بسم الله الرحمن الرحيم
سورة والسماء والطارق ١ مكية ٢٢ بلا خلاف انظر: تفسير الماوردي ٤/٤٣٢ والمحرر ١٦/٢٧٤ وزاد المسير ٩/٨٠، والبحر ٨/٤٥٤..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة والسماء والطارقمكية
قوله تعالى: ﴿والسمآء والطارق﴾ إلى آخرها.
هذا (قسم) أقسم ربنا تعالى بما شاء، وتقديره: ورب السماء والطارق. ثم بين الطارق فقال: ﴿وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الطارق * النجم الثاقب﴾ أي: النجم المضيء، يقال: طرقنا فلان: إذا أتى بليل.
قال ابن عباس: معناه: " والسماء وما يطرق فيها ".
قال قتادة: " يطرق بالليل ويخفى بالنهار ".
وحكى الفراء: ثقب [النجم] إذا ارتفع. وقال: هو زحل. ويقال: ثقب الطائر إذا ارتفع وعلا.
قال مجاهد: ﴿الثاقب﴾: الذي يتوهج.
ثم قال تعالى: ﴿إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ﴾.
من خفف [لما]، فتقديره: إن كل نفس لعليها حافظ، " فما " زائدة مؤكدة، " وإن " مخففة من [الثقيلة]. ومن شدد [لما] جعلها بمعنى " إلا " لغة في هذيل، و ﴿إِن﴾ بمعنى " ما ".
والمعنى: ما كل نفس نفس إلا عليها حافظ من ربها يحفظ عملها [و] يحصي
قال ابن عبس: معناه: كل نفس عليها حفيظ من الملائكة.
وقال قتادة: " حفظة يحفظون عملك ورزقك وأجلك إذا توفيته يا ابن آدم قُبضت إلى ربك.
وقال الفراء: كل نفس عليها حافظ يحفظها من الآفات حتى يسلمها إلى المقدور.
ثم قال تعالى: ﴿فَلْيَنظُرِ/ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ﴾.
أي: فلينظر الإنسان المكذب بالبعث بعد الموت، المنكر قدرة الله على ذلك من أي شيء خلق.
﴿خُلِقَ مِن مَّآءٍ دَافِقٍ﴾ أي: مدفوق. فيعلم أن من خلقه من ماء فصوره وسواه [بشراً]، (وهو) قادر أن يعيده بشراً بعد موته، وذل أهون وأيسر فيما تعقلون بينكم. قال الكسائي والفراء: أهل الحجاز أفعل الناس لهذا: يأتون بفاعل بمعنى مفعول إذا كان نعتاً، يقولون: سر كاتم وماء دافق، أي: مكتوم ومدفوق. وهذا
وقوله: ﴿يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصلب والترآئب﴾.
أي: يخرج الإنسان من بين صلب الرجل وترائب المرأة. وواحد الترائب: تريبة. ومعنى الكلام: [منهما].
وقرأ عيسى بن عمر: " (بين) الصلب " بضمتين.
وقال إبراهيم بن عرفة: الترائب في اللغة: ضلوع الصدر، واحدها تريبة.
قال ابن عباس: الترائب: موضع القلادة من صدر المرأة.
وسئل عكرمة عن الترائب فقال: " هذا ووضع يده على صدره بين ثدييه " وعن ابن عباس: أنها " بين ثديي المرأة ".
وقال مجاهد: ﴿والترآئب﴾: " ما بين المنكبين والصدر ".
وعنه أيضاً: أن الترائب " أسفل من التراقي ".
وقال سفيان: الصلب: صلب الرجل، والترائب: ترائب المرأة فوق الثديين. فالضمير في ﴿يَخْرُجُ﴾ على هذا الأقوال للإنسان.
وعن قتادة أنه " يخرج من بين صلب الرجل ونحره ".
وعن ابن عباس أن الترائب أطراف الرجل: اليدان والرجلان والعينان. وقاله الضحاك.
وعن ابن جبير أيضاً أن الترائب أضلاع الرجل التي أسفل الصلب.
وقيل: الترائب عصارة القلب، ومنه يكون الولد.
والمعروف في كلام العرب أن الترائب موضع القلادة من المرأة حيث تقع عليه من صدرها.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ على رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تبلى السرآئر﴾ أي: إن الله [على] رده هذا الإنسان المنكر للبعث (بعد الموت) بعد موته لقادر في يوم تختبر السرائر.
فالهاء في ﴿رَجْعِهِ﴾ للإنسان. هذا قول قتادة، وهو اختيار الطبري: لأن بعده: ﴿يَوْمَ تبلى السرآئر﴾ أي: على رده حياً في هذا اليوم الذي تختبر فيه سرائر الخلق فيكشف المستور منها.
وهذا التأويل فيه بُعْدٌ في العربية، لأن العامل على هذا التقدير في ﴿يَوْمَ﴾ ﴿رَجْعِهِ﴾ فهو داخل في صلته.
وقد فرق بين الصلة والموصول بخبر (إن)، وهو ﴿لَقَادِرٌ﴾. وذلك لا
وقال الضحاك: المعنى (أن الله) على رد الإنسان ماء كما خلقه من ماء لقادر فالهاء في ﴿رَجْعِهِ﴾ أيضاً للإنسان.
وقال مجاهد وعكرمة: المعنى أن الله على رد الماء في الإحليل لقادر.
فالهاء في ﴿رَجْعِهِ﴾ للماء، وهو معنى قول ابن زيد.
وعن الضحاك أيضاً أن معناه أن الله على رد الإنسان من الكبر إلى الشباب، ومن الشباب إلى الكبر، ومن الصبا إلى النطفة، لقادر. فالهاء في ﴿رَجْعِهِ﴾ للإنسان.
وروى أبو الدرداء عن النبي ﷺ أنه قال " ائتمن الله خلقه على أربع: على الصلاة والزكاة والصيام والغسل من الجنابة، وهي السرائر التي يختبرها الله يوم القيامة ".
وقال قتادة: " إن هذه السرائر مختبرة، فأسروا خيراً وأعلنوه [إن استطعتم]، ولا قولاة إلا بالله ".
وقوله: ﴿فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلاَ نَاصِرٍ﴾.
أي: فما للإنسان الكافر بيوم تبلى السرائر من قوة يمتنع بها من عذاب الله، ولا ناصر ينصره (فيستنقذه من العذاب، وقد كان في الدنيا يرجع إلى قوة من عشيرة يمتنع بها ممن أراده بسوء، وناصر ينصره) مما ظلمه، هذا معنى قول قتادة ومعمر.
ثم قال تعالى: ﴿والسمآء ذَاتِ الرجع﴾.
أي: ورب السماء ذات المطر، أي: ترجع بالغيوث وأرزاق العباد كل عام،
قال ابن عباس: ﴿ذَاتِ الرجع﴾: " السحاب في المطر ".
وقال الحسن: " ترجع بأرزاق الناس كل عام ". وقاله قتادة.
وقال مجاهد: ﴿ذَاتِ الرجع﴾: " السحاب يمطر ثم يرجع بالمطر ".
وقال ابن زيد: ﴿ذَاتِ الرجع﴾: شمسها وقمرها ونجومها، يأتين من هاهنا. والرجع: تجمع على " رجعان " سماعاً على غير قياس، وقياسه [أرجع] (ورجوع).
قال ابن عباس: ﴿ذَاتِ الصدع﴾ أي: " ذات النبات ".
وقال قتادة: تنصدع عن النبات.
وقال ابن زيد: ﴿ذَاتِ الصدع﴾ أي: ذات الانشقاق للنبات.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾.
هذا جواب القسم، أي: إن هذا القول أو الخبر الذي تقدم ذكره لقول ذو فصل، أي: يفصل بين الحق والباطل ببيانه.
وقيل: الجواب: ﴿إِن كُلُّ نَفْسٍ﴾، لأن " إن " بمعنى " ماء "، وهو حسن، وهو أقرب من غيره إلى القسم، فهو أليق به.
وقيل: الجواب: ﴿إِنَّهُ على رَجْعِهِ﴾.
وقال ابن عباس: ﴿لَقَوْلٌ فَصْلٌ﴾ أي: " لقول حق ".
وقال قتادة: ﴿فَصْلٌ﴾: حكم.
أي: وما هو بالعبث ولا الباطل ولا اللعب.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً﴾.
أي: إن هؤلاء المكذبين بالله ورسوله ووعده ووعيده يمكرون مكراً، وأمكر مكراً، أي: أجازيهم على مكرهم. فسمى الجزاء مكرا لأنه جزاء المكر، فسمي باسم ما هو مجازاة عنه وإن لم يكن مثله، كما قال تعالى: ﴿وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا﴾ [الشورى: ٤٠]، فسمي جاء السيئة سيئة إذ هي جزاء لها وإن لم يكن الجزاء سيئة، ومكره - تعالى ذكره - بهم: إملاؤه لهم واستدراجه إياهم. والمعنى: أنهم يكيدون النبي وأصحابه كيدا، وأجازيهم على كيدهم جزاء.
ثم قال تعالى: ﴿فَمَهِّلِ الكافرين أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً﴾.
أي: فلا تعجل يا محمد على الكافرين بالعقاب، أمهلهم قليلا حتى يأتي وقت حلول النقمة بهم. قال ابن عباس: الرويد: القريب.
وقال قتادة: " الرويد: القليل ".
قال ابن زيد: معناه: أمهلهم ولا تعجل عليهم، تركهم حتى إذا أراد الانتصار منهم أمره بحربهم وقتالهم والغلظة عليهم فأهلكهم ببدر بالسيف.