تفسير سورة المدّثر

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة المدثر من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا فى قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيهَا المدثر﴾ يَعْنِي بِهِ النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد تدثر بثيابه ونام
﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ فخوف النَّاس وادعهم إِلَى التَّوْحِيد
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ فَعظم عَمَّا يَقُوله عَبدة الْأَوْثَان
﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ قَلْبك من الْغدر والخيانة والضجر أَي كن طَاهِر الْقلب وَيُقَال ثِيَابك فطهر فقصر وَيُقَال وثيابك فطهر من الدنس
﴿وَالرجز فاهجر﴾ المآثم فاترك وَلَا تقربنه
﴿وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ لَا تعط شَيْئا قَلِيلا فتعطى أفضل من ذَلِك وَأكْثر مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال وَلَا تمنن بعملك على الله تستكثر
﴿وَلِرَبِّكَ﴾ على طَاعَة رَبك وَعبادَة رَبك ﴿فاصبر﴾
﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي الناقور﴾ فَإِذا نفخ فِي الصُّور وَهِي نفخة الْبَعْث
﴿فَذَلِك يَوْمَئِذٍ﴾ يَعْنِي يَوْم الْقِيَامَة ﴿يَوْمٌ عَسِيرٌ﴾ شَدِيد
﴿عَلَى الْكَافرين﴾ هوله وعذابه ﴿غَيْرُ يَسِيرٍ﴾ غير هَين عَلَيْهِم
﴿ذَرْنِي﴾ يَا مُحَمَّد ﴿وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً﴾ بِلَا مَال وَلَا ولد وَلَا زوج وَهَذَا وَعِيد من الله للوليد بن الْمُغيرَة المَخْزُومِي
﴿وَجَعَلْتُ لَهُ﴾ بعد ذَلِك ﴿مَالاً مَّمْدُوداً﴾ كثيرا من كل نوع لم يزل فِي الزِّيَادَة فَكَانَ مَاله نَحْو تِسْعَة أُلَّاف مِثْقَال فضَّة
﴿وَبَنِينَ شُهُوداً﴾ حضوراً لَا يغيبون عَنهُ وَكَانَ بنوه عشرَة
﴿وَمَهَّدتُّ لَهُ﴾ المَال بعضه على بعض ﴿تَمْهِيداً﴾ مثل الْفرش بَعْضهَا على بعض
﴿ثُمَّ يَطْمَعُ﴾ الْوَلِيد ﴿أَنْ أَزِيدَ﴾ فِي مَاله وَهُوَ يعصيني وَيكفر بِي
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا لَا أزيده فَلم يزل بعد ذَلِك فِي نُقْصَان مَاله ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة ﴿كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيداً﴾ لكتابنا ورسولنا عنيداً معرضًا مُكَذبا بهما
﴿سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً﴾ سأكلفه الصعُود على جبل أملس فِي النَّار من الصَّخْرَة كلما وضع يَده ذاب ثمَّ عَاد كَمَا كَانَ وَيُقَال من نُحَاس يجذب من أَمَامه وَيضْرب من خَلفه
﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة ﴿فَكَّرَ﴾ يَعْنِي تفكر فى نَفسه فى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَقَدَّرَ﴾ أَوله قَالَ حَتَّى إِنَّه سَاحر
﴿فَقُتِلَ﴾ لعن ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ قَوْله فِي أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿ثُمَّ قُتِلَ﴾ ثمَّ لعن ﴿كَيْفَ قَدَّرَ﴾ قَوْله فى أَمر مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ فِي قَوْله حَتَّى قَالَ إِنَّه سَاحر وَيُقَال نظر إِلَى أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَيْثُ قَالُوا لَهُ هَلُمَّ إِلَى الْخَيْر يَا ابْن الْمُغيرَة
﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ كلح وَجهه ﴿وَبَسَرَ﴾ قبض جَبينه
﴿ثمَّ أدبر﴾ عَن أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى أَهله ﴿واستكبر﴾ تعظم عَن الْإِيمَان أَن يُجِيبهُمْ
﴿فَقَالَ إِنْ هَذَا﴾ مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ يأثره وَيَرْوِيه عَن مُسَيْلمَة الْكذَّاب الَّذِي يكون بِالْيَمَامَةِ وَيُقَال عَنى بِهِ جبرا ويسارا
﴿إِنْ هَذَا﴾ مَا هَذَا الَّذِي يَقُول مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِلاَّ قَوْلُ الْبشر﴾ قَول جبر ويسار
﴿سَأُصْلِيهِ﴾ سأدخله فِي الْآخِرَة يَعْنِي الْوَلِيد بن الْمُغيرَة ﴿سَقَرَ﴾ وَهُوَ الْبَاب الرَّابِع من النَّار
﴿وَمَآ أَدْرَاكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿مَا سَقَرُ﴾
﴿لاَ تُبْقِي﴾ لَهُم لَحْمًا إِلَّا أَكلته ﴿وَلاَ تَذَرُ﴾ إِذا أعيدوا خلقا جَدِيدا أكلتهم أَيْضا
﴿لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ﴾ شواهة لأبدانهم وَيُقَال مسودة لوجوههم
﴿عَلَيْهَا﴾ على النَّار ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ ملكا خزان النَّار
﴿وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَابَ النَّار﴾ مَا سلطنا على أهل النَّار ﴿إِلاَّ مَلاَئِكَةً﴾ يَعْنِي الزَّبَانِيَة ﴿وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ﴾ مَا ذكرنَا قلتهم قلَّة خزان ﴿إِلاَّ فِتْنَةً﴾ بلية ﴿لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة يَعْنِي أَبَا الأشد بن أسيد بن كلدة حَيْثُ قَالَ أَنا أكفيكم سَبْعَة عشر تِسْعَة على ظَهْري وَثَمَانِية على صَدْرِي فاكفوا أَنْتُم على اثْنَيْنِ ﴿لِيَسْتَيْقِنَ﴾ لكَي يستيقن ﴿الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب التَّوْرَاة يعْنى أَبَا عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه لِأَن فِي كِتَابهمْ كَذَلِك عدَّة خزان النَّار ﴿وَيَزْدَادَ الَّذين آمنُوا إِيمَاناً﴾ يَقِينا إِذا علمُوا أَن مَا فِي كتَابنَا مثل مَا فِي التَّوْرَاة ﴿وَلاَ يَرْتَابَ الَّذين﴾ لَا يشك الَّذين ﴿أُوتُوا الْكتاب﴾ عبد الله ابْن سَلام وَأَصْحَابه إِذا لم يكن خلاف مَا فى كِتَابهمْ التَّوْرَاة ﴿والمؤمنون﴾ أَيْضا إِذْ لم يكن خلاف مَا فِي التَّوْرَاة ﴿وَلِيَقُولَ﴾ لكَي يَقُول ﴿الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿والكافرون﴾ يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَيُقَال كفار مَكَّة ﴿مَاذَآ أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً﴾ بِهَذَا الْمثل إِذْ ذكر قلَّة الْمَلَائِكَة ﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا ﴿يضل الله من يَشَاء﴾ بهذ الْمثل من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ﴾ بِهَذَا الْمثل من كَانَ أَهلا لذَلِك ﴿وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ﴾ من الْمَلَائِكَة ﴿إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ﴾ يَعْنِي سقر ﴿إِلاَّ ذكرى لِلْبَشَرِ﴾ عظة لِلْخلقِ أنذرتهم
﴿كَلاَّ وَالْقَمَر﴾ أقسم بالقمر
﴿وَاللَّيْل إِذْ أَدْبَرَ﴾ ذهب
﴿وَالصُّبْح إِذَآ أَسْفَرَ﴾ أقبل وَيُقَال استضاء
﴿إِنَّهَا﴾ يَعْنِي سقر ﴿لإِحْدَى الْكبر﴾ بَاب من أَبْوَاب النَّار مِنْهَا جَهَنَّم وسقر ولظى والحطمة والسعير والجحيم والهاوية
﴿نذيرا للبشر﴾ أنذرتهم وَيُقَال مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَذِير للبشر يرجع إِلَى أول السُّورَة إِلَى قَوْله قُم فَأَنْذر نَذِير للبشر مقدم ومؤخر
﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ أَن يَتَقَدَّمَ﴾ إِلَى خير فَيُؤمن ﴿أَوْ يَتَأَخَّرَ﴾ عَن شَرّ فَيتْرك وَيُقَال أَو يتَأَخَّر عَن خير فيكفر وَهَذَا وَعِيد لَهُم
﴿كُلُّ نَفْسٍ﴾ كَافِرَة ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ فِي الْكفْر ﴿رَهِينَةٌ﴾ مرتهنة فِي النَّار أبدا
﴿إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمين﴾ أهل الْجنَّة فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك وَلَكنهُمْ
﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ فِي بساتين ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾
﴿عَنِ الْمُجْرمين﴾ يسْأَلُون أهل النَّار وَيَقُولُونَ يَا فلَان
﴿مَا سَلَكَكُمْ﴾ مَا الَّذِي أدخلكم ﴿فِي سَقَرَ﴾
﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي أهل النَّار ﴿لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّين﴾ من أهل الصَّلَوَات الْخمس الْمُسلمين
﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِين﴾ لم نحث على صَدَقَة الْمَسَاكِين وَلم نك من أهل الزَّكَاة وَالصَّدَََقَة
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الخآئضين﴾ مَعَ أهل الْبَاطِل
﴿وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدّين﴾ بِيَوْم الْحساب أَن لَا يكون
﴿حَتَّى أَتَانَا الْيَقِين﴾ الْمَوْت
﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ﴾ يَقُول الله لَا تنالهم ﴿شَفَاعَةُ الشافعين﴾ يَعْنِي شَفَاعَة الْمَلَائِكَة والأنبياء وَالصَّالِحِينَ
﴿فَمَا لَهُمْ﴾ لأهل مَكَّة ﴿عَنِ التَّذْكِرَة﴾ عَن الْقُرْآن ﴿مُعْرِضِينَ﴾ مكذبين بِهِ
﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ﴾ مَذْعُورَة وَيُقَال ذاعرة إِن قَرَأت بخفض الْفَاء
﴿فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ﴾ من أَسد وَيُقَال من الرُّمَاة وَيُقَال من عصبَة الرِّجَال
﴿بل يُرِيد كل امْرِئ مِّنْهُمْ أَن يُؤْتى﴾ يعْطى ﴿صُحُفاً مُّنَشَّرَةً﴾ كتابا فِيهِ جرمه وتوبته حَيْثُ قَالُوا ائتنا بِكِتَاب فِيهِ جرمنا وتوبتنا حَتَّى نؤمن بك
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا لَا يعْطى ذَلِك ﴿بَل لاَّ يَخَافُونَ الْآخِرَة﴾ عَذَاب الْآخِرَة
﴿كَلاَّ﴾ حَقًا يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّهُ﴾ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ عظة من الله
﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ فَمن شَاءَ الله أَن يتعظ بِالْقُرْآنِ اتعظ
﴿وَمَا يَذْكُرُونَ﴾ مَا يتعظون ﴿إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى﴾ أهل أَن يتقى فَلَا يعْصى ﴿وَأَهْلُ الْمَغْفِرَة﴾ أهل أَن يغْفر لمن اتَّقى وَتَابَ أهل الْمَغْفِرَة إِذا قَامَت الْقِيَامَة
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الْقِيَامَة وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها تسع وَثَلَاثُونَ وكلماتها تسع وَتسْعُونَ وحروفها سِتّمائَة وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
Icon