تفسير سورة غافر

حومد
تفسير سورة سورة غافر من كتاب أيسر التفاسير المعروف بـحومد .
لمؤلفه أسعد محمود حومد .

(حَا. مِيمْ)
(١) - اللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ.
﴿الكتاب﴾
(٢) - هَذَا القُرْآنُ (الكِتَابِ) مُنَزِّلٌ مِنَ اللهِ ذِي العِزَّةِ الذِي لاَ يُرَامُ جَنَابُهُ، وَذِي العِلْمِ، الذِي لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ.
(٣) - وَاللهُ تَعَالَى مُنَزِّلُ القُرْآنِ هُوَ الذِي يَغْفِرُ مَا سَلَفَ مِنَ الذَّنْبِ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِمَّنْ تَابَ وَأَنَابَ، وَأَخْلَصَ فِي التَّوْبَةِ والعَمَلِ، وَهُوَ شَدِيدُ العِقَابِ لِمَنْ تَمَرَّدَ وَطَغَى، وَعَتَا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، وَهُوَ المَتَفَضِّلُ عَلَى عِبَادِهِ، وَهُوَ ذُو المَنِّ والطَّوْلِ والخَيْرِ الكَثِيرِ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَلاَ مَعْبُودَ سِوَاهُ، وَإِلَيِهِ تَعَالَى المَرْجِعُ والمَصِيرُ والمَنْقَلَبُ.
غَافِرِ الذَّنْبِ - سَاتِرِ الذَّنْبِ لِلْمُؤْمِنِينَ.
قَابِلْ التَّوْبِ - الذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ مِنَ المُذْنِبِينَ.
ذِي الطَّوْلِ - ذِي الفَضْلِ والإِنْعَامِ.
﴿يُجَادِلُ﴾ ﴿آيَاتِ﴾ ﴿البلاد﴾
(٤) - لاَ يُخَاصِمُ فِي القُرْآنِ بِالطَّعْنِ فِيهِ، وَتَكْذِيبِهِ، وَلاَ يَدْفَعُ الحَقَّ بِالبَاطِلِ بَعْدَ البَيَانِ، وَظُهُورِ البُرْهَانِ، إِلاَّ الجَاحِدُونَ لآيَاتِ اللهِ وَحُجَجِهِ وَبَرَاهِينِهِ، المَعْرِضُونَ عَنِ الحَقِّ مَعَ ظُهُورِهِ وَوُضُوحِهِ، فَلاَ يُغْرُرْكَ انْتِقَالُهُمْ فِي البَلاَدِ، وَأَسْفَارُهُمْ فِيهَا لِلتِّجَارَةِ والتَّكَسُّبِ، ثُمَّ عَوْدَتُهُمْ سَالِمِينَ، بَعْدَ كُفْرِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ، فَإِنَّ عَاقَبَتُهم الهَلاَكُ.
فَلاَ يَغْرُرْكَ - فَلاَ يَخْدَعَنكَ.
تَقَلُّبُهُمْ - تَنْقُّلُهُمْ فِي أَسْفَارِهِمْ سَالِمِينَ غَانِمِينَ فَهُوَ اسْتِدْرَاجٌ لَهُمْ.
﴿وَجَادَلُوا﴾ ﴿بالباطل﴾
(٥) - يُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ عَمّا يُلاَقِيهِ مِنْ تَكذِيبِ المُكَذِّبِينَ، وَإْعْرَاضِ المُعْرِضِينَ، فَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ الأُمَمَ السَّابِقَةَ كَذَّبَتْ رُسُلَهَا، وَلَمْ يُؤْمِن لَهُمْ إِلاَّ القَلِيلُ، فَلِمُحَمَّدٍ فِي الأَنْبِيَاءِ السَّابِقِينَ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. فَقَدْ كَذَّبَ قَوْمُ نُوحٍ، نَبِيَّهُم نُوحاً عَلَيهِ السَّلاَمُ، وَتَحَزَّبَ مِنْ كُلِّ أُمةٍ جَمَاعَةٌ عَلَى رَسُولِهِمْ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ، وَحَرَصَتْ كُلُّ أُمَّةٍ عَلَى الإِسَاءَةِ إِلَى رَسُولِهِمْ وَإِيذَائِهِ، وَخَاصَمُوا رَسُولَهُمْ بِالبَاطِلِ، بِإِيرَادِ حُجَجٍ وَشُبهٍ لاَ حَقِيقَةَ لَهَا، فَأَهْلَكَهُمُ اللهُ، وَاسْتَأْصَلَ شَأفَتَهُمْ، فَكَانَ عِقَاباً أَلِيماً لَهُم.
وَاللهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ بِالْمُكَذِّبِينَ مِنْ قُرْيِشٍ مِثْلَ ذَلِكَ.
لِيُدْحِضُوا - لِيَبْطِلُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ.
﴿كَلِمَةُ﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾
(٦) - وَكَمَا حَقَّتْ كَلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكَافِرِينَ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى المُكَذِّبِينَ مِنْ قَوْمِكَ يَا مُحَمَّدُ، أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ فِي الآخِرَةِ لأَنَّ الأَسْبَابَ التي تُوجِبُ عِقَابَ الفَرِيقَينِ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ الكُفْرُ بِاللهِ، وَتَكْذِيبُ الرُّسُلِ، وَمُعَانَدَةُ الحَقِّ.
حَقَّتْ - وَجَبَتْ وَثَبَتَتْ بِالإِهْلاَكِ.
﴿آمَنُواْ﴾
(٧) - إِنَّ المَلاَئِكَةَ الذِينَ يَحْمِلُونَ عَرْشَ رَبِّهِمْ، وَالمَلاَئِكَةَ الذِينَ هُمْ مِنْ حَوْلِهِ يُنَزِّهُونَ اللهَ تَعَالَى، وَيَحْمَدُونَهُ عَلَى نِعَمِهِ وَآلاَئِهِ، وَلاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَيَسْأَلُونَهُ تَعَالَى أَنْ يَغْفِرَ لِلمُسِيِئينَ الذِينِ تَابُوا وَأَقْلَعُوا عَمَّا كَانُوا فِيهِ، وَاتَّبَعُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ رَبُّهِمْ مِنْ فَعْلِ الخَيرِ، وَتَرَكِ المُنْكَرِ، وَيَسْأَلُونَهُ تَعَالَى أَنْ يُجَنِّبَ (يَقِي) هَؤُلاَءِ التَّائِبِينَ الْمُنِيبِينَ عَذَابَ النَّارِ.
سَبِيلَكَ - طَرِيقَ الهُدَى - الدِينَ القَوِيمَ.
قِهِمْ - احْفَظْهُمْ وَجَنِّبْهُمْ.
﴿جَنَّاتِ﴾ ﴿آبَآئِهِمْ﴾ ﴿أَزْوَاجِهِمْ﴾ ﴿ذُرِّيَّاتِهِمْ﴾
(٨) - وَتُتَابعَ المَلاَئِكَةُ الأَطْهَارُ دُعَاءَهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ، فَيَسْأَلُونَ رَبَّهُم تَعَالَى أَنْ يُدْخِلَهُم الجَنَّاتِ التِي وَعَدَهُمْ تَعَالَى بِهَا عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ، وَأَنْ يُدْخِلَ مَعَهُم الجَنَّاتِ الصَّالِحِينَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِيَّاتِهِمْ لِتَقَرَّ بِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، فَإِن الاجْتِمَاعَ بِالأَهْلِ والعَشِيرَةِ فِي مَوَاضِعِ السُّرُورُ يَكُونَ أَكْمَلَ لِلْبَهْجَةِ والأُنْسِ، فَأَنْتَ يَا رَبّ الغَالِبُ الذِي لاَ يُقَاوَمُ، الحَكِيمُ فِي شَرْعِهِ وَفَعْلِهِ وَتَدْبِيرِهِ.
﴿يَوْمَئِذٍ﴾
(٩) - وَاصْرِفْ عَنْهُمْ عَاقِبَةَ مَا اقْتَرَفُوهُ مِنْ فِعْلِ السَّيِّئَاتِ قَبْلَ تَوْبَتِهِمْ (أَوِ اصْرِفْ عَنْهُمْ فِعْلَ السَّيِّئاتِ)، وَمَنْ تَصْرِفْ عَنْهُ عَاقِبَةَ مَا ارْتَكَبَ مِنْ السَّيِّئَاتِ يَوْمَ القِيَامَةِ فَإِنَّكَ تَكُونَ قَدْ رَحِمْتَهُ، وَنَجَّيْنَهُ مِنْ عَذَابِكَ، وَهَذَا هُوَ الفَوْزُ الأَكْبَرُ الذِي لاَ يَعْدِلُهُ فَوْزٌ.
قِهِمُ السَّيِّئَاتِ - احْفَظْهُمْ مِنَ الوُقُوعِ فِي المَعَاصِي، أَوِ اصْرِفْ عَنْهُمْ عَاقِبَةَ مَا اقْتَرَفُوهَ مِنْهَا.
﴿الإيمان﴾
(١٠) - وَحِينَمَا يُلْقَلى الكَافِرُونَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، لِيَذوقُوا العَذَاب الأَلِيمَ، يَمْقُتُونَ أَنْفُسَهَمْ، وَيَكْرَهُونَهَا أَشَدَّ الكُرْهِ، بِسَبَبِ مَا أَسْلَفُوا فِي الدُّنْيا مِنَ عَمِلٍ سَيِّئٍ أَوْصَلَهُمْ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ، فَتُنَادِيِهم المَلاَئِكَةُ وَيَقُولُونَ لَهُمْ: إِنَّ مَقْتَ اللهِ تَعَالَى لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، حِينَ كَانَ الإِيْمَانُ يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ فَيَكْفرُونَ، كَانَ أَشَدَّ مِنْ مَقْتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ وَهُمْ يَتَلَظُّوْنَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
المَقْتُ - الكُرْهُ الشَّدِيدُ والغَضَبُ.
(١١) - فَيَقُولُ الكَافِرُونَ: رَبَّنَا خَلَقْتَنَا مِنْ عَدَمٍ وَلَمْ تَكُنْ لَنَا حَيَاةٌ، وَأَمَتَّنَا حِينَ انْقَضَتْ آجَالُنَا، وَأَحْيَيْتَنا أَوَلاً بِنَفْخِ الأَرْوَاحِ فِينَا وَنَحْنُ فِي الأَرْحَامِ، وَأَحْيَيْتَنَا بِإِعَادَةِ أَرْوَاحِنَا إِلَى أَبْدَانِنَا يَوْمَ البَعْثِ، والنُّشُورِ، فَاْعْتَرَفْنَا بِأَنَّنَا كُنَّا أَنْكَرْنَا البَعْثَ فَكَفَرْنَا، وَاجْتَرَحْنَا السَّيِّئَاتِ، فَهَلْ مِنْ سَبِيلٍ إِلَى إِخْرَاجِنَا مِنَ النَّارِ، وَإِعَادَتِنَا إِلَى الحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَعْمَلَ غَيَرَ الذِي كُنَّا نَعْمَلُ؟ فَأَنْتَ القَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ.
(١٢) - فَيُجَابُونَ عَلَى سَؤَالِهِمْ هَذَا أَنْ لاَ سَبِيلَ إِلَى الرَّجعَةِ إِلَى الدُّنْيَا، وَلاَ إِلَى الخُرُوجِ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ لأَنَّكُمْ كُنْتُمْ إِذَا ذَكِرَ اللهُ العَلِيُّ القَدِيرُ وَحْدَهُ كَفرْتُمْ وَأَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الألوهِيَّةُ خَالِصَةً للهِ وحدَهُ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِهِ مُشْرِكٌ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ. وَمَا ذَلِكَ إِلاَّ لِفَسَادِ طِبَاعِكُمْ، وَرَفْضِهَا لِلْحَقِّ، فَإِذَا عُدْتُمْ إِلَى الدُّنْيَا عُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيِهِ مِنْ فَسَادٍ وَكُفْرٍ وَإِفْسَادٍ فِي الأَرْضِ، فَالحُكْمُ اليَوْمَ للهِ، وَهُوَ لا يَحْكُمُ إِلاَ بِالحَقِّ، وَهُوَ ذُو الكِبْرِيَاءِ والعَظَمَةِ، وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ، وَقَدِ اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ خُلُودَ الكَافِرِينَ فِي النَّارِ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى الخُرُوجِ مِنْهَا.
تُؤْمِنُوا - تُذِعْنُوا وَتُقِرُّوا بِالشِّرْكِ.
﴿آيَاتِهِ﴾
(١٣) - وَاللهُ تَعَالَى يُظْهِر قُدْرَتَهُ لِخْلْقِهِ بِمَا يُشَاهِدُونَهُ فِي العَالَمَيْن العُلْوِيِّ والسُّفْلِيِّ مِنَ الآيَاتِ العَظِيمَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ خَلْقِهَا، وَقُدْرَةِ مُبْدِعِهَا، وَتَفَرُّدِهِ بالألوهِيةِ، فَيُنَزِّلُ المَطَرَ مِنَ السَّمَاءِ فَيُخْرِجُ بِهِ الزَّرْعَ والنَّبَاتَ والثِّمَارَ بِأَلْوَانٍ وَطُعُومٍ وَأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَبِقُدْرَتِهِ العَظِيمَةِ فَاوَتَ بَيْنَ هَذِهِ الأَشْيَاءِ التِي تُسْقَى كُلَّهَا مِنْ مَاء وَاحِدٍ، وَمَا يَعْتَبِرُ بِهَذِهِ الآيَاتِ، وَيَسْتَدِلُّ بِهَا عَلَى عَظَمَةِ خَالِقَهَا إِلاَّ مَنْ هُوَ بَصِيرٌ مُنِيبٌ إِلَى اللهِ تَعَالَى.
مَنْ يُنِيبُ - مَنْ يَرْجِعُ إٍِلَى التَّفَكُّرِ فِي الآيَاتِ
﴿الكافرون﴾
(١٤) - فَأَخْلِصُوا العِبَادَة للهِ وَحْدَهُ، وَخَالِفُوا المُشْرِكِينَ فِي مَسْلَكِهِمْ وَمَذْهَبِهِمْ، وَلاَ تَلْتَفِتُوا إِلى كَرَاهِيتَهِمْ لِذَلِكَ.
﴿الدرجات﴾
(١٥) - فَاللهُ تَعَالَى أَرْفَعُ المَوْجُودَاتِ، وَأَعْظَمُهَا شَأْناً، لأَنَّ كُلَّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَهُوَ غَنِيٌّ عَمَّنْ سِوَاهُ، وَهُوَ تَعَالَى ذُو العَرْشِ المُسْتَوي عَلَيْهِ، فَهُوَ مُسْتَوْل عَلَى الأَجْسَامِ والأَرْوَاحِ وَيُلْقِي الوَحْيَ بِقَضَائِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ يَصْطَفِيهِمْ لِحَمْلِ رِسَالَتِهِ، وَليُنْذِرَ بِالعَذَابِ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُوَ اليَوْمُ الَّذِي تَلْتَقِي فِيهِ الخَلاَئِقُ جَمِيعُهَا.
رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ - أَيْ العَلِيُّ الأَعْلَى الَّذِي اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ واخْتَصَّ بِهِ وَارْتَفَعَتْ دَرَجَاتُهُ تَعَالَى ارْتِفَاعاً بَايَنَ بِهِ مَخْلُوقَاتِهِ وارْتَفَعَ بِهِ قَدْرُهُ، وَجَلَّتْ أَوْصَافُهُ وَتَعَالَتْ ذَاتُهُ أَنْ يُتَقَرَّبَ إِلَيْهِ إِلاَ بِالعَمَلِ الزَّكِيِّ الطَّاهِرِ المُطَهَّرِ وَهُوَ الإِخْلاصُ الذِي يَرْفَعُ دَرَجَاتِ أصْحَابِهِ، وَيُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ، وَيَجْعَلُهُمْ فَوَقَ خَلْقِهِ.
﴿بَارِزُونَ﴾ ﴿الواحد﴾
(١٦) - وَفِي ذَلِكَ اليَوْمِ تَبْرُزُ الخَلاَئِقُ لِلْوَاحِدِ القَهَّارِ، وَيَقُولُ الرَّبُّ تَعَالَى وَتَبَارَكَ مُنَادِياً الخَلاَئِقَ فِي المَحْشَرِ: لِمَنِ المُلْكُ اليَومَ؟ فَلاَ يُجِيبُهُ أَحَدٌ فَيَقُولُ: للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ الذِي قَهَرَ كُلَّ شَيءٍ بِعِزَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ.
(١٧) - وَاليَومَ تَلْقَى كُلُّ نَفْسٍ جَزَاءَ عَمِلَهَا، فَلا تُبْخَسُ نَفْسٌ مَا اسْتَوْجَبَتْهُ مِنْ أَجْرٍ عَلَى عَمَلٍ عَمِلتهُ فِي الدُّنْيَا، (فَلاَ يُنْقَصُ مِنْهُ) إِنْ كَانَ صَالِحاً، وَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا إِثْمُ ذَنْبٍ لَمْ تَعْمَلَهُ. وَاللهُ تَعَالَى سَرِيعُ الحِسَابِ، يُحَاسِبَ الخَلاَئِقَ كُلَّهُمْ كَمَا يُحَاسِبُ نَفْساً وَاحِدَةً.
﴿الأزفة﴾ ﴿كَاظِمِينَ﴾ ﴿لِلظَّالِمِينَ﴾
(١٨) - وَأَنْذِرْ يَا مُحَمَّدُ مُشْرِكِي قَوْمِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ أَهْوَالٍ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ، وَهُوَ يَومٌ يَعْظمُ فِيهِ الخَوْفُ، حَتَّى لَيَشْعُرُ كُلُّ آمْرِيءٍ أَنَّ قَلْبَهُ تَعلَّقَ بِحَلقِهِ، فَيُرِيدُ إِرْجَاعَهُ إِلَى مَوْضِعِهِ فَلاَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى ردِّهِ إِلَى مَوْضَعِهِ مِنَ الصَّدْرِ، وَلاَ القَلْبُ بِخَارِجٍ فَيُقْضَى عَلَى المَرْءِ بِالْمَوْتِ.
وَفِي ذَلِكَ لاَ يَكُونَ لِلذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِالكَفْرِ والشِّرْكِ قَرِيبٌ يَنْفَعُهُمْ، وَلاَ شَفِيعٌ تَقْبَلُ شَفَاعَتُهُ لَهُمْ.
الآزِفَةُ - اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَسُمِّيت بِذَلِكَ لاقْتِرَابِ مَوْعِدِهَا.
كَاظِمِينَ - بَاكِينَ أَوْ مُمْسِكِينَ عَلَى الغَمِّ الذِي يَمْلأُ صُدُورَهُمْ.
حِمِيمٍ - قَرِيبٍ مُشْفِقٍ.
﴿خَائِنَةَ﴾
(١٩) - وَهُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ كُلَّ شَيءٍ حَتَّى إِنَّهُ لَيَعْلَمُ العَيْنَ الخَائِنَةَ التِي تَنْظُُرُ خِلْسَةً إِلَى مَا لا يَحِلُّ لَهَا. وَيَعْلَمُ خَبَايَا الصُّدُورِ مِنَ الضَّمَائِرِ والسَّرَائِرِ، وَمَا تُوَسْوِسُ بِهِ النَّفْسُ.
خَائِنَةَ الأَعْيُنِ - النَّظْرَةَ الخَائِنَةَ إِلَى مَا لا يَحِلُّ.
(٢٠) - واللهُ تَعَالَى يَحْكُمُ بِالعَدْلِ بَينَ الخَلاَئِقِ، وَيُحَاسِبُهُمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِهِمْ جَلِيلِهَا وَحَقِيرِهَا، وَيَجْزِيهِمْ عَلَيهَا. وَالآلِهَةُ التي يَعْبُدُهَا المُشْرِكُونَ لاَ تَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بَشَيءٍ، وَلاَ تَعْلَمُ شَيئاً. وَاللهُ تَعَالَى هُوَ السَّمِيعُ لِمَا يَقُولُهُ العِبَادُ، البَصِيرُ بِمَا يَفْعَلُونَهُ.
﴿عَاقِبَةُ﴾ ﴿آثَاراً﴾
(٢١) - أَوَ لَمْ يَسِرُ هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ بِاللهِ، المُكَذِّبُونَ رُسُلَهُ، الجَاحِدُونَ بِآيَاتِهِ، فِي البَلاَدِ، لَيَرُوا عَاقِبَةَ مَنْ كَانُوا قَبْلَهُمْ مِنَ الأُمَمِ السَّالِفَةِ، سَلَكُوا سَبِيلَهُمْ فِي الكُفْرِ، وَقَدْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْ هَؤُلاَءِ بَطْشاً، وَأَبْقَى فِي الأَرْضِ أَثَراً، فَلَمْ تَنْفَعْهُم قَوَّتُهُمْ، وَلاَ عَظِيمُ مَا خَلَّفُوهُ فِي الأَرْضِ مِنْ آثَارٍ حِينَمَا جَاءَهُمْ أَمَرُ اللهِ، وَأَخَذَهُمْ جَمِيعاً فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُمْ أَحَداً بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ، وَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مَنْ يَقِيهِمْ مِنْ عَذَابِ اللهِ، وَلاَ مَنْ يَمْنَعُ عَنْهُمْ بَأْسَهُ وَبَطْشَهُ.
وَاقٍ - دَافِعٍ عَنْهُمُ العَذَابَ.
﴿بالبينات﴾
(٢٢) - وَقَدْ أَخَذَهُم اللهُ تَعَالَى وَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَاقٍ وَلاَ نَاصِرٍ، لأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُ رَبِّهِمْ بِالبَرَاهِين والحُجَجِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُودِ اللهِ وَوَحْدَانِيَّتِهِ، وَعَظَمَتِهِ، فَكَفَرُوا بِهَا، فَأَهْلَكَهُمْ اللهُ وَأَبَادَهُمْ، وَلَمْ يُتْرُكْ لَهُمْ فِي أَرْضِهِمْ مِنْ بَاقِيةٍ، وَاللهُ تَعَالَى قَوِيٌّ عَزِيزٌ، ذُو بَطْشٍ شَدِيدٍ.
﴿بِآيَاتِنَا﴾ ﴿سُلْطَانٍ﴾
(٢٣) - يُسَلِّي اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ الكَرِيمَ عَمَّا يُلاَقِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ المُكَذِّبِينَ، فَيَذْكرُ لَهُ قَصَصَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللهِ، وَمَا لاَقوهُ مِنْ أَقْوَامِهِمْ، فَكَانَتِ العَاقِبَةُ لَهُمْ، والدِّمَارُ لأَعْدَائِهِمْ وَمُكَذِّبِيهِمْ.
وَبَدأ اللهُ تَعَالَى بِسَرْدِ قِصَّة مُوسَى عَلَيهِ السَّلاَمُ، فَقَالَ: إِنَّهُ أَرْسَلَهُ بِالآَيَاتِ البَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ الدَامِغَاتِ.
﴿هَامَانَ﴾ ﴿قَارُونَ﴾ ﴿سَاحِرٌ﴾
(٢٤) - إِلَى فِرْعونَ مَلِكِ مِصْرَ، وَهَامَانَ وَزِيرِهِ، وَقَارُونَ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ أَغْنَى أَهْلِ زَمَانِهِ (وَجَاءَ فِي آيةٍ أُخْرَى إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى) فَكَذَّبُوا مُوسَى، وَقَالُوا جَمِيعُهُمْ إِِنَّهُ سَاحِرٌ كَذَّابٌ، لأَنَّهُمْ عَجَزُوا عَنْ مُقَارَعَةِ الآيَاتِ التِي جَاءَهُمْ بِهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الكافرين﴾ ﴿ضَلاَلٍ﴾
(٢٥) - فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِالآيَاتِ البَيِّنَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ تَعَالَى، وَعظِيمِ سُلْطَانِهِ وَأَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الذِي أَرْسَلَ مُوسَى إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمَنْ حَوْلَهُ: اقْتُلُوا الذُّكُورَ مِنْ أَبْنَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الذِينَ آمَنُوا بِمُوسَى وَرِسَالَتِهِ، وَاسْتَبْقُوا نِسَاءَهُمْ، زَيَادَةً فِي الإِذْلاَلِ والنَّكَالِ، وَذَلِكَ لِيتَشَاءَمَ بَنُو إِسْرَائِيلَ المَوْجُودُونَ فِي مِصْرَ مِنْ مَوسَى، إِذْ تَكُونُ المَصَائِبُ قَدْ حَلَّتْ بِهِمْ مِنْ جَرَّاءِ تَصْدِيقِهِمْ لِمُوسَى بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ. وَكَانَ هَدَفُ فِرْعَونَ وَمَلَئِهِ، مِنْ قَتْلِ الذُّكُورِ أَنْ يَنْقُصَ عَدَدُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لئِلا يَغْلَبُوا عَلَى القِبْطِ؛ وَلَكِنَّ مَكْرَهُمْ هَذَا أَفْسَدَهُ اللهُ تَعَالَى، وَأَنْفَذَ اللهُ قَدَرَهُ، فَأَنْجَى مُوسَى وَبَني إِسْرَائِيلَ وَأَهْلَكَ فِرْعَوْنَ وَجُنُودَهُ.
اسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ - اسْتَبْقُوا بَنَاتِهِمْ أَحْيَاءً لِلْخدْمَةِ.
ضَلاَلٍ - ضَيَاعٍ وَبَاطِلٍ.
(٢٦) - وَقَالَ فِرْعَوْنُ لِمَلَئِهِ: دَعُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَليَسْتَنْجِدْ مُوسَى بِرَبِّهِ لَينْقِذَهُ إِنْ كَانَ صَادِقاً فِي قَوْلِهِ إِنَّ لَهُ رَبّاً أَرْسَلَهُ، وَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى حِمَايَتِهِ، لأَنَّ فِرْعَوْنَ يَخَافُ - عَلَى مَا قَالَهُ لمَلَئِهِ - أَنْ يُفْسِدَ مُوسَى مُعْتَقَدَاتِ القِبْطِ، أَوْ أَنْ يَخْلَقَ بِدْعْوَتِهِ الاضْطِرابَاتِ والقَلاقِلَ فَتَتَعَطَّلَ الأَعْمَالُ فِي المَزَارِعِ والمَتَاجِرِ.
(٢٧) - وَرَدَّ مُوسَى عَلَى تَهْدِيدِ فِرْعَوْنَ إِيَّاهُ بِالقَتْلِ وَالإِيذَاءِ، بِأَنِ اسْتَجَارَ بِاللهِ، وَاسْتَعَانَ بِهِ مِنْ شَرِّ كُلِّ مُسْتَكْبِرٍ لاَ يُذْعِنُ لِلْحَقِّ، وَلاَ يُؤْمِنُ بِبَعْثٍ وَلاَ حَشْرٍ وَلاَ نَشْرٍ.
عُذْتُ - اعْتَصَمتُ وَاسْتَجَرْتُ.
﴿آلِ﴾ ﴿إِيمَانَهُ﴾ ﴿بالبينات﴾ ﴿كَاذِباً﴾
(٢٨) - وَتَوَلَّى الدِفَاعَ مُوسَى، لِصَرْفِ فِرْعَونَ عَمَّا اعْتَزَمَهُ مِنْ قَتلِهِ، رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ بَيْتِ فِرْعَوْنَ، كَانَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ خَوْفاً مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، فَقَالَ لِفِرْعَوْنَ: أَيَنْبَغِي لَكُمْ أَن تَقْتَلُوا رَجُلاً لَمْ يَرْتَكِبُ ذَنْباً سِوَى أَنَّهُ قَالَ: رَبِّي اللهُ، وَقَدْ جَاءَكُمْ بِدَلاَلاَتٍ وَبَرَاهِينَ عَلَى صِدْقِهِ، وَمِثْلُ هَذَا القَوِلِ لاَ يَسْتَدْعِي قَتْلاً. فَإِذَا كَانَ مُوسَى كَاذِباً فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَأْمُرَكُمْ بِعِبَادَتِهِ تَعَالَى، وَتَرْكِ دِينكُمُ الذِي أَنْتًُمْ عَلَيْهِ، فَإِثْمُ كَذِبِهِ يَعُودُ عَلَيْهِ هُوَ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ مِنْ إِثْمِهِ شَيءٌ. وَإِنْ كَانَ صَادِقاً فِيمَا يَقُولُ فلاَ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَقْتلُوهُ لأَنَّكُمْ إِنْ قَتَلْتُمُوهُ أَسْخَطْتُمْ رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ لِكُفْرِكُمْ، وَلِقَتْلِكُمْ رَسُولَهُ، وَاسْتَوْجَبْتُمْ عِقَابَهُ الذِي أَنْذَرَكُمْ بِهِ مُوسَى، وَلَوْ كَانَ كَاذِباً كَمَا تَزْعُمُونَ لَكَانَ أَمْرُهُ افْتَضَحَ، وَلَمَا هَدَاهُ اللهُ، وَلَمَا أَيْدَهُ بِمُعْجِزَاتِهِ وَآيَاتِهِ، لأَنَّ اللهَ تَعَالَى لاَ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ والصَوابِ مَنْ كَانَ كَذَّاباً مُسْرِفاً فِي كَذِبِهِ.
﴿ياقوم﴾ ﴿ظَاهِرِينَ﴾
(٢٩) - وَتَابَعَ مُؤْمِنُ آلِ فِرْعَوْنَ وَعْظَهُ لِفِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ لِيُثبِّطَهُمْ وَيَصْرِفَهُمْ عَنْ قَتْلِ مُوسَى، فَقَالَ لَهُمْ: لَقَدْ أَنْعَمَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْكُمْ بِهَذَا المُلْكِ، وَبِالظُّهُورِ فِي الأَرْضِ بِالكَلِمَةِ النَّافِذَةِ، وَالجَاهِ العَرِيضِ، فَرَاعُوا هِذِهِ النَّعْمَةَ، وَلاَ تُفْسِدُوا أَمْرَكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلاَ تُعَرِّضُوا أَنْفُسَكُمْ لِبَأْسِ اللهِ وَعَذَابِهِ بِقَتْلِهِ، فَإِنَّهُ لاَ قِبَلَ لَكُمْ بِذَلِكَ، وَإِذَا جَاءَكُمْ بَأْسُ اللهِ لَمْ يَمْنَعْكُمْ مِنْهُ أَحَدٌ.
وَلَمَّا سَمِعَ فِرْعَوْنُ قَوْلَ هَذَا الرَّجُلِ الصَّالِحِ قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ: إِنَّهُ لاَ يَقُولُ لَهُمْ، وَلاَ يُشَيرُ عَلَيْهِم إِلاَّ بِمَا يَرَاهُ لِنَفْسِهِ، وَلاَ يَدْعُوهُمْ إِلاَّ إِلَى طَرِيق الحَقِّ والصِّدْقِ والرُّشْدِ.
(أَيْ إِنَّهُ لاَ يُشِيرُ عَلَيْهِمْ بِرَأيٍ سِوى قَتْلِ مُوسَى حَسْماً لِلْفِتْنَةِ، وَإِنَّهُ يَرى هَذَا هُوَ سَبِيلَ الرَّشَادِ).
ظَاهِرينَ - عَالِينَ غَالِبينَ.
بَأْسِ اللهِ - عَذَابِهِ وَنقْمَتِهِ.
مَا أُرِيكُمْ - مَا أُشِيرُ عَلَيْكُمْ.
﴿آمَنَ﴾ ﴿ياقوم﴾
(٣٠) - وَقَالَ الرَّجُلُ الصَّالِحُ نَاصِحاً فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ، يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِنْ كَذَّبُتم مُوسَى، وَتَعَرَّضْتُمْ لَهُ بِسُوءٍ، أَنْ يَحِلَّ بِكُمْ مِثْلُمَا حَلَّ بِمَنْ تَحَزَّبُوا وَاجْتَمَعُوا عَلَى تَكْذِيبِ أَنْبِيَائِهِمْ مِنَ الأُمَمِ المَاضِيَةِ.
الأَحْزَابِ - الأُمَمِ المُتَحَزِّبَةِ عَلَى رُسُلِهَا.
(٣١) - مِثْلُ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، فَقَدْ نَزَلَ بِهِمْ بَأْسُ اللهِ وَعَذَابُهُ فَلَمْ يَجُِدوا لَهُمْ مَنْ يَنْصُرُهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ، وَلَمْ يُهْلِكِ اللهُ هَذِهِ الأُمَمَ المُكَذِّبَةَ ظُلْماً، وَإِنَّمَا أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ، وَمَا اجْتَرَحُوهُ مِنْ آَثَامٍ.
دَأَبِ - عَادَةٍ فِي الإِقَامَةِ عَلَى الكُفْرِ والتَّكْذِيبِ.
﴿ياقوم﴾
(٣٢) - ثُمَّ خَوَّفَهُمْ هَذَا الرَّجُلُ الصَّالِحُ مِنْ عَذَابِ اللهِ فِي الآخِرَةِ فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِمْ عَذَابَ يَوْمِ القِيَامَةِ.
يَوْمَ التَّنَادِ - هُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ إِذْ يَهْلَعُ النَّاس فَيَنْطلِقُونَ يُنَادِي بَعْضُهُمْ بَعْضاً.
(٣٣) - إِذْ تَهْرُبُونَ مُدبِرِينَ مِنْ زَفِيرِ النَّارِ وَشَهِيقِهَا، فَلاَ يُجْدِيكُمْ ذَلِكَ شَيئاً، وَلاَ تَجِدُونَ مَنْ يَعْصمُكُمْ مِنَ العَذَابِ، وَتُردُّونَ إِلَيهِ، وَيَنَالُكُمْ مِنْهُ مَا قُدَّرَ لَكُمْ، وَمَنْ يُضْلِلْهُ اللهُ لاَ يَجِد لَهُ هَادِياً مِنَ الخَلْقِ.
عَاصِمٍ - مَانِعٍ وَدَافِعٍ.
﴿بالبينات﴾
(٣٤) - وَلَقَدْ جَاءَ يُوسُفُ أَسْلاَفَكُمْ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ بِالآيَاتِ الوَاضِحَاتِ، وَالمُعْجِزَاتِ البَاهِرَاتِ فَارْتَابُوا بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ، وَشَكُّوا فِي صِدْقِهِ فَلَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، حَتَّى إِذَا مَاتَ قَالُوا: لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً يَدْعُوا النَّاسَ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ نِقَمِهِ وَبَأْسِهِ. وَاللهُ تَعَالَى يُضِلُّ مِثْلَ هَذَا الضَّلاَلِ البَيِّنِ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ فِي مَعَاصِيهِ شَاكٌ فِي وَحْدَانِيَّةِ الله.
مُرْتَابٌ - شَاكٌّ فِي دِينِ اللهِ وَوحدَانِيَّتِهِ.
﴿يُجَادِلُونَ﴾ ﴿آيَاتِ﴾ ﴿سُلْطَانٍ﴾ ﴿أَتَاهُمْ﴾ ﴿آمَنُواْ﴾
(٣٥) - وَهَؤُلاَءِ المُسْرِفُونَ المُرْتَابُونَ هُمُ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي حُجَجِ اللهِ التِي أَتَتْهُمْ بِهَا رُسُلُهُ لِيَدْحَضُوهَا بِالبَاطِلِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُجَّةٌ وَلاَ بُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ مَا يَقُولُونَ. وَيَسْتَتبْعُ ذَلِكَ الجَدَلُ المَقْتَ الكَبِيرَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَعِنْدَ المُؤْمِنِينَ. وَكَمَا طَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِ المُسْرِفِينَ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ، كَذَلِكَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يَطْبَعُ عَلَى قَلْبِ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ يَسْتَكْبِرُ عَنِ الإِيْمَانِ بِاللهِ، وَعَنْ تَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَيَتَجَبَّرُ فِي الأَرْضِ بِالقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ.
بِغَيْرِ سُلْطَانٍ - بِغَيْرِ بُرْهَانٍ أَوْ حُجَّةٍ.
كَبُرَ مَقْتاً - عَظُمَ جِدَالُهُمْ بِغَيْرِ حُجَّةِ بُغْضاً.
﴿ياهامان﴾ ﴿الأسباب﴾
(٣٦) - وَلَمَّا سَمِعَ فِرَعَوْنَ المُؤْمِنِ مِنْ أَهْلِهِ الذِي كَانَ يَكْتُمْ إِيْمَانَهُ، قَالَ لِوَزِيرِهِ هَامَانَ مُسْتَهِزئاً: يَا هَامَانُ ابْنِ لِي قَصْراً مُنِيفاً عَالِياً، لَعَلِّي أَصْعَدُ فَأَبْلغُ طُرُقَ السَّمَاوَاتِ وَأَبْوَابَهَا.
صَرْحاً - قَصْراً مُنِيفاً عَالِياً.
﴿أَسْبَابَ﴾ ﴿السماوات﴾ ﴿كَاذِباً﴾
(٣٧) - فَإِذَا وَصَلْتُ إِلَى السَّمَاوَاتِ رَأَيْتُ إِلَهَ مُوسَى، وَإِنِّي لأَظُنُّ مُوسَى كَاذِباً فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ أَنَّ لَهُ إِلهاً فِي السَّمَاءِ أَرْسَلَهُ إِلَيْنا نَبِيّاً. وَهَكَذَا زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لِفِرْعَوْنَ عَمَلَهُ السَّيِئَ هَذَا، فَأَوْغَلَ فِي كُفْرِهِ وَعِنَادِهِ، وَصَدِّهِ النَّاسَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، بِمِثْلِ هَذِِهِ الشُّبَهِ والتَّمْوِيَهَاتِ، وَلَنْ يَكُونَ كَيْدُ فِرْعَوْنَ واحْتِيَالُهُ فِي بِنَاءِ الصَّرْحِ لِيَصْعَدَ إِلَيهِ، فَيَطِّلِعَ إِلَى إِلهِ مُوسَى إِلاَّ خَسَاراً وَبَاطلاً يَلْحَقُهُ.
كَيْدٌ - احْتِيَالٌ وَتَدْبِيرٌ.
تَبَابٍ - خَسارٍ وَهَلاَكٍ.
﴿آمَنَ﴾ ﴿ياقوم﴾
(٣٨) - وَقَالَ الرَجُلِ الصَّالِحُ المُؤْمِنُ: يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِي تَرْشُدُوا، وَتَهْتَدُوا إِلَى دِينِ اللهِ الذِي أَرْسَلَ إِلَيكُمْ مُوسَى رَسُولاً.
﴿ياقوم﴾ ﴿الحياة﴾ ﴿مَتَاعٌ﴾
(٣٩) - وَيَا قَوْمِ إِنَّ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا مِنْ نَعِيم وَتَرَفٍ إِنْ هِيَ إِلاَّ مَتَاعٌ قَلِيلٌ زَائِلٌ لاَ يَدُومِ، تَتَمَتَّعُونَ بِهِ ثُمَّ تَبْلُغُونَ أَجَلَكُمْ فَيَنْزِلُ بِكُم المَوْتُ، أَمَّا الدَّارُ الآخِرَةُ فَهِيَ دَارُ الاسْتِقَرَارِ والبَقَاءِ التِي لا زَوَالَ لَهَا، فَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً، وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً، دَخَلَ الجَنَّةَ، وَبَقِيَ فِيهَا خَالِداً أَبَداً.
﴿صَالِحاً﴾ ﴿فأولئك﴾
(٤٠) - فَمَنْ عَمِلَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا عَمَلاً سَيَّئاً، أَوِ اجْتَرَحَ إِثْماً فَإِنَّهُ لاَ يُعَاقَبُ إِلاَّ بِمِقْدَارِ عَمَلِهِ، دُونَ مُضَاعَفَةٍ لِلْعِقَابِ. وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً، ذَكَراً كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَهُوَ مُؤْمِنٌ، دَخَلَ الجَنَّةَ، وَتَمَتَّعَ بِمَا فِيهَا مِنْ رِزْقٍ كَرِيمٍ، وَنَعِيمٍِ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلاَ تَحْدِيدٍ.
بِغَيْرِ حِسَابٍ - بِلاَ تَحْدِيدٍ وَلاَ نِهَايَةٍ فِي الرِّزْقِ.
﴿ياقوم﴾ ﴿النجاة﴾
(٤١) - ثُمَّ كَشَفَ هَذَا المُؤْمِنُ عَنْ إِيْمَانِهِ، فَأَعْلَنَهُ لِقَوْمِهِ، وَقَالَ لَهُمْ: أَخْبِرُونِي لِمَاذَا أَدْعُوكُمْ أَنَا إِلَى النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللهِ، بِالإِيْمَانِ بِاللهِ، وَتَصْدِيقِ رُسُلِهِ، وَتَدْعُونَنِي أَنْتُمْ لأَكُونَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ بِالبِقَاءِ عَلَى الكُفْرِ، والعَمَلِ السَّيِّئِ.
﴿الغفار﴾
(٤٢) - فَأَنْتُمْ تَدْعُونَنِي إِلَى الكُفِرِ بِاللهِ والإِشْرَاكِ بِهِ مَنْ دُونَهُ، بِغَيْرِ بُرْهَانٍ وَلاَ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ مَا تَدْعُونَنِي إِلَيهِ، وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ خَالِقِ كُلِّ شَيءٍ، وَقَاهِرِ كُلِّ شَيءٍ، وَهُوَ الغَفَّارُ لِذُنُوبِ عِبَادِهِ إِذَا اسْتَغْفَرُوهُ وَأَنَابُوا إِلَيهِ.
﴿أَنَّمَا﴾ ﴿أَصْحَابُ﴾
(٤٣) - لاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَا تَدْعَوَننِي أَنْتُمْ إِلَى عِبَادَتِهِ مِنَ الأَصْنَامِ والأَوْثَانِ لاَ يُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ يَدْعُوهُ، فَهُوَ لاَ يَضُرُّ وَلاَ يَنْفَعُ، لاَ فِي الدُّنْيَا وَلاَ فِي الآخِرَةِ. وإِنَّ مَرَدَّنا جَميعاً في الآخِرَةِ سَيَكُونُ إِلى اللهِ تَعَالَى الوَاحِدِ الأَحَدِ، وَإِنَّ المُسْرِفِينَ المُتَجَاوزِينَ الحَدَّ بِالكُفْرِ والشِّرْكِ سَيَكُونُونَ هُمُ الذِينَ يَدْخُلُونَ النَّارَ وَيُعَذَّبُونَ فِيهَا.
لاَ جَرَمَ - لاَ مَحَالَةَ أَوْ حَقاً أَوْ لاَ شَكَّ.
لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ - مُسْتَجَابَةٌ.
(٤٤) - وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ صِدْقَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَتَتَذَكَّرُونَ وَتَنْدَمُونَ حِينَ لاَ يَنْفَعُ النَّدَمُ، وَأَتَوَكَّلُ عَلَى اللهِ، وَأَسْتَعِينُ بِهِ، وَأُقَاطِعُكُمْ، وَأَبْتَعِدُ عَنْكُمْ، وَاللهُ تَعَالَى بَصِيرٌ بِعِبَادِهِ، خَبِيرٌ بِأَحْوَالِهِمْ، يَهْدِي مَنْ يَسْتَحِقُّ الهِدَايَةَ، وَيُضِلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الضَّلاَلَ.
﴿فَوقَاهُ﴾ ﴿بِآلِ﴾
(٤٥) - فَحَفِظَهُ اللهُ تَعَالَى مِمَّا أَرَادُوا بِهِ مِنَ المَكْرِ السَّيءِ، إِذْ أَنْجَاهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا، وَجَعَلَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الفَائِزينَ، وَأَحَاطَ بِفرْعَوْنَ وَجُنْدِهِ وَمَلَئِهِ سُوءُ العَذَابِ، فَأَغْرَقَهُمْ فِي اليَمِّ فِي الدُّنْيَا، وََلَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ عِنْدَ اللهِ إِلاَّ العَذَابُ الأَلِيمُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ.
حَاقَ بِهِمْ - أَحَاطَ أَوْ نَزَلَ بِهِمْ.
﴿آلَ﴾
(٤٦) - وَتُعْرَضُ أَرْوَاحُهُمْ عَلَى النَّارِ صَبَاحاً وَمَسَاءً مِنْ حِينِ مَوْتِهِمْ إِلَى أنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، وَيُقَالُ لَهُمْ يَا آلَ فِرْعَوْنَ هَذِهِ مَنَازِلكُمْ. وَحِينَ تَقُومُ السَّاعَةُ وَيَحْشرُ اللهُ الخَلاَئِقَ، يُقَالُ لِخَزَنةِ جَهَنَّمَ: أَدْخِلُوا آل فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ أَلَماً، وَأَعْظَمَهُ نَكَالاً.
﴿الضعفاء﴾
(٤٧) - وَفِي يَوْمِ القِيَامَةِ أَهْلُ النَّارِ فِي الحِجَاجِ وَالخِصَامِ، فَيَقُولُ الأَتْبَاعُ لِلْقَادَةِ: إِنَّا أَطَعْنَاكُمْ فِيمَا دَعَوْتُمُونَا إِلَيهِ فِي الدُّنْيَا مِنَ الكُفْرِ والضَّلاَلِ، فَهَلْ تَقْدِرُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا عَنَّا قِسْطاً مِنَ العَذَابِ فَتُخَفِّفُوهُ عَنَّا؟ فَقَدْ كُنَا لَكُمْ أَتْبَاعاً، وَإِنَّمَا دَخَلْنَا النَّارَ بِسَبَبِ إِطَاعَتِنَا لَكُمْ.
مُغْنُونَ عَنَّا - دَافِعُونَ أَوْ حَامِلُونَ عَنَّا.
(٤٨) - وَيَقُولُ الكُبَرَاءُ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ: إِنَّهُمْ جَمِيعاً فِي النَّارِ يَذُوقُونَ العَذَابَ، وَقَدْ فَصَلَ اللهُ بِقَضَائِهِ بَيْنَ العِبَادِ، فَأَعْطَى كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَسْتَحِقُّهُ، فَلاَ يُعَذَّبُ أَحَدٌ بِذَنْبِ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا يُعَذَّبُ كُلُّ إِنْسَانٍ بِذَنْبِهِ، وَإِنَّهُمْ جَمِيعاً كَافِرُونَ وَقَدِ اسْتَحَقُّوا العَذَابَ بِسَبَبِ كُفِرِهِمْ.
(٤٩) - وَلَمَّا يَئِسَ المُسْتَضْعَفُونَ مِنْ أَنْ يَحْمِلَ السَّادَةُ الذِينَ كَانُوا سَبَبَ كُفْرِهِمْ، وَإِدْخَالِهِمْ فِي النَّارِ، شَيْئاً مِنَ العَذَابِ عَنْهُمْ، اتَّجَهُوا إِلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ يَسْأَلُونَهُمْ الاتِّجَاهَ إِلَى اللهِ تَعَالَى بِالدُّعَاءِ لِيُخَفِّفَ عَنْهُمْ شَيْئاً مِنَ العَذَابِ فِي النَّارِ.
﴿بالبينات﴾ ﴿دُعَاءُ﴾ ﴿الكافرين﴾ ﴿ضَلاَلٍ﴾ (٥٠) - وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ يُقَرِّعُونَهُمْ عَلَى سُوءِ صَنِيعِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَيَقُولُونَ لَهُمْ: أَلَمْ تَأْتِكُمْ رُسُلُ رَبِّكُمْ بِالحُجَجِ وَالبَرَاهِينِ عَلَى صِدْقِ مَا يَدْعُونَكُمْ إِلَيهِ؟ وَيَقُولُ المُسْتَضْعَفُونَ: نَعَمْ لَقَدْ جَاءَهُمْ رُسُلُ اللهِ بِالحُجَجِ والبَيِّنَاتِ وَلَكِنَّهُمْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ وَكَذَّبُوا رُسُلَهُ، وَحِينَئِذٍ يَقُولُ لَهُمْ خَزنَةُ جَهَنَّمَ: إِذاً فَادْعُوا أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ. وَلكِنَّ دُعَاءَ الكَافِرِينَ لاَ يُفِيدُ، وَلاَ يُسْتَجَابُ لَهُ، وَيَذْهَبُ سُدًى.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الحياة﴾ ﴿الأشهاد﴾
(٥١) - يَقُولُ اللهُ تَعَالَى، إِنَّهُ سَيَجْعَلُ رُسلَهُ هُمُ الغَالِبِينَ لأَعْدَائِهِمْ وَمُعَانِدِيهِمْ، وَإِنَّهُ سَيَنْصُرُ مَعَهُمُ المُؤْمِنِينَ بِهِمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ يَكُونُ بالطُّرُقِ التَّالِيةِ:
- إِمَّا بِجَعْلِهِمْ غَالِبِينَ عَلَى مَنْ كَذَّبَهم، كَمَا فَعَلَ بِدَاوُدَ وَسُلَيمَانَ وَمُحَمَّدٍ، عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ.
- وإِمَّا بِالانْتِقَامِ مِمَّنْ عَادَاهُمْ وَآذَاهُمْ، وَإِهْلاَكِهِ إِيَّاهُمْ، وَإِنْجَائِهِ الرُّسُلَ والمُؤْمِنِينَ، كَمَا فَعَلَ بِنُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَمُوسَى وَلُوطٍ.
- وَإِمَّا بِالانْتِقَامِ مِمَّنْ آذَى الرُّسُلَ بَعْدَ وَفَاةِ الأَنْبِيَاء والرُّسُلِ، بِتَسْلِيطِ بَعْضِ خَلْقِ اللهِ عَلَى المُكَذِّبِينَ المُجْرِمِينَ لِيَنْتَقِمُوا مِنْهُمْ، كَمَا فَعَلَ مَعَ زَكَرِيا وَيَحْيَى، عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ.
وَكَمَا أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَنْصُرُ رَسُلَهُ والمُؤْمِنِينَ بِدَعْوَتِهِمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا، كَذَلِكَ يَنْصُرُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهُوَ اليومُ الذِي يَقُومُ فِيهِ الأشْهَادُ مِنَ المَلاَئِكَةِ والأَنْبِيَاءِ والمُؤْمِنِينَ، بالشَّهَادَةِ عَلَى الأُمَم المُكَذِّبَةِ بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ أَبْلَغُوهُمْ رِسَالاَتِ رَبِّهِمْ.
يَقُومُ الأِشْهَادُ - المَلاَئِكَةُ والرُّسُلُ والمُؤْمِنُونَ.
﴿الظالمين﴾
(٥٢) - وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ العِبَادِ يُؤَدُّونَ شَهَادَاتِهِمْ، فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لاَ يَنْفَعُ أَهْلَ الشِّرْكِ اعْتِذَارُهُمْ لأَنَّ أَعْذَارَهُمْ بَاطِلَةٌ، مَرْدُودَةٌ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ اللَّعْنَةُ والطَّرْدُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَلَهُمْ سُوءُ العَاقِبَةِ والقَرَار فِي جَهَنَّمَ، وَبِئْسَ المُسْتَقَرُّ وَالمَأْوَى.
مَعْذِرَتُهُمْ - اعْتِذَارُهُمْ حِينَ يَعْتَذِرُونَ.
﴿آتَيْنَا﴾ ﴿إِسْرَائِيلَ﴾ ﴿الكتاب﴾
(٥٣) - وَلَقَدْ أَعْطَينَا مُوسَى الشَّرَائِعَ والمُعْجِزَاتِ التِي يَهْتَدِي بِهَا النَّاسُ، وَأَنْزَلْنَا عَلَيهِ التَّوْرَاةَ، وَفِيهَا مَا يَهْدِي بِهِ قَوْمَهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَتَوَارَثُوهُ خَلَفاً مِنْ سَلَفٍ.
﴿الألباب﴾
(٥٤) - وَجَعَلْنَا التَّوْرَاةَ هُدًى يَهْتَدِي بَنُو إِسْرَائِيلَ بِأَحْكَامِهَا، وَتَذْكِرَةً لأَوْلِي العُقُولِ السَّلِيمَةِ والأَفْهَامِ المُسْتَقِيمَةِ (لأُوُلي الأَلْبَابِ).
﴿الإبكار﴾
(٥٥) - فَاصْبِرْ يَا مُحَمَّدُ لأَمْرِ رَبِّكَ، وَبَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، وَأَيْقِنْ بِأَنَّ اللهَ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ لَكَ، وَنَاصِرُكَ وَمُؤَيِّدُكَ عَلَى مِنْ عَادَاكَ وَعَانَدَكَ، وَكَفَرَ بِرِسَالَتِكَ، وَسَلْ رَبَّكَ المَغْفِرَةِ لِذَنْبِكَ، والصَّفْحَ عَنْكَ، وَصَلِّ فِي طَرَفِيْ النِّهَارِ، وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً فِي الصِّبَاحِ والمَسَاءِ.
﴿يُجَادِلُونَ﴾ ﴿اآيَاتِ﴾ ﴿سُلْطَانٍ﴾ ﴿أَتَاهُمْ﴾ ﴿بِبَالِغِيهِ﴾
(٥٦) - إِنَّ الذِينَ يُجَادِلُونَكَ لِدَفْعِ الحَقِّ بِالبَاطِلِ، وَيُحَاوِلُونَ رَدَّ الحُجَجِ الصَّحِيحَةِ بِالشُّبَهِ الفاسِدَةِ، بِلاَ بُرْهَانٍ وَلاَ دَلِيلٍ لَهُمْ مِنْ عِنْدِ اللهِ عَلَى صِحَّةِ مَا يَقُولُونَ، إِنَّما يَفْعَلُونَ ذَلِكَ لِمَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ اسْتِكْبَارٍ عِنْ اتِّبَاعِ الحَقِّ، وَاحْتِقَارٍ لِمَنْ جَاءَهُمْ بِهِ، وَلَنْ يَبْلُغُوا مَا يَرْومُونَ وَمَا يُرِيدُونَ وَيُؤمِّلُونَ بِهِ مِنْ إِخْمَادِ الحَقِّ، وَإْعِلاَءِ البَاطِلِ، وَسَيَبْقَى الحَقُّ هُوَ الغَالِبَ دَائِماً، فَالْتَجَئْ إِلَى اللهِ مُسْتَعيذاً بِهِ فِي دَفْعِ كَيْدِ هَؤُلاَءِ المُسْتَكْبِرينَ المُجَادِلِينَ بِالبَاطِلِ، فَهُوَ السَّمِيعُ لِدْعَائِكَ وَاسْتِعَاذَتِكَ، وَلِمَا يَقُولُونَ وَيَأْفِكُونَ، وَهُوَ البَصِيرُ بِحَالِكَ وَحَالِهِمْ.
بِغَيْرِ سُلْطَانٍ - بِغَيْرِ حُجّةٍ أَوْ بُرْهَانٍ.
مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ - مُقْتَضَى الكِبْرِ والتَّعَاظُمِ.
﴿السماوات﴾
(٥٧) - إِنَّ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ ابْتِدَاءً، مِنْ غَيْرِ مَادَّةٍ سَابِقٍ وُجُودُهَا، أَعْظَمُ وَأَجَلُّ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ، لِعِظَمِ الأَجْرَامِ وَالأفْلاَكِ وَالنُّجُومِ والكَوَاكِبِ السَّابِحَِ فِي السَّمَاوَاتِ، وَالتِي لاَ يُمْسِكُهَا وَيَضْبِطُهَا إِلاَّ أَمْرُ اللهِ وَإِرَادَتُهُ، وَكَذِلِكَ الحَالُ بِالنَّسْبَةِ إِلَى الأَرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ جِبَالٍ وَبِحَارِ وَأَشْجَارٍ وَأَنْهَارٍ، وَمَخْلُوقَاتٍ، لاَ يُحْصِي عَدَهَا إِلاَّ اللهُ تَعَالَى، وَمَنْ قَدرَ عَلَى خَلْقِ العَظِيمِ لاَ يُعْجِزُهُ الحَقِيرُ، وَمَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ والأَرْضَ وَمَنْ فِيهِمَا ابْتِدَاءً لَقَادِرٌ عَلَى أَنْ يُعِيدَ بَعْثَ النَّاسِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَتَدَبَّرُونَ الحُجَجَ وَالأَدِلَةَ القَائِمَةَ الدَّالَّةَ عَلَى عَظَمَةِ الخَالِقِ، وَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ لاَ يُعْجِزُهُ شَيْءٌ.
﴿آمَنُواْ﴾ ﴿الصالحات﴾
(٥٨) - وَكَمَا أَنَّهُ لاَ يَسْتَوِي الأَعْمَى الذِي لاَ يُبْصِرُ شَيئاً، مَعَ البَصِيرِ الذِي يَرَى مَا انْتَهَى إِلَيهِ بَصَرُهُ، بَلْ هُنَاكَ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ كَبِيرٌ، كَذَلِكَ لاَ يَسْتَوِي المُؤْمِنُونَ الأَبْرَارُ الذِينَ يُطِيعُونَ اللهَ فِيمَا أَمَرَهُمْ، وَيَنْتَهُونَ عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ، مَعَ الفُجَّارِ الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ، وَاجْتَرَحُوا السَّيئَاتِ، وَعَصَواُ رَبَّهُمْ، وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِهِ، فَمَا أَقَلَّ تَذَكُّرُكُمْ حُجَجَ اللهِ، وَمَا أَقَلَّ اعْتِبَارَكُمْ وَاتِّعَاظَكُمْ بِهَا، وَلَوْ تَذَكَّرْتُمْ وَاعْتَبَرْتُمْ لَعَرَفْتُمْ خَطَأ مَا أَنْتُمْ فِيهِ.
(٥٩) - إِنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ الذِي يُحيي اللهُ فِيهِ المَوْتَى لِيُحَاسِبَهُمْ فِيهِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ، لآتٍ لاَ شَكَّ فِيهِ، وَسَتُبْعَثُونَ بَعْدَ مَمَاتِكُمْ، وَسَتُحَاسَبُونَ عَلَى أَعْمَالِكُمْ، وَسَتُجَازَوْنَ عَلَيْهَا إِنْ خَيْراً فَخَيْراً، وَإِنْ شَرّاً فَشَرّاً، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلاَ يُصَدِّقُونَ أَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ آتٍ قَرِيبٌ لاَ مََحَالَةَ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يَنْهَمِكُونَ فِي الكُفْرِ والعِصْيَانِ، وَاجْتِرَاحِ السَّيئَاتِ.
(٦٠) - يَحُثُّ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالإِجَابَةِ عَلَى دُعَائِهِمْ؛ وَدُعَاءُ العَبْدِ رَبِّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِيْمَانِهِ بِرَبِّهِ، وَخَوْفِهِ مِنْهُ، وَطَمَعِهِ فِي ثَوَابِهِ وَكَرَمِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَمَنْ اسْتَكْبَرَ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ فَإِنَّ اللهَ لاَ يَهْتَمُّ بِإِجَابَةِ دُعَائِهِ لأَنَّهُ لاَ يُؤْمِنُ بِاللهِ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْوَالِ الخَلاَئِقِ، وَتَصْرِيفِ شُؤُونِهِمْ، وَإحْصَاءِ أَعْمَالِهِمْ، وَإِعَادَةِ بَعْثِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ لِيُحَاسِبَهُمْ عَلَيْهَا، وَيَجْزِيَهُمْ بِهَا.
وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: إِنَّ الذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ فَإِنَّهُ سَيُدْخِلُهُمُ النَّارَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَهُمْ أَذِلاءُ صَاغِرُونَ.
﴿الليل﴾
(٦١) - وَاللهُ الخَالِقُ البَارِئُ الذِي لاَ تَصِحُّ العِبَادَةُ إِلاَّ لَهُ، هُوَ الذِي جَعَلَ اللَّيْلَ لِلسُّكُونِ وَالرَّاحَةِ مِنَ الحَرَكَةِ، وَهُوَ الذِي جَعَلَ النَّهَارَ مُضِيئاً لِيَسْتَطِيعَ النَّاسُ فِيهِ الإِبْصَارَ لِيتَصَرَّفُوا فِيهِ فِي طَلَبِ مَعَاشِهِمْ، وَمُزَاوَلَةِ أَعْمَالِهِمْ فَهُوَ المُتَفَضِّلُ عَلَى النَّاسِ بِالنِّعَمِ التِي لاَ تُحْصَى، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَجْحَدُونَ بِهِذِهِ النِّعَمِ، وَلاَ يَعْتَرِفُونَ بِهَا، وَلاَ يَشْكُرُونَ الخَالِقَ عَلَيْهَا.
مُبْصِراً - مُضِيئاً لِيَسْتَطِيعَ النَّاسُ العَمَلَ فِيهِ.
﴿خَالِقُ﴾
(٦٢) - وَالذِي فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ، وَأَغْدَقَ عَلَيْكُم النِّعَمَ التِي لاَ تُحْصَى، هُوَ اللهُ، وَهُوَ رَبُّكُم الوَاحِدُ الأَحَدُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنِ الحَقِّ َتَتْرُكُونَ عِبَادَةَ اللهِ تَعَالَى، وَتَعْبُدُونَ غَيْرَهُ؟
فًَأَنَّى تُؤْفَكُونَ - فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ.
﴿بِآيَاتِ﴾
(٦٣) - كَذَلِكَ يُصْرَفُ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ عَنْ عِبَادَةِ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، كَمَا صُرِفَ الذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ عَنِ الحَقِّ، فَعَبَدُوا غَيْرَ اللهِ، وَجَحَدُوا بِآيَاتِهِ، بِلاَ دَلِيلٍ وَلاَ بُرُهَانٍ عَلَى صِحَّةِ مَا يَفْعَلُونَ، وَإِنَّمَا فَعَلُوا ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ الهَوَى والجَهْلِ والتَقْلِيدِ.
يُؤْفَكُ - يُصْرَفُ عَنِ التَّوْحِيدِ والإِيْمَانِ.
﴿الطيبات﴾ ﴿العالمين﴾
(٦٤) - وَاللهُ المُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ والذِي لاَ تَنْبَغِي العِبَادَةُ لِغَيْرِهِ، هُوَ الذِي جَعَلَ الأَرْضَ لِلنَّاسِ قَراراً يَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا، وَيَعِيشُونَ مِنْ خَيْرَاتِهَا، وَيَتَصَرَّفُونَ بِهَا، وَجَعَلَ لَهُم السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً (بِنَاءً)، وَخَلَقَ النَّاسَ فَأَحْسَنَ خَلْقَهُمْ، وَصَوَّرَهُمْ فَأَحْسَنَ تَصْوِيرَهُمْ، فَتَبَارَكَ اللهُ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، فَهُوَ رَبُّ العَالَمِينَ.
الأَرْضَ قَرَاراً - مُسْتَقَرّاً يَعِيشُونَ فِيهَا.
السَّمَاءَ بِنَاءً - سَقْفاً مَرْفُوعاً مَحْفُوظاً.
﴿العالمين﴾
(٦٥) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ رَبُّ العَالَمِينَ أَوَّلاً وَأَبْداً، وَهُوَ الأَوَّلُ والآخِرُ، والظَّاهِرُ والبَاطِنُ، لاَ نَظِيرَ لَهُ وَلاَ عَدِيلَ، فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الطَّاعَةَ، مُوَحِّدِينَ، مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَقُولُوا: الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ نَحْمَدُهُ تَعَالَى وَنُسَبِّحُهُ، فَهُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيءٍ فِي الوُجُودِ.
﴿البينات﴾ ﴿العالمين﴾
(٦٦) - وَقُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ المُشْرِكِينَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى نَهَانِي، وَنَهَى خَلْقَهُ جَمِيعاً، فِي القُرْآنِ الذِي أَنْزَلَهُ عَلَيَّ، أَنْ نَعْبُدَ مِنْ دُونِهِ مَا تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ مِنَ أَصْنَامٍ وَأَوْثَانٍ، وَأَمَرَنِي بِأَنْ أَنْقَادَ إِلَيهِ، وَأَنْ أُخْلِصَ لَهُ دِينِي، لأَنَّهُ تَعَالَى رَبُّ العَالَمِينَ جَمِيعاً.
أَنْ أُسْلِمَ - أَنْ أَنْقَادَ وأُخْلِصَ دِينِي
(٦٧) - وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الذِي بَدأ خَلْقَ أَبِيكُمْ آدَمَ مِنَ التُّرَابِ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ يَتَوَالَدُونَ مِنْ نُطْفَةٍ تَخْرُجُ مِنْ صُلْبِ الرَّجُلِ وَتَسْتَقِرُّ فِي رَحِمِ الأُنْثَى، فَتَتَلَقَّحُ البُوَيْضَةُ، وَيَتَطَوَّرُ الحَيَوَانُ المَنَوِيُّ إِلَى عَلَقَةٍ، ثُمَّ يَسْتَمِرُّ مُتَقَلِّباً فِي أَطْوَارٍ شَتَّى حَتَّى يَخْرُجَ طِفْلاً فِي نِهَايَةِ الأَمْرِ؛ وَيَبْدَأُ الإِنْسَانُ حَيَاتَهُ ضَعيفاً، ثُمَّ يَتَدَرَّجُ فِي التَقَدُّمِ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَمُنْتَهَى قُوَّتِهِ، ثُمَّ يَبْدَأُ فِي التَّرَاجُعِ، وَيَنْحَدِرُ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ والهَرَمِ. وَمِن النَّاسِ مَنْ يُتَوفَّى قَبْلَ أًَنْ يَبْلُغَ الشَّيْخُوخَةَ بِأَمْرِ اللهِ؛ وَيَفْعَلُ اللهُ ذَلِكَ لِيَبْلُغَ النَّاسُ الأَجَلَ المُسَمَى، وَهُوَ يَوْمُ القِيَامَةِ، وَليُدْرِكُوا العِبَرَ مِنْ هَذَا التَّنَقُّلِ فِي أَطْوَارِ التَّكْوِينِ والحَيَاةِ.
لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ - كمَالَ عَقْلِكُمْ وَقُوَّتِكُمْ.
(٦٨) - وَقُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللهَ هُوَ الذِي يُحْيي مَنْ يَشَاءُ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَيُمِيتُ مِنْ يَشَاءُ مِنَ الأَحْيَاءِ، وَإِذَا أَرَادَ كَوْنَ شَيءٍ فِإِنَّهُ يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ لِفَوْزِهِ. وَأَمْرُهُ تَعَالَى لاَ يُعَانَدُ وَلاَ يُمَانَعُ وَلاَ يَتَكَرَّرُ ﴿وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بالبصر﴾ قَضَى أَمْراً - أَرَادَ إِيجَادَ شَيءٍ.
﴿يُجَادِلُونَ﴾ ﴿اآيَاتِ﴾
(٦٩) - أَلاَ تَعْجَبُ يَا مُحَمَّدُ مِنْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبِينَ بِآيَاتِ اللهِ، والَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الحَقِّ بِالبَاطِلِ، كَيْفَ تُصْرَفُ عُقُولُهُمْ عَنْ الهُدَى إِلَى الضَّلاَلَةِ؟
أَنَّى يُصْرَفُونَ - كَيْفَ يُصْرَفُونَ عَنِ الآيَاتِ مَعَ وُضُوحِهَا.
﴿بالكتاب﴾
(٧٠) - وَهَؤُلاَءِ المُبْطِلُونَ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي الحَقِّ بِالبَاطِلِ هُمُ الذِينَ كَذَّبُوا بِالقُرْآنِ، وَبِجَمِيعِ مَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا مِنْ إِخْلاَصِ العِبَادَةِ للهِ، وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ مَا يَكُونَ عَلَيْهِ مَصِيرُهُمْ فِي الآخِرَةِ.
﴿الأغلال﴾ ﴿أَعْنَاقِهِمْ﴾ ﴿السلاسل﴾
(٧١) - إِذ تُجْعَلُ الأَغْلاَلُ والسَّلاَسِلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَيُسْحَبُونَ بِهَا يُسْحَبُونَ - يُجَرُّونَ.
الأَغْلاَلُ - القُيُودُ.
(٧٢) - وَيُسْحَبُونَ بالسَّلاَسِلِ فِي النَّارِ، والأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ، ثُمَّ تُمْلأُ بِهِم النَّارُ لِيَكُونُوا وَقُوداً لَهَا.
سُجِرَ التَّنورُ - أُضْرِمَ فِيهِ النَّارُ.
(٧٣) - ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ والتَّوْبِيخِ: أَيْنَ الأَصْنَامُ التِي كُنْتُمْ تُشْرِكُونَهَا فِي العِبَادَةِ مَعَ اللهِ؟
﴿نَّدْعُواْ﴾ ﴿الكافرين﴾
(٧٤) - وَأَيْنَ المَعْبُودَاتُ التِي كُنْتُمْ تَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللهِ فَادْعُوهُمْ لِيُنْقذُوكُمْ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ البَلاَءِ والعَذَابِ؟ فَيَردُّونَ قَائِلِينَ: إِنَّهُمْ غَابُوا عَنْهُمْ، وَلاَ يَعْرِفُونَ لَهُمْ مَكَاناً، وَلاَ يَرْجُونَ مِنْهُمْ نَفْعاً، ثُمَّ يَجْحَدُونَ عِبَادَتَهُم الأَصْنَامَ، وَيَقُولُونَ إِنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يَكُونُوا يَدْعُونَ آلهَةً أُخْرَى غَيْرَ اللهِ. وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ والله رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ (وَقِيلَ أَيْضاً إِنَّ المَعْنَى هُوَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَدعُونَ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا شَيئاً يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الأَرْبَابِ) وَهَكَذَا يُضِلُّ اللهُ الكَافِرِينَ، فَلاَ يَنْتَفِعُونَ بِشَيءٍ مِنْ أَعْمَالِهِمْ.
(٧٥) - وَيُقَالُ لَهُمْ إِنَّ هَذَا الذِي أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ العَذَابِ والنّكَالِ، هُوَ جَزَاءٌ لَكُمْ عَلَى فَرحِكُمْ فِي الدُّنْيَا بِغَيْرِ الحَقِّ، وَمَرَحِكُمْ وَإِشْرَاكِكُمْ فِيهَا، وَتَمَتُّعِكُمْ بِاللَّذَّاتِ.
تَفرحُونَ - تَبْطَرُونَ.
تَمْرَحُونَ - تَخْتَالُونَ كِبَراً وَبَطَراً.
﴿اأَبْوَابَ﴾ ﴿خَالِدِينَ﴾
(٧٦) - فَادْخُلُوا الآنَ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ لِتقِيمُوا فِيهَا خَالدِينِ أَبْداً، وَبِئْسَ جَهَنَّمُ مَنْزِلاً وَمُقَاماً لِلْمُتَكَبِّرِينَ عَلَى اللهِ فِي الدُّنْيَا.
مِثْوَى المُتَكَبِّرِينَ - مَأْوَاهُمْ وَمَقَامُهُمْ.
(٧٧) - يَأْمُرُ اللهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِالصَّبْرِ عَلَى تَكْذِيبِ مَنْ كَذَّبَ مِنْ قَوْمِهِ، فَإِنَّ اللهَ سَيُنْجِزُ وَعْدَهُ، وَسَيُظْهِرُهُ بِأَعْدَائِهِ، وَسَيُنْزِلُ العِقَابَ بِالمُكَذِّبِينَ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ. ثُمَّ يَقُولُ لَهُ: إِمَّ أَنْ يُرِيَهُ فِي حَيَاتِهِ بَعْضَ الذِي يَعِدُهُمْ مِنَ العَذَاب والنَّقْمَةِ، كَالقَتْلِ والأَسْرِ فِي بَدْرٍ، فَذَلِكَ مَا يَسْتَحِقُّونَهُ، وَإِمَّا أَنْ يَتَوَفَّاهُ اللهُ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ بِهِم عُقُوبَتَهُ وَعَذَابَهُ فَإِنَّهُ سَيُعَاقِبُهُمْ فِي الآخِرَةِ عِقَاباً شَدِيداً حِينَمَا يُرْجَعُونَ إِلَيهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
﴿بِآيَةٍ﴾
(٧٨) - يَقُولُ اللهُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ﷺ: إِنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَرْسَلَ قَبْلَهُ رُسُلاً إِلَى أَقْوَامِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ اللهُ لَهُ أَخْبَارَهُمْ فِي القُرْآنِ وَهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَقْصُصِ اللهُ أَخْبَارَهُمْ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ.
(وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ رَضِيَ اللهَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ كُمْ عَدَدُ الأَنْبِيَاءِ؟ قَالَ مِئَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفاً، الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلاَثُمِئَةٍ وَخَمْسَةََ عَشَرَ جَمّاً غَفِيراً "). (رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ).
وَلَمْ يَكُنْ لأِحَدٍ مِنَ الرًّسُلِ أَنْ يَأْتِيَ قَوْمَهُ بِمُعْجِزَةٍ إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ بِذَلِكَ، فَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمُ بِهِ. فَإِذَا نَزَلَ عَذَابُ اللهِ وَنَكَالُهُ بِالمُكَذِّبِينَ قُضِيَ بِالحَقِّ وَالعَدْلِ. فَيُنَجِّي اللهُ رُسُلَهُ والمُؤْمِنِينَ مَعَهُمْ، وَيُهْلِكُ الكَافِرِينَ الذِينَ افْتَرَوْا عَلَى اللهِ كَذِباً.
﴿الأنعام﴾
(٧٩) - يَمْتَنُّ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا خَلَقَ لَهُمْ مِنَ الأَنْعَامِ، وَهِيَ الإِبْلُ والبَقَرُ والغَنَمُ والمَاعِزُ، فَيَأْكُلُونَ مِنْ لُحُومِهَا، وَيَرْكَبُونَ عَلَى الإِبلِ مِنْهَا وَيَحْمِلُونَ أَثْقَالَهُمْ.
﴿مَنَافِعُ﴾
(٨٠) - وَلَهُمْ فِيهَا مَنِافِعُ أُخْرَى فَيَسْتَفِيدُونَ مِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا فِي صُنْعِ مَلاَبِسِهِمْ وَأَثَاثِهِمْ وَفُرُشِهِمْ وَخِيَامِهِمْ.. وَيَشْرَبُونَ مِنْ أَلْبَانِهَا وَيَسْتَفِيدُونَ مِنْ جُلُودِهَا، وَيَتَبَاهَوْنَ بِهَا وَيَتَفَاخَرُونَ، وَيُسَرُّونَ مِنْ مَنْظَرِهَا حِينَ تَذْهَبُ إِلَى المَرَاعِي صَبَاحاً، وَحِينَ تَرْجعُ مَسَاءً شَبْعَى رَيَّاً كَقَوْلِهِ تَعَالَى. ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ وَيَنْتَقِلُونَ هُمْ وَأَحْمَالُهُمْ وَأَثْقَالُهُمْ عَلَى الإِبِلِ، إِلَى الأَمَاكِنِ البَعِيدَةِ انْتِجَاعاً لِلْكَلأِ، أَوْ سَعْياً وَرَاءَ العَمَلِ والتِّجَارَةِ.
حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ - أَمْراً ذَا بَالٍ تَهْتَمُونَ بِهِ.
﴿آيَاتِهِ﴾ ﴿آيَاتِ﴾
(٨١) - وَيُرِيكُمُ اللهُ آيَاتِهِ وَحُجَجَهُ الدَّالَةَ عَلَى وُجُودِهِ، وَوحْدَانِيَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ، فَأَيّاً مِنْهَا تُنْكِرُونَ، وَبِأَيِّهَا تَعْتَرِفُونَ، وَهِيَ ظَاهِرَةٌ بَادِيَةٌ لِلْعَيَانِ، لاَ سَبِيلَ إِلَى جُحُودِهَا.
﴿عَاقِبَةُ﴾ ﴿آثَاراً﴾
(٨٢) - أَفَلَمْ يَسِرْ هَؤُلاَءِ المُكَذِّبُونَ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فِي الأَرْضِ فَيَرَوْا فِي البَلاَدِ التِي مَرُّوا بِهَا مَا حَلَّ بِالذِينَ كَذَّبُوا قَبْلَهُمْ رُسُلَ اللهِ مِنَ الأُمَمِ البَائِدَةِ: عَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ لُوطٍ وَأَصْحَابِ الأَيْكَةِ.. وَكَيْفَ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ، وَأَبَادَ خَضْرَاءَهُمْ، فَلَمْ يُبْقِ لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ، وَكَانَ هَؤُلاَءِ السَّالِفُونَ أَكْثَرَ قَوَّةً مِنْ قُرَيِشٍ، وَأَبْقَى أَثَراً فِي الأَرْضِ، وَأَكْثَرَ عَدَداً.. فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ كُلُّ ذَلِكَ وَلَمْ يُغِنِ عَنْهُمْ شَيئاً مِنْ بَأْسِ اللهِ حِينَمَا جَاءَهُمْ، فَهَلاَّ اعْتَبرَ مُشْرِكُو قُرْيشٍ بِذَلِكَ؟
فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ - فَمَا دَفَعَ عَنْهُمْ.
﴿بالبينات﴾ ﴿يَسْتَهْزِئُونَ﴾
(٨٣) - فَلَمَّا جَاءَ رُسُلُ اللهِ أَقْوَامَهُمْ بِالأَدِلَّةِ الوَاضِحَةِ والحُجَجِ الدَّامِغَةِ، والبَرَاهِينِ الظَّاهِرَةِ، لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَى الرُّسُلِ، وَلَمْ يَأْخُذُوا بِمَا أَتَوْهُمْ بِهِ، وَاسْتَغْنُوَا عَمَّا جَاءَهُمْ بِهِ الرُّسُلُ، بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ العَقَائِدِ الزَّائِفَةِ، وَالشَّبَهِ الدَّاحِضَةِ، وَهُمْ يَظُنُّونَهَا عِلْماً نَافِعاً، فَفَرِحُوا بِهَا، فَنَزَلَ بِهِمْ عَذَابُ اللهِ، وَأَحَاطَ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَهذَا العَذَابُ هُوَ مَا كَانُوا يَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ.
مِنَ العِلْمِ - مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مِنَ العَقَائِدِ الزَّائِفَةِ.
حَاقَ بِهِمْ - أَحَاطَ بِهِمْ أَوْ نَزَلَ بِهِمْ.
﴿اآمَنَّا﴾
(٨٤) - فَلَمَّا عَايَنُوا عَذَابَ اللهِ النَازِلَ بِهِمْ قَالُوا: آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَكَفَرْنَا بِتِلْكَ المَعَبُودَاتِ البَاطِلَةِ التِي لاَ تَمْلِكُ لِنَفْسِهَا وَلا لِعَابِديهَا نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً.
رَأَوْا بَأْسَنَا - عَايَنُوا شِدَّةَ عَذَابِنَا.
﴿إِيمَانُهُمْ﴾ ﴿سُنَّتَ﴾ ﴿الكافرون﴾
(٨٥) - فَلَمْ يَنْفَعْهُمْ إِيْمَانُهُمْ حِينَمَا عَايَنُوا العَذَابَ، وَمَضَى فِيهِمْ حُكْمُ اللهِ، وَهَذِهِ هِيَ سُنَّةُ اللهِ فِي الذِينَ سَلَفُوا مِنْ قَبْلِهِمْ، إِنَّهُ تَعَالَى لاَ يَقْبَلُ مِنَ العِبَادِ التَّوْبَةَ حِينَما يَرَوْنَ عَذَابَ اللهِ وَعِقَابَهُ؛ وَأَمْضَى فِيهِمْ حُكْمَهُ العَادِلَ بِإِبَادَتِهِمْ، وَخَسِرَ الكَافِرُونَ المُبْطِلُونَ خُسْرَاناً مُبِيناً.
خَلَتْ - مَضَتْ.
Icon