تفسير سورة الزخرف

معاني القرآن للفراء
تفسير سورة سورة الزخرف من كتاب معاني القرآن للفراء المعروف بـمعاني القرآن للفراء .
لمؤلفه الفراء . المتوفي سنة 207 هـ

وقوله: مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ، وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً (٥٢).
يعني التنزيل، وقال بعضهم: أراد القرآن والإيمان، وجاز أن يَقُولُ «١» : جعلناه لاثنين لأن الفعل فِي كثرة أسمائه يضبطه الفعل، ألا ترى أنك تَقُولُ: إقبالك وَإِدبارك يغمني، وهما اثنان فهذا من ذلك.
ومن سورة الزخرف
قوله عزَّ وجلَّ: أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ (٥).
قَرَأَ الْأَعْمَش: «إن كنتم» بالكسر، وقرأ عاصم والحسن «٢» :«ان كنتم» بفتح (أن) [١٦٩/ ١]، كأنهم أرادوا شيئًا ماضيًا، وأنت تَقُولُ فِي الكلام: أأسُبَّك أن حرمتني؟ تريد إذ حرمتني، وتكسر إِذا أردت أأسبك إن حرمتني «٣»، ومثله: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ» «٤» تكسر (إن) وتفتح «٥».
ومثله: «فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ» «٦» «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «٧»، و «إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا» «٨»، والعرب تنشد قول الفرزدق.
أتجزع إن أذنا قُتَيْبَة حزتا جهارًا، ولم تجزع لقتل ابْنُ خازم؟ «٩»
(١) فى ب، ش: أن تقول:
(٢) اختلف فى «ان كنتم» فنافع وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف بكسر الهمزة على أنها شرطية، وإن كان إسرافهم محققا على سبيل المجاز، وجوابه مقدر يفسره: أفتضرب أي إن أسرفت نترككم. وافقهم الحسن والأعمش، والباقون بالفتح على العلة مفعولا لأجله أي: لأن كنتم (الاتحاف ٣٨٤).
(٣) فى ب إن تحرمنى.
(٤) سورة المائدة آية ٢.
(٥) ابن كثير وأبو عمرو بكسر الهمزة على أنها شرطية، والباقون بالفتح على أنها علة للشنآن (الاتحاف ١٩٨).
(٦) الكهف الآية ٦.
(٧) سقط فى ح: إن لم يؤمنوا.
(٨) فى ش: ولم يؤمنوا.
(٩) انظر الخزانة ٣/ ٦٥٥ وفى شرح شواهد المغني ١/ ٨٦. تغضب بدل تجزع فى الشطرين.
وَأنشدوني:
أتجزع أن بان الخليط المودّع وحبل الصَّفَا من عزة المتقطع؟ «١»
وفي كل واحد من البيتين ما فِي صاحبه من الكسر والفتح، وَالعرب تَقُولُ: قَدْ أضربت عنك، وَضربت عنك إِذا أردت بِهِ: تركتك، وَأعرضت عنك.
وقوله: لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ (١٣).
يَقُولُ القائل: كيف قَالَ: «عَلَى ظهوره»، فأضاف الظهور إلى واحد؟
يُقال لَهُ: إن ذَلِكَ الواحد فِي معنى جمع بمنزلة الجند والجيش والجميع، فإن قَالَ:
فهلا قلت: لتستووا عَلَى ظهره «٢»، فجعلت الظهر واحدًا إِذَا أضفته إلى واحد؟
قلت: إن الواحد فِيهِ معنى الجمع، فرددت الظهور «٣» إلى المعنى ولم تقل: ظهره، فيكون كالواحد الَّذِي معناه ولفظه واحد، فكذلك تقول: قد كثرت نساء الجند، وقلت: ورفع الجند أعينه ولا تقل «٤» عينه. وكذلك كل ما أضفت إِلَيْه من الأسماء الموضوعة، فأَخْرِجها عَلَى الجمع، فإذا أضفت إِلَيْه اسما فِي معنى فعل جاز جمعه وتوحيده مثل قولك: رفع الجند صوته وأصواته أجود، وجاز هَذَا لأن الفعل لا صورة لَهُ فِي الاثنين إلا كصورته فِي الواحد.
وقوله: وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣).
مطيقين، تَقُولُ «٥» للرجل: قَدْ أقرنتَ لهذا أي أطقتَه، وصرتَ لَهُ قرِنا.
وقوله: ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا (١٧).
الفعل للوجه، فلذلك نصبت الفعل، ولو جعلت «ظلّ» للرجل رفعت الوجه والمسود، فقلت:
ظل وجهه مسودّ وهو كظيم.
(١) انظر معانى القرآن ٢/ ١٣٤ وفى ش: أتجزع بأن الخليط، وهو خطأ.
(٢) فى ش: لتستروا ظهوره، تصحيف.
(٣) فى ش الظهر، تحريف.
(٤) فى (ب) ولا يقال، وفى ش ولم تقل. [.....]
(٥) فى (ا) يقول:
28
وقوله «١» : أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ (١٨).
يريد الإناث، يَقُولُ: خصصتم الرَّحْمَن بالبنات، وأنتم هكذا إِذَا ولد لأحدكم بِنْت أصابه ما وصف، فأما قوله: «أومن» فكأنه قَالَ: ومن لا ينشأ «٢» إلّا فِي الحلية وهو فِي الخصام غير مبين، يَقُولُ:
لا يبلغ من الحجة ما يبلغ الرجل، وفى قراءة عبد الله: «أومن لا ينشّؤا إلّا فى الحلية»، فإن شئت [١٦٩/ ب] جعلت «مَن» فِي موضع رفع «٣» عَلَى الاستئناف، وإن شئت نصبتها «٤» عَلَى إِضمار فعل يجعلون ونحوه، وإن رددتها عَلَى أول الكلام على قوله: «وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ» خفضتها [وإن شئت نصبتها] «٥»، وقرأ يَحْيَى بْن وثاب وأصحاب عَبْد اللَّه والحسن الْبَصْرِيّ: «يُنَشَّأُ»، وقرأ عاصم وأهلُ الحجاز: يَنْشَأُ «٦» فِي الحلية:
وقوله: عِبادُ الرَّحْمنِ (١٩).
قرأها عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود وعلقمة، وأصحاب عَبْد اللَّه: «عباد الرَّحْمَن»، وذكر [عنْ] «٧» عُمَر (رحمه اللَّه) أَنَّهُ قرأها: «عند الرَّحْمَن»، وكذلك عاصم، وأهل الحجاز»
، وكأنهم أخذوا «٩» ذَلِكَ من قوله: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ» «١٠»، وكل صواب.
وقوله «١١» : أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ (١٩).
(١) فى ب، ش: ثم قال.
(٢) فى ش: ومن لا تنشأ.
(٣) فى ح: جعلتها فى موضع رفع.
(٤) فى ش: جعلتها.
(٥) التكملة من ب، ح، ش.
(٦) جاء فى الاتحاف (٣٨٥) : واختلف فى «ينشأ» فحفص وحمزة والكسائي وخلف بضم الياء وفتح النون، وتشديد الشين مضارع نشأ. وعن الحسن: «يناشوا» بضم الياء والألف بعد النون، وتخفيف الشين مبنيا للمفعول، والباقون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين من نشأ لازم مبنى للفاعل.
(٧) سقط (عن) فى ح، ش.
(٨) جاء فى البحر المحيط (٨/ ١٠) : قرأ عمر بن الخطاب والحسن ونافع (عند الرحمن) ظرفا، وقرأ عبد الله وابن عباس وابن جبير وباقى السبعة (عباد الرحمن)، جمع عبد لقوله: (بل عباد مكرمون). وقرأ الأعمش:
وعباد الرحمن جمعا وبالنصب حكاها ابن خالويه.
(٩) فى ح، ش: اتخذوا.
(١٠) الأعراف الآية: ٢٠٦.
(١١) سقط فى ب، ح.
29
نصب الألف من «أشهدوا» عاصم، والأعمش، ورفعها أهل الحجاز عَلَى تأويل: أُشْهدوا خلقهم لأنه لم يسم فاعله، والمعنى واحد. قرءوا بغير همز يريدون الاستفهام «١» قَالَ أَبُو عَبْد اللَّه: كذا قَالَ الفراء.
وقوله: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ (٢٢).
قرأها القراء بضم الأَلِفِ من «أُمّة»، وكسرها مجاهد، وعمر بْن عَبْد العزيز «٢»، وكأن الإمّة مثل السنة والملة، وكأن الإمّة الطريقة: والمصدر من أممت القوم، فإن العرب تَقُولُ: ما أحسن إمته وعمّته وجِلْسته إِذَا كَانَ مصدرًا، والإمة أيضا الملك والنعيم. قَالَ عدي:
ثُمَّ بعد الفلاح والملك والإمّة وارثهم هناك القبورُ «٣»
فكأنه أراد إمامة الملك ونعيمه.
وقوله: وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (٢٢) ومُقْتَدُونَ (٢٣).
رُفعتا ولو كانتا نصبا لجاز ذَلِكَ لأنّ الوقوف يحسن دونهما، فتقول للرجل: قدمت ونحن بالأثر متبعين ومتبعون.
وقوله: إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (٢٦).
العرب تَقُولُ: نَحْنُ منك البراء والخلا، والواحد والاثنان والجميع من المؤنث والمذكر يُقال فِيهِ:
براء لأنه مصدر، ولو قال: (برىء) لقيل فِي الاثنين: بريئان، وفي القوم: بريئون وبرءاء، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه: «إنَّني برى مِمَّا تَعْبُدُون» «٤» ولو قرأها قارئ كَانَ صوابا موافقا لقراءتنا «٥» لأن العرب تكتب: يستهزىء يستهزأ فيجعلون الهمزة مكتوبة بالألف فِي كل حالاتها. يكتبون شيء شيأ ومثله كَثِير في مصاحف عبد الله، وفى مصحفنا: ويهيىء لكم، ويهيأ بالألف.
(١) جاء فى المحتسب ٢/ ٢٥٤: أشهدوا بغير استفهام قراءة الزهري. وانظر بقية كلامه هناك.
(٢) قرأ الجمهور «أمة» بضم الهمزة وقرأ عمر بن عبد العزيز ومجاهد وقتادة والجحدري بكسر الهمزة وهى.
الطريقة الحسنة لغة فى الأمة بالضم، قاله الجوهري.
وقرأ ابن عباس أمة بفتح الهمزة أي على قصد وحال (البحر المحيط ٨/ ١١). [.....]
(٣) انظر الأغانى ٢/ ٩٧ واللسان ١٢/ ٢٣ مادة أمم.
(٤) برىء بكسر الراء بعدها ياء فهمزة لغة نجد، ويثنى ويجمع، ويؤنث، والجمهور: إننى براء (الإتحاف ٣٨٥)، وهى لغة العالية (البحر المحيط ٨- ١١).
(٥) فى ب، ح، ش ولو قرأها قارئ لكان موافقا لقراءتنا.
وقوله: [١٧٠/ ١] وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ (٢٨).
اسم الْإِسْلَام، يَقُولُ لازمة لمن اتبعه، وكان من وَلَدِه، لعل أهل مكَّة يتبعون هَذَا الدين إِذَا كانوا من ولد إِبْرَاهِيم صَلَّى الله عليه، فذلك قوله: «لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» إلى دينك ودين إِبْرَاهِيم صَلَّى اللَّهُ عليهما.
وقوله: لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١).
ومعناه: عَلَى أحد رجلين عنَى نفسه، وأبا مَسْعُود الثقفي، وقال هَذَا الوليدُ بْن المغيرة المخزومي، والقريتان: مكَّة والطائف.
وقوله: وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ (٣٢).
فرفعنا المولى فوق عبده، وجعلنا بعضهم يسبي بعضا، فيكون العبد والذي يُسْبَى مسخَّرين لمن فوقهما.
وقوله: لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا (٣٢)، و «سخريّا» وهما واحد هاهنا وفي:
«قَدْ أَفْلَحَ» «١»، وفي ص- سواء «٢» الكسر فيهن والضم لغتان «٣».
وقوله: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً (٣٣).
أن فِي موضع رفع.
وقوله لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ (٣٣).
إن شئت جعلت اللام مكررة فِي لبيوتهم، كما قال: «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ» «٤»، وإن شئت جعلت اللامين مختلفتين كأنّ الثانية فِي معنى عَلَى كأنه قَالَ: لجعلنا لهم عَلَى بيوتهم سقفًا، وتقول للرجل فِي وجهه: جعلت لَكَ لقومك الأعطية، أي جعلته من أجلك لهم.
(١) فى قوله تعالى: «فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا» الآية ١١٠.
(٢) فى قوله تعالى: «أَتَّخَذْناهُمْ سِخْرِيًّا أَمْ زاغَتْ عَنْهُمُ الْأَبْصارُ» الآية ٦٣.
(٣) قرأ الجمهور «سخريا» بضم السين، وعمرو بن ميمون، وابن محيصن، وابن أبى ليلى، وأبو رجاء، وابن عامر بكسرها (البحر المحيط ٨/ ١٣).
(٤) سورة البقرة الآية ٢١٧.
و (السُّقُف) قرأها عاصم والأعمش والحسن «سُقُفًا» وإن شئت جعلت واحدها سقيفة، وإن شئت جعلت سقوفا، فتكون «١» جمع الجمع كما قَالَ الشَّاعِر:
حَتَّى إِذَا بلت حلاقيم الحُلُق «٢» أهوى لأدْنى فقرة عَلَى شفق
ومثله قراءة من قَرَأَ «كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ» «٣»، وهو جمع «٤»، وواحده ثمار، وكقول من قَرَأَ:
«فَرُهُنٌ «٥» مَقْبوضَة» «٦» واحدها رهان ورهون. وقرأ مجاهد وبعض أهل الحجاز «سَقْفًا» كالواحد مخفف لأن السَّقف مذهب الجماع «٧».
وقوله: وَزُخْرُفاً (٣٥).
وهو الذهب، وجاء فِي التفسير نجعلها لهم من فضة ومن زخرف، فإذا ألقيت من الزخرف نصبته عَلَى الفعل توقعه عَلَيْهِ أي وزخرفا، تجعل ذَلِكَ لهم مِنْهُ، وقال آخرون: ونجعل لهم مَعَ ذَلِكَ ذهبا وغنى مقصور «٨» فهو أشبه «٩» الوجهين بالصواب.
وقوله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ (٣٦).
يريد: ومن يعرض عَنْهُ، ومن قرأها: «ومن يَعْشَ عنْ» يريد «١٠» : يَعْمَ عَنْهُ.
وقوله: وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ (٣٧).
يريد الشيطان وهو فى [١٧٠/ ب] مذهب جمع، وإن كَانَ قَدْ لفظ بِهِ واحدا يَقُولُ: وإن الشياطين ليصدونهم عَنِ السبيل ويحسبون هم «١١» أنهم مهتدون.
(١) فى ب، ش: فيكون.
(٢) فى ش: الخلق.
(٣) سورة الأنعام آية ١٤١.
(٤) قرأ من ثمرة. بضم الثاء والميم حمزة والكسائي وخلف (الإتحاف ٢١٦).
(٥) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم الراء والهاء من غير ألف جمع (الإتحاف ١٦٧).
(٦) سورة البقرة ٢٨٣.
(٧) فى ب، ش: يذهب مذهب الجماع. [.....]
(٨) سقط فى ب، ح لفظ (مقصور).
(٩) فى ب، ش: وهو.
(١٠) جاء فى تفسير الطبري ح ٢٥، ص ٣٩: وقد تأوله بعضهم بمعنى: ومن يعم، ومن تأول ذلك كذلك فيجب أن تكون قراءته «ومن يعش» بفتح الشين، (وهى قراءة يحيى بن سلام البصري كما فى البحر المحيط ٨/ ١٦).
(١١) رسمت فى ش: يحسبونهم.
32
وقوله: حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ «١» (٣٨).
فيقال: (جاءنا) لأحدهما، وجاءنا الإنسي وقرينه، فقرأها جاءانا بالتثنية عاصم والسُّلَمي والحسن وقرأها أصحاب عبد الله يحيى بن وثاب وإبراهيم بن يزيد النخعي (جاءنا) على التوحيد «٢»، وهو ما «٣» يكفي واحده من اثنيه، ومثله قراءة من قرأ (كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ «٤»، يقول: ينبذ هو وماله، (ولَيُنْبَذَنَّ) والمعنى واحد.
وقوله: يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ (٣٨).
يريد: ما بين مشرق الشتاء ومشرق الصيف، ويقال: إنه أراد المشرق والمغرب «٥» : فقال المشرقين، وهو أشبه الوجهين بالصواب لأن العرب قد تجمع الاسمين على تسمية أشهرهما، فيقال:
قد جاءك الزهدمان، وإنما أحدهما زهدم «٦»، قال «٧» الشاعر:
أخذنا بآفاق السماء عليكمُ لنا قمراها والنجوم الطوالع»
يريد: الشمس والقمر «٩».
وقال الآخر:
قسموا البلاد فما بها لمقيلهم تضغيث مفتصل يباع فصيله «١٠»
فقرى العراق مسير يوم واحد فالبصرتان فواسط تكميله
يريد: البصرة والكوفة.
(١) لم يثبت فى ح، ش (بعد المشرقين).
(٢) جاء فى الاتحاف ٣٨٦: واختلف فى «جاءنا» فنافع وابن كثير وابن عامر وأبو بكر وأبو جعفر بألف بعد الهمزة على التثنية، وهما العاشى وقرينه، وافقهم ابن محيصن، والباقون بغير ألف والضمير يعود على لفظ من وهو العاشى.
(٣) فى ب، ح مما.
(٤) سورة الهمزة الآية ٤، وجاء فى تفسير الطبري ٣٠/ ١٦٣: وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ:
«كلا لينبذان فى الحطمة»، يعنى هذا الهمزة اللمزة وما له فثناه لذلك.
(٥) سقط فى ب.
(٦) الزهدمان: أخوان من بنى عبس، قال ابن الكلبي: هما زهدم وقيس ابنا حزن ابن وهب بن عوير... وهما اللذان أدركا حاجب بن زرارة يوم جبلة ليأسراء فغلبهما عليه مالك ذو الرقيبة القشيري... وهناك معان أخرى لهما (انظر اللسان مادة زهدم).
(٧) فى ب، ش وقال.
(٨) البيت للفرزدق انظر الكامل ١/ ١٤٣، وتفسير القرطبي ١٦/ ٩١.
(٩) ساقط فى ش: يريد الشمس والقمر.
(١٠) البيت الثاني ساقط فى ش والمفتصل: الذي يفتصل المولود، أي يفطمه. [.....]
33
قال، وأنشدنى رجل من طيىء:
فبصرة الأزد منا، والعراق لنا والموصلان ومنا مصر فالحرم
يريد: الجزيرة، والموصل.
وقوله: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩).
يقول: لن ينفعكم اشتراككم يعني [الشيطان] «١» وقرينه. وأنكم في موضع رفع.
وقوله: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ (٤٤).
لَشَرف لك ولقومك، يعني: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه.
وقوله «٢» : وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ (٤٥).
يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل «٣» رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان:
أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها، فإذا [سأل] «٤» الكتب فكأنه سأل الأنبياء «٥».
وقال «٦» بعضهم: إنه سيسرى بك يا محمد فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم «٧».
وقوله [١٧١/ ا] : أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥).
قال: (يُعبدَون) للآلهة، ولم يقل: تعبد «٨» ولا يُعْبَدن، وذلك أن الآلهة تُكلَّم ويدعى لها وتعظَّم، فأُجريت مُجرى الملوك والأمراء وما أشبههم.
(١) زيادة من ب، ح، ش.
(٢) سقط فى ب، ش.
(٣) فى ب يسل، تحريف.
(٤) سقط فى ح، ش.
(٥) فى البحر المحيط ٨/ ١٨ قال الفراء: هم إنما يخبرونه عن كتب الرسل فإذا سألهم فكأنه سأل الرسل.
(٦) فى (ا) وقد بعضهم وهو خطأ
(٧) فى ش ولم يسألهم.
(٨) فى (ا) يعبد، تحريف.
وقوله: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها (٤٨).
يريد: من الآية التي مضت قبلها.
وقوله: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ (٥٢).
من الاستفهام الذي جعل بأم لاتصاله بكلام قبله، وإن شئت رددته على قوله: «أَلَيْسَ لى ملك مصر» (٥١).
[حدثنا محمد قال] «١» حدثنا الفراء قال: وقد أخبرني بعض المشيخة أظنه الكسائي: أنه بلغه أن بعض القراء قرأ: «أَمَا أنا خير»، وقال لي هذا الشيخ: لو حفظت الأثر فيه لقرأت به، وهو جيد في المعنى «٢».
وقوله: فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أساورة من ذهب (٥٣).
يريد: فهلا ألقي عليه أساورة من ذهب «٣»، قرأها يحيى بن وثاب «أساورة من ذهب» «٤»، وأهل المدينة، وذكر عَنِ الحسن: (أَسْوِرَةٌ) «٥»، وكل صواب.
ومن قرأ: «أساورة»، جعل واحدها إسوارا، ومن قرأ: «أَسْوِرَةٌ» فواحدها سوار، وقد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع: الأسقية: أساقي «٦»، وفي جمع الأَكرُع: أكارع «٧».
وقوله: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ (٥٤) يريد: استفزهم.
وقوله: فَلَمَّا آسَفُونا (٥٥) يريد: أغضبونا.
(١) زيادة فى ب.
(٢) قال الطبري فى تفسيره (ح ٢٥/ ٤٤) تعليقا على هذه القراءة: ولو كانت هذه القراءة قراءة مستفيضة فى قراءة الأمصار لكانت صحيحة، وك معناها حسنا غير أنها خلاف ما عليه قراء الأمصار فلا أستجيز القراءة بها.
(٣) سقط فى ح، ش: من ذهب.
(٤) سقط فى ا، ح، ش: من ذهب.
(٥) قال فى الإتحاف ص: ٣٨٦: واختلف فى أسورة، فحفص ويعقوب بسكون السين بلا ألف جمع سوار كأخمرة وخمار، وافقهما الحسن وهو جمع قلة، وعن المطرعى بفتح السين وألف ورفع الراء من غير تاء. والباقون كذلك لكن بفتح الراء وبتاء التأنيث على جعل جمع الجمع كأسقية وأساقى، أو جمع أساور بمعنى سوار والأصل أساوير عوض عن الياء تاء التأنيث كزنادقة.
(٦) فى ب: الأساقى: [.....]
(٧) فى ب: الأكارع. وواحد الأكرع كراع. وهو من الإنسان: ما دون الركية من مقدم الساق.
35
وقوله: فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً (٥٦).
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «١» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي القاسم بن مَعْن عَن الْأَعْمَش عَن يَحْيَى بْن وثاب أَنَّهُ قرأها: (سُلُفا) مضمومة مثقلة، وزعم القاسم [ابن معن] «٢» أَنَّهُ سَمِعَ واحدها سليف، والعوام بعد يقرءون: (سلف) «٣».
[حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ] «٤» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَان بْن عيينة أن الأعرج قرأها: (فجعلناهم سُلُفا) كأن واحدته سُلفة من النَّاس أي قطعة من النَّاس مثل أمّة «٥».
وقوله مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧).
[حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ] «٦» حَدَّثَنَا الْفَرَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْر بْن عياش عنْ عاصم: أَنَّهُ ترك يَصُدون من قراءة أَبِي عَبْد الرَّحْمَن، وقرأ يصِدون. (قَالَ الْفَرَّاءُ) «٧»، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ عَنْ أَبِي رَزِينٍ عَنْ أَبِي يحيى: أن ابن عباس [١٧١/ ب] قرأ: (يصدون) أي: يضجون يَعِجِّونَ «٨».
وفي حديث آخر: أن ابْنُ عَبَّاس لقي ابْنُ أخي عُبَيْد بْن عمير «٩» فَقَالَ: ان ابن عمك «١٠» لعربى
(١) ما بين المعقوفتين زيادة فى ش.
(٢) الزيادة من ب، ح، ش.
(٣) جاء فى تفسير الطبري ٨/ ٢٣. قرأ الجمهور «سلفا».. وقرأ أبو عبد الله وأصحابه وآخرون منهم حمزة والكسائي: «سلفا» جمع سليف وهو الفريق.
(٤) ما بين الحاصرتين زيادة من ح، ش.
(٥) قريب من هذا جاء فى تفسير الطبري. ٨/ ٢٣
(٦) ما بين الحاصرتين زيادة فى ب.
(٧) سقط (قال الفراء) فى ح، ش وفى ب: وقال وسمعت الفراء.
(٨) جاء فى تفسير الطبري: ٢٥/ ٤٦: اختلف الفراء فى قراءة قوله: يصدون، فقرأته عامة قراء المدينة وجماعة من قراء الكوفة «يصدون» بضم الصاد، وقرأ ذلك بعض قراء الكوفة والبصرة «يصدون» بكسر الصاد.
(٩) هو عبيد بن عمير بن قتادة أبو عاصم الليثي المكي العاص ذكر ثابت البناني أنه قص على عهد عمر رضى الله عنه، وردت عنه الرواية فى حروف القرآن، وروى عن عمر بن الخطاب، وأبى بن كعب، وروى عنه مجاهد وعطاء وعمرو بن دينار. قال مسلم: ولد فى زمن النبي صلى الله عليه وسلم، قال مجاهد: كنا نفخر على الناس بأربعة: بفقيهنا، وبقارئنا، وبقاضينا، ومؤذننا.. ففقيهنا: ابن عباس، وقارثنا عبد الله بن السائب، وقاضينا عبيد بن عمير، ومؤذننا أبو محذورة، مات سنة أربع وسبعين (طبقات القراء ١/ ٤٩٦).
(١٠) فى ح، ش: أن عمك، سقط.
36
فما لَهُ يلحن فِي قوله: (إِذَا قومك مِنْهُ يصُدون) إنَّما هِيَ يصِدون، العرب تَقُولُ: يصِد ويصُد «١» مثل: يشِد ويشُد، وينِم وينُم من النميم. يصدون مِنْهُ وعنه سواء.
وقوله: وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ (٦١) وفي قراءة أُبَيّ: «وَإِنَّهُ لذكر للساعة»، وَقَدْ روى عَنِ ابْنِ عَبَّاس: «وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ «٢» لِلسَّاعَةِ» و (عِلْمٌ) جميعًا، وكلٌّ صواب متقارب فِي المعنى.
وقوله: يَا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ «٣» (٦٨).
وهي في قراءة أهل المدينة: «يا عبادي». بإثبات الياء، والكلام وقراءة العوام على حذف الياء.
وقوله: وَأَكْوابٍ (٧١).
والكوب: المستدير الرأس الذي لا أذن له، قال عدي:
خيرٌ لها إن خشيت حجرة... من ربِّها زيدِ بن أيوبِ
متكئا تصفق أبوابه... يَسِقي عليه العبد بالكوب
وقوله: تَشْتَهِي الأَنْفُس (٧١)، وفي مصاحف «٤» أهل المدينة: تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ».
وقوله: لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) فى العذاب.
وفى قراءة عبد الله: (وهم فيها مبلسون)، ذهب إلى جهنم، والمبلس: القانط اليائس من النجاة «٦».
وقوله: وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦).
جعلت (هم) هاهنا عمادًا، فنصب الظالمين، ومن جعلها اسمًا رفع، وهي فِي قراءة عَبْد اللَّه:
(ولكن كانُوا هم الظّالمون).
(١) هما لغتان مثل يعرشون. وينمون (القرطبي ١٦/ ١٠٣) وانظر اللسان مادة صذد.
(٢) لعلم وهى أيضا قراءة أبى هريرة وقتادة ومالك بن دينار والضحاك أي أمارة (القرطبي ١٦/ ١٠٥).
(٣) لم يثبت فى ب، ح، ش: (عليكم اليوم). [.....]
(٤) فى ح ش مصحف.
(٥) قرأ أهل المدينة وابن عامر وأهل الشام: تشتهيه، والباقون تشتهى: أي تشتهيه تقول: الذي ضربت زيد أي الذي ضربته زيد (القرطبي ١٦/ ١١٤).
(٦) والساكت من الحزن أو الخوف، والانكسار (اللسان).
وقوله: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً (٧٩).
يريد: أبرموا أمرًا ينجيهم من عذابنا عند أنفسهم، فإنا مبرمون معذبوهم.
وقوله: وَقِيلِهِ يَا رَبِّ (٨٨).
خفضها عاصم والسلمي وحمزة وبعض أصحاب عبد الله، ونصبها أهل المدينة والحسن فيما أعلم «١» فمن خفضها قال: «عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ» وعلم «قيله يا رب». ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال:
وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهى فى إحدى القراءتين [١٧٢/ ا]. قال الفراء «٢» :«٣» لا أعلمها إلا في قراءة أبي، لأني رأيتها في بعض مصاحف عبد الله [على] «٤» وقيله، ونصبها أيضًا يجوز «٥» من قوله: «نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ»، ونسمع قيله، ولو قال قائل: وقيلُه رفعا كان جائزا، كما تقول:
ونداؤه هذه الكلمة: يا رب، ثم قال: «فَاصْفَحْ عَنْهُمْ»، فوصله بدعائه كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩).
رفع سلام بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان: وقل سلامًا كان صوابًا، كما قال: «قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ» «٦».
(١) قرأها السلمى وابن وثاب والأعمش «وقيله» بالخفض، وخرج على أنه عطف على الساعة أو على أنها واو القسم، والجواب محذوف أي لينصرن أو لأفعلن بهم ما أشاء.
وقرأ الأعرج وأبو قلابة ومجاهد والحسن وقتادة ومسلم بن جندب: «وقيله» بالرفع، وخرج على أنه معطوف على «عِلْمُ السَّاعَةِ» على حذف مضاف، أي: وعلم قيله حذف، وأقيم المضاف إليه مقامه. والزمخشري تعليق على هذا الرأى (انظر البحر المحيط ٨/ ٣٠).
(٢) فى ب: وقال قال الفراء.
(٣) فى ح، ش «ولا».
(٤) الزيادة من ب، ح، ش.
(٥) فى ب، ش يجوز أيضا.
(٦) سورة هود الآية ٦٩.
Icon