تفسير سورة يس

تفسير ابن عباس
تفسير سورة سورة يس من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس .
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَول الْبَارِي جلّ ذكره ﴿يس﴾ يَقُول يَا إِنْسَان بلغَة السريانية
﴿وَالْقُرْآن الْحَكِيم إِنَّكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَمِنَ الْمُرْسلين﴾ وَيُقَال قسم أقسم بِالْيَاءِ وَالسِّين وَالْقُرْآن الْحَكِيم وَأقسم بِالْقُرْآنِ الْمُحكم بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر وَالنَّهْي إِنَّك يَا مُحَمَّد لمن الْمُرْسلين وَلِهَذَا كَانَ الْقسم
﴿على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ ثَابت على دين قَائِم يرضاه وَهُوَ الْإِسْلَام
﴿تَنزِيلَ الْعَزِيز﴾ يَقُول الْقُرْآن تكليم الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الرَّحِيم﴾ لمن آمن بِهِ
﴿لِتُنذِرَ﴾ لتخوف بِالْقُرْآنِ ﴿قَوْماً﴾ يَعْنِي قُريْشًا ﴿مَّآ أُنذِرَ﴾ كَمَا أنذر ﴿آبَآؤُهُمْ﴾ وَيُقَال لم ينذر آبَاءَهُم قبلك رَسُول ﴿فَهُمْ غَافِلُونَ﴾ عَن أَمر الْآخِرَة جاحدون بهَا
﴿لَقَدْ حَقَّ القَوْل﴾ لقد وَجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب ﴿على أَكْثَرِهِمْ﴾ على أهل مَكَّة أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ﴾ فِي علم الله وَلَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا فَلم يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر
﴿إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْناقِهِمْ﴾ فِي أَيْمَانهم ﴿أَغْلاَلاً﴾ من حَدِيد ﴿فَهِىَ﴾ مغلولة مَرْدُودَة ﴿إِلَى الأذقان﴾ إِلَى اللحى ﴿فَهُم مُّقْمَحُونَ﴾ مغلولون وَيُقَال جَمعنَا أَيْمَانهم إِلَى الأذقان حِين أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فهم مقمحون مغلولون من كل خير محرومون
﴿وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ﴾ من أَمر الْآخِرَة ﴿سَدّاً﴾ غطاء ﴿ومِنْ خَلْفِهِمْ﴾ من أَمر الدُّنْيَا ﴿سَدّاً﴾ غطاء ﴿فَأغْشَيْنَاهُمْ﴾ أغشينا أبصار قُلُوبهم ﴿فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ﴾ الْحق وَالْهدى وَيُقَال وَجَعَلنَا من بَين أَيْديهم سداً سترا حَيْثُ أَرَادوا أَن يَرْجُمُوا النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْحِجَارَةِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة فَلم يبصروا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن خَلفهم سداً سترا حَتَّى لَا يبصروا أَصْحَابه فأغشيناهم أغشينا أَبْصَارهم فهم لَا يبصرون النبى فيؤذوه
﴿وَسَوَآءُ عَلَيْهِمْ﴾ على بني مَخْزُوم أبي جهل وَأَصْحَابه ﴿أَأَنذَرْتَهُمْ﴾ خوفتهم بِالْقُرْآنِ ﴿أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ﴾ لم تخوفهم ﴿لَا يُؤمنُونَ﴾ لَا يُرِيدُونَ أَن يُؤمنُوا وَقتلُوا يَوْم بدر على الْكفْر وَنزل من قَوْله إِنَّا جعلنَا فِي اعناقهم أغلالاً إِلَى هَهُنَا فِي شَأْن أبي جهل والوليد وأصحابهما
﴿إِنَّمَا تُنذِرُ﴾ يَقُول ينفع إنذارك يَا مُحَمَّد بِالْقُرْآنِ ﴿مَنِ اتبع الذّكر﴾ يَعْنِي الْقُرْآن وَعمل بِهِ مثل أبي بكر وَأَصْحَابه ﴿وَخشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ﴾ عمل للرحمن وَإِن كَانَ لَا يرَاهُ ﴿فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ﴾ لذنوبه فِي الدُّنْيَا ﴿وَأَجْرٍ كَرِيمٍ﴾ ثَوَاب وَحسن فِي الْجنَّة
﴿إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى﴾ للبعث ﴿وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ﴾ نَحْفَظ عَلَيْهِم مَا أسلفوا من الْخَيْر وَالشَّر ﴿وَآثَارَهُمْ﴾ مَا تركُوا من سنة صَالِحَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ أَو سنة سَيِّئَة فَعمل بهَا بعد مَوْتهمْ ﴿وَكُلَّ شيْءٍ﴾ من أَعْمَالهم ﴿أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ﴾ كتبناه فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ
﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ﴾ بَين لأهل مَكَّة ﴿مَّثَلاً﴾ مثل ﴿أَصْحَابَ الْقرْيَة﴾ صفة أهل أنطاكية كَيفَ أهلكناهم ﴿إِذْ جَآءَهَا المُرْسَلُونَ﴾ يَعْنِي جَاءَ إِلَيْهِم رَسُول عِيسَى شَمْعُون الصفار فَلم يُؤمنُوا بِهِ وكذبوه
﴿إِذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيْهِمُ﴾ فَأَرْسَلنَا إِلَيْهِم ﴿اثْنَيْنِ﴾ رسولين سمْعَان وثومان ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ﴾ فقويناهما بشمعون حَيْثُ صدقهما على تَبْلِيغ رسالتهما ﴿فَقَالُوا إِنَّآ إِلَيْكُم مرسلون﴾
﴿قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ﴾ آدَمِيّ ﴿مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ الرَّحْمَن مِن شَيْءٍ﴾ من كتاب وَلَا رَسُول ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ مَا أَنْتُم
369
﴿إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾ على الله
370
﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي الرُّسُل ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ﴾ يشْهد ﴿إِنَّآ إِلَيْكُم لمرسلون﴾
﴿وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ الْبَلَاغ﴾ التَّبْلِيغ عَن الله ﴿الْمُبين﴾ بلغَة تعلمونها
﴿قَالُوا﴾ للرسل ﴿إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ﴾ تشاءمنا بكم ﴿لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ﴾ عَن مَقَالَتَكُمْ ﴿لَنَرْجُمَنَّكُمْ﴾ لنقتلنكم ﴿وَلَيَمَسَّنَّكُمْ﴾ يصيبنكم ﴿مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع وَهُوَ الْقَتْل
﴿قَالُواْ﴾ يَعْنِي الرُّسُل ﴿طَائِرُكُم﴾ شدتكم وشؤمكم ﴿مَّعَكُمْ﴾ من الله بفعلكم ﴿أئن ذكرْتُمْ﴾ أتشاءمتم بِأَن ذكرناكم وخوفناكم بِاللَّه ﴿بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ﴾ مشركون بِاللَّه
﴿وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَة﴾ من وسط الْمَدِينَة ﴿رَجُلٌ﴾ وَهُوَ حبيب النجار ﴿يسْعَى﴾ يسْرع فِي المشى حَيْثُ سمع بالرسل ﴿قَالَ يَا قوم اتبعُوا الْمُرْسلين﴾ بِالْإِيمَان بِاللَّه
﴿اتبعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً﴾ جعلا وَلَا مَالا على الْإِيمَان بِاللَّه ﴿وَهُمْ مُّهْتَدُونَ﴾ وهم مرشدون إِلَى التَّوْحِيد قَالُوا لَهُ تبرأت منا وَمن ديننَا وَدخلت فِي دين عدونا فَقَالَ لَهُم
﴿وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي﴾ خلقني ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بعد الْمَوْت
﴿أَأَتَّخِذُ﴾ أعبد ﴿مِن دُونِهِ﴾ من دون الله بأمركم ﴿آلِهَةً﴾ أصناماً ﴿إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ﴾ إِن يُصِبْنِي الرَّحْمَن بِشدَّة عَذَاب ﴿لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً﴾ لَيْسَ لَهُم شَفَاعَة من عَذَاب الله ﴿وَلاَ يُنقِذُونَ﴾ لَا يجيرون من عَذَاب الله يَعْنِي إِن الْآلهَة
﴿إِنِّي إِذاً﴾ عبدت دون الله شَيْئا ﴿لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي خطأ بَين
ثمَّ قَالَ لَهُم ﴿إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون﴾ فأطيعون بِالْإِيمَان وَيُقَال قَالَ هَذَا للرسل إِنِّي آمَنت بربكم فاسمعون فَاشْهَدُوا لي أَنِّي عبد الله فَأَخَذُوهُ وقتلوه وصلبوه ووطئوه بأرجلهم حَتَّى خرجت قصبه من دبره
﴿قِيلَ ادخل الْجنَّة﴾ فَوَجَبَ لَهُ الْجنَّة وَقيل لروحه ادخل الْجنَّة ﴿قَالَ﴾ روحه بعد مَا دخل الْجنَّة ﴿يَا لَيْت قَوْمِي يَعْلَمُونَ﴾ يَدْرُونَ ويصدقون
﴿بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي﴾ بِالَّذِي غفر لي رَبِّي بِهِ يَعْنِي التَّوْحِيد ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرمين﴾ فِي الْجنَّة بالثواب بِشَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
﴿وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ﴾ بهلاكهم (مِن بَعْدِهِ) من بعد مَا قَتَلُوهُ ﴿مِن جُندٍ مِّنَ السمآء﴾ بملائكة من السَّمَاء ﴿وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ﴾ عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة وَيُقَال مَا أرسلنَا إِلَيْهِم الرُّسُل من بعد قَتله
﴿إِن كَانَتْ﴾ مَا كَانَت ﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ من جِبْرِيل أَخذ جِبْرِيل بِعضَادَتَيْ الْبَاب فصاح فيهم صَيْحَة وَاحِدَة ﴿فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ﴾ ميتون لَا يتحركون
﴿يَا حسرة﴾ أَي حسرة وندامة تكون ﴿عَلَى الْعباد﴾ يَوْم الْقِيَامَة بِمَا لم يُؤمنُوا ﴿مَا يَأْتِيهِمْ﴾ لم يَأْتهمْ ﴿مِّن رَّسُولٍ﴾ رَسُول ﴿إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يستهزؤون﴾ يهزءون ويسخرون بِهِ وَأخذُوا هَؤُلَاءِ الرُّسُل وقتلوهم ودسوهم فى بِئْر
﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ ألم يخبر كفار مَكَّة ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُون﴾ من الْأُمَم الخالية ﴿أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ﴾ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة
﴿وَإِن كُلٌّ لَّمَّا﴾ مَا كل إِلَّا ﴿جَمِيعٌ﴾ يَقُول الْقُرُون كلهم جَمِيع ﴿لَّدَيْنَا﴾ عندنَا ﴿مُحْضَرُونَ﴾ لِلْحسابِ وَالْمِيم هَهُنَا صلَة
﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ﴾ عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة ﴿الأَرْض الْميتَة﴾ بالنبات ﴿أَحْيَيْنَاهَا﴾ بالمطر ﴿وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا﴾ أنبتنا فِيهَا ﴿حَبّاً﴾ الْحُبُوب كلهَا ﴿فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ﴾
﴿وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ﴾ يَعْنِي الكروم ﴿وَفَجَّرْنَا﴾ شققنا ﴿فِيهَا﴾ فِي الأَرْض ﴿مِنَ الْعُيُون﴾ الْأَنْهَار
﴿لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ﴾ من ثَمَر النّخل ﴿وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ﴾ مَا أنبتته أَيْديهم وَيُقَال مَا غرست أَيْديهم ﴿أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾ من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ
﴿سُبْحَانَ﴾ نزه نَفسه ﴿الَّذِي خَلَق الْأزْوَاج﴾ الْأَصْنَاف ﴿كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْض﴾ الحلو والحامض وَغير ذَلِك ﴿وَمِنْ أَنفُسِهِمْ﴾ أصنافاً ذكرا وَأُنْثَى ﴿وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فِي الْبر وَالْبَحْر أصنافاً
﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ﴾ عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة ﴿اللَّيْل﴾ المظلم ﴿نَسْلَخُ مِنْهُ﴾ نَذْهَب عَنهُ ﴿النَّهَار فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ﴾ فِي اللَّيْل
﴿وَالشَّمْس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ منازلها وَيُقَال تجْرِي لَيْلًا وَنَهَارًا لَا مُسْتَقر لَهَا ﴿ذَلِك تَقْدِيرُ الْعَزِيز﴾ تَدْبِير الْعَزِيز بالنقمة لمن لَا يُؤمن بِهِ ﴿الْعَلِيم﴾ بخلقه وتدبيرهم
﴿وَالْقَمَر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ جعلنَا لَهُ منَازِل كمنازل الشَّمْس يزِيد وَينْقص ﴿حَتَّى عَادَ﴾ يصير ﴿كالعرجون الْقَدِيم﴾ كالعذق المقوس الْيَابِس إِذا حَال عَلَيْهِ الْحول
﴿لاَ الشَّمْس يَنبَغِي لَهَآ﴾ يصلح لَهَا ﴿أَن تدْرِكَ الْقَمَر﴾ أَن تطلع فِي سُلْطَان الْقَمَر فَيذْهب ضوؤه ﴿وَلاَ اللَّيْل سَابِقُ النَّهَار﴾ وَلَا اللَّيْل يطلع فى سُلْطَان النَّهَار فَيذْهب ضوؤه ﴿وَكُلٌّ﴾ الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم ﴿فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ فِي دوران يدورون وَفِي مجراة يجرونَ
﴿وَآيَةٌ لَّهُمْ﴾ عِبْرَة وعلامة لأهل مَكَّة ﴿أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ فِي أصلاب آبَائِهِم حِين حمل الْآبَاء والذرية ﴿فِي الْفلك﴾ فِي سفينة نوح ﴿المشحون﴾ الموقرة وَيُقَال المجهزة المملوءة الَّتِي فرغ من جهازها الَّتِي لم يبْق لَهَا إِلَّا رَفعهَا
﴿وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ﴾ من مثل سفينة نوح ﴿مَا يَرْكَبُونَ﴾ من الزواريق وَالْإِبِل
﴿وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ﴾ فِي الْبَحْر ﴿فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ﴾ فَلَا مغيث لَهُم من الْغَرق ﴿وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ﴾ يجارون من الْغَرق
﴿إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا﴾ نعْمَة منا تنجيهم من الْغَرق ﴿وَمَتَاعاً﴾ أَََجَلًا ﴿إِلَى حِينٍ﴾ إِلَى وَقت مَوْتهمْ وهلاكهم
﴿وَإِذا قيل لَهُم﴾ لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم النبى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿اتَّقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ﴾ من أَمر الْآخِرَة فآمنوا بهَا وَاعْمَلُوا لَهَا ﴿وَمَا خَلْفَكُمْ﴾ من أَمر الدُّنْيَا فَلَا تغتروا بهَا وبزهوها ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ لكَي ترحموا فِي الْآخِرَة فَلَا تعذبوا
﴿وَمَا تَأْتِيهِم﴾ كفار مَكَّة ﴿مِّنْ آيَةٍ﴾ من عَلامَة ﴿مِّنْ آيَاتِ﴾ عَلَامَات ﴿رَبِّهِمْ﴾ مثل انْشِقَاق الْقَمَر وكسوف الشَّمْس وَمُحَمّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا﴾ بهَا ﴿مُعْرِضِينَ﴾ مكذبين
﴿وَإِذا قيل لَهُم﴾ لأهل مَكَّة قَالَ لَهُم فُقَرَاء الْمُؤمنِينَ ﴿أَنفِقُواْ﴾ تصدقوا على الْفُقَرَاء ﴿مِمَّا رِزَقَكُمُ الله﴾ أَعْطَاكُم الله ﴿قَالَ الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿لِلَّذِينَ آمنُوا﴾ لفقراء الْمُؤمنِينَ ﴿أَنُطْعِمُ﴾ أنتصدق ﴿مَن لَّوْ يَشَآءُ الله﴾ على من لَو يَشَاء الله ﴿أَطْعَمَهُ﴾ رزقه ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ مَا أَنْتُم يَا معشر الْمُؤمنِينَ وَيُقَال قَالَ لَهُم الْمُؤْمِنُونَ إِن أَنْتُم مَا أَنْتُم ﴿إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ فِي خطأ بَين وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي زنادقة قُرَيْش
﴿وَيَقُولُونَ﴾ كفار مَكَّة ﴿مَتى هَذَا الْوَعْد﴾ الَّذِي تعدنا يَا مُحَمَّد ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت
﴿مَا يَنظُرُونَ﴾ مَا ينْتَظر قَوْمك بِالْعَذَابِ إِذْ كَذبُوك ﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ وَهِي النفخة الأولى
371
﴿تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ﴾ يتنازعون فِي السُّوق
372
﴿فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً﴾ وَصِيَّة وَيُقَال كلَاما ﴿وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ﴾ من السُّوق وَيُقَال وَلَا إِلَى أهلهم يرجعُونَ يحيرون الْجَواب
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّور﴾ وَهِي نفخة الْبَعْث ﴿فَإِذَا هُم مِّنَ الأجداث﴾ من الْقُبُور ﴿إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسلونَ﴾ يخرجُون
﴿قَالُواْ﴾ بعد مَا خَرجُوا من الْقُبُور يَعْنِي الْكفَّار ﴿يَا ويلنا مَن بَعَثَنَا﴾ من نبهنا ﴿مِن مَّرْقَدِنَا﴾ من منامنا فَيَقُول بَعضهم لبَعض ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَن﴾ فِي الدُّنْيَا وَيُقَال تَقول لَهُم الْمَلَائِكَة يَعْنِي الْحفظَة هَذَا مَا وعد الرَّحْمَن على أَلْسِنَة الرُّسُل فِي الدُّنْيَا ﴿وَصَدَقَ المُرْسَلُونَ﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت
﴿إِن كَانَتْ﴾ مَا كَانَت ﴿إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً﴾ نفخة وَاحِدَة وَهِي نفخة الْبَعْث ﴿فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا﴾ عندنَا ﴿مُحْضَرُونَ﴾ لِلْحسابِ
﴿فاليوم﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً﴾ لَا ينقص من حَسَنَات أحد وَلَا يُزَاد على سيئات أحد ﴿وَلاَ تُجْزَوْنَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون فِي الدُّنْيَا
﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجنَّة﴾ أهل الْجنَّة ﴿الْيَوْم﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿فِي شُغُلٍ﴾ عَمَّا فِيهِ أهل النَّار ﴿فَاكِهُونَ﴾ معجبون بافتضاضهم الْأَبْكَار وَيُقَال ناعمون إِن قَرَأت بِالْألف
﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ﴾ حلائلهم ﴿فِي ظِلاَلٍ﴾ فِي ظلّ الشّجر ﴿عَلَى الأرآئك﴾ على السرر فِي الحجال ﴿متكئون﴾ جالسون
﴿لَهُمْ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿فَاكِهَةٌ﴾ ألوان الْفَوَاكِه ﴿وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ﴾ مَا يسْأَلُون ويشتهون
﴿سَلاَمٌ قَوْلاً﴾ يسلمُونَ عَلَيْهِم سَلاما ﴿مِّن رَّبٍّ رَحِيم﴾
﴿وامتازوا الْيَوْم﴾ يَقُول الله لَهُم تفَرقُوا الْيَوْم ﴿أَيُّهَا المجرمون﴾ الْمُشْركُونَ فميزهم الله من الْمُؤمنِينَ وَيَقُول لَهُم
﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ﴾ ألم أقدم إِلَيْكُم فِي الْكتاب مَعَ الرَّسُول ﴿يَا بني آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشَّيْطَان﴾ لَا تطيعوا الشَّيْطَان ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ ظَاهر الْعَدَاوَة
﴿وَأَنِ اعبدوني﴾ وحدوني ﴿هَذَا﴾ التَّوْحِيد الَّذِي أَمرتكُم ﴿صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ﴾ دين حق مُسْتَقِيم
﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ﴾ الشَّيْطَان ﴿مِنْكُمْ﴾ يَا بني آدم ﴿جِبِلاًّ﴾ خلقا ﴿كَثِيراً﴾ قبلكُمْ ﴿أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ﴾ تعلمُونَ مَا صنع بهم فَلَا تقتدوا بهم
﴿هَذِه جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿اصلوها﴾ ادخلوها ﴿الْيَوْم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ تجحدون بهَا وبالكتاب وَالرسل
﴿الْيَوْم﴾ وَهُوَ يَوْم الْقِيَامَة ﴿نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ﴾ نمْنَع ألسنتهم عَن الْكَلَام بعد مَا أَنْكَرُوا ﴿وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ﴾ بِمَا بطشوا بهَا ﴿وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ﴾ بِمَا مَشوا بهَا وَتشهد جوارحهم ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ يعْملُونَ من الشَّرّ
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ﴾ لفقأنا أعين ضلالتهم ﴿فاستبقوا الصِّرَاط﴾ فَأَبْصرُوا الطَّرِيق ﴿فَأنى يُبْصِرُونَ﴾ من أَيْن يبصرون وَلم تفقأ عين ضلالتهم
﴿وَلَوْ نَشَآءُ لَمَسَخْنَاهُمْ﴾ قردة وَخَنَازِير ﴿على مَكَانَتِهِمْ﴾
372
فِي مَنَازِلهمْ فِي دِيَارهمْ ﴿فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً﴾ ذَهَابًا وَلَا مجيئاً ﴿وَلاَ يَرْجِعُونَ﴾ فِي دِيَارهمْ إِلَى الْحَال الأول
373
﴿وَمَن نّعَمِّرْهُ﴾ نمهله فِي الْعُمر ﴿نُنَكِّسْهُ﴾ نحططه ﴿فِي الْخلق﴾ فِي الْخلق الأول حَتَّى صَار كَأَنَّهُ طِفْل لَا لحي لَهُ وَلَا أَسْنَان وَلَا قُوَّة يَبُول ويتغوط كالطفل ﴿أَفَلاَ يَعْقِلُونَ﴾ أَفلا يصدقون بذلك
﴿وَمَا علمناه الشّعْر﴾ يعْنى مُحَمَّدًا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَمَا يَنبَغِي لَهُ﴾ مَا يصلح لَهُ الشّعْر ﴿إِنْ هُوَ﴾ مَا هُوَ يَعْنِي الْقُرْآن ﴿إِلاَّ ذِكْرٌ﴾ عظة ﴿وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ﴾ مُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى
﴿لينذر﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْقُرْآنِ ﴿مَن كَانَ حَيّاً﴾ من كَانَ لَهُ عقل ﴿وَيَحِقَّ القَوْل﴾ يجب القَوْل بالسخط وَالْعَذَاب ﴿عَلَى الْكَافرين﴾ كفار مَكَّة فَلَا يُؤمنُونَ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن
﴿أولم يرَوا﴾ أولم يخبروا ﴿أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم﴾ لأهل مَكَّة ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ﴾ مِمَّا خلقنَا لَهُم بقدرتنا بكن فَكَانَ ﴿أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ﴾ ضابطون مالكون عَلَيْهَا
﴿وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ﴾ سخرناها لَهُم ﴿فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ﴾ مِنْهَا مَا يركبون ﴿وَمِنْهَا يَأْكُلُون﴾ من لحومها يَأْكُلُون
﴿وَلَهُمْ﴾ يَعْنِي لأهل مَكَّة ﴿فِيهَا﴾ فِي الْأَنْعَام ﴿مَنَافِعُ﴾ فِي حملهَا وكسبها ﴿وَمَشَارِبُ﴾ من أَلْبَانهَا ﴿أَفَلاَ يَشْكُرُونَ﴾ من فعل بهم ذَلِك فيؤمنوا بِهِ
﴿وَاتَّخذُوا﴾ عبدُوا كفار مَكَّة ﴿مِن دُونِ الله آلِهَةً﴾ أصناماً ﴿لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ﴾ يمْنَعُونَ من عَذَاب الله
﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ﴾ لَا يَسْتَطِيع الْآلهَة منع عَذَاب الله عَنْهُم ﴿وَهُمْ﴾ يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿لَهُمْ﴾ بِالْبَاطِلِ الْأَصْنَام ﴿جُندٌ مٌّحْضَرُونَ﴾ كالعبيد قيام بَين أَيْديهم
﴿فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ﴾ تكذيبهم يَا مُحَمَّد ﴿إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ﴾ من الْمَكْر والخيانة ﴿وَمَا يعلنون﴾ من الْعَدَاوَة
﴿أَو لم ير الْإِنْسَان﴾ أولم يعلم أبي بن خلف ﴿أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ﴾ مُنْتِنَة ضَعِيفَة ﴿فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ رجل جدل بِالْبَاطِلِ ﴿مٌّبِينٌ﴾ ظَاهر الْجِدَال
﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً﴾ وصف لنا مثلا بالعظام ﴿وَنَسِيَ خَلْقَهُ﴾ ترك ذكر خلقه الأول ﴿قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَام وَهِيَ رَمِيمٌ﴾ تُرَاب بالية
﴿قُلْ﴾ لَهُ يَا مُحَمَّد ﴿يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَآ﴾ خلقهَا ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ من النُّطْفَة ﴿وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ﴾ بِخلق كل شَيْء ﴿عَلِيمٌ﴾
﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشّجر الْأَخْضَر نَاراً﴾ غير الْعَذَاب ﴿فَإِذَآ أَنتُم﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿مِنْهُ توقدون﴾ تقدحون مِنْهُ النَّار
﴿أَو لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ﴾ يحيي ﴿مِثْلَهُم بلَى﴾ قَادر على ذَلِك ﴿وَهُوَ الخلاق﴾ الْبَاعِث ﴿الْعَلِيم﴾
﴿إِنَّمَآ أَمْرُهُ﴾ فِي الْبَعْث ﴿إِذَآ أَرَادَ شَيْئاً﴾ إِذا أَرَادَ أَن يكون الْبَعْث فَيكون الْبَعْث ﴿أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ قيام السَّاعَة
﴿فَسُبْحَانَ﴾ نزه نَفسه ﴿الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ خَزَائِن كل شَيْء وَخلق كل شَيْء ﴿وَإِلَيْهِ ترجعون﴾ بعد الْمَوْت فيجزيكم بأعمالكم
373
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الصافات وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها مائَة وَإِحْدَى وَثَمَانُونَ وكلماتها ثَمَانمِائَة وَسِتُّونَ وحروفها ثَلَاثَة آلَاف وَثَمَانمِائَة وَتِسْعَة وَعِشْرُونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
374
Icon