان اتبع الا ما يوحى إليّ قُلْ يا محمد هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى يعنى الذي لا يمتاز بين الحق والباطل فينكر ما لا يجوز إنكاره ويصدق ما لا يجوز تصديقه وَالْبَصِيرُ الذي يمتاز بينهما فيصدق من يدعى النبوة بعد شهادة الآيات والمعجزات ويكذب من يدعى ان مع الله الهة اخرى ويقول للحجارة هؤلاء شفعاءنا عند الله وان الملئكة بنات الله ويقول بتحريم السوائب مثلا بلا دليل أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ فتهتدوا للامتياز بين الحق والباطل وما يجب تصديقه وما لا يجوز القول به.
وَأَنْذِرْ بِهِ اى خوف بما يوحى الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا اى يجمعوا ويبعثوا إِلى رَبِّهِمْ قال البيضاوي أراد بالموصول المؤمنون المفرّطون فى العمل او المجوزون الحشر مومنا كان او كافرا مقرا به من اهل الكتاب او مترددا فيه فان الانذار ينجع فيهم دون الفارغين الجازمين باستحالته والباعث له على هذا القول كون الخوف صلة له وهذا ليس بشئ لان الأمر بالإنذار
وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ اى يعبدونه ويذكرونه فان عبادة الكريم وذكره داع الى انعامه وقيل المراد منه حقيقة الدعاء بِالْغَداةِ قرأ ابن عامر هاهنا
وَكَذلِكَ الكاف زائدة كما فى قوله تعالى ليس كمثله شىء والمشار اليه ضلال رؤساء قريش واسم الاشارة منصوب المصدرية بقوله تعالى فَتَنَّا يعنى اضللنا ذلك الضلال بَعْضَهُمْ اى بعض الناس يعنى كفار قريش بِبَعْضٍ اى ببعضهم يعنى فقراء المؤمنين حيث امتنعوا من الإسلام بسببهم قال التفتازانيّ شاع هذا التركيب فى معنى فتنا بعضهم ببعض ذلك الفتن ولا يراد به مثل ذلك الفتن او يقال معناه مثل ذلك الفتنة التي فتنا رؤساء قريش فتنا بعض الناس ببعض فى الأمم السابقة حيث قال قوم نوح ما نريك الا بشرا مثلنا وما نريك اتبعك الا الذين هم أراذلنا بادى الرأي وقال نوح ما انا بطارد الذين أمنوا وقال البيضاوي معناه مثل ذلك الفتن وهو اختلاف الناس فى امور
قلنا يا رسول الله ﷺ كان قاريا يقرأ علينا فكنا نسمع الى كتاب الله تعالى فقال رسول الله ﷺ الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرني ان اصبر نفسى معهم ثم جلس وسطنا ليعدل نفسه فينا ثم قال بيده هكذا فتحلقوا وبرزت وجوههم له قال فما رايت رسول الله ﷺ عرف منهم أحدا غيرى فقال رسول الله ﷺ ابشروا يا معاشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة يدخلون الجنة قبل اغنياء الناس بنصف يوم وذلك مقدار خمسمائة سنة واخرج ابن جرير عن عكرمة قال جاء عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة ومطعم بن عدى والحارث بن نوفل فى اشراف بنى عبد مناف من اهل الكفر الى ابى طالب فقالوا لو ان ابن أخيك يطرد عنه هؤلاء الا عبد كان أعظم فى صدورنا وأطوع له عندنا واولى لاتباعنا إياه فكلم ابو طالب النبي ﷺ فقال عمر بن الخطاب لو فعلت ذلك حتى تنتظر ما الذي يريدون فانزل الله وانذر به الذين يخافون الى قوله أليس الله بأعلم بالشاكرين وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى ابى حذيفة وصبيحا مولى أسيد وابن مسعود والمقداد بن عبد الله وواقد ابن عبد الله الحنظلي وأشباههم فاقبل عمر فاعتذر من مقالته فنزل.
وَإِذا جاءَكَ
وَكَذلِكَ يعنى كما فصلنا لك فى هذه السورة نُفَصِّلُ الْآياتِ آيات القران او دلائلنا فى كل حق ينكره الكافرون وَلِتَسْتَبِينَ قرأ ابو بكر وحمزة والكسائي بالياء على الغيبة وتذكير الفاعل وابن كثير وابو عمرو وابن عامر وحفص بالتاء على تأنيث الفاعل الغائب ورفع كلهم سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ع على الفاعلية والسبيل يذكر ويؤنث وقرأ نافع لتستبين بالتاء على الخطاب اى لتستوضح يا محمد وسبيل منصوبا على المفعولية والعطف على مقدر تقديره ليظهر الصراط المستقيم ولتستبين
قُلْ إِنِّي نُهِيتُ اى صرفت وزجرت بالآيات والادلة العقلية والآيات القرآنيّة السمعية أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ يعنى ما تدعونها وتسمونها الهة وتعبدونها من دون الله قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ تأكيد لقطع اطماعهم وبيان لان ما هم عليه انما هو امر لا دليل عليه سمعا ولا عقلا بل بتبعية الهوى وتعليل لتركه موافقتهم وتنبيه لمن طلب الحق ان يتبع الحجة ولا يقلد قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً يعنى إذا اتبعت أهواءكم فقد ضللت وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ حينئذ وفيه تعريض بانهم ليسوا بمهتدين.
قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ تنبيه على ما يجب اتباعه بعد بيان ما لا يجوز اتباعه يعنى انى على برهان وبصيرة مِنْ رَبِّي صفة لبينة أو صلة له يعنى بينة كائنة من ربى او بينة من معرفة ربى وانه لا معبود سواه وَكَذَّبْتُمْ بِهِ الضمير راجع الى البينة باعتبار المعنى يعنى كذبتم بالبرهان او راجع الى ربى والمعنى كذبتم بربي حيث أشركتم به ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب حيث تقولون ان كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء او ائتنا بعذاب اليم او المراد ما تستعجلون به من القيامة قال الله تعالى يستعجل بها الذين لا يومنون بها إِنِ الْحُكْمُ فى تعجيل العذاب وتأخيره وإتيان القيامة لاحد إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ قرأ نافع وابن كثير وعاصم بالصاد المهملة المشددة يعنى يقول ويبين الْحَقَّ ويفصله او يتبع الحق والحكم من قص اثره والباقون بالضاد المعجمة المكسورة بحذف الياء من يقضى لاجتماع الساكنين وصلا وكذا وقفا اتباعا للخط يعنى يحكم بالحق وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ الحاكمين والمظهرين.
قُلْ يا محمد لَوْ ثبت أَنَّ عِنْدِي اى فى قدرتى ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ من العذاب او إتيان القيامة لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ اى فرغ من العذاب وأهلكتم وانقطع ما بينى وبينكم من المنازعة او المعنى لقضى بإحقاق الحق وابطال الباطل اليوم بقيام الساعة ما يقضى بينى وبينكم أجلا يوم القيامة قال الله تعالى ثم اليه مرجعكم ثم يحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ولما كان قوله لقضى الأمر بينى وبينكم مجملا لم يتعين فيه مورد العذاب يبيّنه بقوله وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ فيهلكهم على مقتضى حكمة.
وَعِنْدَهُ تعالى دون عند غيره يستفاد الحصر من تقديم الظرف مَفاتِحُ الْغَيْبِ مفاتح جمع
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ اى ينيمكم فان النوم أحد اقسام التوفى وأصله قبض الشيء بتمامه او هو مستعار من الموت بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ اى كسبتم بالجوارح بِالنَّهارِ خص النوم بالليل والكسب بالنهار نظرا الى الغالب المعتاد وتخصيص الشيء بالذكر لا يدل على نفى الحكم عما عداه ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ اى فى النهار فيه تقديم وتأخير تقديره يتوفيكم بالليل ثم يبعثكم فى النهار ويعلم ما جرحتم به ووجه التقديم الاهتمام بذكر الكسب لِيُقْضى اى ليؤخر أَجَلٌ مُسَمًّى للموت سمى ذلك الاجل حين كان جنينا فى بطن امه بل فى الأزل ثُمَّ إِلَيْهِ اى الى حكمه تعالى بجزاء ما كسبتم مَرْجِعُكُمْ بعد الموت ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ يوم القيامة بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ع عند الحساب فيجازيكم عليه فى الاية السابقة تنبيه على شمول علمه تعالى وفى هذه الاية على كمال قدرته وايماء بالاستدلال بما نشاهد من قدرته على الاحياء بعد النوم التي هى اخت الموت على البعث بعد الموت.
وَهُوَ الْقاهِرُ الغالب الذي لا يتصور من أحد مقاومة فى إنفاذ المراد فَوْقَ عِبادِهِ تصوير للغلبة والاستعلاء وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يحفظون أعمالكم ويكتبونها فى الصحف وينشر تلك الصحف يوم القيامة ليظهر المطيع من العاصي على رؤس الاشهاد حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ غاية لارسال الحفظة او غاية للغلبة يعنى بلغت غلبته الى انهم لا يقدرون على مخالفته فى قبض أرواحهم تَوَفَّتْهُ جواب إذا قرأ حمزة توفاه بالألف الممال على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث رُسُلُنا اخرج ابن ابى حاتم وابن ابى شيبة عن ابن عباس ان المراد بهم أعوان ملك الموت من الملئكة وكذا اخرج ابو الشيخ عن النخعي وذكر السيوطي عن وهب بن منبه قال ان الملئكة الذين يقربون بالناس هم الذين يتوفونهم ويكتبون اجالهم فاذا توفى الأنفس
اى أطرافه شاء كذلك الدنيا عندى واخرج فى الزهد وابو الشيخ وابو نعيم عن مجاهد قال جعلت الأرض لملك الموت مثل الطست يتناول من حيث شاء وجعل له أعوانا يتوفى الأنفس ثم يقبضها منهم قلت وتحقيق المسألة بالنظر الى الأحاديث والآثار ان الله سبحانه جعل ملك الموت بحيث نسبته الى جميع الأرض والأقطار على السواء كالشمس فى المشاهدات وجعل نفسه بحيث لا يغنيه شان عن شان وكذلك يجعل لنفوس بعض أوليائه فانهم يظهرون ان شاء الله تعالى فى ان واحد فى امكنة شتى بأجسادهم المكتسبة وجعل لملك الموت أعوانا فى جذب النفوس هم كالجوارح له وتنزل عند كل ميت مومن او كافر جمع من الملئكة بأكفان من الجنة او النار فياخذون روحه من ملك الموت ويرتقون به الى السماء فالمراد برسلنا فى هذه الاية اما أعوان ملك الموت واما الملئكة الذين يرتقون بالأرواح وياخذونها من ملك الموت وقيل أراد بالرسل ملك الموت وحده فذكر الواحد بلفظ الجمع وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ اى لا يقصرون بالتواني والتأخير ولا يقدرون على قبض الأرواح الا بعد اذنه تعالى اخرج الطبراني وابن مندة وابو نعيم عن الحارث بن الخزرج ان رسول الله ﷺ نظر الى ملك الموت عند راس رجل من الأنصار فقال يا ملك الموت ارفق بصاحبى فانه مومن فقال ملك الموت طب نفسا وقر عينا واعلم انى لكل مومن رفيق واعلم
ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ اى مالكهم الْحَقِّ المراد بهذه الاية اما ودهم الى الله تعالى عرضهم على الحساب يوم القيامة كما تدل عليه كلمة ثم واما بعد الموت يرتقون بهم ملئكة الرحمة والعذاب كما ورد فى ذلك الحديث الطويل عن البراء بن عازب قال فيصعدون بها يعنى المؤمن فلا يمرون على ملأ من الملئكة الا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونها فى الدنيا حتى ينتهوا الى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها الى السماء التي تليها حتى ينتهى بها الى السماء السابعة فيقول الله اكتبوا كتاب عبدى فى عليين واعيدوه الى الأرض الحديث وقال فى الكافر فيصعدون بها فلا يمرون على ملأ من الملائكة الا قالوا ما هذا الروح الخبيث فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى به فى الدنيا حتى ينتهى بها الى السماء الدنيا فيستفتح فلا يفتح له ثم قرأ رسول الله ﷺ لا تفتح لهم أبواب السماء الاية فيقول الله عز وجل اكتبوا كتابه فى سجين فى الأرض السفلى فيطرح روحه طرحا ثم قرأ رسول الله ﷺ ومن يشرك بالله فكانما خر من السماء فتخطفه الطير او تهوى به الريح فى مكان سحيق الحديث أَلا لَهُ الْحُكْمُ لا لغيره وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ لا يشغله حساب عن حساب وفى الحديث يحاسب الخلق كلهم فى قدر نصف نهار من ايام الدنيا.
قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ قرأ يعقوب بالتخفيف من الافعال والباقون بالتشديد من التفعيل
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ قرأ الكوفيون وهشام مشددا من التفعيل على طبق السؤال والباقون بالتخفيف من الافعال مِنْها اى من تلك الشدة وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ غاية الغم ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ تعوون الى الشرك ولا توفون بالعهد وتعلمون ان الله هو الذي ينجيكم وتشركون معه الأصنام التي قد علمتم انها لا تضر ولا تنفع وفى وضع تشركون موضع لا تشكرون كمال توبيخ وتنبيه على ان من أشرك فى عبادة الله فكانه لم يعبد الله راسا وكلمة ثم ليس للتراخى فى الزمان بل لكمال البعد بين الإحسان والإشراك.
قُلْ هُوَ اى الله هو الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ كما فعل بقوم نوح وعاد وقوم لوط واصحاب الفيل أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ كما فعل بقوم نوح من نبع الأرض وإغراق فرعون وخسف قارون عن ابن عباس ومجاهد من فوقكم السلاطين الظلمة ومن تحت أرجلكم العبيد السوء وقال الضحاك من فوقكم اى من قبل كباركم ومن تحت أرجلكم من قبل صغاركم وقيل حبس المطر والنبات أَوْ يَلْبِسَكُمْ اى يخلطكم شِيَعاً فرقا متفرقين على أهواء شتى ويكون القتال بينكم وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ البأس العذاب والشدة فى الحرب كذا فى القاموس يعنى يقتل بعضكم بعضا
(فائدة) ظهر تاويل هذه الاية بعد خمس وثلثين سنة من الهجرة حين قاتل المسلمون فى وقعة جمل وصفين وغير ذلك- وعن سعد بن ابى وقاص قال أقبلنا مع رسول الله ﷺ حتى مررنا على مسجد بنى معاوية فدخل فصلى ركعتين فصلينا معه فناجى ربه طويلا ثم قال سالت ربى ثلثة سالته ان لا يهلك أمتي بالغرق فاعطانيها وسالته ان لا يهلك أمتي بالسنة فاعطانيها وسالته ان لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها رواه البغوي وعن عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري ان عبد الله بن عمر جاءهم ثم قال ان النبي ﷺ دعا فى مسجد فسال الله ثلثا فاعطاه اثنتين ومنعه واحدة ساله ان لا يسلط على أمته عدوا من غيرهم يظهر عليهم فاعطاه ذلك وسالهم ان لا يهلكهم بالسنين فاعطاه ذلك وساله ان لا يجعل بأس بعضهم على بعض فمنعه ذلك رواه البخاري واخرج ابن ابى حاتم عن زيد بن اسلم قال لما نزلت قل هو القادر على ان يبعث عليكم عذابا من فوقكم الاية قال رسول الله ﷺ لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض بالسيوف قالوا ونحن نشهد ان لا اله الا الله وانك رسول الله فقال بعض الناس لا يكون هذا ابدا يعنى ان يقتل بعضكم بعضا ونحن مسلمون فنزلت انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ بالوعد والوعيد لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ وَكَذَّبَ بِهِ اى بالعذاب او بالقران.
قَوْمُكَ اى كفار قريش وَهُوَ الْحَقُّ الواقع لا محالة او الصدق قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ اى مسلطا من الله عليكم وكّل الىّ أمركم ألزمكم الإسلام لا محالة او اجازيكم ان أبيتم.
لِكُلِّ نَبَإٍ خبر من اخبار القران من العذاب النازل بالكفار وغيره مُسْتَقَرٌّ وقت استقرار ووقوع لا يتقدم عليه ولا يتاخر وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ عند وقوعه فى الدنيا او فى الاخرة.
وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا بالتكذيب والاستهزاء بها والطعن فيها وكانت القريش تفعل ذلك فى أنديتهم «١» فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ اى قم من عندهم ولا تجالسهم والمقصود
وَما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ يعنى محمدا ﷺ وأصحابه مِنْ حِسابِهِمْ اى الكفار المستهزئين ومن للتبعيض مِنْ شَيْءٍ من زائدة يعنى مما يحاسب عليه الكفار من الآثام ليس شىء منها لازما للمتقين وَلكِنْ عليهم ذِكْرى اى تذكيرهم ومنعهم عن الخوض ونحو ذلك من القبائح ان استطاعوا فذكرى فى محل الرفع ويحتمل النصب على المصدرية يعنى ولكن ذكروهم ذكرى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ اى الكفار بتذكير المؤمنين وجاز ان يكون الضمير للذين يتقون يعنى لكن يثبتوا على التقوى.
وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً يعنى تدبنوا بما لا ينفعهم عاجلا وأجلا كعبادة الأوثان وتحريم البحائر والسوائب او المعنى اتخذوا دينهم الذي كلفوا بإتيانه لهوا ولعبا حيث يسخرون به وقيل معناه ان الله تعالى جعل لكل قوم عيدا فاتخذ كل قوم دينهم يعنى عيدهم لعبا ولهوا الا المسلمين فان فى عيدهم الصلاة صلوة العيد والجمعة والتكبير والنحر لله تعالى وصدقة الفطر والخطبة والتذكير والمعنى اعرض عنهم ولا تبال بأفعالهم وأقوالهم ويجوز ان يكون معناه التهديد كقوله تعالى ذرنى ومن خلقت وحيدا ومن جعله منسوخا باية السيف حمله على ترك التعرض لهم والأمر بالكف عنهم وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا حتى أنكروا البعث وَذَكِّرْ بِهِ اى بالقران أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِما كَسَبَتْ يعنى لئلا تبسل او كراهة ان تبسل اى تحبس بما كسبت من السيئات والبسل الحبس كذا فى القاموس لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ ناصر يدفع عنها العذاب بالمقاومة
قُلْ أَنَدْعُوا أنعبد مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَنْفَعُنا اى عبدناه وَلا يَضُرُّنا ان لم نعبده ونكفر به يعنى لا يقدر على شىء من ذلك وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا يعنى نرجع الى الشرك الذي كان الناس عليه فى الجاهلية عطف على ندعوا بَعْدَ إِذْ هَدانَا اللَّهُ بالوحى فانقذنا من الشرك ورزقنا الإسلام كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ استفعال من هوى يهوى بمعنى ذهب قرأ حمزة استهواه بالألف مما لا على التذكير والباقون بالتاء على التأنيث نظرا الى جمعية الفاعل والكاف فى محل النصب على المصدرية او على الحالية يعنى ردا مثل رد الذي ذهب به الشياطين او نرد مشبهين بالذي ذهب به الشياطين يعنى مردة الجن فِي الْأَرْضِ اى فى المفازة من الطريق الى المهالك حَيْرانَ حال من مفعول استهوته اى ضالا متحير الا يدرى اين يذهب وكيف يصنع لَهُ اى بهذا المستهوى أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى اى الى الطريق المستقيم سماه هدى تسمية للمفعول بالمصدر ائْتِنا تفسير ليدعونه بتقدير القول يعنى يقولون له ائتنا والمستهوى لا يجيبهم ولا يأتيهم وجملة له اصحاب فى محل النصب على الحالية من مفعول استهوته شبه الله سبحانه الضال عن طريق الإسلام والمسلمون يدعونه الى الإسلام فلا يلتفت إليهم بالذي استهوته الغيلان فذهبوا به عن الطريق وأصحابه يدعونه الى الطريق والاستفهام للانكار وجملة التشبيه حال من ضمير نرد قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ اى الإسلام هُوَ الْهُدى وما عداه ضلال وَأُمِرْنا منصوب المحل عطفا على محل ان هدى الله هو الهدى يعنى قل هذا القول وقل أمرنا لِنُسْلِمَ اللام بمعنى الباء او زائدة والفعل بتأويل المصدر بان مقدوة
وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ عطف على ان نسلم مفعولا لامرنا او علة يعنى أمرنا بان اقيموا او لاقامة الصّلوة والتقوى وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ يوم القيمة.
وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قائما بِالْحَقِّ بالحكمة او محقا او المعنى متلبسات بالحق نظيره ما خلقت هذا باطلا او الباء بمعنى اللام اى لاظهار الحق وَيَوْمَ يَقُولُ للشئ كُنْ فَيَكُونُ يعنى يقول للخلق قوموا فيقومون فيكون مرفوعا على الخبر وليس بجواب ويوم منصوب باذكر او هو معطوف على الضمير المنصوب فى واتقوه يعنى اتقوا عذاب يوم يقول كن يعنى يوم القيمة او على السموات يعنى خلق السموات ويوم القيمة او منصوب بفعل محذوف دل عليه السياق يعنى خلق السموات والأرض وما بينهما ويعيدها يوم يقول للبعث كن فيكون وعلى هذه التأويلات قَوْلُهُ الْحَقُّ مبتدأ وخبر كلام مستأنف يعنى قوله هو الحق الصدق لا محالة وجاز ان يكون الموصوف مع الصفة فاعلا ليقول يعنى فيكون قوله الحق ولا يتخلف الخلائق عن قوله او المعنى حين يقول لقوله الحق اى لقضائه كن فيكون وقيل قوله الحق مبتدا ويوم يقول خبره مقدما عليه كما تقول يوم الجمعة قولك الصدق يعنى قولك الصدق كائن يوم الجمعة قدم الخبر للاهتمام والمعنى انه الخالق للسموات والأرض قوله الحق نافذ فى الكائنات يوم يقول كن فيكون وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ كقوله تعالى لمن الملك اليوم لله الواحد القهار والصور قرن ينفخ فيه كذا قال رسول الله ﷺ فى جواب الاعرابى حين ساله رواه ابو داؤد وحسنه والنسائي وابن جبان وصححه والبيهقي فى البعث وابن المبارك فى الزهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص واخرج ابو الشيخ بن حبان فى كتاب العظمة عن وهب بن منبه قال خلق الله الصور من لؤلؤ بيضاء فى صفاء الزجاجة ثم قال للعرش خذ الصور فتعلق به ثم قال كن فكان اسرافيل فامره ان يأخذ الصور فاخذه وبه ثقب بعدد كل روح مخلوقة ونفس منفوسة لا يخرج روحان من ثقب واحد وفى وسط الصور كوة كاستدارة السماء والأرض واسرافيل واضع فمه فى تلك الكوة ثم قال له الرب تعالى قد وكلتك بالصور فانت بالنفخة والصيحة فدخل اسرافيل
الصور عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ اى هو عالم الغيب يعنى ما لم يوجد والشهادة يعنى ما وجد فان كل موجود مشهود لله تعالى لا يعزب عنه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وَهُوَ الْحَكِيمُ فى الإيجاد والافناء الْخَبِيرُ بالحساب والجزاء وبأحوال المخلوقات كلها.
وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ قرأ يعقوب آزر بالضم
وَكَذلِكَ يعنى كما أريناه الحق على خلاف قرنه نُرِي حكاية حال ماضية إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ كرهبوت وترقوت العز والسلطان كذا فى القاموس مشتق من الملك زيدت الواو والتاء للمبالغة فهو أعظم الملك قال فى الصحاح الملكوت مختصة بملك الله تعالى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اضافة الملكوت الى السموات والأرض من قبيل اضافة المصدر الى المفعول يعنى سلطان الله وربوبيته السموات قال مجاهد وسعيد بن جبير يعنى آيات السموات والأرض وذلك انه أقيم على صخرة وكشف له عن السموات والأرض حتى العرش وأسفل الأرضين ونظر الى مكانه فى الجنة وذلك قوله تعالى واتيناه اجره فى الدنيا يعنى أريناه مكانه فى الجنة وروى عن سلمان ورفعه بعضهم عن على رضى الله عنه لما ارى ابراهيم ملكوت السموات والأرض ابصر رجلا على فاحشة فدعا عليه فهلك ثم ابصر اخر فدعا عليه فهلك ثم ابصر اخر فاراد ان يدعوا عليه فقال الرب عز وجل يا ابراهيم انك رجل مستجاب الدعوة فلا تدعون على عبادى فانما انا من عبادى على ثلث خصال اما ان يتوب الىّ فاتوب عليه واما ان اخرج عنه نسمة تعبدنى واما ان يبعث الىّ فان شئت عفوت عنه وان شئت عاتبته وفى رواية واما ان يتولى فان جهنم من ورائه وقال قتادة ملكوت السموات الشمس والقمر والنجوم وملكوت الأرض الجبال والأشجار والبحار وَلِيَكُونَ معطوف على مقدر دل عليه السباق يعنى يستدل وليكون مِنَ الْمُوقِنِينَ او متعلق بفعل محذوف معطوف على نرى يعنى وفعلنا ذلك ليكون من الموقنين عيانا كما كان على بصيرة إلهاما من الله تعالى.
فَلَمَّا جَنَّ اى اظلم عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى قرأ حمزة والكسائي وابو بكر وابن ذكوان هذا وشبهه من لفظه إذا لم يأت بعد الياء ساكن بامالة فتحة الراء والهمزة
دنت ولادة أم ابراهيم وأخذها المخاض خرجت هاربة مخافة ان يطلع عليها فيقتل ولدها فوضعته فى «١» حلفاء فرجعت فاخبرت زوجها بانها ولدت وان الولد فى موضع كذا فانطلق أبوه فاخذه من ذلك المكان وحفر له سربا عند نهر فواراه فيه وسد عليه بابه بصخرة مخافة السباع وكانت امه تختلف اليه فترضعه وقال محمد بن إسحاق لما وجدت أم ابراهيم الطلق خرجت ليلا الى مغارة كانت قريبا منها فولدت فيها ابراهيم فاصلحت من شانه ما يصنع بالمولود ثم سدت عليه المغارة ورجعت الى بيتها ثم كانت تطالعه لتنظره ما فعل فتجده حيا يمص إبهامه قال ابو روق قالت أم ابراهيم ذات يوم لانظرن الى أصابعه فوجدته يمص من إصبع ماء ومن إصبع لبنا ومن إصبع عسلا ومن إصبع تمرا ومن إصبع سمنا وقال محمد ابن إسحاق كان آزر قد سال أم ابراهيم عن حملها ما فعل فقالت قد ولدت غلاما فمات فصدقها وسكت
فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ قرأ حمزة وابو بكر هذا وشبهه إذا لقيت الياء ساكنا منفصلا بامالة فتحة الراء فقط دون الهمزة والباقون بفتحها هذا فى حالة الوصل واما فى حالة الوقف فالاختلاف كما مر فى رأى كوكبا وعن ابى بكر وابى شعيب فى روايته عنهما بامالة الراء والهمزة جميعا فى الوصل ايضا وعن البزي نحوه بازِغاً فى بداية الطلوع قالَ هذا رَبِّي هذا القول فى القمر والشمس بعد تمام الاستدلال بالكوكب ليس الا لالزام الخصم والا فالعاقل يكفيه الاشارة وابراهيم عليه السلام مع كمال قوته النظرية لا يتصور ان يحتاج الى استدلال اخر بعد تمام الاستدلال فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ قال ذلك شكر النعمة الهداية من الله تعالى كما قال رسول الله ﷺ لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا وفيه ارشاد لقومه وتنبيه لهم على ان القمر ايضا لتغير حاله لا يصلح للالوهية وان من اتخذه الها فهو ضال وانما احتج عليهم بالأقوال دون البزوغ مع ان كلا منهما انتقال من حال الى حال لان الاحتجاج به اظهر لكونه انتقالا الى اخس الحالين وأدونهما.
فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي قيل ذكر اسم الاشارة لتذكير الخبر وصيانية للرب عن شبهة التأنيث وقيل أراد به هذا الطالع أوردا الى المعنى وهو الضياء والنور وعندى ان تأنيث الشمس انما هو سماعى لفظى فى لغة العرب لان تصغيره شميسة دون غيرها من اللغات ولسان ابراهيم عليه السّلام لم يكن عربيا فذكر ابراهيم اسم الاشارة بناء على لغته وحكاه الله سبحانه على ما قاله بلغة العرب هذا أَكْبَرُ من الكواكب كبره استدلالا واظهار الشبهة الخصم فَلَمَّا أَفَلَتْ غربت قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ تبرأ من جميع الالهة الباطلة فانه لما تبين ان الكواكب والقمر والشمس مع كونها اجراما
إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح الياء والباقون بالإسكان لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وما فيها وَالْأَرْضَ وما فيها يعنى الذي دلت على وجوده ووجوبه هذه الموجودات التي لا تقتضى ذواتها وجوداتها المحتاجة الى من يخرجها من العدم الى الوجود حَنِيفاً حال من فاعل وجهت يعنى مائلا من الأديان كلها الى الإسلام وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ بالله شيئا من خلقه.
وَحاجَّهُ قَوْمُهُ فى توحيد الله ونفى الشركاء عنه يعنى قاموا بالمجادلة لما عجزوا وبهتوا فى مقابلة الاستدلال الصحيح وقالوا احذر الهتنا ان تمسك بسوء واحذر نمرود ان يقتلك او يحرقك قالَ ابراهيم أَتُحاجُّونِّي فِي اللَّهِ بعد تمام الاستدلال على وجوده وتوحيده وَقَدْ هَدانِ اثبت الياء فى الوصل ابو عمرو حذف الباقون يعنى هدانى الله الى الحق واقامة الحجة مع كونى صغيرا اميا وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ تعالى من الممكنات سواء كان من الفلكيات كالشمس والقمر والكواكب او من العنصريات من ذوى العقول كنمرود او من الجمادات كالاصنام فان كلها مثلى فى عدم الاقتدار على النفع والضرر الا باقتدار الله تعالى او أعجز منى روى ان ابراهيم لما خرج من السرب وصار بحال سقط عنه طمع الذباحين وضمه آزر الى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها ابراهيم ليبيعها فيذهب بها ابراهيم وينادى من يشترى ما يضره ولا ينفعه فلا يشتريها أحد فاذا بات عليه ذهب بها الى نهر فصوب فيه راسه وقال اشربى استهزاء بقومه إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً يعنى لا يستطيع ما تشركون بالله اضرارى فى وقت من الأوقات الا وقت ان يشاء ربى شيئا من الإضرار وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً كانه علة للاستثناء يعنى لا يبعد ان يكون فى علمه ان يصيبنى مكروه من جهة بعض عباده بمشيته وخلقه وأقداره على الكسب أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ فتميّزوا بين العاجز على الإطلاق كالاصنام وبين العاجز فى نفسه
وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ به ولا يقدر أحد منهم على الإضرار من غير مشية الله وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ وهو حقيق ان يخاف منه كل الخوف فانه هو القادر على الإطلاق الضار النافع ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ اى باشراكه عَلَيْكُمْ سُلْطاناً دليلا نقليا من الكتاب ولا عقليا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ من الموحدين بالله المعتقدين على ما اقتضاه العقل والنقل والمشركين به المعتقدين بما لا دليل عليه أَحَقُّ بِالْأَمْنِ من العذاب والمكاره فى الدنيا والاخرة لم يقل أينا احترازا عن تزكية النفس وايماء بان استحقاق الا من غير مختص به بل يشتمل كل موحد ففيه ترغيب لهم فى التوحيد إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ من يحق ان يخاف منه لا تخافوا الا الله تعالى كما أخاف دل على الجزاء ما سبق او المعنى ان كنتم ذا علم وبصيرة فانصفوا فى الجواب عن الاستفهام.
الَّذِينَ آمَنُوا بالله وَلَمْ يَلْبِسُوا اى لم يخلطوا إِيمانَهُمْ بالله تعالى بِظُلْمٍ بشرك أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ من العذاب وَهُمْ مُهْتَدُونَ الى الحق والى الجنة عن عبد الله بن مسعود قال انه لما نزلت هذه الاية شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله فاينا لا يظلم نفسه فقال ذلك انما هو الشرك الم تسمعوا الى ما قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بنى لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم متفق عليه وهذه الاية استيناف من الله تعالى او من ابراهيم بالجواب عما استفهم عنه حين لم يسمع منهم جوابا حقا واخرج ابن ابى حاتم من طريق عبيد الله بن زحر عن بكر بن سوادة قال حمل رجل من العدو على المسلمين فقتل رجلا ثم حمل فقتل اخر ثم حمل فقتل اخر ثم قال أينفعنى الإسلام بعد هذا فقال رسول الله ﷺ نعم فدخل فيهم ثم حمل على أصحابه فقتل رجلا ثم اخر ثم قتل قال فيرون ان هذه الاية نزلت فيه الذين أمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم الاية.
وَتِلْكَ اشارة الى ما مر من قوله تعالى فلما جن عليه الليل الى قوله تعالى وهم مهتدون وهذا اصرح دليلا على ان ما مر من مقال ابراهيم انما كان احتجاجا على قومه لا تفكرا واستدلالا لنفسه كيف والنفوس القدسية لا يحتاجون الى تجشم الاستدلال وقيل أراد به الاحتجاج الذي حاج نمرود على ما سبق فى سورة البقرة وهذا بعيد جدا حُجَّتُنا خبر لاسم الاشارة او صفة له او بدل منه آتَيْناها إِبْراهِيمَ ارشدناه إليها الجملة خبر او خبر بعد خبر او معترضة
وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ ابنا وَيَعْقُوبَ ابن ابن كُلًّا اى كلواحد منهما هَدَيْنا انتصب كلا بهدينا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ ابراهيم عد هداه نعمة على ابراهيم من حيث انه أبوه وفيه دليل على ان شرف الوالد يتعدى الى الولد وبالعكس قلت فمن المحال ان يكون بعض اباء النبي ﷺ مع كونه محبوبا لله كافرا وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ قيل الضمير راجع الى ابراهيم لان الكلام فيه وقيل لنوح لانه اقرب ولان يونس ولوطا ليسا من درية ابراهيم والثاني اظهر فلو كان لابراهيم اختص البيان فى المعدودين فى تلك الاية والتي بعدها والمذكورون فى الاية الثالثة معطوفون على نوحا داوُدَ بن اليشا وَسُلَيْمانَ بن داود وَأَيُّوبَ بن اموص بن رازخ بن روم ابن عيص بن إسحاق بن ابراهيم وَيُوسُفَ بن يعقوب بن إسحاق وَمُوسى وَهارُونَ اخوه اكبر منه بسنة ابني عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب وَكَذلِكَ منصوب على المصدرية بما بعده اى جزاء مثل جزاء ابراهيم على إحسانه يرفع درجاته ودرجات ابنائه نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الإحسان ان تعبد ربك كانك تراه فان لم تكن تراه فانه يراك متفق عليه من حديث عمر مرفوعا فى قصة سوال جبرئيل.
وَزَكَرِيَّا بن اذن وَيَحْيى بن زكريا وَعِيسى بن مريم بنت عمران وَإِلْياسَ بن متى ابن فخاص بن عيزار بن هارون عليه السّلام وقال ابن مسعود هو إدريس وله اسمان مثل يعقوب وإسرائيل وسياق الاية يابى عنه فان إدريس ليس من ذرية نوح بل هو جد ابى نوح فان نوحا ابن لامك بن متوشلخ بن خنوخ بن إدريس وهو أول بنى آدم اعطى النبوة وخط بالقلم كُلٌّ اى كلواحد منهما كائن مِنَ الصَّالِحِينَ اى المعصومين عن الصغائر والكبائر فان من اتى بما نهى الله عنه او ترك ما امر به فهو فاسد وان قل فساده بالنسبة الى غيره واطلاق الصالح على غير المعصوم إضافي
وَإِسْماعِيلَ بن ابراهيم جد النبي ﷺ وَالْيَسَعَ بن أخطوب بن العجحور قرأ حمزة والكسائي واليسع هنا بلام مشددة واسكان الياء والباقون بلام ساكنة مخففة وفتح الياء وعلى القراءتين علم أعجمي ادخل عليه اللام كما ادخل على اليزيد فى قوله رايت الوليد بن اليزيد مباركا شديدا باعياء الخلافة كاهله وَيُونُسَ بن متى وَلُوطاً ابن هاران ابن أخي ابراهيم عليه وعليهم الصلاة والسلام وَكلًّا اى كلواحد منهم منصوب بما بعده فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ اى عالمى زمانهم فيه دليل على فضلهم على من عداهم فى ذلك الزمان من الملئكة وغيرهم من الخلائق.
وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ عطف على كلا يعنى فضلنا كلا منهم وبعض ابائهم وذرياتهم وإخوانهم او على نوحا يعنى هدينا هؤلاء وبعض ابائهم وذرياتهم وإخوانهم فان منهم من لم يكن نبيا ولا مهديا وَاجْتَبَيْناهُمْ اى اخترناهم عطف على فضلنا او هدينا وَهَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تكرير لبيان ما هدوا اليه.
ذلِكَ التوحيد الذي دانوا به هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ دليل على انه متفضل بالهداية وَلَوْ أَشْرَكُوا يعنى هؤلاء الأنبياء فرضا مع فضلهم وعلو شانهم لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ فضلا عن غيرهم.
أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ اى الجنس الكتب المنزلة والإتيان أعم من الانزال عليه او امره بتبليغه وَالْحُكْمَ اى الحكمة والفقه او فصل الخصومات على مقتضى الحق او كونهم حاكمين مطاعين وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها اى بهذه الثلاثة هؤُلاءِ اى كفار مكة فَقَدْ وَكَّلْنا بِها يعنى وفقنا بالايمان بها وبمراعات حقوقها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ يعنى الأنصار واهل المدينة قاله ابن عباس ومجاهد والظاهر عمومه لجميع الصحابة ولمن تبعهم من اهل الفرس وغيرهم وقال ابو رجا العطاردي ان يكفر بها اهل الأرض فقد وكلنا بها اهل السماء وهم الملئكة.
أُولئِكَ المذكورون من الأنبياء مبتدأ خبره الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ يعنى هديهم الله الى التوحيد واصول الدين والى الإتيان بما امر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه فَبِهُداهُمُ اى بطريقتهم
وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ الاية واخرج ابن جرير نحوه عن عكرمة قال البغوي لاجل هذه المقالة نزع يهود مالكا عن الحيرية وجعلوا مكانه ابن الأشرف وقال السدى نزلت هذه الاية فى فخاص بن عازورا وهو قائل هذه المقالة وقد تقدم الحديث فى سورة النساء واخرج ابن جرير من طريق ابى طلحة عن ابن عباس قال قالت اليهود يا محمد انزل الله عليك كتابا قال نعم قالوا والله ما انزل الله من السماء كتابا فانزل الله تعالى
وَهذا القران كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ اى كثير الفائدة والنفع مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ من التورية وغيرها وَلِتُنْذِرَ عطف على ما دل عليه مبارك يعنى لتنتفع به ولتنذر قرأ ابو بكر عن عاصم لينذر بالياء على الغيبة والضمير راجع الى الكتاب أُمَّ الْقُرى يعنى مكة سميت بها لان الأرض دحيت من تحتها فهى كالاصل لجميع الأرض او لانها قبلة اهل القرى وموضع حجهم ومرجع لاهل جميع الأرض والمضاف محذوف يعنى لتنذر اهل أم القرى وَمَنْ حَوْلَها الى الشرق والغرب وأطراف الأرض وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
فان من أمن بالاخرة خاف العاقبة ولا يزال الخوف يحمله على النظر والتفكر حتى يؤمن بالنبي والكتاب والضمير يحتملهما ويحافظ على الطاعات وخص الصلاة بالذكر لانها عماد الدين وفى الاية تعريض على اليهود انهم لم يؤمنوا بالقران ومحمد ﷺ لاجل انهم لم يؤمنوا بالاخرة وبما جاء به موسى عليه السّلام للتلازم بين الايمان بالتورية والقران والقيامة.
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى اى اختلق والفرية بالكسر الكذب عَلَى اللَّهِ كَذِباً منصوب على المصدرية مثل مالك بن الضيف القائل بانه ما انزل الله على بشر من شىء ومثل عمرو بن لحىّ واتباعه القائلين بان الله حرم الصوائب والحوامي وبان انعاما حرمت ظهورها وبان ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وان يكن ميتة فهم فيه شركاء أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ قال البغوي قال قتادة نزلت فى مسيلمة الكذاب..... وكان يسجع ويتكهن وادعى النبوة وزعم انه اوحى اليه وكذا اخرج ابن جرير عن عكرمة وكان قد أرسل الى رسول الله ﷺ رسولين فقال النبي ﷺ أتشهدان ان مسيلمة نبى قالا نعم فقال النبي ﷺ لولا ان الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما روى البغوي بسنده عن ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ بينا انا نائم إذ أتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضع فى يدى سواران من ذهب فكبرا علىّ فاهمانى فاوحى الى ان انفخهما فنفختهما فذهبا فاولتهما الكذابين هما صاحب صنعاء وصاحب يمامة أراد بصاحب صنعاء الأسود العنسي وبصاحب يمامة مسيلمة الكذاب وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ قال البغوي نزلت فى عبد الله بن ابى سرج وكان قد اسلم وكان يكتب للنبى ﷺ وكان إذا املى سميعا بصيرا كتب عليما حكيما وإذا قال عليما حكيما كتب غفورا رحيما فلما نزلت ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين املاها رسول الله ﷺ فعجب عبد الله من تفصيل خلق الإنسان فقال تبارك الله احسن الخالقين فقال النبي ﷺ اكتبها فهكذا نزلت فشك عبد الله وقال ان كان محمد صادقا لقد اوحى الى كما اوحى اليه وان كان كاذبا فقد قلت مثل ما قال فارتد عن الإسلام ولحق بالمشركين وكذا اخرج ابن جرير عن عكرمة والسدى قصة تبارك الاية ذكر البغوي ثم رجع عبد الله
وَلَقَدْ جِئْتُمُونا بعد الموت ويوم القيامة للحساب والجزاء فُرادى حال من فاعل جئتمونا اى منفردين عن الأموال والأولاد والأعوان والأحباب وسائر ما اثرتموه من الدنيا او من الأوثان
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى قال الحسن وقتادة والسدى معناه شق الحبة عن السنبلة والنواة عن النخلة فيخرجها منها وقال الزجاج يشق الحبة اليابسة والنواة اليابسة فيخرج منها ورقا اخضر وقال مجاهد المراد انشقاق الذي بين الحنطة والنواة وقال الضحاك فالق الحب والنوى يعنى خالقهما والحب جمع الحبة وهى اسم لجميع البذور الماكولة من البر والشعير والذرة والارز ونحوها والنوى جمع النواة وهى كل ما لا يوكل من البذور كنواة التمر والمشمش والخوخ والرمان يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ يعنى ما ينمو من الحيوان والنبات مما لا ينمو كالنطفة والحبة والنواة هذه الجملة وقع موقع البيان لما سبق ولذا لم يعطف وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ يعنى ما لا ينموا ويتفتت مما ينموا
فالِقُ الْإِصْباحِ هو مصدر أصبح إذا دخل فى الصبح سمى به الصبح تسمية المحل باسم الحال يعنى شاق عمود الصبح عن ظلمة الليل او عن بياض النهار او شاق ظلمة الإصباح وهو الغبش الذي يليه وَجَعَلَ اللَّيْلَ كذا قرأ الكوفيون على صيغة الماضي ونصب الليل على المفعولية معطوف على معنى فالق فان معناه فلق الإصباح وقرأ الباقون جاعل على وزن فاعل مضافا الى الليل سَكَناً يسكن فيه الإنسان واكثر الحيوانات للاستراحة عن كد لمعيشة الى نوم الغفلة او عن وحشة الخلق الى الانس بالحق منصوب بفعل دل عليه اسم الفاعل على قراءة غير اهل الكوفة لان اسم الفاعل بمعنى الماضي كما يدل عليه قراءة جعل لا يعمل وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ على قراءة اهل الكوفة معطوفان على الليل وعلى قراءة غيرهم منصوبان يجعل مقدر يعنى جعل الشمس والقمر حُسْباناً مصدر حسب بالفتح بمعنى الحساب كما ان الحسبان بالكسر مصدر حسب بالكسر وقيل جمع حساب كشهاب وشهبان يعنى جعلهما علمين لحساب الأوقات يعلم بسيرهما ذلِكَ اى جعلهما حسبانا تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الذي قهرهما وسخرهما الْعَلِيمِ بتدبيرهما والانفع من التداوير الممكنة لهما.
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اى خلق لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الليل فى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ واضافتها إليهما للملابسة او المراد بالظلمات مشتبهات الطرق سميت ظلمات على الاستعارة قَدْ فَصَّلْنَا بيّنّا الْآياتِ الدالة على توحيد الصانع المبدع الحكيم لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم هم المنتفعون به.
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ اى ابتدأ خلقكم مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ آدم عليه السّلام فَمُسْتَقَرٌّ قرأ ابن كثير وابو عمرو بكسر القاف على انه اسم فاعل يعنى فمنكم مستقر والباقون بالفتح على انه اسم مفعول او مصدر ميمى او ظرف يعنى فمنكم مستقر او فلكم استقرار او موضع استقرار وَمُسْتَوْدَعٌ بفتح الدال بلا خلاف لجواز نسبة الاستقرار دون الاستيداع يعنى لكم استيداع او موضع استيداع او منكم مستودع قال ابن مسعود المستقر فى الرحم الى ان يولد قال الله تعالى يقر فى الأرحام والمستودع فى القبر الى ان يبعث وقال سعيد ابن جبير مستقر فى الرحم ومستودع فى صلب الأب وعن ابى بعكس هذا وقال مجاهد
وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ اى السحاب ومنه الى الأرض ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ اى بالماء نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ نبت كل صنف من الحبوب والنواة سبحان الله أنبت أنواعا مختلفة تسقى بماء واحد وفضل بعضها على بعض فى الاكل فَأَخْرَجْنا مِنْهُ اى من النبات او من الماء خَضِراً شيئا اخضر وهو ما تشعب من اصل النبات الخارج من البذر نُخْرِجُ مِنْهُ من الخضر حَبًّا مُتَراكِباً وهى السنبلة المتراكب حباتها وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها بدل للاول وهو خبر والمبتدأ قِنْوانٌ جمع قنو وهو العذق دانِيَةٌ قريبة من المتناول او قريبة بعضها من بعض اقتصر على ذكرها من مقابلها اما لدلالتها عليه كما فى قوله تعالى سرابيل تقيكم الحر يعنى والبرد واما لان قربها من المتناول او كثرتها وقرب بعضها ببعض أعظم نعمة وأوجب للشكر وجاز ان يكون التقدير وأخرجنا من النخل نخلا من طلعها قنوان دانية وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ عطف على نبات كل شىء يعنى أخرجنا منه جنات قرأ الأعمش عن الأعشى عن عاصم جنات بالرفع عطفا على قنوان وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ عطف على نبات يعنى أخرجنا منه شجرا الزيتون والرمان او نصب على الاختصاص لغير هذين الصنفين عندهم مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ حال من الرمان او من الجميع يعنى حال كون بعضها مشتبها ببعض اخر وبعضها غير متشابه فى الهيئة والقدر واللون والطعم انْظُرُوا ايها الناس بنظر الاعتبار إِلى ثَمَرِهِ قرأ حمزة والكسائي فى الموضعين هاهنا وفى يس بضم الثاء والميم على انه جمع ثمارا وثمرة والباقون بفتحتين على انه اسم جنس كتمرة وتمر وكلمة وكلم إِذا أَثْمَرَ إذا اخرج ثمره كيف يخرج لا يكاد ينتفع به وَالى يَنْعِهِ حال نضجه كيف يعود ضخيما لذيذا فهو مصدر وقيل هو جمع يانع كتاجر وتجر إِنَّ فِي ذلِكُمْ المذكورات لَآياتٍ على توحيد قادر حكيم لا يكون له ضدّ يعانده ولا ندّ يعارضه لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
وَجَعَلُوا يعنى كفار مكة مع قيام ادلة التوحيد لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ يعنى الملئكة عبدوهم وقالوا الملئكة بنات الله سماهم جنا لاجتنانهم وتحقيرهم عن درجة الربوبية او المراد بالجن الشياطين لانهم أطاعوهم وعبدوا غير الله من الأوثان وغيرها بتسويلهم او لاجل حلول الشياطين فى الأوثان أحيانا او لاجل قولهم الله خالق الخير والشيطان خالق الشر ومفعولا جعلوا لله وشركاء والجن بدل من شركاء او شركاء والجن ولله متعلق بشركاء او حال منه وَخَلَقَهُمْ حال من الله تعالى بتقدير قد او منه ومن الجن معا على ان يكون الضمير المنصوب راجعا الى الجن يعنى وقد علموا ان الله تعالى خلق الانس والجن وكل شىء وان الجن لا يخلق شيئا وَخَرَقُوا قرأ نافع بتشديد الراء للتكثير والمعنى اختلقوا وافتروا لَهُ بَنِينَ قالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله وَبَناتٍ قالت العرب الملئكة بنات الله بِغَيْرِ عِلْمٍ من غير ان يعلموا صدق ما قالوا بدليل عقلى او نقلى وهو فى موضع الحال من فاعل خرقوا او المصدر اى خرقا بغير علم سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اضافة الصفة المشبهة الى فاعلها يعنى بديع سموته وارضه ليس لها نظير وقيل معناه المبدع يعنى خالقها بلا سبق مثال خبر مبتدا محذوف يعنى هو او مبتدا خبره.
أَنَّى من اين او كيف يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ يكون منها الولد وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ فى الاية استدلال على نفى الولد بوجوه الاول ان من مبدعاته السموات والأرض وهى مع انها من جنس ما يوصف بالولد مستغن عنه لطول بقائها فالله سبحانه اولى به الثاني انه خالق الأجسام العظيمة وخالق الأجسام لا يكون جسما والولادة من خواص الأجسام والثالث ان الولد ينشئ من ذكر وأنثى متجانسين والله تعالى منزه عن المجانسة الرابع ان الولد كفو للوالد ونظيره وليس له كفوا أحد لان كل ما عداه مخلوقه فلا يكافيه شىء ولانه عالم بكل شىء ولا كذلك غيره بالإجماع الا بتعليمه
ذلِكُمُ اى الموصوف بما سبق من الصفات مبتدا اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ اخبار مترادفة ويجوز ان يكون البعض خبرا والبعض بدلا او صفة فَاعْبُدُوهُ الفاء للسببية يعنى
لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ اخرج ابن ابى حاتم وغيره بسند ضعيف عن ابى سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ قال لو ان الجن والانس والشياطين والملائكة منذ خلقوا الى ان فنوا صفا واحدا ما احاطوا بالله ابدا استدل المعتزلة بهذه الاية على امتناع الروية واجمع اهل السنة على نفى الروية فى الدنيا وإثباتها فى الاخرة للمؤمنين فى الجنة والاستدلال بها على الامتناع باطل بوجوه أحدها ان صيغة المضارع اما للحال ويستعمل فى الاستقبال مجازا او هى مشترك فى المعنيين والحال مراد فى الاية اجماعا إذ لا قايل بروية الله تعالى فى الدنيا فلا يجوز ارادة الاستقبال والا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز او عموم المشترك ثانيها ان الابصار بصيغة الجمع يدل على ارادة الافراد دون الجنس فاللام اما للعهد يعنى الابصار الموجودة فى الدنيا او للاستغراق فانكان للعهد فلا دليل على نفى الروية بالأبصار المخلوقة للمؤمنين فى الجنة وان كان للاستغراق فمدلول الاية نفى الاستغراق لا استغراق النفي فلا دليل فيه على نفى الروية بابصار اهل الجنة روى ابو نعيم فى الحلية عن ابن عباس قال تلا رسول الله ﷺ رب أرني انظر إليك قال قال الله يا موسى انى لا يرانى حى إلا مات ولا يابس الا تدهده ولا رطب الا تفرق وانما يرانى اهل الجنة لا يموت أعينهم ولا يبلى أجسامهم ثالثها ان الإدراك غير الروية لان الإدراك هو الوقوف على كنه الشيء والإحاطة به او الوصول الى الشيء بحيث لا يفوت منه شىء والروية المعاينة ولا تلازم بينهما قال الله تعالى فلما ترائ الجمعان قال اصحاب موسى انا لمدركون قال كلا فى هذه الاية نفى للدرك بعد اثبات الروية من الجانبين رابعها ان النفي لا يوجب الامتناع وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ يحيط بها علمه وَهُوَ اللَّطِيفُ فى القاموس هو البر بعباده المحسن الى خلقه بايصال المنافع إليهم برفق ومن هاهنا قال ابن عباس اللطيف باوليائه وفيه ايضا اللطيف العالم بخفايا الأمور وفى الصحاح قد يعبر باللطيف ما لا يدرك بالحاسة وعلى هذا ففى الكلام لف ونشر مرتب يعنى لا تدركه الابصار لانه اللطيف وهو يدرك الابصار لانه الْخَبِيرُ قَدْ جاءَكُمْ
يعنى الحجج البينة التي يحصل بها البصيرة التي تبصرون بها الهدى من الضلال والحق من الباطل فالبصيرة للنفس كالبصر للبدن مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ يعنى من استعمل الحجة وابصر الحق وأمن به فَلِنَفْسِهِ ابصر يعود نفعه إليها وَمَنْ عَمِيَ عن الحق واعرض عن الحجج وضل فَعَلَيْها وباله وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها بل الحفيظ هو الله تعالى وانما انا البشير النذير هذا كلام ورد على لسان رسول الله ﷺ كانه قيل قل قد جاءكم بصائر الاية
وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ اى نفصلها ونبين واصل الصرف النقل من حال الى حال وفى التفصيل نقل معنى واحد من عبارة الى عبارة حتى يفهم المخاطب وفى القاموس صرف الحديث ان يزاد فيه ويحسّن من الصرف فى الدراهم وهو فضل بعضها على بعض فى القيمة وكذلك صرف الكلام وله عليه صرف اى فضل لانه إذا فضل صرف عن اشكاله وكذلك منصوب على المصدرية يعنى نصرف الآيات تصريفا مثل تصريفنا فى هذه السورة وَلِيَقُولُوا عطف على مقدر تقديره ليتم التبليغ وليقولوا اى الكفار واللام لام العاقبة يعنى يكون عاقبة الأمر ان يقولوا دَرَسْتَ قرأ نافع والكوفيون بفتح الدال والراء وسكون السين وفتح التاء على صيغة الخطاب من درست الكتاب بمعنى قرات من غيرك قال ابن عباس ليقول اهل مكة حين تقرأ عليهم درست تعلمت من يسار وجبر كانا عبدين من سبى الروم ثم قرأت علينا تزعم انه من عند الله وقرأ ابن كثير وابو عمر دارست من المفاعلة يعنى قارات وذاكرات اهل الكتاب والمعنى واحد وقرأ ابن عامر ويعقوب درست بفتح السين وسكون التاء على صيغة المؤنث الغائب اى قدمت هذه الاخبار التي تتلوها علينا وانمحت من قولهم درس الأثر دروسا وَلِنُبَيِّنَهُ اى القران وهو مذكور لذكر الآيات فيما سبق والآيات هى القران لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ فانهم هم المنتفعون به فتصريف الآيات ليتم التبليغ وليشقى به من قال درست وليسعد من تبين له الحق
اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ يعنى اعمل بالقران لا إِلهَ إِلَّا هُوَ اعتراض لتاكيد إيجاب اتباع الوحى او حال مؤكدة من ربك يعنى منفردا فى الالوهية وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فلا تجادلهم ولا تستمع بأقوالهم ولا تلتفت الى آرائهم
وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ايمانهم ما أَشْرَكُوا ولكن حق القول منه لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين فيه
وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الاية قال البغوي قال ابن عباس لما نزلت انكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم قال المشركون يا محمد لتنتهين عن سب الهتنا او لتهجون ربك فنهيهم الله ان يسبوا أوثانهم وقال السدى لما حضرت أبا طالب الوفاة قالت قريش انطلقوا فلندخل على هذا الرجل فلنا مرنه ان ينهى عنا ابن أخيه فانا نستحيى ان نقتله بعد موته فيقول العرب كان يمنعه عمه فلما مات قتلوه فانطلق ابو سفيان وابو جهل والنضر بن الحارث وامية وابى ابنا خلف وعقبة بن ابى معيط وعمرو بن العاص والأسود بن ابى البختري الى ابى طالب فقالوا يا أبا طالب أنت كبيرنا وسيدنا وان محمدا قد اذانا والهتنا فتجب ان تدعوه وتنهاه عن ذلك وعن ذكر الهتنا ولندعنه والهه فدعاه فقال هولاء قومك تريد ان تدعنا والهتنا وندعك وإلهك وقد أنصفك قومك فاقبل منهم فقال النبي ﷺ ارايتم ان أعطيتكم هذا هل أنتم معطى كلمة ان تكلمتم بها ملكتم العرب ودانت لكم العجم قال ابو جهل نعم وأبيك لنعطينكها وعشرة أمثالها قال فما هى قال قولوا لا اله الا الله فابوا وتفرقوا فقال ابو طالب قل غيرها يا ابن أخي قال يا عم ما انا بالذي أقول غيرها ولو أتوني بالشمس فوضعوها فى يدى فقالوا التكفن عن سب الهتنا او لنشتمنك ونشتمن من يأمرك فانزل الله عز وجل ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله يعنى لا تذكروا الأوثان بما فيها من القبائح فَيَسُبُّوا اللَّهَ منصوب على جواب النهى عَدْواً تجاوزا عن الحق الى الباطل بِغَيْرِ عِلْمٍ اى على جهالة بالله تعالى وبما يجب ان يذكر به وما هو منزه عنه فظاهر الاية وان كان نهيا عن سب الأصنام فحقيقة النهى عن سب الله تعالى لانه سبب لذلك وفيه دليل على ان الطاعة إذا أدت الى معصية راجحة وجب تركها لان ما يودى الى الشرشر كَذلِكَ اى تزئينا مثل تزئين سب الله للكافرين زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ مؤمنة وكافرة عَمَلَهُمْ من الخير والشر
وَأَقْسَمُوا يعنى الكفار بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على المصدرية او مصدر فى موقع الحال يعنى مجتهدين فى إتيان أوكد ما قدروا عليه من الايمان والداعي لهم على القسم وتوكيده التحكم فى طلب الآيات واستحقار ما راوا منها لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ من مقترحاتهم لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ فى قدرته تعالى واختياره يظهر منها ما يشاء وليس شىء منها فى قدرتى واختياري وَما يُشْعِرُكُمْ ما استفهامية للانكار أنكر السبب مبالغة فى نفى المسبب او ما نافية والمعنى على التقديرين انه لا تشعرون خطاب للمشركين الذين اقسموا او للمؤمنين أَنَّها اى الآيات قرأ ابن كثير وابو عمرو وابو بكر عن عاصم ويعقوب بخلاف عنه بكسر الهمزة على الابتداء فعلى هذه القراءة مفعول ما يشعركم محذوف اى ما يشعركم ما يصدر من الكفار بعد مجئ الآيات الايمان او الكفر ثم أخبرهم فقال انها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ هكذا علم الله تعالى فيهم فان مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضل لا يمكن منهم
وَنُقَلِّبُ عطف على لا يؤمنون الا على تقدير كون لا زائدة فحينئذ عطف على ما يشعركم أَفْئِدَتَهُمْ عن الحق فلا يفقهونه وَأَبْصارَهُمْ فلا يبصرونه نظر اعتبار فلا يومنون بها كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ اى بما انزل من الآيات كانشقاق القمر وغيرها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ اى نذرهم متحيرين فى طغيانهم ولا نهديهم.
وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى مصدقا لنبوتك باحيائنا وَحَشَرْنا جمعنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا قرأ نافع وابن عامر بكسر القاف وفتح الباء على انه مصدر والباقون بضمهما على انه جمع قبيل بمعنى كفيل اى كفلا بما بشروا وانذروا او جمع قبيل الذي هو جمع قبيلة بمعنى جماعات او مصدر بمعنى مقابلة وعلى الوجوه كلها حال من كل شىء ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا لما سبق عليهم القضاء بالكفر ولكون مبادى تعيناتهم ظلال الاسم المضل إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعنى فى حال من الأحوال الا حال مشية الله تعالى ايمان من سبق عليه القضاء بالايمان وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ انهم لو أتوا بكل اية لم يومنوا فيقسمون بالله جهد ايمانهم على ما لا يشعرون ولذلك أسند الجهل الى أكثرهم مع ان مطلق الجهل يعمهم او لكن اكثر المسلمين يجهلون انهم لا يؤمنون فيتمنون نزول الآيات طمعا فى ايمانهم
وَكَذلِكَ يعنى كما جعلنا كفار قريش اعداء لك يؤذونك ويخالفون أمرك كذلك جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ سبقك عَدُوًّا وهو دليل على ان عداوة الكفار للانبياء بفعل الله تعالى وخلقه شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ بدل من عدوا أو أول مفعول جعلنا وعدوا مفعوله الثاني ولكل متعلق بجعلنا او حال
وَلِتَصْغى عطف على غرورا إن كان علة او متعلق بمحذوف يعنى وفعلنا ذلك لتصغى اى تميل إِلَيْهِ اى الى زخرف القول أَفْئِدَةُ اى قلوب الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ لانفسهم وَلِيَقْتَرِفُوا اى ليكتسبوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ من المعاصي ولما كانت القريش يقولون للنبى ﷺ اجعل بيننا وبينك
أَفَغَيْرَ اللَّهِ على ارادة القول يعنى قل لهم يا محمد والفاء للعطف على محذوف يعنى أجيب ما تطلبون منى فغير الله أَبْتَغِي اى اطلب حَكَماً قاضيا بينى وبينكم يفصل المحق منا من المبطل وغير مفعول ابتغى وحكما حال منه ويحتمل ان يكون عكسه وحكما ابلغ من حاكم ولذلك لا يوصف به غير العادل وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتابَ القران المعجز المخبر بالمغيبات مطابقا للكتب المنزلة السابقة مُفَصَّلًا مبينا فيه الحق والباطل بحيث ينفى اللبس حال من الكتاب والجملة حال من الله تعالى وفيه تنبيه على ان القران باعجازه وتقريره مغن عن سائر الآيات وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعنى اليهود يَعْلَمُونَ أَنَّهُ اى القران مُنَزَّلٌ قرأ ابن عامر وحفص بالتشديد من التفعيل والباقون بالتخفيف من الافعال مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ تأكيد لدلالة الاعجاز لان اهل الكتاب يعلمون بالقران كونه محقا لاجل مطابقة كتبهم مع كون النبي ﷺ اميا لم يدارس كتبهم ولم يجالس علمائهم وانما أسند العلم الى جميعهم لان بعضهم يعلمون وبقيتهم متمكنون منه بأدنى تأمل او بالرجوع الى علمائهم فلا تكوننّ ايها السامع مِنَ الْمُمْتَرِينَ الشاكين فى انه من عند الله تعالى
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ قرأ الكوفيون ويعقوب كلمة بالتوحيد على الجنس والباقون كلمات على الجمع وأراد به اخباره ووعده ووعيده وامره ونهيه الواردة فى القران يعنى بلغت الغاية صِدْقاً فى الاخبار والوعد والوعيد وَعَدْلًا فى الاحكام كذا قال قتادة ومقاتل منصوبان على التميز او الحال لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ يعنى لا أجد يبدل شيئا منها قال ابن عباس لاراد لقضائه ولا مغير لحكمه او المعنى لا نبى ولا كتاب بعد القران ينسخها ويبدل أحكامها وَهُوَ السَّمِيعُ لما يقولون الْعَلِيمُ بما يضمرون فلا يمهلهم
وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يعنى الكفار فانهم كانوا اكثر من المؤمنين يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ عن الطريق الموصل اليه تعالى يعنى الدين الإسلام إِنْ يَتَّبِعُونَ اى اكثر اهل الأرض إِلَّا الظَّنَّ يعنى جهالاتهم وآرائهم فى تحليل الميتة وتحريم البحائر ونحوها مما يقولون وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ اى يقولون ما يقولون بالظن والتخمين بلا علم حاصل بدليل صحيح
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعنى يعلم بالفريقين فيجازى كلا
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ الفاء للسببية فانه تعالى لما نهى عن اتباع الكفار المضلين فرع عليه قوله فكلوا يعنى لا تتبعوا فى تحريم الحلال وتحليل الحرام آراء الكفار القائلين بتحليل الميتة وتحريم الذبائح إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ فان الايمان به تعالى يقتضى استباحة ما أحل الله واجتناب ما حرمه
وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ما استفهامية فى موضع الرفع بالابتداء ولكم خبره وَيعنى والحال انه قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ قرأ نافع وحفص ويعقوب فصل وحرم بالفتح فيهما على البناء للفاعل يعنى بين الله لكم ما حرم الله عليكم وقرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بضم الفاء والحاء وكسر الصاد والراء على البناء للمفعول فيهما وقرأ ابو بكر وحمزة والكسائي فصل على البناء للفاعل وحرم على البناء للمفعول والمراد بتفصيل المحرمات قوله تعالى قل لا أجد فيما اوحى الىّ محرما الاية إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ استثناء من ضمير حرم وما مصدرية بمعنى المدة يعنى فصل لكم ما حرم عليكم فى جميع الأوقات الا وقت الاضطرار اليه فان قيل ما الفائدة فى الاستثناء وقد اغنى عنه قوله فصل لكم ما حرم عليكم فان التفصيل شامل للاستثناء قلنا فائدته المبالغة فى النهى عن الامتناع عن أكل سالم يحرم فان ما حرم يصير عند الاضطرار مباحا بخلاف ما أحل فانه لا يحرم قط وَإِنَّ كَثِيراً من الناس لَيُضِلُّونَ بتحليل الحرام وتحريم الحلال قرأ الكوفيون هاهنا وفى سورة يونس ليضلون بضم الياء على انه من الإضلال والباقون بالفتح بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ من دليل عقلى ولا نقلى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ المتجاوزين من الحق الى الباطل ومن الحلال الى الحرام
وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ يعنى الذنوب كلها ظاهرها من اعمال الجوارح وباطنها من اعمال القلب وصفات النفس قال الكلبي واكثر المفسرين الإعلان بالزنا والاسرار به وقال سعيد بن جبير ظاهره نكاح المحارم وباطنه
وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ هذه الاية بعمومها حجة لاحمد حيث يقول متروك التسمية عامدا او ناسيا لا يجوز أكله وبه قال داؤد وابو ثور والشعبي ومحمد بن سيرين وقال مالك خص متروك التسمية ناسيا من عموم هذه الاية بحديث ابى هريرة قال سال رجل رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ارايت الرجل منا يذبح وينسى ان يسمى الله قال اسم الله فى فم كل مسلم رواه الدارقطني وحديث ابن عباس ان النبي ﷺ قال المسلم ان نسى ان يسمى حين يذبح فليسم ثم لياكل رواه الدارقطني والحديثان ضعيفان فان فى حديث ابى هريرة مروان بن سالم قال احمد ليس بثقة وقال النسائي والدارقطني متروك وفى حديث ابن عباس معقل مجهول وقال ابو حنيفة ايضا بجواز أكل متروك التسمية ناسيا لكن القول بتخصيص الآحاد لا يصح على اصل ابى حنيفة فقال صاحب الهداية لكنا نقول فى اعتبار ذلك يعنى فى تعميم الاية للناسى ايضا من الحرج ما لا يخفى لان الإنسان كثير النسيان والحرج مدفوع والسمع غير مجرى على ظاهره إذ لو أريد به العموم لجرت المحاجة فظهرت الانقياد وارتفع الخلاف فى الصدر الاول ولا يخفى ضعف هذا القول وقال الشافعي المراد به بما لم يذكر اسم الله عليه الميتات وما ذبح على غير اسم الله تعالى بدليل قوله تعالى وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ والفسق فى ذكر اسم غير الله تعالى كما فى اخر السورة قل لا أجد فيما اوحى الى قوله او فسقا اهل لغير الله به واحتج الشافعي على حل متروكة التسمية عامدا بحديث عائشة قالت ان قوما قالوا يا رسول الله ان هاهنا أقواما حديث عهدهم بشرك يأتوننا بلحمان لا ندرى يذكرون اسم الله عليها او لا قال اذكروا أنتم اسم الله وكلوا رواه البخاري قال البغوي لو كانت التسمية شرطا للاباحة لكان الشك فى وجوده مانعا من أكلها كالشك فى اصل الذبح وبحديث الصلت مرسلا قال قال رسول الله ﷺ ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله او لم يذكر رواه ابو داؤد فى المراسيل قالت الحنفية حديث الصلت محمول على حالة النسيان وحديث عائشة حجة لنا لا علينا لانهم سالوا عن الاكل عند
أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً يعنى كافرا غافلا قلبه عن الحق قرأ نافع ويعقوب هاهنا وفى يس الأرض الميتة وفى الحجرات لحم أخيه ميتا بتشديد الياء فى الثلاثة والباقون بإسكانها استعارة تمثيلية وكذا فى قوله كمن مثله فى الظلمات فان الكافر لا يمتاز بين ما ينفعه وما يضره كالميت فَأَحْيَيْناهُ يعنى أحيينا قلبه بنور الايمان
وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا يعنى كفار قريش لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ ثم قال الله تعالى اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ «٢» رِسالَتَهُ قرأ ابن كثير وحفص على الافراد وفتح التاء والباقون رسالاته بالجمع وكسر التاء استيناف للرد عليهم بان النبوة ليست بالنسب والمال والسن وانما هى فضل من الله تعالى بمن يعلم انه أحق به قال المجدد للالف الثاني رضى الله عنه مبادى تعينات الأنبياء صفات الله تعالى من غير شائبة الظلية ومبادى تعينات غيرهم من الناس ظلال
(٢) عن ابن مسعود ان الله نظر فى قلوب العباد فوجد قلب محمد خير القلوب فاصطفاه لنفسه وبعثه برسالته ثم نظر فى قلوب العباد بعد قلب محمد ﷺ فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه فما راه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وما راه المؤمنون سيئا فهو عند الله سيئ ١٢
فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ الى معرفة طريق الحق يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ لما نزلت هذه الاية سئل رسول الله ﷺ عن شرح الصدر قال نور يقذفه الله فى قلب المؤمن فيشرح له ويتفسح قلت يعنى يتسع لمعرفة الحق ويومن قالوا فهل لذلك امارة قال نعم الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور واستعداد الموت قبل نزول الموت أخرجه الحاكم والبيهقي فى شعب الايمان من حديث ابن مسعود واخرج الفريابي وابن جرير وعبد بن حميد من حديث ابى جعفر مرسلا قالت الصوفية العلية شرح الصدر لا يكون الا بعد فناء النفس بزوال عينها واثرها وذلك بتجليات صفات الله تعالى الحسنى فى الولاية الكبرى ولاية الأنبياء وحينئذ يحصل الايمان الحقيقي وَمَنْ يُرِدْ الله سبحانه أَنْ يُضِلَّهُ عن طريق الحق يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً قرأ ابن كثير ضيقا بالتخفيف بإسكان الياء هاهنا وفى الفرقان والباقون بالتشديد وهما لغتان مثل هين وهيّن ولين وليّن وقرأ نافع وابو بكر عن عاصم حرجا بكسر الراء والباقون بفتحها قال سيبويه بالفتح المصدر كالطلب بمعنى الصفة وبالكسر الصفة وهى أشد الضيق وقيل هما لغتان بمعنى الصفة يعنى يجعل صدره بحيث لا يدخله الايمان ويشق عليه قبول الحق ويزعمه مستحيلا
وَهذا الذي بينا من شرح صدر من أراد هدايته وجعله ضيقا لمن أراد إضلاله صِراطُ رَبِّكَ طريقه الذي اقتضته الحكمة وسنة التي جرت فى عباده وقيل معناه هذا الذي أنت عليه يا محمد وجاء به القران من الإسلام صراط ربك الموصل اليه مُسْتَقِيماً معناه على التقدير الاول عادلا مطردا وعلى التقدير الثاني لا عوج فيه حال من الصراط والعامل فيها معنى الاشارة قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ من اهل السنة والجماعة فانهم هم المنتفعون بها العالمون بان القادر هو الله تعالى لا غير وان كل ما يحدث من خير وشر بقضائه وخلقه وانه عليم بأحوال العباد حكيم عادل لا مجال لاحد بالاعتراض عليه
لَهُمْ اى لقوم يتذكرون بالنصوص ولا يتبعون الأهواء دارُ السَّلامِ يعنى الجنة سميت بها لانها دار السّلام من المكاره او دار تحيتهم فيها سلام او المعنى دار الله أضاف الى نفسه تعظيما عِنْدَ رَبِّهِمْ اى فى ضمانه او ذخيرة لهم عنده لا يعلم كنهها غيره وَهُوَ اى الله تعالى وَلِيُّهُمْ اى متولى أمورهم فى الدنيا بالتوفيق وفى القبور بالتثبيت فى الجواب جواب المنكر والنكير وفى الاخرة بجزيل الجزاء ويرفعهم فى
وَنقول او يقول الله يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ يعنى الجن والانس قرأ حفص بالياء على الغيبة والباقون بالنون على التكلم جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ يعنى الشياطين قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ بان جعلتم كثيرا منهم اتباعكم فى الضلالة او استكثرتم من اغوائهم وَقالَ أَوْلِياؤُهُمْ مِنَ الْإِنْسِ الذين أطاعوهم رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ اى انتفع الانس من الجن بما يتلقون منهم من الأراجيف والسحر والكهانة وتزئينهم لهم الأمور التي يشتهونها وأطاعه الجن لهم فى تحصيل مراداتهم وإيصالهم الى شهواتهم ويبيت الانس فى جوار الجن حين يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء قومه وانتفع الجن من الانس باستعبادهم واستتباعهم فى الضلالات والمعاصي وَبَلَغْنا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنا يعنى يوم القيامة أجلت للبعث اعتراف بذنبهم وتحسر على أنفسهم قالَ الله تعالى النَّارُ مَثْواكُمْ منزلكم او ذات مقامكم خالِدِينَ فِيها حال والعامل فيها مثويكم ان جعل مصدر او معنى الاضافة ان جعل مكانا إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ قيل معناه الا مدة سبقت على وقت دخولهم فى النار كانه قيل النار مثويكم الا ما امهلتكم وقيل المستثنى الأوقات التي ينقلون فيها من النار الى الزمهرير وقيل معنى إلا سوى والمعنى خالدين فيها سوى ما شاء الله من انواع العذاب وقال ابن «١» عباس الاستثناء يرجع الى قوم سبق فيهم علم الله انهم يسلمون فيخرجون من النار وما بمعنى من على هذا التأويل إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ فيما يفعل باوليائه وأعدائه عَلِيمٌ بما فى قلوبهم من الايمان والنفاق وباعمال الثقلين وأحوالهم
وَكَذلِكَ اى كما خذلنا عصاة الجن والانس حتى استمتع بعضهم ببعض نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً اى بعضهم قال قتادة يعنى يجعل بعضهم اولياء بعض المؤمن ولى المؤمن يعينه على الخير والكافر ولى الكافر يبعثه الى الشر وروى معمر عن قتادة معناه نتبع بعضهم بعضا فى النار من الموالاة وقيل معناه نولى ظلمة الانس ظلمة الجن وظلمة الجن ظلمة الانس اى نكل بعضهم الى بعض وروى الكلبي عن ابى صالح عن ابن عباس
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ
اختلفوا فى ان الجن هل أرسل إليهم منهم فسئل الضحاك عنه فقال بلى الم تسمع الله يقول الم يأتكم رسل منكم يعنى رسلا من الانس ورسلا من الجن قال الكلبي كانت الرسل قبل ان يبعث محمد ﷺ يبعثون الى الجن والى الانس جميعا يعنى الى بعض من كل من الفريقين فانه لم يبعث الى كافتهم الا خاتم الرسل عليه السلام وقال مجاهد الرسل من الانس والنذر من الجن ثم قرأ ولوا الى قومهم منذرين والمراد بالنذر رسل الرسل وهم قوم من الجن يستمعون كلام الرسل فيبلغون الجن ما سمعوا وليس للجن رسل فعلى هذا قوله تعالى رسل منكم ينصرف الى أحد الصنفين وهم الانس كما قال الله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وانما يخرج من الملح دون العذب وقال وجعل القمر فيهن وانما هو فى سماء واحدة قلت الاية تدل على كون الفريقين مرسلين إليهم سواء كان الرسل من كل صنف او من الانس فقط لكن لا مانع من كون بعض الرسل الى الجن منهم قبل مبعث النبي ﷺ كيف وقوله تعالى لو كان فى الأرض ملئكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا يقتضى كون الرسل الى الجن منهم لكمال المناسبة بين الرسول ومن أرسل اليه كيف وخلقة الجن كان اسبق من آدم عليه السلام وكانوا مكلفين لكونهم من ذوى العقول ولقوله تعالى لا ملئن جهنم من الجنة والناس فلو لم يرسل إليهم حينئذ أحد لم يعذبوا لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فهذه الاية تدل على انه كان قبل آدم عليه السلام من الجن رسلا إليهم ومن هاهنا يظهر ان ما يدعوا اهل الهند من البرازخ ويسمونهم أوتارا ويذكرون فى تواريخهم
يقرؤن كتبى يُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا
يعنى يوم القيامةالُوا
جواباهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا
بتبليغ الرسل إلينا وبالكفر قال مقاتل وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم بالشرك والكفر غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا
حتى لم يؤمنوا شَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ
ذم لهم على سوء اختيارهم فى الدنيا حتى اضطروا الى الاعتراف باستيجاب العذاب
ذلِكَ يعنى إرسال الرسل خبر مبتدأ محذوف اى الأمر وما بعده تعليل للحكم او بدل من ذلك والأظهر انه مبتدأ وخبره ما بعده أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ ان مصدرية او مخففة من الثقيلة اسمها ضمير الشأن يعنى إرسال الرسل كان لانتفاء كون ربك او لان الشان لم يكن ربك مُهْلِكَ الْقُرى اى اهله بِظُلْمٍ اما حال من فاعل مهلك يعنى ما كان ربك مهلكهم ظالما وَأَهْلُها غافِلُونَ لم ينبهوا برسول واما حال من مفعوله واما ظرف لغو متعلق بمهلك يعنى ما كان ربك مهلكهم بسبب ظلم فعلوه او ملتبسين بظلم فى حال غفلتهم من قبل ان يأتيهم الرسل وذلك على جرى العادة من الله تعالى
وَلِكُلٍّ من المكلفين دَرَجاتٌ مراتب من الله تعالى فى القرب والبعد مِمَّا عَمِلُوا اى من أجل أعمالهم التي اكتسبوها فى الدنيا فمنهم من هو اقرب منزلة وأجزل ثوابا ومنهم من هو ابعد رحمة وأشد عذابا وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ فيجزى كلا منهم على حسب عمله قرأ ابن عامر بالتاء على الخطاب والباقون بالياء على الغيبة
وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ عن العباد وعن عبادتهم ليس إرسال الرسل وتكليف العباد بالأوامر والنواهي لغرض يعود اليه تعالى بل لانه تعالى ذُو الرَّحْمَةِ على خلقه أرسل إليهم الرسل وأمرهم ونهاهم تكميلا لهم ومن رحمته تعالى انه يمهلهم على المعاصي ويتجاوز عنهم إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ اى يهلككم يا اهل مكة بذنوبكم ما به تعالى إليكم حاجة يفوت بذهابكم وَيَسْتَخْلِفْ اى يخلف وينشأ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ من الخلق غيركم أطوع منكم إنشاء كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ
إِنَّ ما تُوعَدُونَ من البعث والحساب والاثابة والتعذيب لَآتٍ كائن لا شبهة فيه وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فائتين طالبكم به بل يدرككم حيث ما كنتم
قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ قرأ ابو بكر عن عاصم على مكاناتكم وعلى مكاناتهم حيث وقع على الجمع والباقون على الافراد والمكانة اما مصدر من مكن مكانة إذا تمكن وتسلط على شىء يعنى اعملوا على غاية تمكنكم واستطاعتكم او هو اسم ظرف بمعنى المكان استعير هاهنا للحال يقال للرجل إذا امر ان يثبت على حاله على مكانتك يا فلان اى اثبت على ما أنت عليه من الحال وعلى التقديرين امر للتهديد والوعيد والمعنى اثبتوا على كفركم وعداوتكم إِنِّي عامِلٌ على مكانتى التي انا عليها من المصابرة والثبات على الإسلام وعلى ما أمرني به ربى فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ قرأ حمزة والكسائي يكون بالياء هاهنا وفى القصص لان تأنيث العاقبة غير حقيقى والباقون بالتاء لتانيث الفاعل ومن اما موصولة فى محل النصب على انه مفعول يعلمون يعنى فسوف يعرفون الذين يكون له العاقبة الحسنى فى الدار الاخرى او استفهامية فى محل الرفع على الابتداء وفعل العلم معلق عنه يعنى يعلمون أينا يكون له العاقبة الحسنى فى الدار الاخرى إنذار مع الانصاف فى المقال وحسن الأدب وفيه تعريض على انى على علم ويقين بان العاقبة للمتقين إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ الواضعون العبادة والطاعة فى غير محلها قال البغوي كان المشركون يجعلون لله تعالى من حروثهم وأنعامهم وثمارهم وسائر أموالهم نصيبا وللاوثان نصيبا فما جعلوه لله صرفوه الى الضيفان والمساكين وما جعلوه للاوثان أنفقوا على خدمها فان سقط شىء مما جعلو الله فى نصيب الأوثان تركوه وقالوا ان الله لغنى عن هذا وان سقط شىء من نصيب الأصنام فيما جعلوه لله ردوه الى الأوثان وقالوا انها محتاجة وكان إذا هلك او انتقص شىء مما جعلوه لله لم يبالونه وإذا هلك او انتقص شىء مما جعلوه للاصنام جبروه بما جعلوه لله وذلك قوله تعالى
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ اى خلقه الله مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً ولشركائهم نصيبا حذف هذه الجملة لظهورها بالمقابلة فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ يعنى زعموا كذلك ولم يأمرهم
وَكَذلِكَ يعنى تزئينا مثل ما زين لهم قسمة الحرث ونحوها زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ بواد البنات ونحرهم لالهتهم شُرَكاؤُهُمْ فاعل زين قال مجاهد يعنى شياطينهم زينوا وحسنوا لهم واد البنات خيفة الفقر سميت الشياطين شركاء لانهم أطاعوها فى معصية الله وأضيف الشركاء إليهم لاتخاذهم إياها الهة بلا سبب موجب وقال الكلبي شركائهم سدنة الأوثان كانوا يزينون الكفار قتل الأولاد فكان الرجل منهم يحلف لئن ولد له كذا غلاما لينحرن أحدهم وقرأ ابن عامر زين بضم الزاء وكسر الياء على البناء للمفعول الذي هو القتل مرفوعا ونصب الأولاد على المفعولية للقتل وجر الشركاء على ان المصدر مضاف الى الفاعل اعنى الشركاء وترك المفعول اعنى أولادهم منصوبا ويظهر بتواتر هذه القراءة ان اضافة المصدر الى فاعله مفصولا بينهما بمفعوله صحيح فصيح وان ضعفه بعض اهل العربية كذا قال التفتازانيّ او يقال نزل المضاف اليه منزلة الفاعل المرفوع وجاز تقديم المفعول على الفاعل وانما أسند القتل الى الشركاء وان لم يتولوا ذلك لانهم هم الذين زينوا ذلك ودعوا اليه لِيُرْدُوهُمْ اى ليهلكوهم بالإغواء وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ اى ليخلطوا عليهم دينهم الذي كانوا عليه يعنى دين اسمعيل عليه السلام قبل التلبيس كذا قال ابن عباس او المراد دينهم الذي وجب عليهم ان يتدينوا به واللام للتعليل ان كان التزيين من الشياطين وللعاقبة ان كان من السدنة وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ان لا يفعلوا ذلك التخليط واللبس والتزيين او ان لا يقتلوا الأولاد وان لا يجعلوا للاصنام نصيبا من أموالهم ما فَعَلُوهُ اى المشركين ما زين لهم او الشركاء التزيين او الفريقان جميع ذلك فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ
وَقالُوا يعنى المشركين هذِهِ يعنى ما جعلوه لله ولالهتهم من الحرث والانعام على ما مر أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ اى حرام مصدر بمعنى المفعول يستوى فيه الواحد والجمع والذكر والأنثى وقال مجاهد يعنى بالانعام البحيرة والسائبة والوصيلة والحام لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ يعنون خدم الأوثان والرجال دون النساء بِزَعْمِهِمْ من غير حجة وَأَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها يعنى البحائر والسوائب والحوامي وَأَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا فى الذبح وانما يذكرون اسماء الأصنام وقال ابو وائل معناه لا يحجون عليها ولا يركبون لفعل الخير لانه لما جرت العادة بذكر اسم الله على فعل الخير عبر عن فعل الخير بذكر الله افْتِراءً عَلَيْهِ نصب على المصدر من قالوا لان ما قالوه تقولوا على الله والجار والمجرور متعلق لقالوا او بمحذوف هو صفة له يعنى افتراء واقعا عليه او منصوب على الحال يعنى قالوا ذلك مفترين او على العلية يعنى للافتراء والجار والمجرور متعلق به او بالمحذوف سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ اى بسبب افترائهم او بمقابلة
وَقالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ يعنى اجنة البحائر والسوائب ما ولد منها حيا خالِصَةٌ الخالص ما لا شوب فيه والهاء فيه للتاكيد والمبالغة وقال الكسائي خالص وخالصة واحد مثل وعظ وموعظة وقال الفراء ادخلت الهاء لتانيث الانعام لان ما فى بطونها مثلها وقيل نظرا الى المعنى فان معنى ما فى بطونها الاجنة والمراد به حلال خاصة لِذُكُورِنا وَمُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا اى نسائنا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً قرأ ابن عامر وابو جعفر وابن كثير ميتة بالرفع على الفاعلية على ان يكون تامة لكن المكي قرأ يكن بالياء التحتانية والآخران بالتاء الفوقانية لان الفاعل مؤنث غير حقيقى او لان الميتة لفظه مؤنث ومعناه يعم الذكر والأنثى فجاز التذكير على التغليب والتأنيث على اللفظ والباقون ميتة بالنصب على الخبرية غير ان أبا بكر عن عاصم قرأ تكن بالتاء الفوقانية مع ان الضمير راجع الى الموصول نظرا الى تأنيث الخبر او الى المعنى فان ما فى بطونها هى الاجنة والباقون بالتحتانية نظرا الى لفظ الموصول فَهُمْ اى الذكر والأنثى فِيهِ اى فى الميتة وذكر الضمير لانه يعم الذكر والأنثى شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ منصوب بنزع الخافض اى يوصفهم الله
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا قرأ ابن عامر وابن كثير بتشديد التاء على التكثير والباقون بالتخفيف أَوْلادَهُمْ سَفَهاً جهلا بِغَيْرِ عِلْمٍ بان الله رازق أولادهم ويجوز نصبه على المصدرية او الحال اى قتلا بغير علم او كائنين بغير علم قال البغوي نزلت الاية فى ربيعة ومضر وبعض من العرب كانوا يدفنون البنات احياء مخافة الفقر والسبي وبنو كنانة لا يفعلون ذلك وَحَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللَّهُ يعنى البحيرة والسائبة والوصيلة والحام افْتِراءً عَلَى اللَّهِ منصوب على العلية او الحالية او المصدرية يعنى يفترون على الله افتراء او حرموا مفترين او للافتراء قَدْ ضَلُّوا وَما كانُوا مُهْتَدِينَ الى الحق والصواب
وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ بساتين مَعْرُوشاتٍ قال ابن عباس ما انبسط على وجه الأرض فانتشر مما يعرض اى يرفع مثل الكرم والقرع والبطيخ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ ما قام على الساق ونسق مثل النخل والزرع وسائر الأشجار وقال الضحاك كلاهما من الكرم منها ما عرش يعنى غرسه الناس فعرشوه ومنها ما نبت فى البراري والجبال فلم يعرشه أحد وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ يعنى ثمره فى اللون والطعم والريح الضمير راجع الى الزرع والباقي مقيس عليه او الى النخل والزرع داخل فى حكمه لكونه معطوفا او للجميع على تقدير كل واحد منهما ومختلفا حال مقدرة لان وقت الإنشاء لا أكل له وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً بعض افرادها ببعض وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ بقيتها كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ اى من ثمر كل واحد منها إِذا أَثْمَرَ وان لم يدرك يعنى أول وقت الإباحة طلوع الثمر ولا يتوقف على الإدراك او يقال فائدة هذا القيد رخصة المالك فى الاكل منه قيل أداء حق الله تعالى وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ قرأ ابو عمرو وابن عامر وعاصم حصادة بفتح الحاء والباقون بكسرها ومعناهما واحد كالصرام والصرام والجزار والجزار بالكسر والفتح فيهما اختلفوا فى هذا الحق فقال ابن عباس وطاووس والحسن وجابر بن زيد وسعيد بن المسيب انه الزكوة المفروضة من العشر ونصف العشر لان الأمر للوجوب ولفظ الحق غالب استعماله فى الواجب والإجماع على انه لا واجب فى المال الا الزكوة وفى الصحيحين عن
ابى ذر انه استاذن على عثمان فاذن له وبيده عصاه فقال عثمان يا كعب ان عبد الرحمن بن عوف توفى وترك مالا فما ترى فيه فقال إن كان يصل فيه حق الله فلا بأس به فرفع أبو ذر عصاه فضرب كعبا وقال سمعت رسول الله ﷺ يقول ما أحب لو ان لى هذا الجبل ذهبا أنفقه ويتقبل منى اذر خلفى منه ست أواق أنشدك بالله يا عثمان أسمعته ثلث مرات قال نعم رواه احمد وعن ابى هريرة ان النبي ﷺ دخل على بلال وعنده صبرة من تمر فقال ما هذا يا بلال قال شىء ادخرته لغد فقال أما تخشى ان ترى له غدا بخارا فى نار جهنم يوم القيامة أنفق يا بلال ولا تخش من ذى العرش إقلالا رواه البيهقي فى شعب الايمان وعن ابى هريرة قال يا رسول الله ﷺ اى الصدقة أفضل قال جهد المقل وابدأ بمن تعول رواه ابو داؤد وقال سعيد بن المسيب معنى لا تسرفوا لا تمنعوا الصدقة يعنى لا تجاوزوا الحد في الإمساك حتى تمنعوا الواجب من الصدقة وقال مقاتل معناه لا تشركوا الأصنام فى الحرث والانعام وقال الزهري معناه لا تنفقوا فى المعصية وقال مجاهد الإسراف ما قصرت به عن حق الله عز وجل وقال لو كان ابو قبيس ذهبا لرجل فانفقه فى طاعة الله لم يكن مسرفا ولو أنفق درهما او مدّا فى معصية الله تعالى كان مسرفا وقال إياس بن معاوية ما جاوزت به امر الله فهو سرف وإسراف وروى ابن وهب عن ابى زيد انه قال الخطاب فى هذه الاية للسلاطين يقول الله تعالى لا تأخذوا فوق حقكم فهذه الاية نظير قوله ﷺ وإياكم وكرايم اموال الناس إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ لا يرتضى فعلهم
وَانشأ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وهى كل ما حمل عليه من الإبل والبقر وَفَرْشاً وهى ما لا يحمل عليه من الصغار الدانية الى الأرض كالفصال والعجاجيل والغنم كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ امر اباحة وادخل من التبعيضية لان الرزق ليس كله ماكولا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ اى طرقه فى تحليل الحرام وتحريم الحلال
ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ بدل من حمولة وفرشا او مفعول كلوا ولا تتبعوا معترض بينهما او حال من ما بمعنى مختلفة او متعددة والزوج ما معه اخر من جنسه يزاوجه وقد يقال لمجموعهما والمراد الاول مِنَ الضَّأْنِ اسم جنس وهى ذات الصوف من الغنم وجمعه ضئين او الضان جمع ضائن والأنثى ضائنة وجمعها ضوائن اثْنَيْنِ زوجين اثنين الذكر والأنثى اعنى الكبش والنعجة بدل من حمولة ان جوز تعدد البدل ومن ثمانية ان جوز البدل من البدل وَمِنَ الْمَعْزِ وهى ذات الشعر من الغنم قرأ ابن كثير وابو عمرو وابن عامر بفتح العين والباقون بالإسكان وهى جمع ما عز كصحب وصاحب وقال البغوي هو جمع لا واحد له من لفظه وجمع الماعز معزى وجمع الماعزة مواعز اثْنَيْنِ الذكر والأنثى التيس والعنز قُلْ يا محمد آلذَّكَرَيْنِ اجمع القراء على ابدال الهمزة الثانية او تسهيلها وكذا كلما دخل همزة الاستفهام على همزة الوصل نحو آلله آلآن يعنى آلذكر من الضان والمعز حَرَّمَ اى حرمه الله تعالى أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ منهما ونصب الذكرين والأنثيين بحرم أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ يعنى أعم من الذكر والأنثى من الجنين نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ يعنى أخبروني بامر معلوم من عند الله تعالى يدل على تحريم ما تحرمونه إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فى دعوى التحريم
وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ كما سبق يعنى شىء منهما لم يحرم وذلك انهم كانوا يقولون هذه انعام وحرث حجر وقالوا ما فى بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وكانوا يحرمون البحيرة والسائبة والوصيلة والحام بعضها على النساء فقط وبعضها على الرجال والنساء جميعا فلما جاء الإسلام قام مالك بن عوف ابو الأحوص الجشمي فقال يا محمد بلغنا انك تحرم أشياء مما كان ابائنا يفعلون فقال رسول الله ﷺ انكم قد حرمتم أصنافا من النعم على غير اصل وانما خلق الله تعالى هذه الأصناف الثمانية للاكل والانتفاع بها فمن اين جاء هذا التحريم من قبل الذكر أم من قبل الأنثى فسكت مالك بن عوف وتحير فلو قال جاء هذا التحريم بسبب الذكورة وجب ان يحرم جميع الذكور ولو قال بسبب
قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ وهو يعم القران وغيره ولا وجه لتخصيصه بالقران كيف والكلام فى رد ما يزعمون من تحريم البحائر ونحوها بغير علم وذا لا يتم الا بارادة العموم فان المقصود من هذا الكلام التنبيه ان التحريم وغيرها من الاحكام انما يعلم بالوحى دون الهوى ولا أجد هاهنا من افعال القلوب ومفعوله الاول محذوف ومفعوله الثاني قوله تعالى مُحَرَّماً واختار اكثر المفسرين تقدير طعاما محرما ليصح استثناء الخنزير منه متصلا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ متعلق بمحرما إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً قرأ ابن عامر تكون بالتاء لتانيث الفاعل وميتة بالرفع على الفاعلية ويكون حينئذ تامة وقرأ ابن كثير وحمزة ايضا بالتاء نظرا الى تأنيث الخبر وميتة بالنصب على الخبرية كجمهور القراء والباقون بالياء التحتانية على ان الضمير المستتر فيه راجع الى المحذوف المقدر اعنى طعاما والمستثنى فى محل النصب على الحالية يعنى لا أجد طعاما محرما فى حال من الأحوال الا حال كونه ميتة والميتة ما فارقه الروح حتف انفه من غير فعل أحد فلا يدخل فيه الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع كما يدل عليه العطف فى قوله تعالى حرمت عليكم الميتة الاية فى سورة المائدة ويدل عليه ايضا قول الكفار تزعم يا محمد ان ما قتلت أنت وأصحابك حلال وما قتله الكلب والصقر حلال وما قتله الله حرام وانما تثبت حرمة الموقوذة وأخواتها بغير هذه الآيات أَوْ دَماً مَسْفُوحاً اى مهراقا سائلا قال ابن عباس يريد ما خرج من الحيوان وهو حى وما خرج من الأوداج عند الذبح ولا يدخل فيه الكبد والطحال لانهما جامدان وقد جاء الشرع بإباحتهما
(مسئلة) ذهب بعض العلماء الى ان التحريم مقصور على هذه الأشياء لانحصار التحريم بنص الكتاب فيها ولا يجوز نسخ الكتاب بخبر الآحاد يروى ذلك عن عائشة وابن عباس وبه قال مالك فانه يطلق الكراهة على ما سوى ذلك مما ورد النهى عنها فى الحديث قالوا ويدخل فى الميتة المنخنقة والموقوذة وما ذكر فى أوائل سورة المائدة قلت دخول الموقوذة وأخواتها فى الميتة ممنوع كما ذكرنا وقال اكثر الائمة ابو حنيفة والشافعي واحمد وغيرهم لا يختص التحريم بهذه الأشياء قال البيضاوي الاية محكمة يعنى غير منسوخة لانها تدل على انه لم يجد فيما اوحى اليه الى تلك الغاية محرما غير هذه وذلك لا ينافى ورود التحريم فى شىء اخر فلا يلزم نسخ الكتاب بخبر الواحد وهذا القول غير صحيح عندى فان كل اية او سنة نطقت
وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وهى كل ماله إصبع كالابل والسباع والطيور قال القتيبي هو كل ذى مخلب من الطير وكل ذى حافر من الدواب وحكاه عن بعض المفسرين سمى الحافر ظفرا على الاستعارة ولعل مسبب الظلم تعميم التحريم والا فبعضها محرم فى ملة الإسلام ايضا وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما اى ما اشتمل على الظهور والجنوب أَوِ الْحَوايا عطف على ظهورهما يعنى ما اشتمل على الحوايا وهى الأمعاء جمع حاوية او حاوياء أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ يعنى شحوم الالية لاتصالها بعجب الذنب والمخ فبقى بعد الاستثناء شحوم الجوف وهى الثروب وشحوم الكلى ذلِكَ التحريم مفعول ثان لقوله تعالى جَزَيْناهُمْ عقوبة لهم بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم من قتل الأنبياء وصدهم عن سبيل الله وأخذهم الربوا وأكلهم اموال الناس بالباطل فان قيل من كان هذا شانه لا يبالى بأكل ما حرم عليه فاى عقوبة وضيق عليهم بالتحريم قلت لعل هذا التحريم لزيادة تعذيبهم فى الاخرة عن جابر بن عبد الله انه سمع رسول الله ﷺ يقول عام الفتح وهو بمكة ان الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام قيل أرأيت شحوم الميتة فانه يطلى بها السفن ويدهن بها الجلود ويستصبح فقال لا هو حرام شحومها ثم قال رسول الله لعن الله اليهود ان الله لما حرم عليهم شحومها جملوها ثم باعوه فاكلوا ثمنه رواه البخاري وغيره والله اعلم وَإِنَّا لَصادِقُونَ فى الاخبار والوعد والوعيد
فَإِنْ كَذَّبُوكَ يعنى اليهود فيما أوحيت إليك هذا فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ يمهلكم على التكذيب فلا تغتروا بامهاله فانه لا يهمل وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عذابه عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ إذا جاء وقته او المعنى ذو رحمة واسعة للمؤمنين وذو بأس شديد للمكذبين المجرمين فاقام مقامه ولا يرد بأسه للدلالة على انه لازم بهم لا يمكن رده عنهم
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا اخبار عن مستقبل ففيه اعجاز فانه اخبار عن غيب وقع بعد ذلك وانهم لما لزمتهم الحجة وعجزوا عن جوابها استدلوا على كون ما هم عليهم مشروعا مرضيا لله تعالى بانه لَوْ شاءَ اللَّهُ خلاف ما نحن عليه ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ مما حرمناه يعنى ان الله قادر على ان يحول بيننا وبين ما نحن عليه حتى
قُلْ يا محمّد فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ التامة عليكم باوامره ونواهيه ولا حجة لكم بمشيته فان مشيته لا يلازم رضاه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد على مقتضى حكمته لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون احتج المعتزلة بهذه الاية على ان الكفر ليس بمشية الله تعالى وإرادته والا لما عابهم الله تعالى على قولهم لو شاء الله ما أشركنا ولما كذبهم الله فى هذا القول وبما ذكرنا لك من التفسير ظهر بطلان احتجاجهم بها وان الله تعالى لم يكذبهم فى هذا القول بل قولهم هذا يوافق قوله تعالى فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ ولم يقل الله تعالى انكم كاذبون فى هذا القول بل عابهم على تكذيبهم الرسل فى ان الله تعالى ليس براض بالكفرناه عنه ولم يحرم ما يقولونه حراما وعابهم على زعمهم ان تحريمنا البحائر وأشباهها لما كان بمشية الله فهو راض عن ذلك التحريم وان الله حرم هذه الأشياء حيث قال الله تعالى
قُلْ يا محمد هَلُمَّ اسم فعل غير منصرف يقال للواحد والتثنية والجمع عند اهل الحجاز ومعناه احضروا شُهَداءَكُمُ اى قدوتكم فى هذا القول استحضرهم ليلزم هم الحجة بأجمعهم ويظهر ضلالتهم وانه لا متمسك لهم كمن يقلدهم ولذلك قيد الشهداء بالاضافة إليهم ووصفهم بقوله الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هذا الذي زعموه محرما فَإِنْ شَهِدُوا بالباطل فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ اى لا تصدّقهم وبيّن لهم فسادها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا
كان الأصل لا تتبع أهواءهم وضع المظهر موضع المضمر للدلالة على ان مكذب الآيات متبع الهوى لا غير وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ غيره من الأصنام ونحوها ولما سال المشركون النبي ﷺ عما حرمه الله تعالى بعد ظهور بطلان قولهم فى التحريم قال الله تعالى
قُلْ يا محمد تَعالَوْا امر من التعالي وأصله فيمن كان فى علو يقول لمن كان فى سفل ثم اتسع فيه بالتعميم أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ ما موصولة او مصدرية منصوبة باتل او استفهامية منصوبة بحرم والجملة مفعول اتل يعنى اتل اى شىء حرم ربكم عَلَيْكُمْ متعلق بحرم او اتل اسم فعل للاغراء بمعنى الزموا أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ ان مصدرية على تقدير كون عليكم بمعنى الزموا والا فمفسرة بفعل التلاوة يعنى اتل عليكم لا تشركوا وجاز ان يكون مصدرية فى محل الرفع تقديره المتلو ان لا تشركوا او فى محل النصب تقديره أوصيكم ان لا تشركوا ويؤيد هذا التقدير قوله تعالى ذلكم وصيكم وان يكون ان مصدرية ولا زائدة ومحلها النصب على انه بدل من الموصول او من عائده المحذوف وتقديره حرم عليكم ان تشركوا او محلها الرفع تقديره المحرم ان تشركوا به شَيْئاً من الإشراك جليا ولا خفيا او شيئا من الالهة الباطلة وَأحسنوا بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً
معطوف على لا تشركوا وضع الأمر موضع النهى عن الاساءة إليهما للمبالغة والدلالة على ان ترك الاساءة فى شانهما غير كاف وترك الإحسان بهما اساءة وان كان لا فى لا تشركوا زائدة فالتقدير حرم عليكم ان تشركوا وان تسيئوا بالوالدين بل أحسنوا إحسانا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ «١» يعنى لا تئدوا البنات مِنْ خشية إِمْلاقٍ فقر نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ فى حديث معاذ أوصاني رسول الله ﷺ بعشر كلمات قال لا تشرك بالله وان قتلت وحرقت ولا تعقن والديك وان امراك ان تخرج من أهلك ومالك الحديث رواه احمد
وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ
فضلا من ان تأكلوه او تضيعوه بفعله إِلَّا بِالَّتِي
اى بالفعلة التي هِيَ أَحْسَنُ
ما يفعل بماله من حفظه وتثميره وصلاحه قال مجاهد هى التجارة فيه حَتَّى يَبْلُغَ
اليتيم أَشُدَّهُ
جمع شد كفلس وأفلس يعنى صفات كماله من البلوغ والرشد بعد البلوغ المنافى للسفه وقيل هى مفرد بمعنى كماله هذا القيد خرج مخرج العادة تأكيدا لا مفهوم له عند أحد فانه كان معتاد اهل الجاهلية التصرف فى ماله من ايام صباه حتى يبلغ أشده فاذا بلغ أشده منع غيره من ماله فقال الله تعالى لا تقربوا مال اليتيم فى شىء من زمان صباه واما بعد ذلك فلا يمكن لكم التصرف فيه لاجل ممانعته وقال البغوي تقدير الاية لا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هى احسن ابدا حتى يبلغ أشده فادفعوا اليه ماله إن كان رشيدا قلت وجاز ان يكون غاية للمستثنى يعنى افعلوا بما له الفعلة التي هى احسن حتى يبلغ أشده وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ
بالعدل والتسوية وضع الأمر موضع النهى يعنى لا تنقصوا المكيال والميزان لكمال الاهتمام فى الإيفاء فان النهى يقتضى الأمر بضده التزاما والاهتمام فى المطابقة والله اعلم لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها
اى الا ما يسعها ولا يعسر عليها ذكر هذه الجملة بعد الأمر بالإيفاء بالقسط اشارة الى ان الأفضل ان يعطى من عليه الحق اكثر وأفضل مما وجب عليه تجوز او اخرج ابن مردويه بسند ضعيف من مرسل سعيد بن المسيب قال رسول الله ﷺ من اوفى على يده والميزان والله يعلم صحة نيته بالوفاء فيهما لم يواخذ وذلك تاويل وسعها قال رسول الله ﷺ فى أداء ثمن فرس وجب عليه زن وأرجح رواه احمد وابو داؤد والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه عن سويد بن قيس وفى الصحيحين عن ابى هريرة ان رجلا اتى النبي ﷺ يتقاضاه فاغلظ له فهم به بعض أصحابه فقال رسول الله ﷺ دعوه فان لصاحب الحق مقالا ثم قال أعطوه سنا مثل سنه قالوا يا رسول الله لا نجد الا أمثل من سنه قال أعطوه فان خيركم أحسنكم قضاء وهو عند مسلم من حديث ابى رافع بمعناه وعن ابى هريرة قال اتى النبي ﷺ برجل يتقاضاه قد استسلف منه شطر وسق فاعطاه وسقا فقال نصف وسق
فى الحكم او الشهادة فَاعْدِلُوا
فيه وَلَوْ كانَ
المقول له او عليه ذا قُرْبى
لكم هذا ايضا امر وضع موضع النهى عن الجور والكذب تأكيدا فى العدالة حتى لا يجوز الشهادة على الظن والتخمين بل على كمال العلم كما يدل عليه لفظة الشهادة قال رسول الله ﷺ عدلت شهادة الزور بالاشراك بالله ثلث مرات ثم قرأ فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور حنفاء لله غير مشركين به رواه ابو داؤد وابن ماجة عن خريم بن فاتك واحمد والترمذي عن ايمن بن خريم الا ان ابن ماجة لم يذكر القراءة وعن بريدة قال قال رسول الله ﷺ القضاة ثلثة واحد فى الجنة واثنان فى النار فاما الذي فى الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار فى الحكم فهو فى النار ورجل قضى للناس
على جهل فهو فى النار رواه ابو داؤد وَبِعَهْدِ اللَّهِ
يعنى بما عهد إليكم من ملازمة العدل وتادية احكام الشرع من الأوامر والنواهي او بالنذر واليمين أَوْفُوا
هذا ايضا امر فى موضع النهى تأكيدا يعنى لا تنقضوا عهد الله بعد ميثاقه ولا تنقضوا الايمان بعد توكيدها ومقتضى التأكيد والمبالغة فى إتيان الأوامر والنواهي ان يجتنب الشبهات قال رسول الله ﷺ الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشتبهات استبرأ لعرضه ودينه ومن وقع فى المشتبهات وقع فى الحرام كراع يرحى حول الحمى يوشك ان يوقعه الحديث متفق عليه من حديث النعمان بن بشير وروى الطبراني فى الصغير بسند
ما ذكر وَصَّاكُمْ
أمركم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
قرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال حيث وقع فى القران إذا كان بالتاء الفوقانية بحذف احدى التاءين من التفعل والباقون بتشديد الذال وأصله تتذكرون
وَأَنَّ هذا قرأ حمزة والكسائي بكسر الهمزة على الاستيناف والباقون بفتح الهمزة لكن قرأ ابن عامر ويعقوب بإسكان النون على انها محففة من المثقلة واسمه ضمير الشان محذوف والباقون بالتشديد قال الفراء تقديره واتل عليكم ان هذا صِراطِي قرأ ابن عامر بفتح الياء والباقون بإسكانها مُسْتَقِيماً حال من الصراط والعامل معنى الاشارة يعنى ان هذا الذي ذكر فى جمع السورة من التوحيد والنبوة والشرائع طريقى ودينى قلت وجاز ان يكون ان فى محل الجر عطفا على الضمير المجرور فى وصيكم به يعنى ووصيكم بان وقال البيضاوي بتقدير اللام على انه علة لقوله تعالى فَاتَّبِعُوهُ وقيل المشار اليه بهذا ما فى هذه الآيات قال البغوي هذه الآيات محكمات لم ينسخهن شىء وهن محرمات فى جميع الشرائع على بنى آدم كلهم وهن أم الكتاب من عمل بهن دخل الجنة ومن تركهن دخل النار وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ اى الطرق المختلفة على حسب الأهواء فان مقتضى الشرع اتباع الكتاب والسنة فيما أدركه العقل وفيما لم يدركه ومقتضى اتباع الآراء الفاسدة انه ان وافقها الكتاب والسنة قبلوهما وان خالفها اوّلوا الكتاب واتبعوا الأهواء وهذا منشأ اختلاف الشيع فصارت روافض وخوارج ومجسمة وجبرية وقدرية وغيرهم وقد ذكرنا هذه المسألة فى سورة البقرة فى تفسير قوله تعالى كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا اظلم عليهم قاموا فَتَفَرَّقَ تلك السبل بِكُمْ ويزيلكم عَنْ سَبِيلِهِ الذي هو اتباع الوحى ذلِكُمْ الاتباع وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الضلال والتفرق عن الحق عن عبد الله بن مسعود قال خط لنا رسول الله ﷺ خطا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله وقال هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه وقرأ ان هذا صراطى مستقيما فاتبعوه الاية رواه احمد والنسائي والدارمي وعن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله ﷺ لا يومن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به رواه البغوي فى شرح السنة وقال النووي فى اربعينه هذا حديث صحيح
ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ
أَنْ تَقُولُوا خطاب لاهل مكة يعنى لئلا تقولوا او كراهة ان تقولوا علة لانزلناه وقال الكسائي معناه واتقوا ان تقولوا إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا يعنى اليهود والنصارى والاختصاص بانما لان الباقي المشهور من الكتب السماوية حينئذ لم يكن غير التورية والإنجيل وَإِنْ مخففة من الثقيلة ولذا دخلت اللام الفارقة فى خبرها كُنَّا يعنى وانه كنا عَنْ دِراسَتِهِمْ قراءتهم لَغافِلِينَ لم تعرف الشرائع لكوننا امة أميين فبعث الله محمّدا ﷺ وانزل القران ليكون حجة على الكافرين من اهل مكة
أَوْ تَقُولُوا عطف على الاول يعنى او كراهة ان تقولوا لَوْ ثبت أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ كما انزل على من قبلنا لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ قال البغوي وقد قال جماعة من الكفار لو انا انزل علينا كما انزل على اليهود وا النصارى لكنا خيرا منهم قال الله تعالى فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ حجة واضحة بلغة تعرفونها وتعجزون عن إتيان اقصر سورة مثلها وَهُدىً بيانا لمن تأمل فيها وَرَحْمَةٌ نعمة لمن عمل بها جزاء شرط محذوف يعنى ان صدقتم فيما قلتم فقد جاءكم ما تمنيتم مع وضوح كونه حجة ساطعة وبرهانا قاطعا فَمَنْ يعنى لا أحد أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللَّهِ بعد وضوح كونها من الله وبعد تمنى مجيئها وَصَدَفَ يعنى اعرض أو صد عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا وضع الظاهر موضع المضمر للمبالغة فى ذمهم سُوءَ الْعَذابِ اى شدته بِما كانُوا يَصْدِفُونَ اى باعراضهم او صدهم
هَلْ يَنْظُرُونَ استفهام للانكار اى ما ينتظرون اهل مكة لايمانهم بالقران إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ قرأ حمزة والكسائي بالياء التحتانية هاهنا وفى النحل على التذكير والباقون بالفوقانية لكون الفاعل مؤنثا غير حقيقى الْمَلائِكَةُ يعنى ملئكة الموت او ملئكة العذاب او ملئكة يشهدون عيانا بصدق الرسول وحقية القران والحاصل انهم لما لم يؤمنوا بعد مجئ ما كانوا يتمنون مجيئه وبعد وضوح امره وسطوع برهانه فلعلهم ينتظرون إتيان الملئكة حتى يومنوا حينئذ مع ان الايمان فى تلك الحالة غير مفيد وقال البيضاوي معناه ما ينتظرون الا إتيان الملئكة شبهوا بالمنتظرين لما كان يلحقهم لحوق المنتظر وجاز ان يكون المراد بإتيان الملئكة نزولهم يوم القيامة فى الموقف كما يدل عليه قوله تعالى أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ بلا كيف لفصل القضاء بين خلقه فى موقف القيامة وقد مر نظير هذه الاية فى سورة البقرة هل ينظرون الا ان يأتيهم الله فى ظلل من الغمام والملئكة وقضى الأمر وقد مر تفسيره وما فيه خلاف السلف والخلف وما يليق ويتعلق به من الكلام هناك فليرجع اليه أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يعنى اشراط الساعة قال البغوي يعنى طلوع الشمس من مغربها وعليه اكثر المفسرين ورواه ابو سعيد الخدري مرفوعا «١»
(٢) قال صاحب القاموس فى الترمذي فى حديث الدجال فيطرحهم بالنهبل وهو تصحيف والصواب بالميم ١٢
(٣) الزلفة جمعها زلف مصانع الماء وقيل الروضة ١٢
(فصل) ويكون قبل تلك الآيات ظهور المهدى عن ابن مسعود قال قال رسول الله ﷺ لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا منى او من اهل بيتي يواطى اسمه اسمى واسم أبيه اسم ابى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا وروى الترمذي بلفظ لا يذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من اهل بيتي اسمه اسمى وعن أم سلمة عن النبي ﷺ يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من اهل المدينة هاربا الى مكة فياتيه ناس من اهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث اليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فاذا راى الناس ذلك أتاه ابدال الشام وعصائب اهل العراق فيبايعونه ثم ينشا رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم ذلك بعث كلب ويعمل فى الناس بسنة نبيهم ويلقى الإسلام بجرانه فى الأرض فيلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلى عليه المسلمون رواه ابو داؤد وروى ابو داؤد عن على انه نظر الى ابنه الحسن وقال ان ابني هذا سيد كما سماه رسول الله ﷺ وسيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه فى الخلق ولا يشبهه فى الخلق يملأ الأرض عدلا وعن ابى سعيد فى قصة المهدى قال فيجئ رجل فيقول يا مهدى أعطني أعطني قال
وسلم ثلث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خير الدجال والدابة وطلوع الشمس من مغربها وتاويل هذه الأحاديث لا يكون الا ان يقال معناه لا ينفع نفسا لم تكن امنت من قبل وكسبت فى إيمانها خيرا إيمانها اى تحصيل الايمان فى ذلك اليوم بعد ما لم يكن.
(فائدة) ولعل قوله تعالى لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت فى إيمانها خيرا تدل على ان من كان كافرا قبل ذلك لا يقبل إيمانه بعد ذلك واما من ولد بعد ذلك او أدرك العقل والبلوغ بعد ذلك وأمن فالظاهر انه يقبل إيمانه قال رسول الله ﷺ ينزل عيسى بن مريم الى الأرض فيتزوج ويولد له ويمكث خمسا وأربعين سنة ثم يموت فيدفن معى فى قبرى فاقوم انا وعيسى بن مريم فى قبر واحد بين ابى بكر وعمر رواه ابن الجوزي فى كتاب الوفاء عن ابن عمر قُلِ انْتَظِرُوا يا اهل مكة إِنَّا مُنْتَظِرُونَ وعيد لهم يعنى حينئذ لنا الفوز وعليكم العذاب
إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ قرأ حمزة والكسائي فارقوا من المفاعلة يعنى خرجوا من دينهم وتركوه والباقون فرقوا من التفعيل يعنى أمنوا ببعض وكفروا ببعض او المعنى انهم صاروا فرقا مختلفة قال مجاهد وقتادة والسدى هم اليهود والنصارى تهود قوم وتنصر قوم وكان دين واحدا وهذا ليس بسديد لان تهودهم ابتنى على بعثة موسى ومجيئه بشرع جديد وتنصر آخرين على بعثة عيسى وكان اصول دين اليهود والنصارى واحدا هى اصول دين ابراهيم وانما كفر يهود بانكارهم نبوة عيسى ومحمد صلى الله عليهما وكفر نصارى بانكار نبوة محمد ﷺ وذا ليس بمراد من هذه الاية بل المراد هاهنا تخليطهم فى دينهم ما ليس منه باهوائهم وإغواء الشيطان فالذين افترقوا فى دينهم يعم الذين اتبعوا اهوائهم من الأمم السابقة ومن اصحاب البدع والأهواء من هذه الامة عن عبد الله بن عمر وقال قال رسول الله ﷺ لياتين على أمتي كما اتى على بنى إسرائيل حذو النعل بالنعل حتى ان من كان منهم
رسوله واجماع الصحابة والتابعين ويتبع فى تاويل ما خفى مراده من الكتاب والسنة ما اختاره الصحابة من التأويل واما اهل الأهواء اتبعوا عقولهم وأهواءهم فما وافق من الكتاب آرائهم أخذوه وأمنوا به وما لم يصاعده عقولهم أنكروه وكفروا به فانكروا روية الله سبحانه فى الاخرة وعذاب القبر ووزن الأعمال والصراط والحساب وكون كلام الله غير مخلوق وغير ذلك مما نطق به الكتاب والسنة واجمع عليه الصحابة ففارقوا دينهم وفرقوا كتاب الله أمنوا ببعضه وكفروا ببعضه هذا طريق المعتزلة وكثير منهم وقالوا بوجوب الأصلح على الله سبحانه وامتناع المغفرة وأنكروا القدر وقالوا ان العبد خالق لافعاله دون الله تعالى ولذلك سموا بمجوس هذه الامة قال رسول الله ﷺ القدرية مجوس هذه الامة ان مرضوا فلا تعودوهم وان ماتوا فلا تشهدوهم رواه احمد وابو داؤد من حديث ابن عمر وقال عليه السلام صنفان من أمتي ليس لهما فى الإسلام نصيب المرجئة والقدرية رواه الترمذي وعن عائشة قالت قال رسول الله ﷺ ستة لعنتهم لعنهم الله وكل نبى يجاب الزائد فى كتاب الله والمكذب بقدر الله والمتسلط بالجبروت ليعز من اذله الله ويذل من أعزه الله والمستحل لحرم الله والمستحل من عترتى ما حرم الله والتارك لسنتى رواه البيهقي فى المدخل ورزين فى كتابه قلت الزائد فى كتاب الله الروافض يزعمون غير ما بين فى المصحف قرانا ويحكمون ان الصحابة أخرجوه من القران ولا يومنون بقوله تعالى انا له لحافظون والمكذب بقدر الله القهرية والمستحل من عترته ﷺ الخوارج والتارك لسنة سائر المبتدعة ومن اهل الهواء من اتبع متشابهات الكتاب بناء على زيغ فى قلوبهم ولم يقتفوا السلف فى تأويلها والايمان بها وذلك داب المجسمة والمشبهة وأمثالهم
واية ذلك انهم يسبون أبا بكر وعمرو فى الباب أحاديث اخر ذكرناها فى السيف المسلول لَسْتَ يا محمد مِنْهُمْ
يعنى أنت بريء منهم وهم براء منك يقول العرب ان فعلت كذا فلست منى ولا انا منك إِنَّما أَمْرُهُمْ فى الجزاء والمكافاة إِلَى اللَّهِ يعنى يجزيهم على قدر تباعدهم عن الحق ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ إذا وردوا يوم القيامة يعنى يجزون اولا على تفرقهم فى دينهم وسوء اعتقادهم ثم يجزون على أفعالهم ومعاصيهم
مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها اى فله جزاء عشر حسنات أمثال ما فعل من الحسنة حذف المضاف الى عشر وأقيم صفة الجنس المميز مقام الموصوف ولى فى هذا المقام إشكال وذلك ان جزاء الحسنات والسيئات مقدر بتقدير الله تعالى لا مدخل للراى فيه إذ لا مماثلة بين عمل وجزائه يعرف بالحس او العقل او غير ذلك فالجزاء للحسنة ما قدر الله تعالى له جزاء الا ترى الى ان اجرة أجير يستاجر فى الدنيا بعمل انما يتقدر بالعقد إذ لا مماثلة بين العمل والدراهم مثلا فعلى هذا لا يتصوران يقال من عمل حسنة يعطى له جزاء عشر أمثالها الا إذا كانت تلك الحسنة تجزى فى بعض الافراد بعشر هذا الجزاء فانه ان اعطى رجل على عمل درهما واعطى اخر على تلك العمل عشرة دراهم يقال حينئذ اعطى هذا جزاء عشرة أمثال عمله واما إذا كان كل أحد مثلا يعطى على مثل تلك العمل عشرة دراهم فيكون حينئذ جزاء هذا العمل عشرة دراهم ليس الا عشرة فكيف يقال انه اعطى جزاء عشرة أمثال عمله فالظاهر عندى فى تاويل الاية انها ليست على عمومه وان جزاء كل حسنة أدناه مقدر فى علم الله تعالى بتقدير الله تعالى يعطى بعض المكلفين ذلك الأدنى ثم يضاعف الله تعالى ذلك الجزاء على حسب اخلاص العبد ومراتب قربه من الله تعالى او تفضلا منه تعالى لمن يشاء من عباده فيضاعف من يشاء عشر أمثالها الى سبعين او الى سبعمائة ضعف الى ما شاء الله بغير حساب ويدل على ما قلت حديث ابى هريرة قال قال رسول الله ﷺ إذا احسن أحدكم إسلامه فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها حتى يلقى الله عز وجل متفق عليه وجه الدلالة انه عليه السّلام علق التضعيف بحسن إسلامه وحسن الإسلام بتصفية القلب وتزكية النفس المستوجبان للاخلاص فى العمل ويمكن ان يقال ثواب رجل من رجال امة محمد ﷺ عشرة أمثال ثواب رجل من الأمم السالفة
وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها لا يضاعف السيئة فى حق أحد من الناس كما يدل عليه قوله تعالى وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ عن ابى ذر قال قال رسول الله ﷺ قال الله عز وجل من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وأزيد ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة مثلها واغفر ومن تقرب منى شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا ومن أتاني يمشى أتيته هرولة ومن لقينى بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي لقيته بمثلها مغفرة رواه البغوي قلت معنى قوله لقيته بمثلها مغفرة يعنى ان شئت بدليل قوله فجزاء سيئة بمثلها قال البغوي قال ابن عمر الاية فى غير الصدقات من الحسنات فاما الصدقات تضاعف الى سبعمائة ضعف قلت انما قال ابن عمر هذا نظرا منه الى قوله تعالى مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء وزعما منه بتخصيص هذا الحكم بالصدقات
قُلْ يا محمد إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي قرأ ابو عمرو ونافع بفتح الياء والباقون بالإسكان إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بالعصمة فى اصل الخلقة والوحى والإرشاد الى ما نصب من الحجج دِيناً بدل من محل الى صراط فان معناه هدانى صراطا او مفعول فعل محذوف دل عليه الملفوظ يعنى هدانى دينا قِيَماً قرأ الكوفيون وابن عامر بكسر القاف وفتح الياء مخففة على انه مصدر نعت به وكان قياسه قوما كعوض فاعلّ لاعلال فعله كالقيام وقرأ الباقون بفتح القاف وكسر الياء مشددة على انه فيعل من قام كسيد من ساد وهو ابلغ من المستقيم باعتبار النية والمستقيم باعتبار الصيغة وقال البغوي معناهما واحد وهو القويم المستقيم مِلَّةَ إِبْراهِيمَ عطف بيان لدينا حَنِيفاً حال من ابراهيم وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ بالله يا اهل مكة فلم تشركون أنتم على خلاف أبيكم مع انكم تدعون اتباعه عطف على حنيفا
قُلْ يا محمد إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي قيل المراد بالنسك الذبيحة فى الحج والعمرة وقال مقاتل نسكى حجى وقيل دينى وقيل عبادتى كذا فى القاموس والصحاح وَمَحْيايَ قرأ نافع بخلاف عن ورش بسكون الياء والباقون بفتح الياء تحرزا عن اجتماع الساكنين وَمَماتِي قرأ نافع بفتح الياء والباقون بالإسكان يعنى حيوتى وموتى لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هو يحيى ويميت وقيل ما انا عليه
لا شَرِيكَ لَهُ يعنى لا أشرك به أحدا غيره وَبِذلِكَ القول والإخلاص أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ من هذه الامة ولست أدعوكم الا الى ما سبقتكم به فلست الا ناصحا لكم قال البغوي كان كفار قريش يقولون للنبى ﷺ ارجع الى ديننا فقال الله سبحانه
قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا اشركه فى عبادتى انكار على بغية الغير ربا ولذا قدم المفعول وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ حال فى موقع العلة للانكار يعنى كل ما سواه مربوب له مثلى لا يصلح للمعبودية وفى تعقيب هذا الكلام بعد ما سبق ان دينى دين ابراهيم دفع توهم أخذ دينه تقليدا كما أخذ المشركون دين ابائهم قال البغوي قال ابن عباس كان الوليد بن المغيرة يقول اتبعوا سبيلى احمل اوزاركم فقال الله تعالى وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ خطيئة إِلَّا كائنة إثمها عَلَيْها فلا ينفع أحدا كفالة أحد فى ابتغاء رب غيره تعالى وَلا تَزِرُ اى لا تحمل نفس وازِرَةٌ حاملة وِزْرَ ثقل معاصى نفس أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ يوم القيامة فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الأديان المختلفة فيميز المحق من المبطل ويجزى كلا على حسب عمله واعتقاده
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فى الْأَرْضِ يعنى أهلك اهل القرون الماضية وأورثكم الأرض يا امة محمّد وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ منصوب على التميز من النسبة يعنى رفع درجات بعضكم فوق درجات بعض اخر فى الشرف والغناء وغير ذلك- لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ من الجاه والمال وغير ذلك ليظهر منكم هل تشركون اولا إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ لاعدائه اى يسرع العذاب إذا اراده وتأخير العذاب الى ما بعد الموت او ما بعد القيامة لا ينافى ذلك لان ما هو ات قريب وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ للمؤمنين رَحِيمٌ بهم وصف العقاب بالسرعة ولم يضفه الى نفسه ووصف نفسه بالمغفرة وضم اليه الوصف بالرحمة واتى
تمّت سورة الانعام من التفسير المظهرى التاسع عشر من الربيع الثاني سنة الف ومائة وتسع وتسعين ويتلوه سورة الأعراف ان شاء الله تعالى سنه ١١٩٩ هـ
.