ﰡ
قوله : عز وجل :﴿ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ ﴾.
القراء مجتمعون [ ٢١٨/ا ] على ( أُوحِيَ ) وقرأها جُوَيّة الأسدى :«قُلْ أُحِيَ إِلَيَّ » من وحيتُ، فهمز الواو ؛ لأنها انضمت كما قال :﴿ وإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ ﴾.
وقوله :﴿ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ ﴾.
ذكر : أن الشياطين لما رُجمت وحُرِست منها السماء قال إبليس : هذا نبيٌّ قد حدث، فبث جنوده في الآفاق، وبعث تسعة منهم من اليمن إلى مكة، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخلة قائما يصلي ويتلو القرآن، فأعجبهم ورقّوا له، وأسلموا، فكان من قولهم ما قد قصّه الله في هذه السورة.
وقد اجتمع القراء على كسر «إِنا » في قوله :﴿ فَقَالُواْ إِنا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَباً ﴾، واختلفوا فيما بعد ذلك، فقرءوا : وإنّا، وأَنّا إلى آخر السورة، وكسروا بعضاً، وفتحوا بعضاً.
[ حدثنا محمد قال :] حدثنا الفراء قال : وحدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أُوحي إِلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد اقتصاص أمر الجن :﴿ وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلاَ تَدْعُواْ ﴾.
وكان عاصم يكسر ما كان من قول الجن، ويفتح ما كان من الوحي. فأما الذين فتحوا كلها فإنهم ردّوا «أنَّ » في كل السورة على قوله : فآمنا به، وآمنا بكل ذلك، ففتحت «أن » لوقوع الإيمان عليها، وأنت مع ذلك تجد الإيمان يحسن في بعض ما فتح، ويقبح في بعض، ولا يمنعك ذلك من إمضائهن على الفتح، فإن الذي يقبح من ظهور الإيمان قد يحسن فيه فعلٌ مضارعٌ للإيمان يوجب فتح أنَّ كما قالت العرب.
إذا ما الغانيات بَرَزْنَ يوما | وزَجّجن الحَواجبَ والعُيونا |
فينبغي لمن كسر أن يحذف ( أنْ ) من ( لو ) ؛ لأنّ ( أنْ ) إذا خففت لم تكن في حكايةٍ، ألا ترى أنك تقول : أقول لو فعلتَ لفعلتُ، ولا تدخِل ( أنْ ).
وأما الذين كسروا كلها فهم في ذلك يقولون :﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا ﴾ فكأنهم أضمروا يمينا مع لو، وَقطعوها عن النسق على أول الكلام، فقالوا : والله أن لو استقاموا. وَالعرب تدخل أن في هذا الموضع مع اليمين وتحذفها، قال الشاعر :
فأقسمُ لو شيء أتانا رسُوله | سواك، ولكن لم نجدْ لكَ مدفَعا |
أما واللهِ أنْ لو كُنتَ حُرًّا | وما بِالحرِّ أنتَ ولا العتيقِ |
[ حدثنا أبو العباس قال :] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : حدثني أبو إسرائيل عن الحكم عن مجاهد في قوله :﴿ وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنا ﴾ قال : جلال ربنا.
الظن ها هنا : شك.
هذا من قول كفرةِ الجن قالوا : ما ندري ألخير يراد بهم فُعِل هذا أم لشر ؟ يعني : رجم الشياطين بالكواكب.
كنا فرقا مختلفةً أهواؤنا، والطريقة طريقة الرجُل، ويقال أيضا [ ١٠٩/ا ] للقوم هم طريقة قومهم إذا كانوا رؤساءهم، والواحد أيضا : طريقة قومه، وكذلك يقال للواحد : هذا نظورةُ قومه للذين ينظرون إليه منهم، وبعض العرب يقول : نظيرة قومه، ويجمعان جيمعا : نظائر.
على اليقين علمنا.
وقد قرأ بعض القراء :«أن لن تَقوَّل الإنسُ والجنُّ » ولست أسميه.
ولا ظلما.
وقوله عز وجل :﴿ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّواْ رَشَداً ﴾.
يقول : أمّوا الهدى واتبعوه.
نزلت في وليد بن المغيرة المخزومي، وذكروا أن الصَّعَدَ : صخرة ملساء في جهنم يكلَّف صعودها، فإذا انتهي إلى أعلاها حَدَر إلى جهنم، فكان ذلك دأبَه، ومثلها في سورة المدثر :﴿ سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً ﴾.
فلا تشركوا فيها صنما ولا شيئا مما يعبد، ويقال : هذه المساجد، ويقال : وأن المساجد لله، يريد : مساجدَ الرجلِ : ما يسجد عليه من : جبهته، ويديه، وركبتيه، وصدور قدميه.
[ حدثنا محمد قال :] حدثنا الفراء قال : وحدثني حِبَّان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : أُوحي إِلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد اقتصاص أمر الجن :﴿ وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلهِ فَلاَ تَدْعُواْ ﴾.
يريد : النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أتاه الجن ببطن نخلة. ﴿ كَادُواْ يَكُونُونَ عَلَيْهِ [ ١٠٩/ب ] لِبَداً ﴾ كادوا يركبون النبي صلى الله عليه رغبةً في القرآن، وشهوة له.
وقرأ بعضهم :«لُبُدا » والمعنى فيهما - والله أعلم - واحد، يقال : لُبدَةٌ، ولِبدة.
ومن قرأ :«لُبَّداً » فإنه أراد أن يجعلها من صفة الرجال، كقولك : رُكّعاً، وركوعا، وسجَّدا، وسجودا.
قرأ الأعمش وعاصم :«قُلْ إنما أدعُو ربِّي » وقرأ عامة أهل المدينة كذلك، وبعضهم :( قال )، وبعضهم :( قل ).
[ حدثنا أبو العباس قال :] حدثنا محمد قال : حدثنا الفراء قال : وحدثني محمد بن الفضل عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السُّلَمي، عن علي بن أبي طالب رحمه الله أنه قرأها :( قال إنما أَدْعُو رَبِّي ).
ملجأ ولا سرباً ألجأ إليه.
يكون استثناء من قوله :«لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم ما أرسلت به ».
وفيها وجه آخر : قل إني لن يجيرني من الله أحد إنْ لم أبلغْ رسالته، فيكون نصب البلاغ من إضمار فعل من الجزاء كقولك للرجل : إِلا قياماً فقعودا، وإلا عطاء فردا جميلا. أي إلا تفعل إلا عطاء فردا جميلا فتكون لا منفصلة من إِن وهو وجه حسن، والعرب تقول : إِن لا مال اليوم فلا مال أبدا يجعلون ( لا ) على وجه التبرئة، ويرفعون أيضا على ذلك المعنى، ومن نصب بالنون فعلى إِضمار فعل، أنشدني بعض العرب :
فإن لا مال أعطيه فإني | صديق من غُدو أو رَواح |
فإنه يطلعه على [ ١١٠/ا ] غيبه.
وقوله عز وجل :﴿ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ﴾.
ذكروا أن جبريل صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل بالرسالة إلى النبي صلى الله عليه وسلم نزلت معه ملائكة من كل سماء يحفظونه من استماع الجن الوحيَ ليسترقوه، فيلقوه إلى كهنتهم، فيسبقوا به النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك الرَّصَد من بين يديه ومن خلفه.
وقد قرأ بعضهم :«لِيُعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا » يريد : لتعلم الجنّ والإنس أن الرسلَ قد أبلغت لا هم بما رجوا من استراق السمع.